علي سبتي الحديثي وأسئلة الحرب الإيرانية العراقية
عبدالستار الراوي
على الرغم من انقضاء أكثر من ثلاثة عقود من تاريخ الحرب الايرانية العراقية إلا أن الجدل بقي دائرا، حول مسؤولية اندلاعها، ومن أطلق شرارتها الأولى، ومن يتحمل أوزارها؟
وهو ما أكده خميني من منبر حسينية جماران في ندائه التعبوي بتاريخ 28-1- 1980 نداء تصدير الثورة ((ليعلم الجميع بأن ثورة 11 شباط- فبراير، معنية بتحرير الشعوب المغلوبة على أمرها، وان جميع المذاهب تعرف بأن مذهبنا،هو مذهب الدم والسيف)) .وجاءت الوثيقة الدستورية لتؤكد اصرار الجمهورية الدينية،على أن مهمة العسكرية الايرانية لا تقتصر فقط على حماية الحدود الايرانية ، بل الى ماورائها "... إن جيش الجمهورية الإسلامية وقوات حرس الثورة لا يتحملان فقط مسؤولية حفظ وحراسة الحدود، وإنما يتكفلان أيضا بحمل رسالة عقائدية أي الجهاد في سبيل الله والنضال من أجل توسيع حاكمية قانون الله في أرجاء العالم". ليصبح التدخل الإيراني بالشأن الوطني للدول العربية والإسلامية، بموجب المادة (12) من دستور الجمهورية الوليدة أمراً شرعيا، هكذا بدت صفحة النزاع الاقليمي والدولي، إنطلاقا من نظرية الثورة الدائمة، حاملة رسالة "ولاية الفقيه" أو (مدينة الله) التي تشمل الامم كافة، وتخضع لسلطانها ذرات الكون.
ولوضع فصل بين التصور والتصديق وبين الأخيلة والحقائق ، يأتي كتاب ((الحرب الايرانية العراقية: 1980– 1988 ضغوط التاريخ وأوهام القوة))، لمؤلفه الدكتور علي سبتي الحديثي الذي عرفناه باحثا متمرسا بالشأن الايراني، والمزوَّد بخبرة اكاديمية في القانون، والسفير المتميز الذي تشهد له تجربته الدبلوماسية العميقة.
صُمّم النص طبقاً لاشتراطات الواقع، وما يقتضيه من الموضوعية الدقيقة، في منأى عن الهوى الذاتي، وعن الاحكام المسبقة والنتائج المتداولة، وبهذا المنهج فقط نتمكن من الوقوف على الحقيقة، بأمل أن تستخلص أجيالنا العربية الدروس وتتدبر معنى الحكمة ، عندما تضيق المسافة بين السلام والحرب، وبين الحياة والموت، إذا ما استمرت السياسات العدوانية التوسعية، أو مخططات القوى الكبرى الظالمة المتحكمة في العالم ، وعلى رأسها الولايات المتحدة التي لا تريد خيرا بالمطلق لجميع شعوب المنطقة. وما برامجها إلا إنعكاس لايديولوجية غيبية وأطماع بثروات المنطقة وخيراتها، في بداية حقبة تاريخية تبدو شديدة الايلام منذ احتلال بغداد عام 2003، مما افقد الامة زمام المبادأة، في ظل نظام عربي مشتت ومتراخ.
وقد أقدم الحديثي على دراسة مرحلة عاشها شخصيا وكان جزءا من تاريخها، مراقبا لاحداثها وشاهدا عليها، ساعيا في دراسته المهمة إلى طرق أسئلة الحرب لتحديد المسؤولية القانونية والاخلاقية عن المسبب لها وماتداعى من نتائجها، عبر تساؤلات وعلامات استفهام كثيرة؛ من أوقد نيرانها؟ من يتحمل أوزارها؟ من المسؤول عن كل الدماء التي هدرت في ميادينها.. والثروات التي ضاعت هباءً منثوراً لتصب في عجلة تضخم المال الغربي الصهيوني؟ ومن هيأ الأجواء لها؟ من أدام زخمها ثماني سنوات دامية؟ ومن هي الأطراف الخفية التي وقفت وراءها دوليا وإقليميا؟ وماهي الدوافع الإيديولوجية والجيو سياسية لها؟
بهذه الاسئلة تابع الحديثي رحلته الاستقصائية، في محاولة الكشف عن مجريات الاحداث وتداخلاتها بقصد معرفة ماهية الدوافع التي جعلت من العراق هدفا للغزوات العسكرية الايرانية؛ منذ لحظة إحتلال بابل في القرن السادس ق. م مرورا بفجر الإسلام والمراحل اللاحقة وانتهاء بالواقع المتعين.
وعبر هذه المسافات الزمنية المديدة، يستعيد الباحث وقائع الصدام المسلح بين إمبراطورية فارس ومملكة بابل، وما تلاها في العهود اللاحقة من حروب واحتلالات متكررة قادمة من الهضبة الايرانية نفسها، أراد الكاتب من خلال السرديات التاريخية، تعيين فهم منطقي دقيق، وتمثل متأن لدوافع واسباب الغزوات الايرانية، ذلك أن التاريخ مهما تباعدت حلقاته يبقى دوره فاعلا رئيسبا، في تشخيص مصادر القوة ونقاط الوهن في مجريات العلاقة بين البلدين الجارين، وهي المهمة الاساسية التي ينشدها الباحث بقصد الكشف عن مخارج التعايش السلمي بين شعوب فارس والعرب، إستنادا لحقائق التاريخ من جهة ومتطلبات الواقع من جهة ثانية، لتشكيل صورة متكاملة العناصر والابعاد لماهية العلاقة الثنائية، وطبيعة الاشكاليات التي ما تزال العديد من ملفاتها عالقة حتى اليوم (الاسرى، الحدود، الطائرات، التجارة، المياه، الملاحة، ظاهرة التدخل بالشأن الوطني العراقي).
وعلى هذا النحو وتطبيقا لهذه الرؤية المنهجية وزع المؤلف الدراسة على خمسة فصول: افتتح الفصل الاول منها بعرض وتحليل المصطلحات والمعروف أن إيران استحدثت العديد من الالفاظ السياسية والشعارات التعبوية منها: حرب الدفاع المقدس، حرب الله، الحرب المفروضة، حرب مقدسة، الغزو العراقي، الاحتلال العراقي، لكن المصطلح الاكثر خطورة هو الذي ركّز عليه المؤلف والذي وقع فيه غالبية الباحثين، وهو مصطلح (الحرب العراقية/ الايرانية) كمؤشر على أن صياغته على هذا النحو المتداول؛ يعني؛ أن العراق هو البادئ بهذه الحرب، وعلى النقيض من ذلك فإن الوقائع الموثَّقة وتداعيات الاحداث كلها تؤكد على أن ايران كانت هي الساعية إليها، ولذلك ينبغي أن يعدل المصطلح إلى (الحرب الايرانية العراقية).
وجاء الفصل الثاني تحت عنوان: حرب الأحقاد: تتبدى في دوغماتية العقل السياسي الايراني والعناد الاعمى، والقرار المسبق على تغذية النزعة العدوانية تجاه العراق، فأوصد كل الابواب أمام المساعي الحميدة ولعل خير شاهد على تعنت خميني، هو الدكتور موسى الموسوي، في هذا المقام ويبقى كتابه ((الثورة البائسة)) واحدا من أهم الشهادات في هذا السبيل، عدا مبادرات اخرى كانت تصب في الاتجاه نفسه، من بينها مبادرة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، وجهود حركة عدم الانحياز وغيرها.
فيما ناقش الفصل الثالث: مسؤولية إستمرار الحرب، حيث اتخذت إيران موقفا سلبيا بالمطلق، فرفضت رفضا قاطعا (كل) قرارات مجلس الامن الداعية إلى وقف إطلاق النار، وبالموقف الدوغماتي، امتنعت عن قبول أو مناقشة المبادرات الدولية والاقليمية، في المقابل أبدى العراق موافقته على كافة المبادرات واعلن استعداده ايقاف اطلاق النار، والتفاوض مع ايران.
وحدد الفصل الرابع: القوى الدولية والعربية المؤثرة حيال النزاع المسلح بين بغداد وطهران، فعرض لمواقف (أميركا، الاتحادالسوفيتي، الدول الاوربية، الصين، الهند، بلدان العالم الثالث، الاقطار العربية).. وقد كثف المؤلف الحديث عن العلاقات العراقية الأميركية، وعن حقيقة موقفها من الحرب، وقد أثبت بالبينات المعلوماتية الموثقة تهافت الدعاوى القائلة بمساندة واشنطن للعراق في الحرب، وعلى النقيض من ذلك تماما كانت فضيحة (ايران غيت) عام 1986 بين الثورة الالهية والشيطان الاكبر وتل أبيب، وقبلها فضيحة سقوط طائرة النقل الصهيونية، عام 1981، التي كانت تنقل، في جسر جوي بين تل أبيب وطهران، الأسلحة إلى النظام الإيراني، التي كانت سببا كافيا لإسقاط مصداقية العقل السياسي الايراني، وقد جاء الاقرار من داخل البيت الايراني ، ففي لقائه مع جريدة (الهيرالد تريبيون) الأميركية في 24-8-1981 إعترف الرئيس الإيراني الأسبق أبوالحسن بني صدر أنه أحيط علماً بوجود هذه العلاقة بين إيران و (إسرائيل) وأنه لم يكن يستطيع أن يواجه التيار الديني الذي كان يقوم بالتنسيق والتواصل مع (إسرائيل).
وفي 3 حزيران 1982 إعترف مناحيم بيغن بأن (إسرائيل) كانت تمد إيران بالسلاح، وعلل إيريل شارون وزير الحرب الصهيوني أسباب شحن السلاح إلى إيران بأن من شأن ذلك إضعاف العراق.
ويضع الفصل الرابع خارطة تفصيلية لمصادر التسليح لكلا البلدين، ويشكل قاعدة معلومات تفصيلية بذل فيها الباحث جهدا كبيرا ـ
وقدم الفصل الخامس رصيدا مهما من المقابلات والمقالات ذات الصلة، إضاءت جوانب قصية من الحرب الايرانية العراقية.
