سؤال الوحدة في أوروبا لا يعرف إجابات كثيرة؛ فتقليدياً كانت المألوف أن تتحد أجزاء من أوروبا تحت سطوة تغول قوة ما، كالامبراطورية الرومانية في الماضي القديم أو الحالتين النابليونية والهتلرية في القرون القليلة الماضية ونحوها، أو تنخرط فيها عدة دول في أحلاف كبيرة ضد خطر كبير يحيق بمستقبلها مجتمعة، لكن من دون أن ينسحب على هذه الأحلاف مسمى الوحدة.
ومنذ بدأت عصور الفتوحات الإسلامية شرعت أوروبا المنكسرة في تجميع قواها للنيل من المسلمين والعمل على إعادة الاستيلاء على المناطق العربية المحتلة، فانطلقت الحملات الصليبية التي لم تكن تمثل سوى اجتماعاً ظرفياً ووظيفياً سرعان ما ينفرط عقده عند انتهاء الحاجة إليه أو الوقوع تحت ضغط هزائم تلحقها الجيوش الإسلامية بها.
تنوعت المخاطر التي جعلت أوروبا تفكر في إقامة التحالفات العسكرية التي لم تتعد الحالة الآنية والظرفية، حتى وهي تواجه الأسطول العثماني العملاق، وجيوش مشاته الضخمة على الأرض؛ فلقد بقيت التحالفات آنية، وإن طال زمن "رباطها" واحتشادها، لكن هذه التحالفات سرعان ما تراجعت الرغبة في بقائها منذ أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها، وانكشف العالم الإسلامي إثر هزائم متلاحقة ووقوعه تحت هيمنة غربية (أمريكية وأوروبية) أضعفت من حاجة الأوروبيين إلى تشكيل جيوش موحدة ضده والإبقاء على حالة الحرب العسكرية الدائمة معه بعد أن خضعت معظم حضائره وأملاكه.
لم ينحسر التخوف من الإسلام وأهله أبداً، إنما أربطة الوحدة ضده قد تراخت كثيراً مع تراجع قوة العالم الإسلامي، لكن ظل الخوف مستمراً منذ صعود القوة السلافية الروسية في القرن ثامن العشر، وتراوح تهديد قوتها للممالك الأوروبية ما بين المتوسط إلى الخطير؛ فالتفتت أوروبا تدريجياً إلى ضرورة الإبقاء على قوتها موحدة إلى حد كبير لاسيما في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وبالتدريج ارتأت أوروبا أن خيارها الوحيد للإبقاء على نهضتها المدنية التي تغذت على استنزاف المناطق الإفريقية والأسيوية يكمن في الوحدة، سواء على أسس اقتصادية أو عسكرية، إذ برز الاقتصاد مؤخراً كأحد أهم أسباب الوحدة الأوروبية، والذي أجاب عن سؤال الوحدة الأبرز.
ولقد غدت المعادلة التي فهمها الأوروبيون أنه طالما ظلت أوروبا موحدة فسيصبح اقتصادها الأقوى، وستقف عائقاً أمام القوة الروسية الكبيرة، والإسلام بطبيعة الحال كعدو تقليدي لا تفتأ أوروبا تحذَر منه، لكن هذه القاعدة قد انخرمت مع بدء أوروبا في مواجهة استحقاقات عديدة أبرزها عدم استمرار اضطراد ثبات الوحدة مع نمو الاقتصاد، فالفرقاء الذي جمعتهم الشراكة الاقتصادية قد نأووا بحمل ثقيل خلفه اضطرارهم إلى تعويم دول ذات اقتصادات واهنة، فمع انضمام دول شرقية، زادت مسؤولية التعويم، ومع تراجع اقتصادات اليونان وإيطاليا وإسبانيا شرعت دول تعد قاطرات الاقتصاد الأوروبي في البحث عن مخارج أخرى.
بريطانيا شقت طريقها بشكل دراماتيكي بالخروج من الاتحاد الأوروبي، اتخذت على ما يبدو قراراً متسرعاً، ازداد الخرق اتساعاً، ومع اتساعه أعادت أقاليم توحدت ضمن أطر دول وطنية في مراجعة حساباتها الاقتصادية، وخلصت إلى أن وحدتها مع أقاليم أخرى قد أضرت بمستقبلها الاقتصادي.
ثمة أسباب قومية وإثنية ومذهبية ولغوية بالأصل تجعل أقاليم أوروبية تفكر بالانفصال، لكن ما جعل هذا التفكير يأخذ منحى جدياً، ويجد طريقه لتشكيل رأي عام متنامٍ يطالب بالاستقلال عن الدول الوطنية في أوروبا هو التراجع الاقتصادي الأوروبي بصفة عامة، والتقلص الاقتصادي داخل تلك الدول، فمع الاعتراف بوجود مشاكل أصيلة لدى أقاليم كاتالونيا والباسك بإسبانيا، والفلامندي ببلجيكا، والتيرول والفينيتو (البندقية) بإيطاليا، ورغبة اسكتلندة بالمملكة المتحدة، وجزيرة صقلية، وغيرها، إلا أن التراجع الاقتصادي كان هو المحرك الأبرز للنزعات الانفصالية لاسيما مع انحسار الأيديولوجيا التي يمكن أن تمثل مدماكاً للوحدة سواء على صعيد الدولة الوطنية أو القارة الأوروبية، وغرق المواطن الأوروبي في المادية والبحث عن الرفاه الفردية بعيداً عن وشائج الدين والقومية والوطن.
بلمحة خاطفة على هذه الأقاليم ذات النزعات الانفصالية يمكننا بسهولة استنتاج العامل الأبرز لهذه النزعات، حيث يلاحظ أن مجمل هذه الأقاليم هي الأكثر ثراء داخل أوطانها أو الأقل انتفاعاً من شقيقاتها من الدخل القومي، والأكثر تحملاً للضرائب في مقابل الخدمات. هذا أيضاً يلحظ في بعض الولايات الأمريكية التي بدأت تعلو فيها النزعات الانفصالية.
في قرارة نفس السياسي الأوروبي يبدو موروث "الحملات الصليبية" ساكناً، ويبدو الشعور الوحدوي اللازم لبقاء أوروبا موحدة سواء ضد الإسلام كعدو تقليدي أو ضد الروس كقوة صاعدة، وربما يعتقد يقيناً أن التحدي الاقتصادي الخارجي: الولايات المتحدة، الصين، الهند، وبعض الدول الأخرى الصاعدة، والداخلي: تركيا على وجه الخصوص، لا يمكن التصدي لهما أو البقاء في حيز المنافسة معهما إلا ببقاء الأوطان موحدة ابتداءً وأوروبا كهدف، لكن ليس بالضرورة هو ذاك ما يفكر به المواطن الأوروبي العادي، أو لنقل الناخب الذي يمكن لأفكار استقلالية تحمل رفاه في زمن عز فيه أن تجتذبه، وأحلام بتخفيض البطالة والتضخم والضرائب وزيادة المداخيل أن تدغدغ مشاعره أكثر بكثير من أفكار دينية أو تطلعات استراتيجية بعيدة المدى والأثر.
"الاستشراف الاستراتيجي لـ 2040" هو عنوان لتقرير سري للجيش الألماني أعد في فبراير الماضي وجاء في 120 صفحة، وتحدثت عنه دير شبيغل الألمانية، حمل تكهنات موغلة في التشاؤم بشأن بقاء أوروبا موحدة، إذ توقع أنه بحلول العام 2040 سيشهد الاتحاد الأوروبي انقسامات عديدة تؤدي إلى تفكك الاتحاد الأوروبي، ما يعني خروج الاتحاد الأوروبي من دائرة التنافس مع القوى الاقتصادية الأخرى، لاسيما الكتلة الشرقية، واهتزاز الثقة في قدرة أوروبا على البقاء ضمن منظومة دفاعية قوية، وأوضح أن دعوة الرئيس الفرنسى ايمانويل ماكرون للتوحد الأوروبي الكامل، وإنشاء جيش أوروبي موحد، ومثلها من الدعوات لن تجد سبيلاً للنجاح على أرض الواقع، متوقعاً صعوداً للروس على حساب الأوروبيين والأمريكيين.
إلى غير ذلك التقارير، ثمة تقارير دقيقة نشرتها كريستيان ساينس مونيتور الأمريكية وذي تايمز البريطانية قد أوضحا – على الترتيب – عجز الألمان والبريطانيين عن مواكبة الصعود الروسي في مجال السلاح، وضعف الجيشين الألماني والبريطاني، هذا علاوة على ما هو معلوم من تراجع القدرات العسكرية الفرنسية كذلك. هذا بدوره يضيف إلى أزمة الوحدة الأوروبية ثقلاً يدفعها باتجاه الانهيار أكثر من جهة، أو من جهة أخرى يشعل سباقاً للتسلح الأوروبي سيزيد من تباطؤ الاقتصادي الأوروبي، لاسيما حين يضطر الأوروبيون إلى مجاراة الصعود الروسي والتركي في مجال التصنيع العسكري المتطور.
ثمة تحدٍ آخر يواجه أوروبا التي تريد أن تنهض اقتصادياً، وهو الصعود الإسلامي المتدرج فيها، والذي قد يقوي فكرة الوحدة وصناعة عدو يحفز عليها، لكنه في مقابل ذلك سيدفع أوروبا لمزيد من القوانين المقيدة للحريات، يضاف إلى ذلك التجاء النظام الأوروبي العام لاتخاذ إجراءات تبدو لكثير من الانفصاليين استبدادية كتلك التي أفضت في المسألة الكتالونية إلى ملاحقة ساسة الإقليم بسبب برامجهم السياسية الانفصالية أو الاستقلالية التي يرونها ويراها أنصارهم مشروعة. هذه الأجواء التي ستخيم تدريجياً على سماء الأوروبيين ربما فاقمت من صعوبة الانطلاق الاقتصادي في عالم تنافسي، ما يزيد من صعوبة استمرار أوروبا كقوة اقتصادية أولاً، وككتلة اقتصادية تالياً.
الولايات المتحدة ستجد نفسها أمام استحقاق استراتيجي كبير حالئذ، إما أنها ستحاول تجربة المحاولة الألمانية القائمة في دعم الوحدة الأوروبية بما يعزز من تبعية أوروبا لها في مقابل الروس، ويرهق الخزينة الأمريكية في آن معاً، أو ستفضل الانكفاء على ذاتها ربما كما كانت قبل أوائل القرن الماضي.
السؤال يومها: إذا صار العالم هكذا.. أين سنكون فيه؟
ومنذ بدأت عصور الفتوحات الإسلامية شرعت أوروبا المنكسرة في تجميع قواها للنيل من المسلمين والعمل على إعادة الاستيلاء على المناطق العربية المحتلة، فانطلقت الحملات الصليبية التي لم تكن تمثل سوى اجتماعاً ظرفياً ووظيفياً سرعان ما ينفرط عقده عند انتهاء الحاجة إليه أو الوقوع تحت ضغط هزائم تلحقها الجيوش الإسلامية بها.
تنوعت المخاطر التي جعلت أوروبا تفكر في إقامة التحالفات العسكرية التي لم تتعد الحالة الآنية والظرفية، حتى وهي تواجه الأسطول العثماني العملاق، وجيوش مشاته الضخمة على الأرض؛ فلقد بقيت التحالفات آنية، وإن طال زمن "رباطها" واحتشادها، لكن هذه التحالفات سرعان ما تراجعت الرغبة في بقائها منذ أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها، وانكشف العالم الإسلامي إثر هزائم متلاحقة ووقوعه تحت هيمنة غربية (أمريكية وأوروبية) أضعفت من حاجة الأوروبيين إلى تشكيل جيوش موحدة ضده والإبقاء على حالة الحرب العسكرية الدائمة معه بعد أن خضعت معظم حضائره وأملاكه.
لم ينحسر التخوف من الإسلام وأهله أبداً، إنما أربطة الوحدة ضده قد تراخت كثيراً مع تراجع قوة العالم الإسلامي، لكن ظل الخوف مستمراً منذ صعود القوة السلافية الروسية في القرن ثامن العشر، وتراوح تهديد قوتها للممالك الأوروبية ما بين المتوسط إلى الخطير؛ فالتفتت أوروبا تدريجياً إلى ضرورة الإبقاء على قوتها موحدة إلى حد كبير لاسيما في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وبالتدريج ارتأت أوروبا أن خيارها الوحيد للإبقاء على نهضتها المدنية التي تغذت على استنزاف المناطق الإفريقية والأسيوية يكمن في الوحدة، سواء على أسس اقتصادية أو عسكرية، إذ برز الاقتصاد مؤخراً كأحد أهم أسباب الوحدة الأوروبية، والذي أجاب عن سؤال الوحدة الأبرز.
ولقد غدت المعادلة التي فهمها الأوروبيون أنه طالما ظلت أوروبا موحدة فسيصبح اقتصادها الأقوى، وستقف عائقاً أمام القوة الروسية الكبيرة، والإسلام بطبيعة الحال كعدو تقليدي لا تفتأ أوروبا تحذَر منه، لكن هذه القاعدة قد انخرمت مع بدء أوروبا في مواجهة استحقاقات عديدة أبرزها عدم استمرار اضطراد ثبات الوحدة مع نمو الاقتصاد، فالفرقاء الذي جمعتهم الشراكة الاقتصادية قد نأووا بحمل ثقيل خلفه اضطرارهم إلى تعويم دول ذات اقتصادات واهنة، فمع انضمام دول شرقية، زادت مسؤولية التعويم، ومع تراجع اقتصادات اليونان وإيطاليا وإسبانيا شرعت دول تعد قاطرات الاقتصاد الأوروبي في البحث عن مخارج أخرى.
بريطانيا شقت طريقها بشكل دراماتيكي بالخروج من الاتحاد الأوروبي، اتخذت على ما يبدو قراراً متسرعاً، ازداد الخرق اتساعاً، ومع اتساعه أعادت أقاليم توحدت ضمن أطر دول وطنية في مراجعة حساباتها الاقتصادية، وخلصت إلى أن وحدتها مع أقاليم أخرى قد أضرت بمستقبلها الاقتصادي.
ثمة أسباب قومية وإثنية ومذهبية ولغوية بالأصل تجعل أقاليم أوروبية تفكر بالانفصال، لكن ما جعل هذا التفكير يأخذ منحى جدياً، ويجد طريقه لتشكيل رأي عام متنامٍ يطالب بالاستقلال عن الدول الوطنية في أوروبا هو التراجع الاقتصادي الأوروبي بصفة عامة، والتقلص الاقتصادي داخل تلك الدول، فمع الاعتراف بوجود مشاكل أصيلة لدى أقاليم كاتالونيا والباسك بإسبانيا، والفلامندي ببلجيكا، والتيرول والفينيتو (البندقية) بإيطاليا، ورغبة اسكتلندة بالمملكة المتحدة، وجزيرة صقلية، وغيرها، إلا أن التراجع الاقتصادي كان هو المحرك الأبرز للنزعات الانفصالية لاسيما مع انحسار الأيديولوجيا التي يمكن أن تمثل مدماكاً للوحدة سواء على صعيد الدولة الوطنية أو القارة الأوروبية، وغرق المواطن الأوروبي في المادية والبحث عن الرفاه الفردية بعيداً عن وشائج الدين والقومية والوطن.
بلمحة خاطفة على هذه الأقاليم ذات النزعات الانفصالية يمكننا بسهولة استنتاج العامل الأبرز لهذه النزعات، حيث يلاحظ أن مجمل هذه الأقاليم هي الأكثر ثراء داخل أوطانها أو الأقل انتفاعاً من شقيقاتها من الدخل القومي، والأكثر تحملاً للضرائب في مقابل الخدمات. هذا أيضاً يلحظ في بعض الولايات الأمريكية التي بدأت تعلو فيها النزعات الانفصالية.
في قرارة نفس السياسي الأوروبي يبدو موروث "الحملات الصليبية" ساكناً، ويبدو الشعور الوحدوي اللازم لبقاء أوروبا موحدة سواء ضد الإسلام كعدو تقليدي أو ضد الروس كقوة صاعدة، وربما يعتقد يقيناً أن التحدي الاقتصادي الخارجي: الولايات المتحدة، الصين، الهند، وبعض الدول الأخرى الصاعدة، والداخلي: تركيا على وجه الخصوص، لا يمكن التصدي لهما أو البقاء في حيز المنافسة معهما إلا ببقاء الأوطان موحدة ابتداءً وأوروبا كهدف، لكن ليس بالضرورة هو ذاك ما يفكر به المواطن الأوروبي العادي، أو لنقل الناخب الذي يمكن لأفكار استقلالية تحمل رفاه في زمن عز فيه أن تجتذبه، وأحلام بتخفيض البطالة والتضخم والضرائب وزيادة المداخيل أن تدغدغ مشاعره أكثر بكثير من أفكار دينية أو تطلعات استراتيجية بعيدة المدى والأثر.
"الاستشراف الاستراتيجي لـ 2040" هو عنوان لتقرير سري للجيش الألماني أعد في فبراير الماضي وجاء في 120 صفحة، وتحدثت عنه دير شبيغل الألمانية، حمل تكهنات موغلة في التشاؤم بشأن بقاء أوروبا موحدة، إذ توقع أنه بحلول العام 2040 سيشهد الاتحاد الأوروبي انقسامات عديدة تؤدي إلى تفكك الاتحاد الأوروبي، ما يعني خروج الاتحاد الأوروبي من دائرة التنافس مع القوى الاقتصادية الأخرى، لاسيما الكتلة الشرقية، واهتزاز الثقة في قدرة أوروبا على البقاء ضمن منظومة دفاعية قوية، وأوضح أن دعوة الرئيس الفرنسى ايمانويل ماكرون للتوحد الأوروبي الكامل، وإنشاء جيش أوروبي موحد، ومثلها من الدعوات لن تجد سبيلاً للنجاح على أرض الواقع، متوقعاً صعوداً للروس على حساب الأوروبيين والأمريكيين.
إلى غير ذلك التقارير، ثمة تقارير دقيقة نشرتها كريستيان ساينس مونيتور الأمريكية وذي تايمز البريطانية قد أوضحا – على الترتيب – عجز الألمان والبريطانيين عن مواكبة الصعود الروسي في مجال السلاح، وضعف الجيشين الألماني والبريطاني، هذا علاوة على ما هو معلوم من تراجع القدرات العسكرية الفرنسية كذلك. هذا بدوره يضيف إلى أزمة الوحدة الأوروبية ثقلاً يدفعها باتجاه الانهيار أكثر من جهة، أو من جهة أخرى يشعل سباقاً للتسلح الأوروبي سيزيد من تباطؤ الاقتصادي الأوروبي، لاسيما حين يضطر الأوروبيون إلى مجاراة الصعود الروسي والتركي في مجال التصنيع العسكري المتطور.
ثمة تحدٍ آخر يواجه أوروبا التي تريد أن تنهض اقتصادياً، وهو الصعود الإسلامي المتدرج فيها، والذي قد يقوي فكرة الوحدة وصناعة عدو يحفز عليها، لكنه في مقابل ذلك سيدفع أوروبا لمزيد من القوانين المقيدة للحريات، يضاف إلى ذلك التجاء النظام الأوروبي العام لاتخاذ إجراءات تبدو لكثير من الانفصاليين استبدادية كتلك التي أفضت في المسألة الكتالونية إلى ملاحقة ساسة الإقليم بسبب برامجهم السياسية الانفصالية أو الاستقلالية التي يرونها ويراها أنصارهم مشروعة. هذه الأجواء التي ستخيم تدريجياً على سماء الأوروبيين ربما فاقمت من صعوبة الانطلاق الاقتصادي في عالم تنافسي، ما يزيد من صعوبة استمرار أوروبا كقوة اقتصادية أولاً، وككتلة اقتصادية تالياً.
الولايات المتحدة ستجد نفسها أمام استحقاق استراتيجي كبير حالئذ، إما أنها ستحاول تجربة المحاولة الألمانية القائمة في دعم الوحدة الأوروبية بما يعزز من تبعية أوروبا لها في مقابل الروس، ويرهق الخزينة الأمريكية في آن معاً، أو ستفضل الانكفاء على ذاتها ربما كما كانت قبل أوائل القرن الماضي.
السؤال يومها: إذا صار العالم هكذا.. أين سنكون فيه؟