ماذا تعارض أمريكا دفاع تركيا عن نفسها إذا لم تكن ستهاجم؟
نشر بتاريخ 02 يونيو 2019
مقالات
ياسين أقطاي - يني شفق
أضحت صفقة شراء تركيا منظومة الدفاع الجوي إس-400 مؤخرا هي أهم مسألة على أجندة تركيا والولايات المتحدة. بيد أننا عندما نجري تقييما شاملا لتطورات الأحداث التي دفعت تركيا للإقدام على شراء هذه المنظومة، علينا أن نعتبر أن هذه الخطوة تأتي نتيجة مشكلة أكثر عموما في العلاقات بين البلدين.
تقول الولايات المتحدة إن عضوية تركيا في حلف الناتو يجب أن يضع لها حدودا فيما يتعلق بشراء هذه المنظومة الدفاعية. غير أن الحلف لا يفرض أي التزام على الدول الأعضاء يتعلق بعملية تطوير منظماتها الدفاعية أو شرائها بطرق أخرى. وهو ما قاله الشهر الماضي الأمين العام للحلف ستولتنبرغ بنفسه. ولهذا يبدو أن لا علاقة لهذه المسألة بعضوية الناتو، بل أنها تجري داخل إطار حدود العلاقة مع واشنطن. هذا فضلا عن أن الولايات المتحدة كانت هي دائما الجانب الذي لم يلتزم بمسؤولياته تجاه تركيا الناجمة عن عضويته بالحلف، بل إن واشنطن أخلت بهذه المسؤوليات بشكل صريح.
إن عضوية الناتو تنص على ضرورة التعاون والتضامن من أجل الدفاع عن أي دولة من الدول الأعضاء في حالة تعرضها لأي تهديد. لكن الولايات المتحدة تحججت بمواجهة تهديد داعش لتقدم على تسليح تنظيم ي ب ج أو ب ي د التابع لمنظمة بي كا كا الإرهابية في سوريا، في حين أن هذه المنظمة مدرجة حتى في الوثائق الرسمية الأمريكية كمنظمة إرهابية بعدما كانت سببا في مقتل 50 ألف مواطن تركي على مدار نحو أربعة عقود. وقد شكلت واشنطن جيشا من مليشيات ذلك التنظيم ونشرته على طول الحدود مع تركيا، لتدعم الإدارة الأمريكية هذا التهديد، ناهيكم أصلا عن أن تدعم تركيا لمواجهته. وبينما كانت تفعل ذلك كانت تركيا تتعرض كل يوم لهجمات تلك المنظمة الإرهابية ليسقط منها شهداء من العسكريين أو المدنيين على حد سواء.
وفي الوقت الذي لم تقتنع فيه الولايات المتحدة بتغيير تنظيم القاعدة اسمه في سوريا أولا إلى جبهة النصرة ثم إلى هيئة تحرير الشام من أجل المراوغة، فإنها اعتبرت تغيير منظمة بي كا كا الإرهابية اسمها على حدود سوريا إلى ي ب ج كافيا لإخراج المنظمة من قائمة المنظمات الإرهابية، بل وحاولت أن تخدعنا بذلك.
بيد أن إقامة هذه المنظمة دويلة على حدود تركيا يهدد أنقرة بصفتها إحدى الدول الأعضاء في حلف الناتو وكذلك يهدد المنطقة بأسرها. كما أن ذلك يكون قسم مزق أراضي سوريا ظلما وعدوانا وساهم في عملية تطهير عرقي تتم من خلال تنظيم ي ب ج. كان يقول أحد الصحافيين الذين نقلوا انطباعاتهم عن معسكرات ي ب ج في سوريا إن الأشخاص الذين قابلهم هناك لم يكونوا يتحدثون أبدا اللغة العربية أو الكردية، بل كانوا يتحدثون التركية. والسبب معروف، ألا وهو أن نحو جميع العناصر التي تقود ي ب ج هي من مليشيات بي كا كا القادمة من تركيا.
لقد خرجت علينا واشنطن بعشرات الحجج لكيلا تزود أنقرة بالأسلحة التي يمكنها الدفاع بها عن نفسها في حالة تعرضها لأي هجوم، كما رفضت بيع منظومة صواريخ باتريوت إلى تركيا قبل عشر سنوات في عهد الرئيس السابق باراك أوباما. ولم تكتف الولايات المتحدة بذلك وحسب، بل وهبت لأسلحة التي لم تبعها لتركيا بالمال بلا مقابل لتنظيم ي ب ج في سوريا في صورة 7 آلاف شاحنة وألفي طائرة شحن محملة بالأسلحة، وهو ما يشكل تهديدا صريحا ضد تركيا.
