الأنظمة الصاروخية ذات الإصابة الدقيقة
الرائد- مايكل جيه فورسيث (الجيش الأمريكي)
منذ بداية استخدام الرماية المباشرة في ميادين المعارك، درجت مدفعية الميدان على استخدام المدافع كمنصات إطلاق رئيسة. وقد شهدت العقود الماضية ابتكار عديد من التقنيات التي يمكن استخدامها لتحسين أسلحة مدفعية الميدان، لذا فقد آن الأوان لدراسة المقدرات الحالية والمتطلبات المستقبلية لمدفعية الميدان، وإبداء المقترحات بشأن كيفية إحداث تغييرات عليها بعد دخول القرن الحادي والعشرين.
إن أسلحة مدفعية الميدان الحالية لا تختلف كثيراً عن تلك التي استخدمت في الحرب العالمية الثانية، فمدافع الهاوتزر (105 ملم) و (155 ملم) لها خصائص مشابهة جداً لسابقتها، حيث تستخدم فيها ذخيرة تعبئة شبه ثابتة. ومجمل القول إن أنظمة المدفعية قد صممت لتشكيلات تم تطويرها قبل عقود خلت.
وفي حين أن الأسلحة الأمريكية قد أدخلت تقنيات متقدمة منذ الحرب العالمية الثانية، إلا أنها قد أصبحت قديمة ولا تناسب الأوضاع الحالية. وقد شهدت أسلحة الجيش تحسينات في المدى والفتك ودقة الإصابة، إلا أن ذلك لا يكفي في ظل التقدم السريع في الأنظمة الأخرى. ومن ناحية أخرى، فإن الأسلحة تزن حالياً أكثر مما كانت تزنه أنظمة الحرب العالمية الثانية، وتقل مقدرات المدافع الأمريكية عن نظيراتها في دول أخرى، مثل مدافع AS-9 الجنوب أفريقية، والمدفع كوكسان الكوري الشمالي. مما يشجع على إجراء تغييرات تجعلها تتقدم في مجال أسلحة الرماية من منصات أرضية.
ميادين المعركة المستقبلية
لقد أصبح ميدان المعركة في الوقت الحالي أكثر فتكاً مما كان عليه الحال في ميادين معارك الحرب العالمية الثانية وحرب الخليج الثانية، حيث أصبحت الذخيرة ذات الإصابة الدقيقة هي المستخدمة في الميدان.
ففي الحرب العالمية الثانية مثلاً، تطلب الأمر القيام بألف طلعة جوية بالقاذفات B-17 وإلقاء 9000 قذيفة لتدمير هدف واحد. ولكن في الوقت الراهن يمكن للقوات الجوية الأمريكية القيام بطلعة جوية واحدة بالقاذفات B-2 لإلقاء 16 قذيفة من القذائف الموجهة بأنظمة تحديد المواقع العالمية على 16 هدفاً. وكانت نسبة الإصابة المحتملة في حقبة الأربعينيات من القرن الماضي تصل إلى حدود 3300 قدم مقارنة ب 20 قدماً حالياً. وينبغي أن تستخدم مدفعية الميدان مفاهيم مشابهة للحصول على هذه المقدرات في أنظمة رماية الإسناد ذات المنصات الأرضية الملائمة لكافة ظروف الطقس.
ونظراً لثقل حجم المدافع، فإن مدفعية الميدان ليست لديها خفة حركة استراتيجية باستثناء مدافع الهاوتزر المجرورة، لذا تقتضي الضرورة تطوير أنظمة صاروخية خفيفة الوزن ودقيقة الإصابة لتناسب الحركة الاستراتيجية الجوية.
وتعمل القوات البرية على تقليل خطوط الإمدادات الطويلة التي درجت على مرافقة القوات، وبدلاً عن الاحتفاظ بكميات كبيرة من الذخيرة وغيرها من الإمدادات، فإن القوات البرية تعمل على تقليل تكدس تلك المواد والتعويض عنها بتوفيرها في الوقت المناسب. ولا تساعد الأنظمة المحمولة على المدافع التي تستخدم ذخيرة رماية المنطقة على تطبيق مفهوم توفير المواد في الوقت المناسب. وتلزم عمليات الجيش الحديثة - التي تتسم بكثافة النيران من عدة مدافع - كميات كبيرة من الذخيرة ومقدرة على حمل معدات ثقيلة. وتفيد تقارير الإمدادات أن الحاجة لنقل ذخيرة المدفعية تستهلك حوالي 70% من متطلبات إمدادات فرقة. ونظراً لمقدرة الأنظمة الصاروخية ذات الإصابة الدقيقة على إصابة الأهداف بدقة بدلاً عن قذف كميات كبيرة من الذخيرة على المنطقة من عدة مدافع، فإنها تستطيع أن تقلل كمية الذخيرة التي تحتاجها الفرقة.
وتتطلب ميادين المعركة المستقبلية وحدات برية لتغطية الجبهات التي يتنامى اتساعها. وفي الحرب العالمية الثانية كانت فرقة المشاة تغطي حوالي 9 كلم من الجبهة، وفي الحرب الكورية ازدادت المساحة إلى 15 كلم، وفي حرب الخليج تضاعفت الجبهة التي تغطيها الفرقة لتصل إلى 30 كلم. وفي المستقبل ربما تحتاج فرق قتال ألوية استرايكر للعمل على مساحة 50 كلم. وليست للجيش أنظمة مدافع يمكنها أن توفر إسناد رماية أرضية في قتال الالتحام على جبهة ممتدة على مساحة 50 كلم وتوفير نيران لقتال العمق.
لقد تحسنت أنظمة المدافع متوسطة المدى كثيراً، ولكن ميادين المعارك التي تشهد تغيرات متلاحقة تتطلب مزيداً من التحسينات. وقد توفرت التقنية لتصميم أنظمة صاروخية يمكنها إطلاق ذخيرة دقيقة الإصابة على أهداف تبعد مسافة 50 - 75 كلم. إن تطوير مثل هذه المنصات سوف يضمن تغطية الإسناد الناري لقطاع القتال القريب وقتال العمق كما يضع مؤخرة العدو أيضاً تحت النيران.
وينبغي للجيش أن يطور طريقة بسيطة لربط الأنظمة الجديدة رقمياً بأجهزة الاستشعار، فالأنظمة الدقيقة سوف تحتاج لطريقة سهلة لربط الملاحظين الأماميين أو أنظمة الاستشعار، مثل الطائرات بدون طيار أو أنظمة الرادار بالأسلحة الفردية لطلب النيران. فمثلاً يمكن أن توضع على متن الطائرات بدون طيار بيانات مربوطة مع وحدة الرماية. وعندما تكتشف المركبة بدون طيار موقع العدو - مثلاً منطقة تجمع نسق ثاني - يرسل المشغل البيانات رقمياً إلى وحدة الرماية، فتتلقى الوحدة البيانات وتضبط موقع الهدف تلقائياً على الصاروخ المحمل على القاذف. وفي خلال ثوان من أمر الرماية تكون الذخيرة الموجهة بنظام تحديد المواقع العالمي (GPS) في طريقها للهدف. ومثل هذا النظام سوف يعزز من استجابة الملاحظ - جهاز الاستشعار - ويحسن مقدرة القائد على الوصول لأهداف في العمق.
إن النظام المقترح لا يختلف كثيراً عن النظام الصاروخي متعدد القذائف، أي نظام المدفعية الصاروخي ذا الحركة الخفيفة أو النظام الصاروخي الصندوقي الذي يبشر بتحقيق نجاح. والعنصر الذي يمثل خطوة للأمام من هذه الأنظمة، هو التوجيه الدقيق إلى حد ما، فالتوجيه الدقيق سوف يساعد الأنظمة الصاروخية على القيام بإسناد قريب، والقيام أيضاً بضربات في العمق على كل قطاع عمليات عمق العدو
عن مجلة كلية الملك خالد العسكرية
التعديل الأخير بواسطة المشرف: