كتب : - اخر تحديث الجمعة 10 فبراير 2017 - 00:13 ص القاهرة
تعتزم وحدات القوات المسلحة في بكين منع تقديم جميع الخدمات المدفوعة الأجر للمدنيين، بما في ذلك العلاج الطبي والخدمات في مجالات التعليم والبحث العلمي والتخزين والنشر والأدب والخدمات ذات الصلة بالعمل الفني والمنتجات الفنية؛ في إطار الحملة التي أطلقها الرئيس الصيني شي جين بينج منذ أواخر عام 2015 لإجراء إصلاحات عسكرية.
ونُقل عن قونج فانج بن، الخبير بجامعة الدفاع الوطني التابعة لجيش التحرير الشعبي الصيني، قوله إن "هذه الحملة تهدف إلى تنقية حياة العسكريين وعدم تشتيت طاقاتهم، ومنعهم من الالتهاء بالمكاسب والنقود والأرباح الاقتصادية عن مهامهم العسكرية؛ لأن القوات المسلحة وُجِدَتْ للقيام بالمهام العسكرية، وتدخلها بشكل كبير في الإعمار والمشروعات المجتمعية والمدنية قد يؤثر سلبيًا على طبيعتها وعلى صورتها".
وقد أعلن الرئيس الصيني العام الماضي أنه سيتم إنهاء أي نوع من الأنشطة والخدمات المدفوعة الأجر المتعلقة بالجيش في غضون ثلاثة أعوام؛ بهدف إغلاق أبواب الفساد العسكري وضمان أن يحافظ الجيش على تركيزه في أداء مهمته الرئيسة، وهي القتال.
ثالث أقوى جيش
من بين مليارٍ و356 مليون نسمة، إجمالي عدد السكان في الصين، يوجد 2,333 مليون جندي نشط في الجيش الصيني، بالإضافة إلى 2,3 مليون جندي احتياط.
فحتى لو خفّضت الصين قوتها العددية كما تم الإعلان، سيبقى الجيش الصيني هو الأكبر من حيث إجمالي عدد الجنود.
جدير بالذكر أن الصين تحتل المركز الأول في العالم من حيث إجمالي عدد الجنود في الخدمة، تليها الولايات المتحدة ثم الهند؛ وهذه الدول الثلاث هي الوحيدة التي كسرت حاجز المليون جندي في الجيش.
من حيث قوات الاحتياط، فإن الصين تحتل المركز الخامس خلف فيتنام وكوريا الشمالية وكوريا الجنوبية وروسيا.
أولويات وتطوير
طبقًا لتقارير وزارة الدفاع الأمريكية، فإن الصين تطوّر أسلحة الطاقة الحركية وأشعة الليزر عالية الطاقة، وأسلحة الميكروويف عالية الطاقة، وأسلحة حزم الجزيئات، وأسلحة النبضات الكهرومغناطيسية.
وتعتمد الصين في تحديث أسلحتها على مبيعات التكنولوجيا المتقدمة من حلفاء الولايات المتحدة؛ تشمل هذه التكنولوجيا حركات الديزل الأوروبية المتقدمة من أجل السفن الحربية الصينية، وتصميمات المروحيات العسكرية من يوروكوبتر الأوروبية، والمروحيات والغواصات المضادة للسونار من فرنسا، وقوارب الصواريخ الأسترالية المتقدمة، وتكنولوجيا الصواريخ والليزر الإسرائيلية.
طبقًا لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، زاد تصدير السلاح الصيني بنسبة 143% في الأعوام الخمسة الأخيرة؛ هذا الأمر أدى إلى زيادة نسبة مشاركة الصين في سوق تصدير السلاح العالمي من 3% إلى 5%.
تمكنت الصين خلال العام الحالي من تخطي ألمانيا وفرنسا لتصبح في المركز الثالث عالميًا كأكبر دول العالم في تصدير السلاح بعد الولايات المتحدة وروسيا.
"البزنس" ممنوع
كان الجيش الصيني يعمل في التجارة والصناعة حتى سنة 1988. وبحسب تقرير مطول لصحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، عمل الجيش الصيني في مجالات النقل وصناعة الأجهزة الكهربائية وإدارة مصانع المشروبات وبناء الفنادق وصناعة السيارات.
وقال التقرير إن جيش "التحرير الشعبي الصيني"، الذي يعد ثاني أكبر قوة عسكرية في العالم، بدأ في الثمانينيات تشغيل مجموعة من الاستثمارات المدنية الكبيرة والصغيرة إلى أن بات أهم تكتل استثماري في الصين.
