قراءة في أساليب الاستطلاع والتجسس الاستراتيجي التي تنشأ عنها الأزمات السياسية
اللواء الركن (م) خضر الدهراوي
بانتهاء الحرب العالمية الثانية، ظهرت الأسلحة النووية عندما ألقت الولايات المتحدة الأمريكية قنابلها الذرية على مدينتي (هيروشيما) و(نجازاكي) اليابانيتين في أغسطس 1945م، وظلّ الاحتكار النووي الأمريكي منذ عام 1945 حتى عام 1949م، وهو العام الذي فجّر فيه الاتحاد السوفيتي قنبلته الذرية، واستمر في إجراء سلسلة من التفجيرات النووية، وإنتاج الصواريخ التي تحمل هذه الأسلحة، وحرص على تدعيم إمكاناته من القوة النووية التي تكفل له الوقوف في وجه التحدي الغربي الرأسمالي.
منذ عام 1956م كانت الولايات المتحدة الأمريكية تقوم بإرسال طائرات الاستطلاع والتجسس الاستراتيجي (يو - تو) بمهامها الاستطلاعيه فوق الأراضي السوفيتية على الارتفاعات العالية جداً، ولم يعلم السوفييت شيئاً عنها إلا في عام 1958م، وكان (ريتشارد بيزل) نائب المخابرات المركزية الأمريكية، والمسؤول عن برنامج طائرات التجسس (يو - تو) يرى أن هذه الطائرات نجحت في جمع المعلومات الهامة عن الاتحاد السوفيتي.
وفي أواخر الخمسينيات تلاحقت الأحداث على النحو الآتي:
- انسحب الاتحاد السوفيتي من لجنة نزع السلاح التابعة للأمم المتحدة، وظلت المفاوضات حول مشكلة نزع السلاح قائمة من خلال قنوات الاتصال الدبلوماسي المباشر بين الدول المعنية بهذه المشكلة.
- حقق الاتحاد السوفيتي في 4 أكتوبر 1957م نجاحاً في إطلاق أول قمر اصطناعي يدور في مدار حول الارض أُطلق عليه (سبوتنيك - 1).
- في مارس 1958م أعلن الاتحاد السوفيتي عن قراره بإيقاف تجاربه النووية دون انتظار أن يفعل الغرب الشيء نفسه.
- مشروع النزع الشامل للأسلحة الذي اقترحه الزعيم السوفيتي (نيكيتا خروشوف)، وأعلن عنه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 1959م، ويستهدف المشروع تحقيق النزع العام والشامل للأسلحة، وتحتفظ الدول بميليشيا وطنية مجهزة بأسلحة تقليدية محدودة على قدر الأغراض التي تتطلبها حماية النظام والأمن الداخلي.
وكان هذا الاتجاه من جانب الاتحاد السوفيتي حافزاً نحو التوصل إلى اتفاق بينه وبين الدول الغربية حول إنشاء لجنة جديدة لنزع السلاح تضم عشرة أعضاء، وتنحصر مهمتها في البحث عن أسس عامة للاتفاق دولياً حول النزاع العام والشامل للأسلحة، ويراعى في تشكيل اللجنة مبدأ التمثيل المتكافئ للطرفين، ومثلت الكتلة السوفيتية بخمس دول هي: الاتحاد السوفيتي، وبلغاريا، وتشيكوسلوفاكيا، وبولندا، ورومانيا. أما الكتلة الغربية فقد مثلّتها الولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا، وإيطاليا، وكندا، وقد اتفق على أن تعقد اللجنة اجتماعاتها في المقر الأوروبي للآمم المتحدة ب (جنيف) وبدأت اجتماعات اللجنة في مارس 1960م، وكان مشروع (خروشوف) هو نقطة البدء في مباحثاتها.
وتقدمت الدول الغربية بمقترحات مضادة للمشروع السوفيتي شملت النقاط التالية:
- الدعوة إلى فرض رقابة على إنتاج الأسلحة النووية، وحظر إنتاج المواد الانشطارية التي تدخل في إنتاج مثل هذه الأسلحة.
- حظر إجراء التجارب النووية، وحظر نقل الأسلحة النووية من الدول النووية إلى الدول غير النووية.
- فرض رقابة على استخدامات الفضاء الخارجي.
- الدعوة إلى التدمير الكامل والنهائي للصواريخ العابرة للقارات على أن يعقب ذلك إمكان إقامة نظام دولي فعال للتفتيش والرقابة.
وإزاء هذه المقترحات الغربية تقدم الاتحاد السوفيتي بعدة أفكار إلى اللجنة شملت النقاط الآتية:
- الدعوة إلى عقد ميثاق عدم اعتداء بين حلفي الأطلسي ووارسو.
- التخلي العالمي عن إنتاج وحيازة الأسلحة النووية.
- تجميد ميزانيات التسليح.
- الدعوة إلى انسحاب القوات العسكرية من جميع القواعد الأجنبية.
- العمل على إيقاف الحروب الدعائية المتبادلة بين الكتلتين، وفي المجتمع الدولي عموماً.
- إنشاء مناطق منزوعة السلاح النووي في وسط أوروبا، وأفريقيا، والشرق الأقصى، وفي منطقة الباسيفيكي.
- إقامة مراكز للمراقبة الأرضية للتبليغ عن التحركات العسكرية، وذلك ضماناً لمنع حدوث هجوم مفاجيء من قبل أحد الأطراف.
وقد علّق الطرفان الغربي والسوفيتي أهمية كبرى على الدور الذي يمكن أن تقوم به قوة بوليسية دولية تابعة للمجلس في حماية السلم والأمن في عالم منزوع السلاح، وكان مقرراً انعقاد مؤتمر قمة يوم 16 مايو 1960م في باريس يضم قادة الاتحاد السوفيتي، والولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا لإرساء قواعد قوية للتعايش السلمي بين الدول ذات النظم السياسية والاجتماعية المختلفة.
حادث إسقاط طائرة التجسس الأمريكية (يو - تو)
في الوقت الذي كان فيه (خروشوف) يسعى لتوقيع اتفاقية الحد من التجارب النووية سعياً إلى تحسين العلاقات الأمريكية السوفيتية، وقعت حادثة سقوط طائرة التجسس (يو - تو)، بينما كان الرئيس (إيزنهاور) يرفض دائماً عمليات اختراق الأجواء السوفيتية، وحتى ربيع عام 1960م كان رافضاً أكثر من أي وقت عمليات الاختراق، لأن احتمالات إسقاط هذه الطائرات أخذت تتزايد، خصوصاً وأنه سيقابل الزعيم السوفيتي (خروشوف) في اجتماع قمة باريس يوم 16 مايو 1960م مع قادة كل من بريطانيا، وفرنسا، ثم سيقوم بزيارة للاتحاد السوفيتي التي تقررت في يونيو 1960م.
ولكن في إبريل 1960م وافق الرئيس (إيزنهاور) على قيام طائرة التجسس بتنفيذ مهمتها داخل الاتحاد السوفيتي بناء على طلب وكالة المخابرات المركزية التي عادت وطلبت الدخول مرة أخرى، ووافق الرئيس (إيزنهاور) على أساس أن تنتهي المهمة خلال أسبوعين على أكثر تقدير.
وقد خططت إدارة المخابرات المركزية للعملية، وحددت لها يوم الأول من مايو1960م، حيث تجري الاستعدادات للاحتفال بعيد العمال، وكان على الطيار اجتياز الأراضي السوفيتية فوق جبال (بامير) متجهةً شمالاً نحو شبه جزيرة (كولا) في الشمال، وأن يهبط في قاعدة (بودو) الجوية شمال النرويج قاطعاً مسافة (3788) ميلاً لتصوير المنشآت العسكرية.
وفي الساعة (20ر5) كان (فرانسيس جاري باورز) يستعد بطائرته بعد نزع جميع علاماتها وعلامة سترته في قاعدة (بيشاور) الجوية في باكستان، وفي الساعة(26ر6) وصلت الإشارة ببدء العملية، وأقلعت الطائرة، وسرعان ما وصلت إلى ارتفاع (60) ألف قدم، وبعد حوالي ساعة وصلت الطائرة إلى حدود الاتحاد السوفيتي، وأخذت تتوغل داخل الأجواء السوفيتية.
وعندما كشفت وسائل الإنذار الجوي عن وجود طائرة مجهولة تم رفع حالة استعداد قوات الدفاع الجوي في مناطق الاختراق، وقام وزير الدفاع المارشال (روديون ماينوفسكي) بإخطار الزعيم السوفيتي (خروشوف) أصدر أوامره باعتراض الطائرة. وفي الساعة (53ر8) بتوقيت موسكو قامت كتيبة الصواريخ المضادة للطائرات (سام -2) التي التقطت الطائرة بإطلاق صاروخ أصاب ذيل الطائرة، وحاول (باورز) التحكم في الطائرة، ولكنه فشل، وهبط بالمظلة بينما كانت أشلاء الطائرة تتساقط على الأرض، وقام المارشال (بريزوف) قائد قوات الدفاع الجوى بتبليغ (خروشوف) في أثناء العرض العسكري بأن الطائرة التي اقتحمت الأجواء السوفيتية تم إسقاطها، وأنه يتم استجواب الطيار.
وفي هذه الأثناء أصدرت الولايات المتحدة بياناً أعلنت فيه عن فقدان طائرة من طراز (يو - تو) مخصصة لدراسة الجو فوق تركيا في المنطقة القريبة من (فان بولو).
وفي صباح يوم 5 مايو في اجتماع مجلس السوفييت الأعلى قال (خروشوف): "إن يوم 16 مايو كان مقرراً لانعقاد مؤتمر قمة في باريس يضم قادة الاتحاد السوفيتي، والولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا، وأن نجاح هذا الاجتماع مهم للغاية، حيث كان مقدراً لنا إرساء قواعد قوية للتعايش السلمي بين الدول ذات النظم الاجتماعية والسياسية المختلفة"، واستطرد قائلاً: "لكن هناك ما يدعو للقلق، فإن عليَّ الآن أن انقل لكم العمل العدائي الذي قامت به الولايات المتحدة ضد الاتحاد السوفيتي في يوم عيد العمال السوفيتي". وقال: "إن هناك دوائر أمريكية تريد تفجير مؤتمر القمة، وهي تعمل ضد الاتفاق بين الجانبين".
وبينما كان الصحفيون يتدافعون إلى البيت الأبيض للوقوف على رد الفعل الأمريكي إزاء ما أعلنه (خروشوف)، صدر بيان مقتضب عن وزارة الخارجية الأمريكية بالاتفاق مع (آلان دالاس) - رئيس وكالة المخابرات المركزية - يقول: بإن إحدى طائرات الاستطلاع الجوية المتمركزة في تركيا كانت مفقودة منذ بداية الشهر، وربما تكون هذه الطائرة هي التي تحدث عنها (خروشوف)، لكن حديث (خروشوف) ظل يمثل مشكلة للإدارة المركزية، وقال: إن مثل هذا العمل لا يمكن أن يحدث بدون علم الرئيس (إيزنهاور).
النتائج التي خلقتها حادثة طائرة التجسس (يو - تو)
أدت هذه الحادثة إلى نسف مؤتمر الأقطاب المقرر عقده في باريس يوم 16 مايو 1960م، وفتحت مجالاً واسعاً لحملات الهجوم الدعائي المتبادل بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة، وأوجدت لدى السوفيت نوعاً من عدم الثقة في نوايا الولايات المتحدة، وأصبح الاتفاق بين الدولتين حول نزع السلاح أمراً بعيد المنال.
وكان من نتائج هذا الحادث أيضاً إقدام الاتحاد السوفيتي على استئناف تجاربه النووية التي كانت متوقفة أكثر من ثلاث سنوات.
وهنا بدأ التفكير في البدائل التي لا يتسبب عنها أزمات
بعد حادث إسقاط طائرة الاستطلاع والتجسس الأمريكية (يو - تو) اتجهت الولايات المتحدة إلى التفكير في البدائل من وسائل التجسس الجوي والفضائي، التي لا تستطيع أسلحة الدفاع الجوي الوصول إليها، لكي تكون في مأمن أثناء تنفيذ مهام الاستطلاع الاستراتيجي، وظهر هذا البديل في شكل الأقمار الاصطناعية عندما نجح أول نظام أمريكي لأقمار التجسس المزودة بالكاميرات، والمعروف بنظام المراقبة بالقمر الاصطناعي "ساموس" في أغسطس 1960م، وقد أطلق على هذا النوع من الأقمار اسم (يو -3) نظراً لأنه يقوم بعمل طائرة التجسس (يو - تو)، كما تمكن الاتحاد السوفيتي أيضاً من إطلاق قمر تجسس في مدار حول الأرض في 16 مارس 1962م ضمن إطار برامج (كوزوموس) للاستطلاع والتجسس.
ويتميز الاستطلاع والتجسس بالأقمار الاصطناعية بالآتي
1) استخدام أقمار الاستطلاع، ومرورها فوق أراضي الدول في الفضاء الخارجي لا يؤدي إلى وقوع أزمات سياسية كما هو الحال عند اختراق طائرات الاستطلاع للمجال الجوي لدولة أخرى، لأن الفضاء الجوي يختلف عن الفضاء الخارجي من وجهة نظر القانون الدولي، فالفضاء الجوي الذي يعلو إقليم الدولة يخضع لسيادتها، ولها أن تمارس السيادة فيه، بينما الفضاء الخارجي ليس مملوكاً لأي دولة، ولكنه ملك الجماعة الدولية كلها ملكية مشتركة، وهذا وفقاً لما جاء في معاهدة الفضاء الخارجي التي أقرّتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1966م، ودخلت مرحلة التنفيذ الفعلي ابتداءً من يناير 1967م، ونصت الأحكام التي اشتملت عليها المعاهدة على أن الفضاء الخارجي لا يخضع للتملك القومي بادعاء السيادة، وهذا يتيح للأقمار الاصطناعية حرية العمل في تنفيذ مهامها.
2) إمكان مسح مناطق كبيرة في وقت قصير جداً نظراً للسرعة العالية للقمر الاصطناعي، كما أن مدة بقاء قمر التجسس في المدار قد تستمر أياماً أو أشهراً وأكثر، يستطيع خلالها تنفيذ جميع مهام الاستطلاع، بينما طائرة الاستطلاع الاستراتيجي لا يمكنها البقاء في الجو إلا لفترة محدودة، ولذا فإنها تحتاج إلى تكرار الطلعات لتنفيذ مهام الاستطلاع التي توكل إليها.
3) الارتفاع الذي تعمل عليه طائرات الاستطلاع الاستراتيجي يجعلها معرضة للتدمير بوسائل الدفاع الجوي الحديثة، على نحو ما حدث لطائرة الاستطلاع (يو - تو) التي أُُسقطت فوق أراضي الاتحاد السوفيتي، أما أقمار التجسس فإنها تقوم بتنفيذ مهامها خارج مدى هذه الوسائل.
4) تظهر أهمية أقمار التجسس باعتبارها مكملة لوسائل الاستطلاع الأخرى، وتصبح البديل في حالة فقدان هذه الوسائل بسبب المتغيرات التي تحدث في الموقف السياسي، وهذا ما حدث عندما قامت الثورة الإيرانية عام 1979م، وأدّت إلى فقدان المواقع الرئيسة لمراكز المراقبة والتنصت الأرضية في شمال إيران، والتي كان يقوم بتشغيلها أفراد من القوات المسلحة الأمريكية تحت إشراف وكالة المخابرات المركزية لمراقبة مواقع التجارب السوفيتية في قاعدة إطلاق الأقمار الاصطناعية في (توراتام)، ومراقبة مناطق اختيارات الصواريخ السوفيتية، وبفقدان هذه المراكز اعتمدت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية على الأجيال الحديثة من أقمار التجسس في الحصول على المعلومات بواسطة الأقمار الاصطناعية.
5) تطورت الأقمار الاصطناعية للاستطلاع والتجسس، وأدخلت عليها تحسينات عديدة بغرض زيادة كفاءتها، وتحسين أداءها في تحقيق المهام المكلفة بها، وتوفير صور عالية الدقة والوضوح.
دور الأقمار الاصطناعية في أعمال ا لاستطلاع والتجسس الاستراتيجي
في أوائل الستينيات بدأ ظهور الاهتمام باستخدام الفضاء في الأغراض العسكرية، وقام كل من الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة بوضع برامج لأقمار الاستطلاع والتجسس الاستراتيجي طوال فترة الحرب الباردة، وما تلاها من حروب وأزمات، ونذكر منها:
1) استطلاع الأهداف الاستراتيجية والمنشآت العسكرية وقواعد إطلاق الصواريخ بعيدة المدى التي تطلق من منصات برية أو بحرية، والقواعد الجوية، ومواقع الرادار بطريقة مأمونة خارج مدى أسلحة الدفاع الجوي الحديثة.
2) تحقيق مراقبة مستمرة لأي تغييرات تحدث في تمركز الأسلحة الاستراتيجية على مدار السنة، مما جعل لها دوراً بارزاً في نجاح محادثات الحد من الأسلحة الاستراتيجية باعتبارها أهم وسائل الرقابة الفنية الوطنية للتحقق من تنفيذ التعهدات التي قبلها كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي في اتفاقية (سولت -1)، التي وقعها في 26 مايو 1972م الرئيس الأمريكي (ريتشارد نيكسون) والرئيس السوفيتي (ليونيد بريجنيف)، والتي سمحت لكل طرف باستخدام وسائله لتنفيذ المراقبة والموافقة على سياسة السماء المفتوحة التي تقوم على عدم التدخل في عمل أقمار الاستطلاع والتجسس.
3) مراقبة الأزمات، وما يدور في مناطق الصراع والحروب التي دارت فيها كالآتي:
- في أثناء الحرب الهندية - الباكستانية في ديسمبر 1971م مراقبة الصراع في شرق باكستان التي أصبحت بنجلاديش، وتغطية منطقة القتال.
- في حرب أكتوبر 1973م قام الاتحاد السوفيتي بإطلاق سلسلة من أقمار الاستطلاع والتجسس لمراقبة منطقة القتال، ومراقبة وقف إطلاق النار، وكذا مراقبة انسحاب القوات الإسرائيلية من غرب قناة السويس.
