ربما هو أول رئيس عربي قدم استقالته ، في هذه المناسبة انجزت صحيفة الشروق تحقيقا جمع شهادات مساعديه وبعض من عايش فترته في انتظار مقال الاستاذ عبد العزيز بوباكير كاتب مذكرات الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد و المقرر صدوره غدا ، يبقى الرئيس الشاذلي بحسناته وأخطائه أحد صناع تاريخ الجزائر الحديثة :
تمرّ اليوم 26 سنة كاملة عن مغادرة الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد سدة الحكم، في عملية مازالت تثير الجدل بين سياسيين إلى الآن، بين من يراها استقالة طوعية، في حين يعتقد آخرون أنها إقالة تحت الإكراه، وعليه انقسم تأويلها أيضا، بين كونها انقلابا على الإرادة الشعبية آنذاك، بعد توقيف المسار الانتخابي، وبين وصفها بالقرار الشجاع لإنقاذ الجمهورية، ومازال إلى اليوم، كل طرف يدافع عن موقعه وموقفه.
وعند هذه الذكرى، حاولت “الشروق” البحث عن زاوية جديدة، وشهادات متجددة، حول استقالة أو “إقالة” الرئيس بن جديد، في يوم 11 جانفي 1992، لكن أغلب الشخصيات المعنية بالحدث، من بعيد أو قريب، تفضل تكرار نفسها بإعادة تصريحاتها السابقة.. ولذلك ارتأت “الشروق” إعادة نشر أبرز الشهادات المرتبطة بالحدث، لفاعلين مباشرين في الحكم سابقا، وتصريحات مقرّبين من الرئيس الشاذلي بن جديد رحمه الله، حول ملابسات مغادرته للسلطة، كانوا قد وثقوا شهاداتهم في حوارات وتصريحات مع “الشروق” في وقت فائت.
خليفة بن جديد شقيق الرئيس الراحل:
الشاذلي لم يندم على الاستقالة.. ورفض تحمّل المسؤولية لوحده
قال خليفة بن جديد، شقيق الرئيس الأسبق، بشأن خروجه من الحكم “إنه بعد أول انتخابات تشريعية في إطار التعدّدية في 26 ديسمبر 1991 كانت صدمة الشاذلي كبيرة بعد ما حصد “الفيس” المحل غالبية المقاعد في البرلمان، بـ188 مقعد في الدور الأول، وما زاد من مخاوف الرئيس، أنّ قادة الحزب المحلّ كانوا قد توعدوا السّلطة بأنّه في حال فوزهم بالأغلبية في التشريعيات، لن تكون انتخابات أخرى في البلاد”.
وأوضح شقيق الرئيس الراحل أنه “أمام هذا الوضع الذي اعتبره الشاذلي خطير جدا، اجتمع مباشرة بعد إعلان نتائج الانتخابات مع قادة الجيش بمقر قيادة القوات البرية في عين النعجة، بحضور وزير الدفاع الأسبق خالد نزار، حيث نبّه ممثلي المؤسسة العسكرية آنذاك إلى ما يراه خطرا محدقا باستقرار البلاد”، مخاطبا إيّاهم: “تحمّلوا المسؤولية.. لن أتحمّلها وحدي”، ليقوم الجيش لاحقا وبالتشاور مع الحكومة بإلغاء نتائج التشريعيات التي حصد فيها “الفيس” أغلبية المقاعد في البرلمان.
وقال شقيق الشاذلي في شهادات سابقة لـ”الشروق”: “كلّمني الشاذلي في منتصف نهار 7 جانفي 1992، عبر الهاتف الثابت، كنت حينها بمنزلي في وهران، طلب منّي المجيء إلى بيته في زرالدة، وعند وصولي مطار العاصمة، كان في استقبالي شقيقي العقيد مالك بن جديد، نائب قائد الناحية العسكرية الأولى بالبليدة آنذاك… سألته: لماذا استدعاني الشاذلي؟ فردّ: الرئيس سيستقيل”.
وتابع السيد خليفة: “وفي اليوم الموالي (8 جانفي)، حللت بمنزل الرئيس في حدود الساعة العاشرة صباحا”.. ومضى خليفة قائلا: “سألت الرئيس لماذا استدعيتني.. فأجاب: أردت إخبارك بأنّي سأستقيل.. أردت إبلاغك كي لا تسمع بنبإ استقالتي من التلفزيون وتصدم”، موضحا أنّ الراحل قضى أياما عصيبة ما بين 26 ديسمبر 1991 إلى غاية إعلانه استقالته في 11 جانفي 1992، فقد كان منهارا نفسيا ويواجه هذا الوضع الصعب بتلاوة القرآن، ملتزما بصلواته الخمس، ويحث عائلته على تأديتها في وقتها.
وقال المتحدث: “لمسنا أثناء جهره بصلاته تأثّرا بالغا، عندما كان يتلو آية بعينها وهي: “يا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ”، مضيفا “هذه الآية كان وقعها عظيما على الشاذلي، إلى درجة أنّه قال لي: أقسمت على المصحف باحترام الدستور وقوانين الجمهورية.. والله على ما أقول شهيد.. لست مستعدّا لأخون ما وعدت به ربّ العالمين والشّعب الجزائري”.
وأردف خليفة في كلامه السابق: “بينما الشاذلي منهمك في الحديث معي دخل علينا في حدود الـ11 صباحا، الجنرال بن قرطبي رئيس التشريفات برئاسة الجمهورية آنذاك، حاملا ورقة بيضاء مكتوبة بقلم. لم أكن أعلم أنها ورقة الاستقالة.. حيث قرأها الشاذلي وأمضاها ومنحها للجنرال بن قرطبي”.
واستطرد خليفة، شقيق الرئيس: “الشاذلي لم يندم على قراره، لأنّه رأى بأنه أحد الحلول لخروج البلاد من الأزمة، لكن في المقابل لم يخضع لأي ضغط من طرف الجيش، ولم يرغمه أحد على الاستقالة، وإنّما تخلّى عن الكرسي بمحض إرادته”.
الجنرال خالد نزّار.. وزير الدفاع الأسبق:
بن جديد استقال طواعية.. ولا وجود لأيّ انقلاب
أكد اللواء خالد نزار، وزير الدفاع الأسبق، أنّ “العملية التي تنعت هنا وهناك بأنها توقيف للمسار الديمقراطي، كانت بالعكس، تهدف في الأصل كما في النتيجة إلى المحافظة على الجمهورية، وارثة آباء نوفمبر والديمقراطية وترسيخها في البلد على المدى الطويل”.
وقال عضو مجلس الدولة، بداية التسعينيات، في شهادة مكتوبة سابقة: “كان من غير الممكن القيام بعمل يساوي مصير أمة برمتها دون تسجيل تجاوزات هنا وهناك، استحال تجنبها وذلك طوال النزاع الداخلي الذي قاومت قوات الأمن خلاله المتسببين في المأساة الوطنية”، مضيفا: “إذا كان الجيش الوطني الشعبي قد رأى من الحتمي توقيف المسار الانتخابي في جانفي 1992، شأنه شأن الحكومة والقوى السياسية والنقابية الأخرى، فذلك وعي منه تمام الوعي بجسامة الرهانات والأخطار التي كانت محدقة بالدولة الوطنية والمسار الديمقراطي”.
وردا على الفكرة القائلة بأن رئيس الجمهورية الأسبق (الشاذلي بن جديد) كان ضحية إجباره على تقديم استقالته عنوة، أجاب الجنرال نزار قائلا: “هاهو الرئيس نفسه، يصرح في 28 نوفمبر 2008- بما لا يرقى إليه الشك- بأنه استقال من تلقاء نفسه وعن وعي ودون أي ضغط من أي شخص أو طرف كان.. فعلى ضوء هذا التوضيح الهام- وإن جاء متأخرا- يبدو من الحري والمفيد أن نرد بعض الحقائق إلى نصابها”. وأوضح: “إذا كانت استقالة رئيس الجمهورية قد بدرت منه فعلا، فإن فرضية الانقلاب تلغي نفسها بنفسها”، مضيفا: و”إن إلغاء الدور الثاني من الانتخابات لم يكن معناه تعليق الديمقراطية، بدليل أنه لم يتم الحد من نشاطات الأحزاب السياسية ولم يعلق الدستور”. وأردف شهادته: “كانت مرحلة ما بين دوري الانتخابات فترة عصيبة، ذلك أن الفيس المحل زاد تشددا بعد فوزه في الدور الأول، فمضى قدما في نهج كل من لا يحذو حذوه، وراح يتوعد المواطنين بالعقاب ما لم يغيروا لباسهم وأكلهم”.
واعتبر نزار في شهادات سابقة، أن خروج الرئيس الراحل عن صمته قد أنهى الجدل، فقال: “لقد كان الغموض الذي شاب الفقرة الواردة في تصريح المجلس الدستوري المتعلقة بالظروف التي طرأت فيها استقالة رئيس الجمهورية، مصدر شبهة بحيث أدى إلى تأويلات مضللة، وقد رفع التصريح المذكور إلى الرئيس الشاذلي هذا اللبس، إذ اعترف بأنه استقال دون إكراه وأنه يتحمل مسؤولية هذا القرار تحملا تاما”.
سيد أحمد غزالي.. رئيس الحكومة الأسبق:
الشاذلي لم يكن غبيّا أو أحمق حتّى يُقال من الحكم
اعترف رئيس الحكومة الأسبق، سيد أحمد غزالي، في تصريحات سابقة، بتعرض الرئيس الراحل الشاذلي لضغوط لم يكشف عن هويتها، من أجل تقديم استقالته أو من أجل وقف المسار الانتخابي، وقال في تصريحات سابقة: “الضغط على الرئيس ليس عيبا، بل أمر طبيعي، كما لا ينبغي اتهام جهات أخرى، طالما أن المعني هو من يقرر في النهاية”.
وأضاف غزالي أن بن جديد “لم يكن غبيا ولا أحمق حتى يقبل إقالته”، لكنه في المقابل، نأى بنفسه عن المشاركة في الضغط على الشاذلي من أجل الاستقالة، وأكد أنه لم يسمع بها إلا عبر شاشة التلفزيون مثل الجزائريين، كما قال إنه “لم يسمع بحل البرلمان الذي تم في الرابع من جانفي 1992، بالرغم من أنه كان يجب أن يعلم بقرار من هذا القبيل، بحكم منصبه، إلى جانب كل من رئيس المجلس الشعبي الوطني ورئيس المجلس الدستوري”.
وفي شهادة أخرى، استبعد غزالي خضوع الشاذلي لضغط من قادة عسكريين آنذاك لدفعه إلى رمي المنشفة، موضحا: “قيل لي إن ضباطا اتصلوا به ليطلبوا منه التنحي، فإذا ثبت أنه تنحى بناء على طلبهم فهل نسمي ما جرى انقلابا… أنا لا أسميه انقلابا، فقد كنا متأكدين من أن الإسلاميين سيحطمون الدولة، ولكني بهذا الكلام لا أبحث عن تبرير قانوني لـ11 جانفي 1992 وإنما سياسيا يمكن تبريره، لأن فئات شعبية كبيرة وقوى سياسية عبّرت عن خشيتها من تحطيم الدولة”.
وأضاف غزالي: “لو سلمنا بأنه انقلاب، فقد تم بالاتفاق مع رئيس الدولة الذي كانت استقالته ذات مصداقية، فمن حيث الشكل لم يكن ممكنا التوجه نحو دور ثان للانتخابات من دون رئيس جمهورية”.
وأكد غزالي أن الحكومة (كان رئيسها) التي أشرفت على تنظيم الانتخابات التشريعية الملغاة، كانت مع وقف الدور الثاني من هذه الانتخابات، والمبرر كما جاء على لسانه، أنه وعد الجزائريين بتنظيم انتخابات شفافة ونزيهة، “وقد وفّيت بذلك، لكن الفيس لم يلتزم من جانبه بشروط النزاهة”، وأكد أن وقف المسار الانتخابي “لم يكن مبنيا على حسابات سياسية بحق أو بغير حق، لأن التاريخ هو من سيحكم، لكنني أعتقد أن قطع الطريق عن الانتخابات كان لا مفر منه لوقف زحف التطرف”.
واعترف رئيس الحكومة الأسبق بالحرج الذي وقعت فيه الحكومة في التعاطي مع نتائج الدور الأول للانتخابات التشريعية الملغاة، وقال: “ما دامت النتائج صدرت في الجريدة الرسمية، فمعنى ذلك أنها شرعية من الناحية الدستورية، غير أن المشكل يتعلق بالجانب السياسي، إذ كيف يمكن مواصلة الدور الثاني، في ظل الفراغ السياسي الذي أعقب حل المجلس الشعبي الوطني”.
السيدة حليمة بن جديد.. حرم الرئيس الراحل:
الشاذلي قال: الصندوق قال كلمته.. وأنا “ما نخلطهاش ونعاودها”
بدورها أكدت أرملة الرئيس الأسبق الشاذلي، السيدة حليمة بن جديد، أن قرار الاستقالة كان قرارا شخصيا اتخذه الراحل عن قناعة تامة بعد فوز الجبهة الإسلامية للإنقاذ سابقا في الدور الأول من الانتخابات التشريعية عام 1991، خوفا على الجزائر من أيّ انزلاقات.
وشددت السيدة حليمة في تصريحاتها السابقة على أن الرئيس الراحل رفض رفضا قاطعا القفز على الشرعية الشعبية التي أفضت إلى فوز “الفيس” المحلّ بأغلبية مقاعد البرلمان، وقال يومها “أستقيل.. لم تجبروني على ذلك ولكني لا أريد تغيير خطتي بالكامل في تسيير الدولة بوقف الانتخابات.. أديت اليمين وأقسمتُ على أن التزم بقيم الجمهورية وأن أحترم إرادة الشعب وهو ما سأفعله” .
وأضافت السيدة حليمة، في شهادة سابقة لـ “الشروق” أنّ “الشاذلي ـ رحمه الله – فهم ما أراده بعض الجنرالات المعارضين له بعد ظهور نتائج الانتخابات في الدور الأول من أول تشريعيات تعددية في البلاد، وقال “أنا ما نخلطهاش ونعاودها”، فقد رفض أن يكون طرفا ضد ما أفرزه الصندوق، لأنه كان يحترم قيم الدولة ومبادئها وعليه فضل الاستقالة وحمل المعارضين آنذاك لاحترام الإرادة الشعبية، مسؤولية الخطوة، وكان يردد عبارة “الله يعلم ما في قلبي وهو من يحاسبني”، على حدّ قولها.
وأضافت السيدة حليمة “أذكر أنه في ليلة الاستقالة ظل صامتا محتفظا بكل ما يدور في رأسه من أفكار لنفسه.. كان مؤمنا جدا بقضاء الله وظل يردد أنه بذل جهده ليكون في مستوى المسؤولية وأنه لا يمكن أن يخون القسم على كتاب الله في صون الأمانة… حافظ على هدوئه كما عاهدناه دائما وطوال رئاسته للدولة، وفي كل الأحداث التي عرفتها الجزائر ابتداء من أحداث منطقة القبائل سنة 1980”.
وعن مدى صحة ما تردد عن انهياره النفسي قبيل الاستقالة، قالت السيدة حليمة “الشاذلي الرئيس هو بشر وأكيد أن الضغوطات التي عاشها في تلك الفترة كانت كبيرة جدا.. وحتى نحن كعائلة مررنا بمرحلة عصيبة جدا منذ تعيينه رئيسا للجمهورية. لم نعط أبناءنا حقهم من الرعاية وكبروا ونحن منشغلون بأمور السياسة رغما عنا، وواجهنا حملات شرسة من الانتقادات والدعايات المغرضة”.
وأضافت حرم الرئيس الراحل: “أيام صعبة عشناها على أعصابنا كعائلة كانت تتوقع يوميا المزيد من الأخبار الكاذبة التي كان يروج لها على نطاق واسع”، مستطردة “الشاذلي بن جديد كان رجلا مؤمنا ومجاهدا وثوريا مخلصا خدم الوطن بكل أمانة وصدق وظل وفيا لمبادئه ورفض أن يجزئها أو يتخلى عنها تحت أي ظرف، وعندما وضع في امتحان صعب فضل الانسحاب والاستقالة لإرضاء ضميره”.
