● باختصار شديد ●
في يوم السبت 3 يناير 2009 و بعد سيطرة القوات الإسرائيلية على حي الزيتون أمرت القوات 100 عضو من عائلة السموني بالتجمع في بيت واحد الذي يملكه وائل السموني،
وعند الساعة 6:35 صباحاً من يوم 4 يناير 2009 تم قصف هذا البيت بشكل متكرر،
سقط قتلى
وخرج بعض الجرحى رجالا ونساء وأطفال يزحفون طلبا للغوث تحت صراخ الأمهات والأطفال الناجين،
قامت قوات الإرهابيين الصهاينة باستهدافهم،
فعادوا للبيوت،
تم حصارهم 3 أيام حتى توفي الجرحى،
ومات طفل عمره 6 أشهر نتيجة للجوع والضمأ،
خرجت أم أخرى لتأتي بالماء لطفل صغير مصاب،
لكنها لم تعد لطفلها بعد أن استهدفها الإرهابيين الصهاينة،
قام رئيس أركان الجيش الإرهابي الصهيوني/ بيني غانتس
بترقية الضابط المسؤول عن المذبحة/ إيلان مالكا
إلى رتبة عميد.
●●●●●●●●●●●●●●●●●●●●●●●●
يعيش الفتى فوزي السموني (15 عاماً) ظروفاً قاسية بعد أن استشهد والده عطية السموني (46 عاماً) وشقيقه أحمد (4 أعوام) خلال المذبحة التي نفذها جنود الاحتلال الإسرائيلي بحق تلك العائلة خلال العدوان الأخير.
ولم تكتفِ قوات الاحتلال بقصف المقرات الأمنية على مدار أول 7 أيام من الحرب على غزة، بل أرادت أن تُريق المزيد من الدماء وإحداث الكثير من الدمار لتحفر جريمة جديدة في تاريخها المحفوف بالمجازر منذ احتلالها لأرض فلسطين عام 1948م.
لحظات ما قبل "المذبحة"
وعاد فوزي خلال رواية قصتهُ لـ"صفا" بالذاكرة إلى يوم الأحد الموافق الرابع من يناير/ كانون الثاني، من العام 2009، حيث كانت الحرب في ذروتها وقد دخلت مرحلتها الثانية التي بدأ فيها الجيش الإسرائيلي اجتياحه البري لعدة محاور من مدينة غزة.
ويستذكر فوزي تلك الأيام، قائلاً: "مع بداية الحرب البرية تقدمت الدبابات، وكانت قذائفها تسبقها وتنطلق باتجاه محررة نيتساريم وباتجاه منازل المواطنين بحي الزيتون جنوب مدينة غزة".
لجأ فوزي وأسرته المكونة من 18 فرداً إلى منزله الذي كان مكوناً من طابقاً واحداً فيه ثلاثة حُجرات وصالة مغطاة بالباطون للاحتماء بداخله من فتك القذائف الإسرائيلية.
"مع مرور الوقت وفي الساعات الأولى من فجر يوم الأحد قُصف منزل "صالح السموني" وهو أحد أقربائي من العائلة بقذيفة فسفورية واشتعلت به النيران علماً بأن منزله مجاور لمنزلنا ولا يفصل بيننا وبينه سوى جداراً واحداً"، يقول فوزي.
خرج والد فوزي وشقيقه فرج (22عاماً) في محاولة منهم لإطفاء النيران المستعرة، لكنها زادت ولم يعد أحداً قادراً على إطفائها، ثم عادا إلى البيت لتُفاجأ تلك العائلة بمحاصرة كافة منازلها من قِبل جنود الاحتلال الذين فاق عددهم المئات، لتبدأ فصول الجريمة التي راح ضحيتها 29 فرداً من العائلة.
ويسترجع فوزي شريط الذكريات، حينما أقدم جُنود الاحتلال على اقتحام منزله دون سابق إنذار مع شروق صباح يوم الأحد في تمام الساعة 6:30 بعد محاصرته لعدة ساعات.
ويتابع "وقف شقيقي فرج بالقرب من بوابة المنزل فرأى عدداً كبيراً من الجنود يهمّوُن باقتحام البيت فذهب والدي عطيّة ليلقي نظرة فوجد عدداً كبيراً من الجنود ينتظرونه في الخارج فرجع للخلف وكان يتوقع أن يقوم الجنود باقتحام المنزل".
ويستدرك الفتى فوزي ذو الوجه الأسمر "بعد لحظات قليلة اقتحم الجنود البيت وكان عددهم كبيراً ويفوق الـ50 جندياً حينها توجهنا للجلوس داخل الغرفة التي تقع وسط المنزل نظراً لأنها الأكثر أماناً وحينها قال والدي لنا ما حدا يِخاف أو يبكي".
فور اقتحام الجنود المنزل باشر عدد منهم بإطلاق النيران بشكلٍ عشوائي وسط صراخ هؤلاء الجنود الذي دوى في المكان، ويضيف الفتى "طالب الجنود والدي بالخروج".
حلقة الإعدام
اختلطت معالم الحزن بمعالم الحسرة لدى ذلك الفتى وهو يصف مشهد إعدام والده أمام عينيه، حيث قال: "خرج والدي عطيّة من الغُرفة التي نجلس بداخلها لهم وهو يرفع يديه عالياً إلا أنهم لم يرحموه فأطلقوا النار عليه مباشرة ومن على بُعد أمتار قليلة دون أن يرتكب أي ذنب".