- في أثناء الأزمة القبرصية في عام 1974م أطلقت الولايات المتحدة قمرها، الذي قام بالمرور فوق جزيرة قبرص في يوم 20 يوليو، وهو اليوم الذي بدأ فيه الغزو التركي في المدة من 20-22 يوليو 1974م لمراقبة منطقة القتال.
- استخدام أقمار التجسس في القيام بمهمة استطلاع منطقة قناة السويس عندما تعذَّر استخدام الطائرات في هذه المهمة لاعتبارات سياسية، وذلك لتصوير مواقع الدفاع الجوي التي أقامتها مصر في هذه المنطقة قبل وقف إطلاق النار الذي بدأ تنفيذه يوم 8 أغسطس 1970م.
- وفي الحرب الإيرانية - العراقية التي بدأت في 22 سبتمبر 1980م أطلق كل من الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة أقماراً اصطناعية لمراقبة منطقة القتال.
الحادث الآخر
الأزمة التي سببتها طائرة التجسس الأمريكية مع الصين
- في أول أبريل 2001م هبطت طائرة التجسس الأمريكية (آي - بي3) اضطرارياً في جزيرة (هانيان) الصينية بعد تصادم في الجو مع مقاتله صينية، مما دفع السلطات الصينية إلى احتجاز الطائرة وطاقمها المكون من (24) بعد التصادم الذي لقي فيه قائد المقاتلة الصينية مصرعه. وقام خبراء عسكريون صينيون بفحص الطائرة للوقوف على مكوناتها، رغم قيام طاقم الطائرة بتدمير معظم أجزاء التجسس الحديثة التي كانت على متن الطائرة.
وقد وجّه نائب رئيس الوزراء والمسؤول عن السياسة الخارجية رسالة إلى (كولين باول) وزير الخارجية الأمريكية ذاكراً أن اعتذار الولايات المتحدة للشعب الصيني مسأله بالغة الأهمية لحل الأزمة التى تعتبر الأخطر من نوعها منذ قصف الطائرات الأمريكية السفارة الصينية في العاصمة اليوغوسلافية (بلجراد) إبّان عمليات القصف الجوي الذي قام به حلف شمال الأطلسي ليوغوسلافيا، وأوضح في رسالته أن الموقف الأمريكي لايزال غير مقبول من الجانب الصيني، وأشار أيضاً في رسالته إلى ضرورة أن تتحمل الولايات المتحدة المسؤولية، وأن تقدم تفسيراً لما حدث، وطالب بإجراء محادثات مكثفة بين الجانبين في سبيل منع حوادث مماثلة في المستقبل.
وقد امتنعت الولايات المتحدة عن التعليق على تجدد طلب الصين بتقديم اعتذار رسمي للإسراع في عملية الإفراج عن طاقم الطائرة المحتجزه منذ أسبوع من وقوع الحادث، وتم اجتماع بين دبلوماسيين أمريكيين وصينيين للاتفاق على نص رسالة تعبرّ عن الأسف إزاء مقتل الطيار الصيني، ووضع آلية لتبادل وجهات النظر من الجانبين حول الحادث، وتم الإفراج عن طاقم الطائرة بعد أحد عشر يوماً من وقوع الحادث.
- وبالنسبة لاسترجاع طائر التجسس من الصين أخذت هذه العملية وقتاً طويلاً في الاتفاق على نقل الطائرة بعد تفكيكها إلى أجزاء بواسطة الفريق الفني والأمني، وأن يكون النقل بطائرة من طراز (انتينوف آي إن - 124) من مطار( لينجشوى) في جزيرة (هانيان) في جنوب الصين، واستغرقت عملية إعادة الطائرة ثلاثة أشهر مما آثار غضب الأمريكيين.
لماذا استمر الاستطلاع الجوي والفضائي في هذه المنطقة؟
السبب هو قضية جزيرة تايوان، وعودتها إلى الصين (الأم)؛ فالصين تعتبر تايوان جزءًا من أراضيها، وتهددها بالغزو إذا ما حاولت الانفصال أو إعلان الاستقلال، في الوقت الذي تتعهد فيه الولايات المتحدة بالدفاع عن تايوان، وتقوم بتقديم الأسلحة المتطورة لها، وفي 15 مارس 2005م أقر البرلمان الصيني قانوناً يتيح استخدام القوة ضد تايوان لمنعها من الانفصال، وأعلنت الولايات المتحدة معارضتها استخدام الوسائل غير السلمية لتوحيد الصين، ويتضمن القانون منح تايوان درجة عالية من الحكم الذاتي بعد قيام توحيد سلمي مشابه لما هو قائم حالياً في هونج كونج، كما أن العلاقات بين بكين وواشنطن قد ازدادت توتراً بسبب التصريح المشترك بين الولايات المتحدة، واليابان، اللذين يعتبران الأمن في مضيق تايوان هدفاً استراتيجياً مشتركاً، الأمر الذي اعتبرته بكين بمثابة تدخل في شؤونها الداخلية.
انتهاك أجواء الدول بطائرات الاستطلاع والتجسس
إن الغرض من اختراق المجال الجوي للدولة التي يتم فيها الاختراق بواسطة طائرات الاستطلاع والتجسس الجوي هو الوقوف على كفاءة درجات استعداد قوات ووسائل الدفاع الجوي من مقاتلات وصواريخ بالمنطقة التي يتم فيها الاختراق، وقدرة هذه الوسائل على الاكتشاف، ومواجهة الطائرات المخترقة، والكشف عن الثغرات، والمناطق التي تقل فيها كفاءة الدفاع الجوي لكي تستطيع الطائرات المخترقة من تنفيذ المهام المكلفة بها في أمان، لأن تعرضها للإسقاط يترتب عليه أزمات سياسية.
