من هوليوود، إلى البنتاغون و البيت الأبيض ثالوث القوة الأمريكية
فاتنة صالح الكردي - تشرين
-
هوليوود (مركز صناعة السينما الأمريكية) تشبه منجمة أو عرافة البيت الأبيض. تعود العلاقة الحميمة بينها وبين الحكومة الأمريكية إلى أوائل السينما بتحالف الصورة مع السياسة .
[COLOR=#0]وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) تشرف على إنتاج واستبعاد ما لا ترضى عنه من انتاجات هوليوود من أفلام تاريخية تتصل لأحد ميادين الصراع العسكرية التي تورطت بها حكومة الولايات المتحدة الأمريكية عبر قسم خاص بها تفرض وزارة الدفاع الأمريكية رقابة قبلية على إنتاج وإنجاز كل الأفلام التي تتناول الحروب التي قامت بها الولايات المتحدة الأمريكية أو شاركت فيها و تشترط الاطلاع على السيناريو قبل السماح بتصويرها . تستخدم سلاح المال وحين ترضى عن سيناريو الفيلم تسارع بتقديم كل صنوف المساعدة: «الدبابات والطائرات والجنود والبوارج التي يتطلب إنتاج الفيلم استخدامها مجاناً، وحين لا ترضى فإنها تمنع المساعدة وتكلف المنتج الذي لا يرضخ لأوامرها عشرات ملايين من الدولارات .أيضا يشارك مختص من طرفها في محاولة السيطرة على هذه الأفلام وتوجيهها بما يخدم السياسة الخارجية و كثيرا ما تتطابق أفلام هوليوود مع أفكار وخطط صناع السياسة الاميركية، إذ تمثل المشاهد التي يتم تصويرها في بلاتوهات هوليوود بروفات لسيناريوهات يعدها ساسة الولايات المتحدة!. تلك العلاقة الشائكة أكدها المؤرخ العسكري «لورانس دي سود» في كتابه «الشجاعة والمجد». حيث قدمت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) متطوعين في فيلم «ولادة امة» المأخوذ عن رواية ذات نزعة عنصرية هي «رجل القبيلة» للكاتب «توماس ديكسون» والمخرج «ديفيد وارك غريفيث» الذي قدم الحرب الأهلية وما بعدها برؤية منحازة للجنوب ،ثم تتابعت سلسلة مساعدات البنتاغون في سلسلة من الأفلام التي عرضت أثناء الحروب الأهلية.. إبان أحداث الحرب العالمية الثانية تطوع عدد كبير من الممثلين والمخرجين في القوات المسلحة وأسهموا في إنتاج أفلام التدريب والتعبئة العامة ورفع المعنويات، وفي تسجيل وقائع الحرب مثل المخرج الشهير جون فورد، وأحيل الرئيس الأمريكي الأسبق «رونا لد ريغان» الذي كان ممثلا آنذاك إلى الخدمة في الإنتاج السينمائي لعدم نجاحه في الفحص الطبي بسبب قصر نظره خلال الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي تعاونت وزارة الحربية في كل فيلم حربي لهوليوود أهمها: «اليوم الأطول» عام 1961بمساعدة القيادات العسكرية الاميركية والبريطانية والفرنسية والألمانية، وأدى ارتياب الساسة الاميركيين بالعلاقة الحميمة بين هوليوود والعسكر إلى تخفيض عدد الجنود المخصصين للفيلم من 700 جندي إلى 250 جنديا . هنا لا بد من الإشارة إلى أن جميع الأفلام التي أنتجتها هوليوود عن حرب فيتنام كانت معادية لسياسة الحكومة الأمير كية باستثناء فيلم «القبعات الخضر» للمنتج والممثل «جون واين» الذي مهدت أفلامه الطريق إلى كارثة فيتنام ، من خلال فيلمه أراد التأكيد على أن الوجود الأمريكي في فيتنام ليس تدخلا إمبرياليا لا يستند إلى أية عدالة أو حق ،بل انه ضرورة ، وان إنتاج الفيلم مهم جدا لشعوب العالم كله التي يجب أن تعرف ضرورة وجود الأمريكيين في فيتنام في محاولة منه للتعبير عن قيم العسكرية الأمريكية التقليدية وكأنها أشياء مسلّم بها . [/COLOR]
