من الغزو إلى التحرير... حكايات تُروى من جيل إلى جيل

محارب خليجي

عضو مميز
إنضم
13 ديسمبر 2008
المشاركات
11,671
التفاعل
15,650 356 0
الدولة
Bahrain
ضباط متقاعدون استذكروا مع «الراي» صور التلاحم والثبات والولاء وفرحة التحرير

| كتب تركي المغامس |
عبدالله العلي: كنت في البحرين يوم الغزو ودخلنا الكويت بسيارة الشيخ خالد اليوسف عن طريق الحماطيات

أول عمل قمنا به حرق الشاحنات التي تسرق الأغراض من البيوت وترسلها إلى العراق

صنعنا عبوات ناسفة على أجهزة إلكترونية ووضعناها في أماكن تواجد الجنود العراقيين

عبدالرحمن الحمدان: خرجنا من اللواء السادس باتجاه الدوحة ومعنا 54 دبابة

أول سجن دخلناه بعد الأسر كان في الزبير وقضينا فيه ليلة واحدة بعدها نقلونا إلى البصرة

في البصرة اختاروا الحكومة الموقتة من صغار الملازمين واختاروا علاء حسين رئيساً لأنه لا يعرف في العسكرية سوى تنفيذ الأوامر

حامد السنافي: مساء الجمعة بدأ حصار اللواء 15 وكان هناك تمرد لكن كتيبتنا كانت بعيدة عن التوترات

يوم السبت طلب العراقيون التفاوض معنا ونزع لباسنا العسكري والخروج لكنني رفضت التسليم واتجهت بكتيبتي للسعودية

حامد الخالدي: القوات العراقية وصلت إلى السالمي ولم تتجه للمركز الحدودي بل قصدت الكويت مباشرة قبل المركز بمئة متر

توجهنا إلى الرقعي وقمنا بتسليم الأسلحة المصادرة لهم وفي آخر 1991 استعدناها بالكامل لم ينقص منها شيء

داود الكندري: استيقظنا على قصف الصواريخ لبرج الاتصالات في مقسم الصباحية

اتصلت على الفريق سليمان الفهد وطلب أن نجتمع في إدارة أمن المنشآت في الخامسة فجر الخميس

في الأسر استغرب العراقيون تماسكنا والإيثار بيننا ودرّسنا بعضنا وأنا تعلمت التجويد
ربع قرن مر على العدوان العراقي الغاشم ولا يزال هناك الكثير من الأسرار والقصص والحكايات التي تسكن صدور أبطال المقاومة ونسور التحرير والتي تصلح لأن تكون نواة لأعمال أدبية وفنية خالدة تسطر ملحمة من أروع ملامح البطولة لشعب واجه بشجاعة عدواناً غاشماً.

ويوماً بعد يوم، تتكشف صفحات ناصعة شكّلت محطات فارقة بين الذكرى الأليمة للعدوان الغاشم وفرحة التحرير وما بينهما من أحداث تصلح لأن تُروى ممن عاصروا تلك الحقبة للأجيال جيلاً بعد جيل... و«كي لا ننسى» تحرص «الراي» على نبش الصدور واستثارة العقول في كل ذكرى تمر لاستنباط العبر من الحكايات التي سطّرت أسمى معاني التلاحم والإيثار والاخاء والتراحم بين أفراد الشعب الكويتي في مرحلة مصيرية من أهم مراحل ليس فقط تاريخه وإنما تاريخ المنطقة العربية والعالم بأسره.

ومن يمتلك مخزناً للذكريات أعمق وأكثر ثراءً من شهود الحدث من العسكريين المتقاعدين. من هنا تبرز أهمية هذا الحوار مع نخبة من القياديين المتقاعدين في الجيش الكويتي وفي وزارة الداخلية ممن عاصروا حقبة الغزو وشهدوا على أدق تفاصيل أيامها ولياليها كما شهدوا الفرحة الكبرى بتحرير الكويت من براثن الاعتداء الصدامي، فكانت حكاياتهم تسيل منها دموع الزمن أسى وفرحة على ما شهدته تلك المرحلة المظلمة التي أشرقت بالوحدة الكويتية والتلاحم والتآخي بين أفراد الشعب كافة. وهنا تفاصيل مارووه لـ «الراي» من قصص وحكايات:

في البداية عاد العميد متقاعد في اللواء السادس في الجيش الكويتي بشمال الكويت عبدالرحمن محمد الحمدان إلى بداية تلقيه نبأ الغزو الغاشم قائلا: «ليل الأربعاء لم أكن في منزلي وأبلغني الأهل أن (المعسكر يتصل فيك من وقت العشاء) وفي هذه الوقت لم تكن توجد الهواتف النقالة وأخبروني أنه لابد من الالتحاق بالوحدة بشكل ضروري، فاتصلت على ضابط الخفر في المعسكر الذي أخبرني أن العراقيين دخلوا الحدود الكويتية ووقفوا على عمق 2 كيلومتر من الحدود الكويتية ولم يتحركوا من الساعة 8 مساءً ومجموعة الرصد تتابعهم، وعندما وصلنا وجدت الضباط مجتمعين وكنت وقتها مساعد آمر لواء بالوكالة وكان آمر اللواء العقيد فهد العيسى وهو الآن فريق متقاعد».

وأضاف: «كانت الأوامر التي لدينا من الرئاسة أن نتابع تحركات العدو ونبقى على اتصال، وفي الساعة الثانية صباحاً تلقينا بلاغاً أن القوات العراقية تحركت على طريق العبدلي إلى داخل الكويت وأن جميع الضباط التحقوا بمراكزهم وكان هناك اتصال مباشر مع الرئاسة لتلقي الأوامر حول كيفية التعامل معهم، وبقينا على اتصال معهم إلى الساعة السادسة صباحا، حينما أبلغونا أن تتحرك قوة من اللواء السادس والذي كان يبعد مقر تمركزه عن الشارع الرئيسي بحدود 8 كيلومترات لوقف تحرك القوات العراقية». واستطرد الحمدان: «خرجت دبابتان بأطقمهما مع 6 حاملات جنود إلى طرف الشارع الرئيسي وعندما وصلوا هناك تعاملوا مع القوات المعادية وحصل اشتباك بيننا وبين العراقيين ودمرت القوات الكويتية آليات عراقية عدة وحاملات جنود ولكن مع كثافة النيران وردتنا أوامر بالانسحاب إلى الخلف إلى حين إعادة التشكيل، واستمر العراقيون في التقدم إلى داخل الكويت وعندما انسحبت القوات الضاربة الكويتية والتحقت باللواء، وصلتنا الأوامر بأن يلتحق اللواء السادس بالكامل برئاسة الأركان».
 
وتابع: «اتجهنا إلى خط العبدلي المرسوم عندنا في الخريطة إلى أن وصلنا إلى (جال الزور) ودخلنا إلى الدوحة في الساعة العاشرة صباحاً خلف المدينة الترفيهية، وأرسلنا النقيب شاهين الشاهين لاستطلاع الطريق للرئاسة حيث حدثت اشتباكات في الرئاسة وعاد وأبلغنا أنه لا مجال إلى الدخول بسبب انتشار القوات العراقية وعلقنا هناك، ويوم الجمعة تقدم إلينا ملازم أول عراقي وطلب منا تسليم الأسلحة». واستدرك الحمدان موضحاً بالقول: «عندما خرجنا من اللواء السادس باتجاه الدوحة كان معنا 54 دبابة لم يصل منها إلى موقعنا الذي وصلنا إليه في الدوحة سوى 13 دبابة بسبب الأعطال ووعورة الطريق وعندما نظرنا فوجئنا بأكثر من 100 دبابة عراقية في مواجهتنا، وبعد هذا اجتمعنا مع آمر اللواء العقيد فهد العيسى وكنت أنا مساعده مع الضباط وقوامهم 27 ضابطاً واستشرناهم، هل ندخل معهم في معركة؟ ولكن من الصدف أن محطة الدوحة كانت خلفنا وفيها خزان للكلور ولو وقع اشتباك معنا ووصلت قذيفة بطريق الخطأ إلى هذا الخزان فإن الموت المحقق سيكون مصير جميع أهل الصليبيخات والجهراء بسبب الغاز السام». وأضاف: «لذلك ضحينا وكنا نتوقع أن يكون هناك حل سياسي فآثرنا عدم الدخول في معركة وبعد ذلك بأيام عدة يتم الحل السياسي فوضعنا أسلحتنا واتجه جزء منا إلى الجهراء وذهب جزء آخر باتجاه المدينة الترفيهية وبالصدفة وجدنا بعد كيلومتر واحد نقاطاً عراقية تتسلم المنطقة، وتم حجزنا وعندما جاءت الاستخبارات العراقيه أخذونا إلى شارع الجهراء سيراً على الأقدام وعندما وصلنا إلى نقطة التجمع صعّدونا إلى باصات عراقية، اتجهت بنا إلى أول سجن لنا في الزبير التي أمضينا فيها ليلة واحدة وبعدها انتقلنا إلى البصرة وهناك تم التحقيق معنا».
 
وواصل الحمدان روايته قائلاً: «في البصرة تمت التفرقة بين العسكريين والضباط وأدخلونا على المحاكمات العسكرية وفي وقتها كان حسين كامل هو من يرأس المجلس العسكري وهنا بدأ اختيار الحكومة الموقتة والتي اختيرت من شباب الملازمين الصغار لأنه ليست لديهم خبرة في العسكرية ويسمعون الكلام وقد طلبوا من أحدنا في ذلك الوقت وكانت رتبتي عقيدا، وكان شاباً أن يكون عضواً في الحكومة الموقتة لكنه رفض وعندما وجدوا أن رده شديداً عليهم تركوا جميع الضباط الكبار واتجهوا إلى شباب الملازمين، وتم اختيار علاء حسين رئيساً للحكومة الموقتة وهو ضابط مجند وليس متطوعاً ولا يعرف أي شيء في العسكرية ولذلك تم اختياره لكي ينفذ أي أوامر تصدر له، وبعد ذلك بأيام تم إرسالنا إلى سجن الرشيد حيث أودعونا مكان أسرى إيرانيين كانوا في السجن قبل أسبوع واحد وأمضوا فيه سنوات وهناك أمضينا شهراً لم نتعرض خلاله إلى أي تعذيب، وفي آخر الشهر عرفنا أنهم يعتبروننا ضباطاً عراقيين لأنهم يعتبرون أن الكويت هي المحافظة العراقية التاسعة عشرة وينطبق علينا من وجهة نظرهم أننا عراقيون محتجزون».

وواصل الحمدان بالقول: «أمضينا في (بعقوبة) الفترة من شهر 11 وحتى التحرير وقبل أن نخرج من السجن كانت الضربات الجوية لقوات التحالف الدولي تستهدف المعسكرات التي حولنا بالصواريخ والقنابل، لأننا استطعنا أن نرسم مخططاً لموقعنا في المنطقة بحيث لا تصيبنا ضربات القوات الأميركية، وعندما بدأت الزيارات لنا في شهر 11 من الكويت عرفنا بعد زيارتين أو ثلاث من زوارنا أن المنطقة من حولنا يوجد بها معسكر للدبابات فقمنا برسم الموقع بدقة كما قمنا بتحديد موقعنا وعبر الأقمار الصناعية اهتدت قوات التحالف إلى الموقع وتم تحديد موقعنا من خلال مخططنا الذي كنا قد سربناه عبر أهالينا الذين كانوا يزوروننا وتم تمريره من يد إلى يد حتى وصل إلى الحكومة الكويتية في الطائف وسجلنا أسماء جميع الضباط الموجودين لأن كثيرا من الضباط كان أهاليهم لا يعلمون شيئاً عن حالتهم». وتابع: «وبالتالي قبل أن نخرج من الأسر بأسبوعين جاءنا الصليب الأحمر وسجل جميع البيانات وكان هذا يوم أربعاء وأبلغونا أنه بعد أسبوعين من هذا التاريخ يصادف 27 مارس وخرجنا في 29 مارس من بعقوبة في 14 باصا وخرج جميع الأسرى الضباط ووصلنا الرمادي ظهرا، وقبل المغرب عبرنا إلى منطقة الحدود السعودية (عرعر) وكان هناك الشيخ أحمد الحمود في استقبال جميع الضباط وكانت الطائرات الكويتية موجودة حيث تم نقلنا إلى الكويت».
 
