بسم الله الرحمن الرحيم،
هذا استمرار لمقالي بالأمس حيث انني لا زلت لم أشبع القضية فحصا بمقال واحد. اعذروني ان كان فيه تطويل او مضايقة. آسف مقدما لكل من لن يعجبه مقالي. وهذا عمل بشري بالطبع لن يعجب الجميع.
عندما بدأت كندا حملتها الظالمة على الدول العربية في العام 2016 مع انتخاب رئيس الوزراء الليبرالي الجديد جستن ترودو كانت كندا تتحاشى الدخول في صدام مباشر مع المملكة العربية السعودية. باعتقادي الشخصي ان كندا لم تزل لا ترغب في هذا الصدام لأن علاقة جيدة مع أهم وأغنى بلد إسلامي يحقق لكندا الكثير من المصالح ويسهل عليها عملية الوصول للمواطنين في تلك الدول من خلال بوابة الرضى السعودية.
لم تكن السعودية تطلب الكثير من العالم على كل حال، فكما قال خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز أيده الله في لقاءه مع الرئيس ترامب في البيت الأبيض: نحن بحمد الله لا نحتاج لأحد. قالها سيدي وكل كلمة منه هي قانون يسعى أبناؤه في هذا الوطن النبيل لتنفيذه وفرضه على العالم باي شكل ومهما كلف الثمن. فبالنسبة لنا، حديث الملك هو عبارة عن اوامر تنفذ ويحشد لها كل جهد من اصغر مواطن سعودي لأكبر مسئول في الدولة. كبير العائلة في الثقافة السعودية هو أهم شخص على الاطلاق وحشمته ووقاره وتبجيله وطاعته بشكل لا يقبل الجدل هو جزء من ما ورثناه عن اباءنا واجدادنا الى الصحابة والى أبونا جميعا إبراهيم عليه السلام.
بالنسبة لنا، كان الكنديون اصدقاء حميمين ولطيفين جدا ولم تحصل معهم مشاكل على مستوى الدولة الا نادرا. أتذكر عام 2010 عندما قام وزير الصحة الكندي في عهد رئيس الوزراء Stephen Harper بفرض ضرائب على رواتب الاطباء السعوديين العاملين في المستشفيات هناك. اعترضت المملكة بكل قوة وسمع وزير الصحة كلاما قاسيا حتى وصل الامر للاعداد لنقل الاطباء السعوديين الى الولايات المتحدة الامريكية للابتعاد عن هذا الجو الذي يصر فيه بعض المسئولين الكنديين على اختبار صبر السعوديين وفرض رأيهم عليهم بأي طريقة. تدخل رئيس الوزراء الكندي آنذاك وأفشل الخطة وانتهي الأمر هنالك.
Stephen Harper
عام 2012 صادفت مسئولا كنديا في مؤتمر الطاقة في ابو ظبي وتحدثنا عن العلاقات الجيدة بين البلدين منتجين النفط وأخبرني هو تبرعا منه أن السعودية وكندا لديهما الكثير من القواسم المشتركة، فنحن مع اختلاف لغاتنا لا زلنا نؤمن بقيم الموروث والعائلة وللدين موقع مهم في الوسط الكندي والسعودي ولنا اهتمامات متشابهة في مجال الطاقة والنفط وبلدينا ضمن أكبر عشرة صناديق للتبرعات في العالم ودورنا الايجابي في صندوق النقد الدولي ساعد الدول على الوصول للرخاء الاجتماعي والاقتصادي والسياسي حتى والاطباء الكنديين في السعودية والاطباء السعوديين في كندا يقومان بدور انساني في رعاية الشعبين الصديقين. كان لقائا جميلا ولطيفا للغاية وهو أمر غير مستغرب على الكنديين لمن يعرفهم. تحدثت قليلا ثم لا اذكر الذي قادنا للحديث عن الأمير سعود الفيصل رحمه الله إلا أنني لاحظت تضايق المسئول الكندي وتغير لون وجهه فسألته عن سبب ضيقته؟ فرد علي بتوتر واضح على عكس كل ما شاهدته منه قائلا، لماذا لا تحترمون كندا؟ لقد قرر الأمير سعود الفيصل وزير خارجية بلدكم تعطيل التأشيرات السعودية للتجار الكنديين وحتى للمسئولين الكنديين واخبرنا أنه من باب المعاملة بالمثل. يا صديقي مالذي ترديون منا ان نفعله؟ هل نغير قواننينا من أجلكم؟ اعترف انه تم تعطيل تأشيرات مبتعثين سعوديين لكندا ولكن لأسباب موضوعية شرحناها لمعالي الوزير لكنه لم يقتنع بل قال نحن نحتفظ بحق معاملة أي دولة بالمثل دون ابداء اي تفسيرات وأغلق الهاتف.
