على الرغم من أجواء الحرب المشتعلة، كان الموكب القصير للقيادي الحوثي يشق طريقه بهدوء معتاد في شوارع مدينة "الحديدة" اليمنية ظهر ذلك اليوم: سيارة تويوتا زرقاء من طراز لاند روفر في المقدمة تليها السيارة التي يستقلها القيادي تسيران بسرعة معتدلة باتجاه الشمال على طول الطريق 45 شرق المدينة، قبل أن تنعطف السيارتان إلى شارع جانبي. كان كل شيء يسير على يرام غير أن ثواني فارقة حولت المشهد إلى مساحة حرب حقيقية، وفي لحظات معدودة من الانعطاف انفجرت السيارة الأولى بشكل مفاجئ بعد أن أصابها صاروخ موجه يبدو أنه كان يعرف هدفه بدقة متناهية.
على الفور، ضغط سائق السيارة الخلفية المكابح متوقفا ليترجل ركابها مسرعين إلى السيارة المدمرة للبحث عن ناجين والتقاطهم، ولكن حفلة الموت لم تكن قد انتهت بعد، فعلى بعد أكثر من ألف كيلومتر، وتحديدا داخل غرفة عمليات في دولة خليجية أخرى، كان ضباط مراقبة وتشغيل الطائرات بدون طيار يراقبون المشهد لحظة بلحظة، وعلى الفور صدرت الأوامر من جديد بتصفية الجميع. وفي تمام الساعة الثانية ودقيقتين ظهرا انطلق(1) الصاروخ مصيبا هدفه من جديد لتضج الغرفة بالصياح والتصفيق.
لاحقا، أعلن التحالف العربي بفخر نجاحه في اغتيال "صالح الصماد" رئيس المجلس السياسي اليمني الأعلى في غارة بطائرة بدون طيار مسلحة، وتم الإفراج عن مقطع فيديو للعملية باللونين الأبيض والأسود اُلتقط بواسطة الطائرة نفسها، وموثقا بدقة وقائع عملية الاغتيال المثيرة، وغير المسبوقة.
كانت تلك أول عملية اغتيال ناجحة عن بُعد لقيادي حوثي منذ بدء الحرب في اليمن قبل ثلاثة أعوام، مسلطة الضوء على الكفاءة العسكرية المتزايدة للأسلحة الإماراتية المشاركة في الحرب، وفي الوقت نفسه فقد منحت العملية للمملكة العربية السعودية وسفيرها في واشنطن "خالد بن سلمان" الفرصة لممارسة بعض الفخر باعتبار الضربة ردا سعوديا حاسما على هجمات الحوثي الصاروخية التي نالت من سمعة المملكة. ولكن في العاصمة الأميركية واشنطن، بدا أن هناك اهتماما مغايرا لكل ذلك حيث سلطت الأضواء على بقعة مختلفة تماما.
لم يهتم الأميركيون على الأرجح كثيرا بالعملية وطبيعة هدفها ومدى نجاحها، قدر اهتمامهم بشيء آخر، فقد صبوا تركيزهم نحو ذلك السلاح الذي استخدمه الإماراتيون لتوجيه ضربتهم، والذي لم يكن سلاحا أميركيا بحال، حيث كانت طائرة بدون طيار صينية الصنع من طراز "وينغ لونغ 2" مسلحة بصواريخ موجهة من طراز "بلو أرو 7"، وهي طائرة صُمّمت بدقة لمحاكاة طائرة "إم كيو 9" جوهرة تاج الطائرات بدون طيار الأميركية التي تصنعها جنرال أتوميكس الأميركية أيضا، والمعروفة باسم الحاصدة (Reaper).
وبشكل تدريجي بدأ الأميركيون في استيعاب الدرس القاسي، وهو أن الشرق الأوسط وتحديدا الخليج الذي ظل لعقود سوقا حصريا للأسلحة الأميركية لم يعد كذلك تماما، وأن الولايات المتحدة تتعرض لنوع جديد من المنافسة(2) من قبل قوة جديدة طالما نأت علنا عن الانخراط العسكري أو التورط في الصراعات والمنافسات الإقليمية خاصة في الشرق الأوسط، ولكن هذه السياسة الصينية بدا وأنها في طريقها لتغير سريع، حيث تندفع بكين مستخدمة قوتها الناعمة مع غطاء حذر يتوسع باستمرار من القوة الصلبة لتقدم نفسها كقوة عظمى قادرة على ممارسة النفوذ على بعد آلاف الأميال عن حدودها.
إستراتيجية التطويق
على مدار تاريخها، صبت الصين جل تركيزها في الحفاظ على أمنها الداخلي مع ممارسة قدر ضئيل جدا من النفوذ الاضطراري في محيطها المباشر، تحديدا في آسيا الوسطى والمحيط الهادي. ونتيجة لتلك السياسة الانعزالية، فإن الشرق الأوسط ظل غائبا عن الأجندة الصينية لفترة زمنية طويلة وصولا إلى حقبة الحرب الباردة، حيث كانت الصين لا تزال قوة ثانوية نسبيا تم اعتصارها بين القوتين الكبيرتين عالميا "الولايات المتحدة وروسيا".
ولكن الأمور بدأت في التغير(3) تدريجيا في سبعينيات القرن الماضي بعد انضمام الصين الشعبية رسميا إلى الأمم المتحدة، وتسلمها للمقعد الدائم الذي شغلته غريمتها "تايبيه" -عاصمة جمهورية الصين (تايوان حاليا)- في مجلس الأمن. وخلال تلك الفترة اتجهت الصين إلى الشرق الأوسط للمرة الأولى لتأمين الاعتراف الدولي بها، حيث نجحت في الحصول على تأييد الكويت ولبنان وإيران عام 1971، ولاحقا الأردن وليبيا وعمان قبل نهاية العقد نفسه، بعد أن نجحت في وقت مبكر منتصف الخمسينيات في الحصول على اعتراف مصر وسوريا القوميتين. ومع قدوم منتصف الثمانينيات حققت الصين دفعة جديدة من الإنجازات الدبلوماسية في المنطقة بعد أن حصلت على اعتراف الإمارات وقطر والبحرين، ولكن كان عليها أن تنتظر حتى مطلع التسعينيات للحصول على الاعتراف السعودي.
تزامنا مع ذلك، كان اهتمام الصين بالشرق الأوسط آخذا في التزايد، حيث تسبب النمو الاقتصادي المضطرد في البلاد منذ السبعينيات والانتعاش الملحوظ للاقتصاد الصيني بفعل سياسات الرئيس "دنغ شياو بينغ" التحريرية في زيادة احتياجات بكين من الطاقة، لتتحول إلى مستورد صاف لها بحلول عام 1993، وفي غضون عامين فقط تحول الشرق الأوسط إلى المورد الرئيس للطاقة للصين.
وقعت تلك التحولات الصينية تزامنا مع تحولات أخرى لا تقل أهمية في الشرق الأوسط بعد انهيار جدار برلين، وسقوط الاتحاد السوفيتي تاركا الولايات المتحدة كقوة وحيدة في المنطقة. ومع مرور الوقت كان من الواضح أن واشنطن رغبت في تقليل التزامها نحو المنطقة تدريجيا أعقاب التداعيات الكارثية للحروب في أفغانستان والعراق، وكان النظام الصيني الصاعد المرشح الأبرز للعمل كموازن للعلاقات مع الأميركيين، مع كونه، وبرغم مشاركته للأيديولوجية الشيوعية مع النظام السوفيتي وخليفته روسيا، لم يحمل عبر تاريخه أي إرث استعماري.
إبان تلك الفترة، أقامت الصين ودول الشرق الأوسط علاقات متنامية خلت من أي بُعد إستراتيجي ولكنها قامت على تبادل المصالح الاقتصادية والتجارية في المقام الأول. فبخلاف ضمان الصين لإمدادات متواصلة لاحتياجاتها من الطاقة، تحولت المنطقة إلى سوق مفتوح للبضائع الصينية، قبل أن يتوسع التعاون الاقتصادي لاحقا ليشمل استثمارات صينية ضخمة في قطاعات البنية التحتية وقطاع الطاقة.
ولكن مع انتصاف العقد الأول من الألفية، تبنت واشنطن نهجا إستراتيجيا بالتوجه إلى الشرق، وفطنت الصين للجهود الأميركية الملحوظة لتقييدها في محيطها الإقليمي عبر حزام متصل من الدول الموالية للعلم الأميركي، حيث اتجهت واشنطن بشكل ملحوظ إلى تعزيز علاقاتها مع الهند والفلبين وأستراليا، إضافة إلى حلفاء واشنطن التقليديين في اليابان وكوريا الجنوبية، ما أدى إلى تفاقم النزاعات في بحر الصين الجنوبي والشرقي.
عرفت تلك الخطة لاحقا في التنظيرات السياسية الصينية باسم "إستراتيجية التطويق"، حيث أدركت بكين أن عليها البحث عن حلول إستراتيجية لمواجهة محاولة واشنطن فرض عزلة إقليمية عليها، وإبان ذلك اكتشفت بكين أن اختراق التطويق الأميركي من جبهته الشرقية كان أمرا متعذرا نتيجة لشبكة التحالفات المتماسكة لواشنطن على تلك الجبهة، وكان الحل الوحيد المتاح أمام بكين آنذاك هو التخلي عن الطابع الشرقي التقليدي لسياستها والتوجه أخيرا إلى الغرب. وإبان ذلك، بدأت الصين تنظر إلى الشرق الأوسط كمفترق طرق عالمي للخروج من عزلتها، وانصب(4) تركيزها بشكل أساسي على الغريمين التقليديين السعودية وإيران.
على الجهة السعودية، قام الرئيس الصيني السابق "هو جينتاو" بزيارة المملكة مرتين خلال عامي 2006 و2009، وكان ثاني رئيس أجنبي يتحدث أمام المجلس التشريعي السعودي، وقبلها اختار الملك السعودي الراحل "عبد الله" بكين لتكون أول وجهة خارجية له بعد صعوده للعرش عام 2006، حيث وقّع البلدان إبان تلك الفترة حزمة من الاتفاقات الاقتصادية الكبرى أهمها اتفاق بقيمة 18 مليار دولار لتطوير خطوط سكك حديدية في مكة، إضافة إلى عقد آخر بقيمة نصف مليار دولار لبناء مئتي مدرسة ابتدائية وثانوية في المملكة بجهود صينية.