علي هارون.. عضو المجلس الأعلى للدولة سابقا:
حكومة غزالي وافقت على وقف المسار الانتخابي
يقدم علي هارون، أحد الرجال الذين هندسوا لعملية وقف المسار الانتخابي في جانفي 1992، شهادته حول الحدث فيقول في شهادات سابقة: “كان العربي بلخير وزير الداخلية مهزوما بسبب النتائج الكارثية التي انتهت إليها الانتخابات التشريعية في ديسمبر 1991.. لقد حققت الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحلة انتصارا لا نقاش فيه، أكثر من ذلك كان استعراضيا .. وفي أول اجتماع لمجلس الحكومة بعد إعلان النتائج، اتفق وزراء حكومة غزالي على أن استمرار العملية الانتخابية إلى الدور الثاني، يعني سقوط الدولة بين أيدي الأصولية الإسلامية، التي ستقودنا إلى عصور الظلامية، مع احتمال نشوب حرب أهلية، ومن هنا اتفق الجميع على ضرورة وقف المسار الانتخابي، وكان في مقدمة المتحمسين لهذا الخيار، الوزيرتان ليلى عسلاوي وأنيسة بن عمر، في حين ذكّر ابراهيم شيبوط، وزير المجاهدين آنذاك، بتضحيات الشهداء والمجاهدين من أجل إقامة دولة متقدمة وعصرية.”
وأضاف وزير حقوق الإنسان ما بين(1991 /1992 ) في شهادات سابقة “في ظل هذا الوضع، تناول وزير الثقافة والاتصال أبو بكر بلقايد الكلمة ليقول بأن النقاش يجب أن يتجاوز الحديث عن وقف المسار الانتخابي الذي أصبح مفروغا منه، بل في البحث عن الوسائل التي ستمكن من وقف المسار الانتخابي وعدم الذهاب إلى الدور الثاني”، موضحا أنّ “الجميع كان ينتظر تدخل وزير الدفاع السابق، الجنرال خالد تزار، الذي كان جالسا على يسار غزالي من الطاولة البيضاوية، ليعرف موقف المؤسسة العسكرية مما تتم مناقشته، نظرا لثقل هذه المؤسسة، وقد جاء كلام الجنرال وفق ما كان ينتظره الجميع، وهو أنه يشاطر القلق الذي انتاب أغلبية الوزراء”.
عبد العزيز بلخادم.. رئيس البرلمان سابقا:
لم أحلّ البرلمان.. وعلمت بالقرار عبر التلفزيون
يؤكد رئيس المجلس الشعبي الوطني الأسبق، بداية التسعينيات، عبد العزيز بلخادم، أنه سمع بحل الهيئة التشريعية التي كان يرأسها من خلال التلفزيون العمومي آنذاك، ولم يتول حله، لأنه لا يمكنه قانونا ودستوريا ذلك، وأن القرار ضمن صلاحيات رئيس الجمهورية.
ويستند بلخادم إلى مسائل قانونية بحتة، ليؤكد شهادته، ويقول: “الدساتير الجزائرية سواء لعام 76 أم 89 أم 96 لا يعطي الصلاحية لرئيس المجلس في حله، بل الأمر من صلاحية رئيس الجمهورية وحده.. في حالة حل المجلس بقرار سياسي يتم استشارة رئيسه وفق دستور 89، وأنا لم أستشَر في ذلك أبدا”. ويتابع في هذه الجزئية: “استشارتي في تلك الفترة كانت إلزاميا بنص الدستور”.
وجاءت تصريحات بلخادم السابقة لـ”الشروق”، ردا على اللواء المتقاعد خالد نزار في حواره المطول مع “الشروق”. ومما جاء فيها عن بلخادم: “هو يريد تسييس الأمر، دعه يقل ما يريد.. عبد العزيز بلخادم هو من حل المجلس، بلخادم جزء من أولئك الذين قادوا الحملة ضد المؤسسة العسكرية، من خلال انخراطه في اعتبار ما حصل بعد وقف المسار الانتخابي في 1992 انقلابا على الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد، ونحن لا نحتاج إلى تفكير كبير كي نفهم.. بلخادم هو من حل المجلس الشعبي الوطني، وكل النواب كانوا حاضرين يومها، ومنذ ذلك اليوم عادوا إلى بيوتهم”.
ويرفض بلخادم، كذلك ما قاله الجنرال نزار من أن حل البرلمان بداية التسعينيات قد تم في جلسة حضرها كل النواب، ويقول: “الجلسة تلك كانت نهاية الدورة البرلمانية فقط، وليس نهاية العهدة.. العهدة قانونا تنتهي كل 5 سنوات، ويعوض المجلس القديم بالمجلس الجديد، وهذا لم يحصل إطلاقا”.
في الذكرى 27 لخروج الرئيس من الحكم.. “الشروق” تنقل عنْ عميمور:
هكذا “طرد” الشاذلي وزير فرنسا من الرئاسة!
– العربي بلخير كان بالغ الانضباط مع الشاذلي وهذا سرّ نفوذه!
– هكذا كانت السيّدة حليمة تتصرف في قصر المراديّة
– هذا ما وقع بين الشاذلي ومبعوث باريس بسبب ثانوية “ديكارت”
– لقاء بن جديد مع “الذئب” فرانسوا ميتران شكّل داية لتغيّر كل شيء!
– هذا ما قاله الرئيس بن جديد للزعيم بريجنيف حول إحتلال أفغانستان
– هؤلاء همْ رجال الشاذلي الثمانية.. والبعض راهن على سقوطه في ستة أشهر!
– مسؤولون متزوّجون بفرنسيات قادوا مظاهرات ضد تعريب الشاذلي للمدرسة
– الشاذلي لمستشاريه في أحداث أكتوبر: أنتم تخفون عني الحقائق.. “وخّذتوني” في عميمور!
ما إن جلس الرئيس الشاذلي بن جديد على كرسي المرادية مطلع 1979 حتى استدعى ثلاثة من مساعدي الرئيس هواري بومدين ليعبر لهم عن تقديره لهم وثقته فيهم، طالبا منهم العمل معه في نفس مواقعهم السابقة مع الرئيس الراحل، وكان الثلاثة هم: مولود حمروش مدير التشريفات الرئاسية، وعبد الملك كركب مدير الأمن الرئاسي، ومحيي الدين عميمور المستشار ومدير الإعلام بالرئاسة.
وفي الأسابيع الأولى، وعندما كان جلّ عناصر الطبقة السياسية مهتمين بالتموقع وعقد التحالفات، سابق الدكتور عميمور الزمن، مستغلّاً قدراته الإعلامية وعلاقته بمجال الصحافة في الداخل والخارج، لأجل صياغة الصورة الجماهيرية للرئيس الجديد، محتكرا بشكل شبه تام كل تصريحات الرئيس ومداخلاته المتلفزة سواء مع الصحافة الوطنية أو الصحافة الدولية، ولدرجة أن أحد مذيعي القناة الأولى أخطأ عن غير قصد في ذكره لأسماء مرافقي الرئيس، فقال فلان وفلان والدكتاتور عميمور!
من هنا تأتي أهمية شهادة الطبيب الذي انحرف عن ممارسة الطب، بعد أن اختاره الرئيس بومدين في جوان 1971 مستشارا مكلفا بميدان الإعلام، قبل أن تتمّ تصفيته في بداية العهدة الثانية للرئيس الشاذلي.
وفي شهادته لـ “الشروق”، يدافع مستشار بن جديد للإعلام عن رئيسه، مؤكدا أنه تميّز بالإخلاص والصبر والتواضع، رافضًا وصفه بالشخصيّة الضعيفة أو التي تخضع لقرارات المحيط، مثلما شاع كثيرا.
وأوضح سفير الجزائر الأسبق لدى “إسلام أباد”، أنّ خليفة بومدين تمكّن سريعا من فرض نفسه كقائد يتحكّم في الملفات والمهام المنوطة به، وإنْ وجد في جواره من حاول دومًا أن يصنع الحواجز أمام بعض مقرّبيه الذين يعرضون الرأي الآخر للرئيس حتى يختار أفضل البدائل الممكنة.
بل أكثر من ذلك، يؤكد الوزير الأسبق للاتصال أنّ الشاذلي بن جديد، رحمه الله، تميّز بذكاء فريد من نوعه، كان يتعمّد إخفاءه، مشبّها أسلوبه في ذلك بطريقة الرئيس المصري أنور السادات. وبخصوص ما راج كثيرا عن قوّة تأثير المساعدين والمقرّبين من العائلة على قرارات الرئيس، قدّم عميمور شهادته من وحي المعايشة اليوميّة في طواليس قصر المراديّة طيلة العهدة الأولى تقريبًا، متحدّثا عن دور العربي بلخير والسيّدة حليمة وآخرون.
وتزامنا مع الذكرى السابعة والعشرين، لخروج الرجل من الحكم عشية 11 جانفي 1992، يدافع عميمور عن انتصار الرئيس بن جديد لمشروع التعريب في الجزائر واستكمال الخيار البومديني في تكريس وتعزيز اللغة الوطنيّة، مستحضرًا بهذا الخصوص ما دار بين الشاذلي وفرانسو ميتران، ثم وزير خارجيته لاحقا، على خلفية “جزأرة” ثانوية ديكارت، في موقف يشبه كثيرا “حادثة طرد”!
البعض يزعم أنّ الذين رشحوا العقيد بن جديد للحكم قرّروا ذلك لضعف الرجل وسهولة انقياده لهم، هل كان الرئيس لاحقا مثلما توقعوا أم عكس ذلك؟ حتّى إنّ اللواء خالد نزّار يقول عنه في مذكراته إنّه كان محدود الثقافة ومن السهل جدا التأثير عليه، أفلا تؤيد هذه الشهادة أسباب تقديمه للرئاسة ؟
حقيقي أنّ الرئيس الشاذلي بن جديد، رحمه الله، لم يكن معروفا وقتها على الساحة الشعبية، نظرا لالتزاماته العسكرية، لكنه كان صورة صادقة لمناضل جبهة التحرير الوطني الذي يرتدي الزيّ العسكري، ولا أعتقد أنه كان شخصية باهتة، كما بدا لكثيرين ألفوا التعامل معه وخُدعوا إلى حد ما ببساطته.
صحيح، هو لم يكن واسع الثقافة، وكانت مقدرته اللغوية محدودة في البداية، لكنني أعتقد، وكما ذكرت في كتابي “أنا وهو وهم”، أنه كان يتمتع بعدد من مميزات القادة، الأولى هي مقدرته على اكتساب معارف جديدة، وحرصه على بذل جهودٍ خارقة لاستيعاب معطيات مهامه والتجاوب معها، والثانية مقدرته على اختيار أحسن البدائل التي تطرح عليه.
ومن هنا كان هناك من يحرص على إبعاد كل من كان قادرا على أن يقدم له ما اصطلح على تسميته بالرأي الآخر، أي البدائل، وهكذا أمكن التأثير عليه في مرحلة معينة لم يجد فيها أمامه إلا اختيار محدود واحد.
وما أحسست به من واقع التعامل المباشر، هو أن الشاذلي كان يتمتع بذكاء فريد من نوعه، تمكّن من إخفائه والتستر عليه بما يذكر بأسلوب الرئيس المصري أنور السادات، واستفاد من ممارسة فن القيادة خلال جهاده الثوري في القاعدة الشرقية، ثم تحمل مسؤولية قيادة ناحيتين عسكريتين نحو 15 سنة، الخامسة والثانية، وهي أهم النواحي من الناحية العسكرية والجيوسياسية كما تعرف، ورافق الرئيس بومدين كعضو في مجلس الثورة أكثر من عشر سنوات، عاش معه فيها أحداثا هامة، من بينها أحداث 1967، ثم كان إلى جانبه في العديد من نشاطاته الداخلية والخارجية.
ببساطة شديدة، الشاذلي بن جديد لم يأت من فراغ، بل كان واحدا من أهم الإطارات في الدولة، وأساسا بصفته عضوا في مجلس الثورة.
كيف ندلّل للقارئ على بذْل الرئيس بن جديد لجهود خارقة بهدف استيعاب معطيات مهامه الجديدة؟
بمنتهى البساطة، يكفي أن تقارن بين أول خطبه وآخرها، وحديثي دائما عن المرحلة التي عملتُ فيها معه.
هل يمكن أن نستحضر بعض القرارات التي اتخذها بن جديد في مرحلة معينة، تحت “تأثير الاختيار المحدود والواحد” الذي عرض عليه، مثلما تفضلتم بذكره؟
أنا تناولت المرحلة التي عملت فيها إلى جانب الرئيس وشهدت كيف يُحسن اختيار البدائل، وآخرها كان اختيار ما عرضته أنا عليه في تنظيم المؤتمر الخامس وكان ضدّ ما كان اقترحه أكبر مساعديه، وكل هذا مذكور في الكتاب الذي صدر في حياة الاثنين.
أما بعد ذلك فهناك من هم أقدر مني على الحديث عنه.
قلّ ما نسمع أنّ الرئيس بن جديد كان يتمتع بذكاء فريد من نوعه، بل على العكس من ذلك، فإنّ دوائر معادية لخيارات الرجل الإصلاحيّة لم تتورّع في مرحلة ما عن جعل هذه الشخصية الوطنية الكبيرة محلّ سخرية وتنكيت، فهل تذكرون مواقف محدّدة تترجم دهاء القائد؟
ذكرت الكثير من تلك المواقف في كتاب “أنا وهو وهم”، وكان منها رده على العقيد بلهوشات في الطائرة المتوجهة إلى دمشق في قضية حرس الشرف السوري، ومنها تحذيره لبريجنيف من أن أفغانستان قد تكون فيتنام الاتحاد السوفيتي.
مع ذلك فإنّ كثيرين يرون أنه لم يكن مؤهلا لخلافة بومدين، فقد كان هناك اثنان على الأقل تقدمهم التوقعات لوراثة الرئيس الراحل، عبد العزيز بوتفليقة ومحمد الصالح يحياوي، ما تعليقكم؟
للتوضيح وطبقا لما عشته آنذاك، كان وزير الخارجية عبد العزيز بوتفليقة يرى أن ترشيح رئيس الجمهورية يجب أن يصدر عن مؤتمر لإطارات الدولة، ثم يُعرض الترشيح للاستفتاء الشعبي، لكن المؤسسة الحزبية وعلى رأسها المنسق محمد الصالح يحياوي كانت ترى أن يتم الترشيح من خلال مؤتمر حزب جبهة التحرير الوطني، طبقا للدستور ولقوانين الحزب، وتمكّن يحياوي من فرض رأيه، وبدون أن أدّعي معرفتي للنوايا الحقيقية فإنّ كلاّ منهما أدرك أن تقدّمَ أحدهما للترشح سوف يواجه بعقبة رئيسية، وهي أنّ أيا منهما لم يكن قادرا على تحقيق الإجماع الوطني حول شخصه، فعناصر الإدارة على كل المستويات بشكل عام كانوا أقرب إلى بوتفليقة ولا يثقون بيحياوي، على عكس مناضلي الحزب الذين كانوا أبعد عن بوتفليقة وأكثر قربًا من يحياوي.
وانتصر رأي يحياوي وتقرر أن يتم اختيار مرشح رئاسة الجمهورية في مؤتمرٍ للحزب، اعتبر المؤتمر الرابع بعد الصومام (1956) وطرابلس (1962) والجزائر (1964).
ولأن الاستقرار والتوافق الوطني كانا أهم العناصر التي يجب أن تتوفر في مرحلة ما بعد بومدين، فإن المرشح الوحيد الذي كان يمكن أن يحقق ذلك هو من يدعمه أقوى تنظيم منضبط في البلاد، وهو القوات المسلحة، وهو ما لم يكن متوفرا بشكل كامل للشخصيتين المذكورتين.
وهنا لعب قاصدي مرباح دورا هاما في اختيار الشاذلي بن جديد، الذي قدّم كمجاهد وكأكبر ضابط في أعلى رتبة، وهو ما لم يكن دقيقا، لأن أكبر الضباط سنّا فيما أعرف كان عبد الله بلهوشات، لكن يبدو أن الأغلبية التي اجتمعت في مدرسة “لونيتا” في برج الكيفان فضلت الالتفاف حول الشاذلي بن جديد.