هنا، التقط العميد متقاعد في وزارة الداخلية عبدالله محمد العلي طرف الحديث، بالقول: «كنت في مملكة البحرين الشقيقة ويوم الخميس وصلنا خبر الغزو، وفي اتصال مع الأهل أخبروني بما حدث وعملنا في السفارة الكويتية مدة خمسة أيام ومن ثم أخذنا سيارة الشيخ خالد اليوسف - تغمده الله بواسع رحمته - ودخلنا فيها الكويت عن طريق الحماطيات، فدخلت مع اثنين من الشباب هما نوري الربيعان وكريم حربي وكان من المفترض أن يدخل معنا الشهيد أحمد قبازرد ولكنه أجل دخوله إلى اليوم التالي، وكان هناك تفتيش في طريق الوفرة حيث أخذوا منا اللاسلكي الموجود في السيارة ولم نكن نعلم عنه شيئا كما لم ننتبه إلى أن دفتر السيارة باسم الشيخ خالد اليوسف فقمنا بتمزيقه». وأضاف: «بعد دخولنا الكويت ومن شدة الغيظ الذي تملكنا كان أول عمل قمنا به هو حرق الشاحنات العراقية التي تقوم بسرقة الأغراض من البيوت وإرسالها للعراق من خلال متابعتها على الطريق ورميها بالمولوتوف فكنا نحرق الشاحنة بما فيها، ثم انتقلنا إلى تصنيع العبوات الناسفة حيث كنت أعمل في قطاع المتفجرات وكانت لدي خبرة كافية وكان معي خالد الكندري من مغاوير وزارة الدفاع فكنا نقوم بعمل عبوات ناسفة على أجهزة الكترونية من مسجلات وغيرها ونضعها في أماكن تواجد الجنود العراقيين من الجيش الجمهوري والجيش النظامي الحامل للسلاح وليس الجيش الشعبي، وكان هؤلاء يتواجدون على البحر في أنجفة والبلاجات وكنا نضع العبوات الناسفة هناك من خلال كمائن لهم وبعد يوم أو أكثر كنا نذهب لرؤية آثار الانفجار».

واستطرد العلي: «عملنا أيضا في طباعة الهويات المزيفة للعسكر والمدنيين المعروفين كما قمنا بعمل رخص سوق ودفاتر سيارات وكانت المطبعة لدينا في البيت. وبعد أن وصلتنا أنباء عن إعدام من يوجد لديه ماكينة طباعة قمنا بنقلها إلى عمارة في منطقة سلوى كانت جاهزة للتو، وبعد أن انتقلنا وجدنا العمارة تطل على مدرسة كلها جيش عراقي وبعد عمل يوم أو أكثر تركنا المكان، لان الامساك بنا كان سهلاً هناك وعملنا في توزيع المواد الغذائية في المنطقة لمن لا يستطيعون الخروج من منازلهم».

وقال العلي ان «الجيش الشعبي كان ساذجاً ولم يكن مصدراً للأذى فهو جيش غير مقاتل واستطعنا خداعهم أكثر من مرة، بأن كنا ننزلهم من دورياتهم بدعوى استضافتهم ونأخذ الدورية نقضي بها حاجاتنا ونعود لهم من جديد، ومنهم من أخذنا دورياتهم ونسخنا منها الشيفرات السرية ورموز المعركة وكتبناها على ورق سندويشات وأرسالناها إلى السعودية، كما كنا نساعد المقيمين من غير الكويتيين بالايواء عندنا فمنهم من لم يستطع أن يذهب إلى بلده، وأتذكر إمام مسجد أفغاني كان يتحدث عن سعيه للسفر إلى بلاده وقال للوالد رحمه الله أنا أريد أن أسافر فرد عليه الوالد (منو قاضبك سافر)، فقال لا أملك سيارة فأخذ والدي سيارة أخي وليد وأعطاها للأفغاني.
 
وبدوره، قال العقيد متقاعد من وزارة الداخلية داود الكندري: «وقت الغزو كنت برتبة نقيب في قسم حماية المنشآت النفطية ونحن وفقا لعملنا دائما مستنفرون ولكن لم نكن محجوزين واستيقظنا على قصف الصواريخ لبرج الاتصالات في مقسم الصباحية، فقمت بالاتصال على مدير الادارة في ذلك الوقت وكيل وزارة الداخلية الحالي الفريق سليمان الفهد وكان في منزله ودعا إلى أن نجتمع في الإدارة في تمام الساعة الخامسة فجر الخميس 2 أغسطس 1990». وأضاف: «قمنا بتعزيز قواتنا وأخرجنا الأسلحة الموجودة لدينا وكنا في انتظار التعليمات التي تردنا من القيادة وكان الحوار الدائر في ذلك الوقت هل نحارب أم لا؟ وهل نصرف القوة أم لا؟، وعصراً اجتمع معنا الفهد وقال: (يجب أن آخذ رأيكم) حيث لم تكن هناك تعليمات واضحة في ذلك الوقت ونحن نظراً لاندماجنا في القطاع النفطي نعرف أن المصافي فيها من الأمونيا والغازات السامة الكثير ويحتاج إغلاق المصافي نهائياً ما بين يوم و يومين». وأوضح الكندري قائلاً: «اتخذنا قرارنا بقيادة الفهد بأننا أدبيا لا نغادر مواقعنا كعسكريين ونترك عمال شركة النفط المدنيين، فقررنا أن نبقى مع القطاع النفطي حتى يقوموا بعمل الاطفاء الكلي للمصافي بعد ذلك نستطيع إطلاق سراح القوة وكان تواجدنا يشكل دعماً معنوياً لموظفي القطاع النفطي».

