المجزوم به وسط متابعي وخبراء الشأن الأفغاني أن عام 2009 سيكون عاما مهما في تقرير مستقبل أفغانستان وربما المنطقة، ويستند المحللون في ذلك إلى التصريحات الغربية المعترفة بخسران الحرب و
التلميح بإعادة مشروع أمراء الحرب لمواجهة مشروع طالبان،وهو ما يعني إضعاف سلطة كارزاي المركزية، ينضاف إلى كون العام المقبل عام الحسم هو عروض التفاوض مع طالبان وإشراكهم في حكومة كارزاي ، ينضاف إليه تصاعد قوة طالبان وإدماء الوجود الأجنبي في أفغانستان، توّج ذلك كله الأزمة المالية العالمية الخانقة التي ستؤثر على تمويل عمليات الحرب على ما يوصف بالإرهاب وتصاعد الدور الروسي بعد أحداث جورجيا ....
اللافت في تصريحات المسؤولين العسكريين الأميركيين والأطلسيين والبريطانيين المعنيين بشكل مباشر بالمعضلة الأفغانية ليس اعترافهم بالعجز عن كسب الحرب، إنما اللافت هو تضادها مع منطق الأشياء الذي يقول بأن هذه التصريحات كان عليها أن تأتي على ألسنة السياسيين وليس العسكريين الذين من المفترض أن يشيعوا الأمل ويزرعوا التفاؤل في نفوس عسكرييهم بغية كسب الحرب، وينشغلوا في تكتيكاتهم العسكرية ،بغ لنيل مستقبل سمعة جيدة لجيوشهم وجنودهم، لما لهذه التصريحات من تأثيرات سلبية كبيرة على نفسية وعقلية وسمعة هذه الجيوش المتورطة في الوحل الأفغاني،والذي تحول واقعا إلى كابوس حقيقي ...
طبعا التفسير الوحيد لهذا الأمر هو أن العسكريين يدفعون ثمن أخطاء السياسيين بجرهم إلى حرب لم يقتنعوا بها منذ البداية، إذ تم تسييس كل ما يمت بصلة لتبرير شن الحرب، وكان على رأس ذلك المعلومات الاستخباراتية المزيفة والمسيسة المعروفة في العراق تحديدا عن صلة النظام العراقي مع القاعدة وكذلك امتلاكه لأسلحة نووية وهو ما ثبت فبركتها لاحقا ، واليوم نرى السياسيين لا يزالون يصرون على مواصلة الحرب ليبرروا خطأهم الفاحش حين دفعوا العسكريين ومعهم العالم إلى حرب أدت وستؤدي إلى كوارث اقتصادية عالمية لم تكن يتوقعها حتى أكثر المتفائلين بقدرة طالبان والقاعدة على الانتصار، أو على تكرار هزيمة الاتحاد السوفياتي في ثمانينيات القرن الماضي ...
من كان يظن يوما أن وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس الذي كان ليوم قريب رئيسا للمخابرات المركزية الأميركية سيرحب بالمفاوضات مع طالبان وسيرحب بمشاركتها في السلطة؟؟، ومن كان يظن يوما أن الكنديين والبريطانيين وحتى الأمم المتحدة ستعترف باستحالة كسب الحرب عسكريا ودعوتهم جميعا إلى الحل السياسي؟؟، ومن كان يظن يوما أن طالبان سترفض المحادثات؟؟، وهي التي كانت حتى لسنوات سبع مضت ملاحقة ومحاصرة في كهوف طوره بوره ، لكن أيضا من يدري ربما يأتي اليوم الذي يدعو فيه وزير الدفاع الأميركي الجديد أو من يخلفه إلى حوار مع القاعدة وغيرها من المجموعات التي يُنظر إليها إرهابية اليوم كما كانت طالبان بالأمس ولا زالت ...
