خلال شهر رمضان المبارك من كل عام، يغتنم المرشد الأعلى علي خامنئي موعد الإفطار لتوجيه رسالة إلى الشعب الإيراني والمجتمع الدولي. ففي ٢٣ أيار/مايو، أدلى بتصريحات علنية أثناء تناول الإفطار مع عدد من كبار المسؤولين، ومن بينهم الرئيس روحاني ووزير الخارجية محمد جواد ظريف وقائد «فيلق القدس» التابع لـ «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني قاسم سليماني. وقد خدم خطاب هذا العام هدفين، إذ حدد موقف إيران المبدئي من التفاوض مع أوروبا بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي من جهة، وسعى إلى توحيد الشعب الإيراني ضد الصعوبات التي سيواجهها في الأشهر المقبلة من جهة أخرى.
"توم وجيري" في طهران
ليس من المستغرب أن معظم الخطاب جاء رداً على انسحاب إدارة ترامب مؤخراً من «خطة العمل الشاملة المشتركة». وكرر خامنئي خطابه التقليدي بأن واشنطن تسعى للإطاحة بالجمهورية الإسلامية، وأن القضية النووية ليست إلا غطاءً لبلوغ هذا الهدف. ثم صوّر إيران على أنها قادرة على إحراز تقدم [بما تقوم به] بالرغم من أعمال "التخريب" الأمريكية، واعداً بأن مؤامرات واشنطن ستستمر بالفشل مثل تلك التي يبذلها "القط في الرسوم المتحركة الشهيرة توم وجيري".
وكان خامنئي قد ألقى المزحة نفسها في الماضي لكي يشير إلى قدرة البلاد على الصمود تحت ضغط الولايات المتحدة. ففي عام ٢٠١١، قبل أشهر من فرض واشنطن عقوبات صارمة على قطاع النفط في إيران، أعلن أن مثل هذه الإجراءات غير فعالة لأن طهران يمكن أن تواجه بسهولة "توم" وحلفائه الغربيين: "إنهم يقومون بأمور كثيرة، ويثيرون الكثير من الضجيج، وهم كبيري الحجم، ولكن أفعالهم ليست مثمرة بقدر توقعاتهم".
الدروس الستة لخامنئي
كان لبّ خطاب المرشد الأعلى عبارة عن قائمة تضم ستة دروس ينبغي أن يستخلصها الإيرانيون من تجربة «خطة العمل الشاملة المشتركة». وكما هو الحال دائماً في تصريحات خامنئي، تم صقل كل سطر بعناية وتشبيعه بإشارات إلى جماهير مختلفة. وكانت الجماهير الرئيسية هذه المرة هي "مجموعة الدول الأوروبية الثلاث" (بريطانيا وفرنسا وألمانيا) والشعب الإيراني والرئيس روحاني. وجاءت هذه القائمة على الشكل الآتي:
١. إيران لا يمكنها العمل مع الولايات المتحدة. زعم خامنئي أن قرار الرئيس ترامب بشأن «خطة العمل الشاملة المشتركة» كان أحد أعراض مرض أكبر، وهو أن واشنطن لا تحترم التزاماتها، أياً كان الرئيس. وفي رأيه، حتى الرئيس أوباما خرق "روح الاتفاق النووي وجوهره" وحاول زعزعة استقرار النظام. وبالتالي، فإن إيران "لا يمكنها أن تثق في مثل هذه الحكومة، أو توقّع عقداً معها، أو تعمل معها". وكانت هذه الرسالة موجهة إلى روحاني وظريف - اللذين يدعمان الدبلوماسية مع واشنطن - وإلى أولئك الإصلاحيين الإيرانيين الذين ما زالوا يطمحون إلى إشراك أمريكا في "حوار الحضارات". باختصار، كانت هذه طريقة خامنئي ليقول "لقد قلتُ لكم ذلك".
٢. عداء الولايات المتحدة يرتكز على ماهية الجمهورية الإسلامية، وليس برنامجها النووي. ذكر خامنئي خطاب وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو في ٢١ أيار/مايو حول إيران، قائلاً إن قائمة الإدارة الأمريكية التي تتضمن إثني عشر مطلباً تؤكد فقط مشكلة واشنطن الجوهرية مع طهران، وتحديداً رفض النظام المساومة مع الولايات المتحدة، وتمسّكه بنظام ذو حكم وقيم إسلامية. ويرى خامنئي أنّ الولايات المتحدة اختارت معالجة هذه "المشكلة" من خلال "محو عوامل القوة في الجمهورية الإسلامية" مثل برنامجها النووي وصواريخها البالستية.
٣. المرونة تجاه "العدو" ستجعله أكثر عدائية. أشار خامنئي إلى أنه في حين لا يعارض الجهود المبذولة للحد من العداوة الخارجية تجاه إيران، علّمتهُ التجربة السابقة أنه لا يمكن تحقيق ذلك من خلال "المرونة والتوافق" مع "العدو" الأمريكي. وإثباتاً لذلك، ادّعى أن التنازلات التي قدمتها طهران أثناء ولاية كل من رفسنجاني وخاتمي لم تجلب سوى المزيد من الضغط. ولا شك في أن هذا الادعاء ينطوي على انتقاد ضمني للرئيس روحاني، كونه طرفاً رئيسياً في تنفيذ السياسات في كلتا الحكومتين. ومن المفارقات، أن حجة خامنئي تتناقض أيضاً مع خطاب "المرونة البطولية" الذي ألقاه عام ٢٠١٣ والذي اعتَبَر فيه أن "المرونة ضرورية في العديد من المجالات، ولا يوجد شيء خطأ في ذلك، [ولكن لا] تنسوا من هو خصمكم".
٤. مقاومة الغرب تؤدي إلى امتيازات. ذكّر خامنئي المستمعين بأنه خلال المفاوضات النووية بين عامي ٢٠٠٤ و٢٠٠٥، طالب الغرب إيران بتفكيك منشآتها النووية ووقف تخصيب اليورانيوم. وبدلاً من ذلك، أقامت طهران منشأةً لتحويل اليورانيوم في أصفهان وأطلقت جهوداً لتخصيب اليورانيوم في ناتانز، وأنتجت في النهاية مجموعات من اليورانيوم تحتوي على ما يصل إلى ٢٠ في المائة من نظير اليورانيوم القابل للانشطار (اليورانيوم ٢٣٥)، وهو المستوى المطلوب ليصبح مادةً شبه قابلة للاستخدام في الأسلحة النووية. بعبارة أخرى، قال خامنئي إنه فقط من خلال تطوير البرنامج النووي ومقاومة الغرب، تمكنت إيران من الحصول على حقوق التخصيب بموجب «خطة العمل الشاملة المشتركة» في عام ٢٠١٥، وليس عن طريق التفاوض قبل ذلك بعشر سنوات.
٥. أوروبا غير جديرة بالثقة لأنها تقف إلى جانب واشنطن حول القضايا الجوهرية. لإثبات وجهة النظر هذه، أشار خامنئي إلى عدة حالات من مفاوضات «خطة العمل الشاملة المشتركة» التي كان من المفترض أن تحاول فيها "مجموعة الدول الأوروبية الثلاث" تقويض موقف إيران في المحادثات. وادّعى أيضاً أن هذه "المجموعة" خدعت طهران بعجزها عن الوفاء بالوعود التي قطعتها في المحادثات في الفترة ٢٠٠٤ - ٢٠٠٥، وعندما غضّت النظر عن خرق واشنطن لـ "روح «خطة العمل الشاملة المشتركة» وجوهرها".
٦. مشاكل إيران لا ترتبط بالاتفاق النووي أو الشؤون الخارجية. لطالما دعا خامنئي الجمهورية الإسلامية إلى الاعتماد على نفسها وتقليل اعتمادها على القوى الخارجية. وفي خطابه يوم الأربعاء، أوضح أن اقتصاد البلاد كان جامداً لعدة أشهر بينما كانت القوى الخارجية تفكر في ما إذا كانت ستستمر في الحفاظ على الاتفاق النووي أو ستنسحب منه. وقال إن هذا الوضع لا يمكن أن يستمر، مشيراً إلى ضرورة اتخاذ تدابير لتحسين الاقتصاد الإيراني بمعزل عن التعامل مع أوروبا.
وفي هذا الصدد، حثّ خامنئي المسؤولين الإيرانيين على الاستماع إلى "النقد المنصف" - وهو جرعة مكثّفة [من المعلومات عن توجهاته وأفكاره] استمر في إيصالها إلى روحاني لربطه التعافي الاقتصادي بالانخراط مع الغرب. كما طلب من المسؤولين أن يكونوا واقعيين وأن لا يخدعوا أنفسهم بالأحلام، وذكّر المستمعين بأن الوعد بإعطاء إيران "مائة مليار دولار" بعد «خطة العمل الشاملة المشتركة» كان مجرّد وهم، في إشارة واضحة إلى تصريحات أدلى بها مسؤولون في حكومة روحاني في شباط/ فبراير ٢٠١٦ حول هذه المبالغ.
مطالب من أوروبا
بالإضافة إلى استعراض هذه الدروس، تضمّن خطاب خامنئي قائمةً بالمطالب التي يجب على أوروبا الوفاء بها لمنع إيران من إلغاء الاتفاق النووي، وجاءت على النحو الآتي:
ومع انخفاض سعر الريال لأدنى أسعاره وتزايد الاحتجاجات الشعبية حول القضايا المحلية مثل حقوق العمال، وتصريف المياه، والمساواة بين الجنسين، تدرك طهران أنها تحتاج إلى حشد الناس حول العَلَمْ الإيراني من أجل الصمود في وجه التحديات المستقبلية ومنع اندلاع موجة أخرى من اضطرابات واسعة النطاق. ومن المرجح أن النظام يدرك أيضاً أن «خطة العمل الشاملة المشتركة» لا يمكنها أن تستمر بدون واشنطن، وأن أي إجراءات أوروبية مضادة للضغوط الأمريكية ستكون محدودة الأثر. وبناءً على ذلك، فإن آيات الله سيأخذون حتماً أي تعويض يعرض عليهم إذا كان سيساعدهم في الاستعداد لتحديات على المدى الطويل، حتى لو كان ذلك سيؤدي إلى تأخير استئناف البرنامج النووي لبضعة أشهر.
وأخيراً، أشار خامنئي إلى أن "العدو جعل من وزارة الخزانة الأمريكية غرفة حرب"، لذا تحتاج إيران إلى إنشاء "مقرها الرئيسي في مراكزها الاقتصادية". وتقرّ مثل هذه التصريحات أنه حتى لو تم تأمين "مساعدة" أوروبية محدودة، ستظل إيران تواجه واحداً من أصعب التحديات التي مرت بها البلاد خلال فترة ولاية المرشد الأعلى الحالي التي استمرت ثلاثين عاماً. وليس من المستغرب إذاً أن ينهي خامنئي خطابه بلائحة طويلة يصف فيها نقاط القوة التي تتمتع بها إيران، آملاً على ما يبدو في إقناع الشعب بأنه قادر على تحمّل الضغوط التي تعترض طريقه.
عومير كرمي هو مدير الاستخبارات في شركة الأمن السيبراني الإسرائيلية "سيكسجيل" وزميل عسكري سابق في معهد واشنطن. وقد قاد سابقاً جهوداً تحليلية وبحثية في "جيش الاحتلال الإسرائيلي" تتعلق بالتطورات في الشرق الأوسط ومجالات الأمن القومي.
"توم وجيري" في طهران
ليس من المستغرب أن معظم الخطاب جاء رداً على انسحاب إدارة ترامب مؤخراً من «خطة العمل الشاملة المشتركة». وكرر خامنئي خطابه التقليدي بأن واشنطن تسعى للإطاحة بالجمهورية الإسلامية، وأن القضية النووية ليست إلا غطاءً لبلوغ هذا الهدف. ثم صوّر إيران على أنها قادرة على إحراز تقدم [بما تقوم به] بالرغم من أعمال "التخريب" الأمريكية، واعداً بأن مؤامرات واشنطن ستستمر بالفشل مثل تلك التي يبذلها "القط في الرسوم المتحركة الشهيرة توم وجيري".
وكان خامنئي قد ألقى المزحة نفسها في الماضي لكي يشير إلى قدرة البلاد على الصمود تحت ضغط الولايات المتحدة. ففي عام ٢٠١١، قبل أشهر من فرض واشنطن عقوبات صارمة على قطاع النفط في إيران، أعلن أن مثل هذه الإجراءات غير فعالة لأن طهران يمكن أن تواجه بسهولة "توم" وحلفائه الغربيين: "إنهم يقومون بأمور كثيرة، ويثيرون الكثير من الضجيج، وهم كبيري الحجم، ولكن أفعالهم ليست مثمرة بقدر توقعاتهم".
الدروس الستة لخامنئي
كان لبّ خطاب المرشد الأعلى عبارة عن قائمة تضم ستة دروس ينبغي أن يستخلصها الإيرانيون من تجربة «خطة العمل الشاملة المشتركة». وكما هو الحال دائماً في تصريحات خامنئي، تم صقل كل سطر بعناية وتشبيعه بإشارات إلى جماهير مختلفة. وكانت الجماهير الرئيسية هذه المرة هي "مجموعة الدول الأوروبية الثلاث" (بريطانيا وفرنسا وألمانيا) والشعب الإيراني والرئيس روحاني. وجاءت هذه القائمة على الشكل الآتي:
١. إيران لا يمكنها العمل مع الولايات المتحدة. زعم خامنئي أن قرار الرئيس ترامب بشأن «خطة العمل الشاملة المشتركة» كان أحد أعراض مرض أكبر، وهو أن واشنطن لا تحترم التزاماتها، أياً كان الرئيس. وفي رأيه، حتى الرئيس أوباما خرق "روح الاتفاق النووي وجوهره" وحاول زعزعة استقرار النظام. وبالتالي، فإن إيران "لا يمكنها أن تثق في مثل هذه الحكومة، أو توقّع عقداً معها، أو تعمل معها". وكانت هذه الرسالة موجهة إلى روحاني وظريف - اللذين يدعمان الدبلوماسية مع واشنطن - وإلى أولئك الإصلاحيين الإيرانيين الذين ما زالوا يطمحون إلى إشراك أمريكا في "حوار الحضارات". باختصار، كانت هذه طريقة خامنئي ليقول "لقد قلتُ لكم ذلك".
٢. عداء الولايات المتحدة يرتكز على ماهية الجمهورية الإسلامية، وليس برنامجها النووي. ذكر خامنئي خطاب وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو في ٢١ أيار/مايو حول إيران، قائلاً إن قائمة الإدارة الأمريكية التي تتضمن إثني عشر مطلباً تؤكد فقط مشكلة واشنطن الجوهرية مع طهران، وتحديداً رفض النظام المساومة مع الولايات المتحدة، وتمسّكه بنظام ذو حكم وقيم إسلامية. ويرى خامنئي أنّ الولايات المتحدة اختارت معالجة هذه "المشكلة" من خلال "محو عوامل القوة في الجمهورية الإسلامية" مثل برنامجها النووي وصواريخها البالستية.
٣. المرونة تجاه "العدو" ستجعله أكثر عدائية. أشار خامنئي إلى أنه في حين لا يعارض الجهود المبذولة للحد من العداوة الخارجية تجاه إيران، علّمتهُ التجربة السابقة أنه لا يمكن تحقيق ذلك من خلال "المرونة والتوافق" مع "العدو" الأمريكي. وإثباتاً لذلك، ادّعى أن التنازلات التي قدمتها طهران أثناء ولاية كل من رفسنجاني وخاتمي لم تجلب سوى المزيد من الضغط. ولا شك في أن هذا الادعاء ينطوي على انتقاد ضمني للرئيس روحاني، كونه طرفاً رئيسياً في تنفيذ السياسات في كلتا الحكومتين. ومن المفارقات، أن حجة خامنئي تتناقض أيضاً مع خطاب "المرونة البطولية" الذي ألقاه عام ٢٠١٣ والذي اعتَبَر فيه أن "المرونة ضرورية في العديد من المجالات، ولا يوجد شيء خطأ في ذلك، [ولكن لا] تنسوا من هو خصمكم".
٤. مقاومة الغرب تؤدي إلى امتيازات. ذكّر خامنئي المستمعين بأنه خلال المفاوضات النووية بين عامي ٢٠٠٤ و٢٠٠٥، طالب الغرب إيران بتفكيك منشآتها النووية ووقف تخصيب اليورانيوم. وبدلاً من ذلك، أقامت طهران منشأةً لتحويل اليورانيوم في أصفهان وأطلقت جهوداً لتخصيب اليورانيوم في ناتانز، وأنتجت في النهاية مجموعات من اليورانيوم تحتوي على ما يصل إلى ٢٠ في المائة من نظير اليورانيوم القابل للانشطار (اليورانيوم ٢٣٥)، وهو المستوى المطلوب ليصبح مادةً شبه قابلة للاستخدام في الأسلحة النووية. بعبارة أخرى، قال خامنئي إنه فقط من خلال تطوير البرنامج النووي ومقاومة الغرب، تمكنت إيران من الحصول على حقوق التخصيب بموجب «خطة العمل الشاملة المشتركة» في عام ٢٠١٥، وليس عن طريق التفاوض قبل ذلك بعشر سنوات.
٥. أوروبا غير جديرة بالثقة لأنها تقف إلى جانب واشنطن حول القضايا الجوهرية. لإثبات وجهة النظر هذه، أشار خامنئي إلى عدة حالات من مفاوضات «خطة العمل الشاملة المشتركة» التي كان من المفترض أن تحاول فيها "مجموعة الدول الأوروبية الثلاث" تقويض موقف إيران في المحادثات. وادّعى أيضاً أن هذه "المجموعة" خدعت طهران بعجزها عن الوفاء بالوعود التي قطعتها في المحادثات في الفترة ٢٠٠٤ - ٢٠٠٥، وعندما غضّت النظر عن خرق واشنطن لـ "روح «خطة العمل الشاملة المشتركة» وجوهرها".