وقال لي يحياوي شخصيّا أن علينا تأييد الشاذلي، وهو ما فعلناه بالطبع، وهكذا تحقق له دعم الجيش والحزب الطلائعي.
كيف استطاع الشاذلي أن يتحول من ضابط مغمور، حسب وصف البعض، إلى رئيس يضع بصمات واضحة على مسيرة الأمة؟
هناك ثمانية رجال لهم أساسا فضل تحويل الضابط المغمور، على حدّ قولهم، إلى رئيس فرض إرادته شيئا فشيئا على الواقع.
أولهم رابح بيطاط، الذي رفض كل إغراء بتعديل الدستور والتقدم لخلافة بومدين، بصفته واحدا من القادة التاريخيين، والثاني هو قاصدي مرباح الذي ضمن للشاذلي دعم القوات المسلحة، بكل ما يرتبط بذلك من انضباط الإدارة عبر ولايات الجمهورية، والثالث محمد الصالح يحياوي الذي ضمن للرئيس ولاء مناضلي الحزب، والرابع هو مولود حمروش الذي تولّى تسيير النشاط الرئاسي بانضباط ملحوظ وكفاءة عالية، والخامس هو عبد الملك كركب الذي تكفل بالحماية الأمنية بكل متطلباتها، والسادس هو العبد الضعيف الذي ركز على رسم الصورة الجماهيرية المنسجمة مع شخصية الرئيس الجديد من جهة، ومع آمال المواطنين في نقلة نوعية من جهة أخرى، والسابع هو محمد الصديق بن يحيى الذي رسم للرئيس المجال الدولي الذي يعطيه فرصة التألق، أما الثامن، وربما كان أهم الجميع، فهو الشاذلي نفسه، الذي تميز بالتواضع وبالصبر وبالانضباط، حتى تمكن من التحكم في المعطيات الأساسية لدور رئيس الجمهورية.
نجح الرئيس إذن في بسط نفسه سريعا كقائد مسنود، بينما كانت أطراف من داخل السلطة ترى فيه مجرد رئيس مؤقت، قبل به البعض حتى يتمكنوا من إعادة ترتيب أوراقهم؟
هذا حدث فعلا، وقد سمعت من عضو في مجلس الثورة أن الرئيس الشاذلي لن يستمر في الحكم أكثر من ستة أشهر، وأذكر أنني قلت له: تذكر أن نفس التعبير أطلق على الرئيس السادات في مصر، لكنه تمكن من سحق كل خصومه.
لماذا تتحفّظون على ذكر هوية عضو مجلس الثورة المقصود، طالما أنّ الأمر يتعلق بتقدير شخصي لا يسيء إلى أحد؟ أم إنّ كلامه كان يخفي سيناريو حضّره البعض ؟
أنا أحترم ذكرى من انتقلوا إلى رحمة الله ولا يمكنهم تفنيد ما أقوله، ولقد ذكرت الاسم في كتابي السابق ذكره لأن المذكور كان علي قيد الحياة.
في محور آخر، ربط السفير عبد القادر حجار، في شهادة سابقة، بين قرارات ديسمبر 1979 المتعلّقة بتعريب المدرسة الأساسية والعلوم الإنسانية بالجامعات، و انفجار الربيع الأمازيغي في ولاية تيزي وزو أشهرا قليلة بعد ذلك، خاصّة وأنّ الدورة الثالثة للجنة المركزية لحزب جبهة التحرير الوطني قرّرت إنشاء مجلس أعلى للغة العربية، برئاسة رئيس الجمهورية الشاذلي بن جديد، بدلاً عن اللجنة الوطنية للتعريب، هل تتوافق معلوماتكم مع هذا الرأي؟
أولا، لم يكن هناك شيء اسمه الربيع الأمازيغي، وما عرفته منطقة القبائل في أبريل 1980 حمل اسم الربيع البربري، وتغيرت الصفة بعد أن أمر الرئيس الشاذلي باستبعاد تعبير البربرية من التعامل الإعلامي ليحل محله تعبير الأمازيغية، وكان ذلك إثر اقتراح قدمته له، بناء على استشارة عدد من المثقفين، من بينهم عبد المجيد مزيان وعثمان سعدي وموسى لقبال، وكانت الاستشارة في حضور الرئيس شخصيّا.
ولا أرى مبررا للتناقض مع ما قاله حجار، لكنني أضيف أن الزيارة الرسمية الأولى التي قام بها الرئيس الشاذلي كانت للمشرق العربي، وهذا في تصوري كان من خلفيات ما حدث.
وإذا صدقت ذاكرتي فإن اسم المجلس في البداية كان المجلس الأعلى للغة الوطنية، وهو ما كنت اتفقت فيه مع الرئيس قبل أن أفاجأ بأن التسمية تغيرت فيما بعد.
حينها كنتم في موقع مطلّع برئاسة الجمهورية، كيف تعاطى التيار الفرنكفوفيلي في دواليب الدولة مع قرارات الرئيس الشاذلي لصالح التعريب ؟
بذلت كل المحاولات لعرقلة العملية، وسُيّرت مظاهرات ضد التعريب تضم إطارات متزوجين بفرنسيات، وهوجمتُ شخصيا مرارا بتهمة أنني أفرض على الرئيس استعمال العربية في خطبه، وحدثت أحيانا مناورات لدفعه إلى استعمال الفرنسية كما حدث في نيروبي عام 1980.
ولكنني أعتقد أن الخطر الأكبر كان يأتي من تأثير بعض المعربين الذين كانوا يشعرون بعقدة نقص تجاه الطرف الآخر، ولا تسألني عن الأسماء فهي معروفة، ويمكن لحجار إن أراد أن يذكر لك بعضها.
قلتم إنّ من الخلفيات الرئيسة لأحداث الربيع البربري هو أنّ أول زيارة خارجيّة يقوم بها الشاذلي كانت نحو المشرق العربي، نفهم من ذلك أنّ فرنسا لها اليد الطولى في ما جرى، فهل حاولت التدخل رسميّا لتعطيل التعريب ؟
لا شك في ذلك، وهو أمر أراه طبيعيا، فالسارق لا يدخل الدار إلا إذا كان أهلها غافلون.
كيف واجه الرئيس بن جديد الطرفين (فرنسا ولوبيّها الداخلي)، وهل شعرتم بتأثير تلك الضغوط على خياره الوطني؟
كان الرئيس الشاذلي يؤمن بأن اللغة العربية هي قاعدة للوحدة الوطنية، ولكن البعض راحوا يسربون له أفكارا مضمونها أن علينا أن نتخلص من العقد (هكذا)، وأنا أعتقد أن بداية الخلل كانت بتراجع الرئيس في لقاءاته مع الشخصيات الفرنسية عن استعمال المترجم، والذي حرصتُ على وجوده في أول حوار للرئيس مع التلفزة الفرنسية، وكان لقاء الشاذلي المباشر مع ذئب فرنسي يتمتع بتاريخ رهيب في المناورات بداية تغيّر في كل شيء.
تقصد اللقاء مع فرانسوا متران ؟
بالفعل..لكن من جهة أخرى، هناك قصة مرتبطة بمضمون سؤالك ولها دلالتها، وأرويها لك كما سمعتها آنذاك، وتتعلق باستقبال الرئيس لوزير الخارجية الفرنسي “رولاند دوما” على ما أتذكر، فما أن بدأ الوزير في طرح قضية ثانوية “ديكارت” التابعة عمليّا للسفارة الفرنسية حتى قال له الرئيس، وهو يقف معلنا انتهاء المقابلة: إنها قضية سيادة وطنية معالي الوزير.
هل نفهم من شهادتكم أنّ الرئيس بن جديد طرد ضيفه الفرنسي على طريقة بومدين مع السفير الأمريكي، يوم اعترض باسم بلاده على مساعدة الجزائر لمصر عسكريّا في حرب 1967، مثلما يردّده الكثير؟
كلامي واضح وأي توضيح أكثر من هذا إهانة للقارئ.
دعنا نعد إلى كلامكم بخصوص تأثير “الذئب” فرانسو متران على الشاذلي، لأنكم اعتبرتم أنّ اللقاء بينهما كان بداية لتغيّر كل شيء، هل معناه أنّ الثاني استسلم لضغوط الأول بشأن التعريب في الجزائر؟
أقترح حذف السؤال فقد يظلمك القارئ ويتهمك بأنك لم تتابع مسيرة الرئيس الشاذلي، وربما لو كان حيّا لأجبتك، وارجع إلى الكتاب.
شهدت بداية حكم الرئيس بن جديد إبعاد بعض الرموز البومدينيّة، مثل بلعيد وبوتفليقة ويحياوي وغيرهم كثير، وطالكم أنتم الإقصاء لاحقا، هل تعتقدون أن الشاذلي هو الذي قرّر التخلص منهم، أو من خطرهم، أم إنّ الدائرة المحيطة هي التي دفعته، ومن هم أصحاب القرار الفعلي في ذلك؟
أعتقد أن أكبر أخطاء الرئيس الشاذلي هو تخلصه من معظم من كانوا عونًا له، وتمسكوا بحقهم في أن يقولوا له الحقيقة كما يرونها، بدءا بقاصدي مرباح ثم يحياوي، ولعلي أضع نفسي في القائمة.
ثم وقع استبعاد شخصيات سياسية كان يمكن الاستفادة منها كمرايا عاكسة، تزوده ببعض زوايا الواقع التي لا يتمكّن من رؤيتها، وتفيده بخبراتها في مجالات معينة، ومن هؤلاء بوتفليقة وعبد السلام بلعيد وإبراهيم براهمية وربما آخرون نسيتُ أسماءهم مع مرور الزمن.
ولقد كان للبطانة، وربما لبعض أفراد العائلة دور في ذلك، بدون أن أهمل المسؤولية النسبية لكل من أبعدوا عن المصير الذي انتهوا إليه، وأنا شخصيا أعترف بأنني كنت متعصبا لرأيي ومتمسكا بمواقفي التي تعرفها، ويعرفها بالطبع آخرون.
عن أيّ بطانة تتحدّثون، وأنتم كنتم في مركز الرئاسة وتعلمون دقائق الأمور فيها، فلماذا تقديم الشهادات بصيغة المجاهيل و الهروب من قول الحقيقة الكاملة؟
أنا أحرص على احترام شيئ اسمه العفة، وخصوصا عندما يتعلق الأمر بمن انتقلوا إلى رحمة الله، ولو كان الهروب في نيتي لما قبلت إجراء الحديث أصلا، ولما كتبت مؤلفا مزودا بالصور طُبع ثلاث مرات، وأرسلت منه نسخة للرئيس الشاذلي عند أول إصدار.
هل بلغكم في مرحلة ما أن “بن جديد” ندم على تلك القرارات أم إنها كانت عنده من مقتضيات التحول السياسي؟
فيما يتعلق بي شخصيا، أذكر أنه بعد سنوات طويلة قال لي علي ونّاس، وهو أحد العاملين في الرئاسة، بأنه سمع أنّ الرئيس بعد أحداث أكتوبر خرج من مكتبه غاضبا وهو يقول : أنتم تخفون عني الحقائق، “وخّذتوني” في عميمور، لم يكن يُخفي عني شيئا، وبالطبع، أنا لا أؤكد ولا أنفي وأروي ما قيل لي بكل تحفظ، ولعل مثله قيل في حق آخرين.
لكنني أذكّر بأن الرئيس فاجأني في نهاية الثمانينات بأن عينني سفيرا للجزائر، وأعتقد أن هذه إجابة ضمنية مؤكدة على سؤالك.
أنتم اشتغلتم مع الشاذلي وسلفه بومدين، هل صحيح أن بن جديد كان يحبّ الركون إلى الراحة، مفوّضا كثيرا من المهام الخطيرة في مؤسسة الرئاسة للمحيط القريب منه، عكس “الهواري” الصارم والجادّ في ممارسة السلطة؟
بومدين والشاذلي نوعان مختلفان من الوطنيّين، لكل منهما فضائله الخاصة به، ولا تنسَ أن الهواري هو من صنع الجيش العصري، أما الشاذلي فيمكن القول، مع بعض التجاوز، بأن الجيش هو الذي صنع رئاسته.
ولم يكن الرئيس يركن إلى الراحة خلال العهدة الأولى التي كنتُ فيها إلى جانبه، ولقد بذل الشاذلي جهدا رائعا في استيعاب الملفات المطروحة وفي الاستعداد لخطبه وحواراته الصحفية، وأتذكر أنه كان الوحيد تقريبا الذي لا يغادر مقعد الرئاسة في منصة قصر الأمم إلا بعد رفع الجلسة.
ولقد حضرت لقاءه مع “بريجنيف” وأشهد أن مستوى أدائه كان أعلى من مستوى الزعيم السوفيتي، لأنه درس ملف العلاقات مع موسكو بكل اهتمام، وأذكّر هنا بالدور الهام الذي قام به في هذا الصدد محمد الصالح دمبري، الأمين العام لوزارة الخارجية آنذاك.
ذكرتم في حوار سابق لـ”الشروق” أن الرئيس بومدين عيّن الشاذلي بن جديد كمنسّق عام للجيش، وقدمتم القرار على أنه ربّما كان إشارة نحو الخلافة، لكن المرحوم محمد الصالح يحياوي نفى الأمر، مؤكدا أن التكليف صدر عن مجلس الثورة في غياب بومدين، هل من تعقيب لكم؟
لا أذكر أبدا أنني قلت ذلك، ويمكنك أن ترجع إلى نص حواري السابق، ويحياوي على حق فيما رواه، وكنت سمعته منه شخصيا.
هل تعلمون بمعارضة شخصيات نافذة في السلطة وقتها لتكليف الشاذلي كمنسق عام للجيش، خوفًا من منافسته في الصراع حول الحكم؟
سمعت همسات حول ذلك، وأظن أن معرفة البعض بعلاقاتي الوطيدة مع الرئيس، حتى قبل تحمله المسؤولية الرئاسية، جعلتهم يكتمون عني بعض ما يشعرون به.
من المعلوم أن الرئيس مكّن لبعض أقاربه المباشرين من مواقع مسؤولية متقدّمة، فهل كان بن جديد، على خلاف بومدين، واقعًا تحت تأثير العائلة، وما مدى تدخلها في القرار الرئاسي، على الأقل في الفترة التي كنتم شهودا عليها؟
هناك الكثير مما عرفته الساحة وخصوصا بعد العهدة الأولى، لكنني لم ألحظ ذلك بشكل بارز خلال عملي مع الرئيس، والمهم أن أحدا لم يكن يجرؤ على التدخل في عملي، وهو ما بدأ يحدث في الشهور الأخيرة من العهدة الأولى.
تؤكدون أنكم لم تلحظوا تدخّل العائلة في شؤون القرار بشكل بارز.. إذن أنتم لا تنكرون حصول ذلك ولو بشكل محدود؟
أعتقد أن ما أقوله لا يحتاج إلى أي توضيح أو تفصيل.
صحيح أنّ السيدة حليمة لم ترق وقتها إلى موقع ليلى الطرابلسي لكنها كانت موجودة في ظلّ الرئيس، فهل تنفون ذلك؟
ما عشته في العهدة الأولى يؤكد أن السيدة حرم الرئيس كانت تتصرف كحرم الرئيس، أما بعد ذلك فعلى من يعرف شيئا آخر أن يتقدم للشهادة.
يشاع أنّ تصرفات العربي بلخير، الأمين العام ثم رئيس الديوان في الرئاسة كانت في كثير من الأحيان لإرضاء حرم الرئيس بهدف التأثير في خياراته، هل فعلا وصل التدخل العائلي في شؤون الحكم إلى هذا الحدّ؟ وما مقدار تدخلات الرجل وقتها في قرارات الشاذلي؟
سمعت الكثير عن هذا بعد إنهاء مهامي، لكنك تعرف أنني لا أتحدث إلا عما عشته شخصيا، وما رأيته في البدايات هو أن العربي كان بالغ الانضباط في التعامل مع الرئيس.
هل كان برأيكم نفوذ العربي بلخير في الرئاسة مستمدّا من ثقة الشاذلي في الرجل وقدراته، أم لكونه يمثل، ضمن توازنات الحكم، مجموعة “ضباط فرنسا” ومصالح اللوبي الفرنسي؟
أعتقد أن كل تلك العناصر كان لها تأثير بدرجات متفاوتة في كل ما عرفته البلاد خلال العهدات التالية من حكم الرئيس الشاذلي.