وضرب التقرير مثلًا عن نشاطات الجيش الصيني الاستثمارية التي ينفذها بطابع خدمي -بحسب الصحيفة- وتمثلت في استخدم شاحنات الجيش وقطاراته للنقل المجاني، واستعمل الجنود كعمالة رخيصة.
ثم قررت الصين، بعد دراسة، خروج الجيش في خلال 3 سنوات من كل الأعمال التجارية والاقتصادية، لعدة أسباب؛ أهمها أن التجارة تغيّر عقيدة الجيش، وأن حسابات المكسب والخسارة التجارية لا تصلح للمؤسسات العسكرية وأفرادها، كما تُحوّل التجارة ومكاسبها رؤية العسكريين للشعب على أنه زبون في السوق يجب التربح منه.
وبعد ممارسة النشاط الاقتصادي يتحول الجيش إلى منافس وليس مؤسسة من مؤسسات الدولة، ومن ثم لا يمكن أن يجمع فردٌ بين العقيدة القتالية والاستثمار وحسابات الربح والخسارة؛ بل وتفكيرهم في الربح يمكن أن يكون ضد مصالح الشعب، والأهم أن التجارة تمثل خطرًا داهمًا على الجيش نفسه.
وقبل أشهر معدودة، قررت السلطات الصينية وقف أعمال الجيش الصيني الخارجية التي تُنفّذ مقابل أجر؛ كمشروعات استثمارية أو تنفيذ أعمال هندسية.
وبحسب "إذاعة الصين الدولية" الرسمية، أمرت الإدارة الصينية قوات جيشها بإنهاء المشاريع الخاصة بها كافة في غضون السنوات الثلاث المقبلة.
ونقلت الإذاعة أيضًا عن اللجنة العسكرية المركزية أن وحدات الجيش لن يُسمح لها بتوقيع عقود جديدة، كما لن يسمح بتمديد العقود المنتهية في الأعمال التي تنفذ خارج الخدمة العادية.
وأشارت الإذاعة إلى أن هذا القرار يأتي في الوقت الذي تسعى فيه الصين إلى التركيز على تجهيز قوات مسلحة أكثر احترافًا، وبصورة جزئية؛ عبر اجتثاث الفساد الذي ربطه التقرير بالخدمات المدفوعة الأجر.
وفي مارس 2015 الماضي، حددت الصين ميزانية عسكرية تزيد بنسبة 10,1% في أدنى ارتفاع سنوي منذ خمسة أعوام؛ أي ما يعادل حوالي 141 مليار دولار أمريكيًا، وذلك ما يعد ثاني أكبر ميزانية عسكرية في العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية.
وقال وقتها رئيس الوزراء الصيني إن زيادة الميزانية العسكرية لـ"تعزيز الوسائل اللوجيستية الحديثة، وتكثيف أبحاث الدفاع الوطني من أجل تطوير أسلحة ومعدات باستخدام تكنولوجيات جديدة وحديثة".
وقد سَعَتْ بكين خلال السنوات الخمس الماضية إلى توسيع نطاق تواجدها العسكري في الخارج، فيما صدر لأول مرة في الصين قانونٌ يسمح لجيشها بالقيام بعمليات ما تسمى "مكافحة الإرهاب" خارج أراضيها، الذي أقره الجيش الصيني في ديسمبر الماضي.
حماية وتقديم نموذج
من زاويته، قال الملحق العسكري للسفارة الصينية في الكويت "تشانغ قه" إن قرار إخراج الجيش الصيني من المعاملات التجارية المقدمة للمدنيين له عدة أسباب؛ على رأسها حماية أفراد الجيش من توغل مبدأ المكسب والخسارة في حياتهم وسيطرته على ثقافتهم، إضافة إلى التأكيد على مبادئ أخرى خلاف ذلك؛ منها التضحية والفداء كمبادئ عسكرية يجب ألا تغيب عن أي محارب، على حد قوله.
وقال في تصريحات خاصة لـ"رصد": نريد أن نضرب نموذجًا للعالم بالتفرقة بين "البزنس" والدفاع عن الوطن؛ خاصة في ظل التحولات العالمية المتسارعة على المستوى العسكري.
تخفيف العبء عن الدولة
وفي السياق ذاته، يرى المحلل السياسي الروسي "ليونيد سوكيانين" أن الهدف من إشراك الجيوش بشكل عام في الإنتاج الاقتصادي المدني هو رفع العبء والضغط الاقتصاديين عن الدولة، وهذا موجود في دول عديدة منها الغني والفقير. ويتابع: في حالة الصين، هذا القرار وإن كانت له مبرراته على مستوى العقيدة العسكرية؛ إلا أنه صدر في وقت تستطيع فيه الصين كدولة الاعتماد على مؤسساتها في الإنتاج؛ فلم يعد لها حاجة لوجود الجيش على هذا الخط، على حد قوله.
وأكد أن الحضور العسكري في المجال الاقتصادي المدني يحتاج أيضًا إلى صرامة في المراقبة؛ منعًا للفساد وتحقيقًا للأهداف التي تنطلق من أجلها مثل هذه المشروعات، وعندما تعجز مؤسسات الدولة عن هذه المراقبة يجب أن تتفرغ الجيوش لأعمالها القتالية.
جنرالات مصر
وبالمقارنة مع الواقع المصري تبدو الصورة "حالكة السواد"، فقد وقعت كل العواقب السلبية التي توقعتها الدراسة الصينية في مصر؛ إذ سيطرت حالة الجشع على جنرالات الجيش المصري وأعمت مصالحهم الاقتصادية عيونهم عن النظر إلى مصلحة البلاد، أو حتى مراعاة دورهم الأساسي في حماية الأرض والوطن.
ولأول وهلة، يرى البعض أن اقتصاد الجيش هو ذلك المتمثل في مصانع الأغذية والأدوات الكهربائية وغير ذلك؛ إلا أن اقتصاد «بزنس» العسكر يتعدى بكثير هذا الأمر، فلا يُعتبر اقتصاد دولة داخل الدولة فحسب؛ بل إن الأذرع العسكرية متغلغلة في الاقتصاد الوطني بصورة شبه كاملة.
ففي الفصل الـ15 من باب المؤسسة العسكرية، المنشور بموقع الهيئة العامة للاستعلامات، يُلقي الضوء على الشركات والهيئات الاقتصادية التابعة للقوات المسلحة، والتي -من نظرة عامة عليها- توضّح مدى تغلغل الجيش في كل المجالات الاقتصادية في الدولة وسيطرته عليها بشكل أو بآخر.
ورغم أن هذه الشركات والهيئات من المفترض أنها أنشئت لتحقيق الاكتفاء الذاتي داخل المؤسسة العسكرية؛ إلا أن دورها الحالي تعدى ذلك الأمر، وبدا كما لو أن هناك كيانًا اقتصاديًا قائمًا بذاته بعيدًا عن الدولة.
التهرب الشرعي
لا أحد ينسى التصريحات الشهيرة للواء محمود نصر، مساعد وزير الدفاع للشؤون المالية والمحاسبية وعضو المجلس العسكري (آنذاك)، التي قال فيها إن ما لدى القوات المسلحة «ليس أموال الدولة؛ وإنما عرق وزارة الدفاع من عائد مشروعاتها، وإنها تدفع عليها ضرائب وجمارك».
ثم أضاف أن "القوات المسلحة ستقاتل من أجل مشروعاتها الاقتصادية... ولن تتركها لأي شخص أو جهة".
حكاية الضرائب والجمارك التي تحدث عنها اللواء نصر ليست إلا محض خيال؛ إذ إن هناك قوانين وضعتها دولة العسكر على مدار عقود جعلتها رسميًا متهربة من الضرائب، فوزارتا الدفاع والإنتاج الحربي معفيتان من الجمارك بنص المادة (1) من قانون الإعفاءات الجمركية رقم 186 لعام 1986: "يعفى من الضرائب الجمركية... 1- ما تستورده وزارة الدفاع والشركات والوحدات والهيئات التابعة لوزارة الإنتاج الحربي لأغراض التسليح من أسلحة وذخائر وتجهيزات ووسائل نقل ومواد وأدوات وآلات ومهمات وأجهزة طبية وأدوية. 2- ما تستورده الحكومات والمؤسسات الأجنبية تنفيذًا لعقود تبرمها مع وزارة الدفاع لأغراض التسليح".
وبالطبع، أي شيء وكل شيء يمكن إدراجه تحت بند "الحاجة له في أغراض التسليح". والدليل الرسمي على ذلك صدر على لسان اللواء علي صبري، وزير الإنتاج الحربي؛ حيث صرح في الشهر الماضي بأن بعض منتجات الوزارة المدنية من "الصلب والمنتجات الهندسية والإلكترونية معفاة من الجمارك أو تُفرض عليها رسوم زهيدة".
أما جهاز مشروعات الخدمة الوطنية، التابع لوزارة الدفاع، فهو معفيٌّ من الضرائب على الدخل؛ بنص المادة (47) من قانون رقم 91 لسنة 2005 للضريبة: "تُفرض ضريبة سنوية على صافي الأرباح الكلية للأشخاص الاعتبارية أيًا كان غرضها، وتسري الضريبة على... عدا جهاز مشروعات الخدمة الوطنية بوزارة الدفاع".
