أحدث الأزمات التي يواجهها الصومال هذه المرة، قطيعة دبلوماسية مع إحدى جاراته، إذ استدعت كينياسفيرها لدى الصومال الجنرال لوكاس تومبو، كما أمرت السفير محمد نور ترسن سفير الصومال لديها بمغادرة البلاد بسبب نزاع على الحدود البحرية، وأوردت الصحافة الكينية التي وصفت الصومال بالعدو أنه سيتم إيقاف رحلات الطيران بين البلدين.
واتهمت الحكومة الكينية في بيان وزارة الخارجية، الصومال بتجاهل المعايير الدولية في حل النزاعات الحدودية والخلافات السياسية من خلال بيع حقول نفطية في المناطق المتنازع عليها بين الدولتين بالمزاد العلني، في إشارة إلى مؤتمرٍ بشأن النفط في الصومال عقد في الـ7 من شهر فبراير/شباط الحاليّ في لندن برعاية شركة "سبكترام"، تم خلاله عرض المسوحات التي أجريت في 50 حقلاً نفطيًا في البحر.
يُعد هذا أكبر تصعيد كيني للعلاقات بين البلدين، ويأتي التصعيد الكيني اعتراضًا على تنظيم الصومال مؤتمر لندن لطرح مناطق بحرية بهدف التنقيب عن النفط، والمنطقة التي عرضتها مقديشو تقول إنها تقع ضمن منطقة الحدود البحرية الصومالية التي بدأت كينيا بالمطالبة بها قبل بضع سنين، مع العلم أن قضية الخلاف الحدودي ما زالت منظورة أمام محكمة العدل الدولية بعد أن ربح الصومال الجولة الأولى من القضية أمام المحكمة وتعتبِر أوساط صومالية أن التصعيد الكيني الأخير يأتي استباقًا لحكم المحكمة الذي يُتوقع أن يكون في صالح الصومال، بحسب رؤيتهم.
الخلاف الحدودي البحري (بين الخطين الأخضرين) أساس المشكلة
كانت الخلافات بين الصومال وكينيا منذ أن نالا استقلالهما من بريطانيا وايطاليا تتمحور فقط حول قضية منطقة انفدي (شمال شرق كينيا) ذات الأغلبية الصومالية الا أنها ضاعت في خضم الازمات التي عصفت بالصومال وسقطت في غياهب النسيان، وحل محلها في عام 2009 قضية النزاع البحرى وملكية مثلث ضيق قبالة سواحل المحيط الهندي في الحدود بين البلدين إي حوالي 100 ألف كيلومتر مربع (62.000 ميل مربع) ، والمفترض أن يكون لديه محزون كبير من النفط والغاز، وادعى كل طرف ملكية هذا المثلث، وبعد أن فشلت قيادة البلدين في حل النزاع عبر محادثات ثنائية لجئت الصومال إلى التحكيم الدولي وأن القضية لا تزال في أروقة محكمة العدل الدولية بلاهاي بالرغم من ادعاء كينيا بعدم اختصاص المحكمة بالنظر في القضية.
ولم يعد أمام الصومال سوى ثلاثة خيارات:
الخيار الأول : أن تترك القضية كما هي دون تصعيد وتعيد النظر في سياساتها الداخلية وتقوم بتعديل وزاري لتشكيل حكومة تستوعب عددا من المعارضين السياسين بهدف تحصين الجبهة الداخلية أمام الخطوات الآخرى التي قد تتخذها كينيا.
الخيار الثاني: أن تتراجع خطوة إلى الوراء وتفتح حوارا مع الحكومة الكينية للتوصل إلى صيغة معنية يحفظ ماء وجه القيادتين بدعم من دول آخرى تسعى إلى حماية المصالح الاستراتيجية للمنطقة في الصومال وخصوصا فيما يتعلق بقضية محاربة الارهاب في القرن الإفريقي.
الخيار الثالث: أن يغامر الصومال ويتخذ مواقف تصعيدية من قبيل المطالبة بانسحاب القوات الكينية من الصومال ، ووقف الرحلات التجارية بين كينيا والصومال وخاصة رحلات الطائرات التي تنقل “القات” إلى الصومال والمدرة بأموال كثيرة لخرنية كينيا بالإضافة إلى طرد العمال الكينيين في الصومال والبالغ عددهم أكثر من 50 ألف عامل.
