في ستينيات القرن الفائت، حين احتدم السباق إلى الفضاء بين الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفياتي، أطلقت "الجمعية اللبنانية للصواريخ" التي أسسها الدكتور مانوغ مانوغيان في "جامعة هايكازيان" أوّل صاروخ لبناني، في إطار مشروع كان من شأنه تغيير واقع العلوم في لبنان وزيادة نفوذه السياسي، لولا مطالبة عواصم غربية بـ"لفلفته"!
ولهذا الصاروخ الذي أدخل لبنان السباق إلى الفضاء، قصة كتبها مانوغيان، بروفيسور الرياضيات في جامعة جنوب فلوريدا ومستشار جمعية "الطيرانيات وعلم الصواريخ" الطلابية ومدير مركز "STEM" التعليمي المعني بتحسين طرق تدريس وتعليم العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، عند عودته من جامعة تكساس في أوستين، حيث نال إجازة في الرياضيات والفيزياء، إلى لبنان.
في مقابلة مع موقع "ذا بوليتيك" الأميركي، لفت مانوغيان، الذي درّس الرياضيات والفيزياء في "هايكازيان" في الستينيات، إلى أنّه استغل المنافسة الشرسة آنذاك لتشجيع طلابه على التعمّق في علم الصواريخ، موضحاً أنّه غيّر اسم نادي العلوم في الجامعة الذي كان مستشاراً له، فأصبح "جمعية جامعة هايكازيان للصواريخ"، التي انضم إليها 6 من طلابه.
في حديثه، أكّد مانوغيان أنّ غياب التمويل والحاجة إلى تعلّم بناء الصواريخ من الصفر لم يقفا عائقاً أمام الجمعية، مشيراً إلى أنّ الحكومة اللبنانية أوكلت النقيب يوسف وهبي للإشراف على أنشطتها بعد إطلاقها عدّة صواريخ بلغ طولها 3 أقدام (91 سنتيمتراً تقريباً) باتجاه الجبال اللبنانية، فخُصص لها موقع آمن ومطل على البحر الأبيض المتوسط.
في هذا السياق، أوضح مانوغيان أنّ الجمعية صمّمت خلال سنة صاروخ "HCRS-2" ذي المرحلتين الذي بلغ مداه 10 أميال (16 كيلومتراً) تقريباً، لافتاً إلى أنّ عدداً من السياسيين والملحقين الثقافيين بالسفارة الأميركية في بيروت حضروا إطلاق الصاروخ الأوّل في العالم العربي باتجاه البحر الأبيض المتوسط.
هذه الخطوة حازت على اهتمام رئيس الجمهورية آنذاك فؤاد شهاب حسب ما أكّد مانوغيان، فخصص دعماً مالياً للجمعية عبر وزارة التربية قُدّر بـ10 آلاف ليرة عن العام 1961 و15 ألفاً عن العام 1962. وفي تلك الفترة، أعيدت تسمية "HCRS" فبات يُعرف بـ"صاروخ الجمعية اللبنانية للصواريخ"، وأُطلق صاروخان من طراز "أرز"، وصُمّم صاروخ "أرز 3" ذو الـ3 مراحل الذي بلغ طوله 22 قدماً (6.7 أمتر) الذي أُطلق في 21 تشرين الثاني العام 1963 احتفالاً بعيد الاستقلال. وبعد سنة، أُطلق صاروخ "أرز 4" ذو الـ3 مراحل احتفالاً بعيد الاستقلال في العام 1963 ومن ثم وُضعت صورته على الطوابع البريدية، كما أوضح مانوغيان.
مانوغيان الذي سافر إلى الولايات المتحدة العام 1962 لمتابعة دراسته في جامعة تكساس عاد إلى بيروت العام 1964، فشهد على إطلاق "أرز 5" الذي انفجر على المنصة و"أرز 6" و"أرز 7" في العام 1965 و"أرز 8" الذي أضاء سماء لبنان في العام 1966.
وعلى الرغم من التعاون بين الجيش و"الجمعية اللبنانية للصواريخ"، شدّد مانوغيان على أنّ مصلحة الاثنين تعارضت بعدما أبدى الطرف الأوّل اهتماماً بتحويل هذه الصواريخ إلى عسكرية، واصفاً عودته إلى جامعة تكساس للحصول على درجة الدكتوراه بالخيار الصائب، في ظل المناخ السياسي الذي حكم المنطقة آنذاك.
وفيما أكّد مانوغيان أنّ خيار تحويل صواريخ الجمعية إلى أدوات حربية لم يكن وارداً بالنسبة إلى الجمعية، كشف أنّ فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة نصحت لبنان بوضع حد لمشاريعه الصاروخية بعد إطلاق الجيش اللبناني "أرز 10".
ختاماً، ولدى سؤال مانوغيان عما إذا كان للعلوم مستقبل في لبنان، أشاد بذكاء أبناء بلده والعلماء اللبنانيي الأصل، متحدّثاً عن تدريس الجامعة الأميركية في بيروت مادة اكتشاف المريخ، وآملاً ألاّ تؤثر الأوضاع السياسية في البلدان المجاورة على بلده الأم.
يرجي خفض الموسيقى