ختامًا.. هل تعتقدون أن الرئيس استقال في يناير 1992 أم أقيل؟
أعتقد أنه استقيل !!
هذا اشتقاق لغوي جديد يعني أنّ الرجل دفع إلى الاستقالة كرها؟
تعليق أرى أنه لا ضرورة له، دع القارئ يكتشف بنفسه المقصود
النائب عن الحزب الواحد سابقا محمد عرابي لـ “الشروق”:
الشاذلي ليس أبا الديمقراطية ولا أبا الفوضى !
هذا ما قاله الرئيس الشاذلي لرابح بيطاط
بيطاط: أدخلتني بركة لم أستطع الخروج منها
في هذا الحوار المطول، يتحدث النائب بالمجلس الشعبي الوطني سابقا، محمد عرابي، عن فترة حكم الرئيس الراحل، الشاذلي بن جديد، باعتباره جزء نظامه، فقد كان صانعا وشاهدا على الكثير من الأحداث التي عاشتها البلاد في واحدة من أصعب فتراتها، وهي المرحلة التي شهدت الانفجار الاجتماعي في خريف العام 1988، والذي حتم كما هو معلوم، على السلطات السياسية، الذهاب إلى مراجعة الدستور في فبراير 1989، الذي قاد إلى تكريس الانفتاح السياسي، والقضاء على الأحادية الحزبية التي حكمت البلاد منذ الاستقلال. في هذا الحوار، يقوم عرابي بمحاكمة هادئة لفترة الشاذلي، ومن خلالها يرفض تحميل الرئيس الأسبق، كل السقطات التي عاشتها البلاد لوحدها، ويوزعها على مختلف مؤسسات الدولة، وكذا المسؤولين الذين أداروا دفة الحكم كل حسب موقعه. كما ينبه إلى حقيقة مفادها أن الرئيس هواري بومدين ذهب ترك خلفه ديونا تقدر بنحو 19 مليار دولار، عكس ما أشيع أن كل الديون التي وصلت في بداية التسعينيات إلى نحو ثلاثين مليار دولار، كان أكثر من نصفها موروثا من مرحلة ما قبل 1979.
عايشتم فترة حكم الرئيس الراحل، الشاذلي بن جديد، كنائب في المجلس الشعبي الوطني في الفترة الممتدة ما بين 1987 / 1992.. ماذا تقولون عن الرجل؟
في الحقيقة، فترة حكم الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد، جاءت في ظروف خاصة، فقد اعتلى سدة الرئاسة بعد وفاة سلفه الراحل هواري بومدين، الذي كان يتمتع بكاريزما خاصة.. الكثير كان يعتقد أن الراحل بومدين ترك البلاد في بحبوحة مالية، غير أن واقع الحال غير ذلك، فقد اجتمع مسؤولو الدولة ودرسوا بالتفاصيل تركة بومدين حتى يتمكنوا من بناء تصور عام بشأن التدابير التي يتعين اتخاذها في تسيير الدولة.
وقد تفاجأنا عندما خلص اجتماع هؤلاء المسؤولين إلى أن هناك ديون تركها الرئيس الراحل، تقدر بـ 15 مليار دولار، تمثل ديون عامة، ونحو أربعة ملايير دولار، تمثل ديون تابعة للمؤسسة العسكرية، قد تكون مقتنيات أسلحة وما إلى ذلك.
إذن، عكس ما قيل عن الراحل بومدين، فقد ترك ديون على الجزائر بالرغم من ارتفاع أسعار النفط في مرحلته؟
بالتأكيد ولعل الجهل بعدم وجود ديون تركها بومدين هو الذي دفع الكثير إلى الحكم بقساوة على الرئيس الشاذلي..
لكن دعني أكمل الإجابة عن السؤال الأول..
تفضل..
لما انتخب الشاذلي بن جديد كرئيس للدولة، طرأت تغييرات على التوجه العام للدولة، وخاصة ما تعلق بالبعد الاقتصادي الذي انطبع بشيء من الانفتاح، وظهر ما أصبح يعرف بالبرامج المخصصة للاستهلاك. وربما هذا الأمر هو الذي شابته بعض الأخطاء. ويجب التأكيد هنا على أن الأمر يتعلق بأخطاء وقع فيها بعض المسيرين الذي قاموا بشراء كل ما هو مسموح به دون مراعاة السياسة النقدية للبلاد في ذلك الوقت، ولعل هذا الأمر هو الذي أدى إلى تراكم المزيد من الديون لتصل في الأخير إلى نحو ثلاثين مليار دولار.
وفي عام 1987 وصلت البلاد إلى حافة الخط الأحمر، حيث بدأ الدائنون يطالبون بتسديد الديون مع خدماتها، وللأسف تزامن هذا الوضع مع انخفاض أسعار النفط إلى أدنى مستوى لها، فعجزت البلاد عن السداد ودخلت معها في أزمة خانقة، أدت على انفجار أحداث أكتوبر 1988 الشهيرة. وقد دفعت الظروف التي كانت تضغط على البلاد، قادة الحزب الواحد آنذاك (حزب جبهة التحرير الوطني) إلى عقد مؤتمر استثنائي، ضم مختلف إطارات الدولة، بما فيها إطارات المؤسسة العسكرية، على اعتبار أن الحزب الواحد آنذاك كان يمثل فيه الجميع.
وهنا أذكر أن الرئيس الشاذلي قدم تقريره في هذا المؤتمر، عرض من خلاله إلى الوضعية العامة التي كانت تمر بها البلاد حينها (بعد أحداث أكتوبر 1988)، وأعتقد أن التسجيلات لا تزال موجودة، وكان يومها الراحل رابح بيطاط هو رئيس المجلس الشعبي الوطني.
وماذا قال الرئيس الأسبق في تقريره؟
نعم، أنا بصدد الحديث عن ذلك.. في كلمة الرئيس الشاذلي، توجه إلى بيطاط وقال له: “أنت شخصيا استشرتك في الكثير من المسائل ولم تجبني عليها”، وكان بيطاط رحمه الله جالسا في مربع النواب، لأن المشاركين كانوا جالسين في مربعات بمن فيهم ممثلي المؤسسة العسكرية. عندها نطق النواب بكلمة واحدة: نحن لم نسمع بذلك أبدا. بعدها استشعر بيطاط الحرج، وطلب الكلمة ليرد على الشاذلي قائلا: “أنت وضعتني في بركة وقلت لي اسبح فيها ولا تخرج منها”.
ومما أذكره من كلمة الرئيس الراحل، أنه قال: “أعطوني حريتي أطلق يدي”، وعندها أحس الجميع بأن الشاذلي يريد تقديم استقالته.. وتطورت الأمور فيما بعد كما يعلم الجميع، وتقرر مباشرة الانفتاح السياسي بعد تبني دستور 29 فبراير 1989، الذي جاء بقانون جديد يسمى قانون الجمعيات السياسية، وذهبت الدولة لانتخابات محلية وتشريعية تعددية تعتبر الأولى من نوعها في تاريخ البلاد، وتعقدت الأمور على جميع الأصعدة ولم يعد الأمر يقتصر على البعد الاقتصادي، بل تعداه إلى البعد السياسي.
وهنا تجدر الإشارة إلى أنه من غير العدل إلقاء المسؤولية على الرئيس الشاذلي لوحده، فكل المسؤولين الذين كانوا إلى جواره يتحملون معه المسؤولية كل حسب موضعه، فضلا عن المسيرين. إذ لا يمكن أن نحاسب الرئيس على فشل مسؤول ما في إدارة وزارته أو تسيير مؤسسته.. وقد اضطر في الأخير على رمي المنشفة، وترك الجمل بما حمل لمن كان يدفعه إلى الاستقالة.
يتهم الكثير من المتابعين فترة حكم الشاذلي بأنها كانت رمزا للتسيب والإهمال وانحلال الدولة.. هل تشاطرون هذا القول؟
كما سبق أن أسلفت، الشاذلي لم يكن يسير الدولة وحده.. هو كان رئيسا للدولة، كان إلى جانبه الكثير من المسؤولين والمسيرين، حتى المجلس الشعبي الوطني الذي كنت عضوا فيه (1987/ 1992) يتحمل قسطا من المسؤولية، لكنها تختلف من مسؤول إلى آخر حسب موقعه. بالتأكيد كان هناك مسؤولون يتوفرون على صلاحيات واسعة لمحاربة التسيب. عادة ما يكون هناك مرض، يفترض أن المسؤول يتوفر على دواء علاجه.
فعبد الحميد براهيمي، الذي كان وزيرا أول جمد الكثير من المشاريع، منها على سبيل المثال لا الحصر، ميترو العاصمة (لم يطلق إلا في عده الرئيس الحالي)، وكذا معهد باستور الذي أنجز بدوره لاحقا، فضلا عن مشاريع كبرى للطرقات، ومشروع كوميدور لإصلاح العمران، والسبب يبقى قلة الموارد المالية بعد تدهور اسعار البترول في الأسواق الدولية.
وللأمانة، الرئيس الشاذلي، حاول مواجهة الوضع لكنه لم يستطع، لأنه بعد العام 1989، وبعد إجراء الانتخابات المحلية وبداية التحضير للانتخابات التشريعية ثم إجراؤها، كان هناك طرفان يتصارعان في قمة هرم السلطة، والطرف الذي تغلب على الآخر، هو الذي فرض على الرئيس الشاذلي تقديم استقالته وترك لهم الدولة ليفعلوا بها ما شاؤوا.
أما بالنسبة للمجلس الشعبي الوطني فقد كانت له صلاحيات كثيرة، منها لجان التحقيق، وقد أنجزنا كنواب لجان تحقيق، مثل لجنة التحقيق في قضية “الباسو” في العام 1982، أما في الفترة التي كنت فيها نائبا، فقد أنشئت لجنة التحقيق البرلمانية في قضية الـ 26 مليار دولار، التي فجرها الوزير الأول الأسبق، عبد الحميد براهيمي، فضلا عن لجنة التحقيق في قضية الغرفة الوطنية للتجارة، وذلك على خلفية الرخص التي كانت تعطى لاستيراد الآلات من الخارج، وقد شهدت هذه الرخص تلاعبات ولذلك أنشأنا تقريرين وقدمناهما للعدالة، لكن هذه الأخيرة لم تقم بما كان يجب القيام به.
يلوم البعض الرئيس الشاذلي بأنه قضى على المكتسبات التي تركها الراحل هواري بومدين.. هل هذا اللوم في محله؟
لا، لا.. لا يمكن الحكم هكذا بسرعة على الشاذلي. واعتبر أن هذا الحكم قاسي جدا على الرجل، لأن المؤسسات التي تركت من عهد الرئيس الراحل بومدين لا يزال الكثير منها قائما إلى غاية اليوم. ربما التسيير لم يتسم بالفعالية المطلوبة. للأسف كنا نضع الجميع في قفة واحدة، المسير الفاشل والناجع، لكن هذه الطريقة هي التي أدت بالبلاد إلى ما وصلت إليها. كان يجب معاقبة أو محاسبة المسير الفاشل وتكريم المسير الناجح حتى نرسي ثقافة تسيير ناجعة.
وللأمانة، حتى في عهد الرئيس بومدين كانت مشاريع لم تطلق بعد أن أنجزت الدراسات بشأنها، مثل حي السفارات الذي مزمعا إقامته في بن عكنون. ربما الأمر الذي يمكن أن نلوم عليه الرئيس الشاذلي والمسؤولين الذين كانوا يعملون معه، هو الرخص التي كانت تعطى للمؤسسات الكبيرة تسمى “الرخص العامة للاستيراد”، وهي الرخص التي فيها الكثير من المؤاخذات من الناحية العملية، حيث كانت تمنح مبالغ كثيرة من الأموال وتستهلك قبل نهاية العام الذي أعطيت فيه. أما السلع فتشترى من الخارج.
يقول البعض إنه لولا انخفاض أسعار النفط في الثمانينيات، لما اتهم نظام الشاذلي بالتهم الشائعة اليوم.. ما قولكم؟
ربما من الأخطاء التي أدت بالبلاد إلى ما تعيشه اليوم، هي الاعتماد الكلي للدولة على الريع النفطي. كان يجب تطوير القطاع الصناعي وتنويع الاقتصاد. فعندما كان قاصدي مرباح وزيرا للفلاحة في عام 1987، عرف القطاع انتعاشا كبيرا، غير أنه ومع ذلك شهد القطاع بعض الأخطاء الجسيمة، منها سوء توظيف القانون 87 / 19 المتعلق بالمستثمرات الفلاحية، حيث كانت تمنح الأراضي لمسيرين إداريين لا علاقة لهم بالفلاحة، عوض أن تعطى للفلاحين، وهو ما ساهم في تحويل الأراضي الفلاحية إلى غير وجهتها الحقيقية، بحيث غزت الإسمنت الأراضي وخسرت البلاد معها مساحات شاسعة كان يمكن أن تساهم في الرفع من مستوى الإنتاج.
حقيقة، الرئيس يمكنه أن يصلح ويعاقب، لكن المسيرين الذين كانوا يعملون إلى جانبه لم يساعدوه كما يجب.. لا يجب رمي المسؤولية على الرئيس لوحده، فالكل له نصيب منها.
يقول البعض إن الفساد في الثمانينيات كان مؤسساتيا.. وما قضية 26 مليار دولار الشهيرة إلا أبرز مثال على ذلك.. لماذا؟
قضية الـ 26 مليار دولار مبالغ فيها. الوزير الأول الأسبق، عبد الحميد براهيمي جاء بهذا الرقم من خلال عملية حسابية بسيطة.. انطلق من المبلغ الذي صرفته الجزائر، وانطلاقا من نسبة معينة جاء بالرقم سالف ذكره. ولما أنشأ المجلس الشعبي الوطني لجنة تحقيق برلمانية في ما بات يعرف بقضية الـ 26 مليار دولار، وقفنا على أخطاء في التسيير، وأعددنا تقريرا ووجهناه للعدالة.. الكثير تكلم عن الرشوة والسرقات، لكن ليس بالمستوى الذي ذهب إليه البعض، فالرشوة موجودة في كل بقاع العالم.
وماذا كان مصير التقرير الذي قدمته لجنة التحقيق البرلمانية إلى العدالة؟
نعم.. تقرير الـ 26 مليار دولار، وكذا المتعلق بقضية الغرفة الوطنية للتجارة، سلمناهما للعدالة وبقيا حبيس الأدراج، ومن سوء الحظ أن هذان الملفان تزامنا والظروف غير العادية التي عاشت البلاد على وقعها في بداية التسعينيات، بوقف المسار الانتخابي واستقالة الشاذلي وإنشاء المجلس الأعلى للدولة ثم اغتيال الرئيس الراحل محمد بوضياف، ولم يتجرأ المجلس الأعلى للدولة على دفع الإجراءات على مستوى العدالة، وقبر الملفين إلى الأبد.
هناك مثال شائع عن الجزائر لدى اليابانيين.. هو أنهم يرمزون إلى الجزائر على أنها 10 بالمائة (أي النسبة المشترطة مقابل الحصول على الصفقة) ما حقيقة ذلك؟
لا أستطيع نفي هذا الأمر أو تأكيده. وبكل صراحة، سأعطيك الخلاصة. كل مؤسسات الدولة مسؤولة، المجلس الشعبي الوطني، السلطة القضائية والسلطة التنفيذية، وحتى المؤسسة العسكرية باعتبارها تساعد على كشف المخربين ومعاقبتهم. لقد ارتكبنا أخطاء كثيرة نجني ثمارها اليوم. العيب فينا وليس في الآخرين. فمن غير الممكن أن ننتظر من الأجانب أن يأتوا لبناء دولتنا، ما ينقصنا هو تطبيق القانون حرفيا ولو كان هذا القانون ناقصا.
يعتبر البعض الشاذلي بن جديد أبا الديمقراطية، في حين إن هناك من يرى أنه أبو الفوضى.. إلى أي الطرحين أنت أقرب؟
الرئيس الشاذلي، ليس هو أبو الفوضى ولا أبو الديمقراطية. فالظروف هي التي حتمت عليه الذهاب إلى الانفتاح السياسي. والديمقراطية لا يمكن أن تكون مرادفا للفوضى، لأن أصبحت اليوم بالنسبة للكثيرين شعار تمكين الشعوب من حكم نفسها بنفسها، كما أن كبح جماع الحريات والتضييق عليها، هي التي تؤدي إلى الكارثة.
