معركة ضورليم الثانية / يوم أبيد جميع الجيش الألماني
محمود ثروت أبو الفضل
معركة منسية في كتب التاريخ لم تنَل حظَّها من الشُّهرة والذِّكر، رغم استِبْسال جيوش السلاجقة المسلمين في صدِّ هجمات كلٍّ من جيوش الألمان والفرنسيِّين في إطارِ أحداث الحملة الصليبيَّة الثانية على العالم الإسلامي.
إنها معركة "ضورليم الثانية"، والتي وقعَت أحداثُها عام 1147م؛ حيث تقابل المسلمون مع جيش "كونراد الثالث" إمبراطور ألمانيا البالغ تعداده عشرين ألفًا، فأُبيد تسعةُ أعشار الجيش الألماني؛ إذ لم يتبقَّ منه سوى ألفين!
بدأَت أحداث الحملة الصليبيَّة الثانية على المشرق الإسلامي عام 1145م ردًّا على ما قام به القائدُ المسلم الفذُّ "نور الدين زنكي" - مؤسِّس الدولة الزنكية - من إسقاط إِمارة الرُّها وذلك عام 1144م.
وكان سقوط "الرها" صفعةً على جبين أوروبا؛ حيث كانت "الرها" أول مملكة مسيحيَّة تُقام خلال الحملة الصليبية الأولى؛ حيث دعا بابا روما "إيجين الثالث" إلى حملةٍ صليبية جديدة للسيطرة على بلاد المسلمين، وكانت أولَ حملة يقودُها ملوكُ أوروبا، وهم "لويس السابع" ملك فرنسا، و"كونراد الثالث" ملك ألمانيا، وبمساعدة عدد من نبلاء أوروبا البارزين.
وقد كان "كونراد الثالث" و"لويس السابع" هما أقوى ملِكين في أوروبا وقتها، ودُعي لهذه الحملة في كافَّة أنحاء أوروبا، حيث بارك البابا كلَّ من سيشارك في الحملة، وأعلن عن إعطائه صكوكَ الغفران والخلاص في العالم الآخر، وفوَّض البابا الكاهن "برنارد" رئيس جمعية الرهبان السيسترسيين البورغوني ورئيس دير كليرفو لمنح البركات البابويَّة على المنضمِّين للحملة، الذي كان حماسيًّا في خطبه بجموعِ الأوروبيين حتى إنَّه نجح في استمالَة اللُّصوص بالمشاركة في الحرب المقدَّسة، واعدًا إيَّاهم بمغفرة كامل خطاياهم بالقتال معهم.
وقد بدأَت رحلة الجيش الألماني برًّا في نهاية مايو من سنة 1147م للذهاب لبلاد الشرق، عَبَرت الجيوشُ الألمانية هنغاريا دون أي مشاكل تُذكر، وبلغ تعداد الجيش الألماني حسب بعض المصادر إلى 20 ألف مقاتل، وأشارَت مصادر أخرى أنَّ عدده وصل خمسين ألف فارس و100 ألف من المشاة.
ثمَّ دخل الألمان أراضي الإمبراطوريَّة البيزنطية في البلقان، وعبروا نهرَ الدانوب على السُّفن البيزنطية؛ حيث دخل الجيش الألماني القسطنطينية وقرَّر المسير عبر بلاد الأناضول للعبور للشَّرق.
وهنا واجهه ما لم يكن في الحسبان وهم سلاجقة الروم المسلمون، الذين أسَّسوا دولتهم في هضبة الأناضول، وتفرَّعَت هذه الأسرة الإسلاميَّة الحاكمة عن السلاجقة الكبار - بعد وقعة ملاذ كرد 1071 م، وهزيمة الروم - حيث بسط السلاجقةُ سيطرتهم على الأناضول؛ مناطق الروم، مؤسِّسين سلالةً تركيَّة مسلمة في تِلك المناطق استمرَّت في حكم المنطقة من 1077 - 1308 م، وكانت عاصمتهم في البداية إزنيق، ثمَّ انتقلت إلى قونية.
ونتيجة لحلول الجيش الألماني بأرض السلاجقة تجهَّز لهم السلطان "ركن الدين مسعود" (1116-11156م)، وأعدَّ جيشَه لمهاجمة الحملة قبل دخولها أراضيه.
خرج الألمان من نيقية في 15 أكتوبر 1147م وبعد 10 أيام وصلوا إلى مدينة "ضورليم" بالقرب من نهر "باثي" وقد أصابهم الإِرهاق ونقص المياه، ليفاجؤوا بهجماتٍ سريعة ومتكرِّرة من فرسان سلاجقة الروم بقيادة ركن الدين مسعود، وكانت النتيجة كارثيَّة بالنسبة لجيش "كونراد" في المعركة؛ حيث تمَّ إبادة تسعة أعشار جنوده الذين قُتلوا وأُسروا؛ ليولِّي كونراد ذاته الفرار بحلول المساء مع من تبقَّى من جنوده عائدًا إلى نيقية؛ حيث تمَّ سحق الجيش الألماني في تلك المعركة الخاطفة بشكلٍ لم يتمكَّن معه الألمان من متابعة مسيرهم وحدهم، فاضطرَّ "كونراد الثالث" ومن بقي معه من رجال (ألفا جندي فقط) الالتحاقَ بالجيش الفرنسي بقيادة "لويس السابع" ملك فرنسا.
وقد تعرَّض الجنود الألمان لسخرية شديدة من الفرنسيِّين لِما حلَّ بهم من قِبَل السلاجقة من هزيمة سريعة مدمِّرة!
وقد كانت نتائج هذه الحملة مأساويَّة بالنسبة لأوروبا بفضل جيش سلاجقة الروم المسلم؛ إذ سرعان ما هُوجم جيشُ "لويس السابع" نفسه في طريقه إلى أضاليا، عام 1148م، عندما انقضَّ عليهم السلاجقة مرَّة أخرى وهاجموهم مِن أعالي الجبال بوابل من السِّهام؛ حيث قتَلوا كثيرًا من مؤخِّرة الجيش الفرنسي، حتى إنَّ "الملك لويس" تعرَّض أكثر من مرة للموت في هذه المعركة، ولم تتوقَّف المعركة إلاَّ بعد حلول الظلام وانسحاب السلاجقة قانعين بما أصاب جيش "لويس".
واضطرَّت الحملة الصليبية مرغمة إلى البعد عن أماكن نفوذ السلاجقة ومواصلة طريقها بحرًا بعد أن مُنيت بهزيمةِ ملكَيْها وجيشَيْها على يد القائد المسلم "ركن الدين مسعود".
رابط الموضوع: https://www.alukah.net/culture/0/89079/#ixzz5cF0BFDY8
محمود ثروت أبو الفضل
معركة منسية في كتب التاريخ لم تنَل حظَّها من الشُّهرة والذِّكر، رغم استِبْسال جيوش السلاجقة المسلمين في صدِّ هجمات كلٍّ من جيوش الألمان والفرنسيِّين في إطارِ أحداث الحملة الصليبيَّة الثانية على العالم الإسلامي.
إنها معركة "ضورليم الثانية"، والتي وقعَت أحداثُها عام 1147م؛ حيث تقابل المسلمون مع جيش "كونراد الثالث" إمبراطور ألمانيا البالغ تعداده عشرين ألفًا، فأُبيد تسعةُ أعشار الجيش الألماني؛ إذ لم يتبقَّ منه سوى ألفين!
بدأَت أحداث الحملة الصليبيَّة الثانية على المشرق الإسلامي عام 1145م ردًّا على ما قام به القائدُ المسلم الفذُّ "نور الدين زنكي" - مؤسِّس الدولة الزنكية - من إسقاط إِمارة الرُّها وذلك عام 1144م.
وكان سقوط "الرها" صفعةً على جبين أوروبا؛ حيث كانت "الرها" أول مملكة مسيحيَّة تُقام خلال الحملة الصليبية الأولى؛ حيث دعا بابا روما "إيجين الثالث" إلى حملةٍ صليبية جديدة للسيطرة على بلاد المسلمين، وكانت أولَ حملة يقودُها ملوكُ أوروبا، وهم "لويس السابع" ملك فرنسا، و"كونراد الثالث" ملك ألمانيا، وبمساعدة عدد من نبلاء أوروبا البارزين.
وقد كان "كونراد الثالث" و"لويس السابع" هما أقوى ملِكين في أوروبا وقتها، ودُعي لهذه الحملة في كافَّة أنحاء أوروبا، حيث بارك البابا كلَّ من سيشارك في الحملة، وأعلن عن إعطائه صكوكَ الغفران والخلاص في العالم الآخر، وفوَّض البابا الكاهن "برنارد" رئيس جمعية الرهبان السيسترسيين البورغوني ورئيس دير كليرفو لمنح البركات البابويَّة على المنضمِّين للحملة، الذي كان حماسيًّا في خطبه بجموعِ الأوروبيين حتى إنَّه نجح في استمالَة اللُّصوص بالمشاركة في الحرب المقدَّسة، واعدًا إيَّاهم بمغفرة كامل خطاياهم بالقتال معهم.
وقد بدأَت رحلة الجيش الألماني برًّا في نهاية مايو من سنة 1147م للذهاب لبلاد الشرق، عَبَرت الجيوشُ الألمانية هنغاريا دون أي مشاكل تُذكر، وبلغ تعداد الجيش الألماني حسب بعض المصادر إلى 20 ألف مقاتل، وأشارَت مصادر أخرى أنَّ عدده وصل خمسين ألف فارس و100 ألف من المشاة.
ثمَّ دخل الألمان أراضي الإمبراطوريَّة البيزنطية في البلقان، وعبروا نهرَ الدانوب على السُّفن البيزنطية؛ حيث دخل الجيش الألماني القسطنطينية وقرَّر المسير عبر بلاد الأناضول للعبور للشَّرق.
وهنا واجهه ما لم يكن في الحسبان وهم سلاجقة الروم المسلمون، الذين أسَّسوا دولتهم في هضبة الأناضول، وتفرَّعَت هذه الأسرة الإسلاميَّة الحاكمة عن السلاجقة الكبار - بعد وقعة ملاذ كرد 1071 م، وهزيمة الروم - حيث بسط السلاجقةُ سيطرتهم على الأناضول؛ مناطق الروم، مؤسِّسين سلالةً تركيَّة مسلمة في تِلك المناطق استمرَّت في حكم المنطقة من 1077 - 1308 م، وكانت عاصمتهم في البداية إزنيق، ثمَّ انتقلت إلى قونية.
ونتيجة لحلول الجيش الألماني بأرض السلاجقة تجهَّز لهم السلطان "ركن الدين مسعود" (1116-11156م)، وأعدَّ جيشَه لمهاجمة الحملة قبل دخولها أراضيه.
خرج الألمان من نيقية في 15 أكتوبر 1147م وبعد 10 أيام وصلوا إلى مدينة "ضورليم" بالقرب من نهر "باثي" وقد أصابهم الإِرهاق ونقص المياه، ليفاجؤوا بهجماتٍ سريعة ومتكرِّرة من فرسان سلاجقة الروم بقيادة ركن الدين مسعود، وكانت النتيجة كارثيَّة بالنسبة لجيش "كونراد" في المعركة؛ حيث تمَّ إبادة تسعة أعشار جنوده الذين قُتلوا وأُسروا؛ ليولِّي كونراد ذاته الفرار بحلول المساء مع من تبقَّى من جنوده عائدًا إلى نيقية؛ حيث تمَّ سحق الجيش الألماني في تلك المعركة الخاطفة بشكلٍ لم يتمكَّن معه الألمان من متابعة مسيرهم وحدهم، فاضطرَّ "كونراد الثالث" ومن بقي معه من رجال (ألفا جندي فقط) الالتحاقَ بالجيش الفرنسي بقيادة "لويس السابع" ملك فرنسا.
وقد تعرَّض الجنود الألمان لسخرية شديدة من الفرنسيِّين لِما حلَّ بهم من قِبَل السلاجقة من هزيمة سريعة مدمِّرة!
وقد كانت نتائج هذه الحملة مأساويَّة بالنسبة لأوروبا بفضل جيش سلاجقة الروم المسلم؛ إذ سرعان ما هُوجم جيشُ "لويس السابع" نفسه في طريقه إلى أضاليا، عام 1148م، عندما انقضَّ عليهم السلاجقة مرَّة أخرى وهاجموهم مِن أعالي الجبال بوابل من السِّهام؛ حيث قتَلوا كثيرًا من مؤخِّرة الجيش الفرنسي، حتى إنَّ "الملك لويس" تعرَّض أكثر من مرة للموت في هذه المعركة، ولم تتوقَّف المعركة إلاَّ بعد حلول الظلام وانسحاب السلاجقة قانعين بما أصاب جيش "لويس".
واضطرَّت الحملة الصليبية مرغمة إلى البعد عن أماكن نفوذ السلاجقة ومواصلة طريقها بحرًا بعد أن مُنيت بهزيمةِ ملكَيْها وجيشَيْها على يد القائد المسلم "ركن الدين مسعود".
رابط الموضوع: https://www.alukah.net/culture/0/89079/#ixzz5cF0BFDY8