لم تكن السعودية تقبل من كندا أي محاولة للانتقاص من مقامها وقدرها في العالم. لم يكن السعوديون يتنازلون أبدا عن مواجهة أي تحرك كندي مباشر أو غير مباشر غرضه فرض أمر لا يرغبه السعوديون. هذه الصلابة التي لا تقبل النقاش قام باختبارها مؤخرا فكر جديد يسيطر على مقاليد الحكم في كندا. تحديدا الليبراليين الجدد New Liberals. هؤلاء وبكل اختصار لا يؤمنون بأن المصالح هي ما يقود علاقات الدول بل الايديولوجيا. هؤلاء يؤمنون بفرض آرائهم باي شكل من الاشكال وأن من يختلف معهم في الرأي هو جزء من الضرر الحال بالعالم وهو عدو مباشر لهم لا يمكن التهاون معه. بالنسبة لهم ولمؤلفاتهم العلمية في تخصص العلوم السياسية ودراسات المرأة وعلم النفس الاجتماعي وعلم الاجتماع، يؤمنون بفرضية خطيرة جدا برأيي ستكون الممهد الأول لحرب عالمية اذا ما تم نشرها حول العالم، ألا وهي أن المجتمع والدولة مركبة من نظام نفوذ وقوى لا أكثر، وأن الذين يسودون في المجتمع هم الذين يستطيعون انتزاع هذا النفوذ، وأن كل شيء في العالم دون استثناء قابل لأن يكون خاطئا وأنه لا توجد حقائق علمية تحدد شكل الانسانية بل كلها آراء قابلة للتغيير على أيدي من يسيطرون على مواقع النفوذ.
Power structures و cultural reletivism هما من اخطر نتائج نظريات علم الاجتماع التي انبثقت من رحم الليبرالية الجديدة. تخيل عزيزي القارئ عندما تقول أن هناك حقائق علمية ثابتة لا يمكن نكرانها، يتم مجابهتك بأنك تريد تنفيذ أجندة وانك تحاول انتزاع النفوذ من غيرك، وانك ظالم مجرم يجب على الطبقة الواعية مقاومتك وتدميرك ان استطاعوا. عندما تقول ان لديك موروث تحترمه وتريد استخدامه كأداة لقياس تطور مجتمعك يهاجمك هؤلاء بعنف رهيب لأنك لا تؤمن بالمبادئ الصحيحة والتي يجب ان يؤمن بها كل أحد لأنها هي الصحيحة والتي توصل إلى السلام الاجتماعي.
إنهم فئة متطرفة يلبسون ملابس أنيقة ويبتسمون للكاميرات فيما هم لديهم مهمة محددة: نشر القيم الليبرالية الجديدة ولو بالقوة. في اعتقادي الشخصي ان هذا الامر لوحده هو الذي تسبب في انتخاب الرئيس دونالد ترامب في أمريكا عندما كتم الليبراليون الجدد المدعومون من الديموقراطيين على أنفاس المجتمع وحاربوا بعنف أبسط قواعد الموروث التي يحترمها المواطن الأمريكي.