هوليوود ومصنعها السينمائي الضخم دأبت على تجميل المكتب البيضاوي وصياغة صورة أسطورية عن قوة الولايات المتحدة بتجنيد طاقم من الممثلين والمخرجين لخدمة ذلك البيت الذي استخدم هو بدوره السينما في تهيئة الرأي العام الأمريكي للحروب، وبدأت بتعبيد الطرق للحروب الأمريكية من خلال تعاون مابين السلطات الأمريكية الباحثة عن تلميع صورتها أمام الرأي العام العالمي في البيت الأبيض ووكالة الاستخبارات الأمريكية والبنتاغون من خلال تقديمها عدد من الأفلام الحربية ،الكارثية، التي تم تصويرها قبل وقوع هجمات الحادي عشر من أيلول، وبالتالي غدت الأفلام الهوليوودية بحيلها ومؤثراتها السينمائية شديدة الإبهار مقدمة للحروب الأمريكية على الشعوب، حملت طابعاً حربياً على غرار «إنقاذ الجندي رايان» هدفت من خلالها إلى نشر عالم بتفكير أحادي وهيأت الرأي العام لتقبل وقوع حرب ثانية في الخليج ودفعت الشعب الأمريكي لاتخاذ موقف تضامن مع الحكومة .وأغدقت السلطات الأمريكية دعمها الذي فاق التصور لإنتاج تلك الأفلام عبر سلسلة من القرارات تجلت برسم وتصوير غرف في البيت الأبيض لأجل إعادة تركيب المشاهد في استوديوهات هوليوود بما يتطابق مع الواقع ،كما سمحت أيضا بتصوير عدد كبير من الطائرات الحربية: المروحية والنفاثة وتم إرسال ضباط من الجيش لتدريب الممثلين .
يوم الحادي عشر من أيلول عام 2001هو اليوم الذي غيّر ومازال يغّير العالم .ففي اقل من ثانية بدّل الهجوم على برجي التجارة العالميين العالم .وفي يوم وليلة تحول بوش إلى قائد للقوات المسلحة الأمريكية ،كان هذا اليوم هدية جميلة لرئيس محظوظ.. أنقذه من تردي سمعته ..نعم لقد كانت أحداث أيلول أجمل وأقوى الهدايا السياسية التي تقدم لحاكم خاصة إذا كان في بلد يقوم بها الحاكم بدور رئيس الحكومة ورئيس الدولة بحسب المؤرخ «توني جود». إنها لحظة صدمت أمريكا والعالم ..وبدت مخيلة هوليوود عاجزة عن التصديق برغم ما قدمته في أفلامها من أحداث فانتازية عن عدو محتمل يطيح بأمريكا عبر عدة اعتداءات «تفجيرات أسلحة كيماوية ،فيروسات قاتلة ، غازات سامة».في الوقت عينه بدا المشاهد الأمريكي الذي رأى ما نقلته شبكات التلفزيون من صور طبيعية و مباشرة عن الهجوم وكأنها لقطات لفيلم من أفلام الخيال العلمي . لقد جاءت أحداث 11 أيلول لتكشف وجها من تدخل البنتاغون ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية (سي.