ولقد ازدادت انتهاكات أجواء الدول في هذه الأيام خصوصاً في مناطق الصراع والتهديدات للحصول على المعلومات عن المنشآت العسكرية وقواعد الإرهاب، فالدولة التي يقع اختراق في أجوائها توجه الاتهامات للدولة التي قامت بالاختراق، وهذه الدولة تنفي الاتهامات طالما لم تعترضها وسائل الدفاع الجوي من مقاتلات وصواريخ لكي ترغمها على الخروج أو الهبوط أو التدمير إذا كانت الدولتان في حالة حرب
www.kkmaq.gov.sa
اللواء الركن (م) خضر الدهراوي
بانتهاء الحرب العالمية الثانية، ظهرت الأسلحة النووية عندما ألقت الولايات المتحدة الأمريكية قنابلها الذرية على مدينتي (هيروشيما) و(نجازاكي) اليابانيتين في أغسطس 1945م، وظلّ الاحتكار النووي الأمريكي منذ عام 1945 حتى عام 1949م، وهو العام الذي فجّر فيه الاتحاد السوفيتي قنبلته الذرية، واستمر في إجراء سلسلة من التفجيرات النووية، وإنتاج الصواريخ التي تحمل هذه الأسلحة، وحرص على تدعيم إمكاناته من القوة النووية التي تكفل له الوقوف في وجه التحدي الغربي الرأسمالي.
منذ عام 1956م كانت الولايات المتحدة الأمريكية تقوم بإرسال طائرات الاستطلاع والتجسس الاستراتيجي (يو - تو) بمهامها الاستطلاعيه فوق الأراضي السوفيتية على الارتفاعات العالية جداً، ولم يعلم السوفييت شيئاً عنها إلا في عام 1958م، وكان (ريتشارد بيزل) نائب المخابرات المركزية الأمريكية، والمسؤول عن برنامج طائرات التجسس (يو - تو) يرى أن هذه الطائرات نجحت في جمع المعلومات الهامة عن الاتحاد السوفيتي.
وفي أواخر الخمسينيات تلاحقت الأحداث على النحو الآتي:
- انسحب الاتحاد السوفيتي من لجنة نزع السلاح التابعة للأمم المتحدة، وظلت المفاوضات حول مشكلة نزع السلاح قائمة من خلال قنوات الاتصال الدبلوماسي المباشر بين الدول المعنية بهذه المشكلة.
- حقق الاتحاد السوفيتي في 4 أكتوبر 1957م نجاحاً في إطلاق أول قمر اصطناعي يدور في مدار حول الارض أُطلق عليه (سبوتنيك - 1).
- في مارس 1958م أعلن الاتحاد السوفيتي عن قراره بإيقاف تجاربه النووية دون انتظار أن يفعل الغرب الشيء نفسه.
- مشروع النزع الشامل للأسلحة الذي اقترحه الزعيم السوفيتي (نيكيتا خروشوف)، وأعلن عنه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 1959م، ويستهدف المشروع تحقيق النزع العام والشامل للأسلحة، وتحتفظ الدول بميليشيا وطنية مجهزة بأسلحة تقليدية محدودة على قدر الأغراض التي تتطلبها حماية النظام والأمن الداخلي.
وكان هذا الاتجاه من جانب الاتحاد السوفيتي حافزاً نحو التوصل إلى اتفاق بينه وبين الدول الغربية حول إنشاء لجنة جديدة لنزع السلاح تضم عشرة أعضاء، وتنحصر مهمتها في البحث عن أسس عامة للاتفاق دولياً حول النزاع العام والشامل للأسلحة، ويراعى في تشكيل اللجنة مبدأ التمثيل المتكافئ للطرفين، ومثلت الكتلة السوفيتية بخمس دول هي: الاتحاد السوفيتي، وبلغاريا، وتشيكوسلوفاكيا، وبولندا، ورومانيا. أما الكتلة الغربية فقد مثلّتها الولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا، وإيطاليا، وكندا، وقد اتفق على أن تعقد اللجنة اجتماعاتها في المقر الأوروبي للآمم المتحدة ب (جنيف) وبدأت اجتماعات اللجنة في مارس 1960م، وكان مشروع (خروشوف) هو نقطة البدء في مباحثاتها.
وتقدمت الدول الغربية بمقترحات مضادة للمشروع السوفيتي شملت النقاط التالية:
- الدعوة إلى فرض رقابة على إنتاج الأسلحة النووية، وحظر إنتاج المواد الانشطارية التي تدخل في إنتاج مثل هذه الأسلحة.
- حظر إجراء التجارب النووية، وحظر نقل الأسلحة النووية من الدول النووية إلى الدول غير النووية.
- فرض رقابة على استخدامات الفضاء الخارجي.
- الدعوة إلى التدمير الكامل والنهائي للصواريخ العابرة للقارات على أن يعقب ذلك إمكان إقامة نظام دولي فعال للتفتيش والرقابة.
وإزاء هذه المقترحات الغربية تقدم الاتحاد السوفيتي بعدة أفكار إلى اللجنة شملت النقاط الآتية:
- الدعوة إلى عقد ميثاق عدم اعتداء بين حلفي الأطلسي ووارسو.
- التخلي العالمي عن إنتاج وحيازة الأسلحة النووية.
- تجميد ميزانيات التسليح.
- الدعوة إلى انسحاب القوات العسكرية من جميع القواعد الأجنبية.
- العمل على إيقاف الحروب الدعائية المتبادلة بين الكتلتين، وفي المجتمع الدولي عموماً.
- إنشاء مناطق منزوعة السلاح النووي في وسط أوروبا، وأفريقيا، والشرق الأقصى، وفي منطقة الباسيفيكي.
- إقامة مراكز للمراقبة الأرضية للتبليغ عن التحركات العسكرية، وذلك ضماناً لمنع حدوث هجوم مفاجيء من قبل أحد الأطراف.
وقد علّق الطرفان الغربي والسوفيتي أهمية كبرى على الدور الذي يمكن أن تقوم به قوة بوليسية دولية تابعة للمجلس في حماية السلم والأمن في عالم منزوع السلاح، وكان مقرراً انعقاد مؤتمر قمة يوم 16 مايو 1960م في باريس يضم قادة الاتحاد السوفيتي، والولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا لإرساء قواعد قوية للتعايش السلمي بين الدول ذات النظم السياسية والاجتماعية المختلفة.
