بسم الله الرحمن الرحيم
القرآن و تحرير العبيد
ان موضوع الرق و الاستعباد لمن المسائل الشائكة فى التاريخ الاسلامى, وقد يتسائل البعض بغض النظر اذا كان هذا التساؤل برىء او له غرض النيل من ديننا الحنيف فلسنا هنا بصدد الحكم على ضمائر الناس فالله وحده هو اعلم بما تضمر القلوب, و التساؤل هو لماذا لم يحرم الله سبحانه الرق؟ ولماذا استباح المسلمون العبيد و الاماء على مر التاريخ الاسلامى؟
اولا: دعونا نتفق على شىء وهو ان الاسلام لا يقاس بمدى التزام الاشخاص بتعاليمه.
ثانيا: عندما نتدبر ايات الذكر الحكيم التى تشير الى هذا الموضوع, نجد ان الاسلام الممثل فى القرآن الكريم قام بثورة غير مسبوقة فى التاريخ الانسانى, وذلك بانه قضى على نظام اجتماعى سياسى كان يسود مجتمعات هذا العصر, وقد تم ذللك على ثلاث محاور متوازية, اولهم تجفيف منابع الرق, ثانيهم اقرار حقوق لهذه الطبقة المستباحة و المستغلة من قبل مالكيهم, وثالثهم التشجيع على تحرير ما تبقى من عبيد تقربا لله سبحانه, ودعونا الان نتدبر ايات الله سبحانه بشىء من التفصيل و التدبر.
1-تجفيف منبع من اكبر منابع الرق و الاستعباد.
فقد كان اكبر منبع من منابع و مصادر العبيد ويكاد يكون المصدر الاوحد لهم وهو نتاج الحروب و الغزو من اسرى فنرى الله سبحانه فى اياته المحكمه يضعنا امام خيارين لا ثالث لهما فى الاسرى بعد ان تضع الحرب اوزارها, اولهما المن اى نحسن على الاسير و نطلق سراحه بلا مقابل ابتغاء وجه الله سبحانه, و ثانيهما ان نفتدى به اما باسير لنا عند الاعداء او نظير فدية من الاموال, وهذا هو حكم الله كما فصله فى الاية الكريمة الاتية من سورة محمد.
( فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّىٰ إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّىٰ تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَاۚ ذَٰلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَـٰكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍۗ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ )محمد 4
وكيف ان الله سبحانه وجه لهم اية على لسان رسوله عليه السلام تحررهم وتمنيهم برزق خير مما اخذ منهم و بمغفرة من الله سبحانه و تتوعدهم ان هم عادوا للاعتداء على النبى و المسلمين, قال الله سبحانه:
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّمَن فِي أَيْدِيكُم مِّنَ الْأَسْرَىٰ إِن يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (70) وَإِن يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِن قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ
(71)( سورة الأنفال , Al-Anfal, Chapter #8, Verse #71)
2-عدم استباحة العبيد من قبل السادة و ارساء قوانين تعبر عن حقوقهم.
و اول هذه الحقوق و اعظمها هى حرمة اجسادهم حيث ان اجساد العبيد و الاماء غير مباحة لاسيادهم غير عن طريق واحد وهو الزواج و ذلك يتبين فى قول الله تعالى:
وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلًا أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ۚ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُم ۚ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍۚ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ ۚ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ۚ ذَٰلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنكُمْ ۚ وَأَن تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ( سورة النساء , An-Nisa, Chapter #4, Verse #25)
ولفظ نكاح فى القرآن الكريم ليس له اى دلالة على العلاقة الجنسيه ولكنه يدل على عقد الزواج فقط تصديقا لقول الله تعالى:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا ۖفَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا
( سورة الأحزاب , Al-Ahzab, Chapter #33, Verse#49)
ويتبين ذلك المعنى ايضا فى قول الله تعالى:
وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّىٰ يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ۗ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا ۖ وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ ۚ وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَمَن يُكْرِههُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
( سورة النور , An-Noor, Chapter #24, Verse #33)
كما فرض الله سبحانه و تعالى مهرا للامة كما هو الحال فى الحره, وبما انه عقد زواج اذن تنطبق عليه كل احكام الزواج والطلاق التى حددها الله تعالى فى كتابه الحكيم.
وليس ذللك فحسب بل ان الله سبحانه فضلهم عن الاحرار من الرجال و النساء المشركين تصديقا لقول الله تعالى:
وَلَا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّىٰ يُؤْمِنَّ ۚ وَلَأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ ۗ وَلَا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّىٰ يُؤْمِنُوا ۚوَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ ۗ أُولَـٰئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ۖ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ ۖ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ
( سورة البقرة , Al-Baqara, Chapter #2, Verse#221)
كما ان الله سبحانه جعل لهم نصيب من اموال الصدقات كما جاء فى قوله تعالى:
وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا
( سورة النساء , An-Nisa, Chapter #4, Verse #36)
ولهذا دلالة اخرى وهى ان الله سبحانه جعل لطبقة العبيد ذمة مالية منفصلة عن سادتهم , وان لهم نصيب ايضا فى الرزق الذى رزقه الله لسادتهم ومن ينكر ذلك فقد جحد بنعمة الله تصديقا لقوله تعالى:
وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ فِي الرِّزْقِۚ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَىٰ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ ۚأَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ
( سورة النحل , An-Nahl, Chapter #16, Verse #71)
انها عدالة الخالق سبحانه حيث ان هذه الطبقة هى الطبقة العاملة و فرض الله لهم حق فى الرزق مما كسبت ايديهم, و اقر لهم ذمتهم المالية المنفصلة.
