الملك فهد رداً على تهجم قيادات فلسطينيه على السعودية:اراضينا لم تحتل وشعبنا لم يشرد، وفعلنا ما فعلنا من اجلهم فماذا كانت النتيجة؟ ان نُجرح ونُشتم!
قيادات فلسطينيه في ردها على مبادرة الملك فهد:نحن قابلون بتشريد ابنائنا واحتلال اراضينا. قابلون بهذا الوضع ولا نريد السلام، لماذا تتدخل المملكة؟
يتحدث غازي القصيبي رحمه الله في كتابه "الوزير المرافق" عن مبادرة الملك فهد للسلام ١٩٨١، وما تعرضت له المملكة و الملك فهد شخصيا من اذى وتهجم وقلة احترام من قبل القيادات الفلسطينيه :
يقول غازي القصيبي:
في صيف سنة ١٩٨١م ادلى الملك فهد لوكالة الانباء السعودية بتصريح عن القضية الفلسطينية. كان التصريح يحتوي على مشروع للسلام مكون من ٨ نقاط. تحدث عن انسحاب اسرائيلي كامل وعن دولة فلسطينية مستقلة - في الضفة الغربية وغزة وعاصمتها القدس، وعن تعايش دول المنطقة. بعد نشر التصريح غادر الملك فهد (كان وقتها وليًا للعهد) في زيارة خاصة الى المغرب. بدأت ردود الفعل العالمية تترى، اعلنت اسرائيل رفضها الشديد للمشروع، بينما قالت الولايات المتحدة ان المشروع جدير بالدراسة - لا احد يعلم كيف خرج المشروع الا الملك فهد واولئك الذين شاركوا في صياغته.
قبل التصريح بليلتين اجتمع الملك فهد بعناصر معتدلة من فتح وقضى معهم وقتا طويلا. بدأ المشروع يكتسب قوة دفع ذاتية لم يكن احد يتوقعها ربما لانها صدرت كأول موقف تتخذ فيه المملكة موقفًا واضحًا من القضية الفلسطينية.
وبعد عودة الملك فهد من المغرب اصدر توجيهاته الى وسائل الاعلام السعودية بأن تكف عن الحديث عن "مشروع فهد" وتتحدث عن "المشروع السعودي". كانت القمة العربية الـ ١٣ على وشك الانعقاد، ايدت دول الخليج المشروع وتبعتها دول عربية كثيرة بدأ المشروع يدب في النفوس في ان يتحول لمشروع عربي للسلام.
ومع بشائر الإجماع الخليجي والعربي كانت هناك نذر توحي بالقلق اولها انعقاد القمة الخليجية.
رفضت الكويت المشروع، بسبب حساسيتها المفرطة تجاه اي موضوع يثير الفلسطينيين، في ظل غموض موقفهم من المشروع. في النهاية صدرت عن المجلس عبارات مطاطة مفادها ان تتولى المملكة عرض المشروع امام القمة.
وعقدة العقد موقف الفلسطينيين انفسهم! كان المفترض ان يحظى المشروع بتأييد فوري منهم لأنه خرج بعد مفاوضات طويلة مع عناصر فتح المعتدلة، او على الاقل من قادة فتح انفسهم، الا ان هذا لم يحدث، بل انتقده الفلسطينيون على الفور، فقط قلة قليلة من الزعماء الغير بارزين هي التي جاهرت بتأييده ، اما ياسر عرفات موضوع اخر! كان كعادته يطلق عشرات التصاريح المتناقضة. يأتي للمملكة ويقول انه مع المشروع تمامًا، ويغادرها ويقول ان رأيه الشخصي لا يهم والمهم هو موقف قيادة منظمة التحرير. فشلت كل محاولات الملك فهد للحصول على موقف ثابت و واضح من عرفات
وفي هذه الاجواء انعقدت قمة فاس في نوفمبر ١٩٨١. عندما وصلنا لفاس كان المشروع حديث الجميع. وكان الملك فهد في حيرةٍ من امره، غالبية الدول العربية مع المشروع فيما كان يتحفظ عليه سوريا والفلسطينيين. سمع الملك فهد بعض الاعضاء من الوفد الفلسطيني وهم يهاجمون المشروع بعبارات نابية ، وسمع عن جهود مكثفة بين السوريين والفلسطينيين لقتل المشروع ، ثم قرر الملك فهد الاجتماع بالملك الحسن ملك المغرب، والملك الحسين ملك الاردن، وعقد الثلاثة اجتماعا مطولا، كان من الواضح ان هناك خيارين رئيسين:
١- التمسك بالمشروع ومناقشة اي تعديلات مقترحة والتصويت عليه
٢- سحب المشروع نهائيا
كان هناك مزايا وعيوب لكل خيار.