عندما تحول التركيز وبالقوة والارهاب الفكري من الوظائف والامن الداخلي والسلم الاجتماعي الى حقوق كل أحد باستثناء الاغلبية الطاغية من المواطنين الامريكيين. عندما تحول التركيز من الحرية الشخصية الى عدم السماح بالاراء التي يصفها الليبراليون بأنها آراء ضد المساواة بين الجميع equity. هذا المبدأ الخطير الذي سنه كارل ماركس واستلهمه المثقفون الغربيون هو ذات الامر الذي بدأ يتصلب ويرفض كل شيء الا رأيه وفكره وينظر لكل شيء في العالم على أنه صراع بين طبقتين طبقة مظلومة وطبقة ظالمة. مبدأ قام بصنع ديناميكية لن تنتهي الا بمشكلة عالمية، فالظالم يحدده فقط حصوله على النفوذ (باستثنائهم) والمظلوم يحدده معيار واحد فقط وهو عدم حصوله عل ىالنفوذ والقوة. هذا الفكر الاقصائي المتطرف جعل كل من اصبح له رأي صحيح معادي لمن له رأي مخالف، وفي هذه النظرة المصغرة عن المجتمع أصبح الرجل ظالما للمرأة لأنه رجل، والمجتمع ظالم للاقليات فقط لانهم اقليات. اصبح معيار حقوق الانسان الذي صنعوه فرضا جبريا وبالقوة ليحددوا أنك حتى ولو كنت متسامحا محبا لغيرك فهذا لم يعد يكفي فوجودك فقط كرجل يعني أنك ظلوم، كونك غني يعني أنك ظلوم، كونك لا ترتاح للمثلية الجنسية يعني بالضررة انك متوحش مجرم يجب عليهم انتزاع ادوات القوة لحماية الاقلية من شرك.
هذه هي الخلفية الثقافية التي قادت الحكومة الكندية الى ارتكاب خطيئة ليست بالهينة في العلاقات الدولية. هذه الخلفية الثقافية التي فهمها السعوديون وعلموا أنه لا يمكن التعامل معها او التفاوض معها على الاطلاق. اذا كان الكنديون سيتدخلون في الشأن السعودي لنشر ايديولوجيتهم متخلين عن تاريخ طويل جدا من السياسة الخارجية الكندية التي كانت تجمع العالم حولها وتحقق النتائج الايجابية وتقود لسلام عام أينما حلت. أصبح الكنديون غير متسامحين مع أن غايتهم مما يفعلون زيادة التسامح. سلاح ذو حدين ربما؟ من يدري!
مشكلة الكنديين العويصة أنهم كسروا الاعراف الدولية بتدخلهم في شئوون دولة أخرى. هذه المشكلة ليس لها حل حتى ولو غلفوها إعلاميا بأن السعودية غاضبة من أجل الحديث عن حقوق الانسان. احيانا عندما تقع في خطأ لا يقع فيه سنة أولى سياسة في المعهد الدبلوماسي السعودي بالرياض، قد يكون الحل لحفظ ماء الوجه هو التظاهر بالفوقية الاخلاقية moral highground على الجميع وانت بداخلك تتمنى بكل ما تستطيع أن يلتفتوا عن خطئك الواضح ويبدأوا في الدفاع عن أنفسهم تحت معيارك أنت لحقوق الانسان. الصحافة الكندية تتألم من اهمال العالم للمشكلة الكندية، وهو غير مستغرب على الاطلاق أن يحدث، فلن يقف العالم مع دولة كسرت الأعراف المتفق عليها. Period. انظروا للدول التي تصطف في المعسكري الغربي. لم تقف مع كندا ابدا في كسرها للاعراف الدولية وحاولت الاقتراب من الموقف الكندي بدعمها في الحديث عن حقوق الانسان دون جدوى لأن الكنديين يطلبون موقفا أوسع ولن يحصلوا عليه. انظروا للدول التي من عادتها المتاجرة بالأزمات، لم تستطع الوقوف مع كندا اطلاقا انظروا للدول المتحفظة جدا في سياستها الخارجية حد البرود والجليد. لم تستطع الوقوف مع كندا ابدا لأن كندا اخطأت خطأ واضحا حتى لو غلفته بحقوق الانسان وحقوق المرأة. لكن المضح في الامر أن الدول المارقة والتنظميات الاسلامية تقف مع خطأ كندا بكل انتحارية وعدم تقبل للواقع والسبب معروف، الايديولوجيا!!!