الفساد عصف في الصومال من كل جانب بسبب رخاوة القيادة التي تضع مصالحها الشخصية فوق كل اعتبار
في السابع من فبراير/شباط 2019، وبينما كان العالم يتابع جلسات البرلمان البريطاني حول الـ»بريكست»، أو انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، كان يعقد مؤتمر في لندن لبيع امتيازات التنقيب عن النفط في الشواطئ الصومالية مع كينيا في مثلث بحري تصل مساحته إلى 173 ألف كيلومتر مربع، ويضم 50 حقلا نفطيا. وقد منحت التراخيص لشركة «إسبيكترام» البريطانية التسجيل النرويجية الملكية، لتبدأ عمليات التنقيب، وتشير بعض الدراسات إلى أن احتياطي النفط في الصومال قد يزيد عن احتياطي السعودية، وقد أثارت هذه الاتفاقية كثيرا من الاستهجان، وكان وراءها رئيس الوزراء الصومالي حسن علي خيري، وهو صاحب أسهم في شركات بترول وله علاقات حميمية مع شركات بريطانية ونرويجية، وكان المدير التنفيذي لشركة «سوما البريطانية للبترول والغاز»، ما دعا رؤساء ثلاثة أحزاب صومالية للاعتراض على الصفقة والمطالبة بإلغائها، «اتحاد السلام والديمقراطية» الذي يقوده الرئيس السابق حسن شيخ محمود، وحزب «هميلو قرن» الذي يتزعمه الرئيس الأسبق شريف شيخ أحمد، وحزب «ودجر» الذي يتزعمه المعارض عبد الرحمن عبد الشكور.
وخيري هو صديق للرئيس الحالي محمد عبد الله فرماجو، الذي انتخبه البرلمان يوم 16 فبراير 2017 فاختار رئيس مجلس إدارة «سوما البريطانية للبترول والغاز»، رئيسا للوزراء حيث استقال يوم 23 فبراير وعين رئيسا للوزراء في اليوم نفسه. وكان خيري، الذي يحمل الجنسية النرويجية أيضا، موضع تحقيق من قبل الأمم المتحدة لعلاقاته المشبوهة مع جماعة «الشباب» المصنفة دوليا جماعة إرهابية، أثناء عمله مع المجلس النرويجي للاجئين من جيبوتي، وكانت نشاطاته تشمل الصومال. فعاد إلى النرويج ليعمل مع شركة سوما المذكورة.
كينيا من جهتها رفضت الاتفاقية وأصرت على الاستمرار في التنقيب في المثلث نفسه الذي شملته مذكرة تفاهم بين البلدين وقعت عام 2009 لترسيم الحدود البحرية بين البلدين. وبدأت كينيا تنقب في المنطقة البحرية عن طريق شركة «إيني» الإيطالية كينيا اعتبرت أن تلك المربعالت المائية السواحلية متنازع عليها. وقالت إنها لن تعيد العلاقات إلا بإلغاء صفقة «حق التنقيب» لشركة إسبيكتروم، «الصومال يبيع أرضا ليست له»، قال بيان الخارجية الكينية في بيان قطع العلاقات، لكن الصومال يصر على أنه يمارس سيادته. وقد رفع القضية لمحكمة العدل الدولية منذ عام 2016 لتبت في المناطق المتنازع عليها.
بيع شواطئ الصيد البحري للصين
وقد حصلت شركة «البيراك» التركية على عقد لإدارة ميناء مقديشيو عام 2014 لمدة عشرين سنة. وعدت الشركة بأنها ستزود الميناء بأحدث التقنيات، المماثلة لنظيرتها التي توجد في الموانئ الدولية، لجذب حركة التجارة العالمية، وقال مديرها أحمد سامي «إن الميناء سيشهد عمليات توسعة، وترميم للأجزاء التي دمرت خلال الحرب الأهلية». لكن الثنائي فرماجو – خيري عادا ووقعا اتفاقية مع الصين يوم 12 ديسمبر/كانون الأول 2018. وقعت الاتفاقية مع رابطة صيادي السمك الصينية، التي تضم 150 شركة متخصصة، تقضي بإعطاء إدارة الميناء للصين، على أن تقوم بتطويره وتحديثه مقابل صيد مجاني لمدة ثلاث سنوات في المياه الإقليمية المشهورة بثروتها السمكية، خاصة سمك التونة.
قدم بنك «إكزم الصيني» قرضا بمبلغ 200 مليون دولار مخصصة لبناء الميناء، ومقابل ذلك تحصل الصين على حق الصيد «حصريا» في الشواطئ الصومالية، وتحتفظ بملكية جزئية من الميناء، إلى أن يتم تسديد القرض بالكامل. وقد أثارت الاتفاقية حنق المئات من فقراء الصومال، الذين يعيشون على الصيد البحري، حيث ستكون أكثر من 100 سفينة صينية تجوب الشواطئ منفردة، تبحث عن غنائم من أملاك الشعب الصومالي الفقير. وأخيرا قام الثنائي فرماجو- خيري بتعيين البريطاني نايجل روبرت، رئيسا للبنك المركزي الصومالي، وهي خطوة غريبة أثارت استهجان العديد من أبناء الصومال، باعتبار البنك المركزي أحد رموز السيادة الوطنية. وقد تم تبرير ذلك بأنها «خطوة شجاعة وصحيحة من قبل الحكومة الصومالية، في سبيل تعديل أوضاع البنك المركزي وبنائه من جديد، بعد أن فقد دوره تقريبا منذ انهيار الحكومة المركزية الصومالية عام 1991». فهل جفت المؤهلات الصومالية في أنحاء العالم ليحضروا بريطانيا على طريقة .
التعديل الأخير: