نشر موقع «Eurasia review» مقالا للكاتب«Vidya Sagar Reddy Avuthu» يتناول فيه الصعود الصينى ومحاولة الولايات المتحدة الأمريكية التحالف مع روسيا لاحتواء الصعود الصينى ــ الذى سوف يؤثر على وضعها فى النظام الدولى، وعلى توازن القوة العالمى.
جاءت مبادرات الرئيس دونالد ترامب للرئيس فلاديمير بوتين، فى الوقت الذى بدأت فيه الولايات المتحدة الأمريكية حربا تجارية مع الصين، ما جعل المجتمع الدولى يستعيد ما حدث أثناء الحرب الباردة، حيث تحالفت أمريكا مع الصين دبلوماسيا لمواجهة التهديد السوفييتى. اليوم، وبخلاف أن الولايات المتحدة وروسيا والصين متشابكان فى «رقعة الشطرنج الكبرى»، فإن القوى التى تشكل دعامة وأساس البيئة الحالية وممثليها تختلف عنها فى فترة الحرب الباردة. تكمن قوة «اللعبة» الحالية فى الاقتصاد الجيولوجى والذى تكون فيه جميع الجهات الفاعلة مترابطة، على خلاف ما كان عليه الحال أثناء الحرب الباردة، عندما لعبت الأسباب الأيديولوجية دورا مهما فى رسم العلاقات بين الدولتين، ولم تتقاسم القوتان العظميان حينها المصالح الاقتصادية.
خلال الحرب الباردة، توسّع الاتحاد السوفييتى فى آسيا الوسطى وكان على وشك الوصول إلى المحيط الهندى. على جانب المحيط الهادئ، أصبحت الصين حصنا للشيوعية، ما أثر على شرق وجنوب شرق آسيا. وبالتالى، أصبح الاتحاد بين الصين والاتحاد السوفييتى يمثل قوة التهديد الرئيسية، التى تؤثر على توازن القوى العالمى. أما بالنسبة للقوى الغربية كانت الولايات المتحدة فى ذلك الوقت هى القوة العسكرية الرئيسية والوحيدة، حيث كانت أوروبا واليابان لا تزالان يتعافيان من آثار الحرب العالمية الثانية. ولكن لم تكن المواجهة العسكرية المباشرة فى هذه الحالة خيارا مثاليا للولايات المتحدة والقوى الغربية أو حتى للجانب الآخر ــ الاتحاد السوفييتى والصين ــ بسبب القدرة التدميرية الهائلة للأسلحة النووية التى وضعت فى حالة تأهب قصوى.
ويضيف الكاتب أن اللحظة المناسبة قد جاءت على شكل تنافس صيني ــ سوفييتى أضعف تلك الكتلة وسمح للولايات المتحدة بشن هجوم دبلوماسى. وقد أدت زيارة هنرى كيسنجر السرية إلى الصين والزيارة اللاحقة للرئيس نيكسون إلى إحياء العلاقات الدبلوماسية بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين. وأصبحت هذه العلاقات أقوى مع مجىء «دينغ شياو بينغ» لقيادة الصين ووضع البلاد على مسار التحديث الاقتصادى. ومن الجدير بالذكر أن وقوف الصين اليوم كعملاق اقتصادى هو فى الأساس نتيجة لهذه السياسة. وهكذا بدأت الفترة الذهبية للنظام العالمى أحادى القطبية بقيادة الولايات المتحدة حيث أن روسيا أصبحت الأضعف سياسيا واقتصاديا، والصين لم تصبح قوية بعد ــ كما هو عليه الحال الآن.
لقد غيرت الأزمة المالية العالمية فى عام 2008 هذا الوضع وبدأت ثقة الصين فى قوتها الاقتصادية تغذى مصالحها الجيوسياسية، التى ظهرت تحت عنوان «المصالح الجوهرية». وقد اجتذب البنك الآسيوى للاستثمار فى البنية التحتية شركاء من آسيا وأوروبا، بما فى ذلك حلفاء أمريكا. اليوم، أصبحت مبادرة الحزام والطريق المبادرة الرئيسية التى ترمز إلى القوة الاقتصادية للصين. حيث شكلت البنية التحتية للطرق والاتصالات عبر أورآسيا أول محاولة كبرى من قبل قوة برية لإنجاز طريقها إلى آسيا الوسطى بعد سقوط الاتحاد السوفييتى. وفى الوقت نفسه، تقوم الصين ببناء الموانئ والقواعد البحرية فى الخارج (جيبوتى فى البداية)، بينما تنشر سفنها الحربية فى المحيط الهادئ والمحيط الهندى.
وفى إشارة إلى «اللعبة الكبرى»، أكد الخبير الاستراتيجى البريطانى هالفورد ماكندر على إمكانات واحتمالات روسيا فى السيطرة على أورآسيا، والتى من خلالها ستصل إلى موانئ المياه الدافئة فى المحيط الهندى وتبدأ فى حشد أسطول بحرى ضخم. وهذا من شأنه تقويض أمن وسيادة الدول البحرية مثل بريطانيا. لذلك، ركز استعمار بريطانيا على آسيا وسياسة الحرب الباردة الأمريكية على السيطرة على الأطراف البحرية Rimland بين أورآسيا والمحيط الهندى والهادى. لكن ماكيندر لم يقوض إمكانات الصين. واليوم، تستطيع الصين الوصول إلى موانئ المياه الدافئة فى غرب المحيط الهادئ، والتى تحاول السيطرة عليها من جانب واحد عن طريق تشغيل السفن الحربية على نطاق صناعى. دمج البنية التحتية للطرق والسكك الحديدية برا عبر أورآسيا والطموحات البحرية فى منطقة المحيط الهادى الهندى تشير إلى أنه أصبح من الواضح أن الصين تسير نحو الهيمنة الأوروبية الآسيوية، بينما تنكر على الدول البحرية القدرة على السيطرة على الأطراف البحرية.
ويضيف الكاتب أن التهديد واضح، وقد قررت الإدارة الأمريكية فى عهد الرئيس أوباما وضع 60 فى المائة من أصولها العسكرية فى منطقة المحيط الهادئ الهندية. حيث بدأت العلاقات بين الولايات المتحدة والهند تتحسن، وبدأت العديد من التدريبات العسكرية مثل «RIMPAC» وMALABAR». ومع ذلك، فإن العمل مع روسيا على احتواء الصين، ومواجهة الممارسات التجارية غير العادلة، كان بمثابة تحدٍ أكبر للنخبة السياسة التقليدية فى واشنطن. ونتيجة لذلك، تتعامل إدارة ترامب مع روسيا وكوريا الشمالية بطريقة دبلوماسية وتزيد التعريفات الجمركية على صادرات الصين إلى الولايات المتحدة. تعتمد نتيجة هذه الجهود على الاعتراف بأن الصين تمثل حاليا تهديدا على عكس ما كان عليه الحال أثناء الحرب الباردة داخل الدوائر الاستراتيجية الأمريكية. ومن هنا تأتى أهمية نصيحة هنرى كيسنجر إلى ترامب للتعاون مع روسيا لاحتواء الصين.
ويختتم الكاتب بأن السؤال المثار هو هل ستلتزم روسيا بذلك؟ فروسيا لديها دوافع كبيرة للانخراط مع الصين والتعاون فى مجالات التجارة والبنية التحتية والضمانات المتبادلة حول مناطق النفوذ. كما أن مشاريع مبادرة الحزام والطريق فى الصين عبر آسيا الوسطى مفيدة لروسيا، نظرًا لموقعها الجغرافى. كما أن الصين تمثل مستوردا رئيسيا للنفط والغاز الروسى وكذلك المعدات العسكرية، كما أن كليهما يتشاركان فى النفور وكراهية النظام العالمى الديمقراطى والليبرالى الغربى. كما تدرك روسيا والصين العواقب والنتائج التى ترتب على الانقسام الصينى ــ السوفييتى فى الحرب الباردة وكل هذا من شأنه أن يكون عامل حاسم فى تحقيق توازن القوى العالمى.
إعداد: ريهام عبدالرحمن العباسى
النص الأصلي
جاءت مبادرات الرئيس دونالد ترامب للرئيس فلاديمير بوتين، فى الوقت الذى بدأت فيه الولايات المتحدة الأمريكية حربا تجارية مع الصين، ما جعل المجتمع الدولى يستعيد ما حدث أثناء الحرب الباردة، حيث تحالفت أمريكا مع الصين دبلوماسيا لمواجهة التهديد السوفييتى. اليوم، وبخلاف أن الولايات المتحدة وروسيا والصين متشابكان فى «رقعة الشطرنج الكبرى»، فإن القوى التى تشكل دعامة وأساس البيئة الحالية وممثليها تختلف عنها فى فترة الحرب الباردة. تكمن قوة «اللعبة» الحالية فى الاقتصاد الجيولوجى والذى تكون فيه جميع الجهات الفاعلة مترابطة، على خلاف ما كان عليه الحال أثناء الحرب الباردة، عندما لعبت الأسباب الأيديولوجية دورا مهما فى رسم العلاقات بين الدولتين، ولم تتقاسم القوتان العظميان حينها المصالح الاقتصادية.
خلال الحرب الباردة، توسّع الاتحاد السوفييتى فى آسيا الوسطى وكان على وشك الوصول إلى المحيط الهندى. على جانب المحيط الهادئ، أصبحت الصين حصنا للشيوعية، ما أثر على شرق وجنوب شرق آسيا. وبالتالى، أصبح الاتحاد بين الصين والاتحاد السوفييتى يمثل قوة التهديد الرئيسية، التى تؤثر على توازن القوى العالمى. أما بالنسبة للقوى الغربية كانت الولايات المتحدة فى ذلك الوقت هى القوة العسكرية الرئيسية والوحيدة، حيث كانت أوروبا واليابان لا تزالان يتعافيان من آثار الحرب العالمية الثانية. ولكن لم تكن المواجهة العسكرية المباشرة فى هذه الحالة خيارا مثاليا للولايات المتحدة والقوى الغربية أو حتى للجانب الآخر ــ الاتحاد السوفييتى والصين ــ بسبب القدرة التدميرية الهائلة للأسلحة النووية التى وضعت فى حالة تأهب قصوى.
ويضيف الكاتب أن اللحظة المناسبة قد جاءت على شكل تنافس صيني ــ سوفييتى أضعف تلك الكتلة وسمح للولايات المتحدة بشن هجوم دبلوماسى. وقد أدت زيارة هنرى كيسنجر السرية إلى الصين والزيارة اللاحقة للرئيس نيكسون إلى إحياء العلاقات الدبلوماسية بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين. وأصبحت هذه العلاقات أقوى مع مجىء «دينغ شياو بينغ» لقيادة الصين ووضع البلاد على مسار التحديث الاقتصادى. ومن الجدير بالذكر أن وقوف الصين اليوم كعملاق اقتصادى هو فى الأساس نتيجة لهذه السياسة. وهكذا بدأت الفترة الذهبية للنظام العالمى أحادى القطبية بقيادة الولايات المتحدة حيث أن روسيا أصبحت الأضعف سياسيا واقتصاديا، والصين لم تصبح قوية بعد ــ كما هو عليه الحال الآن.
لقد غيرت الأزمة المالية العالمية فى عام 2008 هذا الوضع وبدأت ثقة الصين فى قوتها الاقتصادية تغذى مصالحها الجيوسياسية، التى ظهرت تحت عنوان «المصالح الجوهرية». وقد اجتذب البنك الآسيوى للاستثمار فى البنية التحتية شركاء من آسيا وأوروبا، بما فى ذلك حلفاء أمريكا. اليوم، أصبحت مبادرة الحزام والطريق المبادرة الرئيسية التى ترمز إلى القوة الاقتصادية للصين. حيث شكلت البنية التحتية للطرق والاتصالات عبر أورآسيا أول محاولة كبرى من قبل قوة برية لإنجاز طريقها إلى آسيا الوسطى بعد سقوط الاتحاد السوفييتى. وفى الوقت نفسه، تقوم الصين ببناء الموانئ والقواعد البحرية فى الخارج (جيبوتى فى البداية)، بينما تنشر سفنها الحربية فى المحيط الهادئ والمحيط الهندى.
