أبو ظبي- اجتمع قبل أيام - في السابع عشر من أكتوبر 2000م - وزراء دفاع دول الخليج، في العاصمة السعودية الرياض، وذلك ضمن سلسلة اجتماعاتهم الدورية لبحث شؤون التعاون العسكري بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية. تلك الاجتماعات المستمرة منذ سنوات ولم تسفر حتى الآن عن تطورات إيجابية حقيقية نحو التوصل إلى هذا التعاون المفترض، لكن الاجتماع الأخير لوزراء الدفاع الخليجيين يبدو مختلفاً قليلاً عن سابقيه، كونه يأتي في ظل تطورات متلاحقة بالمنطقة في اتجاهات متعددة، ترتبط جميعها بأمن الدول العربية والتوازن الإستراتيجي في المنطقة، منها ما يتعلق بوضعية العراق خليجيًّا وعربيًّا، ومنها ما يحدث في الأراضي الفلسطينية المحتلة من مواجهات ومجازر ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلي. واحتمال نشوب حرب يمكن أن تغيّر شكل وجوهر الأوضاع القائمة في المنطقة كلها.
كذلك جاءت اجتماعات وزراء الدفاع الخليجيين بعد خمسة أسابيع من اجتماع رؤساء أركان جيوش دول الخليج، التي انعقدت بالرياض في الثاني عشر من سبتمبر 2000م، وهي اجتماعات دورية أيضاً تمهّد للقاء وزراء الدفاع، والجديد في هذه المرة أن رؤساء الأركان قد أقروا أخيراً بعض المشروعات والخطط المتعلقة بالتعاون العسكري بين دول الخليج، ثم ناقشها وزراء الدفاع في اجتماعهم.
من هنا تأتي أهمية إلقاء الضوء على هذا الموضوع، ليس لمجرد انعقاد لقاء لوزراء دفاع الخليج، وإنما لكونه يعطي مؤشراً مهمًّا على مسار التعاون العسكري والدفاعي بين دول الخليج، والأهم دلالات تطور هذا التعاون بالنسبة لمستقبل التعاون العسكري على المستوى العربي ككل.
فرغم أن اجتماع وزراء الدفاع قد أقر بالفعل ما حمله اجتماع رؤساء الأركان الأخير من نتائج مبشرة تدعو للتفاؤل بشأن تفعيل التعاون العسكري البيني في نطاق دول الخليج، فإن هذه النتائج لا تعني بحال أن تعاوناً عسكرياً خليجيًّا - خليجيًّا قد ظهر فجأة إلى الوجود، أو بعبارة أدق لا يعني ذلك أن جديداً أضيف إلى الحدود الدنيا القائمة من هذا التعاون المأمول.
نتائج الاجتماع الأخير
وقبل الخوض في تفصيلات هذا الموضوع ينبغي أن نتعرف أولاً على نتائج اجتماع وزراء الدفاع الخليجيين الأخير، ووفقاً لما صرح به نائب وزير الدفاع والطيران السعودي الأمير عبد الرحمن بن عبد العزيز الذي رأس الاجتماع لقيام الأمير سلطان بن عبد العزيز وزير الدفاع السعودي بجولة آسيوية، فإن الوزراء ناقشوا خطة مشروع تطوير قوة درع الجزيرة وفق ما سبق إقراره برفع حجمها من خمسة آلاف فرد إلى 22 ألف فرد، مضيفاً أن الوزراء استعرضوا مشروع الحزام الأمني أو التغطية الرادارية الموحدة ونظام الاتصالات المؤمنة اللذَيْن قال إنه تم الانتهاء من العمل فيهما بتكلفة 150 مليون دولار وسيفتتحان خلال شهر نوفمبر. ونفى المسؤول السعودي أن يكون الاجتماع قد ناقش موضوع اتفاقية أمنية دفاعية لدول المجلس مكتفياً بالتأكيد على أن دول المجلس متفقة على التعاون في المجالات الدفاعية.
وتحاول بعض الأوساط الرسمية في منطقة الخليج ترويج أن هذه الخطوات المشار إليها تمثل نقلة في اتجاه مزيد من التعاون العسكري بين دول الخليج، في حين أن واقع الأمر يشير إلى محدودية الخطوة بحد ذاتها، فضلاً عن تضاؤل احتمالات تطويرها بما يخدم فعليًّا فكرة وجود تكامل عسكري خليجي أو حتى مجرد تنسيق عالي المستوى في المجال الدفاعي، ناهيك عما أشار إليه المسؤول السعودي ذاته من أن فكرة تطبيق اتفاقية دفاعية أو أمنية خليجية مشتركة لم تناقش.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن كل من هذه الإجراءات ظلت محل تباين في المواقف وصل أحياناً إلى الخلاف الصريح بين دول الخليج لسنوات، خاصة فيما يتعلق بمسألة تطوير قوات درع الجزيرة وتوسيع حجمها وتسليحها، وربما كان هذا وراء حرص رئيس الأركان السعودي الذي ترأس اجتماعات رؤساء الأركان الأخيرة على تأكيد وجود إجماع بين دول الخليج حول مثل هذه المسائل، ونَفْي أي تحفظات على خطة التطوير هذه، هذا على الرغم من عدم الاتفاق على تحديد مدة زمنية لها.
هل ترغب دول الخليج بالفعل في تعاون عسكري بينها؟
إن حرص رئيس الأركان السعودي على تأكيد الإجماع ونفي وجود تحفظات على أي من المشروعات المشار إليها، يشير بحد ذاته إلى أن هذا الإجماع محل شك، وأن تحفظات حقيقية كانت وربما لا تزال قائمة، ثم يأتي نفي نائب وزير الدفاع السعودي مناقشة فكرة تطبيق اتفاقية دفاع خليجية مشتركة ليثير التساؤل ذاته، هل ترغب دول الخليج بالفعل في تعاون عسكري بينها؟
من الطبيعي أن تحمل التصريحات والخطابات الرسمية للمسؤولين في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية حرصاً شديداً وكاملاً ليس فقط على وجود تعاون عسكري خليجي - خليجي، وإنما أيضاً على تفعيل هذا التعاون والارتقاء به إلى أعلى المستويات. وهو الخطاب الذي دأبت الحكومات الخليجية على تبنيه على مدى السنوات الماضية، لكن الإجابة الدقيقة على هذا التساؤل تستلزم مزيداً من التأمل والبحث في المواقف والسلوكيات الفعلية التي تلتزمها دول الخليج وليست تلك التي تعلنها.
لقد أنشئ مجلس التعاون الخليجي أساساً بدوافع أمنية ودفاعية، وبعبارة أوضح، جاءت فكرة إنشائه بعد بروز التهديد الإيراني إثر قيام الثورة الإسلامية، ثم نشوب الحرب الإيرانية - العراقية، ولم تشمل عضوية المجلس العراق تجنباً من ناحية لاستفزاز إيران، وخشية من هيمنة العراق الدولة الكبرى والأكثر ثقلاً من دول الخليج الست جميعاً من ناحية أخرى.
والحال كذلك، فإن التفكير في إقامة قوة أمنية دفاعية تحمي دول المجلس، وتطوير التعاون العسكري الخليجي البيني، كان لا بد أن يحتل مكان الصدارة في اهتمامات المجلس منذ إنشائه، لكن سببين حالا دون ذلك: الأول: هو التركيز على مساندة العراق في حربه مع إيران، وتوجيه قدر كبير من الموارد المالية الخليجية لهذا الغرض، مع بروز اتجاه في ذلك الوقت إلى إمكانية الاعتماد على القدرات العسكرية والبشرية العراقية في الدفاع عن الدول الخليجية باستخدام قدراتها المالية.
السبب الثاني: هو خشية دول الخليج، كلّ دولة من الأخرى، فإقامة كيان دفاعي عسكري، أو نظام دفاعي موحّد، يعني تقديم قدر من التنازل عن سيادة كل دولة، أو على الأقل إخضاع بعض متطلبات أمنها الوطني وخططها الإستراتيجية لاعتبارات إقليمية وليست قُطرية خالصة، ما رفضته بعض الدول، خاصة في ظل التفاوت القائم بينها في رصيد عناصر القوة الشاملة مثل عدد السكان، الوضع الاقتصادي، الموقع الجغرافي، فضلاً عن تفاوت أكثر وضوحاً في الثقل السياسي وحجم الدور الإقليمي.
وكان الإطار المقبول من الجميع هو المجال الاقتصادي، كواجهة يتم التركيز عليها خلال إقامة مؤسسات وهياكل المجلس الرئيسية ليبدو بالفعل مؤسسة تكاملية.
من هنا جاء التباطؤ الشديد في اتجاه دول الخليج إلى إقامة أي نوع من أنواع التعاون العسكري البيني، ولم يكن الاتفاق على تشكيل قوة درع الجزيرة عام 1986م سوى محاولة لإرضاء بعض دول المجلس التي تحرص بالفعل على وجود كيان خليجي موحد في جميع المجالات، لكن عملية تشكيل القوة ذاتها وُوجِهت بعقبات عدة حالت دون تطويرها أو إتمامها على النحو المطلوب، وأبرز هذه العقبات أيضاً محاولة بعض الأطراف الخليجية القوية السيطرة على القوة وجعلها شبه تابعة لها تماماً.
ولم تتغير الأوضاع بعد ذلك إلا إلى الأسوأ، فبكارثة عام 1990م عندما غزا العراق الكويت، تحولت مخاوف دول الخليج من القوة العراقية إلى خطر داهم يطرق أبواب جميع الدول الخليجية، كما كشفت هذه الأزمة عن ضعف شديد في البنى العسكرية والأساسية بهذه الدول، وأنها لا تملك من مصادر القوة سوى مورد النفط، وما يُدِرّه من عائدات مالية تظل في النهاية غير قادرة على الدفاع عن دولها، وبالطبع ليست قابلة للتحول إلى قوة عسكرية تكفل الحد الأدنى من الأمن، وبالتالي فإن إلغاء فكرة الاعتماد على الذات خليجيًّا؛ لتوفير متطلبات الأمن كان طبيعيًّا ولا يقبل الشك أو إعادة النظر فيه.
وتجدر الإشارة في هذا المجال إلى أن فكرة توسيع قوة درع الجزيرة في عام 1990م قد نشأت فور وقوع الغزو العراقي للكويت، حيث طالب السلطان قابوس بن سعيد سلطان عُمان في القمة الخليجية التي عقدت بالدوحة في ديسمبر من العام ذاته بتحويل "درع الجزيرة" إلى جيش خليجي حقيقي، وتعهد بتبني الفكرة ومتابعة الدراسات الخاصة بها، ولم يلقَ الطرح العُماني أي ترحيب أو مساندة على مدى عام كامل، ثم تكفلت القمة الخليجية التالية في ديسمبر 1991م بوأد الفكرة تماماً مكتفية بالثناء على الحماس العُماني لها! إذن حتى في أكثر الأوقات صعوبة، فإن هواجس الدول الخليجية من بعضها البعض كانت أقوى من رغبتها في التآزر والتعاون لدرء الخطر الخارجي.
وللأسف، تلك الشكوك المتبادلة لا تزال قائمة حتى الآن، فعندما سئل مسؤول خليجي في اجتماعات وزراء الدفاع الأخيرة عن إمكانية أن تعقد دول الخليج صفقاتها التسليحية بشكل مشترك، كخطوة نحو تعاون عسكري حقيقي، كان الرد بأن ذلك الأمر يخضع لسيادة كل دولة، وليس من الوارد أن تتفق دول الخليج على صفقات مشتركة.
بالتالي ليس من الوارد بحال أن تكون لدى أية دولة خليجية رغبة حقيقية في وجود تعاون عسكري حقيقي مع بقية الدول الخليجية، إما لعدم رغبتها في ذلك أصلاً؛ لأنه ينتقص من مكانتها وثقلها النسبي، أو لاقتناعها بعدم جدواه وألا طائل من ورائه يُرتجى. ولا يعدو الخطاب الإعلامي والسياسي في هذا الموضوع، سوى سلعة للاستهلاك المحلي، ولإضافة مزيد من المبررات والحيثيات لاستمرار المجلس والحفاظ عليه بعد أن أصبح محل تساؤل وعلامات استفهام لقصوره عن أداء المطلوب منه في مجالات عديدة.
مواقف الأطراف الأخرى
ربما كان الأمر سيختلف قليلاً لو كان القرار خليجيًّا خالصًا، ولو كانت دول الخليج تبني سياساتها وإستراتيجياتها بناء على معطيات ومدخلات خاصة بها فقط، دون تأثيرات أو ضغوط خارجية، بمعنى أنه لو حدث افتراضاً وأتيحت فرصة ولو ضئيلة لإيجاد تعاون أو حتى تنسيق خليجي عسكري، فإن المواقف الخارجية كفيلة بوأد هذه الفرصة في مهدها. وتشمل الأطراف الخارجية هنا ثلاثة مستويات: الخليجي، والإقليمي، والعالمي.
فعلى المستوى الخليجي لا تريد كل من إيران والعراق أن تكون لدول الخليج العربية كلمة موحدة في المجال الدفاعي، وهي مسألة تهمّ طهران في المقام الأول؛ لأن أي إضافة إلى حساب القوة الخليجية تعني انتقاصاً بالقدر ذاته من رصيد القوة الإيرانية في الخليج، وتغيراً في ميزان القوة الإستراتيجية في تلك المنطقة.
لكن ثمَّة تغيرًا طرأ على هذا الموقف الإيراني مؤخراً، حيث بدأت طهران تقتنع بأن التقارب مع دول الخليج أفضل من استعدائها، ومع التحولات التي طرأت على مفاهيم الثورة الإسلامية وتراجع فكرة تصدير الثورة إلى العالم العربي، واستقرار القوات الأمريكية وغيرها في مياه الخليج، وظهور اتفاق (إعلان دمشق) إلى الوجود عام 1991م، بدأت إيران في الترويج لمبدأ أن أمن الخليج لا بد أن يكون بأيدي دوله، وتحاول حالياً ترجمة هذا المبدأ من خلال السعي لإقامة تعاون عسكري ودفاعي بينها وبعض دول الخليج العربية، وتجسدت بالفعل مظاهر لهذه المساعي خاصة مع سلطنة عمان. أي أن موقف إيران تحول من التوجس خشية أي تعاون عسكري خليجي - خليجي، إلى محاولة توسيع هذا التعاون لتنضم هي إليه.
وعلى المستوى الإقليمي، يبرز لنا كل من الموقفين السوري والمصري، وقد حاولت الدولتان في أعقاب حرب الخليج الثانية - من خلال ما عرف باتفاق إعلان دمشق - توظيف محدودية القدرات العسكرية الخليجية بمقايضة الدعم الاقتصادي الخليجي لدمشق والقاهرة، بالقوة العسكرية والزخم البشري الوفير في هاتين الأخيرتين. وبعد أن ظهرت تحفظات إيرانية وأمريكية صريحة ضد دور مصري أو سوري في أمن دول الخليج، أتاح تجميد إعلان دمشق الفرصة لتثبيت الوجود العسكري الأجنبي خاصة الأمريكي منه في مياه وأراضي دول الخليج، ومعروف أن أي دور مصري أو سوري في هذا الاتجاه كان سيطرح علامة استفهام حول ضرورة الوجود الأجنبي. أي يمكن القول إن طرح فكرة قيام مصر وسوريا أو إحداهما بدور أمني في الخليج كان بمثابة عامل تسريع؛ لتكريس الوجود الأجنبي العسكري في المنطقة، نتيجة حرص واشنطن وحليفاتها الغربيات على منع أية فرصة أمام هذا الدور العربي، وكذلك قبل أن تجد طهران مبرراً لتطرح نفسها كبديل إقليمي لهذا الدور العربي.
من هنا فربما ساعد الموقف المصري - السوري على التعجيل بترسيخ الوجود العسكري الأجنبي، وتقنينه من خلال اتفاقيات دفاعية أبرمتها دول الخليج العربية مع القوى الكبرى في العالم. كما ساعد بالقدر ذاته على قطع الطريق أمام إقامة كيان أمني خليجي سواء بالمعنى العربي، أو بالمعنى الإقليمي أي بمشاركة إيرانية.
أما على المستوى العالمي، فمن المعروف تماماً أن مصالح القوى الكبرى في العالم
- تتقدمها الولايات المتحدة الأمريكية - هي التي دفعتها لإرسال جنودها إلى منطقة الخليج؛ ولذا فليس من الوارد إطلاقاً أن تسمح بقيام أي نوع من أنواع التعاون العسكري البيني في هذه المنطقة، بل نذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، فقد أبرمت دول الخليج كل على حدة اتفاقاً عسكريًّا ثنائيًّا مع الولايات المتحدة أو بريطانيا أو فرنسا، أو أكثر من دولة في وقت واحد، وليس من الواضح إذا كان هذا التفتيت ناتجًا فقط عن حرص واشنطن ولندن وباريس على ألا تكون لدول الخليج كلمة واحدة مشتركة في تعاونها العسكري مع تلك الدول، أم أنه رغبة خليجية أيضاً، أم السببين معاً. أيًّا كان السبب، لم نرَ مثلاً اتفاقاً عسكريًّا بين واشنطن كطرف، وجميع دول مجلس التعاون كطرف ثان، فربما كان الأمر سيبدو أكثر معقولية أو يمكن تفهمه بدرجة ما، لكن حتى الاتفاقات المعقودة بين دول الخليج والدول الأجنبية هي اتفاقيات ثنائية، لا روابط ولا قواسم مشتركة بينها، وكأن كل اتفاق منها ينافس الآخر أو يحمي هذه الدولة أو تلك من الأخرى، فكيف يمكن تصور وجود تعاون فعلي فيما بينها؟
لكن نظراً لرغبة بعض الدول الخليجية في تخفيف حدة الانتقادات التي توجه لها بالتبعية الكاملة للدول الأجنبية في المجال الدفاعي، فإن الحدود الدنيا من أشكال التعاون العسكري التي طالبت بها هذه الدول حظيت بموافقة مشروطة من الأمريكيين، وهو ما تجسد بالفعل فيما اتُفق عليه أخيراً بشأن توسيع درع الجزيرة، وشبكة الإنذار ونظام الاتصالات، فمن ناحية لن يضير توسيع حجم قوات درع الجزيرة واشنطن وحليفاتها الغربيات شيئاً، ومن ناحية ثانية كل من شبكة الإنذار ونظام الاتصالات يخضع لإشراف وتنفيذ ومراقبة الغرب، حيث تنفذ شبكة الإنذار شركة أمريكية، وتتولى تنفيذ نظام الاتصالات شركة سويدية.
بإيجاز، لم تتعدَّ - ولن تتعدى - أية خطوات تتبناها دول الخليج في مجال التعاون الدفاعي والعسكري بينها الحدود التي تسمح بها واشنطن والدول الغربية.
خليجي الشكل.. أمريكي الجوهر
ولا تقف الخطورة عند هذا الحد من عدم السماح بإيجاد كيان أمني أو دفاعي خليجي خالص، بل فيما هو أبعد من ذلك، فما كشفت عنه اجتماعات وزراء الدفاع - ومن قبلها اجتماعات رؤساء الأركان - أن نظام الاتصالات وشبكة الإنذار سيعملان بشكل متكامل بحيث يتم نقل الاتصالات والمعلومات الخاصة بأي هجوم صاروخي على أية دولة أو منطقة داخل نطاق عمل الشبكة فيما بين جميع غرف العمليات التابعة لجيوش المجلس، ثم المرحلة التالية هي قيام شبكة الإنذار بتوجيه الأوامر لنظام دفاعي يتولى إرسال صواريخ اعتراضية، وما ينبغي الالتفات له هنا أن هذه الصواريخ الاعتراضية ستكون جزءاً من منظومة "دفاع صاروخي خليجي أو أي نظام دفاعي صاروخي آخر" وفقاً لما ورد في تصريحات رسمية لمسؤولين خليجيين، أي ببساطة هناك تلميحات واضحة باحتمال إقامة نظام دفاعي صاروخي في منطقة الخليج، وإن لم يتبلور بعد ما إذا كان ذلك النظام خاصًّا بهذه المنطقة تحديداً أو جزءاً من منظومة أشمل. وكان وزير الدفاع الأمريكي وليم كوهين قد عرض خلال زيارة له إلى المنطقة عام 1999م فكرة إنشاء نظام دفاعي صاروخي يغطي منطقة الخليج.
أي أن الخطوات التي قامت أو على وشك القيام بها دول الخليج لإيجاد أي شكل من أشكال التعاون العسكري فيما بينها، لا تأتي في إطار فكر عسكري مستقل أو حتى تبشّر بذلك، بل العكس هو الصحيح، فإن لم يكن لدى دول الخليج علم أو نية مسبقة لأن تصبح هذه الخطوات جزءاً من المنظومة الأمريكية المقترحة، فإنها ستجد نفسها مطالبة بذلك فيما بعد، ولا توجد أية مؤشرات على قدرتها أو حتى رغبتها في تبني اتجاه مغاير.
إذن فالتعاون العسكري الخليجي سيظل دائماً حلماً غير قابل للتحقق، وإذا حدث ذلك، فلن يكون خليجيًّا سوى في شكله وأدواته، وبالطبع في تمويله، بينما هو في حقيقته تعاون خليجي - أمريكي قلباً وقالباً.
http://www.islamonline.net/servlet/...072007667&pagename=Zone-Arabic-News/NWALayoutكذلك جاءت اجتماعات وزراء الدفاع الخليجيين بعد خمسة أسابيع من اجتماع رؤساء أركان جيوش دول الخليج، التي انعقدت بالرياض في الثاني عشر من سبتمبر 2000م، وهي اجتماعات دورية أيضاً تمهّد للقاء وزراء الدفاع، والجديد في هذه المرة أن رؤساء الأركان قد أقروا أخيراً بعض المشروعات والخطط المتعلقة بالتعاون العسكري بين دول الخليج، ثم ناقشها وزراء الدفاع في اجتماعهم.
من هنا تأتي أهمية إلقاء الضوء على هذا الموضوع، ليس لمجرد انعقاد لقاء لوزراء دفاع الخليج، وإنما لكونه يعطي مؤشراً مهمًّا على مسار التعاون العسكري والدفاعي بين دول الخليج، والأهم دلالات تطور هذا التعاون بالنسبة لمستقبل التعاون العسكري على المستوى العربي ككل.
فرغم أن اجتماع وزراء الدفاع قد أقر بالفعل ما حمله اجتماع رؤساء الأركان الأخير من نتائج مبشرة تدعو للتفاؤل بشأن تفعيل التعاون العسكري البيني في نطاق دول الخليج، فإن هذه النتائج لا تعني بحال أن تعاوناً عسكرياً خليجيًّا - خليجيًّا قد ظهر فجأة إلى الوجود، أو بعبارة أدق لا يعني ذلك أن جديداً أضيف إلى الحدود الدنيا القائمة من هذا التعاون المأمول.
نتائج الاجتماع الأخير
وقبل الخوض في تفصيلات هذا الموضوع ينبغي أن نتعرف أولاً على نتائج اجتماع وزراء الدفاع الخليجيين الأخير، ووفقاً لما صرح به نائب وزير الدفاع والطيران السعودي الأمير عبد الرحمن بن عبد العزيز الذي رأس الاجتماع لقيام الأمير سلطان بن عبد العزيز وزير الدفاع السعودي بجولة آسيوية، فإن الوزراء ناقشوا خطة مشروع تطوير قوة درع الجزيرة وفق ما سبق إقراره برفع حجمها من خمسة آلاف فرد إلى 22 ألف فرد، مضيفاً أن الوزراء استعرضوا مشروع الحزام الأمني أو التغطية الرادارية الموحدة ونظام الاتصالات المؤمنة اللذَيْن قال إنه تم الانتهاء من العمل فيهما بتكلفة 150 مليون دولار وسيفتتحان خلال شهر نوفمبر. ونفى المسؤول السعودي أن يكون الاجتماع قد ناقش موضوع اتفاقية أمنية دفاعية لدول المجلس مكتفياً بالتأكيد على أن دول المجلس متفقة على التعاون في المجالات الدفاعية.
وتحاول بعض الأوساط الرسمية في منطقة الخليج ترويج أن هذه الخطوات المشار إليها تمثل نقلة في اتجاه مزيد من التعاون العسكري بين دول الخليج، في حين أن واقع الأمر يشير إلى محدودية الخطوة بحد ذاتها، فضلاً عن تضاؤل احتمالات تطويرها بما يخدم فعليًّا فكرة وجود تكامل عسكري خليجي أو حتى مجرد تنسيق عالي المستوى في المجال الدفاعي، ناهيك عما أشار إليه المسؤول السعودي ذاته من أن فكرة تطبيق اتفاقية دفاعية أو أمنية خليجية مشتركة لم تناقش.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن كل من هذه الإجراءات ظلت محل تباين في المواقف وصل أحياناً إلى الخلاف الصريح بين دول الخليج لسنوات، خاصة فيما يتعلق بمسألة تطوير قوات درع الجزيرة وتوسيع حجمها وتسليحها، وربما كان هذا وراء حرص رئيس الأركان السعودي الذي ترأس اجتماعات رؤساء الأركان الأخيرة على تأكيد وجود إجماع بين دول الخليج حول مثل هذه المسائل، ونَفْي أي تحفظات على خطة التطوير هذه، هذا على الرغم من عدم الاتفاق على تحديد مدة زمنية لها.
هل ترغب دول الخليج بالفعل في تعاون عسكري بينها؟
إن حرص رئيس الأركان السعودي على تأكيد الإجماع ونفي وجود تحفظات على أي من المشروعات المشار إليها، يشير بحد ذاته إلى أن هذا الإجماع محل شك، وأن تحفظات حقيقية كانت وربما لا تزال قائمة، ثم يأتي نفي نائب وزير الدفاع السعودي مناقشة فكرة تطبيق اتفاقية دفاع خليجية مشتركة ليثير التساؤل ذاته، هل ترغب دول الخليج بالفعل في تعاون عسكري بينها؟
من الطبيعي أن تحمل التصريحات والخطابات الرسمية للمسؤولين في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية حرصاً شديداً وكاملاً ليس فقط على وجود تعاون عسكري خليجي - خليجي، وإنما أيضاً على تفعيل هذا التعاون والارتقاء به إلى أعلى المستويات. وهو الخطاب الذي دأبت الحكومات الخليجية على تبنيه على مدى السنوات الماضية، لكن الإجابة الدقيقة على هذا التساؤل تستلزم مزيداً من التأمل والبحث في المواقف والسلوكيات الفعلية التي تلتزمها دول الخليج وليست تلك التي تعلنها.