٦. مشاكل إيران لا ترتبط بالاتفاق النووي أو الشؤون الخارجية. لطالما دعا خامنئي الجمهورية الإسلامية إلى الاعتماد على نفسها وتقليل اعتمادها على القوى الخارجية. وفي خطابه يوم الأربعاء، أوضح أن اقتصاد البلاد كان جامداً لعدة أشهر بينما كانت القوى الخارجية تفكر في ما إذا كانت ستستمر في الحفاظ على الاتفاق النووي أو ستنسحب منه. وقال إن هذا الوضع لا يمكن أن يستمر، مشيراً إلى ضرورة اتخاذ تدابير لتحسين الاقتصاد الإيراني بمعزل عن التعامل مع أوروبا.
وفي هذا الصدد، حثّ خامنئي المسؤولين الإيرانيين على الاستماع إلى "النقد المنصف" - وهو جرعة مكثّفة [من المعلومات عن توجهاته وأفكاره] استمر في إيصالها إلى روحاني لربطه التعافي الاقتصادي بالانخراط مع الغرب. كما طلب من المسؤولين أن يكونوا واقعيين وأن لا يخدعوا أنفسهم بالأحلام، وذكّر المستمعين بأن الوعد بإعطاء إيران "مائة مليار دولار" بعد «خطة العمل الشاملة المشتركة» كان مجرّد وهم، في إشارة واضحة إلى تصريحات أدلى بها مسؤولون في حكومة روحاني في شباط/ فبراير ٢٠١٦ حول هذه المبالغ.
مطالب من أوروبا
بالإضافة إلى استعراض هذه الدروس، تضمّن خطاب خامنئي قائمةً بالمطالب التي يجب على أوروبا الوفاء بها لمنع إيران من إلغاء الاتفاق النووي، وجاءت على النحو الآتي:
- قرار أوروبي يدين "انتهاك" الولايات المتحدة لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2231.
- وعد بـ "عدم إثارة قضايا الصواريخ والشؤون الإقليمية للجمهورية الإسلامية".
- الالتزام بمقاومة أي عقوبات ضد إيران.
- ضمان أنه إذا ما عملت واشنطن على عرقلة بيع النفط الإيراني إلى دول أخرى، ستقوم أوروبا بالتعويض [لإيران] عن طريق شراء النفط بنفسها.
- الالتزام بمواصلة المعاملات المصرفية الأوروبية مع إيران.
ومع انخفاض سعر الريال لأدنى أسعاره وتزايد الاحتجاجات الشعبية حول القضايا المحلية مثل حقوق العمال، وتصريف المياه، والمساواة بين الجنسين، تدرك طهران أنها تحتاج إلى حشد الناس حول العَلَمْ الإيراني من أجل الصمود في وجه التحديات المستقبلية ومنع اندلاع موجة أخرى من اضطرابات واسعة النطاق. ومن المرجح أن النظام يدرك أيضاً أن «خطة العمل الشاملة المشتركة» لا يمكنها أن تستمر بدون واشنطن، وأن أي إجراءات أوروبية مضادة للضغوط الأمريكية ستكون محدودة الأثر. وبناءً على ذلك، فإن آيات الله سيأخذون حتماً أي تعويض يعرض عليهم إذا كان سيساعدهم في الاستعداد لتحديات على المدى الطويل، حتى لو كان ذلك سيؤدي إلى تأخير استئناف البرنامج النووي لبضعة أشهر.
وأخيراً، أشار خامنئي إلى أن "العدو جعل من وزارة الخزانة الأمريكية غرفة حرب"، لذا تحتاج إيران إلى إنشاء "مقرها الرئيسي في مراكزها الاقتصادية". وتقرّ مثل هذه التصريحات أنه حتى لو تم تأمين "مساعدة" أوروبية محدودة، ستظل إيران تواجه واحداً من أصعب التحديات التي مرت بها البلاد خلال فترة ولاية المرشد الأعلى الحالي التي استمرت ثلاثين عاماً. وليس من المستغرب إذاً أن ينهي خامنئي خطابه بلائحة طويلة يصف فيها نقاط القوة التي تتمتع بها إيران، آملاً على ما يبدو في إقناع الشعب بأنه قادر على تحمّل الضغوط التي تعترض طريقه.
عومير كرمي هو مدير الاستخبارات في شركة الأمن السيبراني الإسرائيلية "سيكسجيل" وزميل عسكري سابق في معهد واشنطن. وقد قاد سابقاً جهوداً تحليلية وبحثية في "جيش الاحتلال الإسرائيلي" تتعلق بالتطورات في الشرق الأوسط ومجالات الأمن القومي.