الخطأ الكندي الكبير هو فرصة سعودية كبيرة أيضا. فليس أمرا شائعا أن تخطئ دولة غربية هذا الخطأ الغبي. والسعوديون سؤدبون الغرب من خلال المثال الكندي. وما التهديد الحاصل حاليا وعاجلا للنظام الصحي الكندي بأكمله إلا مثال واحد على قوة النفوذ السعودي هناك حتى لو لم يرغب الليبراليون بالاعتراف بذلك. السعودية حرفيا تعيد تأطير علاقاتها مع العالم في فرصة تاريخية جهنمية لن تتكرر في ظني أبدا. Reframe the relationship. هذا لوحده كنز ثمين للسعوديين عليهم استغلاله بدون أي مشاعر وإلى أقصى مدى. الوزن النسبي للمملكة العربية السعودية في الاقليم سيتضاعف على الاقل بعد هذه الازمة.
كندا الدولة ستعتذر فمصالح الشعب الكندي تحت الضغط حتى لو لم يعجب ذلك المعلقين السياسيين المتسلقين على المعرفة.
الليبراليون لن يعتذروا لأن الايديولوجيا أهم بكثير من المصالح.
التصرف السعودي ليست متهورا بل هو براجماتي صرف وسيحقق المكسب المرجو منه بكل تأكيد إن شاء الله.
الغرب بأكمله لن يخطئ هذا الخطأ مع السعودية ربما للمئة سنة القادمة. أو ربما مئتين، الله اعلم.
Alucard
هذا استمرار لمقالي بالأمس حيث انني لا زلت لم أشبع القضية فحصا بمقال واحد. اعذروني ان كان فيه تطويل او مضايقة. آسف مقدما لكل من لن يعجبه مقالي. وهذا عمل بشري بالطبع لن يعجب الجميع.
عندما بدأت كندا حملتها الظالمة على الدول العربية في العام 2016 مع انتخاب رئيس الوزراء الليبرالي الجديد جستن ترودو كانت كندا تتحاشى الدخول في صدام مباشر مع المملكة العربية السعودية. باعتقادي الشخصي ان كندا لم تزل لا ترغب في هذا الصدام لأن علاقة جيدة مع أهم وأغنى بلد إسلامي يحقق لكندا الكثير من المصالح ويسهل عليها عملية الوصول للمواطنين في تلك الدول من خلال بوابة الرضى السعودية.
لم تكن السعودية تطلب الكثير من العالم على كل حال، فكما قال خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز أيده الله في لقاءه مع الرئيس ترامب في البيت الأبيض: نحن بحمد الله لا نحتاج لأحد. قالها سيدي وكل كلمة منه هي قانون يسعى أبناؤه في هذا الوطن النبيل لتنفيذه وفرضه على العالم باي شكل ومهما كلف الثمن. فبالنسبة لنا، حديث الملك هو عبارة عن اوامر تنفذ ويحشد لها كل جهد من اصغر مواطن سعودي لأكبر مسئول في الدولة. كبير العائلة في الثقافة السعودية هو أهم شخص على الاطلاق وحشمته ووقاره وتبجيله وطاعته بشكل لا يقبل الجدل هو جزء من ما ورثناه عن اباءنا واجدادنا الى الصحابة والى أبونا جميعا إبراهيم عليه السلام.