تمرّ اليوم 26 سنة كاملة عن مغادرة الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد سدة الحكم، في عملية مازالت تثير الجدل بين سياسيين إلى الآن، بين من يراها استقالة طوعية، في حين يعتقد آخرون أنها إقالة تحت الإكراه، وعليه انقسم تأويلها أيضا، بين كونها انقلابا على الإرادة الشعبية آنذاك، بعد توقيف المسار الانتخابي، وبين وصفها بالقرار الشجاع لإنقاذ الجمهورية، ومازال إلى اليوم، كل طرف يدافع عن موقعه وموقفه.
وعند هذه الذكرى، حاولت “الشروق” البحث عن زاوية جديدة، وشهادات متجددة، حول استقالة أو “إقالة” الرئيس بن جديد، في يوم 11 جانفي 1992، لكن أغلب الشخصيات المعنية بالحدث، من بعيد أو قريب، تفضل تكرار نفسها بإعادة تصريحاتها السابقة.. ولذلك ارتأت “الشروق” إعادة نشر أبرز الشهادات المرتبطة بالحدث، لفاعلين مباشرين في الحكم سابقا، وتصريحات مقرّبين من الرئيس الشاذلي بن جديد رحمه الله، حول ملابسات مغادرته للسلطة، كانوا قد وثقوا شهاداتهم في حوارات وتصريحات مع “الشروق” في وقت فائت.
خليفة بن جديد شقيق الرئيس الراحل:
الشاذلي لم يندم على الاستقالة.. ورفض تحمّل المسؤولية لوحده
قال خليفة بن جديد، شقيق الرئيس الأسبق، بشأن خروجه من الحكم “إنه بعد أول انتخابات تشريعية في إطار التعدّدية في 26 ديسمبر 1991 كانت صدمة الشاذلي كبيرة بعد ما حصد “الفيس” المحل غالبية المقاعد في البرلمان، بـ188 مقعد في الدور الأول، وما زاد من مخاوف الرئيس، أنّ قادة الحزب المحلّ كانوا قد توعدوا السّلطة بأنّه في حال فوزهم بالأغلبية في التشريعيات، لن تكون انتخابات أخرى في البلاد”.
وأوضح شقيق الرئيس الراحل أنه “أمام هذا الوضع الذي اعتبره الشاذلي خطير جدا، اجتمع مباشرة بعد إعلان نتائج الانتخابات مع قادة الجيش بمقر قيادة القوات البرية في عين النعجة، بحضور وزير الدفاع الأسبق خالد نزار، حيث نبّه ممثلي المؤسسة العسكرية آنذاك إلى ما يراه خطرا محدقا باستقرار البلاد”، مخاطبا إيّاهم: “تحمّلوا المسؤولية.. لن أتحمّلها وحدي”، ليقوم الجيش لاحقا وبالتشاور مع الحكومة بإلغاء نتائج التشريعيات التي حصد فيها “الفيس” أغلبية المقاعد في البرلمان.
وقال شقيق الشاذلي في شهادات سابقة لـ”الشروق”: “كلّمني الشاذلي في منتصف نهار 7 جانفي 1992، عبر الهاتف الثابت، كنت حينها بمنزلي في وهران، طلب منّي المجيء إلى بيته في زرالدة، وعند وصولي مطار العاصمة، كان في استقبالي شقيقي العقيد مالك بن جديد، نائب قائد الناحية العسكرية الأولى بالبليدة آنذاك… سألته: لماذا استدعاني الشاذلي؟ فردّ: الرئيس سيستقيل”.
وتابع السيد خليفة: “وفي اليوم الموالي (8 جانفي)، حللت بمنزل الرئيس في حدود الساعة العاشرة صباحا”.. ومضى خليفة قائلا: “سألت الرئيس لماذا استدعيتني.. فأجاب: أردت إخبارك بأنّي سأستقيل.. أردت إبلاغك كي لا تسمع بنبإ استقالتي من التلفزيون وتصدم”، موضحا أنّ الراحل قضى أياما عصيبة ما بين 26 ديسمبر 1991 إلى غاية إعلانه استقالته في 11 جانفي 1992، فقد كان منهارا نفسيا ويواجه هذا الوضع الصعب بتلاوة القرآن، ملتزما بصلواته الخمس، ويحث عائلته على تأديتها في وقتها.
وقال المتحدث: “لمسنا أثناء جهره بصلاته تأثّرا بالغا، عندما كان يتلو آية بعينها وهي: “يا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ”، مضيفا “هذه الآية كان وقعها عظيما على الشاذلي، إلى درجة أنّه قال لي: أقسمت على المصحف باحترام الدستور وقوانين الجمهورية.. والله على ما أقول شهيد.. لست مستعدّا لأخون ما وعدت به ربّ العالمين والشّعب الجزائري”.
وأردف خليفة في كلامه السابق: “بينما الشاذلي منهمك في الحديث معي دخل علينا في حدود الـ11 صباحا، الجنرال بن قرطبي رئيس التشريفات برئاسة الجمهورية آنذاك، حاملا ورقة بيضاء مكتوبة بقلم. لم أكن أعلم أنها ورقة الاستقالة.. حيث قرأها الشاذلي وأمضاها ومنحها للجنرال بن قرطبي”.
واستطرد خليفة، شقيق الرئيس: “الشاذلي لم يندم على قراره، لأنّه رأى بأنه أحد الحلول لخروج البلاد من الأزمة، لكن في المقابل لم يخضع لأي ضغط من طرف الجيش، ولم يرغمه أحد على الاستقالة، وإنّما تخلّى عن الكرسي بمحض إرادته”.
الجنرال خالد نزّار.. وزير الدفاع الأسبق:
بن جديد استقال طواعية.. ولا وجود لأيّ انقلاب
أكد اللواء خالد نزار، وزير الدفاع الأسبق، أنّ “العملية التي تنعت هنا وهناك بأنها توقيف للمسار الديمقراطي، كانت بالعكس، تهدف في الأصل كما في النتيجة إلى المحافظة على الجمهورية، وارثة آباء نوفمبر والديمقراطية وترسيخها في البلد على المدى الطويل”.
وقال عضو مجلس الدولة، بداية التسعينيات، في شهادة مكتوبة سابقة: “كان من غير الممكن القيام بعمل يساوي مصير أمة برمتها دون تسجيل تجاوزات هنا وهناك، استحال تجنبها وذلك طوال النزاع الداخلي الذي قاومت قوات الأمن خلاله المتسببين في المأساة الوطنية”، مضيفا: “إذا كان الجيش الوطني الشعبي قد رأى من الحتمي توقيف المسار الانتخابي في جانفي 1992، شأنه شأن الحكومة والقوى السياسية والنقابية الأخرى، فذلك وعي منه تمام الوعي بجسامة الرهانات والأخطار التي كانت محدقة بالدولة الوطنية والمسار الديمقراطي”.
وردا على الفكرة القائلة بأن رئيس الجمهورية الأسبق (الشاذلي بن جديد) كان ضحية إجباره على تقديم استقالته عنوة، أجاب الجنرال نزار قائلا: “هاهو الرئيس نفسه، يصرح في 28 نوفمبر 2008- بما لا يرقى إليه الشك- بأنه استقال من تلقاء نفسه وعن وعي ودون أي ضغط من أي شخص أو طرف كان.. فعلى ضوء هذا التوضيح الهام- وإن جاء متأخرا- يبدو من الحري والمفيد أن نرد بعض الحقائق إلى نصابها”. وأوضح: “إذا كانت استقالة رئيس الجمهورية قد بدرت منه فعلا، فإن فرضية الانقلاب تلغي نفسها بنفسها”، مضيفا: و”إن إلغاء الدور الثاني من الانتخابات لم يكن معناه تعليق الديمقراطية، بدليل أنه لم يتم الحد من نشاطات الأحزاب السياسية ولم يعلق الدستور”. وأردف شهادته: “كانت مرحلة ما بين دوري الانتخابات فترة عصيبة، ذلك أن الفيس المحل زاد تشددا بعد فوزه في الدور الأول، فمضى قدما في نهج كل من لا يحذو حذوه، وراح يتوعد المواطنين بالعقاب ما لم يغيروا لباسهم وأكلهم”.
واعتبر نزار في شهادات سابقة، أن خروج الرئيس الراحل عن صمته قد أنهى الجدل، فقال: “لقد كان الغموض الذي شاب الفقرة الواردة في تصريح المجلس الدستوري المتعلقة بالظروف التي طرأت فيها استقالة رئيس الجمهورية، مصدر شبهة بحيث أدى إلى تأويلات مضللة، وقد رفع التصريح المذكور إلى الرئيس الشاذلي هذا اللبس، إذ اعترف بأنه استقال دون إكراه وأنه يتحمل مسؤولية هذا القرار تحملا تاما”.
سيد أحمد غزالي.. رئيس الحكومة الأسبق:
الشاذلي لم يكن غبيّا أو أحمق حتّى يُقال من الحكم
اعترف رئيس الحكومة الأسبق، سيد أحمد غزالي، في تصريحات سابقة، بتعرض الرئيس الراحل الشاذلي لضغوط لم يكشف عن هويتها، من أجل تقديم استقالته أو من أجل وقف المسار الانتخابي، وقال في تصريحات سابقة: “الضغط على الرئيس ليس عيبا، بل أمر طبيعي، كما لا ينبغي اتهام جهات أخرى، طالما أن المعني هو من يقرر في النهاية”.
وأضاف غزالي أن بن جديد “لم يكن غبيا ولا أحمق حتى يقبل إقالته”، لكنه في المقابل، نأى بنفسه عن المشاركة في الضغط على الشاذلي من أجل الاستقالة، وأكد أنه لم يسمع بها إلا عبر شاشة التلفزيون مثل الجزائريين، كما قال إنه “لم يسمع بحل البرلمان الذي تم في الرابع من جانفي 1992، بالرغم من أنه كان يجب أن يعلم بقرار من هذا القبيل، بحكم منصبه، إلى جانب كل من رئيس المجلس الشعبي الوطني ورئيس المجلس الدستوري”.
وفي شهادة أخرى، استبعد غزالي خضوع الشاذلي لضغط من قادة عسكريين آنذاك لدفعه إلى رمي المنشفة، موضحا: “قيل لي إن ضباطا اتصلوا به ليطلبوا منه التنحي، فإذا ثبت أنه تنحى بناء على طلبهم فهل نسمي ما جرى انقلابا… أنا لا أسميه انقلابا، فقد كنا متأكدين من أن الإسلاميين سيحطمون الدولة، ولكني بهذا الكلام لا أبحث عن تبرير قانوني لـ11 جانفي 1992 وإنما سياسيا يمكن تبريره، لأن فئات شعبية كبيرة وقوى سياسية عبّرت عن خشيتها من تحطيم الدولة”.
وأضاف غزالي: “لو سلمنا بأنه انقلاب، فقد تم بالاتفاق مع رئيس الدولة الذي كانت استقالته ذات مصداقية، فمن حيث الشكل لم يكن ممكنا التوجه نحو دور ثان للانتخابات من دون رئيس جمهورية”.
وأكد غزالي أن الحكومة (كان رئيسها) التي أشرفت على تنظيم الانتخابات التشريعية الملغاة، كانت مع وقف الدور الثاني من هذه الانتخابات، والمبرر كما جاء على لسانه، أنه وعد الجزائريين بتنظيم انتخابات شفافة ونزيهة، “وقد وفّيت بذلك، لكن الفيس لم يلتزم من جانبه بشروط النزاهة”، وأكد أن وقف المسار الانتخابي “لم يكن مبنيا على حسابات سياسية بحق أو بغير حق، لأن التاريخ هو من سيحكم، لكنني أعتقد أن قطع الطريق عن الانتخابات كان لا مفر منه لوقف زحف التطرف”.
واعترف رئيس الحكومة الأسبق بالحرج الذي وقعت فيه الحكومة في التعاطي مع نتائج الدور الأول للانتخابات التشريعية الملغاة، وقال: “ما دامت النتائج صدرت في الجريدة الرسمية، فمعنى ذلك أنها شرعية من الناحية الدستورية، غير أن المشكل يتعلق بالجانب السياسي، إذ كيف يمكن مواصلة الدور الثاني، في ظل الفراغ السياسي الذي أعقب حل المجلس الشعبي الوطني”.
السيدة حليمة بن جديد.. حرم الرئيس الراحل:
الشاذلي قال: الصندوق قال كلمته.. وأنا “ما نخلطهاش ونعاودها”
بدورها أكدت أرملة الرئيس الأسبق الشاذلي، السيدة حليمة بن جديد، أن قرار الاستقالة كان قرارا شخصيا اتخذه الراحل عن قناعة تامة بعد فوز الجبهة الإسلامية للإنقاذ سابقا في الدور الأول من الانتخابات التشريعية عام 1991، خوفا على الجزائر من أيّ انزلاقات.
وشددت السيدة حليمة في تصريحاتها السابقة على أن الرئيس الراحل رفض رفضا قاطعا القفز على الشرعية الشعبية التي أفضت إلى فوز “الفيس” المحلّ بأغلبية مقاعد البرلمان، وقال يومها “أستقيل.. لم تجبروني على ذلك ولكني لا أريد تغيير خطتي بالكامل في تسيير الدولة بوقف الانتخابات.. أديت اليمين وأقسمتُ على أن التزم بقيم الجمهورية وأن أحترم إرادة الشعب وهو ما سأفعله” .
وأضافت السيدة حليمة، في شهادة سابقة لـ “الشروق” أنّ “الشاذلي ـ رحمه الله – فهم ما أراده بعض الجنرالات المعارضين له بعد ظهور نتائج الانتخابات في الدور الأول من أول تشريعيات تعددية في البلاد، وقال “أنا ما نخلطهاش ونعاودها”، فقد رفض أن يكون طرفا ضد ما أفرزه الصندوق، لأنه كان يحترم قيم الدولة ومبادئها وعليه فضل الاستقالة وحمل المعارضين آنذاك لاحترام الإرادة الشعبية، مسؤولية الخطوة، وكان يردد عبارة “الله يعلم ما في قلبي وهو من يحاسبني”، على حدّ قولها.
وأضافت السيدة حليمة “أذكر أنه في ليلة الاستقالة ظل صامتا محتفظا بكل ما يدور في رأسه من أفكار لنفسه.. كان مؤمنا جدا بقضاء الله وظل يردد أنه بذل جهده ليكون في مستوى المسؤولية وأنه لا يمكن أن يخون القسم على كتاب الله في صون الأمانة… حافظ على هدوئه كما عاهدناه دائما وطوال رئاسته للدولة، وفي كل الأحداث التي عرفتها الجزائر ابتداء من أحداث منطقة القبائل سنة 1980”.
وعن مدى صحة ما تردد عن انهياره النفسي قبيل الاستقالة، قالت السيدة حليمة “الشاذلي الرئيس هو بشر وأكيد أن الضغوطات التي عاشها في تلك الفترة كانت كبيرة جدا.. وحتى نحن كعائلة مررنا بمرحلة عصيبة جدا منذ تعيينه رئيسا للجمهورية. لم نعط أبناءنا حقهم من الرعاية وكبروا ونحن منشغلون بأمور السياسة رغما عنا، وواجهنا حملات شرسة من الانتقادات والدعايات المغرضة”.
وأضافت حرم الرئيس الراحل: “أيام صعبة عشناها على أعصابنا كعائلة كانت تتوقع يوميا المزيد من الأخبار الكاذبة التي كان يروج لها على نطاق واسع”، مستطردة “الشاذلي بن جديد كان رجلا مؤمنا ومجاهدا وثوريا مخلصا خدم الوطن بكل أمانة وصدق وظل وفيا لمبادئه ورفض أن يجزئها أو يتخلى عنها تحت أي ظرف، وعندما وضع في امتحان صعب فضل الانسحاب والاستقالة لإرضاء ضميره”.