لقد فقدت الولايات المتحدة منذ زمن طويل مكانتها كدولة يمكنها تذكير تركيا بمعايير الالتزام بشروط أو أخلاقيات أو قواعد عضوية حلف الناتو. هذا إلى جانب أن تركيا عندما تشتري صواريخ إس-400 فإنها لن تكون قد أخلت بشروط عضوية الحلف. كما أن مسألة توافق هذه المنظومة مع طائرات إف-35 أو أنظمة الناتو الأخرى ليست مسألة عويصة لا يمكن حلها، بل يمكن دراستها من الناحية الفنية والعمل على حلها. هذا فضلا عن أن تركيا تحصل على صواريخ إس-400 بسعر وشروط أفضل مقارنة بنظيرتها الأمريكية باتريوت؛ إذ تشتريها مع إمكانية تطويرها بشكل مشترك مستقبلا من أجل تصديرها، وهي ميزة لا يمكننا الحصول عليها من أي دولة من أعضاء الناتو أو حتى الولايات المتحدة.
ولهذا فإن القضية تعتبر قضية متعلقة بالعلاقات التركية – الأمريكية أكثر من تعلقها بعلاقة تركيا بالناتو. وأما السؤال الواجب طرحه في هذا المقام فهو: لماذا تعترض واشنطن على شراء أنقرة منظومة دفاعية للدفاع عن نفسها في مواجهة حصار تتعرض له ويشكل تهديدا حقيقا لها؟ فتركيا لا تشتري سلاح هجوم، بل إنه سلاح دفاع.
لماذا تعارض الولايات المتحدة فكرة دفاع تركيا عن نفسها؟ لماذا تعترض على شراء تركيا منظومة دفاعية إذا كانت لن تشن هجوما في يوم من الأيام؟ ألا يكشف معارضة واشنطن لشراء أنقرة صواريخ إس-400 عن نيتها لتنفيذ هجوم يستهدف تركيا صراحة يوما ما؟
ألا يمكن أن يكون دفاع تركيا عن نفسها في مواجهة الولايات المتحدة التي أصبحت تهديدا حقيقيا يعتبر تدبيرا احتياطيا تتخذه أنقرة أكثر من كونها تريد الدفاع عن نفسها في وقت كشفت فيه واشنطن عن نيتها هذه بشكل صريح؟
لا ينبغي لأحد مناقشة حق تركيا في شراء أنظمة دفاعية في وقت تتعرض فيه لتهديد أنظمة هجومية تحيط بها من كل مكان وتمثل تهديدا يحدق بها في كل لحظة. وإن محاولة إثناء تركيا عن قرارها هذا يعني الاستسلام ضمنيا لتهديد الأسلحة الموجهة نحو أراضيها.
وبطبيعة الحال فهناك علاقة بين هذه المسألة وقانون CAATSA، أي القانون الذي أصدره الكونغرس الأمريكي في أغسطس 2017 بشأن مكافحة خصوم الولايات المتحدة عن طريق فرض العقوبات. وهناك من يقول إن شراء تركيا صواريخ إس-400 من روسيا يخل بالمادة 231 من هذا القانون، ولهذا يجب طرح فكرة فرض العقوبات لهذا السبب. وتنص هذه المادة على فرض عقوبات على الأفراد أو المؤسسات التي تتعامل مع الجهات الاستخباراتية أو الدفاعية في روسيا التي تعتبر من خصوم الولايات المتحدة.
هل بإمكانكم تصور أبعاد الثمن الذي فرض على تركيا سداده من أجل تحالفها مع الولايات المتحدة؟
تعتبر الولايات المتحدة إيران خصما لها، ولهذا فهي تعتبر أن أي تعامل مع إيران يعد إجراء مضادا لها في سياق العقوبات التي تفرضها عليها. كما تعتبر الولايات المتحدة روسيا خصما لها، ولهذا فهي تحاول اعتبار صفقة إس-400 بمثابة استثمار في الصناعة الروسية، لتحمّل تركيا فاتورة هذه العقوبات التي تفرضها على روسيا.
إن تركيا تحمَّل كلفة العقوبات الأمريكية، وأما الولايات المتحدة فلا تقدم أي مساهمة تذكر لتغطية هذه التكلفة، وعندما تتخذ تركيا تدابيرها اللازمة لمواجهة هذه الوضعية، فإن الولايات المتحدة تعارض هذه الخطوة. وإن هذه هي الصورة الأشمل للمشهد، فماذا يمكننا أن نرى يا ترى في الأفق الأوسع؟
عن الكاتب
ياسين أقطاي
نائب في البرلمان التركي ونائب الأمين العام لحزب العدالة والتنمية ومسؤول الشؤون الخارجية في الحزب