3-التشجيع على تحرير ما تبقى من طبقة الرقيق و العبيد.
والمحور الثالث لهذا التحرير هو تشجيع المؤمنين لتحرير ما لديهم من رقاب وذلك كفارات عن الذنوب وتقربا لله عز و جل.
ويتجلى ذلك فيما يلى من ايات الذكر الحكيم بالنسبة للقتل الخطأ كما فى قوله تعالى:
وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً ۚ وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ إِلَّا أَن يَصَّدَّقُوا ۚ فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ ۖ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ ۖ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا
( سورة النساء , An-Nisa, Chapter #4, Verse #92)
وفى الحلف بالله وعدم الوفاء به
لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَـٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الْأَيْمَانَ ۖ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ۖ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ۚ ذَٰلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ ۚ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ ۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ
( سورة المائدة , Al-Maeda, Chapter #5, Verse #89)
وفى ظهار النساء
وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ۚ ذَٰلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ
( سورة المجادلة , Al-Mujadila, Chapter #58, Verse #3)
و تقربا لله سبحانه
فَكُّ رَقَبَةٍ (١٣) البلد 13
وبذلك يكون الاسلام قد هدم نظام من اقوى النظم السياسية و الاجتماعية المسيطرة التى تواجدت بقوة فى وقت نزوله.
و يجب علينا ايضا ان نشير الى ان الاسلام لا يتحمل وزر من ارتدوا على مر العصور عن المبادىء العظيمة التى ارساها والتى تعد بحق ثورة غير مسبوقة على نظام اجتماعى عالمى يقوم على الاستغلال و الطبقية.
وننهى بقول الله تعالى:
أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا
( سورة محمد , Muhammad, Chapter #47, Verse #24)
صدق الله العظيم
الرق في الإسلام ... شبهة أم إعجاز؟!
خالد حربي
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «مَن أَعتَقَ رقبة مسلمةً، أعتق الله بكل عضو منه عضواً منه من النار حتى فرجَه بفرجه» [رواه البخاري ومسلم].
يدعى الحاقدون على الإسلام أنه غير صالح على امتداد الزمان والمكان وذلك لأنه أحل الرق وأقره وهذا لا يناسب سوى العقلية المنغلقة في العصور القديمة، ثم إن الرق قد بطل العمل به وانقطع فكيف لم يذكر الوحي هذا مع افتراض علمه ببطلان الرق مستقبلاً؟!
وللإجابة عن هذه الفرية نقول بحول الله وقوته:
أولا: نقول أن الرق ليس مشكلة إسلامية فيلقى باللائمة فيها على الإسلام إنما هو مشكلة إنسانية ناتجة عن الصراع والتدافع الإنساني، فلا يوجد نص في القرآن أو السنة يأمر بالرق أو يحث عليه بل نجد النقيض من هذا كما سنرى، فالرق معروف ومعمول به في كل الديانات والمذاهب السابقة للإسلام؛ فقد كان الرق عند قدماء المصريين آلة للعمل كحرث الأرض وعمارتها بالزرع وإقامة الدور وحمل الأثقال، ويعدون الرقيق بمنزلة الدواب.
والقرآن وكتب اليهود والتاريخ القديم لا تزال تذكرنا بما سامه فرعون لليهود وهم أرقاء لديه. وعند اليهود: لا يحرم سوى استرقاق اليهود لبعضهم فقط، بينما نرى الكتب المقدس يبيح ليهود استرقاق جميع الأمم "444 و أما عبيدك و إماؤك الذين يكونون لك فمن الشعوب الذين حولكم منهم تقتنون عبيدا و إماء* 45 و أيضا من أبناء المستوطنين النازلين عندكم منهم تقتنون و من عشائرهم الذين عندكم الذين يلدونهم في أرضكم فيكونون ملكا لكم* 46 و تستملكونهم لأبنائكم من بعدكم ميراث ملك تستعبدونهم إلى الدهر و أما إخوتكم بنو إسرائيل فلا يتسلط إنسان على أخيه بعنف* 47" (سفر اللاويين 2544).
بل إن الفكر السياسي اليهودي قائم على قضية الرق وهي دعوة نوح على ابنه حام أن يكون ابنه عبدا لأعمامه سام ويافث كما في سفر التكوين 9/ 25- 26 -" ملعون كنعان عبد العبيد يكون لإخوته ، وقال : مبارك الرب إله سام ، وليكن كنعان عبداً لهم . وفي الإصحاح نفسه / 27 /: "ليفتح الله ليافث فيسكن في مساكن سام، وليكن كنعان عبداً لهم".
وفي المسيحية لا نرى الأمر يختلف فبولس مؤسس المسيحية ينصح العبيد بحسن السمع والطاعة لأسيادهم ويؤكد فيقول: "أيها العبيد، أطيعوا سادتكم حسب الجسد، بخوف ورعدة، في بساطة قلوبكم كما للمسيح، لا بخدمة العين كمن يرضي الناس، بل كعبيد للمسيح، عاملين بمشيئة الله من القلب، خادمين بنية صالحة كما للرب، ليس للناس" (رسالة افسس 65).
وكما يقول الدكتور "جورج بوست" في (قاموس الكتاب): "إن المسيحية لم تعترض على العبودية من وجهها السياسي ولا من وجهها الاقتصادي، ولم تحرض المؤمنين على منابذة جيلهم في آدابهم من جهة العبودية، حتى ولا المباحثة فيها، ولم تقل شيئاً ضد حقوق أصحاب العبيد، ولا حركت العبيد إلى طلب الاستقلال، ولا بحثت عن مضار العبودية، ولا عن فساوتها ولم تأمر بإطلاق العبيد حالاً، وبالإجماع لم تغير النسبة الشرعية بين المولى والعبد بشيء، بل بعكس ذلك فقد أثبتت حقوق كل من الفريقين و واجباته".
ولو تحدثنا عن الرق عند اليونان والرومان والفرس والعرب لطال المقام، وحسبنا أن لا احد يكابر في شيوع الرق في هذه الأمم وسوء معاملته بينهم.
أما موقف الإسلام من الرق فينبع من تصوره لهذه المشكلة؛ فالإسلام ينظر إلى الرق باعتباره نتيجة حتمية للصراع بين البشر وهذه النتيجة رسخت في الأذهان والمعتقدات على مر آلاف السنين، ولهذا تعامل معها الإسلام بخطة لا تتجاهل الواقع ولا تقفز عليه.. وأيضا لا تعترف به على النحو الذي فعلته المسيحية.
وعلى ثلاثة مراحل استطاع الإسلام أن يقيم نظامه الخاص بالرق وهو أعلى نظام يمكن تحقيقه في واقع البشرية كما سنرى:
المرحلة الأولى: تحسن حال الرقيق ورفعهم للمستوى الإنساني.
الثانية: تضيق مصادره وحصرها فيما يخرج بالرقيق عن الصفة الإنسانية.
وبعد هذه تأتي الخطوة الرئيسية وهي تحرير الرقيق.
ففي الجانب الأول: تحسين معاملة الرقيق
نظر الإسلام إلى الرقيق لا على أساس دينه، أو لونه، أو عرقه، وإنما على أساس بشريته المحضة،
وكل التوجهات والأوامر الإلهية في هذا الصدد ارتكزت على بشرية الرقيق لا غير، وعلى سبيل المثال فبدأ الإسلام بتغير الاسم وتصحيحه.
- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ عَبْدِي وَأَمَتِي، كُلُّكُمْ عَبِيدُ اللَّهِ، وَكُلُّ نِسَائِكُمْ إِمَاءُ اللَّهِ، وَلَكِنْ لِيَقُلْ غُلَامِي وَجَارِيَتِي وَفَتَايَ وَفَتَاتِي» [رواه مسلم].
- ثم إيجاد الوضع الاجتماعي المناسب لهم في زمرة الواقع الإنساني وقتها فقال تعالى: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً} [سورة النساء: 36].
- ثم إيجاد الكرامة والحرمة الشرعية و الاجتماعية له:
عن أبي هريرة قال: قال َ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «من قذف مملوكه، وهو بريء مما قال، جلد يوم القيامة، إلا أن يكون كما قال» [رواه البخاري].
عن سَمُرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَتَلَ عَبْدَهُ قَتَلْنَاهُ وَمَنْ جَدَعَهُ جَدَعْنَاهُ» [مسند أحمد - (41/93].
- ثم ضمان حقهم في الاحتياجات المعيشة بالمستوى الإنساني المطلوب:
عن المعرور بن سويد قال: دخلنا على أبي ذر بالربذة فإذا عليه برد وعلى غلامه مثله فقال: "يا أبا ذر لو أخذت برد غلامك إلى بردك فكانت حلة، وكسوته ثوباً غيره؟"، قال:سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «هم إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل، وليكسه مما يكتسي، ولا يكلفه ما يغلبه، فإن كلفه ما يغلبه فليعنه» [رواه البخاري وأبو داود].
وقال عليه الصلاة والسلام: «إذا أتى أحدكم خادمه بطعامه، فإن لم يجلسه معه فليناوله لقمة أو لقمتين، أو أكلة أو أكلتين، فإنه ولي علاجه» [رواه البخاري].
وفي الخطوة الثانية قام الإسلام بتضيق المدخل إلى الرق، وتوسيع المخرج منه؛ فالمدخل إلى الرق قبل الإسلام كان مفتوحاً على مصراعيه؛ فهناك الرق بالبيع كأن يبع الإنسان احد أقاربه، والمقامرة كان يؤخذ الخاسر عبدا للفائز، والنهب والسطو على القوافل والضعفاء واسترقاقهم وبيعهم لجني المال، ووفاء الدين كان يؤخذ المدين عبدا للدائن، والحروب كالأسرى وملك اليمين، وقد حرم الإسلام جميع هذه الأوجه؛ جاء في الحديث القدسي يقول الله تعالى: «ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة ومن كنت خصمه خصمته، رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حراً فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيراً فاستوفى منه العمل ولم يعطه أجره» [أخرجه البخاري].
والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «ثلاثة لا يقبل الله منهم صلاة: من تقدم قوماً وهم له كارهون، ورجل أتى الصلاة دباراً - بمعنى بعد خروج وقتها - ورجل اعتبد محرراً» [رواه أبو داود وابن ماجه وضعفه الألباني].
فلم يبقي مدخلا للرق سوى أسرى الحرب، فأتى الإسلام عليهم فوضع لهم ثلاث خيارات بإذن ولي الأمر:
{فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا} [محمد: من الآية4].
فالمن بالطلاق السراح بلا مقابل أو قبول الفداء، وإطلاق السراح أو الاسترقاق وفقا لقواعد الإسلام الإنسانية في التعامل مع الرقيق.
ثم قام الإسلام بتوسع المخرج وأسباب العتق ومنها:
- جعل العتق من القربات العظيمة إلى الله:
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «مَن أَعتَقَ رقبة مسلمةً، أعتق الله بكل عضو منه عضواً منه من النار حتى فرجَه بفرجه» [رواه البخاري ومسلم].
جعل العتق أحد مصارف الزكاة الثمانية: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [سورة التوبة: 60].
قال يحيى بن سعيد: "بعثني عمر بن عبد العزيز على صدقات إفريقية، فجمعتها، ثم طلبت فقراء نعطيها لهم، فلم نجد فقيراً، ولم نجد من يأخذها منا، فقد أغنى عمر بن عبد العزيز الناس، فاشتريت بها عبيداً فأعتقتهم".
- جعل العتق كفارة للطم العبد أو ضربه:
عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله يقول: «من لطم مملوكاً له أو ضربه فكفارته عتقه» [صححه الألباني].
- جعل العتق واجبا في بعض الكفارات مثل:
. في القتل الخطأ: {مَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [سورة النساء: من الآية92].
. وفي الظهار: {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [سورة القصص: من الآية3].
. وفي الحنث في اليمين: {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ} [المائدة: من الآية89].
كذلك جواز الزواج من الرقيق، وهو من أهم أسباب العتق:
{وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ...}[سورة النساء: 25].
وقال صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة لهم أجران: رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بمحمد، والعبد المملوك إذا أدى حقَّ الله وحقَّ مواليه، ورجل كانت له أمة فأدبها فأحسن تأديبها، وعلمها فأحسن تعليمها، ثم أعتقها فتزوجها، فله أجران»[رواه البخاري ومسلم].
- وأخيرا وضع الإسلام القرار في يد الرقيق أنفسهم فشرع لهم المكاتبة مع المالك للعتق {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور: من الآية33].
فما على الرق إذا أراد الحرية إلا أن يأتي سيده ويخبره بما يريد ويتفق معه على قيمه مالية يسددها العبد من عمله الخاص -الذي يفسح له السيد وقتا له - ويكتبا بينهما كتابا يشهد عليه الناس، وبعد سداد الرق للقيمة المالية يكون حراً، ثم تختم الآية الكريمة بما يوضح الهدف من المكاتبة فتقول: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ}، فالسيد يعطي عبده مالا بعد عتقه ليستعين به على بدْء حياته الجديدة، وهذا يوضح أن المكاتبة ليس الهدف منها المال وإنما اعتماد الرقيق على نفسه في تحرير نفسه لتعظم عنده الحرية فيصونها ويحفظها لنفسه وللمجتمع.
ويمضى الإسلام فيما هو أعظم من هذا فينسج علاقة جديدة وفريدة بين المحرر وبين سيده السابق وهي "الولاء" الذي قال عنه الرسول صلى الله عليه وسلم: «الولاء لُحْمَةٌ كلُحْمَة النسب» [صححه الألباني].
ليجد المحرر له نسبا وأصلا بين الناس، ووعاءاً اجتماعياً بشرياً يحتضنه ويحتويه كباقي البشر، ويتعدى هذا الوعاء مجرد الاسم المعنوي، ليجد الرقيق المحرر نفسه في قائمة الورثة الشرعيين بترتيبهم الشرعي المعتبر.
وأخير نقول:
كان سهلا على الإسلام أن يحرر الرقيق بكلمة يقولها، لكن ما النتيجة دون معالجة الحالة النفسية للمجتمع تجاه الرقيق؟! ، وما النتيجة دون ضمان الوضع الاجتماعي لهم بعد التحرير؟!، وما النتيجة دون معالجة الحالة النفسية للرقيق أنفسهم؟!
ما زلت أذكر حين قام أبراهام لنكولن بتحرير الرقيق بجرة قلم، لقد ظل السود في أمريكا إلى هذه اللحظة أرقاء أمام المجتمع وأمام الدولة، بل وحتى أمام أنفسهم، ولا نعجب إذا عرفنا أن العبيد في أمريكا قاموا بمظاهرات بعد عتقهم بشهور يطالبون بعودتهم إلى العبودية مرة أخرى لأنهم لازالوا عبيداً أمام أنفسهم وأمام المجتمع، لكن الإسلام بمنهجه المحكم وتشريعاته الحكيمة ومصدره الرباني هو وحده الذي استطاع معالجة هذه الظاهرة.
وبعد هذه الرحلة المختصرة يحق لنا أن نتسأل... هل في الدنيا العريضة أعظم من هذا الدين؟
المصدر: طريق الإسلام
القرآن و تحرير العبيد
ان موضوع الرق و الاستعباد لمن المسائل الشائكة فى التاريخ الاسلامى, وقد يتسائل البعض بغض النظر اذا كان هذا التساؤل برىء او له غرض النيل من ديننا الحنيف فلسنا هنا بصدد الحكم على ضمائر الناس فالله وحده هو اعلم بما تضمر القلوب, و التساؤل هو لماذا لم يحرم الله سبحانه الرق؟ ولماذا استباح المسلمون العبيد و الاماء على مر التاريخ الاسلامى؟
اولا: دعونا نتفق على شىء وهو ان الاسلام لا يقاس بمدى التزام الاشخاص بتعاليمه.
ثانيا: عندما نتدبر ايات الذكر الحكيم التى تشير الى هذا الموضوع, نجد ان الاسلام الممثل فى القرآن الكريم قام بثورة غير مسبوقة فى التاريخ الانسانى, وذلك بانه قضى على نظام اجتماعى سياسى كان يسود مجتمعات هذا العصر, وقد تم ذللك على ثلاث محاور متوازية, اولهم تجفيف منابع الرق, ثانيهم اقرار حقوق لهذه الطبقة المستباحة و المستغلة من قبل مالكيهم, وثالثهم التشجيع على تحرير ما تبقى من عبيد تقربا لله سبحانه, ودعونا الان نتدبر ايات الله سبحانه بشىء من التفصيل و التدبر.
1-تجفيف منبع من اكبر منابع الرق و الاستعباد.
فقد كان اكبر منبع من منابع و مصادر العبيد ويكاد يكون المصدر الاوحد لهم وهو نتاج الحروب و الغزو من اسرى فنرى الله سبحانه فى اياته المحكمه يضعنا امام خيارين لا ثالث لهما فى الاسرى بعد ان تضع الحرب اوزارها, اولهما المن اى نحسن على الاسير و نطلق سراحه بلا مقابل ابتغاء وجه الله سبحانه, و ثانيهما ان نفتدى به اما باسير لنا عند الاعداء او نظير فدية من الاموال, وهذا هو حكم الله كما فصله فى الاية الكريمة الاتية من سورة محمد.
( فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّىٰ إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّىٰ تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَاۚ ذَٰلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَـٰكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍۗ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ )محمد 4
وكيف ان الله سبحانه وجه لهم اية على لسان رسوله عليه السلام تحررهم وتمنيهم برزق خير مما اخذ منهم و بمغفرة من الله سبحانه و تتوعدهم ان هم عادوا للاعتداء على النبى و المسلمين, قال الله سبحانه:
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّمَن فِي أَيْدِيكُم مِّنَ الْأَسْرَىٰ إِن يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (70) وَإِن يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِن قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ
(71)( سورة الأنفال , Al-Anfal, Chapter #8, Verse #71)
2-عدم استباحة العبيد من قبل السادة و ارساء قوانين تعبر عن حقوقهم.
و اول هذه الحقوق و اعظمها هى حرمة اجسادهم حيث ان اجساد العبيد و الاماء غير مباحة لاسيادهم غير عن طريق واحد وهو الزواج و ذلك يتبين فى قول الله تعالى:
وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلًا أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ۚ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُم ۚ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍۚ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ ۚ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ۚ ذَٰلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنكُمْ ۚ وَأَن تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ( سورة النساء , An-Nisa, Chapter #4, Verse #25)
ولفظ نكاح فى القرآن الكريم ليس له اى دلالة على العلاقة الجنسيه ولكنه يدل على عقد الزواج فقط تصديقا لقول الله تعالى:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا ۖفَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا
( سورة الأحزاب , Al-Ahzab, Chapter #33, Verse#49)
ويتبين ذلك المعنى ايضا فى قول الله تعالى:
وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّىٰ يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ۗ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا ۖ وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ ۚ وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَمَن يُكْرِههُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
( سورة النور , An-Noor, Chapter #24, Verse #33)
كما فرض الله سبحانه و تعالى مهرا للامة كما هو الحال فى الحره, وبما انه عقد زواج اذن تنطبق عليه كل احكام الزواج والطلاق التى حددها الله تعالى فى كتابه الحكيم.
وليس ذللك فحسب بل ان الله سبحانه فضلهم عن الاحرار من الرجال و النساء المشركين تصديقا لقول الله تعالى:
وَلَا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّىٰ يُؤْمِنَّ ۚ وَلَأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ ۗ وَلَا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّىٰ يُؤْمِنُوا ۚوَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ ۗ أُولَـٰئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ۖ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ ۖ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ
( سورة البقرة , Al-Baqara, Chapter #2, Verse#221)
كما ان الله سبحانه جعل لهم نصيب من اموال الصدقات كما جاء فى قوله تعالى:
وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا
( سورة النساء , An-Nisa, Chapter #4, Verse #36)
ولهذا دلالة اخرى وهى ان الله سبحانه جعل لطبقة العبيد ذمة مالية منفصلة عن سادتهم , وان لهم نصيب ايضا فى الرزق الذى رزقه الله لسادتهم ومن ينكر ذلك فقد جحد بنعمة الله تصديقا لقوله تعالى:
وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ فِي الرِّزْقِۚ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَىٰ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ ۚأَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ
( سورة النحل , An-Nahl, Chapter #16, Verse #71)
انها عدالة الخالق سبحانه حيث ان هذه الطبقة هى الطبقة العاملة و فرض الله لهم حق فى الرزق مما كسبت ايديهم, و اقر لهم ذمتهم المالية المنفصلة.