في المبحث الثالث من الفصل الاول وفي مجمل فصول الكتاب، يعرض الدكتور الحديثي أسئلةالحرب العالقة على لسان من يلقي اللوم على العراق؛لأنه بدأ في الهجوم الاستباقي (الرد الواسع) لوضع حد للانتهاكات الايرانية على اراضيه ومياهه التي استمرت منذ تموز 1980 وحتى تاريخ اندلاع الحرب بمعناها الواسع يوم 22/9، وقد بلغ العدوان الايراني ذروته يوم 4/9، هنا يؤكد المؤلف من الوجهة القانونية والعملية: بأن الجمهورية الدينية بدأت حربها الحقيقية على العراق في هذا التاريخ، وليس يوم 22/9، وتشهد بذلك وتؤكده الوقائع الثابتة والمذكرات الوثائقية، وقد توفرت خلال العقود الاربعة الاخيرة العديد من البيانات والوقائع والادلة التي يمكن تصنيقها وفق المحددات التالية:
أولا: الإشارات الأولية:
1- توكيداً للمصالح المشتركة بين الشعبين، حاول العراق منذ قيام الثورة الإيرانية أن يؤسس علاقة حسن جوار متكافئة بين البلدين، حين بادر رئيس جمهورية العراق أحمد حسن البكر في الخامس من نيسان/ ابريل 1979 إلى إرسال برقية تهنئة إلى قائد الثورة آية الله خميني يزجي له التحية ويبارك لايران قيام الجمهورية، وعبر عن أمله بأن يكون التغيير مكسبا للامتين العربية والاسلامية، متمنيا أن تكون العلاقات بين البلدين الجارين المسلمين، مبنية على اساس صحيح، وتنطلق من مبادئ الدين الحنيف والجيرة الحسنة. إلا أن رد خميني على رسالة البكر جاء سلبيا، منافيا لأدنى حدود اللياقة وصيغ التخاطب المتعارف عليها بين رؤساء الدول، فقد ختم رسالته الجوابية بعبارة "السلام على من اتبع الهدى"!
واستنادا إلى شهادة الدكتور موسى الموسوي الذي كان يعمل مستشارا لخميني في تلك الفترة، فإن الزعيم الإيراني عندما اطلع على رسالة الرئيس البكر علق بالقول (إن صدام خائف) لأن الشعب العراقي سيؤيده عندما سيدعوه لإسقاطه.. ولم يذكر البكر في تعليقه!
2- واصل خميني منذ الايام الاولى للثورة نداءاته التحريضية المتكررة بوجوب تصدير الثورة، وضرورة "تحرير العتبات المقدسة من قبضة النظام الكافر في بغداد".
3- مطالبة العراق قيام إيران بنقل رفات الإمام علي بن أبي طالب من النجف وإعادة دفنه في أراضيها.
4- تأكيد خميني على أن "الطريق نحو فلسطين يمر عبر النجف الأشرف ومن بغداد".
5- الحملات الإعلامية ضد العراق، كانت الإذاعة العربية الموجهة تحث العراقيين على القيام بالتمرد المسلح ضد الدولة وتدعو إلى اسقاط النظام، وتحرّض على قتل المسؤولين والبعثيين.
ثانيا: الاختراقات الحدودية:
1- في 28 تموز 1980 قصفت القوات الايرانية بالمدفعية الثقيلة مخفر الشيب.
2- في 4 نيسان 1980 احتلت القوات الايرانية مناطق زين القوس وسيف سعد. وهي اراض عراقية منزوعة السلاح، اعترفت الحكومة الايرانية بعائديتها للعراق بموجب اتفاقية الجزائر 1975، وقامت القوات الايرانية باستخدام المدفعية الثقيلة في قصف مناطق: مندلي وخانقين وزرباطية. وفي 4 ايلول 1980 عادت القوات الايرانية لفتح نيرانها مجددا على مدن خانقين وزرباطية والمنذرية، وكذلك على قاطع مندلي ومصفى الوند والمنشآت النفطية في نفط خانة مسببة خسائر في الارواح والممتلكات.
3- عاودت القوات الايرانية القصف على مدى أيام شهر ايلول 5، 6 ، 7 ، 8 ، 10، 12، 16، 18، 19.
4- في 18 ايلول 1980 بدأت القيادة المشتركة للجيش الايراني والحرس الثوري وقوات التعبئة ( الباسيج) باصدار بيانات عسكرية عبر اذاعة طهران، واصدرت ثمانية بيانات للفترة (18- 21 ايلول 1980) تتحدث عن قيام القوات الايرانية بأنشطة عسكرية ضد الاهداف العراقية. وفي البيان السابع بتاريخ 21 ايلول أعلنت القيادة الايرانية النفير العام، تنفيذاً لأمر رئيس الجمهورية الايرانية والقائد العام للقوات المسلحة.
5- اختراق إيران المتكرر للأراضي العراقية، وقيام قواتها بخطف وقتل المدنيين وتفجير المناطق الحدودية واغتيال أفراد الدوريات السيارة والراجلة.
ثالثا: الجهود الدبلوماسية:
1- اتبع العراق طوال فترة الأزمة التي سبقت نشوب الحرب اتبع الطرق السياسية والدبلوماسية بهدف إزالة التوتر وحل الخلافات القائمة بالطرق السلمية عبر لقاء مباشر بين مسؤولي البلدين، وقد رفضت إيران المقترح العراقي.
2- مذكرات وكيل الأمين العام للأمم المتحدة جيادومينيكو بيكو GiadomenicoPicco)) في كتابه الموسوم رجل بلا سلاح (Man without a gun) الصادر عن دار النشر Times Books عام 1999 يقول بيكو نفسه في الصفحة 70 من مذكراته عن لقاء أمين عام الأمم المتحدة خافير بيريز دي كويلار بالرئيس صدام حسين يوم 8/4/1984 حيث ذكر الرئيس صدام حسين أنه أرسل ثلاثة وفود الى إيران مطالباً بوقف تدخلها في شؤون العراق الداخلية إلا أن الرئيس الإيراني بني صدر قال لإحد الوفود "إذا أراد الجيش الوصول الى بغداد فلن بمنعه أحد"!
3- لقاء هافانا: عقد في 4 أيلول– سبتمبر 1979 بين الرئيس صدام حسين ووزير خارجية إيران إبراهيم يزدي إبان حضورهما مؤتمر القمة السادسة لدول عدم الانحياز في كوبا، أشار يزدي في هذا اللقاء إلى رغبة إيران في إقامة علاقات طبيعية قائمة على أساس حسن الجوار، والاحترام المتبادل بين البلدين. فأجابه الرئيس صدام حسين: بأنه يتفهم ذلك بالرغم من أن القرار الإيراني هو بيد علماء الدين لا بيد (يزدي)، وأن العراق من جانبه لا يرى سبباً يحول دون بناء علاقة وطيدة قائمة على مبدأ الاحترام المتبادل لخيارات البلدين، والتعاون المثمر لصالح الشعبين الجارين.
4- قيام الرئيس الراحل ياسر عرفات بدور الوسيط بين طهران وبغداد في محاولة لتطويق مشكلة التجاوزات الحدودية وضرب القرى بالمدفعية الثقيلة.
5- بذل الدكتور موسى الموسوي جهدا كبيرا لثني خميني عن موقفه الدوغماتي، لتفادي وقوع الحرب بين البلين الجارين، وأجرى الموسوي لقاءً مباشراً ومفصلاً مع خميني ،فكانت النتيجة أن رفض خميني رفضا قاطعا إيقاف التصعيد مع العراق، كما رفض من قبل إحلال السلام بين البلدين الذي اقترحته العديد من الاطراف الدولية.
6- ابلغ العراق مجلس الأمن الدولي احتجاجه المتكرر على الممارسات العدوانية الايرانية وخروقاتها للاراضي والمياه العراقية، وقد وثقت الخارجية العراقية هذه الانتهاكات عبر المذكرات الرسمية البالغ عددها (293) مذكرة، وارسلت في الوقت نفسه صوراً منها للجامعة العربية والمؤتمر الاسلامي، والسفارة الايرانية في بغداد.
رابعا: المسؤولية القانونية:
يؤكد الدكتور علي سبتي أن المسؤولية القانونية عن شن الحرب تتحملها الجمهورية الايرانية طبقا للوثائق العراقية والوقائع الميدانية، وقررات مجلس الامن ذات الصلة، ومبادرات المنظمات الدولية والعربية تؤكد كلها وبما لا يقبل الشك أن إيران تتحمل المسؤولية القانونية والاخلاقية عن بدء الحرب وعن استمرارها.وهي قضية محسومة قانونا ولا يمكن لأحد أن يجادل فيها. فبعد نشوب الحرب بستة أيام فقط أصدر مجلس الأمن القرار 479 في 28 أيلول 1980 دعا فيه إيران والعراق الى الوقف الفوري لإستخدام القوة وحل خلافاتهما بالوسائل السلمية طبقا لمبادئ العدالة والقانون الدولي. ووافق العراق على القرار بعد أيام من صدوره، ولم توافق عليه إيران، كما لم توافق على القرارات اللاحقة الصادرة من مجلس الأمن وهي القرارات 514 في 12/7/1982 و 522 في 4/10/1982 و 552 في 1/6/ 1984 و582 في 24/2/1986 و588 في 8/10/1986 و598 في 20/7/1987. وهذه القرارات ملزمة للطرفين والعراق قبلها جميعا وإيران رفضتها جميعا لغاية 8/8/1988. لذا فإن إيران مسؤولة قانونا عن إستمرار الصراع طيلة هذه المدة.
وهو الرأي نفسه الذي دوَّنه الخبير العراقي الدكتور عبدالواحد الجصاني في دراسته (للعراق كل الحق في مطالبة إيران بتعويضات الحرب) المنشور في شبكة البصرة بتاريخ 31 /8/ 2006، فالعراق كان مستعدا لايقاف اطلاق النار منذ الاسبوع الاول للحرب، وحتى لو أخذنا بالمنطق الإيراني القائل أن العراق شن الحرب على إيران في 22/9/1980 وأن إيران كانت في حالة دفاع عن النفس، فإن المادة (51) من ميثاق الأمم المتحدة تنص على حق الدول في الدفاع عن نفسها إذا إعتدت قوة مسلحة عليها لحين إتخاذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدولي. ومجلس الأمن إتخذ التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدولي بقراره 479 في 28/9/1980 وقبله العراق، أي إنتهى المبرر القانوني لإستخدام حق الدفاع عن النفس. لذا فإن رفض إيران تنفيذ قرار مجلس الأمن 479 القاضي بوقف إطلاق النار يحولها إلى دولة معتدية ويرتّب للعراق عليها إلتزامات منها المطالبة بالتعويضات عن الأضرار التي سببها العدوان الإيراني عليها من 28/9/1980 ولغاية 8/8/1988.
في الختام، احيي بإخلاص الجهد العلمي المتميز الذي بذله الدكتور علي سبتي الحديثي، فقدم للمكتبة العربية بحثا متأنياً وعميقا،عن ((الحرب الايرانية العراقية)) وهو نص جديد في بابه من حيث المنهج والقضايا التي انشغل بها، فقد وقف على ما كتبه الباحثون والمتخصصون من شتى انحاء الوطن العربي عن التجربة الايرانية واقعها ومآلاتها، لكنه آثر أن يبدأ ويثير الزوايا الخفية التي لم يتوقف عندها كثير من الباحثين، وبهذه القيمة المعرفية يراكم الحديثي منجزه العلمي الذي شرع فيه منذ ثمانينيات القرن الفائت، فقدم أكثر من دراسة عن التجربة الثيوسياسية الايرانية وعن مقاصدها الجيوسياسية ومركزها التعبوي والتحريضي تجاه العراق والوطن العربي.