مزايا الخيار الاول انه اثبات للعالم ان معظم الدول العربية تقف بجانب السعودية، اما عيبه انه سيعيد تقسيم العالم العربي بقاموس السياسة العربي الى ثورييّن ورجعيين، وهذا امر كان الملك فهد يريد ان يتحاشاه مهما كانت الظروف.
اما الخيار الثاني وهو سحب المشروع، كانت ميزته انه يريح المملكة من عبء الدفاع الطويل، وهو سيلقي بفشل المؤتمر على عاتق الرافضين للمشروع (سوريا والفلسطينيين). اما عيبه فكان القضاء على فرصة تاريخية في اقرار مشروع عربي موحّد للسلام، فرصة لن تتكرر ابدًا.
اعتذر الرئيس السوري عن الحضور للقمة في اخر لحظة واناب عبدالحليم خدام. واعتذر صدام حسين لانشغاله بحرب ايران واناب عزت الدوري، واعتذر عدد اخر من رؤساء الدول. فأصبح واضحًا للملك الحسن (ملك المغرب) الدولة المستضيفة للقمة، انه في غياب عدد من القادة البارزين وفي ضوء الخلاف على المشروع السعودي، فإن المؤتمر لن يصل الى اي اقرار جماعي ،عندها قرر الملك الحسن ان ينسف المؤتمر عليه وعلى الغائبين والرافضين قبل ان يبدأ، وهذا ما كان!
ادار الملك الحسن القمة بعقلية المدرس الصارم، كان يستخدم سلطات "رئاسة القمة" على نحو دكتاتوري بلا خجل او اعتذار. يتكلم عندما يريد ويقاطع من يشاء. بدأ كلمته بمحاضرة طويلة ابدى فيها ألمه الشديد واضاف لا معنى للقمة دون حضور رؤساء الدول، لأنهم يملكون حق التوقيع على قرار الحرب والسلم
كان الملك الحسن في مزاج لا يخلو من عنف عندما حاول ياسر عرفات ان يلمح الى ان غياب البعض لا يمنع النقاش المفيد فقاطعه الملك بعنف:
ارجوا ان لا تعطينا دروسًا في القانون الدستوري وانا لا احتاج الى درس منك في القانون!
وتراجع ابو عمار بسرعة: العفو يا جلالة الملك! نحن نتعلم منك الدروس
تحدث الزعماء ثم جاء دور ياسر عرفات وبدأ بداية غريبة وقال: كما تعرفون جميعا فإنني لم انم طيلة الليالي الماضية، لقد اتخذت ليلة امس اصعب واخطر قرار في حياتي.
ساد القاعة صمت يملؤه توقع، هل سيؤيد المشروع ام سيرفضه؟ هل سيخرج بشيء اخطر من القبول او الرفض؟
اكمل ابو عمار: لقد قررت ان اوقف الدراسة في المدارس الثانوية والاعدادية الفلسطينية في جنوب لبنان حتى يقف الطلاب مُسلحين على حدود الامة العربية مع اسرائيل! اشبال فلسطين يقفون الان على اهبة الاستعداد لحماية الامة العربية!