3-التشجيع على تحرير ما تبقى من طبقة الرقيق و العبيد.
والمحور الثالث لهذا التحرير هو تشجيع المؤمنين لتحرير ما لديهم من رقاب وذلك كفارات عن الذنوب وتقربا لله عز و جل.
ويتجلى ذلك فيما يلى من ايات الذكر الحكيم بالنسبة للقتل الخطأ كما فى قوله تعالى:
وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً ۚ وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ إِلَّا أَن يَصَّدَّقُوا ۚ فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ ۖ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ ۖ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا
( سورة النساء , An-Nisa, Chapter #4, Verse #92)
وفى الحلف بالله وعدم الوفاء به
لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَـٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الْأَيْمَانَ ۖ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ۖ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ۚ ذَٰلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ ۚ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ ۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ
( سورة المائدة , Al-Maeda, Chapter #5, Verse #89)
وفى ظهار النساء
وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ۚ ذَٰلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ
( سورة المجادلة , Al-Mujadila, Chapter #58, Verse #3)
و تقربا لله سبحانه
فَكُّ رَقَبَةٍ (١٣) البلد 13
وبذلك يكون الاسلام قد هدم نظام من اقوى النظم السياسية و الاجتماعية المسيطرة التى تواجدت بقوة فى وقت نزوله.
و يجب علينا ايضا ان نشير الى ان الاسلام لا يتحمل وزر من ارتدوا على مر العصور عن المبادىء العظيمة التى ارساها والتى تعد بحق ثورة غير مسبوقة على نظام اجتماعى عالمى يقوم على الاستغلال و الطبقية.
وننهى بقول الله تعالى:
أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا
( سورة محمد , Muhammad, Chapter #47, Verse #24)
صدق الله العظيم
الرق في الإسلام ... شبهة أم إعجاز؟!
خالد حربي
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «مَن أَعتَقَ رقبة مسلمةً، أعتق الله بكل عضو منه عضواً منه من النار حتى فرجَه بفرجه» [رواه البخاري ومسلم].
يدعى الحاقدون على الإسلام أنه غير صالح على امتداد الزمان والمكان وذلك لأنه أحل الرق وأقره وهذا لا يناسب سوى العقلية المنغلقة في العصور القديمة، ثم إن الرق قد بطل العمل به وانقطع فكيف لم يذكر الوحي هذا مع افتراض علمه ببطلان الرق مستقبلاً؟!
وللإجابة عن هذه الفرية نقول بحول الله وقوته:
أولا: نقول أن الرق ليس مشكلة إسلامية فيلقى باللائمة فيها على الإسلام إنما هو مشكلة إنسانية ناتجة عن الصراع والتدافع الإنساني، فلا يوجد نص في القرآن أو السنة يأمر بالرق أو يحث عليه بل نجد النقيض من هذا كما سنرى، فالرق معروف ومعمول به في كل الديانات والمذاهب السابقة للإسلام؛ فقد كان الرق عند قدماء المصريين آلة للعمل كحرث الأرض وعمارتها بالزرع وإقامة الدور وحمل الأثقال، ويعدون الرقيق بمنزلة الدواب.
والقرآن وكتب اليهود والتاريخ القديم لا تزال تذكرنا بما سامه فرعون لليهود وهم أرقاء لديه. وعند اليهود: لا يحرم سوى استرقاق اليهود لبعضهم فقط، بينما نرى الكتب المقدس يبيح ليهود استرقاق جميع الأمم "444 و أما عبيدك و إماؤك الذين يكونون لك فمن الشعوب الذين حولكم منهم تقتنون عبيدا و إماء* 45 و أيضا من أبناء المستوطنين النازلين عندكم منهم تقتنون و من عشائرهم الذين عندكم الذين يلدونهم في أرضكم فيكونون ملكا لكم* 46 و تستملكونهم لأبنائكم من بعدكم ميراث ملك تستعبدونهم إلى الدهر و أما إخوتكم بنو إسرائيل فلا يتسلط إنسان على أخيه بعنف* 47" (سفر اللاويين 2544).
بل إن الفكر السياسي اليهودي قائم على قضية الرق وهي دعوة نوح على ابنه حام أن يكون ابنه عبدا لأعمامه سام ويافث كما في سفر التكوين 9/ 25- 26 -" ملعون كنعان عبد العبيد يكون لإخوته ، وقال : مبارك الرب إله سام ، وليكن كنعان عبداً لهم . وفي الإصحاح نفسه / 27 /: "ليفتح الله ليافث فيسكن في مساكن سام، وليكن كنعان عبداً لهم".
وفي المسيحية لا نرى الأمر يختلف فبولس مؤسس المسيحية ينصح العبيد بحسن السمع والطاعة لأسيادهم ويؤكد فيقول: "أيها العبيد، أطيعوا سادتكم حسب الجسد، بخوف ورعدة، في بساطة قلوبكم كما للمسيح، لا بخدمة العين كمن يرضي الناس، بل كعبيد للمسيح، عاملين بمشيئة الله من القلب، خادمين بنية صالحة كما للرب، ليس للناس" (رسالة افسس 65).
