اللهم لولا أنت ما اهتدينا
ولا تصدقنا ولا صلينا
فأنزلن سكينة علينا
وثبت الاقدام إن لاقينا
إن الأولى قد بغوا علينا
إذا أرادوا فتنة أبينا
بهذا ارتجز سيدي الكريم صلى الله عليه وسلم هو واصحابه وهم يحفرون الخندق والاحزاب تحتشد من كل مكان وكأن وقع حوافر خيلها الزلزال الذي يثير الغبار ليحجب شمس النهار. وأقبلت سحب الشر المستطير تحلق فوق الصحاري وتغطي السهول والقيعان يتطاير منها الكفر تطايرا أسودا وتنصب على أطراف المدينة المنورة كالشلال المتفحم.
والاشرار يركضون من كل اتجاه بخيلهم ورجلهم وسلاحهم وكفرهم باتجاه يثرب والشياطين تؤزهم أزا وابناء القردة والخنازير تزين لهم جريمتهم، وقف صلى الله عليه وسلم أمام صخرة أعجزت أصحابه فهم يحفرون الخندق منذ مطلع النهار لكن هذه الصخرة بالذات أعيتهم بالحيل فاستنجدوا بنبيهم صلى الله عليه وسلم ليحل لهم المشكلة. امتدت يداه الشريفتان الطاهرتان الى المعول فقبضه وأهوى على الصخرة فصدع الرعد في السماء وخرج برق كاد يذهب بالابصار. ضربها بيديه الشريفتين فانصدع ثلثها واضاءت فقال الله أكبر أعطيت مفاتيح الشام والله إني لأنظر لقصورها الحمر. أشهد أنك صدقت ياعبدالله يا ابا ابراهيم يا سيدي المحبوب. رفع الفأس الى السمآء ثم أهوى على الصخرة فانصدع ثلثها واضاءت والقوم حوله ينظرون وجلون لا تسمع منهم حرفا ينظرون في المعجزة أمامهم. رفع صوته صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي وأهل بيتي وكل ما أملك الي يوم القيامة وقال: الله أكبر أعطيت مفاتيح فارس والله إني لأنظر لقصر المدائن الأبيض. أشهد أنك صدقت! ثم ضرب الثالثة فانفلق الحجر فقال الله أكبر أعطيت مفاتيح اليمن والله إني لأنظر أبواب صنعاء من مكاني هذا.
صدقت يا رسول الله. صدقت. صدقت. يرن في قلبي ارتجازك يوم حنين عندما قلت: أنا النبي لا كذب أنا ابن عبدالمطلب. صدقت صدقت صدق. أشهد أنك رسول الله.
وفي اثناء حفر الخندق ورؤية المعجزات تنادى المنافقين ومن في قلبهم مرض ليؤسسوا لأول عملية شق صف وطابور خامس ودعاية ضد الرسول واصحابه فقال أحدهم: يعدنا بملك كسرى وأحدنا لا يستطيع أن يخرج يبول ثم قال (ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا). لولا أن الله قال (إن نعف عن طائفة منهم نعذب طائفة بأنهم كانوا ظالمين) للعنته.
عزيزي القارئ. غزوة الاحزاب وما ظهر فيها من آيات ثم ما ظهر فيها من ارتباط مباشر بين المنافقين واليهود حيث تأسس الحلف الوجداني التاريخي الذي لن يستطيع الانفكاك ابدا هي عبارة عن خريطة واضحة المعالم والتركيب لما نشاهده اليوم في عالمنا الصغير. والمسلمون يحفرون الخندق أشاع أهل النفاق ان الله ما وعد المسلمين الا غرورا وان بيوتهم عورة وطلبوا من الناس الانصراف عن رسول الله.
مدينة خاوية. أشباح الشر في كل مكان ونبالهم الكافرة تصيب خيل المسلمين واليهود الخنازير من خلفهم والمنافقين يبثون التثبيط والاشاعات والدعاية والارجاف في صفوف المؤمنين. صدق الله (إذ جاؤوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا * هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا).
ثم أراد الله أمرا آخر! (إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون * فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون).