عن موقع وجهات نظر
عبدالستار الراوي
على الرغم من انقضاء أكثر من ثلاثة عقود من تاريخ الحرب الايرانية العراقية إلا أن الجدل بقي دائرا، حول مسؤولية اندلاعها، ومن أطلق شرارتها الأولى، ومن يتحمل أوزارها؟
وعلى الرغم من البيّنات الجلية، والوقائع الموثّقة فإن هناك من يحمِّل العراق مسؤولية بدء الحرب لنوازع شتى، ناسياً أو متناسياً، بأن النزاع المسلح بين البلدين، كان في مقدماته ومآلاته تدبيراً مسبقاً وتصميماً قاطعاً على إسقاط الدولة العراقية، طبقاً لأولويات ولاية الفقيه وتنفيذا لاستراتيجيتها العقائدية (تصدير الثورة)، التي انتهجها العقل السياسي الايراني وما يزال مستمرا عليها. فإذا لم تتوافر فرصة إسقاط النظام في بغداد من الداخل، يتعين في هذه الحالة الهجوم عليه من الخارج. وهو ما أكده خميني من منبر حسينية جماران في ندائه التعبوي بتاريخ 28-1- 1980 نداء تصدير الثورة ((ليعلم الجميع بأن ثورة 11 شباط- فبراير، معنية بتحرير الشعوب المغلوبة على أمرها، وان جميع المذاهب تعرف بأن مذهبنا،هو مذهب الدم والسيف)) .وجاءت الوثيقة الدستورية لتؤكد اصرار الجمهورية الدينية،على أن مهمة العسكرية الايرانية لا تقتصر فقط على حماية الحدود الايرانية ، بل الى ماورائها "... إن جيش الجمهورية الإسلامية وقوات حرس الثورة لا يتحملان فقط مسؤولية حفظ وحراسة الحدود، وإنما يتكفلان أيضا بحمل رسالة عقائدية أي الجهاد في سبيل الله والنضال من أجل توسيع حاكمية قانون الله في أرجاء العالم". ليصبح التدخل الإيراني بالشأن الوطني للدول العربية والإسلامية، بموجب المادة (12) من دستور الجمهورية الوليدة أمراً شرعيا، هكذا بدت صفحة النزاع الاقليمي والدولي، إنطلاقا من نظرية الثورة الدائمة، حاملة رسالة "ولاية الفقيه" أو (مدينة الله) التي تشمل الامم كافة، وتخضع لسلطانها ذرات الكون.
ولوضع فصل بين التصور والتصديق وبين الأخيلة والحقائق ، يأتي كتاب ((الحرب الايرانية العراقية: 1980– 1988 ضغوط التاريخ وأوهام القوة))، لمؤلفه الدكتور علي سبتي الحديثي الذي عرفناه باحثا متمرسا بالشأن الايراني، والمزوَّد بخبرة اكاديمية في القانون، والسفير المتميز الذي تشهد له تجربته الدبلوماسية العميقة.
صُمّم النص طبقاً لاشتراطات الواقع، وما يقتضيه من الموضوعية الدقيقة، في منأى عن الهوى الذاتي، وعن الاحكام المسبقة والنتائج المتداولة، وبهذا المنهج فقط نتمكن من الوقوف على الحقيقة، بأمل أن تستخلص أجيالنا العربية الدروس وتتدبر معنى الحكمة ، عندما تضيق المسافة بين السلام والحرب، وبين الحياة والموت، إذا ما استمرت السياسات العدوانية التوسعية، أو مخططات القوى الكبرى الظالمة المتحكمة في العالم ، وعلى رأسها الولايات المتحدة التي لا تريد خيرا بالمطلق لجميع شعوب المنطقة. وما برامجها إلا إنعكاس لايديولوجية غيبية وأطماع بثروات المنطقة وخيراتها، في بداية حقبة تاريخية تبدو شديدة الايلام منذ احتلال بغداد عام 2003، مما افقد الامة زمام المبادأة، في ظل نظام عربي مشتت ومتراخ.
وقد أقدم الحديثي على دراسة مرحلة عاشها شخصيا وكان جزءا من تاريخها، مراقبا لاحداثها وشاهدا عليها، ساعيا في دراسته المهمة إلى طرق أسئلة الحرب لتحديد المسؤولية القانونية والاخلاقية عن المسبب لها وماتداعى من نتائجها، عبر تساؤلات وعلامات استفهام كثيرة؛ من أوقد نيرانها؟ من يتحمل أوزارها؟ من المسؤول عن كل الدماء التي هدرت في ميادينها.. والثروات التي ضاعت هباءً منثوراً لتصب في عجلة تضخم المال الغربي الصهيوني؟ ومن هيأ الأجواء لها؟ من أدام زخمها ثماني سنوات دامية؟ ومن هي الأطراف الخفية التي وقفت وراءها دوليا وإقليميا؟ وماهي الدوافع الإيديولوجية والجيو سياسية لها؟
بهذه الاسئلة تابع الحديثي رحلته الاستقصائية، في محاولة الكشف عن مجريات الاحداث وتداخلاتها بقصد معرفة ماهية الدوافع التي جعلت من العراق هدفا للغزوات العسكرية الايرانية؛ منذ لحظة إحتلال بابل في القرن السادس ق. م مرورا بفجر الإسلام والمراحل اللاحقة وانتهاء بالواقع المتعين.
وعبر هذه المسافات الزمنية المديدة، يستعيد الباحث وقائع الصدام المسلح بين إمبراطورية فارس ومملكة بابل، وما تلاها في العهود اللاحقة من حروب واحتلالات متكررة قادمة من الهضبة الايرانية نفسها، أراد الكاتب من خلال السرديات التاريخية، تعيين فهم منطقي دقيق، وتمثل متأن لدوافع واسباب الغزوات الايرانية، ذلك أن التاريخ مهما تباعدت حلقاته يبقى دوره فاعلا رئيسبا، في تشخيص مصادر القوة ونقاط الوهن في مجريات العلاقة بين البلدين الجارين، وهي المهمة الاساسية التي ينشدها الباحث بقصد الكشف عن مخارج التعايش السلمي بين شعوب فارس والعرب، إستنادا لحقائق التاريخ من جهة ومتطلبات الواقع من جهة ثانية، لتشكيل صورة متكاملة العناصر والابعاد لماهية العلاقة الثنائية، وطبيعة الاشكاليات التي ما تزال العديد من ملفاتها عالقة حتى اليوم (الاسرى، الحدود، الطائرات، التجارة، المياه، الملاحة، ظاهرة التدخل بالشأن الوطني العراقي).
وعلى هذا النحو وتطبيقا لهذه الرؤية المنهجية وزع المؤلف الدراسة على خمسة فصول: افتتح الفصل الاول منها بعرض وتحليل المصطلحات والمعروف أن إيران استحدثت العديد من الالفاظ السياسية والشعارات التعبوية منها: حرب الدفاع المقدس، حرب الله، الحرب المفروضة، حرب مقدسة، الغزو العراقي، الاحتلال العراقي، لكن المصطلح الاكثر خطورة هو الذي ركّز عليه المؤلف والذي وقع فيه غالبية الباحثين، وهو مصطلح (الحرب العراقية/ الايرانية) كمؤشر على أن صياغته على هذا النحو المتداول؛ يعني؛ أن العراق هو البادئ بهذه الحرب، وعلى النقيض من ذلك فإن الوقائع الموثَّقة وتداعيات الاحداث كلها تؤكد على أن ايران كانت هي الساعية إليها، ولذلك ينبغي أن يعدل المصطلح إلى (الحرب الايرانية العراقية).
وجاء الفصل الثاني تحت عنوان: حرب الأحقاد: تتبدى في دوغماتية العقل السياسي الايراني والعناد الاعمى، والقرار المسبق على تغذية النزعة العدوانية تجاه العراق، فأوصد كل الابواب أمام المساعي الحميدة ولعل خير شاهد على تعنت خميني، هو الدكتور موسى الموسوي، في هذا المقام ويبقى كتابه ((الثورة البائسة)) واحدا من أهم الشهادات في هذا السبيل، عدا مبادرات اخرى كانت تصب في الاتجاه نفسه، من بينها مبادرة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، وجهود حركة عدم الانحياز وغيرها.
فيما ناقش الفصل الثالث: مسؤولية إستمرار الحرب، حيث اتخذت إيران موقفا سلبيا بالمطلق، فرفضت رفضا قاطعا (كل) قرارات مجلس الامن الداعية إلى وقف إطلاق النار، وبالموقف الدوغماتي، امتنعت عن قبول أو مناقشة المبادرات الدولية والاقليمية، في المقابل أبدى العراق موافقته على كافة المبادرات واعلن استعداده ايقاف اطلاق النار، والتفاوض مع ايران.
وحدد الفصل الرابع: القوى الدولية والعربية المؤثرة حيال النزاع المسلح بين بغداد وطهران، فعرض لمواقف (أميركا، الاتحادالسوفيتي، الدول الاوربية، الصين، الهند، بلدان العالم الثالث، الاقطار العربية).. وقد كثف المؤلف الحديث عن العلاقات العراقية الأميركية، وعن حقيقة موقفها من الحرب، وقد أثبت بالبينات المعلوماتية الموثقة تهافت الدعاوى القائلة بمساندة واشنطن للعراق في الحرب، وعلى النقيض من ذلك تماما كانت فضيحة (ايران غيت) عام 1986 بين الثورة الالهية والشيطان الاكبر وتل أبيب، وقبلها فضيحة سقوط طائرة النقل الصهيونية، عام 1981، التي كانت تنقل، في جسر جوي بين تل أبيب وطهران، الأسلحة إلى النظام الإيراني، التي كانت سببا كافيا لإسقاط مصداقية العقل السياسي الايراني، وقد جاء الاقرار من داخل البيت الايراني ، ففي لقائه مع جريدة (الهيرالد تريبيون) الأميركية في 24-8-1981 إعترف الرئيس الإيراني الأسبق أبوالحسن بني صدر أنه أحيط علماً بوجود هذه العلاقة بين إيران و (إسرائيل) وأنه لم يكن يستطيع أن يواجه التيار الديني الذي كان يقوم بالتنسيق والتواصل مع (إسرائيل).
وفي 3 حزيران 1982 إعترف مناحيم بيغن بأن (إسرائيل) كانت تمد إيران بالسلاح، وعلل إيريل شارون وزير الحرب الصهيوني أسباب شحن السلاح إلى إيران بأن من شأن ذلك إضعاف العراق.
ويضع الفصل الرابع خارطة تفصيلية لمصادر التسليح لكلا البلدين، ويشكل قاعدة معلومات تفصيلية بذل فيها الباحث جهدا كبيرا ـ
وقدم الفصل الخامس رصيدا مهما من المقابلات والمقالات ذات الصلة، إضاءت جوانب قصية من الحرب الايرانية العراقية.