لقد أنشئ مجلس التعاون الخليجي أساساً بدوافع أمنية ودفاعية، وبعبارة أوضح، جاءت فكرة إنشائه بعد بروز التهديد الإيراني إثر قيام الثورة الإسلامية، ثم نشوب الحرب الإيرانية - العراقية، ولم تشمل عضوية المجلس العراق تجنباً من ناحية لاستفزاز إيران، وخشية من هيمنة العراق الدولة الكبرى والأكثر ثقلاً من دول الخليج الست جميعاً من ناحية أخرى.
والحال كذلك، فإن التفكير في إقامة قوة أمنية دفاعية تحمي دول المجلس، وتطوير التعاون العسكري الخليجي البيني، كان لا بد أن يحتل مكان الصدارة في اهتمامات المجلس منذ إنشائه، لكن سببين حالا دون ذلك: الأول: هو التركيز على مساندة العراق في حربه مع إيران، وتوجيه قدر كبير من الموارد المالية الخليجية لهذا الغرض، مع بروز اتجاه في ذلك الوقت إلى إمكانية الاعتماد على القدرات العسكرية والبشرية العراقية في الدفاع عن الدول الخليجية باستخدام قدراتها المالية.
السبب الثاني: هو خشية دول الخليج، كلّ دولة من الأخرى، فإقامة كيان دفاعي عسكري، أو نظام دفاعي موحّد، يعني تقديم قدر من التنازل عن سيادة كل دولة، أو على الأقل إخضاع بعض متطلبات أمنها الوطني وخططها الإستراتيجية لاعتبارات إقليمية وليست قُطرية خالصة، ما رفضته بعض الدول، خاصة في ظل التفاوت القائم بينها في رصيد عناصر القوة الشاملة مثل عدد السكان، الوضع الاقتصادي، الموقع الجغرافي، فضلاً عن تفاوت أكثر وضوحاً في الثقل السياسي وحجم الدور الإقليمي.
وكان الإطار المقبول من الجميع هو المجال الاقتصادي، كواجهة يتم التركيز عليها خلال إقامة مؤسسات وهياكل المجلس الرئيسية ليبدو بالفعل مؤسسة تكاملية.
من هنا جاء التباطؤ الشديد في اتجاه دول الخليج إلى إقامة أي نوع من أنواع التعاون العسكري البيني، ولم يكن الاتفاق على تشكيل قوة درع الجزيرة عام 1986م سوى محاولة لإرضاء بعض دول المجلس التي تحرص بالفعل على وجود كيان خليجي موحد في جميع المجالات، لكن عملية تشكيل القوة ذاتها وُوجِهت بعقبات عدة حالت دون تطويرها أو إتمامها على النحو المطلوب، وأبرز هذه العقبات أيضاً محاولة بعض الأطراف الخليجية القوية السيطرة على القوة وجعلها شبه تابعة لها تماماً.
ولم تتغير الأوضاع بعد ذلك إلا إلى الأسوأ، فبكارثة عام 1990م عندما غزا العراق الكويت، تحولت مخاوف دول الخليج من القوة العراقية إلى خطر داهم يطرق أبواب جميع الدول الخليجية، كما كشفت هذه الأزمة عن ضعف شديد في البنى العسكرية والأساسية بهذه الدول، وأنها لا تملك من مصادر القوة سوى مورد النفط، وما يُدِرّه من عائدات مالية تظل في النهاية غير قادرة على الدفاع عن دولها، وبالطبع ليست قابلة للتحول إلى قوة عسكرية تكفل الحد الأدنى من الأمن، وبالتالي فإن إلغاء فكرة الاعتماد على الذات خليجيًّا؛ لتوفير متطلبات الأمن كان طبيعيًّا ولا يقبل الشك أو إعادة النظر فيه.
وتجدر الإشارة في هذا المجال إلى أن فكرة توسيع قوة درع الجزيرة في عام 1990م قد نشأت فور وقوع الغزو العراقي للكويت، حيث طالب السلطان قابوس بن سعيد سلطان عُمان في القمة الخليجية التي عقدت بالدوحة في ديسمبر من العام ذاته بتحويل "درع الجزيرة" إلى جيش خليجي حقيقي، وتعهد بتبني الفكرة ومتابعة الدراسات الخاصة بها، ولم يلقَ الطرح العُماني أي ترحيب أو مساندة على مدى عام كامل، ثم تكفلت القمة الخليجية التالية في ديسمبر 1991م بوأد الفكرة تماماً مكتفية بالثناء على الحماس العُماني لها! إذن حتى في أكثر الأوقات صعوبة، فإن هواجس الدول الخليجية من بعضها البعض كانت أقوى من رغبتها في التآزر والتعاون لدرء الخطر الخارجي.
