بسم الله الرحمن الرحيم
( الم ( 1 ) غلبت الروم ( 2 ) في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون ( 3 ) )
( الم غلبت الروم في أدنى الأرض ) سبب نزول هذه الآية على - ما ذكره المفسرون : - أنه كان بين فارس والروم قتال ، وكان المشركون يودون أن تغلب فارس الروم ، لأن أهل فارس كانوا مجوسا أميين ، والمسلمون يودون غلبة الروم على فارس ، لكونهم أهل كتاب ، فبعث كسرى جيشا إلى الرومواستعمل عليها رجلا يقال له شهريراز ، وبعث قيصر جيشا إلى فارس واستعمل عليهم رجلا يدعى يحفس ، فالتقيا بأذرعات وبصرى ، وهي أدنىالشام إلى أرض العرب والعجم ، فغلبت فارس الروم ، فبلغ ذلك المسلمين بمكة ، فشق عليهم ، وفرح به كفار مكة ، وقالوا للمسلمين : إنكم أهل كتاب ، والنصارى أهل كتاب ، ونحن أميون وقد ظهر إخواننا من أهل فارس على إخوانكم من أهل الروم ، وإنكم إن قاتلتمونا لنظهرن عليكم ، فأنزل الله تعالى هذه الآيات ، فخرج أبو بكر الصديق إلى الكفار ، فقال : فرحتم بظهور إخوانكم ، فلا تفرحوا فوالله ليظهرن على فارس [ على ما ] أخبرنا بذلك نبينا ، فقام إليه أبي بن خلف الجمحي فقال : كذبت ، فقال : أنت أكذب يا عدو الله ، فقال : اجعل بيننا أجلا أناحبك عليه - والمناحبة : المراهنة - على عشر قلائص مني وعشر قلائص منك ، فإن ظهرت الروم على فارس غرمت ، وإن ظهرت فارس غرمت ففعلوا وجعلوا الأجل ثلاث سنين فجاء أبو بكرإلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبره بذلك ، وذلك قبل تحريم القمار ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " ما هكذا ذكرت إنما البضع ما بين الثلاثة إلى التسع ، فزايده في الخطر وماده في الأجل ، فخرج [ ص: 260 ] أبو بكر ولقي أبيا ، فقال : لعلك ندمت ؟ قال : لا فتعال أزايدك في الخطر وأمادك في الأجل ، فاجعلها مائة قلوص ومائة قلوص إلى تسع سنين ، وقيل إلى سبع سنين ، قال قد فعلت : فلما خشي أبي بن خلف أن يخرج أبو بكرمن مكة أتاه فلزمه ، وقال : إني أخاف أن تخرج من مكة فأقم لي كفيلا فكفل له ابنه عبد الله بن أبي بكر ، فلما أراد أبي بن خلف أن يخرج إلى أحد أتاهعبد الله بن أبي بكر فلزمه ، فقال : لا والله لا أدعك حتى تعطيني كفيلا فأعطاه كفيلا . ثم خرج إلى أحد ثم رجع أبي بن خلف فمات بمكة من جراحته التي جرحه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين بارزه ، وظهرت الروم على فارس يوم الحديبية ، وذلك عند رأس سبع سنين من مناحبتهم . وقيل : كان يوم بدر . قال الشعبي : لم تمض تلك المدة التي عقدوا المناحبة بين أهل مكة ، وفيها صاحب ، قمارهم أبي بن خلف ، والمسلمون وصاحب قمارهم أبو بكر ، وذلك قبل تحريم القمار ، حتى غلبت الروم فارس وربطوا خيولهم بالمدائن وبنو الرومية فقمر أبو بكر أبيا وأخذ مال الخطر من ورثته ، وجاء به يحمله إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : " تصدق به " .