وعلى عكس السعودية التي كانت حليفا أميركيا تقليديا رغم كل شيء، كانت أصول الصين الشيوعية وخلافها مع الغرب أمورا مغرية للنظام الإيراني المعادي لواشنطن، وفي المقابل فإن بكين رأت طهران خيارا مثاليا لتنويع محفظة علاقاتها وكسر شبكة الوكلاء الأميركيين التي سقطت الصين في قلبها في الشرق الأوسط. ورغم ذلك، فقد ظلت بكين حريصة على عدم التورط في علاقات أكثر انحيازا وعمقا مع طهران -علنا على الأقل- من أجل تفادي الانخراط كطرف في الصراعات المتعددة في المنطقة والمخاطرة بإغضاب خصوم طهران في السعودية، ولاحقا في إسرائيل.
واستكمالا لسياسة النأي عن المشكلات، نحتت(5)الصين لنفسها مكانا محايدا في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وكانت من أوائل الدول التي اعترفت بفلسطين عام 1988، ولم تقم علاقات دبلوماسية رسمية مع إسرائيل حتى عام 1992، حين اعترفت الدولتان بشكل متزامن ببعضهما البعض، خشية الإضرار بعلاقتها الوثيقة مع الدول العربية وخاصة الرياض. ولا تزال الصين تتحفظ حتى اليوم في دعمها العلني لإسرائيل وتتمسك بحل الدولتين القائم على حدود 1967 مع الاعتراف بالقدس الشرقية كعاصمة فلسطين، وسبق للصين تقديم أكثر من خطة للتسوية لكنها لم تحرز أي تقدم.
ومن أجل تبديد أي مخاوف إقليمية تجاه وجودها في الشرق الأوسط، حرصت الصين على تجديد تمكسها بالمبادئ الخمسة التاريخية للتعايش التي طرحها رئيس الوزراء "تشو إن لاي" منذ عام 1953، والتي لا تزال تشكل الأساس الرسمي للسياسة الخارجية للصين وتساعد على تفسير مقاربتها للصراعات في الشرق الأوسط. وتشمل هذه المبادئ الاحترام المتبادل للسيادة، وتجنب الاعتداء، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، والمساواة والمنفعة المتبادلة، والتعايش السلمي.
التنين الحذر
من خلال تمسكها بهذه المبادئ حاولت الصين تقديم نفسها كقوة غير استعمارية، تنتمي إلى العالم الثالث في مواجهة محاولات الهيمنة الحالية من العالم الأول الرأسمالي والسابقة من العالم الثاني الاشتراكي. ولكن مع توسع مصالح الصين في المنطقة، وسعيها لتقديم نفسها كقوة عظمى في منطقة حيوية، صار التمسك بهذه المبادئ شيئا فشيئا أكثر صعوبة، حيث وجدت بكين نفسها مضطرة في أكثر من مناسبة لتبني مواقف سياسية تدخلية أو حتى للاستخدام المحدود لقوتها العسكرية.
وقع(6) التدخل الأول عام 1990 حين أرسلت الصين خمسة مراقبين عسكريين لمنظمة الأمم المتحدة لمراقبة الهدنة في مرتفعات الجولان، وفي عام 2003 كانت الصين مضطرة لاتخاذ موقف دبلوماسي رافض بشكل واضح للغزو الأميركي ضد نظام صدام حسين في العراق، وفي ديسمبر/كانون الأول عام 2008 أرسلت الصين لأول مرة ثلاث سفن من بحريتها للمشاركة في عمليات مكافحة القرصنة في خليج عدن، ولاحقا في عام 2011 نفذت بحرية الجيش الصيني أكبر عملياتها الخارجية منذ تأسيس الدولة الصينية الحديثة في الأربعينيات حين استخدمت أصولها لإجلاء 35 ألف صيني بحرا وجوا من ليبيا إبان التدخل الغربي للإطاحة بالقذافي، وهو تدخل رفضته بكين أيضا في النهاية، وبحلول عام 2012 كانت الصين تقدم مئات المراقبين العسكريين لقوات الأمم المتحدة في لبنان والسودان، قبل أن تقوم بعملية إخلاء عسكري مشابهة لإخلاء ليبيا ولكن على نطاق أضيق لرعاياها في اليمن عام 2015.
وعلى الرغم من الحذر الذي صبغ السياسة الصينية تجاه الشرق الأوسط بشكل تاريخي، فإن الأبعاد العسكرية لم تكن غائبة بشكل كلي عن العلاقات الثنائية بين بكين وسائر دول المنطقة، وإن اكتسبت في غالب الأحيان طابعا تجاريا عبر قيام بكين بتوريد بعض الأسلحة الحساسة ذات تكنولوجيا ترفض الولايات المتحدة تقديمها. ففي مطلع الثمانينيات حين كانت السعودية تشعر بتهديد كبير بفعل تداعيات الثورة الإيرانية، فإنها سعت لشراء طائرات وأسلحة متطورة من الولايات المتحدة، ولكنها جهودها باءت بالفشل بسبب اعتراض إسرائيل، ووقتها رأت السعودية في الصين لأول مرة حليفا قادرا على تزويدها بقوة بديلة وهي ترسانة من صواريخ باليستية متوسطة المدى.
