مونتجمرى: قتل العدو مشروع أخلاقى
"لقد انتظرت فى أول الشهر أن يصلنى شيك المعاش الشهرى وإذا به يتأخر ثم علمت أن مكتب البريد فى إضراب مع عمال البريد فى بريطانيا كلها فى فبراير 1976 واتصلت بمكتب البريد أقول للموظـف المكلف إننى أرجوه فى إرسال شيك المعاش لأننى أعتمد عليه وليس لى مورد غيره، وهكذا ارتديت ملابس الماريشال وذهبت إلى مكتب البريد وحينما رآنى الموظف أدخل عليه ارتجف
وقلت له آمراً:
أيها الشاب... أعطنى شيك معاشى.
وقال لى:
- لكن يا سيدى نحن فى حالة إضراب.
وصحت:
- أيها الشاب إننى دفعت حياتى تقريباً لكى استحق معاشى جئنى به فوراً.
ولم يكن فى وسعه إلا أن يفتح درجه يبحث فيه ثم يخرج مظروفاً يضم الشيك وأخذته.
كانت هذه آخر معركة فى حياتى وانتصرت.
إنه برنارد مونتجمرى آخر جنرالات الحرب العالمية الثانية والذى يقول أيضا.
"إذا شعرت يوما بأنك ضقت ذرعا بالمشاكل من حولك وأصبحت لا تحب مواجهتها والتفكير في حلها بشجاعة فتنحّ عن القيادة بسرعة حفاظا على جيشك وأرواح جنودك".
هكذا تحدث واعتقد القائد العسكرى الأعظم فى تاريخ الإنجليز المولود فى سنة 1887 في كنيجتون في لندن والذى التحق بالمدرسة العسكرية الملكية سانت هيرست وهو في الرابعة عشر من العمر وتخرج من المدرسة العسكرية برتبة ملازم في الفرقة الملكية الأولى وأرسل للعمل في الهند حتى سنة 1913 كما يرى أن القائد الناجح لا يُكثر من الاجتماعات مع مرؤوسيه فذلك دليل اهتزاز ثقته بنفسه وبمرؤوسيه وألا يطلبهم إليه قدر الإمكان بل يذهب هو بنفسه إليهم في ميادينهم.
كما يرى أن من أهم صفات القائد الناجح معرفة معادن الرجال للاعتماد على الأكفأ منهم وكان كثيرا ما يضرب المثل في اختياره القائد "هوروكس "مساعدا له وهو الذي أسماه المؤرخون العسكريون القائد الجوكر على أن أهم مبادئ عقيدته كانت الإيمان بالقائد أي ثقة المرؤوسين بقائدهم وبقدرته على المحافظة على أرواحهم وقيادتهم إلى النصر.
عندما بدأت القوات الألمانية بمهاجمة بولندا كان قائدا صغيرا عام 39 فطلب مونتجمري مقابلة رئيس الأركان البريطاني وقال له سيدي الحرب بدأت اليوم وستُسحق بريطانيا العظمى تحت أحذية الجنود الألمان ما لم تتغير الأمور جذريا فقادة جيشك لم يتم اختيارهم بحسب الكفاءة وإنما لعوامل أخرى منها العائلة والنفوذ وقبل أن ينتهي اللقاء التفت إلىه وهو في طريقه إلى الباب وقال بصوت منخفض سيدي بريطانيا "تمزح في وقت لا مزاح فيه".
و عندما تولى مونتجمري قيادة الجيوش في أفريقيا عام 42 أسس منها جيشا أصبح فيما بعد نخبة الجيش البريطاني فأذهل القادة الأمريكان والألمان وكانوا يتسابقون على رؤيته بعد انتهاء الحرب
في أغسطس 1914 اندلعت الحرب العالمية الأولى لينضم إلى الجبهة الفرنسية وعلى خط النار أصيب بطلقة قناص في الرئة اليسرى كانت حالته ميئوس منها إلا أنه تعافى بشكل تدريجي ليعود في 1916 إلى الجبهة الغربية كضابط في قيادة العمليات وبفضل توجيهاته وخططه التي أبدع فيها بالجمع بين المشاة والمدفعية استطاع تحقيق انتصارات كبيرة أذهلت قائدة الجنرال بليمر.
شارك في معركة ليز ومعركة ليسن وحقق فيهما نتائج مبهرة وكوفئ في نهاية الحرب بقيادة أركان الفرقة 47 مع ترقيته ومنح وسام النصر لقيادته الفعالة والشجاعة بين الحربين العالميتين
مع اندلاع الحرب العالمية الثانية قاد الفرقة الثالثة واستطاع الانسحاب باحترافية عالية من الهجوم الألماني الأول على بلجيكا ووصل إلى دنكرك ليسحب قواته بحرا إلى بريطانيا بخسائر قليلة.
فى 1942 توجه مونتجمري إلى شمال إفريقيا كقائد للجيش الثامن وكانت مهمته الأساسية إيقاف الهجوم الألماني بقيادة الفيلد مارشال أروين روميل وكان هدف الألمان هو الوصول إلى منابع النفط في العراق و إيران و السيطرة على قناة السويس أهم المعابر لنقل المؤن إلى قوات الحلفاء في شرق آسيا والتي تواجه الهجوم الياباني.