بالنسبة لنا، كان الكنديون اصدقاء حميمين ولطيفين جدا ولم تحصل معهم مشاكل على مستوى الدولة الا نادرا. أتذكر عام 2010 عندما قام وزير الصحة الكندي في عهد رئيس الوزراء Stephen Harper بفرض ضرائب على رواتب الاطباء السعوديين العاملين في المستشفيات هناك. اعترضت المملكة بكل قوة وسمع وزير الصحة كلاما قاسيا حتى وصل الامر للاعداد لنقل الاطباء السعوديين الى الولايات المتحدة الامريكية للابتعاد عن هذا الجو الذي يصر فيه بعض المسئولين الكنديين على اختبار صبر السعوديين وفرض رأيهم عليهم بأي طريقة. تدخل رئيس الوزراء الكندي آنذاك وأفشل الخطة وانتهي الأمر هنالك.
Stephen Harper
عام 2012 صادفت مسئولا كنديا في مؤتمر الطاقة في ابو ظبي وتحدثنا عن العلاقات الجيدة بين البلدين منتجين النفط وأخبرني هو تبرعا منه أن السعودية وكندا لديهما الكثير من القواسم المشتركة، فنحن مع اختلاف لغاتنا لا زلنا نؤمن بقيم الموروث والعائلة وللدين موقع مهم في الوسط الكندي والسعودي ولنا اهتمامات متشابهة في مجال الطاقة والنفط وبلدينا ضمن أكبر عشرة صناديق للتبرعات في العالم ودورنا الايجابي في صندوق النقد الدولي ساعد الدول على الوصول للرخاء الاجتماعي والاقتصادي والسياسي حتى والاطباء الكنديين في السعودية والاطباء السعوديين في كندا يقومان بدور انساني في رعاية الشعبين الصديقين. كان لقائا جميلا ولطيفا للغاية وهو أمر غير مستغرب على الكنديين لمن يعرفهم. تحدثت قليلا ثم لا اذكر الذي قادنا للحديث عن الأمير سعود الفيصل رحمه الله إلا أنني لاحظت تضايق المسئول الكندي وتغير لون وجهه فسألته عن سبب ضيقته؟ فرد علي بتوتر واضح على عكس كل ما شاهدته منه قائلا، لماذا لا تحترمون كندا؟ لقد قرر الأمير سعود الفيصل وزير خارجية بلدكم تعطيل التأشيرات السعودية للتجار الكنديين وحتى للمسئولين الكنديين واخبرنا أنه من باب المعاملة بالمثل. يا صديقي مالذي ترديون منا ان نفعله؟ هل نغير قواننينا من أجلكم؟ اعترف انه تم تعطيل تأشيرات مبتعثين سعوديين لكندا ولكن لأسباب موضوعية شرحناها لمعالي الوزير لكنه لم يقتنع بل قال نحن نحتفظ بحق معاملة أي دولة بالمثل دون ابداء اي تفسيرات وأغلق الهاتف.
لم تكن السعودية تقبل من كندا أي محاولة للانتقاص من مقامها وقدرها في العالم. لم يكن السعوديون يتنازلون أبدا عن مواجهة أي تحرك كندي مباشر أو غير مباشر غرضه فرض أمر لا يرغبه السعوديون. هذه الصلابة التي لا تقبل النقاش قام باختبارها مؤخرا فكر جديد يسيطر على مقاليد الحكم في كندا. تحديدا الليبراليين الجدد New Liberals. هؤلاء وبكل اختصار لا يؤمنون بأن المصالح هي ما يقود علاقات الدول بل الايديولوجيا. هؤلاء يؤمنون بفرض آرائهم باي شكل من الاشكال وأن من يختلف معهم في الرأي هو جزء من الضرر الحال بالعالم وهو عدو مباشر لهم لا يمكن التهاون معه. بالنسبة لهم ولمؤلفاتهم العلمية في تخصص العلوم السياسية ودراسات المرأة وعلم النفس الاجتماعي وعلم الاجتماع، يؤمنون بفرضية خطيرة جدا برأيي ستكون الممهد الأول لحرب عالمية اذا ما تم نشرها حول العالم، ألا وهي أن المجتمع والدولة مركبة من نظام نفوذ وقوى لا أكثر، وأن الذين يسودون في المجتمع هم الذين يستطيعون انتزاع هذا النفوذ، وأن كل شيء في العالم دون استثناء قابل لأن يكون خاطئا وأنه لا توجد حقائق علمية تحدد شكل الانسانية بل كلها آراء قابلة للتغيير على أيدي من يسيطرون على مواقع النفوذ.
Power structures و cultural reletivism هما من اخطر نتائج نظريات علم الاجتماع التي انبثقت من رحم الليبرالية الجديدة. تخيل عزيزي القارئ عندما تقول أن هناك حقائق علمية ثابتة لا يمكن نكرانها، يتم مجابهتك بأنك تريد تنفيذ أجندة وانك تحاول انتزاع النفوذ من غيرك، وانك ظالم مجرم يجب على الطبقة الواعية مقاومتك وتدميرك ان استطاعوا. عندما تقول ان لديك موروث تحترمه وتريد استخدامه كأداة لقياس تطور مجتمعك يهاجمك هؤلاء بعنف رهيب لأنك لا تؤمن بالمبادئ الصحيحة والتي يجب ان يؤمن بها كل أحد لأنها هي الصحيحة والتي توصل إلى السلام الاجتماعي.
إنهم فئة متطرفة يلبسون ملابس أنيقة ويبتسمون للكاميرات فيما هم لديهم مهمة محددة: نشر القيم الليبرالية الجديدة ولو بالقوة. في اعتقادي الشخصي ان هذا الامر لوحده هو الذي تسبب في انتخاب الرئيس دونالد ترامب في أمريكا عندما كتم الليبراليون الجدد المدعومون من الديموقراطيين على أنفاس المجتمع وحاربوا بعنف أبسط قواعد الموروث التي يحترمها المواطن الأمريكي.
عندما تحول التركيز وبالقوة والارهاب الفكري من الوظائف والامن الداخلي والسلم الاجتماعي الى حقوق كل أحد باستثناء الاغلبية الطاغية من المواطنين الامريكيين. عندما تحول التركيز من الحرية الشخصية الى عدم السماح بالاراء التي يصفها الليبراليون بأنها آراء ضد المساواة بين الجميع equity. هذا المبدأ الخطير الذي سنه كارل ماركس واستلهمه المثقفون الغربيون هو ذات الامر الذي بدأ يتصلب ويرفض كل شيء الا رأيه وفكره وينظر لكل شيء في العالم على أنه صراع بين طبقتين طبقة مظلومة وطبقة ظالمة. مبدأ قام بصنع ديناميكية لن تنتهي الا بمشكلة عالمية، فالظالم يحدده فقط حصوله على النفوذ (باستثنائهم) والمظلوم يحدده معيار واحد فقط وهو عدم حصوله عل ىالنفوذ والقوة. هذا الفكر الاقصائي المتطرف جعل كل من اصبح له رأي صحيح معادي لمن له رأي مخالف، وفي هذه النظرة المصغرة عن المجتمع أصبح الرجل ظالما للمرأة لأنه رجل، والمجتمع ظالم للاقليات فقط لانهم اقليات. اصبح معيار حقوق الانسان الذي صنعوه فرضا جبريا وبالقوة ليحددوا أنك حتى ولو كنت متسامحا محبا لغيرك فهذا لم يعد يكفي فوجودك فقط كرجل يعني أنك ظلوم، كونك غني يعني أنك ظلوم، كونك لا ترتاح للمثلية الجنسية يعني بالضررة انك متوحش مجرم يجب عليهم انتزاع ادوات القوة لحماية الاقلية من شرك.
هذه هي الخلفية الثقافية التي قادت الحكومة الكندية الى ارتكاب خطيئة ليست بالهينة في العلاقات الدولية. هذه الخلفية الثقافية التي فهمها السعوديون وعلموا أنه لا يمكن التعامل معها او التفاوض معها على الاطلاق. اذا كان الكنديون سيتدخلون في الشأن السعودي لنشر ايديولوجيتهم متخلين عن تاريخ طويل جدا من السياسة الخارجية الكندية التي كانت تجمع العالم حولها وتحقق النتائج الايجابية وتقود لسلام عام أينما حلت. أصبح الكنديون غير متسامحين مع أن غايتهم مما يفعلون زيادة التسامح. سلاح ذو حدين ربما؟ من يدري!
مشكلة الكنديين العويصة أنهم كسروا الاعراف الدولية بتدخلهم في شئوون دولة أخرى. هذه المشكلة ليس لها حل حتى ولو غلفوها إعلاميا بأن السعودية غاضبة من أجل الحديث عن حقوق الانسان. احيانا عندما تقع في خطأ لا يقع فيه سنة أولى سياسة في المعهد الدبلوماسي السعودي بالرياض، قد يكون الحل لحفظ ماء الوجه هو التظاهر بالفوقية الاخلاقية moral highground على الجميع وانت بداخلك تتمنى بكل ما تستطيع أن يلتفتوا عن خطئك الواضح ويبدأوا في الدفاع عن أنفسهم تحت معيارك أنت لحقوق الانسان. الصحافة الكندية تتألم من اهمال العالم للمشكلة الكندية، وهو غير مستغرب على الاطلاق أن يحدث، فلن يقف العالم مع دولة كسرت الأعراف المتفق عليها. Period. انظروا للدول التي تصطف في المعسكري الغربي. لم تقف مع كندا ابدا في كسرها للاعراف الدولية وحاولت الاقتراب من الموقف الكندي بدعمها في الحديث عن حقوق الانسان دون جدوى لأن الكنديين يطلبون موقفا أوسع ولن يحصلوا عليه. انظروا للدول التي من عادتها المتاجرة بالأزمات، لم تستطع الوقوف مع كندا اطلاقا انظروا للدول المتحفظة جدا في سياستها الخارجية حد البرود والجليد. لم تستطع الوقوف مع كندا ابدا لأن كندا اخطأت خطأ واضحا حتى لو غلفته بحقوق الانسان وحقوق المرأة. لكن المضح في الامر أن الدول المارقة والتنظميات الاسلامية تقف مع خطأ كندا بكل انتحارية وعدم تقبل للواقع والسبب معروف، الايديولوجيا!!!
الخطأ الكندي الكبير هو فرصة سعودية كبيرة أيضا. فليس أمرا شائعا أن تخطئ دولة غربية هذا الخطأ الغبي. والسعوديون سؤدبون الغرب من خلال المثال الكندي. وما التهديد الحاصل حاليا وعاجلا للنظام الصحي الكندي بأكمله إلا مثال واحد على قوة النفوذ السعودي هناك حتى لو لم يرغب الليبراليون بالاعتراف بذلك. السعودية حرفيا تعيد تأطير علاقاتها مع العالم في فرصة تاريخية جهنمية لن تتكرر في ظني أبدا. Reframe the relationship. هذا لوحده كنز ثمين للسعوديين عليهم استغلاله بدون أي مشاعر وإلى أقصى مدى. الوزن النسبي للمملكة العربية السعودية في الاقليم سيتضاعف على الاقل بعد هذه الازمة.
كندا الدولة ستعتذر فمصالح الشعب الكندي تحت الضغط حتى لو لم يعجب ذلك المعلقين السياسيين المتسلقين على المعرفة.
الليبراليون لن يعتذروا لأن الايديولوجيا أهم بكثير من المصالح.
التصرف السعودي ليست متهورا بل هو براجماتي صرف وسيحقق المكسب المرجو منه بكل تأكيد إن شاء الله.
الغرب بأكمله لن يخطئ هذا الخطأ مع السعودية ربما للمئة سنة القادمة. أو ربما مئتين، الله اعلم.
Alucard