من أوراق النكسة..
قصة اللواء فهد الشاعر الذي عذبه الأسد وصلاح جديد وحطما خطته لإنقاذ الجولان!
بهياً يُطل حزيران كل عام، ليذكرنا بالنكسة وآثارها، وكالعادة تمتلىء الفضائيات وصفحات التواصل الاجتماعي بالتذكير بالخيانة وتحليلها. بعضها يرجح أن استلام واستقرار السلطة لحافظ الأسد كانا بسبب دوره الرائد في هندسة النكسة. وتذهب تحليلات تحت مسمى (باع الجولان) لتقول الكثير عن مسؤولية الأسد كوزير دفاع وقائد لسلاح الطيران معا حينذاك.
لا بأس مما نقرأ عن حزيران النكسة وخصوصا أن ذكراها هذا العام تأتي محملة بنصف قرن من السنوات، لكن يبقى أن نستذكر حالات وأسماء غائبة أو مغيّبة عمداً، لا نهدف منها تأكيد الحدث بالصياغات التي تعودنا عليها وباتت جزءاً من ثقافتنا، لكنها تطرح الكثير من أسئلة إجاباتها نقاطاً كانت غائبة عن حروف التاريخ، هي حقٌ لتلك الأسماء، وواجبٌ على من يعرف ممن شاخت ذاكرته أن يدلي بسّره قبل موت الذاكرة.
اللواء فهد الشاعر، ضابط من طينة العلماء العسكريين المحترفين الذين ليس لهم في السياسة شيء، والحائز الوحيد على رتبة ركن في نهاية الخمسينيات من الاتحاد السوفييتي ليكون أول خريج عربي من دورة قيادة قادة جيوش.
بقدرة قادر ومن حيث لا يدري الناس يُلقى القبض على اللواء الشاعر بتهمة انتمائه لتجمعٍ عسكري بقيادة الرائد سليم حاطوم للإطاحة بالنظام الثوري ... بتاريخ 8 أيلول 1966 ، وهو تاريخ تمرد سليم حاطوم في السويداء واعتقاله لصلاح جديد ونور الدين الأتاسي أثناء زيارتهما لها.. وكعادة الثوريين من رجالات شباط (أي حركة 23 شباط 1966 التي قادها صلاح جديد بترتيب مع حافظ الأسد) فقد مارسوا بحق اللواء فهد الشاعر حفلات التعذيب والإهانات التي يندي لها الجبين، حتى أن أحد الشهود من زملائه في المعتقل روى، أن المحققين كانوا يجلبون مجرد جنود عملوا تحت إمرته يجبرونه على الجثو على أربعة ويمتطونه (كالدّابة)، ويسير بهم بين الزنزانات.
شاءت الصدفة وبحكم عملي الوظيفي في عام 1989 أن كنت بجولة في محافظة السويداء برفقة صديق لي تربطه بعائلة اللواء الشاعر صلة قرابة، وسألني زيارته، وأنا قبلت دون نقاش يشدّني فضولي للتعرف عليه لأني سمعت عنه الكثير. وصلنا إلى قرية بوسان لنجد اللواء فهد يجلس على باب داره ويلبس معطفاً عسكرياً بالياً. بادر الصديق بممارسة طقوس التعارف بيننا، مما ترك راحة في نفسي وخصوصاً أن اللواء فهد رحب بي كثيراً لمعرفته بعائلتي.
قدمت زوجته الشاي وتبادلنا أطراف الحديث. لم يضطرني الأمر سوى أن أطرح سؤالاً ليسرح هو بالحديث. فاجأني كثيراً هذا الجسد المنهك الذي يحتوي عقلاً متقدا، وحديثاً مترابطاً ومتواتراً وموزوناً على الرغم من تجنبه الدخول ببعض التفاصيل. مع نهاية جلستنا بادرته: الحمد لله أن صحتك جيدة. شعرت أن النظر غاب عن عينيه كأنني طعنته. صمتَ ونحن واقفين نهمّ بالخروج ونظر إلى زوجته وهو يوجه كلامه لي: لولا هذه المرأة الطاهرة الصابرة لقتلت نفسي من زمان. آذى نفسي ردّه، وفور خروجنا سألت الصديق عن السبب، فأجاب كمن يبوح بسرّ، أن ذاك الرجل وبنتيجة التعذيب الذي تعرض له على أيدي رجالات حافظ الأسد وصلاح جديد، يعاني من أمراض عديدة !.
نعم استحق اللواء فهد الشاعر هذا الأذى والسّادية التي مورست عليه.. أليس هو الضابط الذي على الرغم من تعاطفه مع الوحدويين والقوميين إلا أنه رفض الانتساب لأي حزب سياسي حفاظاً على حرفية الجيش وتجنيبه مهاترات السياسة ..! . استحق ذاك الألم يرافقه حتى مماته عام 1994 لأنه كُلف عام 1965 بقيادة الجبهة السورية / الإسرائيلية ووضع خطة متوقعة لصد هجوم إسرائيلي وأصرّ على القيادة تنفيذها، أو أن الجولان سيسقط، وهذا ما كان بعد عام على اعتقاله، فقد جمدت خطته وسقط الجولان سلاماً لروحه.
بتصرف بسيط جدا عن موقع أورينت نيوز
قصة اللواء فهد الشاعر الذي عذبه الأسد وصلاح جديد وحطما خطته لإنقاذ الجولان!
بهياً يُطل حزيران كل عام، ليذكرنا بالنكسة وآثارها، وكالعادة تمتلىء الفضائيات وصفحات التواصل الاجتماعي بالتذكير بالخيانة وتحليلها. بعضها يرجح أن استلام واستقرار السلطة لحافظ الأسد كانا بسبب دوره الرائد في هندسة النكسة. وتذهب تحليلات تحت مسمى (باع الجولان) لتقول الكثير عن مسؤولية الأسد كوزير دفاع وقائد لسلاح الطيران معا حينذاك.
لا بأس مما نقرأ عن حزيران النكسة وخصوصا أن ذكراها هذا العام تأتي محملة بنصف قرن من السنوات، لكن يبقى أن نستذكر حالات وأسماء غائبة أو مغيّبة عمداً، لا نهدف منها تأكيد الحدث بالصياغات التي تعودنا عليها وباتت جزءاً من ثقافتنا، لكنها تطرح الكثير من أسئلة إجاباتها نقاطاً كانت غائبة عن حروف التاريخ، هي حقٌ لتلك الأسماء، وواجبٌ على من يعرف ممن شاخت ذاكرته أن يدلي بسّره قبل موت الذاكرة.
اللواء فهد الشاعر، ضابط من طينة العلماء العسكريين المحترفين الذين ليس لهم في السياسة شيء، والحائز الوحيد على رتبة ركن في نهاية الخمسينيات من الاتحاد السوفييتي ليكون أول خريج عربي من دورة قيادة قادة جيوش.
بقدرة قادر ومن حيث لا يدري الناس يُلقى القبض على اللواء الشاعر بتهمة انتمائه لتجمعٍ عسكري بقيادة الرائد سليم حاطوم للإطاحة بالنظام الثوري ... بتاريخ 8 أيلول 1966 ، وهو تاريخ تمرد سليم حاطوم في السويداء واعتقاله لصلاح جديد ونور الدين الأتاسي أثناء زيارتهما لها.. وكعادة الثوريين من رجالات شباط (أي حركة 23 شباط 1966 التي قادها صلاح جديد بترتيب مع حافظ الأسد) فقد مارسوا بحق اللواء فهد الشاعر حفلات التعذيب والإهانات التي يندي لها الجبين، حتى أن أحد الشهود من زملائه في المعتقل روى، أن المحققين كانوا يجلبون مجرد جنود عملوا تحت إمرته يجبرونه على الجثو على أربعة ويمتطونه (كالدّابة)، ويسير بهم بين الزنزانات.
شاءت الصدفة وبحكم عملي الوظيفي في عام 1989 أن كنت بجولة في محافظة السويداء برفقة صديق لي تربطه بعائلة اللواء الشاعر صلة قرابة، وسألني زيارته، وأنا قبلت دون نقاش يشدّني فضولي للتعرف عليه لأني سمعت عنه الكثير. وصلنا إلى قرية بوسان لنجد اللواء فهد يجلس على باب داره ويلبس معطفاً عسكرياً بالياً. بادر الصديق بممارسة طقوس التعارف بيننا، مما ترك راحة في نفسي وخصوصاً أن اللواء فهد رحب بي كثيراً لمعرفته بعائلتي.
قدمت زوجته الشاي وتبادلنا أطراف الحديث. لم يضطرني الأمر سوى أن أطرح سؤالاً ليسرح هو بالحديث. فاجأني كثيراً هذا الجسد المنهك الذي يحتوي عقلاً متقدا، وحديثاً مترابطاً ومتواتراً وموزوناً على الرغم من تجنبه الدخول ببعض التفاصيل. مع نهاية جلستنا بادرته: الحمد لله أن صحتك جيدة. شعرت أن النظر غاب عن عينيه كأنني طعنته. صمتَ ونحن واقفين نهمّ بالخروج ونظر إلى زوجته وهو يوجه كلامه لي: لولا هذه المرأة الطاهرة الصابرة لقتلت نفسي من زمان. آذى نفسي ردّه، وفور خروجنا سألت الصديق عن السبب، فأجاب كمن يبوح بسرّ، أن ذاك الرجل وبنتيجة التعذيب الذي تعرض له على أيدي رجالات حافظ الأسد وصلاح جديد، يعاني من أمراض عديدة !.
نعم استحق اللواء فهد الشاعر هذا الأذى والسّادية التي مورست عليه.. أليس هو الضابط الذي على الرغم من تعاطفه مع الوحدويين والقوميين إلا أنه رفض الانتساب لأي حزب سياسي حفاظاً على حرفية الجيش وتجنيبه مهاترات السياسة ..! . استحق ذاك الألم يرافقه حتى مماته عام 1994 لأنه كُلف عام 1965 بقيادة الجبهة السورية / الإسرائيلية ووضع خطة متوقعة لصد هجوم إسرائيلي وأصرّ على القيادة تنفيذها، أو أن الجولان سيسقط، وهذا ما كان بعد عام على اعتقاله، فقد جمدت خطته وسقط الجولان سلاماً لروحه.
بتصرف بسيط جدا عن موقع أورينت نيوز