العجيب أن وسائل الإعلام الغربية شرّقت وغرّبت في النقل عن مصادر مجهولة لم تسمها تقول إن مفاوضات جرت بين طالبان والحكومة الأفغانية ، ومرة قيل إنها حصلت في دبي، ومرة قيل إنها حصلت في جدة، وقد نفت طالبان ذلك وأصدرت بيانا ترفض فيه الدخول في أي حوار مع الحكومة الأفغانية ما لم تنسحب القوات الأميركية من أفغانستان، في حين عادة ما تستجدي المعارضات الحوار، لكن في وضع طالبان القوي عسكريا والذي يتمدد أفقيا وشاقوليا، بينما تتراجع قوة وسطوة الدول الغربية المحتلة، وكذلك معها الأفغانية بسبب عجزها عن الدفع بقوات جديدة إلى ساحة المعركة، في هذا الوضع يبدو أن الموقف الطالباني مختلف ولذلك يدعو إلى إرسال مزيد من القوات الأجنبية لتكون الهزيمة كبيرة وماحقة بحيث لا تفكر مرة أخرى في احتلال بلد إسلامي كما قال لي مرة أحد قادة طالبان العسكريين...
الدفعة الأميركية التي قُرر لها أن تأتي إلى أفغانستان في البداية كانت عشرة آلاف ثم تراجعت إلى ألفين وخمسمائة جندي أميركي، وحتى هذه فقد تأجلت أولا، ثم ألغيت أخيرا ، كل ذلك بسبب حمام الدم الاقتصادي الذي تعرضت له القوى الغربية، مما يهدد بانهيار اقتصاديات غربية، وضع وصفه خبراء ومحللون أميركيون وليس غيرهم بأنه نهاية أميركا ....
إن المتابع لشكل وهيئات الجنود الأميركيين العاملين في أفغانستان والعراق يرى مشتركا واحدا بينهم وهو الشعر الشايب الذي يغطي رؤوسهم وذلك بسبب تراجع إن لم نقل غياب الرغبة الشبابية الأميركية بالالتحاق بالجيش الأميركي وهو ما سيشكل عبئا حقيقيا على العسكريين الأميركيين، وعلى العسكرية الأميركية ، لنتذكر أن دعوة كارزاي لطالبان لتسنم وزارات في حكومة ائتلافية نفسها جاءت على لسان آخر رئيس شيوعي لأفغانستان الدكتورنجيب الله لخصومه المجاهدين آنئذ ، وذلك قبل عام واحد فقط من انسحاب أو هزيمة السوفييت من أفغانستان، فهل يعيد التاريخ نفسه بشخوص مختلفة ...
تصريحات السفير الروسي في أفغانستان كانت لافتة ليس من حيث تقرير حقيقة على الأرض فقط وإنما لكونها تأتي من سفير روسي في كابول يدرك مغزى وأبعاد كلامه سياسيا وديبلوماسيا إذ قال إن طالبان لديها نفوذ في خمسين بالمئة من الأرض الأفغانية ولديها سيطرة كاملة على عشرين بالمئة منها ...
غيرت أفغانستان وجه العالم في ثمانينيات القرن الماضي حين أرغمت أكبر قوة عسكرية على الأرض أنئذ على الانسحاب والهزيمة من أراضيها وانهارت معها وتفتت الاتحاد السوفياتي إلى خمس عشر دولة ، لكن نجح الغرب في استغلال فرقة الأفغان وتشتت أحزابهم عبر إطلاق حرب أهلية دمرت أفغانستان وأتت على سمعة قادة أفغان كادوا يتحولون إلى قديسيين ورموز ومغناطيس جذب للعالم الإسلامي بسبب الضحايا التي قدموها، لكن ضحايا لم تذهب سدى على طريقة النضالات في العالم العربي وبعض مناطق العالم الإسلامي وإنما نضالات وصلت إلى نتائجها المنطقية من تحرير أفغانستان وتدمير الاتحاد السوفياتي، لكن فشلت في إقامة الدولة التي تخيلها هؤلاء القادة ...
الآن التاريخ يعيد نفسه فأفغانستان طالبان على مرمى حجر من النصر، لكنه نصر سيكون ماحقا ومدمرا لأميركا إن كان على صعيد السمعة الديبلوماسية والاقتصادية والعسكرية أو على الصعيد السياسي والاجتماعي، تداعيات ستذكرنا بتداعيات الهزيمة السوفياتية في أفغانستان، ولعل هذا ما يفسر الضجة الكبيرة التي أثيرت حول المفاوضات المزعومة بين الحكومة الأفغانية وطالبان رغم نفي الأخيرة ذلك ، التي شددت على رفضها إجراء أي حوار مع حكومة كارزاي، هذه الحكومة التي تستعد لانتخابات العام المقبل والتي يتوقع أن تخسرها بسبب قناعة غربية وأميركية تحديدا في عجزه على ضبط الأوضاع، وبالتالي ربما تلجأ أميركا والقوى الغربية إلى إحلال بديل مكانه ، لكن يبدو أن أميركا وقوى أخرى تسعى إلى جس نبض طالبان فيما إذا كان يمكن اختراقها وتقسيمها والحوار مع بعضها دون الآخر، لكن من يعرف التاريخ الأفغاني وتاريخ الأحزاب السياسية الأفغانية يدرك تماما أن هذه الأحزاب مرتبطة بالشخصيات أكثر مما هي مرتبطة بالمؤسساتية، وإلا فكم من الشخصيات تخلت عن الحزب الإسلامي الأفغاني بزعامة قلب الدين حكمتيار وغيره من الأحزاب دون أن يؤثر على مكانة حكمتيار وزعامته للحزب..، فكيف بطالبان التي ينظر أتباعها إلى الملا عمر كزعيم شرعي من يخالفه فقد شق عصا الطاعة، وتعرض لغضب الله الدنيوي والأخروي، وهي قضايا ذات دلالات ومغازي في العقلية الطالبانية الشرعية، تحول دون انقسامها وأن يتجرأ أحد منها على مخالفة أومر الملا ...
المصادر الغربية والأميركية تتحدث عن استعدادها لقبول طالبان في التركيبة السياسية الأفغانية المقبلة إن هي تخلت عن القاعدة ، لكن تتجاهل هذه المصادر أن طالبان الملا محمد عمر فقد عرشه برفضه تسليمه شخص واحد وهو أسامة بن لادن ، فهل يمكن للملا عمر الآن أن يقبل بشرط رفضه حين كان في السلطة، و حين كانت أميركا في أوج قوتها، فكيف الآن وهو الذي يقترب من النصر على أعدائه ، وثانيا فإن طالبان تتحدث الآن من موقع قوة أكبر وأقوى من السابق بحيث تمسك بأوراق اقليمية كبرى وعلى رأسها ورقة طالبان باكستان وورقة القاعدة وربما أوراق في آسيا الوسطى وتركستان الشرقية الصينية وكذلك بعض مناطق في إيران من خلال علاقاتها مع مجموعات متمردة في هذه المناطق ممثلة بجند الله الإيرانية ، كل ذلك يجعلها في موضع المساومة أفضل بكثير من الطرف الأميركي ، فهي الآن لن تساوم على مستقبل أفغانستان بقدر ما لديها من القدرة على المساومة على مستقبل دول مجاورة أخرى ...
واشنطن على ما يبدو تتجه أو تستعد إلى إنعاش دور أمراء الحرب عبر دعم مليشيات أوزبكية بزعامة عبد الرشيد دوستم أو مليشيات طاجيكية ومليشيات شيعية لملء الفراغ في حال انسحابها أو في حال رأت أن كارزاي ميؤوس منه، وقد بدت بوادر ذلك بتلميحات أميركية حذرت حتى أوساط كارزاي من مخاطرها كونها ستضعف سلطة الحكومة المركزية...
هذا الظرف دفع وزير الخارجية الإيراني منوشهر متكي إلى المسارعة لزيارة إسلام آباد لإطلاق حوار استراتيجي بشأن أفغانستان ويبدو أن الطرف الإيراني استشعر قرب حدوث فراغ في أفغانستان إذا قرر الأميركيون والأطلسيون الانسحاب منها، وبالتالي يسعى متكي من خلال ذلك إلى تضمين دور إيراني في أفغانستان طالبان، وهو ما قد ينبئ بعودة الدور الاقليمي إلى أفغانستان على غرار ما حل بأفغانستان ما بعد الانسحاب السوفياتي ، لكن مسؤولا إيرانيا آخر وهو رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني علاء الدين بروجوردي لا يزال يشدد على خيار دعم حكومة حامد كارزاي...
طبعا هنا يبرز السؤال الكبير وهو ما الذي دفع بواشنطن إلى تغيير موقفها من طالبان والظاهر أن ثمة أسباب رئيسية كبرى لذلك، وأولها : تنامي قوة طالبان التي باتت تهدد سلطة حامد كارزي، فقبل أيام هاجم مئات من مقاتلي طالبان لشكركاه عاصمة ولاية هلمند وكادوا يسيطرون عليها وهو ما دفع أحد قادة البريطانيين في المنطقة إلى الاعتراف بأن لقمة هلمند أكبر من أن يهضمها الوجود البريطاني، وتصاعد عمليات طالبان في ازدياد بالإضافة إلى اقتراب الخناق الطالباني من كابول، كل ذلك وضع بذوره الشكوك الغربية ـ البشتونية بإبعاد البشتون عن مقاليد السلطة بدعم حلف الأقليات ووضع شخصية بشتونية أقرب ما يكون إلى الرمزية على رأس السلطة، غذّى ذلك القصف الأميركي الذي يستهدف مناطق البشتون وراح ضحيته عشرات الآلاف من المدنيين البشتون الذين شكل أقاربهم قنابل طالبانية جديدة انضمت إلى المقاومة...
السبب الثاني هو بروز روسيا علنيا كقوة كبرى في المنطقة خصوصا بعد أحداث جورجيا وتهديد روسيا بعدم التعاون مع الناتو في أفغانستان وهو ما قد يؤثر على قرار دول وسط آسيا بتعاونها مع واشنطن في الحرب على ما يوصف بالإرهاب، كونها تشكل دول دعم لوجستي لقوات الناتو في الجارة أفغانستان ...
السبب الثالث الأزمة المالية الخانقة والتي أضعفت أميركا والغرب على المستوى الدولي ، وأضعفتهم على المستوى العملياتي إذ أن أميركا لم يعد بمقدورها أن تمول نفقات حتى ألفين وخمسمائة جندي أميركي كانت تعتزم إرسالهم إلى أفغانستان، وهو ما قد يهدد بقاء الوجود الأميركي في المنطقة، فعادة ما تنهار الإمبراطوريات بالهزائم العسكرية والإفلاس الاقتصادي والهزيمة الأخلاقية المعنوية، وإن كان ذلك يأخذ وقتا، لكن الشجرة الكبيرة حين تنهار تهتز وتميد الأرض من تحتها وهو ما يؤثر على الأشجار الصغيرة و الأعشاب والحشائش من حولها...
التلميح بإعادة مشروع أمراء الحرب لمواجهة مشروع طالبان،وهو ما يعني إضعاف سلطة كارزاي المركزية، ينضاف إلى كون العام المقبل عام الحسم هو عروض التفاوض مع طالبان وإشراكهم في حكومة كارزاي ، ينضاف إليه تصاعد قوة طالبان وإدماء الوجود الأجنبي في أفغانستان، توّج ذلك كله الأزمة المالية العالمية الخانقة التي ستؤثر على تمويل عمليات الحرب على ما يوصف بالإرهاب وتصاعد الدور الروسي بعد أحداث جورجيا ....
اللافت في تصريحات المسؤولين العسكريين الأميركيين والأطلسيين والبريطانيين المعنيين بشكل مباشر بالمعضلة الأفغانية ليس اعترافهم بالعجز عن كسب الحرب، إنما اللافت هو تضادها مع منطق الأشياء الذي يقول بأن هذه التصريحات كان عليها أن تأتي على ألسنة السياسيين وليس العسكريين الذين من المفترض أن يشيعوا الأمل ويزرعوا التفاؤل في نفوس عسكرييهم بغية كسب الحرب، وينشغلوا في تكتيكاتهم العسكرية ،بغ لنيل مستقبل سمعة جيدة لجيوشهم وجنودهم، لما لهذه التصريحات من تأثيرات سلبية كبيرة على نفسية وعقلية وسمعة هذه الجيوش المتورطة في الوحل الأفغاني،والذي تحول واقعا إلى كابوس حقيقي ...
طبعا التفسير الوحيد لهذا الأمر هو أن العسكريين يدفعون ثمن أخطاء السياسيين بجرهم إلى حرب لم يقتنعوا بها منذ البداية، إذ تم تسييس كل ما يمت بصلة لتبرير شن الحرب، وكان على رأس ذلك المعلومات الاستخباراتية المزيفة والمسيسة المعروفة في العراق تحديدا عن صلة النظام العراقي مع القاعدة وكذلك امتلاكه لأسلحة نووية وهو ما ثبت فبركتها لاحقا ، واليوم نرى السياسيين لا يزالون يصرون على مواصلة الحرب ليبرروا خطأهم الفاحش حين دفعوا العسكريين ومعهم العالم إلى حرب أدت وستؤدي إلى كوارث اقتصادية عالمية لم تكن يتوقعها حتى أكثر المتفائلين بقدرة طالبان والقاعدة على الانتصار، أو على تكرار هزيمة الاتحاد السوفياتي في ثمانينيات القرن الماضي ...
من كان يظن يوما أن وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس الذي كان ليوم قريب رئيسا للمخابرات المركزية الأميركية سيرحب بالمفاوضات مع طالبان وسيرحب بمشاركتها في السلطة؟؟، ومن كان يظن يوما أن الكنديين والبريطانيين وحتى الأمم المتحدة ستعترف باستحالة كسب الحرب عسكريا ودعوتهم جميعا إلى الحل السياسي؟؟، ومن كان يظن يوما أن طالبان سترفض المحادثات؟؟، وهي التي كانت حتى لسنوات سبع مضت ملاحقة ومحاصرة في كهوف طوره بوره ، لكن أيضا من يدري ربما يأتي اليوم الذي يدعو فيه وزير الدفاع الأميركي الجديد أو من يخلفه إلى حوار مع القاعدة وغيرها من المجموعات التي يُنظر إليها إرهابية اليوم كما كانت طالبان بالأمس ولا زالت ...
العجيب أن وسائل الإعلام الغربية شرّقت وغرّبت في النقل عن مصادر مجهولة لم تسمها تقول إن مفاوضات جرت بين طالبان والحكومة الأفغانية ، ومرة قيل إنها حصلت في دبي، ومرة قيل إنها حصلت في جدة، وقد نفت طالبان ذلك وأصدرت بيانا ترفض فيه الدخول في أي حوار مع الحكومة الأفغانية ما لم تنسحب القوات الأميركية من أفغانستان، في حين عادة ما تستجدي المعارضات الحوار، لكن في وضع طالبان القوي عسكريا والذي يتمدد أفقيا وشاقوليا، بينما تتراجع قوة وسطوة الدول الغربية المحتلة، وكذلك معها الأفغانية بسبب عجزها عن الدفع بقوات جديدة إلى ساحة المعركة، في هذا الوضع يبدو أن الموقف الطالباني مختلف ولذلك يدعو إلى إرسال مزيد من القوات الأجنبية لتكون الهزيمة كبيرة وماحقة بحيث لا تفكر مرة أخرى في احتلال بلد إسلامي كما قال لي مرة أحد قادة طالبان العسكريين...
الدفعة الأميركية التي قُرر لها أن تأتي إلى أفغانستان في البداية كانت عشرة آلاف ثم تراجعت إلى ألفين وخمسمائة جندي أميركي، وحتى هذه فقد تأجلت أولا، ثم ألغيت أخيرا ، كل ذلك بسبب حمام الدم الاقتصادي الذي تعرضت له القوى الغربية، مما يهدد بانهيار اقتصاديات غربية، وضع وصفه خبراء ومحللون أميركيون وليس غيرهم بأنه نهاية أميركا ....
إن المتابع لشكل وهيئات الجنود الأميركيين العاملين في أفغانستان والعراق يرى مشتركا واحدا بينهم وهو الشعر الشايب الذي يغطي رؤوسهم وذلك بسبب تراجع إن لم نقل غياب الرغبة الشبابية الأميركية بالالتحاق بالجيش الأميركي وهو ما سيشكل عبئا حقيقيا على العسكريين الأميركيين، وعلى العسكرية الأميركية ، لنتذكر أن دعوة كارزاي لطالبان لتسنم وزارات في حكومة ائتلافية نفسها جاءت على لسان آخر رئيس شيوعي لأفغانستان الدكتورنجيب الله لخصومه المجاهدين آنئذ ، وذلك قبل عام واحد فقط من انسحاب أو هزيمة السوفييت من أفغانستان، فهل يعيد التاريخ نفسه بشخوص مختلفة ...
تصريحات السفير الروسي في أفغانستان كانت لافتة ليس من حيث تقرير حقيقة على الأرض فقط وإنما لكونها تأتي من سفير روسي في كابول يدرك مغزى وأبعاد كلامه سياسيا وديبلوماسيا إذ قال إن طالبان لديها نفوذ في خمسين بالمئة من الأرض الأفغانية ولديها سيطرة كاملة على عشرين بالمئة منها ...
غيرت أفغانستان وجه العالم في ثمانينيات القرن الماضي حين أرغمت أكبر قوة عسكرية على الأرض أنئذ على الانسحاب والهزيمة من أراضيها وانهارت معها وتفتت الاتحاد السوفياتي إلى خمس عشر دولة ، لكن نجح الغرب في استغلال فرقة الأفغان وتشتت أحزابهم عبر إطلاق حرب أهلية دمرت أفغانستان وأتت على سمعة قادة أفغان كادوا يتحولون إلى قديسيين ورموز ومغناطيس جذب للعالم الإسلامي بسبب الضحايا التي قدموها، لكن ضحايا لم تذهب سدى على طريقة النضالات في العالم العربي وبعض مناطق العالم الإسلامي وإنما نضالات وصلت إلى نتائجها المنطقية من تحرير أفغانستان وتدمير الاتحاد السوفياتي، لكن فشلت في إقامة الدولة التي تخيلها هؤلاء القادة ...
الآن التاريخ يعيد نفسه فأفغانستان طالبان على مرمى حجر من النصر، لكنه نصر سيكون ماحقا ومدمرا لأميركا إن كان على صعيد السمعة الديبلوماسية والاقتصادية والعسكرية أو على الصعيد السياسي والاجتماعي، تداعيات ستذكرنا بتداعيات الهزيمة السوفياتية في أفغانستان، ولعل هذا ما يفسر الضجة الكبيرة التي أثيرت حول المفاوضات المزعومة بين الحكومة الأفغانية وطالبان رغم نفي الأخيرة ذلك ، التي شددت على رفضها إجراء أي حوار مع حكومة كارزاي، هذه الحكومة التي تستعد لانتخابات العام المقبل والتي يتوقع أن تخسرها بسبب قناعة غربية وأميركية تحديدا في عجزه على ضبط الأوضاع، وبالتالي ربما تلجأ أميركا والقوى الغربية إلى إحلال بديل مكانه ، لكن يبدو أن أميركا وقوى أخرى تسعى إلى جس نبض طالبان فيما إذا كان يمكن اختراقها وتقسيمها والحوار مع بعضها دون الآخر، لكن من يعرف التاريخ الأفغاني وتاريخ الأحزاب السياسية الأفغانية يدرك تماما أن هذه الأحزاب مرتبطة بالشخصيات أكثر مما هي مرتبطة بالمؤسساتية، وإلا فكم من الشخصيات تخلت عن الحزب الإسلامي الأفغاني بزعامة قلب الدين حكمتيار وغيره من الأحزاب دون أن يؤثر على مكانة حكمتيار وزعامته للحزب..، فكيف بطالبان التي ينظر أتباعها إلى الملا عمر كزعيم شرعي من يخالفه فقد شق عصا الطاعة، وتعرض لغضب الله الدنيوي والأخروي، وهي قضايا ذات دلالات ومغازي في العقلية الطالبانية الشرعية، تحول دون انقسامها وأن يتجرأ أحد منها على مخالفة أومر الملا ...
المصادر الغربية والأميركية تتحدث عن استعدادها لقبول طالبان في التركيبة السياسية الأفغانية المقبلة إن هي تخلت عن القاعدة ، لكن تتجاهل هذه المصادر أن طالبان الملا محمد عمر فقد عرشه برفضه تسليمه شخص واحد وهو أسامة بن لادن ، فهل يمكن للملا عمر الآن أن يقبل بشرط رفضه حين كان في السلطة، و حين كانت أميركا في أوج قوتها، فكيف الآن وهو الذي يقترب من النصر على أعدائه ، وثانيا فإن طالبان تتحدث الآن من موقع قوة أكبر وأقوى من السابق بحيث تمسك بأوراق اقليمية كبرى وعلى رأسها ورقة طالبان باكستان وورقة القاعدة وربما أوراق في آسيا الوسطى وتركستان الشرقية الصينية وكذلك بعض مناطق في إيران من خلال علاقاتها مع مجموعات متمردة في هذه المناطق ممثلة بجند الله الإيرانية ، كل ذلك يجعلها في موضع المساومة أفضل بكثير من الطرف الأميركي ، فهي الآن لن تساوم على مستقبل أفغانستان بقدر ما لديها من القدرة على المساومة على مستقبل دول مجاورة أخرى ...
واشنطن على ما يبدو تتجه أو تستعد إلى إنعاش دور أمراء الحرب عبر دعم مليشيات أوزبكية بزعامة عبد الرشيد دوستم أو مليشيات طاجيكية ومليشيات شيعية لملء الفراغ في حال انسحابها أو في حال رأت أن كارزاي ميؤوس منه، وقد بدت بوادر ذلك بتلميحات أميركية حذرت حتى أوساط كارزاي من مخاطرها كونها ستضعف سلطة الحكومة المركزية...
هذا الظرف دفع وزير الخارجية الإيراني منوشهر متكي إلى المسارعة لزيارة إسلام آباد لإطلاق حوار استراتيجي بشأن أفغانستان ويبدو أن الطرف الإيراني استشعر قرب حدوث فراغ في أفغانستان إذا قرر الأميركيون والأطلسيون الانسحاب منها، وبالتالي يسعى متكي من خلال ذلك إلى تضمين دور إيراني في أفغانستان طالبان، وهو ما قد ينبئ بعودة الدور الاقليمي إلى أفغانستان على غرار ما حل بأفغانستان ما بعد الانسحاب السوفياتي ، لكن مسؤولا إيرانيا آخر وهو رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني علاء الدين بروجوردي لا يزال يشدد على خيار دعم حكومة حامد كارزاي...
طبعا هنا يبرز السؤال الكبير وهو ما الذي دفع بواشنطن إلى تغيير موقفها من طالبان والظاهر أن ثمة أسباب رئيسية كبرى لذلك، وأولها : تنامي قوة طالبان التي باتت تهدد سلطة حامد كارزي، فقبل أيام هاجم مئات من مقاتلي طالبان لشكركاه عاصمة ولاية هلمند وكادوا يسيطرون عليها وهو ما دفع أحد قادة البريطانيين في المنطقة إلى الاعتراف بأن لقمة هلمند أكبر من أن يهضمها الوجود البريطاني، وتصاعد عمليات طالبان في ازدياد بالإضافة إلى اقتراب الخناق الطالباني من كابول، كل ذلك وضع بذوره الشكوك الغربية ـ البشتونية بإبعاد البشتون عن مقاليد السلطة بدعم حلف الأقليات ووضع شخصية بشتونية أقرب ما يكون إلى الرمزية على رأس السلطة، غذّى ذلك القصف الأميركي الذي يستهدف مناطق البشتون وراح ضحيته عشرات الآلاف من المدنيين البشتون الذين شكل أقاربهم قنابل طالبانية جديدة انضمت إلى المقاومة...
السبب الثاني هو بروز روسيا علنيا كقوة كبرى في المنطقة خصوصا بعد أحداث جورجيا وتهديد روسيا بعدم التعاون مع الناتو في أفغانستان وهو ما قد يؤثر على قرار دول وسط آسيا بتعاونها مع واشنطن في الحرب على ما يوصف بالإرهاب، كونها تشكل دول دعم لوجستي لقوات الناتو في الجارة أفغانستان ...
السبب الثالث الأزمة المالية الخانقة والتي أضعفت أميركا والغرب على المستوى الدولي ، وأضعفتهم على المستوى العملياتي إذ أن أميركا لم يعد بمقدورها أن تمول نفقات حتى ألفين وخمسمائة جندي أميركي كانت تعتزم إرسالهم إلى أفغانستان، وهو ما قد يهدد بقاء الوجود الأميركي في المنطقة، فعادة ما تنهار الإمبراطوريات بالهزائم العسكرية والإفلاس الاقتصادي والهزيمة الأخلاقية المعنوية، وإن كان ذلك يأخذ وقتا، لكن الشجرة الكبيرة حين تنهار تهتز وتميد الأرض من تحتها وهو ما يؤثر على الأشجار الصغيرة و الأعشاب والحشائش من حولها...