شاهو القره داغي
مستشار مركز العراق الجديد
من الواضح أن العلاقات بين إقليم كردستان العراق و المملكة العربية السعودية ليست وليدة اللحظة ، بل لديها محطات تاريخية بدأت منذ زيارة رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود البارزاني و رئيس الاتحاد الوطني المرحوم جلال الطالباني إلى الرياض عام 1998، و بعد عام 2003م زادت العلاقات بين الطرفين حتى وصل الأمر إلى زيارة جلال الطالباني رئيس العراق و رئيس الإقليم مسعود بارزاني إلى المملكة في ابريل 2010 وفي أسبوع واحد ، حيث حرص الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز على تقليدهما وشاح الملك عبدالعزيز من الدرجة الأولى ، و بعدها قامت أربيل بإرسال رئيس الحكومة “نيجيرفان بارزاني” لتقديم العزاء بوفاة الملك عبدالله . (1)
في 30 نوفمبر توجه رئيس الإقليم مسعود البارزاني إلى المملكة العربية السعودية و التقى في مدينة الرياض بالملك سلمان عبدالعزيز عاهل المملكة العربية السعودية في اجتماع موسع حضره العديد من المسؤولين السعوديين و تم التركيز على تمتين و تقوية العلاقات بين الطرفين .
في عام 2015 قررت السعودية فتح مقر سفارتها في بغداد ، والقنصلية الجديدة في أربيل ، الأمر الذي قابله الإقليم بتقديم تسهيلات لأعضاء البعثة الدبلوماسية السعودية التي تعمل هناك.
وأثناء فتح القنصلية السعودية في أربيل في فبراير 2016 صرح القنصل السعودي “أن المملكة لن تتخلى عن إقليم كردستان بأي شكل من الأشكال و العمل جار لزيادة التبادل التجاري بين الجانبين ” .
في نوفمبر 2016 حذر مساعد وكبير مستشاري خامنئي لشؤون الدفاع اللواء يحيى رحيم صفوي إقليم كردستان من مغبة السماح للقنصلية السعودية بتقديم الدعم التسليحي لاعداء إيران، واتهم صفوي مسعود بارزاني بالوقوف وراء السماح للسعودية بتسليح أعداء إيران .
وبعده بعام وفي 2017 طالب مسؤول الحرس الثوري في محافظة “سننه” شمال غرب إيران محمد حسين رجبي بإغلاق القنصلية السعودية في أربيل، زاعماً أن وجود القنصلية في إقليم كردستان يزعزع استقرار والسلام ويسبب الفوضى .
ورفضت حكومة إقليم كردستان العراق تصريحات المسؤولين الإيرانيين ،و اعتبروا المطالب الإيرانية بإغلاق القنصلية السعودية تدخل في الشؤون الداخلية للإقليم ومحاولة لفرض الإملاءات .
وفي 23 تموز 2018 وفد تجاري رفيع المستوى ضمن كل من رئيس الغرف التجارية بالمملكة و سفير المملكة في العراق و القنصل العام السعودي في الإقليم زاروا إقليم كردستان بناء على توصية ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان حسب مصادر كوردية ، وبعد لقاء الوفد السعودي مع المسؤولين في الإقليم اتفقوا على ضرورة بدء الرحلات الجوية المباشرة بين إقليم كردستان العراق و المملكة العربية السعودية ، وفتح مصرف سعودي في إقليم كردستان و عقد مؤتمر لهذا الغرض ، واتفق الجانبان على أن تتخذ المملكة من إقليم كردستان مركزاً لبدء النشاط التجاري و الاقتصادي والعمل و الاستثمار في جميع أنحاء العراق.
ومن الواضح أن سياسات المملكة في تطوير العلاقات مع إقليم كردستان يهدف إلى كسر الاحتكار الإيراني للعراق “وتحاول السعودية أن تكون صديقاً لإقليم كردستان للحد من النفوذ الإيراني في العراق ، و إضعاف النفوذ الشيعي في الحكومة العراقية ، وهناك العديد من الأمور المشتركة بين الإقليم و المملكة العربية السعودية ، ومن المتوقع أن يتطور العلاقات أكثر بين الطرفين” (2)
ويبدوا أن إيران تُدرك هذا الأمر جيداً وتعمل لعرقلة و تشويه هذه المحاولات و التقارب مع دول الجوار لاحتكار العراق و منع الدول الأخرى من الدخول إليها سواءً من باب العلاقات السياسية أو حتى الاقتصادية و التجارية .