وللأسف، تلك الشكوك المتبادلة لا تزال قائمة حتى الآن، فعندما سئل مسؤول خليجي في اجتماعات وزراء الدفاع الأخيرة عن إمكانية أن تعقد دول الخليج صفقاتها التسليحية بشكل مشترك، كخطوة نحو تعاون عسكري حقيقي، كان الرد بأن ذلك الأمر يخضع لسيادة كل دولة، وليس من الوارد أن تتفق دول الخليج على صفقات مشتركة.
بالتالي ليس من الوارد بحال أن تكون لدى أية دولة خليجية رغبة حقيقية في وجود تعاون عسكري حقيقي مع بقية الدول الخليجية، إما لعدم رغبتها في ذلك أصلاً؛ لأنه ينتقص من مكانتها وثقلها النسبي، أو لاقتناعها بعدم جدواه وألا طائل من ورائه يُرتجى. ولا يعدو الخطاب الإعلامي والسياسي في هذا الموضوع، سوى سلعة للاستهلاك المحلي، ولإضافة مزيد من المبررات والحيثيات لاستمرار المجلس والحفاظ عليه بعد أن أصبح محل تساؤل وعلامات استفهام لقصوره عن أداء المطلوب منه في مجالات عديدة.
مواقف الأطراف الأخرى
ربما كان الأمر سيختلف قليلاً لو كان القرار خليجيًّا خالصًا، ولو كانت دول الخليج تبني سياساتها وإستراتيجياتها بناء على معطيات ومدخلات خاصة بها فقط، دون تأثيرات أو ضغوط خارجية، بمعنى أنه لو حدث افتراضاً وأتيحت فرصة ولو ضئيلة لإيجاد تعاون أو حتى تنسيق خليجي عسكري، فإن المواقف الخارجية كفيلة بوأد هذه الفرصة في مهدها. وتشمل الأطراف الخارجية هنا ثلاثة مستويات: الخليجي، والإقليمي، والعالمي.
فعلى المستوى الخليجي لا تريد كل من إيران والعراق أن تكون لدول الخليج العربية كلمة موحدة في المجال الدفاعي، وهي مسألة تهمّ طهران في المقام الأول؛ لأن أي إضافة إلى حساب القوة الخليجية تعني انتقاصاً بالقدر ذاته من رصيد القوة الإيرانية في الخليج، وتغيراً في ميزان القوة الإستراتيجية في تلك المنطقة.
لكن ثمَّة تغيرًا طرأ على هذا الموقف الإيراني مؤخراً، حيث بدأت طهران تقتنع بأن التقارب مع دول الخليج أفضل من استعدائها، ومع التحولات التي طرأت على مفاهيم الثورة الإسلامية وتراجع فكرة تصدير الثورة إلى العالم العربي، واستقرار القوات الأمريكية وغيرها في مياه الخليج، وظهور اتفاق (إعلان دمشق) إلى الوجود عام 1991م، بدأت إيران في الترويج لمبدأ أن أمن الخليج لا بد أن يكون بأيدي دوله، وتحاول حالياً ترجمة هذا المبدأ من خلال السعي لإقامة تعاون عسكري ودفاعي بينها وبعض دول الخليج العربية، وتجسدت بالفعل مظاهر لهذه المساعي خاصة مع سلطنة عمان. أي أن موقف إيران تحول من التوجس خشية أي تعاون عسكري خليجي - خليجي، إلى محاولة توسيع هذا التعاون لتنضم هي إليه.
وعلى المستوى الإقليمي، يبرز لنا كل من الموقفين السوري والمصري، وقد حاولت الدولتان في أعقاب حرب الخليج الثانية - من خلال ما عرف باتفاق إعلان دمشق - توظيف محدودية القدرات العسكرية الخليجية بمقايضة الدعم الاقتصادي الخليجي لدمشق والقاهرة، بالقوة العسكرية والزخم البشري الوفير في هاتين الأخيرتين. وبعد أن ظهرت تحفظات إيرانية وأمريكية صريحة ضد دور مصري أو سوري في أمن دول الخليج، أتاح تجميد إعلان دمشق الفرصة لتثبيت الوجود العسكري الأجنبي خاصة الأمريكي منه في مياه وأراضي دول الخليج، ومعروف أن أي دور مصري أو سوري في هذا الاتجاه كان سيطرح علامة استفهام حول ضرورة الوجود الأجنبي. أي يمكن القول إن طرح فكرة قيام مصر وسوريا أو إحداهما بدور أمني في الخليج كان بمثابة عامل تسريع؛ لتكريس الوجود الأجنبي العسكري في المنطقة، نتيجة حرص واشنطن وحليفاتها الغربيات على منع أية فرصة أمام هذا الدور العربي، وكذلك قبل أن تجد طهران مبرراً لتطرح نفسها كبديل إقليمي لهذا الدور العربي.
من هنا فربما ساعد الموقف المصري - السوري على التعجيل بترسيخ الوجود العسكري الأجنبي، وتقنينه من خلال اتفاقيات دفاعية أبرمتها دول الخليج العربية مع القوى الكبرى في العالم. كما ساعد بالقدر ذاته على قطع الطريق أمام إقامة كيان أمني خليجي سواء بالمعنى العربي، أو بالمعنى الإقليمي أي بمشاركة إيرانية.
أما على المستوى العالمي، فمن المعروف تماماً أن مصالح القوى الكبرى في العالم
- تتقدمها الولايات المتحدة الأمريكية - هي التي دفعتها لإرسال جنودها إلى منطقة الخليج؛ ولذا فليس من الوارد إطلاقاً أن تسمح بقيام أي نوع من أنواع التعاون العسكري البيني في هذه المنطقة، بل نذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، فقد أبرمت دول الخليج كل على حدة اتفاقاً عسكريًّا ثنائيًّا مع الولايات المتحدة أو بريطانيا أو فرنسا، أو أكثر من دولة في وقت واحد، وليس من الواضح إذا كان هذا التفتيت ناتجًا فقط عن حرص واشنطن ولندن وباريس على ألا تكون لدول الخليج كلمة واحدة مشتركة في تعاونها العسكري مع تلك الدول، أم أنه رغبة خليجية أيضاً، أم السببين معاً. أيًّا كان السبب، لم نرَ مثلاً اتفاقاً عسكريًّا بين واشنطن كطرف، وجميع دول مجلس التعاون كطرف ثان، فربما كان الأمر سيبدو أكثر معقولية أو يمكن تفهمه بدرجة ما، لكن حتى الاتفاقات المعقودة بين دول الخليج والدول الأجنبية هي اتفاقيات ثنائية، لا روابط ولا قواسم مشتركة بينها، وكأن كل اتفاق منها ينافس الآخر أو يحمي هذه الدولة أو تلك من الأخرى، فكيف يمكن تصور وجود تعاون فعلي فيما بينها؟
لكن نظراً لرغبة بعض الدول الخليجية في تخفيف حدة الانتقادات التي توجه لها بالتبعية الكاملة للدول الأجنبية في المجال الدفاعي، فإن الحدود الدنيا من أشكال التعاون العسكري التي طالبت بها هذه الدول حظيت بموافقة مشروطة من الأمريكيين، وهو ما تجسد بالفعل فيما اتُفق عليه أخيراً بشأن توسيع درع الجزيرة، وشبكة الإنذار ونظام الاتصالات، فمن ناحية لن يضير توسيع حجم قوات درع الجزيرة واشنطن وحليفاتها الغربيات شيئاً، ومن ناحية ثانية كل من شبكة الإنذار ونظام الاتصالات يخضع لإشراف وتنفيذ ومراقبة الغرب، حيث تنفذ شبكة الإنذار شركة أمريكية، وتتولى تنفيذ نظام الاتصالات شركة سويدية.
بإيجاز، لم تتعدَّ - ولن تتعدى - أية خطوات تتبناها دول الخليج في مجال التعاون الدفاعي والعسكري بينها الحدود التي تسمح بها واشنطن والدول الغربية.
خليجي الشكل.. أمريكي الجوهر
ولا تقف الخطورة عند هذا الحد من عدم السماح بإيجاد كيان أمني أو دفاعي خليجي خالص، بل فيما هو أبعد من ذلك، فما كشفت عنه اجتماعات وزراء الدفاع - ومن قبلها اجتماعات رؤساء الأركان - أن نظام الاتصالات وشبكة الإنذار سيعملان بشكل متكامل بحيث يتم نقل الاتصالات والمعلومات الخاصة بأي هجوم صاروخي على أية دولة أو منطقة داخل نطاق عمل الشبكة فيما بين جميع غرف العمليات التابعة لجيوش المجلس، ثم المرحلة التالية هي قيام شبكة الإنذار بتوجيه الأوامر لنظام دفاعي يتولى إرسال صواريخ اعتراضية، وما ينبغي الالتفات له هنا أن هذه الصواريخ الاعتراضية ستكون جزءاً من منظومة "دفاع صاروخي خليجي أو أي نظام دفاعي صاروخي آخر" وفقاً لما ورد في تصريحات رسمية لمسؤولين خليجيين، أي ببساطة هناك تلميحات واضحة باحتمال إقامة نظام دفاعي صاروخي في منطقة الخليج، وإن لم يتبلور بعد ما إذا كان ذلك النظام خاصًّا بهذه المنطقة تحديداً أو جزءاً من منظومة أشمل. وكان وزير الدفاع الأمريكي وليم كوهين قد عرض خلال زيارة له إلى المنطقة عام 1999م فكرة إنشاء نظام دفاعي صاروخي يغطي منطقة الخليج.
أي أن الخطوات التي قامت أو على وشك القيام بها دول الخليج لإيجاد أي شكل من أشكال التعاون العسكري فيما بينها، لا تأتي في إطار فكر عسكري مستقل أو حتى تبشّر بذلك، بل العكس هو الصحيح، فإن لم يكن لدى دول الخليج علم أو نية مسبقة لأن تصبح هذه الخطوات جزءاً من المنظومة الأمريكية المقترحة، فإنها ستجد نفسها مطالبة بذلك فيما بعد، ولا توجد أية مؤشرات على قدرتها أو حتى رغبتها في تبني اتجاه مغاير.
إذن فالتعاون العسكري الخليجي سيظل دائماً حلماً غير قابل للتحقق، وإذا حدث ذلك، فلن يكون خليجيًّا سوى في شكله وأدواته، وبالطبع في تمويله، بينما هو في حقيقته تعاون خليجي - أمريكي قلباً وقالباً.
-- -- -- --
موضوع قديم بس بصراحة تفاجأت مما قرأت ياشباب
يعني دول الخليج ليس قادرة ان تكوُن دفاع مشترك بينهم بالشكل المطلوب
والله خاب ضني في دولنا ما اعتقدت ان نحن بهاذا الشكل :shocked::