في31 أغسطس 1942 تقابل مونتجمري مع القوات الألمانية بقيادة روميل في منطقة الحلفاء قرب العلمين شرق مصر واستطاع مونتجمري التصدي للهجوم الألماني ودفع قوات رومل للانسحاب نحو الغرب لم يتحمل الألمان الصدمة وعادت الكرة فى 23 أكتوبر 1942 في نفس المنطقة إلا أن مونتجمري استطاع تدمير قوات روميل في معركة استمرت 12 يوما وعرفت في التاريخ باسم معركة العلمين الثانية وانتهت بذلك أحلام هتلر بنفط الشرق الأوسط و بقناة السويس.
وأما ونستون تشرشل يقول مونتجمرى فإنه لم يفهم ما أريد عندما لم ابدأ بالهجوم وتركت قوات الألمان تصول وتجول كنت أريد أن يحرق روميل آخر قطرة وقود فى تانك دباباته وإنما استشاط غضباً كعادته وبعث إلى رسالة يقول فيها: "إننى لا أتصور أنك تخوض معركة دفاعية. لابد أن تتحرك بالهجوم.. تقدم.
"وكان ردى عليه " أننى أرجو أن يظل رئيس الوزراء فى مكانه وأن يترك لى مكانى.
قبلها كانت أوامرى للطيران بضرب كل تكنات الوقود أو حمولات النفط التى تذهب إلى روميل.
وعن خصمه روميل يقول" كان قائداً عظيماً كان يفكر، استغربت عندما أرغموه على الانتحار لكنى لم أحزن قلت لنفسى على الأقل تخلصنا منه هم الذين خلصونا منه وجوده أو غيابه لم يكن قادراً على التأثير فى نتيجة الحرب.
ويكمل عندما جئت كان اسمه أسطورياً بين جنود الجيش الثامن - جيشى. وكان ممنوعا ذكر اسمه بين الجنود.
وحين جئت قلت إن هذا الأمر سخيف ما يجب أن نفعله ليس حذف اسمه ولكن استبدال اسمى باسمه ليس بالأمر ولكن بأن يشعر المقاتلون أن قائدهم قادر على مواجهة قائد العدو وأن يتفوق عليه لأنه جنرال أحسن. على أن يهزمه ويطارده ويقتله إذا تمكن منه.
ويواصل كنت أضع صورة له فى مركز قيادتى صورة لـ"روميل" فى غرفتى أتأمله دائمـاً وأحاول أن أستشف من ملامحه ما الذى يفكر فيه إزاء ما أفعله كيف يمكن رد فعله إزاء فعلى؟
حينما بدأنا نحن الهجوم أدرك "روميل" من أول ليلة أنه انتهى. بعثوا إلى رسالة حصلوا عليها عن طريق "الترا". استطاع "روميل" حتى وضرباتنا تنقض عليه أن يقدر الموقف تقديراً صحيحاً. كتب إلى القيادة الألمانية يقول لها "إنه إزاء خسائره الفادحة فإن النتيجة المحققة هى الانسحاب من إفريقيا كلها وإلا فإن الفيلق الإفريقى الألمانى سوف يقع بين فكى كماشة" - قواتنا الزاحفة من العلمين والقوات الأمريكية الزاحفة من المغرب.
بعد الحرب رقى مونتجمرى إلى رتبة جنرال وشرف بوسام "فارس المغطس" أحد أرقى الأوسمة البريطانية.
كما لعب دورا كبيرا في الإعداد لمعركة مالطا التي مكنت السيطرة عليها من حرمان دول المحور من الحركة في هذا البحر وبالتالي قطع الإمدادات عن إيطاليا الحليفة لهتلر وقطعت المؤن عن القوات الألمانية في شمال إفريقيا.
عاد بعدها إلى بريطانيا لقيادة المجموعة 21 التي جمعت كل قوات الحلفاء البرية وبدأ التحضير للعملية " أوفر لورد " و المعروفة بعملية إنزال النورماندي.
و في يوم 6 يونيو 1944 بدأ الإنزال العظيم على النورماندي بحرا وجوا عرفت بأطول يوم في التاريخ وانتهت هذه المعركة بنصر للحلفاء أنهى تماما الوجود الألماني في فرنسا.
وعند عودته بريطانيا من الحرب وجد منزله مهدما من القصف الألماني وطلب من الدولة بناءه لأنه لا يملك المال، إلا أن الدولة رفضت الطلب بحجة أنها لا تستطيع تحمل نفقات بناء البيوت المهدمة وأنه فرد من أفراد الشعب وعليه أن يتحمل ما تحمله الآخرون وأعرب مونتجمري لاحقا عن ندمه الشديد على هذا الطلب.
قبل تقاعده بأيام فوجئ بفاتورة كهرباء كبيرة لا يستطيع تحملها فما كان منه إلا أن ارتدى بزته العسكرية وأوسمته ونياشينه وتوجه إلى شركة الكهرباء ليطلب تقسيط الفاتورة على أشهر وقبل مسئول الشركة بعد مفاوضات شاقة تقسيط الفاتورة نظرا لتاريخ مونتجمري ويصف هذه الحادثة بآخر معركة في تاريخه العسكري.
http://hadarat.ahram.org.eg/Articles/أفكار/النصر-يتحقق-بألايمان-بأن-قتل-عدوك-مشروع-و-أخلاقى-271215