علي هارون.. عضو المجلس الأعلى للدولة سابقا:
حكومة غزالي وافقت على وقف المسار الانتخابي
يقدم علي هارون، أحد الرجال الذين هندسوا لعملية وقف المسار الانتخابي في جانفي 1992، شهادته حول الحدث فيقول في شهادات سابقة: “كان العربي بلخير وزير الداخلية مهزوما بسبب النتائج الكارثية التي انتهت إليها الانتخابات التشريعية في ديسمبر 1991.. لقد حققت الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحلة انتصارا لا نقاش فيه، أكثر من ذلك كان استعراضيا .. وفي أول اجتماع لمجلس الحكومة بعد إعلان النتائج، اتفق وزراء حكومة غزالي على أن استمرار العملية الانتخابية إلى الدور الثاني، يعني سقوط الدولة بين أيدي الأصولية الإسلامية، التي ستقودنا إلى عصور الظلامية، مع احتمال نشوب حرب أهلية، ومن هنا اتفق الجميع على ضرورة وقف المسار الانتخابي، وكان في مقدمة المتحمسين لهذا الخيار، الوزيرتان ليلى عسلاوي وأنيسة بن عمر، في حين ذكّر ابراهيم شيبوط، وزير المجاهدين آنذاك، بتضحيات الشهداء والمجاهدين من أجل إقامة دولة متقدمة وعصرية.”
وأضاف وزير حقوق الإنسان ما بين(1991 /1992 ) في شهادات سابقة “في ظل هذا الوضع، تناول وزير الثقافة والاتصال أبو بكر بلقايد الكلمة ليقول بأن النقاش يجب أن يتجاوز الحديث عن وقف المسار الانتخابي الذي أصبح مفروغا منه، بل في البحث عن الوسائل التي ستمكن من وقف المسار الانتخابي وعدم الذهاب إلى الدور الثاني”، موضحا أنّ “الجميع كان ينتظر تدخل وزير الدفاع السابق، الجنرال خالد تزار، الذي كان جالسا على يسار غزالي من الطاولة البيضاوية، ليعرف موقف المؤسسة العسكرية مما تتم مناقشته، نظرا لثقل هذه المؤسسة، وقد جاء كلام الجنرال وفق ما كان ينتظره الجميع، وهو أنه يشاطر القلق الذي انتاب أغلبية الوزراء”.
عبد العزيز بلخادم.. رئيس البرلمان سابقا:
لم أحلّ البرلمان.. وعلمت بالقرار عبر التلفزيون
يؤكد رئيس المجلس الشعبي الوطني الأسبق، بداية التسعينيات، عبد العزيز بلخادم، أنه سمع بحل الهيئة التشريعية التي كان يرأسها من خلال التلفزيون العمومي آنذاك، ولم يتول حله، لأنه لا يمكنه قانونا ودستوريا ذلك، وأن القرار ضمن صلاحيات رئيس الجمهورية.
ويستند بلخادم إلى مسائل قانونية بحتة، ليؤكد شهادته، ويقول: “الدساتير الجزائرية سواء لعام 76 أم 89 أم 96 لا يعطي الصلاحية لرئيس المجلس في حله، بل الأمر من صلاحية رئيس الجمهورية وحده.. في حالة حل المجلس بقرار سياسي يتم استشارة رئيسه وفق دستور 89، وأنا لم أستشَر في ذلك أبدا”. ويتابع في هذه الجزئية: “استشارتي في تلك الفترة كانت إلزاميا بنص الدستور”.
وجاءت تصريحات بلخادم السابقة لـ”الشروق”، ردا على اللواء المتقاعد خالد نزار في حواره المطول مع “الشروق”. ومما جاء فيها عن بلخادم: “هو يريد تسييس الأمر، دعه يقل ما يريد.. عبد العزيز بلخادم هو من حل المجلس، بلخادم جزء من أولئك الذين قادوا الحملة ضد المؤسسة العسكرية، من خلال انخراطه في اعتبار ما حصل بعد وقف المسار الانتخابي في 1992 انقلابا على الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد، ونحن لا نحتاج إلى تفكير كبير كي نفهم.. بلخادم هو من حل المجلس الشعبي الوطني، وكل النواب كانوا حاضرين يومها، ومنذ ذلك اليوم عادوا إلى بيوتهم”.
ويرفض بلخادم، كذلك ما قاله الجنرال نزار من أن حل البرلمان بداية التسعينيات قد تم في جلسة حضرها كل النواب، ويقول: “الجلسة تلك كانت نهاية الدورة البرلمانية فقط، وليس نهاية العهدة.. العهدة قانونا تنتهي كل 5 سنوات، ويعوض المجلس القديم بالمجلس الجديد، وهذا لم يحصل إطلاقا”.
في الذكرى 27 لخروج الرئيس من الحكم.. “الشروق” تنقل عنْ عميمور:
هكذا “طرد” الشاذلي وزير فرنسا من الرئاسة!
– العربي بلخير كان بالغ الانضباط مع الشاذلي وهذا سرّ نفوذه!
– هكذا كانت السيّدة حليمة تتصرف في قصر المراديّة
– هذا ما وقع بين الشاذلي ومبعوث باريس بسبب ثانوية “ديكارت”
– لقاء بن جديد مع “الذئب” فرانسوا ميتران شكّل داية لتغيّر كل شيء!
– هذا ما قاله الرئيس بن جديد للزعيم بريجنيف حول إحتلال أفغانستان
– هؤلاء همْ رجال الشاذلي الثمانية.. والبعض راهن على سقوطه في ستة أشهر!
– مسؤولون متزوّجون بفرنسيات قادوا مظاهرات ضد تعريب الشاذلي للمدرسة
– الشاذلي لمستشاريه في أحداث أكتوبر: أنتم تخفون عني الحقائق.. “وخّذتوني” في عميمور!
ما إن جلس الرئيس الشاذلي بن جديد على كرسي المرادية مطلع 1979 حتى استدعى ثلاثة من مساعدي الرئيس هواري بومدين ليعبر لهم عن تقديره لهم وثقته فيهم، طالبا منهم العمل معه في نفس مواقعهم السابقة مع الرئيس الراحل، وكان الثلاثة هم: مولود حمروش مدير التشريفات الرئاسية، وعبد الملك كركب مدير الأمن الرئاسي، ومحيي الدين عميمور المستشار ومدير الإعلام بالرئاسة.
وفي الأسابيع الأولى، وعندما كان جلّ عناصر الطبقة السياسية مهتمين بالتموقع وعقد التحالفات، سابق الدكتور عميمور الزمن، مستغلّاً قدراته الإعلامية وعلاقته بمجال الصحافة في الداخل والخارج، لأجل صياغة الصورة الجماهيرية للرئيس الجديد، محتكرا بشكل شبه تام كل تصريحات الرئيس ومداخلاته المتلفزة سواء مع الصحافة الوطنية أو الصحافة الدولية، ولدرجة أن أحد مذيعي القناة الأولى أخطأ عن غير قصد في ذكره لأسماء مرافقي الرئيس، فقال فلان وفلان والدكتاتور عميمور!
من هنا تأتي أهمية شهادة الطبيب الذي انحرف عن ممارسة الطب، بعد أن اختاره الرئيس بومدين في جوان 1971 مستشارا مكلفا بميدان الإعلام، قبل أن تتمّ تصفيته في بداية العهدة الثانية للرئيس الشاذلي.
وفي شهادته لـ “الشروق”، يدافع مستشار بن جديد للإعلام عن رئيسه، مؤكدا أنه تميّز بالإخلاص والصبر والتواضع، رافضًا وصفه بالشخصيّة الضعيفة أو التي تخضع لقرارات المحيط، مثلما شاع كثيرا.
وأوضح سفير الجزائر الأسبق لدى “إسلام أباد”، أنّ خليفة بومدين تمكّن سريعا من فرض نفسه كقائد يتحكّم في الملفات والمهام المنوطة به، وإنْ وجد في جواره من حاول دومًا أن يصنع الحواجز أمام بعض مقرّبيه الذين يعرضون الرأي الآخر للرئيس حتى يختار أفضل البدائل الممكنة.
بل أكثر من ذلك، يؤكد الوزير الأسبق للاتصال أنّ الشاذلي بن جديد، رحمه الله، تميّز بذكاء فريد من نوعه، كان يتعمّد إخفاءه، مشبّها أسلوبه في ذلك بطريقة الرئيس المصري أنور السادات. وبخصوص ما راج كثيرا عن قوّة تأثير المساعدين والمقرّبين من العائلة على قرارات الرئيس، قدّم عميمور شهادته من وحي المعايشة اليوميّة في طواليس قصر المراديّة طيلة العهدة الأولى تقريبًا، متحدّثا عن دور العربي بلخير والسيّدة حليمة وآخرون.
وتزامنا مع الذكرى السابعة والعشرين، لخروج الرجل من الحكم عشية 11 جانفي 1992، يدافع عميمور عن انتصار الرئيس بن جديد لمشروع التعريب في الجزائر واستكمال الخيار البومديني في تكريس وتعزيز اللغة الوطنيّة، مستحضرًا بهذا الخصوص ما دار بين الشاذلي وفرانسو ميتران، ثم وزير خارجيته لاحقا، على خلفية “جزأرة” ثانوية ديكارت، في موقف يشبه كثيرا “حادثة طرد”!
البعض يزعم أنّ الذين رشحوا العقيد بن جديد للحكم قرّروا ذلك لضعف الرجل وسهولة انقياده لهم، هل كان الرئيس لاحقا مثلما توقعوا أم عكس ذلك؟ حتّى إنّ اللواء خالد نزّار يقول عنه في مذكراته إنّه كان محدود الثقافة ومن السهل جدا التأثير عليه، أفلا تؤيد هذه الشهادة أسباب تقديمه للرئاسة ؟
حقيقي أنّ الرئيس الشاذلي بن جديد، رحمه الله، لم يكن معروفا وقتها على الساحة الشعبية، نظرا لالتزاماته العسكرية، لكنه كان صورة صادقة لمناضل جبهة التحرير الوطني الذي يرتدي الزيّ العسكري، ولا أعتقد أنه كان شخصية باهتة، كما بدا لكثيرين ألفوا التعامل معه وخُدعوا إلى حد ما ببساطته.
صحيح، هو لم يكن واسع الثقافة، وكانت مقدرته اللغوية محدودة في البداية، لكنني أعتقد، وكما ذكرت في كتابي “أنا وهو وهم”، أنه كان يتمتع بعدد من مميزات القادة، الأولى هي مقدرته على اكتساب معارف جديدة، وحرصه على بذل جهودٍ خارقة لاستيعاب معطيات مهامه والتجاوب معها، والثانية مقدرته على اختيار أحسن البدائل التي تطرح عليه.
ومن هنا كان هناك من يحرص على إبعاد كل من كان قادرا على أن يقدم له ما اصطلح على تسميته بالرأي الآخر، أي البدائل، وهكذا أمكن التأثير عليه في مرحلة معينة لم يجد فيها أمامه إلا اختيار محدود واحد.
وما أحسست به من واقع التعامل المباشر، هو أن الشاذلي كان يتمتع بذكاء فريد من نوعه، تمكّن من إخفائه والتستر عليه بما يذكر بأسلوب الرئيس المصري أنور السادات، واستفاد من ممارسة فن القيادة خلال جهاده الثوري في القاعدة الشرقية، ثم تحمل مسؤولية قيادة ناحيتين عسكريتين نحو 15 سنة، الخامسة والثانية، وهي أهم النواحي من الناحية العسكرية والجيوسياسية كما تعرف، ورافق الرئيس بومدين كعضو في مجلس الثورة أكثر من عشر سنوات، عاش معه فيها أحداثا هامة، من بينها أحداث 1967، ثم كان إلى جانبه في العديد من نشاطاته الداخلية والخارجية.
ببساطة شديدة، الشاذلي بن جديد لم يأت من فراغ، بل كان واحدا من أهم الإطارات في الدولة، وأساسا بصفته عضوا في مجلس الثورة.
كيف ندلّل للقارئ على بذْل الرئيس بن جديد لجهود خارقة بهدف استيعاب معطيات مهامه الجديدة؟
بمنتهى البساطة، يكفي أن تقارن بين أول خطبه وآخرها، وحديثي دائما عن المرحلة التي عملتُ فيها معه.
هل يمكن أن نستحضر بعض القرارات التي اتخذها بن جديد في مرحلة معينة، تحت “تأثير الاختيار المحدود والواحد” الذي عرض عليه، مثلما تفضلتم بذكره؟
أنا تناولت المرحلة التي عملت فيها إلى جانب الرئيس وشهدت كيف يُحسن اختيار البدائل، وآخرها كان اختيار ما عرضته أنا عليه في تنظيم المؤتمر الخامس وكان ضدّ ما كان اقترحه أكبر مساعديه، وكل هذا مذكور في الكتاب الذي صدر في حياة الاثنين.
أما بعد ذلك فهناك من هم أقدر مني على الحديث عنه.
قلّ ما نسمع أنّ الرئيس بن جديد كان يتمتع بذكاء فريد من نوعه، بل على العكس من ذلك، فإنّ دوائر معادية لخيارات الرجل الإصلاحيّة لم تتورّع في مرحلة ما عن جعل هذه الشخصية الوطنية الكبيرة محلّ سخرية وتنكيت، فهل تذكرون مواقف محدّدة تترجم دهاء القائد؟
ذكرت الكثير من تلك المواقف في كتاب “أنا وهو وهم”، وكان منها رده على العقيد بلهوشات في الطائرة المتوجهة إلى دمشق في قضية حرس الشرف السوري، ومنها تحذيره لبريجنيف من أن أفغانستان قد تكون فيتنام الاتحاد السوفيتي.
مع ذلك فإنّ كثيرين يرون أنه لم يكن مؤهلا لخلافة بومدين، فقد كان هناك اثنان على الأقل تقدمهم التوقعات لوراثة الرئيس الراحل، عبد العزيز بوتفليقة ومحمد الصالح يحياوي، ما تعليقكم؟
للتوضيح وطبقا لما عشته آنذاك، كان وزير الخارجية عبد العزيز بوتفليقة يرى أن ترشيح رئيس الجمهورية يجب أن يصدر عن مؤتمر لإطارات الدولة، ثم يُعرض الترشيح للاستفتاء الشعبي، لكن المؤسسة الحزبية وعلى رأسها المنسق محمد الصالح يحياوي كانت ترى أن يتم الترشيح من خلال مؤتمر حزب جبهة التحرير الوطني، طبقا للدستور ولقوانين الحزب، وتمكّن يحياوي من فرض رأيه، وبدون أن أدّعي معرفتي للنوايا الحقيقية فإنّ كلاّ منهما أدرك أن تقدّمَ أحدهما للترشح سوف يواجه بعقبة رئيسية، وهي أنّ أيا منهما لم يكن قادرا على تحقيق الإجماع الوطني حول شخصه، فعناصر الإدارة على كل المستويات بشكل عام كانوا أقرب إلى بوتفليقة ولا يثقون بيحياوي، على عكس مناضلي الحزب الذين كانوا أبعد عن بوتفليقة وأكثر قربًا من يحياوي.
وانتصر رأي يحياوي وتقرر أن يتم اختيار مرشح رئاسة الجمهورية في مؤتمرٍ للحزب، اعتبر المؤتمر الرابع بعد الصومام (1956) وطرابلس (1962) والجزائر (1964).
ولأن الاستقرار والتوافق الوطني كانا أهم العناصر التي يجب أن تتوفر في مرحلة ما بعد بومدين، فإن المرشح الوحيد الذي كان يمكن أن يحقق ذلك هو من يدعمه أقوى تنظيم منضبط في البلاد، وهو القوات المسلحة، وهو ما لم يكن متوفرا بشكل كامل للشخصيتين المذكورتين.
وهنا لعب قاصدي مرباح دورا هاما في اختيار الشاذلي بن جديد، الذي قدّم كمجاهد وكأكبر ضابط في أعلى رتبة، وهو ما لم يكن دقيقا، لأن أكبر الضباط سنّا فيما أعرف كان عبد الله بلهوشات، لكن يبدو أن الأغلبية التي اجتمعت في مدرسة “لونيتا” في برج الكيفان فضلت الالتفاف حول الشاذلي بن جديد.
وقال لي يحياوي شخصيّا أن علينا تأييد الشاذلي، وهو ما فعلناه بالطبع، وهكذا تحقق له دعم الجيش والحزب الطلائعي.