وكما يقول الدكتور "جورج بوست" في (قاموس الكتاب): "إن المسيحية لم تعترض على العبودية من وجهها السياسي ولا من وجهها الاقتصادي، ولم تحرض المؤمنين على منابذة جيلهم في آدابهم من جهة العبودية، حتى ولا المباحثة فيها، ولم تقل شيئاً ضد حقوق أصحاب العبيد، ولا حركت العبيد إلى طلب الاستقلال، ولا بحثت عن مضار العبودية، ولا عن فساوتها ولم تأمر بإطلاق العبيد حالاً، وبالإجماع لم تغير النسبة الشرعية بين المولى والعبد بشيء، بل بعكس ذلك فقد أثبتت حقوق كل من الفريقين و واجباته".
ولو تحدثنا عن الرق عند اليونان والرومان والفرس والعرب لطال المقام، وحسبنا أن لا احد يكابر في شيوع الرق في هذه الأمم وسوء معاملته بينهم.
أما موقف الإسلام من الرق فينبع من تصوره لهذه المشكلة؛ فالإسلام ينظر إلى الرق باعتباره نتيجة حتمية للصراع بين البشر وهذه النتيجة رسخت في الأذهان والمعتقدات على مر آلاف السنين، ولهذا تعامل معها الإسلام بخطة لا تتجاهل الواقع ولا تقفز عليه.. وأيضا لا تعترف به على النحو الذي فعلته المسيحية.
وعلى ثلاثة مراحل استطاع الإسلام أن يقيم نظامه الخاص بالرق وهو أعلى نظام يمكن تحقيقه في واقع البشرية كما سنرى:
المرحلة الأولى: تحسن حال الرقيق ورفعهم للمستوى الإنساني.
الثانية: تضيق مصادره وحصرها فيما يخرج بالرقيق عن الصفة الإنسانية.
وبعد هذه تأتي الخطوة الرئيسية وهي تحرير الرقيق.
ففي الجانب الأول: تحسين معاملة الرقيق
نظر الإسلام إلى الرقيق لا على أساس دينه، أو لونه، أو عرقه، وإنما على أساس بشريته المحضة،
وكل التوجهات والأوامر الإلهية في هذا الصدد ارتكزت على بشرية الرقيق لا غير، وعلى سبيل المثال فبدأ الإسلام بتغير الاسم وتصحيحه.
- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ عَبْدِي وَأَمَتِي، كُلُّكُمْ عَبِيدُ اللَّهِ، وَكُلُّ نِسَائِكُمْ إِمَاءُ اللَّهِ، وَلَكِنْ لِيَقُلْ غُلَامِي وَجَارِيَتِي وَفَتَايَ وَفَتَاتِي» [رواه مسلم].
- ثم إيجاد الوضع الاجتماعي المناسب لهم في زمرة الواقع الإنساني وقتها فقال تعالى: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً} [سورة النساء: 36].
- ثم إيجاد الكرامة والحرمة الشرعية و الاجتماعية له:
عن أبي هريرة قال: قال َ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «من قذف مملوكه، وهو بريء مما قال، جلد يوم القيامة، إلا أن يكون كما قال» [رواه البخاري].
عن سَمُرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَتَلَ عَبْدَهُ قَتَلْنَاهُ وَمَنْ جَدَعَهُ جَدَعْنَاهُ» [مسند أحمد - (41/93].
- ثم ضمان حقهم في الاحتياجات المعيشة بالمستوى الإنساني المطلوب:
عن المعرور بن سويد قال: دخلنا على أبي ذر بالربذة فإذا عليه برد وعلى غلامه مثله فقال: "يا أبا ذر لو أخذت برد غلامك إلى بردك فكانت حلة، وكسوته ثوباً غيره؟"، قال:سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «هم إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل، وليكسه مما يكتسي، ولا يكلفه ما يغلبه، فإن كلفه ما يغلبه فليعنه» [رواه البخاري وأبو داود].
وقال عليه الصلاة والسلام: «إذا أتى أحدكم خادمه بطعامه، فإن لم يجلسه معه فليناوله لقمة أو لقمتين، أو أكلة أو أكلتين، فإنه ولي علاجه» [رواه البخاري].
وفي الخطوة الثانية قام الإسلام بتضيق المدخل إلى الرق، وتوسيع المخرج منه؛ فالمدخل إلى الرق قبل الإسلام كان مفتوحاً على مصراعيه؛ فهناك الرق بالبيع كأن يبع الإنسان احد أقاربه، والمقامرة كان يؤخذ الخاسر عبدا للفائز، والنهب والسطو على القوافل والضعفاء واسترقاقهم وبيعهم لجني المال، ووفاء الدين كان يؤخذ المدين عبدا للدائن، والحروب كالأسرى وملك اليمين، وقد حرم الإسلام جميع هذه الأوجه؛ جاء في الحديث القدسي يقول الله تعالى: «ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة ومن كنت خصمه خصمته، رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حراً فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيراً فاستوفى منه العمل ولم يعطه أجره» [أخرجه البخاري].
والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «ثلاثة لا يقبل الله منهم صلاة: من تقدم قوماً وهم له كارهون، ورجل أتى الصلاة دباراً - بمعنى بعد خروج وقتها - ورجل اعتبد محرراً» [رواه أبو داود وابن ماجه وضعفه الألباني].
فلم يبقي مدخلا للرق سوى أسرى الحرب، فأتى الإسلام عليهم فوضع لهم ثلاث خيارات بإذن ولي الأمر:
{فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا} [محمد: من الآية4].
فالمن بالطلاق السراح بلا مقابل أو قبول الفداء، وإطلاق السراح أو الاسترقاق وفقا لقواعد الإسلام الإنسانية في التعامل مع الرقيق.
ثم قام الإسلام بتوسع المخرج وأسباب العتق ومنها:
- جعل العتق من القربات العظيمة إلى الله:
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «مَن أَعتَقَ رقبة مسلمةً، أعتق الله بكل عضو منه عضواً منه من النار حتى فرجَه بفرجه» [رواه البخاري ومسلم].
جعل العتق أحد مصارف الزكاة الثمانية: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [سورة التوبة: 60].
قال يحيى بن سعيد: "بعثني عمر بن عبد العزيز على صدقات إفريقية، فجمعتها، ثم طلبت فقراء نعطيها لهم، فلم نجد فقيراً، ولم نجد من يأخذها منا، فقد أغنى عمر بن عبد العزيز الناس، فاشتريت بها عبيداً فأعتقتهم".
- جعل العتق كفارة للطم العبد أو ضربه:
عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله يقول: «من لطم مملوكاً له أو ضربه فكفارته عتقه» [صححه الألباني].
- جعل العتق واجبا في بعض الكفارات مثل:
. في القتل الخطأ: {مَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [سورة النساء: من الآية92].
. وفي الظهار: {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [سورة القصص: من الآية3].
. وفي الحنث في اليمين: {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ} [المائدة: من الآية89].
كذلك جواز الزواج من الرقيق، وهو من أهم أسباب العتق:
{وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ...}[سورة النساء: 25].
وقال صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة لهم أجران: رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بمحمد، والعبد المملوك إذا أدى حقَّ الله وحقَّ مواليه، ورجل كانت له أمة فأدبها فأحسن تأديبها، وعلمها فأحسن تعليمها، ثم أعتقها فتزوجها، فله أجران»[رواه البخاري ومسلم].
- وأخيرا وضع الإسلام القرار في يد الرقيق أنفسهم فشرع لهم المكاتبة مع المالك للعتق {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور: من الآية33].
فما على الرق إذا أراد الحرية إلا أن يأتي سيده ويخبره بما يريد ويتفق معه على قيمه مالية يسددها العبد من عمله الخاص -الذي يفسح له السيد وقتا له - ويكتبا بينهما كتابا يشهد عليه الناس، وبعد سداد الرق للقيمة المالية يكون حراً، ثم تختم الآية الكريمة بما يوضح الهدف من المكاتبة فتقول: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ}، فالسيد يعطي عبده مالا بعد عتقه ليستعين به على بدْء حياته الجديدة، وهذا يوضح أن المكاتبة ليس الهدف منها المال وإنما اعتماد الرقيق على نفسه في تحرير نفسه لتعظم عنده الحرية فيصونها ويحفظها لنفسه وللمجتمع.
ويمضى الإسلام فيما هو أعظم من هذا فينسج علاقة جديدة وفريدة بين المحرر وبين سيده السابق وهي "الولاء" الذي قال عنه الرسول صلى الله عليه وسلم: «الولاء لُحْمَةٌ كلُحْمَة النسب» [صححه الألباني].
ليجد المحرر له نسبا وأصلا بين الناس، ووعاءاً اجتماعياً بشرياً يحتضنه ويحتويه كباقي البشر، ويتعدى هذا الوعاء مجرد الاسم المعنوي، ليجد الرقيق المحرر نفسه في قائمة الورثة الشرعيين بترتيبهم الشرعي المعتبر.
وأخير نقول:
كان سهلا على الإسلام أن يحرر الرقيق بكلمة يقولها، لكن ما النتيجة دون معالجة الحالة النفسية للمجتمع تجاه الرقيق؟! ، وما النتيجة دون ضمان الوضع الاجتماعي لهم بعد التحرير؟!، وما النتيجة دون معالجة الحالة النفسية للرقيق أنفسهم؟!
ما زلت أذكر حين قام أبراهام لنكولن بتحرير الرقيق بجرة قلم، لقد ظل السود في أمريكا إلى هذه اللحظة أرقاء أمام المجتمع وأمام الدولة، بل وحتى أمام أنفسهم، ولا نعجب إذا عرفنا أن العبيد في أمريكا قاموا بمظاهرات بعد عتقهم بشهور يطالبون بعودتهم إلى العبودية مرة أخرى لأنهم لازالوا عبيداً أمام أنفسهم وأمام المجتمع، لكن الإسلام بمنهجه المحكم وتشريعاته الحكيمة ومصدره الرباني هو وحده الذي استطاع معالجة هذه الظاهرة.
وبعد هذه الرحلة المختصرة يحق لنا أن نتسأل... هل في الدنيا العريضة أعظم من هذا الدين؟
المصدر: طريق الإسلام
- التصنيف: التصنيف العام
- تاريخ النشر: 8 ربيع الأول 1430 (5/3/2009)