وتابع الفتي فوزي من أمام منزله الذي قضى الاحتلال على نصفه "شاهدت والدي يُعدم أمامي كما شاهده أشقائي وأمي زهوة السموني (44 عاماً) وزوجة أبي زينات السموني (33 عاماً) وقد علا صراخ الأطفال وعويل النساء داخل تلك الحُجرة، وكان الجميع منا يصيح بصوته ونقول
"دخيلك يا خواجا بعرضك يا خواجا".
وأوضح أن ما يزيد عن 15 جندياً أطلقوا النيران باتجاه والده عطيّة، "حيث كانت الطلقات تخترق جسده وتخرج من الناحية الأخرى وتصطدم بجدران المنزل، فيما أطلقوا النار داخل الغرفة التي كان بها الباقي من العائلة عقب إعدام والدي".
ولم يشفع قتل عطيّة السموني لباقي أفراد العائلة حيث قتل الطفل أحمد (4 أعوام) وهو نجل عطيّة جراء إصابته بطلقات نارية في الصدر أطلقها الجنود فرحاً بإعدامهم ربّ الأسرة.
وبينما كانت دماء عطية وأسرته مستباحة لجنود الاحتلال، كانت دماء آخرين من ذات العائلة ومن عائلات أخرى تُراق في الشوارع ومن منازل أخرى بتلك المنطقة التي كُتب لها أن تكون شاهدة على الجريمة.
لكن فصول المسلسل الدموي الذي أخرجه جيش الاحتلال بحق العائلة لم تنته عند حلقة الإعدام، بل قام بإخراج الأغلبية العظمى من أفراد العائلة من داخل منازلهم وجمّعهم داخل منزل "وائل السموني".
قتل بالجملة
وبأجساد ترتعش خوفاً وبرداً، بدأ من تبقى من أسرة عطية بالخروج من المنزل متجهين إلى منزل "وائل" الذي يبعد عشرات الأمتار عن منزلهم، لتبدأ حلقة جديدة من ذات المسلسل الدموي.
وعما جرى بداخل المنزل، يتحدث الطفل محمود السموني (12 عاماً) لـ"صفا" عن تلك الحلقة التي استشهد فيها 21 فرداً من العائلة، وقال: "دخلنا منزل عمي وائل وكان اليهود متواجدين قرب البوابة وسط إطلاق نار كثيف من أسلحتهم الرشاشة".
ويضيف محمود جاحظ العينين ذو القامة القصيرة "كان عددنا يفوق الـ50 داخل البيت المكون من طابق واحد من الباطون وقد نفذ الطعام وكانت أصوات القذائف تُدّوي في المكان دون أن يعلم أحداُ ما الذي تستهدفه".
بعد مرور 24 ساعة على تجمّع أفراد العائلة داخل منزل "وائل" بدأت الدبابات الإسرائيلية تُسلط قذائفها باتجاه ذاك المنزل لتفتك بأجساد الذين احتموا بداخل، فقصفت المنزل بعدة قذائف وأصيب عدداً من الموجودين من بينهم الطفل محمود الذي أصيب بإذنه.
وتابع الطفل "حينذاك شاهدتني أمي حنان السموني (35 عاماً)، فذهبت لإحضار شيئا ما لتوقف نزيف الدماء، إلا أنها "خرجت ولم تعد"، فيما أصيبت أمام عيني محمود شقيقته هدى (16 عاماً) بوجهها وفقدت عينها ونفذت دمائها إلى أن استشهدت.
ومع سقوط القذائف على المنزل ارتفع صُراخ البعض فيما كُتمت أصوات آخرين بعد أن كبحت تلك القذائف حياتهم وارتقى بداخل المنزل 21 فرداً من العائلة فضلاً عن منع قوات الاحتلال طواقم الإسعاف من الوصول لهم.
مأساة على مأساة
وأوضح الطفل المكلوم أنه بقِيَ محجوزاً بجانب الشهداء هو وعدد من الناجين ما يقارب يومين إضافيين، فيما فرّ العديد منهم بمغامرة ومخاطرة كبيرتين من المنزل وساروا طريقاً طويلة إلى أن وصلوا دوار "دُولَهَ" شمال حي الزيتون.
لكن جنود الاحتلال لم يكتفوا بهذا الحد وأرادوا أن يغيروا تضاريس المنطقة التي اُرتكبت فيها الجريمة وهدموا العديد من منازل العائلة والمنازل المجاورة لها وجرفوا عشرات الدونمات الزراعية التي تعود ملكيتها للعائلة.
وتمكَّنت أطقم الصليب الأحمر من الوصول بعد خمسة أيام من المحاصرة لمنازل العائلة وانتشال من تبقى من الشهداء الذين قضوا خلال القصف.
وتواجه تلك العائلة المنكوبة ظروفاً صعبة للغاية بعد أن فقدت 29_60 من أبناءها، فيما تواجه ضنك الحياة ومعاناة الفقر والتشرد بعد أن جُرفت أراضيها وهّدمت بيوتها دون إعمار.
.