وفى إشارة إلى «اللعبة الكبرى»، أكد الخبير الاستراتيجى البريطانى هالفورد ماكندر على إمكانات واحتمالات روسيا فى السيطرة على أورآسيا، والتى من خلالها ستصل إلى موانئ المياه الدافئة فى المحيط الهندى وتبدأ فى حشد أسطول بحرى ضخم. وهذا من شأنه تقويض أمن وسيادة الدول البحرية مثل بريطانيا. لذلك، ركز استعمار بريطانيا على آسيا وسياسة الحرب الباردة الأمريكية على السيطرة على الأطراف البحرية Rimland بين أورآسيا والمحيط الهندى والهادى. لكن ماكيندر لم يقوض إمكانات الصين. واليوم، تستطيع الصين الوصول إلى موانئ المياه الدافئة فى غرب المحيط الهادئ، والتى تحاول السيطرة عليها من جانب واحد عن طريق تشغيل السفن الحربية على نطاق صناعى. دمج البنية التحتية للطرق والسكك الحديدية برا عبر أورآسيا والطموحات البحرية فى منطقة المحيط الهادى الهندى تشير إلى أنه أصبح من الواضح أن الصين تسير نحو الهيمنة الأوروبية الآسيوية، بينما تنكر على الدول البحرية القدرة على السيطرة على الأطراف البحرية.
ويضيف الكاتب أن التهديد واضح، وقد قررت الإدارة الأمريكية فى عهد الرئيس أوباما وضع 60 فى المائة من أصولها العسكرية فى منطقة المحيط الهادئ الهندية. حيث بدأت العلاقات بين الولايات المتحدة والهند تتحسن، وبدأت العديد من التدريبات العسكرية مثل «RIMPAC» وMALABAR». ومع ذلك، فإن العمل مع روسيا على احتواء الصين، ومواجهة الممارسات التجارية غير العادلة، كان بمثابة تحدٍ أكبر للنخبة السياسة التقليدية فى واشنطن. ونتيجة لذلك، تتعامل إدارة ترامب مع روسيا وكوريا الشمالية بطريقة دبلوماسية وتزيد التعريفات الجمركية على صادرات الصين إلى الولايات المتحدة. تعتمد نتيجة هذه الجهود على الاعتراف بأن الصين تمثل حاليا تهديدا على عكس ما كان عليه الحال أثناء الحرب الباردة داخل الدوائر الاستراتيجية الأمريكية. ومن هنا تأتى أهمية نصيحة هنرى كيسنجر إلى ترامب للتعاون مع روسيا لاحتواء الصين.
ويختتم الكاتب بأن السؤال المثار هو هل ستلتزم روسيا بذلك؟ فروسيا لديها دوافع كبيرة للانخراط مع الصين والتعاون فى مجالات التجارة والبنية التحتية والضمانات المتبادلة حول مناطق النفوذ. كما أن مشاريع مبادرة الحزام والطريق فى الصين عبر آسيا الوسطى مفيدة لروسيا، نظرًا لموقعها الجغرافى. كما أن الصين تمثل مستوردا رئيسيا للنفط والغاز الروسى وكذلك المعدات العسكرية، كما أن كليهما يتشاركان فى النفور وكراهية النظام العالمى الديمقراطى والليبرالى الغربى. كما تدرك روسيا والصين العواقب والنتائج التى ترتب على الانقسام الصينى ــ السوفييتى فى الحرب الباردة وكل هذا من شأنه أن يكون عامل حاسم فى تحقيق توازن القوى العالمى.
إعداد: ريهام عبدالرحمن العباسى
النص الأصلي