ذكّرت الاندلاعات الأخيرة لأعمال العنف في جبل الهيكل، المعروف أيضاً باسم الحرم الشريف، في القدس صانعي السياسة الخارجية الأمريكية بخطورة القضية الإسرائيلية-الفلسطينية. فقد شددت إسرائيل حراستها للحرم القدسي الشريف في الشهر الماضي بعد إطلاق النار في المسجد الأقصى مما أسفر عن مقتل شرطيين إسرائيليين، وأدى إلى وقوع احتجاجات في الأردن وغيرها من المناطق فى الشرق الاوسط، وقيام الصحف العربية الكبرى بشن هجوم على إسرائيل على خلفية اتخاذها إجراءات أمنية صارمة. إن سلسلة الأحداث هذه يجب أن تشكّل إنذاراً لإدارة ترامب لتتوقف عن تسويف الوقت بحلول مؤقتة بدلاً من ايجاد حلول جذرية.
وبسبب التحوّلات الإقليمية الكبيرة على مدى العقود القليلة الماضية، يبدو الآن أن أفضل طريق وأقصره لتحقيق حل الدولتين وتأسيس دولة فلسطينية يمرّ بالمملكة العربية السعودية ولم يعد يمرّ بمصر والأردن، اللتان اعتمدت عليهما واشنطن لسنوات عديدة . فقد فقدت الدولتان مكانتهما في قيادة العالم العربي، حيث تعاني مصر من صعوبات اقتصادية شديدة وانقسامات سياسية داخلية، بينما يفتقر الأردن إلى النفوذ السياسي الإقليمي الذي يخوّلها إقناع العالم العربي بضرورة إبرام اتفاقية سلام مع إسرائيل.
وبالتالي، لا بد من تشجيع اعتماد نهج أمريكي جديد يشرك السعوديين بشكل مباشر لعدة أسباب.
أولاً، تتمتع السعودية بنفوذ سياسي ومالي قوي في المنطقة. ومن شأن الانخراط المباشر من قبل المملكة الغنية بالنفط ومعقل الإسلام أن يمكّن "السلطة الفلسطينية" على أخذ المفاوضات على محمل الجد. إن رفض التعلیمات السعودیة سیأتي بکلفة عالیة جداً للسلطة الفلسطینیة من حیث المساندة الشعبية والدعم المادي. ومن شأن الدعم السعودي أن يوفر مزيداً من الشرعية الدينية والمالية والسياسية للسلطة الفلسطينية، التي كانت مترددة في اتخاذ قرارات مهمة تتعلق بالنزاع بسبب خوفها من فقدان شرعيتها.
ثانياً، اتخذ الجيل القادم من القادة السعوديين، وعلى رأسهم ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، نهجاً أكثر استباقيةً للسياسة الخارجية وأظهر إحساساً بالحاجة الملحة إلى مواجهة النفوذ والتطرف الإيرانيين في المنطقة. ويدرك هؤلاء القادة كيف أن المحور الإيراني قد أساء للقضية الفلسطينية واستخدم دعايتها لحشد التأييد لقضيته. ويعتبر الشعب السعودي بشكل عام متعاطفاً مع القضية الفلسطينية، وبالتالي فقد يكون هذا التوقيت الأمثل لولي العهد محمد ليعزز شعبيته في الداخل والمنطقة بأسرها، وفي الوقت نفسه مواجهة النفوذ الإيراني المتنامي إذا نجح في التوصل إلى إبرام اتفاق للفلسطينيين.
ثالثاً، من المرجح أن يؤدي انخراط السعوديين المباشر إلى تحفيز الحكومة اليمينية الإسرائيلية على تقديم المزيد من التنازلات للفلسطينيين. وقد سعت إسرائيل لسنوات عديدة إلى توسيع نطاق علاقاتها مع العالم العربي. وعلى خلاف الانخراط المصري والأردني، ستتيح رعاية السعوديين للمحادثات الفرصة أمام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لإقناع الأعضاء اليمينيين من مؤيديه [لتقديم مثل هذه التنازلات] على أساس تطبيع العلاقات مع العالم العربي. وقد يشكل انعقاد مؤتمر سلام في جدّة بحضور إسرائيليين وفلسطينيين تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين خطوةً أولى باتجاه إجراء محادثات سلام حقيقية. ومن الناحية التاريخية، قدّمت الحكومة الإسرائيلية تنازلات غير متوقعة من أجل تطبيع العلاقات مع الدول العربية، كما يتضح من تراجع رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق مناحم بيغن عن وعده بعدم إخلاء المستوطنات في شبه جزيرة سيناء مقابل التوصل إلى معاهدة السلام الإسرائيلية الأولى مع دولة عربية.
وأخيراً، وفي المشهد الحالي للشرق الأوسط، أصبحت إيران والجماعات الإسلامية المتطرفة تشكّل تهديداً أكثر خطورةً على المملكة العربية السعودية من إسرائيل. وقد أدى هذا الواقع إلى إدراك المسؤولين السعوديين والإسرائيليين بأن مخاوفهم الأمنية الوطنية الأساسية تتلاقى وأن الجانبين يشاطران بعض الأهداف الاستراتيجية مثل احتواء إيران. ومن خلال حلّ النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني، ستتمكن السعودية وإسرائيل من إزالة حجرة العثرة الناتجة عن هذا الصراع والتركيز بدلاً من ذلك على تعزيز العلاقات والعمل الجماعي لمواجهة التهديدات في المنطقة.
وكما كان عليه الحال بالنسبة للإدارات الأمريكية السابقة، يشكّل حل القضية الإسرائيلية-الفلسطينية من أبرز أولويات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. إن النجاح في إتمام هذه المهمة سيطلق العنان للجهود الدبلوماسية الأمريكية والسلطة لاحتواء إيران والتصدي لتهديدات طهران في المنطقة. وقد يكون التدخل السعودي المباشر القطعة المفقودة من المعضلة الإسرائيلية-الفلسطينية.
هيثم حسنين هو زميل "غليزر" في معهد واشنطن لعام 2016-2017.
http://www.washingtoninstitute.org/...oute-to-mideast-peace-is-through-saudi-arabia
وبسبب التحوّلات الإقليمية الكبيرة على مدى العقود القليلة الماضية، يبدو الآن أن أفضل طريق وأقصره لتحقيق حل الدولتين وتأسيس دولة فلسطينية يمرّ بالمملكة العربية السعودية ولم يعد يمرّ بمصر والأردن، اللتان اعتمدت عليهما واشنطن لسنوات عديدة . فقد فقدت الدولتان مكانتهما في قيادة العالم العربي، حيث تعاني مصر من صعوبات اقتصادية شديدة وانقسامات سياسية داخلية، بينما يفتقر الأردن إلى النفوذ السياسي الإقليمي الذي يخوّلها إقناع العالم العربي بضرورة إبرام اتفاقية سلام مع إسرائيل.
وبالتالي، لا بد من تشجيع اعتماد نهج أمريكي جديد يشرك السعوديين بشكل مباشر لعدة أسباب.
أولاً، تتمتع السعودية بنفوذ سياسي ومالي قوي في المنطقة. ومن شأن الانخراط المباشر من قبل المملكة الغنية بالنفط ومعقل الإسلام أن يمكّن "السلطة الفلسطينية" على أخذ المفاوضات على محمل الجد. إن رفض التعلیمات السعودیة سیأتي بکلفة عالیة جداً للسلطة الفلسطینیة من حیث المساندة الشعبية والدعم المادي. ومن شأن الدعم السعودي أن يوفر مزيداً من الشرعية الدينية والمالية والسياسية للسلطة الفلسطينية، التي كانت مترددة في اتخاذ قرارات مهمة تتعلق بالنزاع بسبب خوفها من فقدان شرعيتها.
ثانياً، اتخذ الجيل القادم من القادة السعوديين، وعلى رأسهم ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، نهجاً أكثر استباقيةً للسياسة الخارجية وأظهر إحساساً بالحاجة الملحة إلى مواجهة النفوذ والتطرف الإيرانيين في المنطقة. ويدرك هؤلاء القادة كيف أن المحور الإيراني قد أساء للقضية الفلسطينية واستخدم دعايتها لحشد التأييد لقضيته. ويعتبر الشعب السعودي بشكل عام متعاطفاً مع القضية الفلسطينية، وبالتالي فقد يكون هذا التوقيت الأمثل لولي العهد محمد ليعزز شعبيته في الداخل والمنطقة بأسرها، وفي الوقت نفسه مواجهة النفوذ الإيراني المتنامي إذا نجح في التوصل إلى إبرام اتفاق للفلسطينيين.
ثالثاً، من المرجح أن يؤدي انخراط السعوديين المباشر إلى تحفيز الحكومة اليمينية الإسرائيلية على تقديم المزيد من التنازلات للفلسطينيين. وقد سعت إسرائيل لسنوات عديدة إلى توسيع نطاق علاقاتها مع العالم العربي. وعلى خلاف الانخراط المصري والأردني، ستتيح رعاية السعوديين للمحادثات الفرصة أمام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لإقناع الأعضاء اليمينيين من مؤيديه [لتقديم مثل هذه التنازلات] على أساس تطبيع العلاقات مع العالم العربي. وقد يشكل انعقاد مؤتمر سلام في جدّة بحضور إسرائيليين وفلسطينيين تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين خطوةً أولى باتجاه إجراء محادثات سلام حقيقية. ومن الناحية التاريخية، قدّمت الحكومة الإسرائيلية تنازلات غير متوقعة من أجل تطبيع العلاقات مع الدول العربية، كما يتضح من تراجع رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق مناحم بيغن عن وعده بعدم إخلاء المستوطنات في شبه جزيرة سيناء مقابل التوصل إلى معاهدة السلام الإسرائيلية الأولى مع دولة عربية.
وأخيراً، وفي المشهد الحالي للشرق الأوسط، أصبحت إيران والجماعات الإسلامية المتطرفة تشكّل تهديداً أكثر خطورةً على المملكة العربية السعودية من إسرائيل. وقد أدى هذا الواقع إلى إدراك المسؤولين السعوديين والإسرائيليين بأن مخاوفهم الأمنية الوطنية الأساسية تتلاقى وأن الجانبين يشاطران بعض الأهداف الاستراتيجية مثل احتواء إيران. ومن خلال حلّ النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني، ستتمكن السعودية وإسرائيل من إزالة حجرة العثرة الناتجة عن هذا الصراع والتركيز بدلاً من ذلك على تعزيز العلاقات والعمل الجماعي لمواجهة التهديدات في المنطقة.
وكما كان عليه الحال بالنسبة للإدارات الأمريكية السابقة، يشكّل حل القضية الإسرائيلية-الفلسطينية من أبرز أولويات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. إن النجاح في إتمام هذه المهمة سيطلق العنان للجهود الدبلوماسية الأمريكية والسلطة لاحتواء إيران والتصدي لتهديدات طهران في المنطقة. وقد يكون التدخل السعودي المباشر القطعة المفقودة من المعضلة الإسرائيلية-الفلسطينية.
هيثم حسنين هو زميل "غليزر" في معهد واشنطن لعام 2016-2017.
http://www.washingtoninstitute.org/...oute-to-mideast-peace-is-through-saudi-arabia