كيف استطاع الشاذلي أن يتحول من ضابط مغمور، حسب وصف البعض، إلى رئيس يضع بصمات واضحة على مسيرة الأمة؟
هناك ثمانية رجال لهم أساسا فضل تحويل الضابط المغمور، على حدّ قولهم، إلى رئيس فرض إرادته شيئا فشيئا على الواقع.
أولهم رابح بيطاط، الذي رفض كل إغراء بتعديل الدستور والتقدم لخلافة بومدين، بصفته واحدا من القادة التاريخيين، والثاني هو قاصدي مرباح الذي ضمن للشاذلي دعم القوات المسلحة، بكل ما يرتبط بذلك من انضباط الإدارة عبر ولايات الجمهورية، والثالث محمد الصالح يحياوي الذي ضمن للرئيس ولاء مناضلي الحزب، والرابع هو مولود حمروش الذي تولّى تسيير النشاط الرئاسي بانضباط ملحوظ وكفاءة عالية، والخامس هو عبد الملك كركب الذي تكفل بالحماية الأمنية بكل متطلباتها، والسادس هو العبد الضعيف الذي ركز على رسم الصورة الجماهيرية المنسجمة مع شخصية الرئيس الجديد من جهة، ومع آمال المواطنين في نقلة نوعية من جهة أخرى، والسابع هو محمد الصديق بن يحيى الذي رسم للرئيس المجال الدولي الذي يعطيه فرصة التألق، أما الثامن، وربما كان أهم الجميع، فهو الشاذلي نفسه، الذي تميز بالتواضع وبالصبر وبالانضباط، حتى تمكن من التحكم في المعطيات الأساسية لدور رئيس الجمهورية.
نجح الرئيس إذن في بسط نفسه سريعا كقائد مسنود، بينما كانت أطراف من داخل السلطة ترى فيه مجرد رئيس مؤقت، قبل به البعض حتى يتمكنوا من إعادة ترتيب أوراقهم؟
هذا حدث فعلا، وقد سمعت من عضو في مجلس الثورة أن الرئيس الشاذلي لن يستمر في الحكم أكثر من ستة أشهر، وأذكر أنني قلت له: تذكر أن نفس التعبير أطلق على الرئيس السادات في مصر، لكنه تمكن من سحق كل خصومه.
لماذا تتحفّظون على ذكر هوية عضو مجلس الثورة المقصود، طالما أنّ الأمر يتعلق بتقدير شخصي لا يسيء إلى أحد؟ أم إنّ كلامه كان يخفي سيناريو حضّره البعض ؟
أنا أحترم ذكرى من انتقلوا إلى رحمة الله ولا يمكنهم تفنيد ما أقوله، ولقد ذكرت الاسم في كتابي السابق ذكره لأن المذكور كان علي قيد الحياة.
في محور آخر، ربط السفير عبد القادر حجار، في شهادة سابقة، بين قرارات ديسمبر 1979 المتعلّقة بتعريب المدرسة الأساسية والعلوم الإنسانية بالجامعات، و انفجار الربيع الأمازيغي في ولاية تيزي وزو أشهرا قليلة بعد ذلك، خاصّة وأنّ الدورة الثالثة للجنة المركزية لحزب جبهة التحرير الوطني قرّرت إنشاء مجلس أعلى للغة العربية، برئاسة رئيس الجمهورية الشاذلي بن جديد، بدلاً عن اللجنة الوطنية للتعريب، هل تتوافق معلوماتكم مع هذا الرأي؟
أولا، لم يكن هناك شيء اسمه الربيع الأمازيغي، وما عرفته منطقة القبائل في أبريل 1980 حمل اسم الربيع البربري، وتغيرت الصفة بعد أن أمر الرئيس الشاذلي باستبعاد تعبير البربرية من التعامل الإعلامي ليحل محله تعبير الأمازيغية، وكان ذلك إثر اقتراح قدمته له، بناء على استشارة عدد من المثقفين، من بينهم عبد المجيد مزيان وعثمان سعدي وموسى لقبال، وكانت الاستشارة في حضور الرئيس شخصيّا.
ولا أرى مبررا للتناقض مع ما قاله حجار، لكنني أضيف أن الزيارة الرسمية الأولى التي قام بها الرئيس الشاذلي كانت للمشرق العربي، وهذا في تصوري كان من خلفيات ما حدث.
وإذا صدقت ذاكرتي فإن اسم المجلس في البداية كان المجلس الأعلى للغة الوطنية، وهو ما كنت اتفقت فيه مع الرئيس قبل أن أفاجأ بأن التسمية تغيرت فيما بعد.
حينها كنتم في موقع مطلّع برئاسة الجمهورية، كيف تعاطى التيار الفرنكفوفيلي في دواليب الدولة مع قرارات الرئيس الشاذلي لصالح التعريب ؟
بذلت كل المحاولات لعرقلة العملية، وسُيّرت مظاهرات ضد التعريب تضم إطارات متزوجين بفرنسيات، وهوجمتُ شخصيا مرارا بتهمة أنني أفرض على الرئيس استعمال العربية في خطبه، وحدثت أحيانا مناورات لدفعه إلى استعمال الفرنسية كما حدث في نيروبي عام 1980.
ولكنني أعتقد أن الخطر الأكبر كان يأتي من تأثير بعض المعربين الذين كانوا يشعرون بعقدة نقص تجاه الطرف الآخر، ولا تسألني عن الأسماء فهي معروفة، ويمكن لحجار إن أراد أن يذكر لك بعضها.
قلتم إنّ من الخلفيات الرئيسة لأحداث الربيع البربري هو أنّ أول زيارة خارجيّة يقوم بها الشاذلي كانت نحو المشرق العربي، نفهم من ذلك أنّ فرنسا لها اليد الطولى في ما جرى، فهل حاولت التدخل رسميّا لتعطيل التعريب ؟
لا شك في ذلك، وهو أمر أراه طبيعيا، فالسارق لا يدخل الدار إلا إذا كان أهلها غافلون.
كيف واجه الرئيس بن جديد الطرفين (فرنسا ولوبيّها الداخلي)، وهل شعرتم بتأثير تلك الضغوط على خياره الوطني؟
كان الرئيس الشاذلي يؤمن بأن اللغة العربية هي قاعدة للوحدة الوطنية، ولكن البعض راحوا يسربون له أفكارا مضمونها أن علينا أن نتخلص من العقد (هكذا)، وأنا أعتقد أن بداية الخلل كانت بتراجع الرئيس في لقاءاته مع الشخصيات الفرنسية عن استعمال المترجم، والذي حرصتُ على وجوده في أول حوار للرئيس مع التلفزة الفرنسية، وكان لقاء الشاذلي المباشر مع ذئب فرنسي يتمتع بتاريخ رهيب في المناورات بداية تغيّر في كل شيء.
تقصد اللقاء مع فرانسوا متران ؟
بالفعل..لكن من جهة أخرى، هناك قصة مرتبطة بمضمون سؤالك ولها دلالتها، وأرويها لك كما سمعتها آنذاك، وتتعلق باستقبال الرئيس لوزير الخارجية الفرنسي “رولاند دوما” على ما أتذكر، فما أن بدأ الوزير في طرح قضية ثانوية “ديكارت” التابعة عمليّا للسفارة الفرنسية حتى قال له الرئيس، وهو يقف معلنا انتهاء المقابلة: إنها قضية سيادة وطنية معالي الوزير.
هل نفهم من شهادتكم أنّ الرئيس بن جديد طرد ضيفه الفرنسي على طريقة بومدين مع السفير الأمريكي، يوم اعترض باسم بلاده على مساعدة الجزائر لمصر عسكريّا في حرب 1967، مثلما يردّده الكثير؟
كلامي واضح وأي توضيح أكثر من هذا إهانة للقارئ.
دعنا نعد إلى كلامكم بخصوص تأثير “الذئب” فرانسو متران على الشاذلي، لأنكم اعتبرتم أنّ اللقاء بينهما كان بداية لتغيّر كل شيء، هل معناه أنّ الثاني استسلم لضغوط الأول بشأن التعريب في الجزائر؟
أقترح حذف السؤال فقد يظلمك القارئ ويتهمك بأنك لم تتابع مسيرة الرئيس الشاذلي، وربما لو كان حيّا لأجبتك، وارجع إلى الكتاب.
شهدت بداية حكم الرئيس بن جديد إبعاد بعض الرموز البومدينيّة، مثل بلعيد وبوتفليقة ويحياوي وغيرهم كثير، وطالكم أنتم الإقصاء لاحقا، هل تعتقدون أن الشاذلي هو الذي قرّر التخلص منهم، أو من خطرهم، أم إنّ الدائرة المحيطة هي التي دفعته، ومن هم أصحاب القرار الفعلي في ذلك؟
أعتقد أن أكبر أخطاء الرئيس الشاذلي هو تخلصه من معظم من كانوا عونًا له، وتمسكوا بحقهم في أن يقولوا له الحقيقة كما يرونها، بدءا بقاصدي مرباح ثم يحياوي، ولعلي أضع نفسي في القائمة.
ثم وقع استبعاد شخصيات سياسية كان يمكن الاستفادة منها كمرايا عاكسة، تزوده ببعض زوايا الواقع التي لا يتمكّن من رؤيتها، وتفيده بخبراتها في مجالات معينة، ومن هؤلاء بوتفليقة وعبد السلام بلعيد وإبراهيم براهمية وربما آخرون نسيتُ أسماءهم مع مرور الزمن.
ولقد كان للبطانة، وربما لبعض أفراد العائلة دور في ذلك، بدون أن أهمل المسؤولية النسبية لكل من أبعدوا عن المصير الذي انتهوا إليه، وأنا شخصيا أعترف بأنني كنت متعصبا لرأيي ومتمسكا بمواقفي التي تعرفها، ويعرفها بالطبع آخرون.
عن أيّ بطانة تتحدّثون، وأنتم كنتم في مركز الرئاسة وتعلمون دقائق الأمور فيها، فلماذا تقديم الشهادات بصيغة المجاهيل و الهروب من قول الحقيقة الكاملة؟
أنا أحرص على احترام شيئ اسمه العفة، وخصوصا عندما يتعلق الأمر بمن انتقلوا إلى رحمة الله، ولو كان الهروب في نيتي لما قبلت إجراء الحديث أصلا، ولما كتبت مؤلفا مزودا بالصور طُبع ثلاث مرات، وأرسلت منه نسخة للرئيس الشاذلي عند أول إصدار.
هل بلغكم في مرحلة ما أن “بن جديد” ندم على تلك القرارات أم إنها كانت عنده من مقتضيات التحول السياسي؟
فيما يتعلق بي شخصيا، أذكر أنه بعد سنوات طويلة قال لي علي ونّاس، وهو أحد العاملين في الرئاسة، بأنه سمع أنّ الرئيس بعد أحداث أكتوبر خرج من مكتبه غاضبا وهو يقول : أنتم تخفون عني الحقائق، “وخّذتوني” في عميمور، لم يكن يُخفي عني شيئا، وبالطبع، أنا لا أؤكد ولا أنفي وأروي ما قيل لي بكل تحفظ، ولعل مثله قيل في حق آخرين.
لكنني أذكّر بأن الرئيس فاجأني في نهاية الثمانينات بأن عينني سفيرا للجزائر، وأعتقد أن هذه إجابة ضمنية مؤكدة على سؤالك.
أنتم اشتغلتم مع الشاذلي وسلفه بومدين، هل صحيح أن بن جديد كان يحبّ الركون إلى الراحة، مفوّضا كثيرا من المهام الخطيرة في مؤسسة الرئاسة للمحيط القريب منه، عكس “الهواري” الصارم والجادّ في ممارسة السلطة؟
بومدين والشاذلي نوعان مختلفان من الوطنيّين، لكل منهما فضائله الخاصة به، ولا تنسَ أن الهواري هو من صنع الجيش العصري، أما الشاذلي فيمكن القول، مع بعض التجاوز، بأن الجيش هو الذي صنع رئاسته.
ولم يكن الرئيس يركن إلى الراحة خلال العهدة الأولى التي كنتُ فيها إلى جانبه، ولقد بذل الشاذلي جهدا رائعا في استيعاب الملفات المطروحة وفي الاستعداد لخطبه وحواراته الصحفية، وأتذكر أنه كان الوحيد تقريبا الذي لا يغادر مقعد الرئاسة في منصة قصر الأمم إلا بعد رفع الجلسة.
ولقد حضرت لقاءه مع “بريجنيف” وأشهد أن مستوى أدائه كان أعلى من مستوى الزعيم السوفيتي، لأنه درس ملف العلاقات مع موسكو بكل اهتمام، وأذكّر هنا بالدور الهام الذي قام به في هذا الصدد محمد الصالح دمبري، الأمين العام لوزارة الخارجية آنذاك.
ذكرتم في حوار سابق لـ”الشروق” أن الرئيس بومدين عيّن الشاذلي بن جديد كمنسّق عام للجيش، وقدمتم القرار على أنه ربّما كان إشارة نحو الخلافة، لكن المرحوم محمد الصالح يحياوي نفى الأمر، مؤكدا أن التكليف صدر عن مجلس الثورة في غياب بومدين، هل من تعقيب لكم؟
لا أذكر أبدا أنني قلت ذلك، ويمكنك أن ترجع إلى نص حواري السابق، ويحياوي على حق فيما رواه، وكنت سمعته منه شخصيا.
هل تعلمون بمعارضة شخصيات نافذة في السلطة وقتها لتكليف الشاذلي كمنسق عام للجيش، خوفًا من منافسته في الصراع حول الحكم؟
سمعت همسات حول ذلك، وأظن أن معرفة البعض بعلاقاتي الوطيدة مع الرئيس، حتى قبل تحمله المسؤولية الرئاسية، جعلتهم يكتمون عني بعض ما يشعرون به.
من المعلوم أن الرئيس مكّن لبعض أقاربه المباشرين من مواقع مسؤولية متقدّمة، فهل كان بن جديد، على خلاف بومدين، واقعًا تحت تأثير العائلة، وما مدى تدخلها في القرار الرئاسي، على الأقل في الفترة التي كنتم شهودا عليها؟
هناك الكثير مما عرفته الساحة وخصوصا بعد العهدة الأولى، لكنني لم ألحظ ذلك بشكل بارز خلال عملي مع الرئيس، والمهم أن أحدا لم يكن يجرؤ على التدخل في عملي، وهو ما بدأ يحدث في الشهور الأخيرة من العهدة الأولى.
تؤكدون أنكم لم تلحظوا تدخّل العائلة في شؤون القرار بشكل بارز.. إذن أنتم لا تنكرون حصول ذلك ولو بشكل محدود؟
أعتقد أن ما أقوله لا يحتاج إلى أي توضيح أو تفصيل.
صحيح أنّ السيدة حليمة لم ترق وقتها إلى موقع ليلى الطرابلسي لكنها كانت موجودة في ظلّ الرئيس، فهل تنفون ذلك؟
ما عشته في العهدة الأولى يؤكد أن السيدة حرم الرئيس كانت تتصرف كحرم الرئيس، أما بعد ذلك فعلى من يعرف شيئا آخر أن يتقدم للشهادة.
يشاع أنّ تصرفات العربي بلخير، الأمين العام ثم رئيس الديوان في الرئاسة كانت في كثير من الأحيان لإرضاء حرم الرئيس بهدف التأثير في خياراته، هل فعلا وصل التدخل العائلي في شؤون الحكم إلى هذا الحدّ؟ وما مقدار تدخلات الرجل وقتها في قرارات الشاذلي؟
سمعت الكثير عن هذا بعد إنهاء مهامي، لكنك تعرف أنني لا أتحدث إلا عما عشته شخصيا، وما رأيته في البدايات هو أن العربي كان بالغ الانضباط في التعامل مع الرئيس.
هل كان برأيكم نفوذ العربي بلخير في الرئاسة مستمدّا من ثقة الشاذلي في الرجل وقدراته، أم لكونه يمثل، ضمن توازنات الحكم، مجموعة “ضباط فرنسا” ومصالح اللوبي الفرنسي؟
أعتقد أن كل تلك العناصر كان لها تأثير بدرجات متفاوتة في كل ما عرفته البلاد خلال العهدات التالية من حكم الرئيس الشاذلي.
ختامًا.. هل تعتقدون أن الرئيس استقال في يناير 1992 أم أقيل؟
أعتقد أنه استقيل !!
هذا اشتقاق لغوي جديد يعني أنّ الرجل دفع إلى الاستقالة كرها؟
تعليق أرى أنه لا ضرورة له، دع القارئ يكتشف بنفسه المقصود
النائب عن الحزب الواحد سابقا محمد عرابي لـ “الشروق”:
الشاذلي ليس أبا الديمقراطية ولا أبا الفوضى !
هذا ما قاله الرئيس الشاذلي لرابح بيطاط
بيطاط: أدخلتني بركة لم أستطع الخروج منها
في هذا الحوار المطول، يتحدث النائب بالمجلس الشعبي الوطني سابقا، محمد عرابي، عن فترة حكم الرئيس الراحل، الشاذلي بن جديد، باعتباره جزء نظامه، فقد كان صانعا وشاهدا على الكثير من الأحداث التي عاشتها البلاد في واحدة من أصعب فتراتها، وهي المرحلة التي شهدت الانفجار الاجتماعي في خريف العام 1988، والذي حتم كما هو معلوم، على السلطات السياسية، الذهاب إلى مراجعة الدستور في فبراير 1989، الذي قاد إلى تكريس الانفتاح السياسي، والقضاء على الأحادية الحزبية التي حكمت البلاد منذ الاستقلال. في هذا الحوار، يقوم عرابي بمحاكمة هادئة لفترة الشاذلي، ومن خلالها يرفض تحميل الرئيس الأسبق، كل السقطات التي عاشتها البلاد لوحدها، ويوزعها على مختلف مؤسسات الدولة، وكذا المسؤولين الذين أداروا دفة الحكم كل حسب موقعه. كما ينبه إلى حقيقة مفادها أن الرئيس هواري بومدين ذهب ترك خلفه ديونا تقدر بنحو 19 مليار دولار، عكس ما أشيع أن كل الديون التي وصلت في بداية التسعينيات إلى نحو ثلاثين مليار دولار، كان أكثر من نصفها موروثا من مرحلة ما قبل 1979.
عايشتم فترة حكم الرئيس الراحل، الشاذلي بن جديد، كنائب في المجلس الشعبي الوطني في الفترة الممتدة ما بين 1987 / 1992.. ماذا تقولون عن الرجل؟
في الحقيقة، فترة حكم الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد، جاءت في ظروف خاصة، فقد اعتلى سدة الرئاسة بعد وفاة سلفه الراحل هواري بومدين، الذي كان يتمتع بكاريزما خاصة.. الكثير كان يعتقد أن الراحل بومدين ترك البلاد في بحبوحة مالية، غير أن واقع الحال غير ذلك، فقد اجتمع مسؤولو الدولة ودرسوا بالتفاصيل تركة بومدين حتى يتمكنوا من بناء تصور عام بشأن التدابير التي يتعين اتخاذها في تسيير الدولة.
وقد تفاجأنا عندما خلص اجتماع هؤلاء المسؤولين إلى أن هناك ديون تركها الرئيس الراحل، تقدر بـ 15 مليار دولار، تمثل ديون عامة، ونحو أربعة ملايير دولار، تمثل ديون تابعة للمؤسسة العسكرية، قد تكون مقتنيات أسلحة وما إلى ذلك.
إذن، عكس ما قيل عن الراحل بومدين، فقد ترك ديون على الجزائر بالرغم من ارتفاع أسعار النفط في مرحلته؟
بالتأكيد ولعل الجهل بعدم وجود ديون تركها بومدين هو الذي دفع الكثير إلى الحكم بقساوة على الرئيس الشاذلي..
لكن دعني أكمل الإجابة عن السؤال الأول..
تفضل..
لما انتخب الشاذلي بن جديد كرئيس للدولة، طرأت تغييرات على التوجه العام للدولة، وخاصة ما تعلق بالبعد الاقتصادي الذي انطبع بشيء من الانفتاح، وظهر ما أصبح يعرف بالبرامج المخصصة للاستهلاك. وربما هذا الأمر هو الذي شابته بعض الأخطاء. ويجب التأكيد هنا على أن الأمر يتعلق بأخطاء وقع فيها بعض المسيرين الذي قاموا بشراء كل ما هو مسموح به دون مراعاة السياسة النقدية للبلاد في ذلك الوقت، ولعل هذا الأمر هو الذي أدى إلى تراكم المزيد من الديون لتصل في الأخير إلى نحو ثلاثين مليار دولار.
وفي عام 1987 وصلت البلاد إلى حافة الخط الأحمر، حيث بدأ الدائنون يطالبون بتسديد الديون مع خدماتها، وللأسف تزامن هذا الوضع مع انخفاض أسعار النفط إلى أدنى مستوى لها، فعجزت البلاد عن السداد ودخلت معها في أزمة خانقة، أدت على انفجار أحداث أكتوبر 1988 الشهيرة. وقد دفعت الظروف التي كانت تضغط على البلاد، قادة الحزب الواحد آنذاك (حزب جبهة التحرير الوطني) إلى عقد مؤتمر استثنائي، ضم مختلف إطارات الدولة، بما فيها إطارات المؤسسة العسكرية، على اعتبار أن الحزب الواحد آنذاك كان يمثل فيه الجميع.
وهنا أذكر أن الرئيس الشاذلي قدم تقريره في هذا المؤتمر، عرض من خلاله إلى الوضعية العامة التي كانت تمر بها البلاد حينها (بعد أحداث أكتوبر 1988)، وأعتقد أن التسجيلات لا تزال موجودة، وكان يومها الراحل رابح بيطاط هو رئيس المجلس الشعبي الوطني.
وماذا قال الرئيس الأسبق في تقريره؟
نعم، أنا بصدد الحديث عن ذلك.. في كلمة الرئيس الشاذلي، توجه إلى بيطاط وقال له: “أنت شخصيا استشرتك في الكثير من المسائل ولم تجبني عليها”، وكان بيطاط رحمه الله جالسا في مربع النواب، لأن المشاركين كانوا جالسين في مربعات بمن فيهم ممثلي المؤسسة العسكرية. عندها نطق النواب بكلمة واحدة: نحن لم نسمع بذلك أبدا. بعدها استشعر بيطاط الحرج، وطلب الكلمة ليرد على الشاذلي قائلا: “أنت وضعتني في بركة وقلت لي اسبح فيها ولا تخرج منها”.
ومما أذكره من كلمة الرئيس الراحل، أنه قال: “أعطوني حريتي أطلق يدي”، وعندها أحس الجميع بأن الشاذلي يريد تقديم استقالته.. وتطورت الأمور فيما بعد كما يعلم الجميع، وتقرر مباشرة الانفتاح السياسي بعد تبني دستور 29 فبراير 1989، الذي جاء بقانون جديد يسمى قانون الجمعيات السياسية، وذهبت الدولة لانتخابات محلية وتشريعية تعددية تعتبر الأولى من نوعها في تاريخ البلاد، وتعقدت الأمور على جميع الأصعدة ولم يعد الأمر يقتصر على البعد الاقتصادي، بل تعداه إلى البعد السياسي.
وهنا تجدر الإشارة إلى أنه من غير العدل إلقاء المسؤولية على الرئيس الشاذلي لوحده، فكل المسؤولين الذين كانوا إلى جواره يتحملون معه المسؤولية كل حسب موضعه، فضلا عن المسيرين. إذ لا يمكن أن نحاسب الرئيس على فشل مسؤول ما في إدارة وزارته أو تسيير مؤسسته.. وقد اضطر في الأخير على رمي المنشفة، وترك الجمل بما حمل لمن كان يدفعه إلى الاستقالة.
يتهم الكثير من المتابعين فترة حكم الشاذلي بأنها كانت رمزا للتسيب والإهمال وانحلال الدولة.. هل تشاطرون هذا القول؟
كما سبق أن أسلفت، الشاذلي لم يكن يسير الدولة وحده.. هو كان رئيسا للدولة، كان إلى جانبه الكثير من المسؤولين والمسيرين، حتى المجلس الشعبي الوطني الذي كنت عضوا فيه (1987/ 1992) يتحمل قسطا من المسؤولية، لكنها تختلف من مسؤول إلى آخر حسب موقعه. بالتأكيد كان هناك مسؤولون يتوفرون على صلاحيات واسعة لمحاربة التسيب. عادة ما يكون هناك مرض، يفترض أن المسؤول يتوفر على دواء علاجه.
فعبد الحميد براهيمي، الذي كان وزيرا أول جمد الكثير من المشاريع، منها على سبيل المثال لا الحصر، ميترو العاصمة (لم يطلق إلا في عده الرئيس الحالي)، وكذا معهد باستور الذي أنجز بدوره لاحقا، فضلا عن مشاريع كبرى للطرقات، ومشروع كوميدور لإصلاح العمران، والسبب يبقى قلة الموارد المالية بعد تدهور اسعار البترول في الأسواق الدولية.
وللأمانة، الرئيس الشاذلي، حاول مواجهة الوضع لكنه لم يستطع، لأنه بعد العام 1989، وبعد إجراء الانتخابات المحلية وبداية التحضير للانتخابات التشريعية ثم إجراؤها، كان هناك طرفان يتصارعان في قمة هرم السلطة، والطرف الذي تغلب على الآخر، هو الذي فرض على الرئيس الشاذلي تقديم استقالته وترك لهم الدولة ليفعلوا بها ما شاؤوا.
أما بالنسبة للمجلس الشعبي الوطني فقد كانت له صلاحيات كثيرة، منها لجان التحقيق، وقد أنجزنا كنواب لجان تحقيق، مثل لجنة التحقيق في قضية “الباسو” في العام 1982، أما في الفترة التي كنت فيها نائبا، فقد أنشئت لجنة التحقيق البرلمانية في قضية الـ 26 مليار دولار، التي فجرها الوزير الأول الأسبق، عبد الحميد براهيمي، فضلا عن لجنة التحقيق في قضية الغرفة الوطنية للتجارة، وذلك على خلفية الرخص التي كانت تعطى لاستيراد الآلات من الخارج، وقد شهدت هذه الرخص تلاعبات ولذلك أنشأنا تقريرين وقدمناهما للعدالة، لكن هذه الأخيرة لم تقم بما كان يجب القيام به.
يلوم البعض الرئيس الشاذلي بأنه قضى على المكتسبات التي تركها الراحل هواري بومدين.. هل هذا اللوم في محله؟
لا، لا.. لا يمكن الحكم هكذا بسرعة على الشاذلي. واعتبر أن هذا الحكم قاسي جدا على الرجل، لأن المؤسسات التي تركت من عهد الرئيس الراحل بومدين لا يزال الكثير منها قائما إلى غاية اليوم. ربما التسيير لم يتسم بالفعالية المطلوبة. للأسف كنا نضع الجميع في قفة واحدة، المسير الفاشل والناجع، لكن هذه الطريقة هي التي أدت بالبلاد إلى ما وصلت إليها. كان يجب معاقبة أو محاسبة المسير الفاشل وتكريم المسير الناجح حتى نرسي ثقافة تسيير ناجعة.
وللأمانة، حتى في عهد الرئيس بومدين كانت مشاريع لم تطلق بعد أن أنجزت الدراسات بشأنها، مثل حي السفارات الذي مزمعا إقامته في بن عكنون. ربما الأمر الذي يمكن أن نلوم عليه الرئيس الشاذلي والمسؤولين الذين كانوا يعملون معه، هو الرخص التي كانت تعطى للمؤسسات الكبيرة تسمى “الرخص العامة للاستيراد”، وهي الرخص التي فيها الكثير من المؤاخذات من الناحية العملية، حيث كانت تمنح مبالغ كثيرة من الأموال وتستهلك قبل نهاية العام الذي أعطيت فيه. أما السلع فتشترى من الخارج.
يقول البعض إنه لولا انخفاض أسعار النفط في الثمانينيات، لما اتهم نظام الشاذلي بالتهم الشائعة اليوم.. ما قولكم؟
ربما من الأخطاء التي أدت بالبلاد إلى ما تعيشه اليوم، هي الاعتماد الكلي للدولة على الريع النفطي. كان يجب تطوير القطاع الصناعي وتنويع الاقتصاد. فعندما كان قاصدي مرباح وزيرا للفلاحة في عام 1987، عرف القطاع انتعاشا كبيرا، غير أنه ومع ذلك شهد القطاع بعض الأخطاء الجسيمة، منها سوء توظيف القانون 87 / 19 المتعلق بالمستثمرات الفلاحية، حيث كانت تمنح الأراضي لمسيرين إداريين لا علاقة لهم بالفلاحة، عوض أن تعطى للفلاحين، وهو ما ساهم في تحويل الأراضي الفلاحية إلى غير وجهتها الحقيقية، بحيث غزت الإسمنت الأراضي وخسرت البلاد معها مساحات شاسعة كان يمكن أن تساهم في الرفع من مستوى الإنتاج.
حقيقة، الرئيس يمكنه أن يصلح ويعاقب، لكن المسيرين الذين كانوا يعملون إلى جانبه لم يساعدوه كما يجب.. لا يجب رمي المسؤولية على الرئيس لوحده، فالكل له نصيب منها.
يقول البعض إن الفساد في الثمانينيات كان مؤسساتيا.. وما قضية 26 مليار دولار الشهيرة إلا أبرز مثال على ذلك.. لماذا؟
قضية الـ 26 مليار دولار مبالغ فيها. الوزير الأول الأسبق، عبد الحميد براهيمي جاء بهذا الرقم من خلال عملية حسابية بسيطة.. انطلق من المبلغ الذي صرفته الجزائر، وانطلاقا من نسبة معينة جاء بالرقم سالف ذكره. ولما أنشأ المجلس الشعبي الوطني لجنة تحقيق برلمانية في ما بات يعرف بقضية الـ 26 مليار دولار، وقفنا على أخطاء في التسيير، وأعددنا تقريرا ووجهناه للعدالة.. الكثير تكلم عن الرشوة والسرقات، لكن ليس بالمستوى الذي ذهب إليه البعض، فالرشوة موجودة في كل بقاع العالم.
وماذا كان مصير التقرير الذي قدمته لجنة التحقيق البرلمانية إلى العدالة؟
نعم.. تقرير الـ 26 مليار دولار، وكذا المتعلق بقضية الغرفة الوطنية للتجارة، سلمناهما للعدالة وبقيا حبيس الأدراج، ومن سوء الحظ أن هذان الملفان تزامنا والظروف غير العادية التي عاشت البلاد على وقعها في بداية التسعينيات، بوقف المسار الانتخابي واستقالة الشاذلي وإنشاء المجلس الأعلى للدولة ثم اغتيال الرئيس الراحل محمد بوضياف، ولم يتجرأ المجلس الأعلى للدولة على دفع الإجراءات على مستوى العدالة، وقبر الملفين إلى الأبد.
هناك مثال شائع عن الجزائر لدى اليابانيين.. هو أنهم يرمزون إلى الجزائر على أنها 10 بالمائة (أي النسبة المشترطة مقابل الحصول على الصفقة) ما حقيقة ذلك؟
لا أستطيع نفي هذا الأمر أو تأكيده. وبكل صراحة، سأعطيك الخلاصة. كل مؤسسات الدولة مسؤولة، المجلس الشعبي الوطني، السلطة القضائية والسلطة التنفيذية، وحتى المؤسسة العسكرية باعتبارها تساعد على كشف المخربين ومعاقبتهم. لقد ارتكبنا أخطاء كثيرة نجني ثمارها اليوم. العيب فينا وليس في الآخرين. فمن غير الممكن أن ننتظر من الأجانب أن يأتوا لبناء دولتنا، ما ينقصنا هو تطبيق القانون حرفيا ولو كان هذا القانون ناقصا.
يعتبر البعض الشاذلي بن جديد أبا الديمقراطية، في حين إن هناك من يرى أنه أبو الفوضى.. إلى أي الطرحين أنت أقرب؟
الرئيس الشاذلي، ليس هو أبو الفوضى ولا أبو الديمقراطية. فالظروف هي التي حتمت عليه الذهاب إلى الانفتاح السياسي. والديمقراطية لا يمكن أن تكون مرادفا للفوضى، لأن أصبحت اليوم بالنسبة للكثيرين شعار تمكين الشعوب من حكم نفسها بنفسها، كما أن كبح جماع الحريات والتضييق عليها، هي التي تؤدي إلى الكارثة.