هل تأخر إيقاف الصين
سعود بن هاشم جليدان
| الاحد 22 أبريل 2018
شرعت الولايات المتحدة أخيرا في حرب تجارية مع الصين، من خلال فرض رسوم إضافية وقيود تجارية على بعض صادرات الصين من السلع الصناعية. وردت الصين برسوم مماثلة على بعض وارداتها من الولايات المتحدة. تبرر الحكومة الأمريكية سياستها المخالفة للاتفاقيات متعددة الأطراف بتضرر صناعاتها من الممارسات الصينية غير العادلة، التي تقود إلى فقدان الوظائف في الاقتصاد الأمريكي. من جهة أخرى، يرجح كثيرون أن السبب الحقيقي لهذه الإجراءات يعود لقلق الولايات المتحدة المتزايد من تنامي القوى الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية الصينية التي قد تكون أكبر تهديد مستقبلي لمكانة الولايات المتحدة ونفوذها العالمي.
تتخوف الولايات المتحدة من الصين بسبب ما تملكه من إمكانات وقوى وميزات تفوق معظم دول العالم، ولعل أكبر عامل يجعل الصين في مقدمة دول العالم خطرا على المكانة الأمريكية ومصالحها العالمية هو حجم سكان الصين الضخم الذي يصل إلى 1.4 مليار إنسان، الذي يزيد على أربعة أضعاف سكان الولايات المتحدة. ومكن عدد السكان الضخم الصين من تملك السوق الداخلية العظمى عالميا، حيث تستطيع صناعتها من خلال سوقها الداخلية وحدها أن تتبوأ المراكز الأولى عالميا. وتغري السوق الداخلية الضخمة المستثمرين الأجانب بالدخول إليها، حيث باستطاعتهم تحقيق أرباح هائلة من هذه السوق، وتجعلهم أكثر استعدادا لجلب استثمارات ضخمة ونقل التقنيات إلى داخل الصين، ما يدعم ويسرع نمو الصين وتقدمها. هناك كثير من الشركات العالمية التي تفوق مبيعاتها داخل الصين نظيرتها في بلدانها، فشركة جنرال موترز للسيارات مثلا تبيع سيارات في السوق الصينية تفوق الأعداد التي تبيعها في بلدها الأم الولايات المتحدة. وإذا أضيفت إلى هذه السوق سياسة الصين القوية والشرسة في مجال التصدير، فإن ذلك يصعب على أي دولة في العالم منافستها.
في مجال المعلومات لدى الصين ما يزيد على 730 مليون مستخدم للإنترنت وقوانين مرنة بخصوص الخصوصية، ما يوفر أضخم سوق في مجال المعلومات وتطوير تقنياتها. كما تنشط الصين بشكل كبير في مجال الأبحاث وبراءات الاختراع، حيث تجاوزت طلبات براءات الاختراع الصينية وعدد الموافق عليها نظيرتها في الولايات المتحدة، ومع أن عدد الطلبات لا يظهر نوعية البراءات، إلا أنه يدل على الاهتمام والنشاط الكبير الحكومي والشعبي بهذا المجال. وتظهر البيانات أن معظم طلبات براءات الاختراع في الصين هي لمقيمين، بينما تفوق الطلبات الخارجية في الولايات المتحدة طلبات المقيمين داخلها. وتنشط المؤسسات التعليمية والشركات الصينية في مجال الأبحاث العلمية، كما يفوق إجمالي عدد الطلاب الجامعيين في الصين سكان كثير من البلدان، حيث تحتل البلاد المركز الأول عالميا بعدما كانت الولايات المتحدة تتبوؤه لسنوات طويلة. تركز الصين بشكل ملحوظ على مجالات الذكاء الصناعي التي يرى كثيرون أنها بوابة التفوق الاقتصادي والاستراتيجي مستقبلا.
