*
آخر تحديث: 2017/4/5 الساعة 13:47 (مكة المكرمة) الموافق1438/7/9 هـ
عبد الرحمن الكيلاني
محرر سياسي
- ض
- ض
«لا نتدخل كلبنانيين فيما يجري في سوريا، ونترك للسوريين أنفسهم معالجة أمورهم وهم قادرون على ذلك .. وإذا أمكن لأي منّا أن يلعب دورًا إيجابيًا فليكن»
(الأمين العام لـحزب الله حسن نصر الله)
في صباح التاسع من أغسطس/آب عام 2012، كان ميشال سماحه وزير الإعلام اللبناني لثلاث فترات ومسؤول الاتصال بين سوريا وحزبه "حزب الكتائب" فترة الحرب الأهلية، والمستشار اللبناني للرئيس السوري، في بيته قبل أن يقتحمه مسلحون تابعون لشعبة المعلومات، بعد أن أصدر اللواء وسام الحسن مسؤول الشعبة أوامره بإلقاء القبض على سماحة، بعدما توصلت التحقيقات إلى مسؤوليته المباشرة عن تهريب مواد متفجرة من سوريا إلى لبنان لتنفيذ عملياتٍ إرهابية.
ارتدى الوزير ثيابه والقيود الحديدية بهدوء وثقة، وبعد أربعين يومًا من اعتقاله دوى انفجار هائل في حي الأشرفية ببيروت، وبينما كان صعبًا التعرف على المستهدفين بعدما اختفت أجسادهم تقريبًا من أثر الانفجار، إلا أن بقايا سلاح شخصي في المكان كشفت عن الذين قضوا في التفجير اللواء وسام الحسن نفسه ومرافقه.
ظلت الحالة المليشياتية في لبنان مؤثرة ومسيطرة، ومع تحول المظاهرات السلمية في الجارة سوريا إلى حرب لا ترحم تفاعلت المليشيات اللبنانية، وتحركت في لبنان وفي سوريا حتى صارت مع الوقت جزءً أساسيًا من المشكلة.
"النأي بالنفس" كان الموقف اللبناني الرسمي الذي هندسه وأعلنه رئيس الوزراء نجيب ميقاتي، وعلى عكسه تمامًا كان واقع الميليشيات إذ زاد تورطها في الحرب السورية أكثر، وبالنسبة لها مثلت الحرب فرصة للتمدد والسيطرة وربما الانتقام، وبالنسبة للأطراف الإقليمية والدولية مثلت هذه المليشيات خيارًا يمكن التعويل والاعتماد عليه، كورقة نافذة لتحقيق المصالح من غير أن يتحمل مسؤوليتها أحد، إذ أنها في النهاية ميليشيات وليست جيوش دول.
من لبنان إلى سوريا
اهتزت قبضة بشار الأسد التي تسيطر على البلاد وصار جزء كبير منها خارج سيطرته لمصلحة المعارضة السورية المسلحة، ولم يعد يكفي أي دعم لوجستي أو أمني لإنقاذ نظام يتهاوى بيد شباب غاضب، وتفكك الجيش السوري وتشظى بين منشقين ومقتولين، ولم يعد هناك بد من الاستعانة بمقاتلين أجانب، ليأتي اسم واحد على رأس القائمة بلا منافس "حزب الله" اللبناني.
بين الأمين العام لحز الله حسن نصر الله والرئيس السوري بشار الأسد علاقة مميزةو قديمة سبقت تولي الثاني للرئاسة، لذا وكصديق قديم والأهم كحليف أعلن نصر الله منذ البداية معارضته للثورة السورية، وتبنى بالكامل رؤية ورواية نظام الأسد، وعندما حان الوقت كان مقاتلو الحزب مستعدون للمشاركة في القتال.
بعد ثلاث سنوات ونصف كانت عشرات العربات المدرعة لحزب الله ومئات من مقاتليه يحتشدون في مدينة القصير، في أول استعراض عسكري للميليشيا خارج لبنان
في البداية كانت مشاركة الحزب محدودة ومتركزة حول دمشق، بينما شابت مشاركته القتالية في حلب سريةٌ لم تكشفها إلا نعوش قتلاه العائدين من "مهامهم المقدسة في سوريا" كما يقول الحزب دومًا، لكن معركة القصير بريف حمص في مايو/أيار 2013 كانت تغييرًا محوريًا، إذ شاركت فيها قطاعات كبيرة من مقاتلي الحزب وبشكل علني، وبعد انتهاء المعركة لصالح الحزب وقوات النظام ارتفعت راية سوداء كبيرة مكتوب عليها "يا حسين" على مئذنة جامع عمر بن الخطاب الرئيس في المدينة.