أي. إيه) في ميدان السينما التي تعد أكثر مجالات الفنون انتشارا وتأثيرا،وتحولت الشاشة الكبيرة إلى عرض مباشر لمكاتب البنتاغون ولقرارات البيت الأبيض بطريقة الشد من العنق بالرشاش وبالقذائف الأكثر تطورا وفق كتاب «هوليوود ،البنتاغون والبيت الأبيض» للكاتب «جون ميشيل فلانتان» الذي تم نشره عام2004 ويعد مرجعية سياسية أكثر منها سينمائية وإعلامية، دأب فيه على التأكيد «بأنه ليس ثمة شيء اسمه شاشة كبيرة،حين صارت المصالح الخاصة أهم من مصائر الشعوب،وبأن السينما السياسية هي الوجه الآخر للواقع السياسي الأمريكي نفسه ،بتنا قضاته وبحثه عن الإثارة وعن البطل الأوحد ،السوبرمان الذي لا يقهر ولا يموت ، ربط فيه المؤلف بين السينما الأمريكية ومكاتب القرارات على أعلى مستويات ،فبمقدور أمريكا أن تدخل إلى بيوت المشاهدين في كل أنحاء العالم على مدفع لتعلن حربا على الأشرار غير المطيعين لسياسة التغيير الجذرية التي بدأت قبل ثلاثين عاما من فيتنام وتبدأ اليوم ثانية من العراق . يسهب المؤلف في اتهام السينما الأمريكية بعدم براءتها مما يجري في ارض الواقع وان النصوص التي يمثلها أبطال سينمائيون يصنعها في كثير من الأحيان كتاب من البنتاغون والبيت الأبيض على حد سواء. «وكلما تمادت ثقافة ما في العنف ... صار المجتمع قبيلة من آكلي لحوم البشر».مركزا على فيلم عجيب ،غريب، للمخرج اليهودي المتطرف «وليمام كريس» أنتجته شركة غولدن الأمريكية اليهودية المشتركة في الأول من العام 2001 تتشابه أحداثه مع أحداث أيلول نفس العام، يتناول اختطاف عرب من الإرهابيين طائرة ويفجرونها على مبنى عالمي وسط العاصمة الأمريكية .في الضفة الأخرى ذكرت كبريات الصحف العالمية كالغار ديان واللوموند من خلال نشر ملفات واسعة بتلك العلاقة وبضرورة فضح هذا التقارب المريب وآثاره على العالم برمته. وبدوره أكد الفيلم الوثائقي «عملية هوليوود» للصحفيين الفرنسيين «موريس رونال واميلو باكيل» الذي عرضته مؤخرا قناة «الارت.تي» الفرنسية ـ الألمانية حقيقة تلك العلاقة.
ألقت أحداث 11 أيلول بظلالها على الإنتاج السينمائي الهوليودي الذي هيأ لنشوب حرب قريبة من الحرب التي شنها جورج بوش على العراق وحملت الأفلام طابع الاستنفار وإيهام الشعب الأمريكي بوجود خطر حقيقي مستمر، زودت تلك الأفلام بالتكنولوجيا الرقمية التي تزيد من درجة التأثير وقوة الإقناع. وكانت (الأفلام) تبريرات أخلاقية للحرب تمثلت في إنقاذ ضحايا وتجنب كوارث بشرية.
في البيت الأبيض وللمرة الأولى تم عرض عدد من الأفلام: «كل المخاوف» «كنا جنودا» «الصحبة الرديئة» «سقوط الصقر الأسود» أمام الرئيس جورج دبليو بوش ومساعديه وعدد من موظفي البنتاغون. وقد اظهر فيلم «جميع المخاوف» للمخرج «فيل الدن اند رسون» الذي طرح مسألة الحرب النووية عبر قيام مجموعة من الارهابيين بتهديد الولايات المتحدة وإلقاء قنبلة ذرية على أرضها- التعاون الروسي الأمريكي من اجل إنقاذ العالم من الفوضى. أما القائمون على إنتاج فيلم «الصحبة الرديئة» فسمح لهم بزيارة أكثر الأماكن حراسة في العالم ،هي المباني السرية للاستخبارات الأمريكية.