حادث إسقاط طائرة التجسس الأمريكية (يو - تو)
في الوقت الذي كان فيه (خروشوف) يسعى لتوقيع اتفاقية الحد من التجارب النووية سعياً إلى تحسين العلاقات الأمريكية السوفيتية، وقعت حادثة سقوط طائرة التجسس (يو - تو)، بينما كان الرئيس (إيزنهاور) يرفض دائماً عمليات اختراق الأجواء السوفيتية، وحتى ربيع عام 1960م كان رافضاً أكثر من أي وقت عمليات الاختراق، لأن احتمالات إسقاط هذه الطائرات أخذت تتزايد، خصوصاً وأنه سيقابل الزعيم السوفيتي (خروشوف) في اجتماع قمة باريس يوم 16 مايو 1960م مع قادة كل من بريطانيا، وفرنسا، ثم سيقوم بزيارة للاتحاد السوفيتي التي تقررت في يونيو 1960م.
ولكن في إبريل 1960م وافق الرئيس (إيزنهاور) على قيام طائرة التجسس بتنفيذ مهمتها داخل الاتحاد السوفيتي بناء على طلب وكالة المخابرات المركزية التي عادت وطلبت الدخول مرة أخرى، ووافق الرئيس (إيزنهاور) على أساس أن تنتهي المهمة خلال أسبوعين على أكثر تقدير.
وقد خططت إدارة المخابرات المركزية للعملية، وحددت لها يوم الأول من مايو1960م، حيث تجري الاستعدادات للاحتفال بعيد العمال، وكان على الطيار اجتياز الأراضي السوفيتية فوق جبال (بامير) متجهةً شمالاً نحو شبه جزيرة (كولا) في الشمال، وأن يهبط في قاعدة (بودو) الجوية شمال النرويج قاطعاً مسافة (3788) ميلاً لتصوير المنشآت العسكرية.
وفي الساعة (20ر5) كان (فرانسيس جاري باورز) يستعد بطائرته بعد نزع جميع علاماتها وعلامة سترته في قاعدة (بيشاور) الجوية في باكستان، وفي الساعة(26ر6) وصلت الإشارة ببدء العملية، وأقلعت الطائرة، وسرعان ما وصلت إلى ارتفاع (60) ألف قدم، وبعد حوالي ساعة وصلت الطائرة إلى حدود الاتحاد السوفيتي، وأخذت تتوغل داخل الأجواء السوفيتية.
وعندما كشفت وسائل الإنذار الجوي عن وجود طائرة مجهولة تم رفع حالة استعداد قوات الدفاع الجوي في مناطق الاختراق، وقام وزير الدفاع المارشال (روديون ماينوفسكي) بإخطار الزعيم السوفيتي (خروشوف) أصدر أوامره باعتراض الطائرة. وفي الساعة (53ر8) بتوقيت موسكو قامت كتيبة الصواريخ المضادة للطائرات (سام -2) التي التقطت الطائرة بإطلاق صاروخ أصاب ذيل الطائرة، وحاول (باورز) التحكم في الطائرة، ولكنه فشل، وهبط بالمظلة بينما كانت أشلاء الطائرة تتساقط على الأرض، وقام المارشال (بريزوف) قائد قوات الدفاع الجوى بتبليغ (خروشوف) في أثناء العرض العسكري بأن الطائرة التي اقتحمت الأجواء السوفيتية تم إسقاطها، وأنه يتم استجواب الطيار.
وفي هذه الأثناء أصدرت الولايات المتحدة بياناً أعلنت فيه عن فقدان طائرة من طراز (يو - تو) مخصصة لدراسة الجو فوق تركيا في المنطقة القريبة من (فان بولو).
وفي صباح يوم 5 مايو في اجتماع مجلس السوفييت الأعلى قال (خروشوف): "إن يوم 16 مايو كان مقرراً لانعقاد مؤتمر قمة في باريس يضم قادة الاتحاد السوفيتي، والولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا، وأن نجاح هذا الاجتماع مهم للغاية، حيث كان مقدراً لنا إرساء قواعد قوية للتعايش السلمي بين الدول ذات النظم الاجتماعية والسياسية المختلفة"، واستطرد قائلاً: "لكن هناك ما يدعو للقلق، فإن عليَّ الآن أن انقل لكم العمل العدائي الذي قامت به الولايات المتحدة ضد الاتحاد السوفيتي في يوم عيد العمال السوفيتي". وقال: "إن هناك دوائر أمريكية تريد تفجير مؤتمر القمة، وهي تعمل ضد الاتفاق بين الجانبين".
وبينما كان الصحفيون يتدافعون إلى البيت الأبيض للوقوف على رد الفعل الأمريكي إزاء ما أعلنه (خروشوف)، صدر بيان مقتضب عن وزارة الخارجية الأمريكية بالاتفاق مع (آلان دالاس) - رئيس وكالة المخابرات المركزية - يقول: بإن إحدى طائرات الاستطلاع الجوية المتمركزة في تركيا كانت مفقودة منذ بداية الشهر، وربما تكون هذه الطائرة هي التي تحدث عنها (خروشوف)، لكن حديث (خروشوف) ظل يمثل مشكلة للإدارة المركزية، وقال: إن مثل هذا العمل لا يمكن أن يحدث بدون علم الرئيس (إيزنهاور).
النتائج التي خلقتها حادثة طائرة التجسس (يو - تو)
أدت هذه الحادثة إلى نسف مؤتمر الأقطاب المقرر عقده في باريس يوم 16 مايو 1960م، وفتحت مجالاً واسعاً لحملات الهجوم الدعائي المتبادل بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة، وأوجدت لدى السوفيت نوعاً من عدم الثقة في نوايا الولايات المتحدة، وأصبح الاتفاق بين الدولتين حول نزع السلاح أمراً بعيد المنال.
وكان من نتائج هذا الحادث أيضاً إقدام الاتحاد السوفيتي على استئناف تجاربه النووية التي كانت متوقفة أكثر من ثلاث سنوات.
وهنا بدأ التفكير في البدائل التي لا يتسبب عنها أزمات
بعد حادث إسقاط طائرة الاستطلاع والتجسس الأمريكية (يو - تو) اتجهت الولايات المتحدة إلى التفكير في البدائل من وسائل التجسس الجوي والفضائي، التي لا تستطيع أسلحة الدفاع الجوي الوصول إليها، لكي تكون في مأمن أثناء تنفيذ مهام الاستطلاع الاستراتيجي، وظهر هذا البديل في شكل الأقمار الاصطناعية عندما نجح أول نظام أمريكي لأقمار التجسس المزودة بالكاميرات، والمعروف بنظام المراقبة بالقمر الاصطناعي "ساموس" في أغسطس 1960م، وقد أطلق على هذا النوع من الأقمار اسم (يو -3) نظراً لأنه يقوم بعمل طائرة التجسس (يو - تو)، كما تمكن الاتحاد السوفيتي أيضاً من إطلاق قمر تجسس في مدار حول الأرض في 16 مارس 1962م ضمن إطار برامج (كوزوموس) للاستطلاع والتجسس.
ويتميز الاستطلاع والتجسس بالأقمار الاصطناعية بالآتي
1) استخدام أقمار الاستطلاع، ومرورها فوق أراضي الدول في الفضاء الخارجي لا يؤدي إلى وقوع أزمات سياسية كما هو الحال عند اختراق طائرات الاستطلاع للمجال الجوي لدولة أخرى، لأن الفضاء الجوي يختلف عن الفضاء الخارجي من وجهة نظر القانون الدولي، فالفضاء الجوي الذي يعلو إقليم الدولة يخضع لسيادتها، ولها أن تمارس السيادة فيه، بينما الفضاء الخارجي ليس مملوكاً لأي دولة، ولكنه ملك الجماعة الدولية كلها ملكية مشتركة، وهذا وفقاً لما جاء في معاهدة الفضاء الخارجي التي أقرّتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1966م، ودخلت مرحلة التنفيذ الفعلي ابتداءً من يناير 1967م، ونصت الأحكام التي اشتملت عليها المعاهدة على أن الفضاء الخارجي لا يخضع للتملك القومي بادعاء السيادة، وهذا يتيح للأقمار الاصطناعية حرية العمل في تنفيذ مهامها.
2) إمكان مسح مناطق كبيرة في وقت قصير جداً نظراً للسرعة العالية للقمر الاصطناعي، كما أن مدة بقاء قمر التجسس في المدار قد تستمر أياماً أو أشهراً وأكثر، يستطيع خلالها تنفيذ جميع مهام الاستطلاع، بينما طائرة الاستطلاع الاستراتيجي لا يمكنها البقاء في الجو إلا لفترة محدودة، ولذا فإنها تحتاج إلى تكرار الطلعات لتنفيذ مهام الاستطلاع التي توكل إليها.
3) الارتفاع الذي تعمل عليه طائرات الاستطلاع الاستراتيجي يجعلها معرضة للتدمير بوسائل الدفاع الجوي الحديثة، على نحو ما حدث لطائرة الاستطلاع (يو - تو) التي أُُسقطت فوق أراضي الاتحاد السوفيتي، أما أقمار التجسس فإنها تقوم بتنفيذ مهامها خارج مدى هذه الوسائل.
4) تظهر أهمية أقمار التجسس باعتبارها مكملة لوسائل الاستطلاع الأخرى، وتصبح البديل في حالة فقدان هذه الوسائل بسبب المتغيرات التي تحدث في الموقف السياسي، وهذا ما حدث عندما قامت الثورة الإيرانية عام 1979م، وأدّت إلى فقدان المواقع الرئيسة لمراكز المراقبة والتنصت الأرضية في شمال إيران، والتي كان يقوم بتشغيلها أفراد من القوات المسلحة الأمريكية تحت إشراف وكالة المخابرات المركزية لمراقبة مواقع التجارب السوفيتية في قاعدة إطلاق الأقمار الاصطناعية في (توراتام)، ومراقبة مناطق اختيارات الصواريخ السوفيتية، وبفقدان هذه المراكز اعتمدت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية على الأجيال الحديثة من أقمار التجسس في الحصول على المعلومات بواسطة الأقمار الاصطناعية.
5) تطورت الأقمار الاصطناعية للاستطلاع والتجسس، وأدخلت عليها تحسينات عديدة بغرض زيادة كفاءتها، وتحسين أداءها في تحقيق المهام المكلفة بها، وتوفير صور عالية الدقة والوضوح.
دور الأقمار الاصطناعية في أعمال ا لاستطلاع والتجسس الاستراتيجي
في أوائل الستينيات بدأ ظهور الاهتمام باستخدام الفضاء في الأغراض العسكرية، وقام كل من الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة بوضع برامج لأقمار الاستطلاع والتجسس الاستراتيجي طوال فترة الحرب الباردة، وما تلاها من حروب وأزمات، ونذكر منها:
1) استطلاع الأهداف الاستراتيجية والمنشآت العسكرية وقواعد إطلاق الصواريخ بعيدة المدى التي تطلق من منصات برية أو بحرية، والقواعد الجوية، ومواقع الرادار بطريقة مأمونة خارج مدى أسلحة الدفاع الجوي الحديثة.
2) تحقيق مراقبة مستمرة لأي تغييرات تحدث في تمركز الأسلحة الاستراتيجية على مدار السنة، مما جعل لها دوراً بارزاً في نجاح محادثات الحد من الأسلحة الاستراتيجية باعتبارها أهم وسائل الرقابة الفنية الوطنية للتحقق من تنفيذ التعهدات التي قبلها كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي في اتفاقية (سولت -1)، التي وقعها في 26 مايو 1972م الرئيس الأمريكي (ريتشارد نيكسون) والرئيس السوفيتي (ليونيد بريجنيف)، والتي سمحت لكل طرف باستخدام وسائله لتنفيذ المراقبة والموافقة على سياسة السماء المفتوحة التي تقوم على عدم التدخل في عمل أقمار الاستطلاع والتجسس.
3) مراقبة الأزمات، وما يدور في مناطق الصراع والحروب التي دارت فيها كالآتي:
- في أثناء الحرب الهندية - الباكستانية في ديسمبر 1971م مراقبة الصراع في شرق باكستان التي أصبحت بنجلاديش، وتغطية منطقة القتال.
- في حرب أكتوبر 1973م قام الاتحاد السوفيتي بإطلاق سلسلة من أقمار الاستطلاع والتجسس لمراقبة منطقة القتال، ومراقبة وقف إطلاق النار، وكذا مراقبة انسحاب القوات الإسرائيلية من غرب قناة السويس.
- في أثناء الأزمة القبرصية في عام 1974م أطلقت الولايات المتحدة قمرها، الذي قام بالمرور فوق جزيرة قبرص في يوم 20 يوليو، وهو اليوم الذي بدأ فيه الغزو التركي في المدة من 20-22 يوليو 1974م لمراقبة منطقة القتال.
- استخدام أقمار التجسس في القيام بمهمة استطلاع منطقة قناة السويس عندما تعذَّر استخدام الطائرات في هذه المهمة لاعتبارات سياسية، وذلك لتصوير مواقع الدفاع الجوي التي أقامتها مصر في هذه المنطقة قبل وقف إطلاق النار الذي بدأ تنفيذه يوم 8 أغسطس 1970م.
- وفي الحرب الإيرانية - العراقية التي بدأت في 22 سبتمبر 1980م أطلق كل من الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة أقماراً اصطناعية لمراقبة منطقة القتال.
الحادث الآخر
الأزمة التي سببتها طائرة التجسس الأمريكية مع الصين
- في أول أبريل 2001م هبطت طائرة التجسس الأمريكية (آي - بي3) اضطرارياً في جزيرة (هانيان) الصينية بعد تصادم في الجو مع مقاتله صينية، مما دفع السلطات الصينية إلى احتجاز الطائرة وطاقمها المكون من (24) بعد التصادم الذي لقي فيه قائد المقاتلة الصينية مصرعه. وقام خبراء عسكريون صينيون بفحص الطائرة للوقوف على مكوناتها، رغم قيام طاقم الطائرة بتدمير معظم أجزاء التجسس الحديثة التي كانت على متن الطائرة.
وقد وجّه نائب رئيس الوزراء والمسؤول عن السياسة الخارجية رسالة إلى (كولين باول) وزير الخارجية الأمريكية ذاكراً أن اعتذار الولايات المتحدة للشعب الصيني مسأله بالغة الأهمية لحل الأزمة التى تعتبر الأخطر من نوعها منذ قصف الطائرات الأمريكية السفارة الصينية في العاصمة اليوغوسلافية (بلجراد) إبّان عمليات القصف الجوي الذي قام به حلف شمال الأطلسي ليوغوسلافيا، وأوضح في رسالته أن الموقف الأمريكي لايزال غير مقبول من الجانب الصيني، وأشار أيضاً في رسالته إلى ضرورة أن تتحمل الولايات المتحدة المسؤولية، وأن تقدم تفسيراً لما حدث، وطالب بإجراء محادثات مكثفة بين الجانبين في سبيل منع حوادث مماثلة في المستقبل.
وقد امتنعت الولايات المتحدة عن التعليق على تجدد طلب الصين بتقديم اعتذار رسمي للإسراع في عملية الإفراج عن طاقم الطائرة المحتجزه منذ أسبوع من وقوع الحادث، وتم اجتماع بين دبلوماسيين أمريكيين وصينيين للاتفاق على نص رسالة تعبرّ عن الأسف إزاء مقتل الطيار الصيني، ووضع آلية لتبادل وجهات النظر من الجانبين حول الحادث، وتم الإفراج عن طاقم الطائرة بعد أحد عشر يوماً من وقوع الحادث.
- وبالنسبة لاسترجاع طائر التجسس من الصين أخذت هذه العملية وقتاً طويلاً في الاتفاق على نقل الطائرة بعد تفكيكها إلى أجزاء بواسطة الفريق الفني والأمني، وأن يكون النقل بطائرة من طراز (انتينوف آي إن - 124) من مطار( لينجشوى) في جزيرة (هانيان) في جنوب الصين، واستغرقت عملية إعادة الطائرة ثلاثة أشهر مما آثار غضب الأمريكيين.
لماذا استمر الاستطلاع الجوي والفضائي في هذه المنطقة؟
السبب هو قضية جزيرة تايوان، وعودتها إلى الصين (الأم)؛ فالصين تعتبر تايوان جزءًا من أراضيها، وتهددها بالغزو إذا ما حاولت الانفصال أو إعلان الاستقلال، في الوقت الذي تتعهد فيه الولايات المتحدة بالدفاع عن تايوان، وتقوم بتقديم الأسلحة المتطورة لها، وفي 15 مارس 2005م أقر البرلمان الصيني قانوناً يتيح استخدام القوة ضد تايوان لمنعها من الانفصال، وأعلنت الولايات المتحدة معارضتها استخدام الوسائل غير السلمية لتوحيد الصين، ويتضمن القانون منح تايوان درجة عالية من الحكم الذاتي بعد قيام توحيد سلمي مشابه لما هو قائم حالياً في هونج كونج، كما أن العلاقات بين بكين وواشنطن قد ازدادت توتراً بسبب التصريح المشترك بين الولايات المتحدة، واليابان، اللذين يعتبران الأمن في مضيق تايوان هدفاً استراتيجياً مشتركاً، الأمر الذي اعتبرته بكين بمثابة تدخل في شؤونها الداخلية.
انتهاك أجواء الدول بطائرات الاستطلاع والتجسس
إن الغرض من اختراق المجال الجوي للدولة التي يتم فيها الاختراق بواسطة طائرات الاستطلاع والتجسس الجوي هو الوقوف على كفاءة درجات استعداد قوات ووسائل الدفاع الجوي من مقاتلات وصواريخ بالمنطقة التي يتم فيها الاختراق، وقدرة هذه الوسائل على الاكتشاف، ومواجهة الطائرات المخترقة، والكشف عن الثغرات، والمناطق التي تقل فيها كفاءة الدفاع الجوي لكي تستطيع الطائرات المخترقة من تنفيذ المهام المكلفة بها في أمان، لأن تعرضها للإسقاط يترتب عليه أزمات سياسية.
ولقد ازدادت انتهاكات أجواء الدول في هذه الأيام خصوصاً في مناطق الصراع والتهديدات للحصول على المعلومات عن المنشآت العسكرية وقواعد الإرهاب، فالدولة التي يقع اختراق في أجوائها توجه الاتهامات للدولة التي قامت بالاختراق، وهذه الدولة تنفي الاتهامات طالما لم تعترضها وسائل الدفاع الجوي من مقاتلات وصواريخ لكي ترغمها على الخروج أو الهبوط أو التدمير إذا كانت الدولتان في حالة حرب
www.kkmaq.gov.sa