طلاب مدارس!
أُصيب الحاضرون جميعًا بموجة من الوجوم!
بعدها، تحدث الزعماء العرب ورؤساء الوفود ما بين مؤيد ومعارض ومتحفظ وما بين من يريد تعديله، وصمت الباقون. لم يتحدث احد من دول الخليج بالتأييد او الرفض. تحدث ياسر عرفات عدة ومرات، ظل يلف ويدور، وتنقل من عموميات الى عموميات وكان من الواضح ان ابو عمّار لا يريد رفض المشروع ولا تأييده
طلب الملك فهد الكلمة، وقال:
ان المملكة لم تحاول، ولن تحاول فرض اي شيء على احد. ادليت بتصريح لوكالة الانباء السعودية يعبر عن وجهة نظر المملكة. لم نقل ان هذا مشروع عربي ولم نطلب ان يتبناه احد، غير ان هناك عددًا من الدول في العالم ايدته على الفور. رغبت عدد من الدول العربية الشقيقة ان نعرضه على المؤتمر ووافقنا. لم نلتزم مع دول عظمى او غير عظمى بشيء، لسنا مقيدين بشيء ولا ملتزمين بشيء تجاه أحد. لقد اتينا هنا للنقاش. لم نأت هنا لنُجرح او نُهان، ولا اقبل ان يجرح اي انسان المملكة! اتفقوا على ما شئتم. انني باسمي اسحب الان المشروع السعودي نهائيًا من جدول الاعمال.
كانت كلمة الملك فهد قنبلة لم يتوقعها احد. سُحب البساط من تحت الذين كانوا يخططون لنسف المشروع وكل من اراد مناقشته وتغييره. تكلم الملك حسين وياسر عرفات ومزالي وامير الكويت وجميعهم رفضوا سحب المشروع. لم تكن كل هذه الرجاءات خالصةً لوجه الله. كان سحب المشروع يعني نهاية القمة
وكان سحب المشروع يعني ان تبقى مطالب الفلسطينيين والسوريين والاردنيين واللبنانيين مُعلقة دون مناقشة ودون دعم عربي من "الأمة العربية". تكلم إلياس سركيس رئيس الجمهورية اللبنانية كلامًا دامعًا ناشد الله ثم الملك فهد الا يذهب حتى ينظر في مأساة لبنان، لكن الملك فهد اصر على سحب المشروع ، وكرر الملك فهد انه لن يسمح لأحد كائنًا من كان ان يُجرّح المملكة. وهكذا انتهى مؤتمر القمة العربية في فاس بعد جلسة واحدة استغرقت قرابة ٧ ساعات.
سافر بعدها الملك فهد الى ماربيا في اسبانيا. كان يعاني الكثير من الكآبة وخيبة الامل. بقي في قصره طوال الوقت ولم يخرج منه سوى مرة واحدة. كان يتحدث عن الموقف العربي بانكسار ويأس.
كان الملك فهد يقول: اراضينا لم تحتل وشعبنا لم يشرد، وفعلنا ما فعلنا من اجلهم فماذا كانت النتيجة؟ ان نُجرح ونُشتم!
كان الملك فهد يردد ما قاله بعض اعضاء الوفد الفلسطيني خارج القاعة: نحن قابلون بتشريد ابنائنا واحتلال اراضينا. قابلون بهذا الوضع ولا نريد السلام، لماذا تتدخل المملكة؟
ويضيف الملك فهد: كيف يمكن التفاهم مع امثال هؤلاء؟ ..
تلك قصة مشروع الملك فهد للسلام وقصة الاحداث التي عاصرتها في الدورة الاولى من قمة فاس
المصدر:الأن وليس قريباً
كتاب الوزير المرافق - غازي القصيبي
الصفحات (١٧٩-١٩٣)