التواطؤ بين هوليوود وواشنطن بدا واضحا في فيلم المخرج «رايدلي سكوت» الذي تم تصويره في المغرب وتناول هزيمة الأمريكيين في الصومال عبر توجه الجنود الامريكين إلى ارض بعيدة، وقد تم إرسال شرائط الفيديو الخاصة به إلى القواعد العسكرية الموجودة خارج الولايات المتحدة وحضر حفل افتتاحه في واشنطن محاطا بعشرات من الرجال والنساء في أزيائهم العسكرية وزير الدفاع الأمريكي «دونا لد رامسفيلد» ونائب الرئيس «ديك تشيني» و «او ليفر نورث» الذي ارتبط اسمه بفضيحة إيران غيت. تعليقا على الفيلم اخبر الرئيس جورج بوش مساعديه بأن خروج أمريكا المستعجل من الصومال بعد مصرع 18 جنديا في غارة عام 1993زاد من جرأة أعداء أمريكا من الإرهابيين لخروجه إلى حيز التنفيذ ذلل البنتاغون كافة الصعاب أمام فيلم «سقوط الصقر الأسود» الذي حمل عنوانا لافتا للنظر في إشارة إلى طراز المروحيات الأمريكية (بلاك هوك) التي استخدمتها واشنطن خلال عملياتها في مقديشو ، وفقدت منها طائرتين خلال واحدة من أكثر عملياتها العسكرية فشلا، و يعتبر من أهم الأفلام المنادية بالبطولة الأمريكية ، ويذّكر الشعب بكل ما حدث للقوات الأمريكية في الصومال، فمع سقوط طائرات أل «بلاك هوك» الأمريكية سقطت كل الشعارات الزائفة التي كانت تزعم وجود مهمة إنسانية في الصومال، ولكنها أخطأت الهدف ومُنيت بكارثة..
بالرغم من ذلك التحالف إلا أن استوديوهات هوليوود كانت ترفض إظهار إنتاجها الذي يصور الإرهابيين في أماكن متفرقة وأوضاع مختلفة .
الأفلام القصيرة التي تم إنجازها في السنوات القليلة الماضية من طرف جنود أمريكيين بأفغانستان والعراق وعرضت بالقاعات السينمائية بالولايات المتحدة الأمريكية وتناولت الحروب التي قامت بها أو شاركت فيها الولايات المتحدة الأمريكية،و تم إنتاجها بتعاون مع وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاغون» سواء على مستوى كتابة السيناريو أو حتى الدعم اللوجيستي لتصوير المشاهد الحربية، حملت طابعا دعائيا وساهمت في ترويج فكرة الجندي الأمريكي الذي «لا يقهر» وعملت على إيهام الرأي العام الأمريكي بأن الجنود الذين يحاربون في أفغانستان والعراق يقومون بذلك عن قناعة وبحماسة ومعنويات مرتفعة!
مع تطور مجال صناعة الخيال بواسطة الكومبيوتر تقلص طلب هوليوود المساعدة من البنتاغون، و بالرغم من إعلان بعض الصحف الأمريكية قبل أحداث أيلول اختفاء عصر صناعة الأفلام الكارثية وأفلام الرعب من الاستوديوهات الهوليودية إلا أن الإدارة الأمريكية وواشنطن وبدل معاقبة هوليوود لاستباقها الأحداث في أفلامها، طورت استراتيجية اتصالاتها معها ،و تم تجنيدها والاستعانة بها لخدمة السياسات الأمريكية، ويبدو أن مدينة السينما كانت مستعدة للرضوخ ، وأشرف البنتاغون بإدارة الجنرال «كينيث بير غويست» على عدة اجتماعات نظمها معهد الإبداع التكنولوجي في جامعة كاليفورينا مع المخرج «ستيفان دي سوزا» والمؤلفين «جوزيف زينو، ديفيد فينشر،سبيك جونز» لوضع عدة سيناريوهات لهجمات إرهابية متخيلة، ومن ثم إيجاد الرد المناسب لها.
المصدر:
http://www.iraq-ina.com/showthis.php?type=1&tnid=33441