فانقشع الظلام كأن لم يكن وتفرق شمل الاحزاب واختلف حلف اليهود وقريش وزوبعت الريح على عسكر المتحالفين وأصبحت الارض والسماء والرياح والرمال وقوانين الطبيعة تلفظهم وتلعنهم وتعمل ضدهم حتى انصرفوا خائبين. (ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا)
زعمت سخينة أن ستغلب ربها
فليغلبن مغالب الغلاب
ثم التفت صلى الله عليه وسلم وصحابته إلى بئر الخيانة. الى مصدر الشرور والآثام. الى قتلة الانبياء. الى اعداء الانسان احفاد القردة والخنازير المؤسسين لمنهج الطاغوت وعداء الله. المغضوب عليهم. فأنزلهم الله من حصونهم المنيعة المليئة بالمئونة واسباب رغد العيش. أنزلهم ليقتلوا جميعا وتسبى نساؤهم وتؤخذ أموالهم. فلو نجحت خطتهم لقتل رجال المسلمين وسبيت نساؤهم وأخذت أرضهم! لعنكم الله وزادها عليكم لظى. (وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم وقذف في قلوبهم الرعب فريقا تقتلون وتأسرون فريقا * وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضا لم تطؤوها وكان الله على كل شيء قديرا).
بعد غزوة الخندق وانكفاء الشر على نفسه وانهزام معسكر النفاق وانفضاح حلف المنافقين واليهود. وانفضاح حلف اليهود والكافرين المشركين. وهزيمة كل هؤلاء. بدأ الاسلام يخرج من المدينة غازيا يسير مسار الشمس. لم يتم غزو المدينة ولا مرة واحدة بعد غزوة الاحزاب. بل كانت المدينة هي من تغزوا وهي من تغنم وهي من تسلم وحررت الارض كلها لعبادة الله.
وأنا أقرأ تفاصيل غزوة الاحزاب لكأني انظر الى المرجفين في المدينة في عصرنا هذا واشاعاتهم وتخويفهم الناس. وكأني أنظر لحلف المرجفين في المدينة واليهود. وكأني أسمع قول الله تعالى (فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد). وكأنني أراهم ينظرون إلينا كالذي يغشى عليه من الموت. وكأني اسمع ارجافهم الذي بلغ عنان السماد ودخل على الناس في بيوتها وفي غرف نومها. وكأني زرى ظلمهم الذي تسود منه السماء وتظلم له القلوب وتموت منه الاشجار. وكأني أرى تقليبهم للامور وجعل الصادق كاذبا والكاذب صادقا ودعواتهم لان يقتل المسلم اخاه وتخوينهم لكل مصلح وجلبهم لليهود على شاشاتهم لتسويقهم للبسطاء واستئجارهم لكل علج وساقط لايذاء زوار بيت الله ومسجد نبيه. لقد بلغ المرجفون اليوم بقنواتهم واحزابهم والدول التي يمتلكون خزائنها ويدورنها رغما عن اهلها الاصليين مبلغا عظيما حتى لكأنك تظن أن لا صاد لدعايتهم ولا مانع لفجورهم في الخصومة حتى يصحوا قلبك على قول الله تعالى:
(لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا * ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا * سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا).
ومع ان موجة الارجاف العارمة الموجهة ضد بلدنا الطاهر بلغت ذروتها والدعوات الانتحارية لتدويل بيت الله ومسجد نبيه من المرجفين الجدد وقنواتهم وتنظيمهم الاجرامي فاقت التوقعات، ومع حلف المرجفين الجدد مع اليهود حلف بلا رجعة. مع كل هذا والله لكأني أنظر الى مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم تغزوا ولا تغزى. تنتصر ولا ينتصر عليها.
ولكأني أنظر الطير يتخطف المرجفين من الشوارع و الناس المحتجين على الفقر وضنك العيش يسيرون في كل مكان. ولكأني انظر لمستشارهم عبد أهل الكتاب ينزل من صياصيه المنيعه مستسلما خاضعا جاثيا على ركبتيه ويداه خلف رأسه مقذوف في قلبه الرعب لا يعلم الى أين يؤخذ وما سيفعل به.
(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا * يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما * إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا * ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات وكان الله غفورا رحيما)
اللهم احرس بلدنا بعينك التي لا تنام وارزقنا شكر نعمتك وألزمنا كلمة التوحيد والدفاع عنها وأدخلنا الجنة
آمين،
Alucard