وبيّن: «في قطاع المباحث كنا نرتدي ملابس موظفي النفط، وكانت تحركاتنا أسرع وعند المغرب أُبلغنا أن هناك رتلاً عراقياً قادماً على الدائري السابع سيدخل من نقطة المقوع وكنا نرى أول الرتل ولا نرى آخره، وعندما تحدثنا مع العسكري المتسلم نقطة المقوع وهو يتحدث معنا على الهاتف سمعنا أنه تم الاعتداء عليه وفصل الخط ودخلوا إلى المقوع ونحن كنا في الأحمدي على آخر طريق المقوع». ولفت الكندري إلى «أن ما منعنا من الاشتباك مع القوات العراقية هو عدم وجود أوامر مباشرة بالاشتباك، والأمر الآخر أنه مر علينا إخوة من وزارة الدفاع وأبلغونا أن العراقيين يأتون ويسيطرون فقط على المكان ولا يحاولون فتح الباب للاشتباك» مضيفاً بالقول: «وصلوا إلى مقر الإدارة وسيطروا عليها وتم فرزنا في جهتين الضباط في إحداهما والأفراد في الأخرى، وبعد السيطرة على الادارة تم أسرنا ووضعونا في صالة الألعاب في الادارة وكنا نسمع أصوات إطلاق النار، وفي اليوم التالي حضرت باصات وتم نقلنا مباشرة إلى معتقل الرشيد حيث التقينا بالزملاء هناك وممن أذكرهم الفريق أحمد الرجيب وعدد من ضباط الداخلية لن أذكرهم خشية أن أنسى أحداً».
 
وقال الكندري: «كان العراقيون يعبثون بأعصابنا ويقولون كلها ساعتين وتطلعون كلها يومين وتطلعون ولكن دون جدوى، وكنا نرى آثاراً للأسرى الإيرانيين ومن ضمنهم وزير النفط الايراني الذي كان معتقلاً لدى النظام العراقي البائد، فقد رأيناه وكنا نتكلم معه رغم إنكارهم أنه كان موجوداً عندهم وبعد أسبوع وصلنا خبر أنه تم إعدامه والعراق كان ينكر وجود هذا الأسير لديه ولكن نحن قابلناه شخصياً قبل أن يتم إعدامه وتنقطع أخباره عنا». وأضاف: «ما ساعدنا كضباط كويتيين على الصبر على الأسر هو التنظيم الرائع في المعسكر وحرصنا على أن نرفع معنويات بعضنا البعض وكنا نقسم أنفسنا كأننا بالضبط خلية نحل وهذا الأمر الذي استغربه العراقيون فلم نكن نختلف أو نتعارك وكان الإيثار هو السائد بيننا ودرّسنا بعضنا وأنا شخصياً تعلمت التجويد في الأسر، وكان الحارس العراقي يقول: (أنا مستغرب منكم فالأسرى الايرانيون كنا نجد كل صباح أحدهم ميتاً وأنتم لا تتعاركون بينكم ولا تتشاجرون)».
 
ومن جهته، قال العميد متقاعد من وزارة الداخلية الدكتور حامد الخالدي: «كنت ملازماً في مخفر السالمي وتلقيت خبر الغزو الساعة الخامسة فجراً من أحد أقربائي في الجهراء واتجهت إلى السالمي في الساعة السادسة صباحا وكانت قوات اللواء 35 متواجدة في واحة الغانم، وعندما وصلت إلى السالمي استقللنا سيارة وانيت وذهبنا للاستكشاف ووجدنا القوات العراقية قد اقتربت منا فعدنا وأبلغنا الإخوة بالمركز وكانت حركة السفر مستمرة».