تحتل الصين المركز الثاني عالميا في الناتج المحلي الإجمالي المقيم بمعدلات الصرف، ولكنها تقف في المركز الأول عالميا إذا قيم بالقوة الشرائية المعادلة. كما أنها الأولى في قيمة الصادرات، والثانية في الواردات وفائض الحساب الجاري. وهي الشريك التجاري الأهم لكثير من الدول وعلى رأسها الولايات المتحدة. وتبذل الصين جهودا حثيثة في الاستثمارات الخارجية، حيث تملك أكبر احتياطيات وأصول أجنبية. كما تتمتع الصين باستقرار سياسي وتماسك داخلي يصعب على الدول الخارجية زعزعته. ويدعم جهود الصين الداخلية والخارجية نمو اقتصادي قوي سيقودها في حالة استمراره إلى التفوق على الولايات المتحدة في معظم المجالات. وللمحافظة على النمو الاقتصادي القوي تنفق الحكومة الصينية أموالا طائلة على تطوير البنية الأساسية. أما على الصعيد الخارجي فهي تمارس سياسات دبلوماسية هادئة، وتتجنب بشكل واضح الصراعات المسلحة، وفي الوقت نفسه تسعى لامتلاك قوى عسكرية هائلة وحديثة.
يشكك معظم المراقبين في قدرة الولايات المتحدة أو أي قوى أخرى كالهند واليابان على وقف تعاظم مكانة ونفوذ الصين على الساحة الدولية في المجالات الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية. ولا يبدو أن الحرب التجارية التي نشبت أخيرا، وقد تستعر في وقت لاحق بين الولايات المتحدة والصين، قادرة على وقف المارد الصيني من كسب النفوذ والسيطرة في كثير من المجالات والدول والقارات. إضافة إلى ذلك تجبر مكانة الصين الاقتصادية المتعاظمة والمصالح المشتركة الدول الأخرى على تجنب إغضابها، أو اتخاذ إجراءات تضر بمصالحها. لهذا يمكن القول وبدرجة عالية من الثقة إن الوقت قد فات على الوقوف في وجه الصين. إضافة إلى ذلك تثبت التجربة الصينية أن الطاقات البشرية وحجم السكان الضخم عامل قوة ويولد إيجابيات كثيرة للبلدان التي تحسن استغلاله.
سعود بن هاشم جليدان
| الاحد 22 أبريل 2018
شرعت الولايات المتحدة أخيرا في حرب تجارية مع الصين، من خلال فرض رسوم إضافية وقيود تجارية على بعض صادرات الصين من السلع الصناعية. وردت الصين برسوم مماثلة على بعض وارداتها من الولايات المتحدة. تبرر الحكومة الأمريكية سياستها المخالفة للاتفاقيات متعددة الأطراف بتضرر صناعاتها من الممارسات الصينية غير العادلة، التي تقود إلى فقدان الوظائف في الاقتصاد الأمريكي. من جهة أخرى، يرجح كثيرون أن السبب الحقيقي لهذه الإجراءات يعود لقلق الولايات المتحدة المتزايد من تنامي القوى الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية الصينية التي قد تكون أكبر تهديد مستقبلي لمكانة الولايات المتحدة ونفوذها العالمي.
تتخوف الولايات المتحدة من الصين بسبب ما تملكه من إمكانات وقوى وميزات تفوق معظم دول العالم، ولعل أكبر عامل يجعل الصين في مقدمة دول العالم خطرا على المكانة الأمريكية ومصالحها العالمية هو حجم سكان الصين الضخم الذي يصل إلى 1.4 مليار إنسان، الذي يزيد على أربعة أضعاف سكان الولايات المتحدة. ومكن عدد السكان الضخم الصين من تملك السوق الداخلية العظمى عالميا، حيث تستطيع صناعتها من خلال سوقها الداخلية وحدها أن تتبوأ المراكز الأولى عالميا. وتغري السوق الداخلية الضخمة المستثمرين الأجانب بالدخول إليها، حيث باستطاعتهم تحقيق أرباح هائلة من هذه السوق، وتجعلهم أكثر استعدادا لجلب استثمارات ضخمة ونقل التقنيات إلى داخل الصين، ما يدعم ويسرع نمو الصين وتقدمها. هناك كثير من الشركات العالمية التي تفوق مبيعاتها داخل الصين نظيرتها في بلدانها، فشركة جنرال موترز للسيارات مثلا تبيع سيارات في السوق الصينية تفوق الأعداد التي تبيعها في بلدها الأم الولايات المتحدة. وإذا أضيفت إلى هذه السوق سياسة الصين القوية والشرسة في مجال التصدير، فإن ذلك يصعب على أي دولة في العالم منافستها.
في مجال المعلومات لدى الصين ما يزيد على 730 مليون مستخدم للإنترنت وقوانين مرنة بخصوص الخصوصية، ما يوفر أضخم سوق في مجال المعلومات وتطوير تقنياتها. كما تنشط الصين بشكل كبير في مجال الأبحاث وبراءات الاختراع، حيث تجاوزت طلبات براءات الاختراع الصينية وعدد الموافق عليها نظيرتها في الولايات المتحدة، ومع أن عدد الطلبات لا يظهر نوعية البراءات، إلا أنه يدل على الاهتمام والنشاط الكبير الحكومي والشعبي بهذا المجال. وتظهر البيانات أن معظم طلبات براءات الاختراع في الصين هي لمقيمين، بينما تفوق الطلبات الخارجية في الولايات المتحدة طلبات المقيمين داخلها. وتنشط المؤسسات التعليمية والشركات الصينية في مجال الأبحاث العلمية، كما يفوق إجمالي عدد الطلاب الجامعيين في الصين سكان كثير من البلدان، حيث تحتل البلاد المركز الأول عالميا بعدما كانت الولايات المتحدة تتبوؤه لسنوات طويلة. تركز الصين بشكل ملحوظ على مجالات الذكاء الصناعي التي يرى كثيرون أنها بوابة التفوق الاقتصادي والاستراتيجي مستقبلا.
تحتل الصين المركز الثاني عالميا في الناتج المحلي الإجمالي المقيم بمعدلات الصرف، ولكنها تقف في المركز الأول عالميا إذا قيم بالقوة الشرائية المعادلة. كما أنها الأولى في قيمة الصادرات، والثانية في الواردات وفائض الحساب الجاري. وهي الشريك التجاري الأهم لكثير من الدول وعلى رأسها الولايات المتحدة. وتبذل الصين جهودا حثيثة في الاستثمارات الخارجية، حيث تملك أكبر احتياطيات وأصول أجنبية. كما تتمتع الصين باستقرار سياسي وتماسك داخلي يصعب على الدول الخارجية زعزعته. ويدعم جهود الصين الداخلية والخارجية نمو اقتصادي قوي سيقودها في حالة استمراره إلى التفوق على الولايات المتحدة في معظم المجالات. وللمحافظة على النمو الاقتصادي القوي تنفق الحكومة الصينية أموالا طائلة على تطوير البنية الأساسية. أما على الصعيد الخارجي فهي تمارس سياسات دبلوماسية هادئة، وتتجنب بشكل واضح الصراعات المسلحة، وفي الوقت نفسه تسعى لامتلاك قوى عسكرية هائلة وحديثة.
يشكك معظم المراقبين في قدرة الولايات المتحدة أو أي قوى أخرى كالهند واليابان على وقف تعاظم مكانة ونفوذ الصين على الساحة الدولية في المجالات الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية. ولا يبدو أن الحرب التجارية التي نشبت أخيرا، وقد تستعر في وقت لاحق بين الولايات المتحدة والصين، قادرة على وقف المارد الصيني من كسب النفوذ والسيطرة في كثير من المجالات والدول والقارات. إضافة إلى ذلك تجبر مكانة الصين الاقتصادية المتعاظمة والمصالح المشتركة الدول الأخرى على تجنب إغضابها، أو اتخاذ إجراءات تضر بمصالحها. لهذا يمكن القول وبدرجة عالية من الثقة إن الوقت قد فات على الوقوف في وجه الصين. إضافة إلى ذلك تثبت التجربة الصينية أن الطاقات البشرية وحجم السكان الضخم عامل قوة ويولد إيجابيات كثيرة للبلدان التي تحسن استغلاله.