وبعد ثلاث سنوات ونصف كانت عشرات العربات المدرعة للحزب ومئات من مقاتليه يحتشدون في مدينة القصير، في أول استعراض عسكري للميليشيا خارج لبنان، استعراض حضره شخصيات محورية منها رئيس المجلس التنفيذي للحزب هشام صفي الدين، وكان إعلانًا واضحًا أن الميليشيا صارت أقرب لجيش منظم يمكنه أن يقاتل خارج الحدود، وبأنها جزء من الصراع وبالتالي لا يمكن إلا أن تكون جزءً من التسوية.
وبين احتلال القصير عام 2013 والاستعراض فيها عام 2016 ظلت وتيرة مشاركة الحزب في القتال تتصاعد مع أعداد قتلاه، فيما لم تستطع لبنان الرسمية وسياستها المعلنة بالنأي عن الصراع التأثير على لبنان الفعلية ومشاركتها الأصيلة في الحرب.
لم يكن حزب الله وحده من مليشيات لبنان في سوريا، فنجد أن الدرزي وئام وهاب الوزير اللبناني السابق وعضو الحزب التقدمي الاشتراكي إبان الحرب الأهلية، أعلن أن ميليشياته "سرايا التوحيد" الدرزية ستدعم الأسد وستشارك بجانبه في القتال في عرض عسكري للسرايا، واختار وهاب يوم عيد الاستقلال اللبناني لهذا الإعلان في صدفة مقصودة.
كان وئام قد درب ومول وأرسل مقاتلين من حزبه "التوحيد" إلى سوريا طوال سنوات الحرب، وقُتل أعداد منهم في المعارك على طول البلاد، وبينما عرفت الحرب "سرايا التوحيد" الدرزية، فقد عرفت أيضًا مسيحيي لبنان كذلك، وكانوا حاضرين ضمن ميليشيات "نسور الزوبعة" التي تتبع للحزب السوري القومي الاجتماعي الذي أسسه أنطون سعادة عام 1932، وبدت في شوارع بيروت بوضوح أعلام الحزب ودعواته للانضمام للقتال ونعيه لـ"الرفاق المقاتلين".
لم يغب الجهاديون اللبنانيون عمومًا عن الحرب السورية، لكنهم ظلوا بشكل محدود ونادر مقابل أفواج المقاتلين المتقاطرة من ميليشيات "حزب الله"، وتأثيراتهم كانت داخلية أكثر منها خارجية
وفي شمال البلاد عقد حوالي 20 شابًا من طرابلس السنية العزم على العبور إلى الضفة الأخرى من مدينتهم، وتحديدًا إلى ريف حمص القريب حيث المعارك المشتعلة وقتها بين دبابات الجيش السوري المدرعة وبين الثوار بأسلحتهم الخفيفة، فقد مثلت طرابلس محضناً للفكر السلفي والسلفي الجهادي ومخبرًا لتحركاتهما منذ بدايات الحرب الأهلية اللبنانية، حينما أسس فيها الشيخ سعيد شعبان حركة التوحيد الإسلامية عام 1982، وسرعان ما سيطرت الحركة على أحياء من طرابلس قبل أن تصدم بالجيش السوري الذي اجتاح لبنان في ذلك الوقت.
"شكلت الحدود اللبنانية منفذًا استراتيجيًا للثوار السوريين غرب سوريا للتموين والإمداد وعلاج الجرحى، وهي التي كانت قديمًا منافذًا للتهريب خارجة عن التحكم المطلق للدولتين"
ظل الصوت السلفي والجهادي مرتفعًا في طرابلس وجاهزًا للتحول إلى اشتباك في أي وقت، وظلت عدد من الحوادث تؤكد ذلك منها ما حدث في مخيم نهر البارد القريب من طرابلس والذي تمركزت فيه جماعة فتح الإسلام، وما عرف به من تورطه في صراع عسكري عنيف بين حركة فتح وبين الجيش اللبناني عام 2007، صراع أحال المخيم أنقاضًا وخرابًا.
وضمن هذا المناخ الجهادي والمشحون طائفيًا كان من الطبيعي أن يتفاعل أبناء طرابلس مع ما يحدث في سوريا، لذا حاول عشرون منهم عبور تلكلخ في 30 نوفمبر/تشرين الثاني عام 2012، قبل أن يقعوا في كمين عسكري للجيش السوري أعدموا فيه ميدانيًا بشكل مباشر، وقيل إن الكمين كان مدبرًا من مقاتلي حزب الله كرسالة إنذار مبكرة لمن يفكر بالاقتراب من سوريا والمشاركة في قتالها.
لم يغب الجهاديون اللبنانيون عمومًا عن الحرب السورية، لكنهم ظلوا بشكل محدود ونادر مقابل أفواج المقاتلين المتقاطرة من ميليشيات حزب الله، وتأثيراتهم كانت داخلية أكثر منها خارجية، وبحسب دراسة لمعهد "كارينغي" فإن 2000 مقاتلًا من طرابلس قاتلوا في سوريا حتى نوفمبر/تشرين الثاني لعام 2013.
من سوريا إلى لبنان
شكلت الحدود اللبنانية منفذًا استراتيجيًا للثوار السوريين غرب سوريا للتموين والإمداد وعلاج الجرحى، وهي التي كانت قديمًا منافذًا للتهريب خارجة عن التحكم المطلق للدولتين، وكانت المناطق على جانبي الحدود ملتحمة باعتبار الجغرافيا والمصاهرة، وبوقت مبكر تنبه النظام السوري إلى تلك العلاقة، وعمل على تنحية لبنان من أن تشكل دعمًا للثوار على غرار ما شكلته تركيا شمال البلاد.
في أغسطس/آب عام 2014 اجتاح مسلحون سوريون الحدود اللبنانية إلى بلدة "عرسال"، وخاضوا اشتباكات مع الجيش اللبناني طوال خمسة أيام، واحتجزوا رهائن بينهم عناصر من الجيش والشرطة
وفي يونيو/حزيران 2013 سلم الرئيس اللبناني حينها ميشال سليمان مذكرة للجامعة العربية بخروقات سوريا في لبنان، إذ استهدفت المروحيات السورية بحالات متكررة الأراضي اللبنانية بالصواريخ، وقتل في غارة منها أقارب لمحافظ عرسال علي الحجيري والخصم الصلب لحزب الله والنظام السوري، وبدأت أولى الاشتباكات مبكرًا في أكتوب/تشرين الأول لعام 2011 على حدود البقاعالشمالي وعكار.
وفي أغسطس/آب عام 2014 اجتاح مسلحون سوريون الحدود اللبنانية إلى بلدة عرسال، وخاضوا اشتباكات مع الجيش اللبناني طوال خمسة أيام، واحتجزوا رهائن بينهم عناصر من الجيش والشرطة، حدث ذلك على إثر توقيف الجيش اللبناني لعماد أحمد جمعة بتهمة انتمائه لجبهة النصرة، واستمرت الأزمة لأشهر من أجل إعادة المخطوفين من الجيش في صفقة تبادل جرت بوقت لاحق.
وفي يوليو/تموز 2013 انفجرت سيارة مفخخة ضربت منطقة "بئر العبد" بالضاحية الجنوبية لبيروت، توالت بعدها الهجمات الانتحارية والسيارات المفخخة مستهدفة بشكل أساس بيئة حزب الله ومقر السفارة الإيرانية في بيروت، ثم أعلن بيان لجبهة النصرة عن تبنيها لتفجير الشوسفات بداية عام 20144 في بيان رسمي قالت فيه "مع استمرار جرائم حزب إيران بحق أهلنا المستضعفين في شامنا الحبيب، وإصراره على إرسال المزيد من مرتزقته لقتل الشعب السوري، ما كان منّا إلا العمل على إيقاف مذابحه والردّ بالمثل في عقر داره لكي يضطر إلى إعادة حساباته".
وفي 12 نوفمبر/تشرين الثاني للعام التالي 2015 وقع انفجار عنيف ومزدوج في معقل حزب الله ببرج البراجنة في الضاحية الجنوبية لبيروت، قتل فيه نحو أربعين شخصًا وتبناه تنظيم الدولة الإسلامية، وكان بمثابة صدى صوت لتغول حزب لله في الحرب السورية، لنجد على جانبي الحدود أن ما يحدث في سوريا ينتج بشكل مباشر شيئًا في لبنان، وما يحدث في لبنان ينتج مقابلًا في سوريا، في تفاعل كونته الجغرافيا وطبيعة الصراع.
من لبنان إلى لبنان
أما في ساحة الشهداء بصيدا فقد وقف رجلان ما كان يمكن أن يلتقيا قبل هذا الوقت، أحدهما هو أحمد الأسير الشيخ السلفي الصاعد والمعروف بمواقفه المعارضة بصلابة وعنف لحزب الله كاستثناء من بين الطائفة السنية، وثانيهما هو فضل شاكر المغني اللبناني المعتزل الغناء حديثًا والذي سيلتصق اسمه طويلاً بعد ذلك باسم الأسير"ومصيره بمصيره.
يخطب "لن ترفع راية صفراء في صيدا، لأن هذه الراية أصرت وعاندت واستكبرت حتى الساعة وحتى اللحظة كيف توغل يدها النجسة بدمائنا في سوريا"، قاصدًا بها علم "حزب الله" الشهير.
صدرت خطب الأسير وتصلبه وإعلانه لموقفه في وقت قصير الشيخ السلفي كخصم عنيد لتمدد وسيطرة حزب الله في لبنان وتدخله في سوريا، وبدا أن الشيخ الذي يتضاعف نفوذه وأنصاره وسيصبح خطرًا مهدداً للحزب.
"أحرق الجيش اللبناني وحزب الله خيم النازحين أو قصفوها بشكل مباشر أكثر من مرة، وواجه اللاجئون روح كراهية عنيفة في لبنان تورطت فيها المليشيات أيضًا"
واستباقًا لتلك اللحظة وبعد تصعيد وقع اشتباك بين أنصار الأسير وبين الجيش اللبناني وميليشيات حزب الله في 18 مايو/أيارعام 2013، تطور إلى اشتباكات أكثر عنفًا في الأيام التالية استخدمت فيها أسلحة متوسطة، وبينما وقع عشرات القتلى من الطرفين إلا أن الجيش والحزب تمكنا من السيطرة، بينما استطاع الأسير الفرار مع فضل شاكر متجاوزين الطوق الأمني، قبل أن يلقى القبض على الأول لاحقًا أثناء محاولة هروبه متخفيًا عبر مطار بيروت.
وفي طرابلس كان الصراع التقليدي المعتاد بين باب التبانة السنية وجبل محسن العلوي يتصاعد على إثر ما يحدث في سوريا، وبين العامين 2012 و2014 وقعت عشرون جولة بين الطرفين دون أي نتائج لأي منهما، وفي حالات تدخل الجيش اللبناني تطور ذلك إلى مواجهة معه في أسواق طرابلس القديمة في أكتوبر/تشرين الأول لعام 2014.
وللمواجهات بين باب التبانة وجبل محسن جذور عميقة، فإبان الحرب الأهلية وبينما دعم السنة في المنطقة منظمة التحرير الفلسطينية في صراعها ضد قوات حافظ الأسد كان العلويون حلفاء مرحبين به، أما ذروة تلك الجذور فكانت في ديسمبر/كانون الأول عام 1986، حين ارتكبت ميليشيا الحزب العربي الديموقراطي العلوية من جبل محسن مذبحة قتلت فيها المئات من أهالي باب التبانة.
أما عكار وجارتها عرسال فكانتا مسرحًا متكررًا لعمليات الجيش وحزب الله ضد اللاجئين السوريين في المخيمات وخارجها، بدعوى مخالفتهم للقانون أو مساعداتهم للإرهاب، وأحرق الجيش والحزب خيم النازحين أو قصفوها بشكل مباشر أكثر من مرة، وواجه اللاجئون روح كراهية عنيفة في لبنان تورطت فيها المليشيات أيضًا، وذكر مدير قسم الشرق الأوسط في "هيومن رايتس ووتش" نديم حوري أن ميليشيات مسيحية هاجمت عشر عوائل سورية نازحة في منطقة حراجل بقضاء كسروان التابعة لجبل لبنان.
بالرغم من خسارة حزب الله البشرية والمادية في سوريا إلا أنه طوال أربع سنوات من المعارك كون ترسانة عسكرية هائلة، وراكم خبرات لدى مقاتليه وفرض نفسه كجزء من الصراع وجزء من حله
في البقاع هددت ما تسمى "حركة أحرار البقاع الشمالي" في بيان مصور وزع على مناطق في المحافظة بقتل اللاجئين السوريين واغتصاب نسائهم وحرق بيوتهم في حال عدم مغادرة المنطقة، قائلين "يجب عليكم مغادرة منطقة البقاع الشمالي وخاصة هذه البلدة خلال مهلة 48 ساعة تبدأ من ساعة تبلغكم هذا القرار، وإلاّ سنتعامل معكم كأعداء ولن تكونوا بأمان سنحرق بيوتكم وسنغتصب بناتكم ونسائكم وسنقتل أطفالكم وقد أعذر من أنذر".
وبالعموم لم تسلم أي من المليشيات من التدخل والتورط بما يحدث في سوريا، وأدى هذا من ناحية إلى صعود أطراف كحزب الله الذي ومع خساراته البشرية والمادية في سوريا إلا أنه طوال أربع سنوات من المعارك كون ترسانة عسكرية هائلة، وراكم خبرات لدى مقاتليه وفرض نفسه كجزء من الصراع وجزء من حله، ومن ناحية ثانية أدى إلى سحق أطراف أخرى كما حدث مع الشيخ أحمد الأسير في صيدا.
ومع استمرار حالة الفوضى في سوريا ومع تدويل الصراع وتعقده، كانت الميليشيات اللبنانية مستعدة تمامًا للدخول ببنية مليشياتية ناجزة، وبعلاقات تستند عليها وبتمويل وتوظيف يغطي كل تلك التكلفة، متوغلة في الدولة ومتجاوزة إياهًا حينًا آخر ومورطة إياها حينًا ثالثًا، إما بتلقي ردة فعل انتقامية وإما بحشرها في اشتباكات مع مقاتلين مشكلتهم مع المليشيات بالأساس وكان لذلك أثره الاجتماعي أيضاً.
ويرى الصحفي اللبناني حازم أمين أن الحرب في سوريا غيرت المجتمع اللبناني من داخله، حتى صار يمكن الحديث عن فرق اجتماعي يفصل بين المقاتل في سورية وغير المقاتل فيها، مما يعني "استدخال الحرب بصفتها جزءً من المضمون الاجتماعي والاقتصادي للمواطنة"، وعلى هذا النحو تتشكّل مجتمعات الحروب.
ويضيف "أن يكون مواطنك مرتبطًا بدورة اقتصادية موازية وأن يُشحن بقيم من خارج ما تواطأ اللبنانيون الشيعة على أنه هويتهم المذهبية، وأن تتصل هواجسه وطموحاته بمستقبل جماعات خارج الحدود، فهذا يعني أننا أمام عملية انشقاق جوهرية عن الهوية حتى بمعناها القانوني".
الميليشيات إذ تعطل الدولة
فشلت 45 جلسة لمجلس النواب اللبناني في أن تختار رئيسًا للبلاد، لتظل لبنان بلا رأس ولا رئيس طوال أكثر من عامين، هذه الحالة لم تكن تحدث للمرة الأولى في تاريخ الدولة الصغيرة.
مشهد أشبه بالمشاهد الكوميدية دخل العميد عون إلى قاعة مجلس النواب اللبناني في انتظار الانتخابات الحاسمة، ليحول النواب اللبنانيون القاعة إلى ما يشبه صفًا مدرسيًا مشاغبًا، يتكلم الجميع فيه بنفس الوقت ويقاطعون بعضهم البعض ويسخرون من الجميع، مشهد لعب فيه رئيس مجلس النواب نبيه بري دور معلم الفصل فاقد السيطرة الذي صار يحاول بالصراخ وبالشتائم ضبط المجلس.
بدأ التصويت وسجلت الكاميرات مشاهدًا للنواب "العابثين" ميشال المر يضع ورقتين في صندوق الاقتراع بدلًا من واحدة، وأحد النواب وضع صوته لرواية زوربا اليوناني، وصوت آخر لتساؤل "شرعي أم غير شرعي؟"، والأغرب كان صوتًا لـ "مريام كلينك" المطربة اللبنانية، ثم اختير ميشال عون رئيسًا بالنهاية بـ 86 صوتًا، وحقق العماد حلمه بعد 25 عامًا غادر في نصفها البلاد لتنتهي الحرب الأهلية، وبصدفة غريبة أصبحت اليوم الشخصية العنيدة، التي كانت البارحة عقدة المسألة السياسية في لبنان حلها الوحيد.
هكذا لبنان بلد بحياة سياسية شكلية وطبيعة مليشياتية طائفية عميقة ورهانات للاعبين الإقليميين والدوليين، ولا يبدو أن تغيير الواقع الذي تشكلت بذوره أيام الاستعمار الفرنسي ممكن في وقت قريب أو بسهولة، ففي لبنان أكثر العاقلين هم من يمسكون البلاد من أن تعيد سيرتها في الحرب الأهلية، وكما هي العادة المندفعون إليها هم وحدهم من يحققون النفوذ والمكاسب والسيطرة.
http://midan.aljazeera.net/reality/politics/2017/4/5/القصة-اللبنانية-عبث-بلا-نهاية