في المبحث الثالث من الفصل الاول وفي مجمل فصول الكتاب، يعرض الدكتور الحديثي أسئلةالحرب العالقة على لسان من يلقي اللوم على العراق؛لأنه بدأ في الهجوم الاستباقي (الرد الواسع) لوضع حد للانتهاكات الايرانية على اراضيه ومياهه التي استمرت منذ تموز 1980 وحتى تاريخ اندلاع الحرب بمعناها الواسع يوم 22/9، وقد بلغ العدوان الايراني ذروته يوم 4/9، هنا يؤكد المؤلف من الوجهة القانونية والعملية: بأن الجمهورية الدينية بدأت حربها الحقيقية على العراق في هذا التاريخ، وليس يوم 22/9، وتشهد بذلك وتؤكده الوقائع الثابتة والمذكرات الوثائقية، وقد توفرت خلال العقود الاربعة الاخيرة العديد من البيانات والوقائع والادلة التي يمكن تصنيقها وفق المحددات التالية:
أولا: الإشارات الأولية:
1- توكيداً للمصالح المشتركة بين الشعبين، حاول العراق منذ قيام الثورة الإيرانية أن يؤسس علاقة حسن جوار متكافئة بين البلدين، حين بادر رئيس جمهورية العراق أحمد حسن البكر في الخامس من نيسان/ ابريل 1979 إلى إرسال برقية تهنئة إلى قائد الثورة آية الله خميني يزجي له التحية ويبارك لايران قيام الجمهورية، وعبر عن أمله بأن يكون التغيير مكسبا للامتين العربية والاسلامية، متمنيا أن تكون العلاقات بين البلدين الجارين المسلمين، مبنية على اساس صحيح، وتنطلق من مبادئ الدين الحنيف والجيرة الحسنة. إلا أن رد خميني على رسالة البكر جاء سلبيا، منافيا لأدنى حدود اللياقة وصيغ التخاطب المتعارف عليها بين رؤساء الدول، فقد ختم رسالته الجوابية بعبارة "السلام على من اتبع الهدى"!
واستنادا إلى شهادة الدكتور موسى الموسوي الذي كان يعمل مستشارا لخميني في تلك الفترة، فإن الزعيم الإيراني عندما اطلع على رسالة الرئيس البكر علق بالقول (إن صدام خائف) لأن الشعب العراقي سيؤيده عندما سيدعوه لإسقاطه.. ولم يذكر البكر في تعليقه!
2- واصل خميني منذ الايام الاولى للثورة نداءاته التحريضية المتكررة بوجوب تصدير الثورة، وضرورة "تحرير العتبات المقدسة من قبضة النظام الكافر في بغداد".
3- مطالبة العراق قيام إيران بنقل رفات الإمام علي بن أبي طالب من النجف وإعادة دفنه في أراضيها.
4- تأكيد خميني على أن "الطريق نحو فلسطين يمر عبر النجف الأشرف ومن بغداد".
5- الحملات الإعلامية ضد العراق، كانت الإذاعة العربية الموجهة تحث العراقيين على القيام بالتمرد المسلح ضد الدولة وتدعو إلى اسقاط النظام، وتحرّض على قتل المسؤولين والبعثيين.
ثانيا: الاختراقات الحدودية:
1- في 28 تموز 1980 قصفت القوات الايرانية بالمدفعية الثقيلة مخفر الشيب.
2- في 4 نيسان 1980 احتلت القوات الايرانية مناطق زين القوس وسيف سعد. وهي اراض عراقية منزوعة السلاح، اعترفت الحكومة الايرانية بعائديتها للعراق بموجب اتفاقية الجزائر 1975، وقامت القوات الايرانية باستخدام المدفعية الثقيلة في قصف مناطق: مندلي وخانقين وزرباطية. وفي 4 ايلول 1980 عادت القوات الايرانية لفتح نيرانها مجددا على مدن خانقين وزرباطية والمنذرية، وكذلك على قاطع مندلي ومصفى الوند والمنشآت النفطية في نفط خانة مسببة خسائر في الارواح والممتلكات.
3- عاودت القوات الايرانية القصف على مدى أيام شهر ايلول 5، 6 ، 7 ، 8 ، 10، 12، 16، 18، 19.
4- في 18 ايلول 1980 بدأت القيادة المشتركة للجيش الايراني والحرس الثوري وقوات التعبئة ( الباسيج) باصدار بيانات عسكرية عبر اذاعة طهران، واصدرت ثمانية بيانات للفترة (18- 21 ايلول 1980) تتحدث عن قيام القوات الايرانية بأنشطة عسكرية ضد الاهداف العراقية. وفي البيان السابع بتاريخ 21 ايلول أعلنت القيادة الايرانية النفير العام، تنفيذاً لأمر رئيس الجمهورية الايرانية والقائد العام للقوات المسلحة.
5- اختراق إيران المتكرر للأراضي العراقية، وقيام قواتها بخطف وقتل المدنيين وتفجير المناطق الحدودية واغتيال أفراد الدوريات السيارة والراجلة.
ثالثا: الجهود الدبلوماسية:
1- اتبع العراق طوال فترة الأزمة التي سبقت نشوب الحرب اتبع الطرق السياسية والدبلوماسية بهدف إزالة التوتر وحل الخلافات القائمة بالطرق السلمية عبر لقاء مباشر بين مسؤولي البلدين، وقد رفضت إيران المقترح العراقي.
2- مذكرات وكيل الأمين العام للأمم المتحدة جيادومينيكو بيكو GiadomenicoPicco)) في كتابه الموسوم رجل بلا سلاح (Man without a gun) الصادر عن دار النشر Times Books عام 1999 يقول بيكو نفسه في الصفحة 70 من مذكراته عن لقاء أمين عام الأمم المتحدة خافير بيريز دي كويلار بالرئيس صدام حسين يوم 8/4/1984 حيث ذكر الرئيس صدام حسين أنه أرسل ثلاثة وفود الى إيران مطالباً بوقف تدخلها في شؤون العراق الداخلية إلا أن الرئيس الإيراني بني صدر قال لإحد الوفود "إذا أراد الجيش الوصول الى بغداد فلن بمنعه أحد"!