وبعد زيارة الوفد السعودي للإقليم ، حذر قيادي بتحالف الفتح العراقي بزعامة هادي العامري من وجود نوايا خبيثة لدى السعودية من خلال فتح العلاقات مع كردستان ، و العمل على إضعاف و تقسيم العراق ، وهناك تواطؤ من قبل مسعود البارزاني مع الرياض من أجل تقسيم العراق و السماح لها باستخدام الأراضي العراقية لهذه العملية الخبيثة”.
وعلى الرغم من وجود قنصليتين لإيران في إقليم كردستان واحدة في أربيل و الثانية في السليمانية إلا أن إيران تُفضل الانفراد بهذه المنطقة وعدم وجود تأثير لأي قوة أخرى فيها، لأنها تخشى من استخدام الإقليم كقاعدة لضرب الأمن القومي الإيراني .
وفي 24 تموز نشرت قناة العالم الإيرانية تقريراً بعنوان “السعودية تصطاد في الماء العكر العراقي! حول زيارة الوفد السعودي إلى إقليم كردستان العراق، وحاول التقرير ربط الزيارة بالصراعات الإقليمية الموجودة و اعتبارها محاولة سعودية لاستغلال الاحتجاجات في جنوب العراق لزيادة نفوذها في المنطقة “.
يبدوا أن إيران تحمل التهديدات الأمريكية على محمل الجد و تخشى من خسارة العراق لصالح القوى الإقليمية الأخرى و خاصة بعد ظهور التأثير السلبي للتدخلات الإيرانية على العراق و خروج المظاهرات الشعبية في المناطق الجنوبية ، ويأتي الحراك السعودي في إقليم كردستان متزامناً مع وضع الحجر الأساس لأكبر قنصلية أمريكية في العالم والتي سينتهي في عام 2022 في أربيل .
وقد يكتسب أهمية إقليم كردستان بالنسبة للمملكة العربية السعودية و حلفاءها بأنها قد تكون عائقاً كبيراً أمام تطوير وصيانة “جسر بري” من إيران عبر العراق إلى سوريا ولبنان ويوصل طهران بعملائها في تلك البلدان، و البحر الأبيض المتوسط بموقعه الاستراتيجي الحاسم ، و من الممكن الحؤول دون قيام هذا الجسر البري عن طريق دعم إقليم كردستان العراق وهذا هو أحد الأهداف الرئيسية لخصوم إيران في الشرق الأوسط ، ومن الممكن جعل الإقليم على مسافة واحدة بين طهران والرياض، وبلا شك سيكون ميولها أكبر للرياض، وفي أقصى حد يمكن لدول الخليج العربية أن تقيم علاقة استراتيجية مع أربيل تبرز فيها حكومة إقليم كردستان كعضو كامل العضوية أو ملحقة لمجموعات فاعل في الشرق الأوسط من الذين يعارضون إيران بشكل فعال. (3)
من البديهي أن يكون العلاقات التجارية بوابة لفتح المجالات و العلاقات بشكل أكبر بين المملكة العربية السعودية و إقليم كردستان العراق للتوجه نحو تعميق العلاقات السياسية و السياسات المشتركة ، وجعل الإقليم بوابة للدخول إلى باقي مناطق العراق في محاولة لإنهاء التفرد الإيراني و تخفيف تأثير طهران على سياسات الحكومات العراقية القادمة.
(1)د.عبدالله الشمري “الأهمية الاستراتيجية لإقليم كردستان خليجيا” صحيفة اليوم السعودية 8/12/2015 http://www.alyaum.com/articles/1044063)/ )
(2)جاسم يونس الحريري: دراسة :الدور الخليجي في الملف الكردي في العراق بعد عام 2003 :
(3)حسين إبيش ،دول الخليج العربية والاستفتاء الكردي ، مقال منشور في معهد دول الخليج العربية في واشنطن (http://www.agsiw.org/ar/gulf-arab-countries-kurdish-referendum/)