لم تحصل السعودية بشكل رسمي من الصين سوى على صفقة مدافع هويترز بقيمة 400 مليون دولار
تم تنفيذ الصفقة في نهاية المطاف وسلمت الصواريخ في السر، وأحدثت دويا هائلا كأول صفقة عسكرية ضخمة تبرمها الرياض دون مباركة أميركية منذ تأسيس الدولة السعودية. ولكن باستثناء صفقة الصواريخ المثيرة للجدل، لم تحصل السعودية بشكل رسمي من الصين حتى عام 2009 سوى على صفقة مدافع هويترز بقيمة 400 مليون دولار، رغم استمرار الأحاديث عن عمليات نقل سرية للقذائف البالستية ومئات المستشارين الصينيين الذين عملوا في منشآت القذائف السعودية منذ التسعينيات.
وبالمزامنة، بدأ التعاون العسكري بين طهران وبكين في وقت مشابه تقريبا حين زودت(7) الصين إيران بأسلحة صغيرة وقذائف انسيابية مضادة للسفن إبان الحرب مع العراق رغم أنها قامت بتزويد العراق بالسلاح أيضا خلال الحرب نفسها. ولكن العلاقات العسكرية بين بكين وطهران ذهبت إلى مدى أبعد من خلال الدعم الذي قدمته الصين لسياسة التصنيع العسكري في إيران، حيث ساعدت بكين في بناء مصنع لإنتاج قذائف "نصر" المضادة للسفن، المعدلة من قذائف سي 704 صينية الصنع، وفي وقت لاحق قدمت بكين المساعدة لطهران في تطوير قذائف "نور" المحدثة من قذائف سي 802.
وبحلول عام 2008، كانت الصين قد تخطت روسيا كمزود للسلاح لإيران، وجاءت معظم الصادرات الصينية من الطائرات والقذائف المضادة للسفن، لكن ذروة التعاون العسكري بين بكين وطهران تجلّى في الدعم الصيني الذي قُدم لبرنامج إيران النووي منذ منتصف الثمانينيات، حيث ساعدت الصين في بناء مركز أصفهان للبحوث النووية عام 1984، ودربت المهندسين النوويين الإيرانيين وساعدت في استخراج اليورانيوم. وفي عام 1990 تم توقيع اتفاق تعاون نووي رسمي بين البلدين، قبل أن تقوم الصين في العام التالي بشحن طن متري من سادس فلوريد اليورانيوم إلى إيران.
حزام العالم
على الرغم من تلك الجولات من الدبلوماسية العسكرية، حرصت بكين على أن تُبقي انخراطها العسكري في الشرق الأوسط محدودا، وبقي هذا الاشتباك مدفوعا إما بالرغبة في تحقيق مكاسب مالية وإما السعي لاكتساب هامش مناورة ضيق في مواجهة الولايات المتحدة عبر مزاحمتها في مناطق نفوذها، وظلت العلاقات الاقتصادية مهيمنة حتى إن تلك العلاقات كانت تتأثر صعودا وهبوطا بسياسة بكين تجاه واشنطن. فعلى سبيل المثال، أقدمت الصين في عام 1997 على تحجيم علاقاتها الاقتصادية والعسكرية مع إيران في إطار خطة لتحقيق تقارب نسبي مع واشنطن في ذلك التوقيت.
لاحقا، كانت الصين حريصة أيضا على إبداء التزامها في معظم الأوقات بالأُطر العامة للعقوبات الأميركية على إيران، وفي مقابل عدم معارضة هذه العقوبات في مجلس الأمن حصلت بكين على استثناءات خاصة من العقوبات الأميركية على صادرات النفط الإيراني، رغم أن ذلك الالتزام لم ينه الأبواب الخلفية التي استغلتها بكين للاتفاف على العقوبات الأميركية في كثير من الأحيان، أبرزها حين قدمت الصين 40 ألف برميل من النفط يوميا لإيران بعد فرض عقوبات النفط عام 2009، إضافة إلى تغاضي بكين عن مشاركة بعض الشركات الصينية في برنامج طهران الباليستي ما تسبب في إخضاع هذه الشركات لاحقا لعقوبات أميركية.
بيد أنه، وعلى مدار قرابة ربع قرن من العلاقات في منطقة الشرق الأوسط منها عقد من التدشين غير الرسمي لسياسة التوجه غربا، فشلت الصين في تقديم إطار إستراتيجي جامع لسياستها تجاه الشرق الأوسط حتى صعود الرئيس "تشي جين بينغ" للسلطة في مارس/آذار عام 2013، وبعد عام واحد من صعوده كان "تشي" يدعو الدول العربية إلى إحياء صداقة تاريخية مع الصين تعود لعهد طريق الحرير التاريخي. ومن خلال مشروعه الجديد ذي شعار "حزام واحد طريق واحد"، دعا تشي هذه الدول إلى الانخراط في شبكة تجارية بديلة لتلك الشبكة التي "أنشأتها العولمة" والمؤدية وفقا لرؤية تشي إلى الإخلال بثنائية التوازن البنيوي بين المناطق النائية والساحلية على مستوى العالم.
فبخلاف طريق الحرير البحري الذي يمتد من جنوب شرق آسيا إلى شمال أفريقيا ليربط بين بحر الصين الجنوبي والمحيط الهادي والمحيط الهندي، وصولا إلى البحر المتوسط مرورا بالبحر الأحمر والخليج العربي، تطرح خطة تشي إنشاء حزام بري يقتفي أثر طريق الحرير التقليدي، مارا بوسط وغرب آسيا والشرق الأوسط وصولا إلى أوروبا، عبر شبكة معقدة من خطوط الشحن البري والبنية التحتية الهادفة(8) في المقام الأول لتأسيس بنية تحتية إستراتيجية بديلة تتفادى الهيمنة الأميركية على البحار.
بحكم الجغرافيا تحتل منطقة الشرق الأوسط، والخليج على وجه الأخص بما في ذلك إيران، أهمية خاصة في الخطة الصينية، ونتيجة لذلك، اتجهت بكين خلال العامين الماضيين إلى تقوية علاقتها مع بلدان المنطقة، حيث قامت(9) لأول مرة في عام 2016 بإصدار ورقة خاصة للسياسة العربية تعهدت خلالها الصين، خلال عشر سنوات، بزيادة حجم التجارة الثنائية مع المنطقة العربية، من 240 مليار دولار في عام 2013 إلى 600 مليار دولار عام 2023، وزيادة حصص الاستثمارات الصينية غير المالية للدول العربية من 10 مليارات دولار في العام 2013 إلى أكثر من 60 مليار دولار، وزيادة التعاون المالي وتشجيع التبادل الثقافي بما يشمل تدريب ستة آلاف من المواهب في الدول العربية في مختلف التخصّصات، وزيارات متبادلة بين عشرة آلاف فنان صيني وعربي، ودعم التعاون بين 200 مؤسسة ثقافية صينية وعربية.
وعلى الرغم من حرص الصين على صبغ خططها بلون الاقتصاد في المقام الأول، لا يبدو أنها تخطط أبدا للتوقف عند هذا الحد، حيث تؤكد الورقة العربية أيضا على زيادة(10) التعاون العسكري مع الدول العربية، بما في ذلك تبادل الأفراد والأسلحة والتقنيات وتبادل المعلومات الاستخبارية. وكما أشارت التحركات الصينية خلال الأعوام الثلاثة الماضية بوضوح، يبدو أن التعاون العسكري ودبلوماسية الأسلحة يقعان في القلب من رؤية الصين الجديدة، رؤية تسعى لاستغلال تراجع الثقة في الولايات المتحدة لدى حلفائها التقليديين عبر تقديم حليف على استعداد لتقديم كل الدعم العسكري الممكن، من غير تلك الاشتراطات التي غالبا ما تفرضها واشنطن حول شروط استخدام التقنية وربطها بقضايا حقوق الإنسان، وربما منع توريد تقنيات معينة لحلفائها لاعتبارات خاصة في كثير من الأحيان.
غزو الدرونز
أحد هؤلاء الشركاء المحتملين هي دولة الإمارات العربية المتحدة التي طالما سعت دون جدوى للحصول على طائرات بدون طيار مسلحة من الولايات المتحدة، ولكن واشنطن رفضت(11) طلبها مرة تلو المرة محتجة بالاتفاقات التي تحد من المبيعات الأميركية لهذا النوع من الأسلحة، وخاصة نظام التحكم في تكنولوجيا الصواريخ لعام 1987 الذي وقّعته 35 دولة بما فيها الولايات المتحدة، وهو نظام يضع قيودا على تصدير القذائف الصاروخية والطائرات بدون طيار بناء على مداها وقدرتها التدميرية.
وحتى في عام 2015، حين أصدرت إدارة أوباما قواعد تصدير جديدة للطائرات بدون طيار، فإن توسع استخدام هذا النوع من الأسلحة في عمليات الاغتيال الموجه في أفغانستان واليمن وغيرها حفز المخاوف بشأن مشروعية استخدام آلات القتل الموجهة خارج مناطق القتال، ما دفع الإدارة الأميركية إلى وضع قواعد إضافية على استخدام الحكومات لهذه الأسلحة. وبعد أشهر من الضغط والجدل في الداخل الأميركي، وقّعت(12) 45 دولة على أول إعلان مشترك لتصدير واستعمال الطائرات بدون طيار المسلحة، إعلان ألزم المصدرين نظريا على أن يكونوا شفافين بشأن المبيعات وأن يضمنوا احترام المشترين لقوانين الحرب وحتى معايير حقوق الإنسان.
في الشرق الأوسط، وافقت دولتان فقط هما الأردن والعراق على الشروط الأميركية الجديدة، ولكن ذلك لم يؤهّلهما إلى الآن للحصول على الدرونز الأميركية التي قصرت واشنطن توريدها على حلفائها الأوروبيين في بريطانيا وإيطاليا وفرنسا، حتى وإن أعلنت(13) إدارة ترمب الشهر الماضي سياسة جديدة لتصدير الدرونز لم يتضح تأثيرها بعد، أما بالنسبة إلى دول الشرق الأوسط الأخرى الراغبة وفي مقدمتها الإمارات، فإنها قررت مباشرة البحث عن بدائل مع قيود أقل حول التوريد وشروط الاستخدام، وفي تلك اللحظة ظهرت الصين للصورة كمرشح أوحد.
بدأت الصين تصدير طائرات بدون طيار خلال عامي 2014 و2015، معلنة بذلك دخولها كمنافس عالمي في صناعة الأسلحة من ناحية، وكقوة كبرى قادرة على التأثير على الصراعات والتحالفات حول العالم من ناحية أخرى. فبعد فترة طويلة من إدمان الصين على بيع الأسلحة منخفضة التقنية للبلدان الأكثر فقرا، فإنها تشرع اليوم في إغراق العالم بالأسلحة الأكثر تطورا بما في ذلك المقاتلات الشبحية والطائرات بدون طيار. وكما العادة حققت الصين نجاحا سريعا في ذلك لتصبح خلال أربعة أعوام "2012-2016" ثالث أكبر بائع للأسلحة في العالم من حيث القيمة (نحو 6.5%)، بعد الولايات المتحدة (33%) وروسيا (23%)، حيث نجحت خلال فترة قصيرة في التفوق(14) على عمالقة أوروبا الثلاثة، بريطانيا وفرنسا وألمانيا.
ومع الرفض الأميركي لمطالبها، توجهت أبوظبي إلى بكين للحصول على بغيتها، وفي بادئ الأمر اقتنت أبوظبي النسخة غير المسلحة من تلك الطائرات الصينية، وتوجهت لاحقا إلى جنوب أفريقيا لتزويدها بنظم استهداف ليزري، ليتم توظيف تلك الطائرات للمرة الأولى في حرب اليمن. وفي وقت لاحق، توافقت الإمارات وبكين على توريد النسخ الأحدث من طائراتها بدون طيار المسلحة من طراز "لونغ وونغ 1"، ولاحقا طائرات "لونغ وونغ 2" الأكثر تطورا التي حصلت عليها الإمارات في صفقة سرية واكتشفت(15) لأول مرة في صور الأقمار الصناعية في قاعدة "القسيورة" السرية على حدود أبوظبي مع السعودية وسلطنة عمان أواخر العام الماضي.
لم تكن الإمارات الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي ابتاعت الدرونز الصينية، ففي مطلع مايو/أيار الماضي، وخلال معرض "سوفكس" العسكري لقوات العمليات الخاصة الذي تستضيفه العاصمة الأردنية عمان بشكل دوري، عرضت(16) الأردن لأول مرة مقتنياتها من الطائرات بدون طيار صينية الصنع من طراز "رينبو سي إتش فور" (Rainbow-CH4) التي اشترتها عَمّان منذ عام 2015 والمصممة على نمط الطائرة الأميركية الشهيرة "إم كيو 1" المعروفة باسم المفترسة (Predator).
لم يقف الأمر عند حدود الأردن أيضا، حيث كانت السعودية سابقة للحصول على الطائرات الصينية حين حصلت على دفعة من طائرات "وينغ لونغ" عام 2014، قبل أن تعززها بدفعة أخرى من طائرات سي إتش فور في العام التالي، وهو العام نفسه الذي توجهت فيه الحكومة العراقية إلى بكين، مدفوعة بحربها ضد تنظيم الدولة الإسلامية، للحصول على طائرات سي إتش فور، وهي طائرات استُخدمت لشن 260 غارة جوية ضد مسلحي "تنظيم الدولة الإسلامية" على مدار عامين بعد أن تم تسليحها بصواريخ من طراز "أرو -1" المضادة للدبابات وهي المكافئ الصيني لصواريخ "هيل فاير" الأميركية الشهيرة.
ورغم أن الصين لا تكشف عن جميع عملائها الدوليين، فإنها اعترفت على الأقل بتوريد طائراتها لكل من العراق والأردن والسعودية والإمارات إضافة إلى مصر والجزائر، فضلا عن المشترين التقليديين للأسلحة الصينية وعلى رأسهم باكستان وميانمار وتركمانستان، وصولا إلى دول أفريقية على رأسها نيجيريا وإثيوبيا وزامبيا.
وفي ظل استمرار الحظر الأميركي على توريدها، كانت هيمنة الطائرات الموجهة الأميركية الشهيرة مثل ريبر وبرداتور تتلاشى في سماوات الشرق الأوسط لصالح(17) المحلقات الجديدة من طراز وينغ لونغ ورينبو، التي صارت تهيمن على مسارح النزاع في المنطقة الملتهبة بداية من الحرب ضد "تنظيم الدولة" في العراق، ومرورا بعمليات الاستهداف والاغتيال الموجه في حرب اليمن وحتى في ليبيا حيث تستخدم الإمارات الطائرات بدون طيار الصينية للمساعدة في دعم حليفها الجنرال خليفة حفتر، كما تستخدم الطائرات الصينية من قبل الجيش المصري في حملته العسكرية في سيناء، وكذا في أنشطة مكافحة التهريب ومنع تدفق الأسلحة والمقاتلين عبر حدود مصر الغربية مع ليبيا.
وفي غضون ذلك، كانت الصين تتطلع إلى نقطة تحول أخرى جديدة وهي بناء طائرات بدون طيار عسكرية في الشرق الأوسط، وفي مارس/آذار من العام الماضي 2017 وإبان زيارة للملك السعودي سلمان لبكين، اتفق(18) المسؤولون الصينيون والسعوديون على إنتاج ما يصل إلى 100 طائرة دون طيار في السعودية، بما في ذلك طائرات سي إتش فايف (CH5) الأكثر تطورا والتي يعتبرها البعض نسخة أكثر تطورا من الحاصدة الأميركية من حيث المدى والقدرة التدميرية، وبتكلفة لا تتجاوز 5 ملايين دولار مقابل 15 مليون دولار لنظيرتها الأميركية، باستثناء ضعف قدرات التتبع لعدم ربطها بالأقمار الصناعية. وتقدر وزارة الدفاع الأميركية أن الصين يمكن أن تنتج ما يقرب من 42 ألف طائرة بدون طيار بقيمة مبيعات تزيد على 10 مليارات دولار حتى عام 2023.
سور الصين العظيم
تعد مبيعات الطائرات بدون طيار مجرد نموذج معبر عن سياسة الصين الجديدة لتصدير الأسلحة التي وضعت بعناية لتحقيق مصالح متبادلة، حيث يضمن الطرف المتلقي الحصول على أسلحة حساسة دون تدخل مقابل -كما أميركا- في كيفية استخدامها، وفي المقابل تحصل الصين على قدر لا بأس به من النفوذ المجاني الذي يعمل كرافعة لخططها التوسعية.
لا يقف الأمر عند الدرونز وحسب، فخلال عرض عسكري في الدوحة في ديسمبر/كانون الثاني الماضي، ظهرت(19) قاذفات صواريخ إس واي -400 (SY 400) البالستية قصيرة المدى، صينية الصنع، القادرة على حمل رأس حربي يبلغ وزنه 480 كيلوغراما. وقبل ذلك كانت الإمارات قد أعلنت(20)عام 2015 عن اتفاق للحصول على راجمات صواريخ من نوع إس آر -5 (SR5) التي تتميز بقدرتها على إطلاق نوعين مختلفين من القذائف من عيار 220 ملم يصل مداها إلى 70 كيلومترا، وعيار 122 ملم يصل مداها إلى 50 كيلومترا، بل إن الأسلحة الصينية حققت انتشارا لدرجة وصولها إلى أيدي الفاعلين غير الحكوميين مثل المتمردين الحوثيين في اليمن الذين استخدموا صواريخ من طراز C-801 أو C-802 ضد السفن الأميركية والإماراتية في خليج عدن.
وبخلاف دبلوماسية الأسلحة، تسعى الصين لتأسيس بنية تحتية للانتشار العسكري خارج حدودها، وتوّجتها في العام الماضي بافتتاح أول قاعدة بحرية لها خارج حدودها في جيبوتي. ورغم أن الصين ظلت على مدار تاريخها قوة برية تقليدية، فإن تحولها إلى اقتصاد عالمي زاد من اعتمادها على أمن الملاحة العالمية وصلاحية المرور عبر الممرات البحرية الحيوية ومن ضمنها مضيق باب المندب وقناة السويس، وقد أدت تهديدات القرصنة قبالة السواحل الصومالية إلى تعطيل حركة المرور البحري إلى الصين مرارا خلال العقد الماضي، مما تسبب في أضرار اقتصادية للبلاد وأضر بسمعتها الأمنية والاقتصادية والسياسية.
تتمتع(21) القاعدة الصينية الجديدة بمحيط أمني واسع تحيط به ثلاث طبقات من الدفاعات، وتتكون الطبقة الداخلية من جدار محيط كبير تتخلله عدة أبراج مكونة من طابقين عند الزوايا للمراقبة. وخارج هذه الجدران الكبيرة، يمكن رؤية جدار أصغر أو سياج سميك مع العديد من أبراج المراقبة المنتشرة على طول المحيط، بينما يوفر التباعد بين الجدار الخارجي والجدار الداخلي طبقة ثالثة من الأمان.
على الجانب الشمالي للقاعدة، يحضر مستوى جديد من التدابير الأمنية الصينية بمدخل المركبات تحت مستوى سطح الأرض يتصل بمرفق كبير تحت أرضي على مساحة 23000 متر مربع، مع العديد من الأنفاق والمخازن الصغيرة في جميع أنحاء القاعدة. وتماشى هذا النمط من البناء مع الممارسات الصينية المعروفة في القواعد العسكرية، حيث تمتلك وحدة المدفعية الثانية في جيش التحرير الشعبي الصيني، المسؤولة عن إدارة الترسانة النووية، على سبيل المثال شبكة شديدة التعقيد(22) من أكثر من ثلاثة آلاف ميل من الأنفاق، يشبهها الإعلام الرسمي بسور صين عظيم ثانٍ تحت أرضي.
بالإضافة إلى ذلك، تدير البحرية الصينية أيضا شبكة(23) مرافق تحت الأرض، بما في ذلك قاعدة لتخزين وحماية الغواصات في جزيرة هايمان. ورغم أن الصين تفضل وصف قاعدتها على أنها مرفق لوجيستي فإن الأبنية تحت الأرض تتوافق بشكل أكبر مع التصميمات التقليدية للقواعد العسكرية، حيث تستخدم لحماية الأسلحة والموظفين، كما يمكن استخدامها لتنفيذ مجموعة متنوعة من الأنشطة بطريقة سرية.
ويعد الغرض الرئيسي من القاعدة هو دعم سفن البحرية الصينية العاملة في الشرق الأوسط والقرن الأفريقي على طول طريق التنمية البحري الجديد لبكين، ومغالبة المخاوف الصينية التقليدية حول الأمن الإقليمي وطرق الشحن، حيث يمكن أن تستخدم(24) القاعدة لحماية إمدادات موارد الطاقة (النفط والغاز) والموارد المعدنية القادمة من منطقة الشرق الأوسط، وأفريقيا التي تكتسب هي الأخرى أهمية متزايدة في خطة التنمية الشاملة لبكين، حيث يبلغ إجمالي تجارة الصين مع أفريقيا 300 مليار دولار.