3- لقاء هافانا: عقد في 4 أيلول– سبتمبر 1979 بين الرئيس صدام حسين ووزير خارجية إيران إبراهيم يزدي إبان حضورهما مؤتمر القمة السادسة لدول عدم الانحياز في كوبا، أشار يزدي في هذا اللقاء إلى رغبة إيران في إقامة علاقات طبيعية قائمة على أساس حسن الجوار، والاحترام المتبادل بين البلدين. فأجابه الرئيس صدام حسين: بأنه يتفهم ذلك بالرغم من أن القرار الإيراني هو بيد علماء الدين لا بيد (يزدي)، وأن العراق من جانبه لا يرى سبباً يحول دون بناء علاقة وطيدة قائمة على مبدأ الاحترام المتبادل لخيارات البلدين، والتعاون المثمر لصالح الشعبين الجارين.
4- قيام الرئيس الراحل ياسر عرفات بدور الوسيط بين طهران وبغداد في محاولة لتطويق مشكلة التجاوزات الحدودية وضرب القرى بالمدفعية الثقيلة.
5- بذل الدكتور موسى الموسوي جهدا كبيرا لثني خميني عن موقفه الدوغماتي، لتفادي وقوع الحرب بين البلين الجارين، وأجرى الموسوي لقاءً مباشراً ومفصلاً مع خميني ،فكانت النتيجة أن رفض خميني رفضا قاطعا إيقاف التصعيد مع العراق، كما رفض من قبل إحلال السلام بين البلدين الذي اقترحته العديد من الاطراف الدولية.
6- ابلغ العراق مجلس الأمن الدولي احتجاجه المتكرر على الممارسات العدوانية الايرانية وخروقاتها للاراضي والمياه العراقية، وقد وثقت الخارجية العراقية هذه الانتهاكات عبر المذكرات الرسمية البالغ عددها (293) مذكرة، وارسلت في الوقت نفسه صوراً منها للجامعة العربية والمؤتمر الاسلامي، والسفارة الايرانية في بغداد.
رابعا: المسؤولية القانونية:
يؤكد الدكتور علي سبتي أن المسؤولية القانونية عن شن الحرب تتحملها الجمهورية الايرانية طبقا للوثائق العراقية والوقائع الميدانية، وقررات مجلس الامن ذات الصلة، ومبادرات المنظمات الدولية والعربية تؤكد كلها وبما لا يقبل الشك أن إيران تتحمل المسؤولية القانونية والاخلاقية عن بدء الحرب وعن استمرارها.وهي قضية محسومة قانونا ولا يمكن لأحد أن يجادل فيها. فبعد نشوب الحرب بستة أيام فقط أصدر مجلس الأمن القرار 479 في 28 أيلول 1980 دعا فيه إيران والعراق الى الوقف الفوري لإستخدام القوة وحل خلافاتهما بالوسائل السلمية طبقا لمبادئ العدالة والقانون الدولي. ووافق العراق على القرار بعد أيام من صدوره، ولم توافق عليه إيران، كما لم توافق على القرارات اللاحقة الصادرة من مجلس الأمن وهي القرارات 514 في 12/7/1982 و 522 في 4/10/1982 و 552 في 1/6/ 1984 و582 في 24/2/1986 و588 في 8/10/1986 و598 في 20/7/1987. وهذه القرارات ملزمة للطرفين والعراق قبلها جميعا وإيران رفضتها جميعا لغاية 8/8/1988. لذا فإن إيران مسؤولة قانونا عن إستمرار الصراع طيلة هذه المدة.
وهو الرأي نفسه الذي دوَّنه الخبير العراقي الدكتور عبدالواحد الجصاني في دراسته (للعراق كل الحق في مطالبة إيران بتعويضات الحرب) المنشور في شبكة البصرة بتاريخ 31 /8/ 2006، فالعراق كان مستعدا لايقاف اطلاق النار منذ الاسبوع الاول للحرب، وحتى لو أخذنا بالمنطق الإيراني القائل أن العراق شن الحرب على إيران في 22/9/1980 وأن إيران كانت في حالة دفاع عن النفس، فإن المادة (51) من ميثاق الأمم المتحدة تنص على حق الدول في الدفاع عن نفسها إذا إعتدت قوة مسلحة عليها لحين إتخاذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدولي. ومجلس الأمن إتخذ التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدولي بقراره 479 في 28/9/1980 وقبله العراق، أي إنتهى المبرر القانوني لإستخدام حق الدفاع عن النفس. لذا فإن رفض إيران تنفيذ قرار مجلس الأمن 479 القاضي بوقف إطلاق النار يحولها إلى دولة معتدية ويرتّب للعراق عليها إلتزامات منها المطالبة بالتعويضات عن الأضرار التي سببها العدوان الإيراني عليها من 28/9/1980 ولغاية 8/8/1988.
في الختام، احيي بإخلاص الجهد العلمي المتميز الذي بذله الدكتور علي سبتي الحديثي، فقدم للمكتبة العربية بحثا متأنياً وعميقا،عن ((الحرب الايرانية العراقية)) وهو نص جديد في بابه من حيث المنهج والقضايا التي انشغل بها، فقد وقف على ما كتبه الباحثون والمتخصصون من شتى انحاء الوطن العربي عن التجربة الايرانية واقعها ومآلاتها، لكنه آثر أن يبدأ ويثير الزوايا الخفية التي لم يتوقف عندها كثير من الباحثين، وبهذه القيمة المعرفية يراكم الحديثي منجزه العلمي الذي شرع فيه منذ ثمانينيات القرن الفائت، فقدم أكثر من دراسة عن التجربة الثيوسياسية الايرانية وعن مقاصدها الجيوسياسية ومركزها التعبوي والتحريضي تجاه العراق والوطن العربي.
عن موقع وجهات نظر