وأضاف: «بعد فترة وصلت القوات العراقية إلى السالمي ولم تتجه إلى المركز بل انحرفت إلى طريق السالمي باتجاه الكويت قبل المركز بمئة متر وطلبت من ناظر محطة البنزين المقابلة لمركز السالمي أن يفصل الماكينة لكي لا تتم الاستفادة من الوقود الموجود فيها، وفي وقت توجه القوات العراقية ذاته على طريق السالمي إلى الكويت كانت الطائرات الكويتية تقصف الأرتال العراقية على طريق السالمي وقام العراقيون بإعادة المسافرين إلى السالمي، وفي هذه الأثناء أصبحت لدينا كثافة بشرية كبيرة في المركز من تكدس المسافرين الراغبين في الوصول إلى أهاليهم في الكويت وانقطعت الكهرباء عن المركز ولم يكن لدينا ماء أو طعام والبقالة الوحيدة نفد كل شيء فيها وهنا أخذنا تنكراً وكلمنا أمير منطقة الرقعي السعودية الذي سمح لنا بالتزود بالماء».
 
وتابع الخالدي: «قمنا بتنظيم المسافرين على شكل أرتال للتوجه الى الكويت وكان لدى أحد الإخوة في الجوازات هاتف نقال فطلبنا منه أن يصطحب أول دفعة فإذا كان الطريق مفتوحاً يبلغنا وبالفعل تم ذلك وأبلغنا أنه تم فتح الطريق وهنا طلبنا من الجميع التزود بالوقود واتجهنا إلى الكويت وقبل ذلك توجهنا إلى الرقعي وقمنا بتسليم الأسلحة المصادرة لهم وفي آخر عام 1991 ذهبنا إلى الرقعي واستعدنا الأسلحة بالكامل وللأمانة لم ينقص منها شيء».

واستطرد بالقول: «سمعنا أنه سيكون هناك انسحاب للقوات العراقية يوم الأحد وهنا كلمنا مدير أمن الجهراء في ذلك الوقت اللواء أحمد إسماعيل الحجي وطلب منا أن نجتمع في مخفر تيماء وبالفعل اجتمعنا وكان الاجتماع يضم مجموعة من الضباط في مخفر تيماء لترتيب الأوضاع بعد انسحاب القوات العراقية لأننا كنا أول منطقة دخلها الجيش العراقي وآخر منطقة سينسحب منها، وقمنا بتسجيل أسماء المتطوعين وطلب منا الشباب المتطوعون أسلحة ولأننا لم نكن نملك أسلحة نشبت مناوشات بسيطة وعلى إثرها تمزقت دشداشتي». وأضاف: «ذهبت مع أحد الإخوة الضباط الذي كان ذاهبا لاحضار زميل لنا من منطقة الرابية وذهبت معهم لتبديل ملابسي، وفي طريق عودتنا للجهراء وجدنا السجن المركزي مفتوحاً والمساجين يسرقون أغراض جمعية السجن وعلى أساس أن هناك انسحاباً سيتم قمنا بتسجيل أرقام السيارات وإخلائهم وأغلقنا باب السجن».

وواصل الخالدي روايته قائلاً: «عندما وصلت إلى البيت تلقيت اتصالاً من مركز تيماء يفيد بأن العراقيين قد سيطروا على مركز تيماء وتشاجروا بينهم على استراحة الضباط وخرج من استطاع الخروج من الضباط الكويتيين من باب المختارية».
 
آخر المتحدثين لـ «الراي» كان العقيد ركن متقاعد حامد عبدالله السنافي العازمي الذي روى ذكرياته، قائلا: «كنت في كتيبة المدرعات في اللواء 15، وصباح الخميس كانت أرتال العراقيين تتجه إلى الوفرة ومساء الجمعة بدأوا في حصار اللواء وكان هناك تمرد إلا أن كتيبتنا كانت بعيدة نوعا ما عن التوترات الحاصلة، ويوم السبت طلب العراقيون التفاوض معنا، وبالفعل خرجت لهم وتفاوضت معهم وكان طلبهم منا أن ننزع لباسنا العسكري ونخرج ولكنني رفضت التسليم وأخذت كتيبتي واتجهت إلى السعودية». وأضاف السنافي: «وصلنا إلى المملكة العربية السعودية عصر السبت حيث أعدنا تنظيم صفوفنا وكان عدد من خرج معي 600 عسكري وضابط، وأنا أشيد بالمجندين الذين خرجوا معنا وقد تعايشنا في السعودية إلى وقت التحرير وكانت كتيبتنا كاملة وعدد مدرعاتنا 42 مدرعة وعدد الآليات في حدود 35 آلية وعدنا في حرب التحرير وكنا رأس سهم في مقدمة القوات الكويتية».
 
مواقف ... وأمنيات


مقر لجمعية الضباط المتقاعدين


قال رئيس جمعية الضباط المتقاعدين العقيد ركن متقاعد حامد السنافي العازمي «إن جمعية الضباط المتقاعدين هي جمعية مشهرة منذ سنة ونصف السنة، وجميعنا ضباط برتب عالية وشاركنا في التحرير وتعرض بعضنا للأسر ونحن الآن نناشد سمو رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع أن يخصصوا لنا مقراً نجلس فيه، فأنا أصغرهم وعمري 62 سنة ونريد مكاناً نجلس فيه ونستذكر أيامنا الماضية».
 
موقف طريف


روى العقيد متقاعد داود الكندري أحد المواقف الطريفة، قائلاً: «عندما تمت السيطرة على الإدارة و فرز الضباط عن الأفراد كنت أرتدي (بلسوت شركة النفط) كوني في المباحث فقمت بالاصطفاف مع الضباط، فقال لي ضابط عراقي بلهجته العراقية: (كلب ابن كلب هندي شجايبك مع الضباط هنا... يالله امشي اطلع) وعندما قلت له أنا ضابط قال (شنو رتبتك) فقلت نقيب، فقال العراقي: (هذا ضابط استخبارات كضوه كضوه).
 
خوال عيالي... يطلعوني


قال الكندري: «عندما كنا في سجن الرشيد كانت زوجة أحد الزملاء الضباط الكويتيين عراقية وكان يقول لنا الآن يأتون خوال عيالي ويطلعوني، وكان أقصى طموحنا أن نبلغ أهالينا أننا على قيد الحياة وقمنا بتدوين أسمائنا كلنا في ورقة لعل أحدنا يستطيع أن يوصلها، وبعد 8 أيام تم فعلا استدعاء زميلنا بالاسم وقال لنا (مو قلت لكم خوال عيالي بيطلعوني) ونحن فرحنا لذلك، وخرج من المعتقل وكأننا نحن الذين تم الافراج عنهم ولكن المفاجأة أنهم أتوا به بعد يومين من جديد وآثار الكي بالسجائر على كامل جسمه من إصبع قدمه وحتى رأسه ولم نكن نعلم هل نبكي لحاله أم نضحك، وبعد أن استفاق قلنا له لماذا فعلوا بك هذا؟، فقال أخذوني إلى أحد القصور أكلوني ما لذ وطاب وأكرموني أحسن كرم، وبعد ذلك قالوا لي: (بما أننا أخوال أبنائك سنعيدك للكويت ونعطيك جهازاً تذهب به إلى السعودية وتخبرنا عن تحركات القوات الأميركية فرفضت) وقلنا له لماذا ترفض؟، اذهب هناك وأبلغ الحكومة الكويتية بالموضوع، قال: لا ما أستطيع زوجتي عندهم) فقلنا له ماذا تريد بها؟، تزوج غيرها، وبعد الرفض تم كيه بالسجائر وإعادته لنا».
 
سنة وشيعة... قلب واحد


قال العميد متقاعد عبدالرحمن الحمدان: «منعونا أن نصلي في جماعة لكن قمنا بالصلاة جماعة رغما عنهم وبعدها بأربعة أيام قاموا بإحضار السجاد لنا والمصاحف وجميع ما يحتاجه المصلى، وكناً جميعا سنة وشيعة نصلي مع بعض وكان مسؤول السجن يستغرب ويقول إننا توقعنا أن يتفكك الكويتيون الذين يعيشون في ترف مع أول أزمة تصادفهم ولكن عرفنا أنكم خلية نحل، الصغير يحمل الكبير والاحترام بينكم متبادل وكأنكم عائلة واحدة».
 
585255_398643_Org__-_WrLgQu65_RT480x0-_OS1600x880-_RD480x264-.jpg

الضباط المتقاعدون في ديوانية «الراي» ( تصوير كرم ذياب )
 
عودة
أعلى