لكن هذه المهمات الرسمية ليست سوى قطعة واحدة من الصورة الأكبر، حيث يمكن لقاعدة جيبوتي مساعدة الصين في توسيع وإبراز وجودها العسكري إلى ما وراء حدودها ومصالحها المباشرة، حيث تقع جيبوتي في موقع إستراتيجي بالقرب من قناة السويس، وهي تمثل نقطة توقف ثابتة تسيطر عليها الصين للأساطيل العسكرية المتجهة إلى أوروبا وخارجها. ويمكن(25) للقاعدة أيضا أن تستخدم كمساحة لتخزين الأسلحة والوقود والإمدادات الأخرى -وحتى استضافة القوات- التي يحتاج إليها الجيش الصيني للقيام بأي عمليات في أفريقيا والشرق الأوسط أو حتى أوروبا.
ومن الممكن أيضا أن تستخدم القاعدة لتقديم الدعم الجوي لأي عمليات عسكرية صينية حيث تحوي ثماني حظائر لطائرات الهيلوكوبتر، ومع ذلك، يبدو أن القاعدة غير مجهزة حتى الآن لاستضافة الطائرات الحربية الأكبر حجما، ولكن الإنشاءات لم تنته بعد، ومن المرجح أن التكوين النهائي للقاعدة يمكن أن يكون أكبر من ذلك بكثير، وسوف تصمم الأرصفة لاستيعاب حاملات الطائرة الصينية سواء حاملة الطائرة القديمة لياونينغ أو حاملة الطائرات الثانية (تايب ون إيه) التي دخلت الخدمة قبل أسابيع فقط.
ومن ناحية أخرى يمكن اعتبار القاعدة الصينية ردا متأخرا من بكين على القاعدة العسكرية اليابانية المحدودة التي تتمركز فيها فرقة مكونة من 180 جنديا تابعة لقوات الدفاع الذاتي اليابانية على مساحة 30 فدانا منذ عام 2010. وبالإضافة إلى ذلك، فإن القبضة للصين على الجانب الغربي من المحيط الهندي تعمل على تحسين وضع الصين الإستراتيجي تجاه الهند، منافسها الآسيوي الرئيس، والقدرة على التأثير هناك في الوقت الذي تثبت فيه للولايات المتحدة قدرتها على التحرك نحو الغرب، وإن بشكل رمزي.
وفي الختام، فإن النظرة على الإنفاق العسكري الشامل للصين ربما تساعد في فهم أفضل لتصوراتها الجديدة حول الشرق الأوسط. ففي عام 2016 بلغت ميزانية الصين العسكرية نحو 145 مليار دولار، ما وضعها في المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة. وعلى الرغم من التباطؤ الاقتصادي النسبي، ظلت الصين ملتزمة بتطوير وتحديث قدراتها الدفاعية، وقد خصصت الصين مزيدا من قوات حفظ السلام لأفريقيا أكثر من أي عضو دائم آخر في مجلس الأمن الدولي، حيث يشارك أكثر من 2600 جندي وشرطي وخبير في سبع من بعثات الأمم المتحدة التسع في القارة.
ورغم سياساتها النشطة في هذا المجال بشكل غير مسبوق مقارنة بتاريخها، لا تزال الصين تحتل المرتبة الخامسة عشرة فقط في قائمة موردي الأسلحة للشرق الأوسط مع انخراط محدود يتوسع باستمرار في المناورات والتدريبات العسكرية بدأت في عام 2014 مع رسو السفن الحربية الصينية لأول مرة في ميناء بندر عباس جنوب إيران، للمشاركة في تمرينات إغاثة بحرية استمرت لمدة أربعة أيام، وتعززت لاحقا عام 2016 بأول مناورات عسكرية مشتركة بين بكين والرياض في تاريخهما في مدينة تشونغ تشينغ جنوب غربي الصين تحت اسم "تمرين تعايش الاستكشاف".
ولكن بكين لن تكون قادرة على الانخراط بقوة في ألعاب الحرب في الشرق الأوسط دون المساس بالخطوط الحمراء التاريخية التي وضعتها لنفسها في المقام الأول، فمع تكرر الاشتباك مرة تلو المرة لن تكون الصين قادرة على ممارسة هوايتها التقليدية في السير على أحبال الدبلوماسية المشدودة، وسوف تجد نفسها في كثير من الأحيان مضطرة للانحياز واتخاذ مواقف صارمة بالوقوف في صف أطراف على حساب أطراف أخرى، وربما تتلاشى تدريجيا الخطوط الغليظة التي تغلف المبادئ الصينية الراسخة مثل احترام سيادة الدول الأخرى، والأهم هو أن بكين لن تكون قادرة على تنفيذ سياسة النشاط مع الصراعات خارج حدودها دون المخاطرة بوصول أصداء هذه الصراعات إلى محيطها الإقليمي بما يعني أن حزام تشي الذي يعد اليوم بنقل التجارة والأموال والاستثمارات ربما يُستخدم أيضا لاستنساخ الصراعات، وأن قذائف الموت التي تنشرها الصين اليوم بأريحية حول العالم من المحتمل أن ترتد في نحرها عاجلا أم آجلا.
http://midan.aljazeera.net/reality/...دبابير-الصين-القاتلة-تغزو-مبيعات-الشرق-الأوسط