مشروعات العسكر معفاة أيضًا من ضريبة المبيعات؛ بنص المادة (29) لقانون رقم 11 لسنة 1991 للضريبة العامة على المبيعات:
«تُعفى من الضريبة كل السلع والمعدات والأجهزة والخدمات المعنية في هذا القانون اللازمة لأغراض التسليح للدفاع والأمن القومي، وكذلك الخامات ومستلزمات الإنتاج والأجزاء الداخلة في تصنيعها».
ثم تشرحها المادة رقم 23 من اللائحة التنفيذية لعام 2001 مفصلة: «تسري أحكام هذه المادة على جميع قيادات القوات وهيئات وإدارات وأجهزة القوات المسلحة والصناديق التابعة لوزارة الدفاع أو الملحقة بها»، ويتضمن ذلك، حسب نص المادة: "الشركات والوحدات والهيئات التابعة لوزارة الإنتاج الحربي» و«الهيئة العربية للتصنيع".
مرة أخرى، بالطبع أي شيء يمكن تأويله على أنه "أجزاء تدخل في صناعة التسليح"
http://rassd.net/200877.htm
تعتزم وحدات القوات المسلحة في بكين منع تقديم جميع الخدمات المدفوعة الأجر للمدنيين، بما في ذلك العلاج الطبي والخدمات في مجالات التعليم والبحث العلمي والتخزين والنشر والأدب والخدمات ذات الصلة بالعمل الفني والمنتجات الفنية؛ في إطار الحملة التي أطلقها الرئيس الصيني شي جين بينج منذ أواخر عام 2015 لإجراء إصلاحات عسكرية.
ونُقل عن قونج فانج بن، الخبير بجامعة الدفاع الوطني التابعة لجيش التحرير الشعبي الصيني، قوله إن "هذه الحملة تهدف إلى تنقية حياة العسكريين وعدم تشتيت طاقاتهم، ومنعهم من الالتهاء بالمكاسب والنقود والأرباح الاقتصادية عن مهامهم العسكرية؛ لأن القوات المسلحة وُجِدَتْ للقيام بالمهام العسكرية، وتدخلها بشكل كبير في الإعمار والمشروعات المجتمعية والمدنية قد يؤثر سلبيًا على طبيعتها وعلى صورتها".
وقد أعلن الرئيس الصيني العام الماضي أنه سيتم إنهاء أي نوع من الأنشطة والخدمات المدفوعة الأجر المتعلقة بالجيش في غضون ثلاثة أعوام؛ بهدف إغلاق أبواب الفساد العسكري وضمان أن يحافظ الجيش على تركيزه في أداء مهمته الرئيسة، وهي القتال.
ثالث أقوى جيش
من بين مليارٍ و356 مليون نسمة، إجمالي عدد السكان في الصين، يوجد 2,333 مليون جندي نشط في الجيش الصيني، بالإضافة إلى 2,3 مليون جندي احتياط.
فحتى لو خفّضت الصين قوتها العددية كما تم الإعلان، سيبقى الجيش الصيني هو الأكبر من حيث إجمالي عدد الجنود.
جدير بالذكر أن الصين تحتل المركز الأول في العالم من حيث إجمالي عدد الجنود في الخدمة، تليها الولايات المتحدة ثم الهند؛ وهذه الدول الثلاث هي الوحيدة التي كسرت حاجز المليون جندي في الجيش.
من حيث قوات الاحتياط، فإن الصين تحتل المركز الخامس خلف فيتنام وكوريا الشمالية وكوريا الجنوبية وروسيا.
أولويات وتطوير
طبقًا لتقارير وزارة الدفاع الأمريكية، فإن الصين تطوّر أسلحة الطاقة الحركية وأشعة الليزر عالية الطاقة، وأسلحة الميكروويف عالية الطاقة، وأسلحة حزم الجزيئات، وأسلحة النبضات الكهرومغناطيسية.
وتعتمد الصين في تحديث أسلحتها على مبيعات التكنولوجيا المتقدمة من حلفاء الولايات المتحدة؛ تشمل هذه التكنولوجيا حركات الديزل الأوروبية المتقدمة من أجل السفن الحربية الصينية، وتصميمات المروحيات العسكرية من يوروكوبتر الأوروبية، والمروحيات والغواصات المضادة للسونار من فرنسا، وقوارب الصواريخ الأسترالية المتقدمة، وتكنولوجيا الصواريخ والليزر الإسرائيلية.
طبقًا لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، زاد تصدير السلاح الصيني بنسبة 143% في الأعوام الخمسة الأخيرة؛ هذا الأمر أدى إلى زيادة نسبة مشاركة الصين في سوق تصدير السلاح العالمي من 3% إلى 5%.
تمكنت الصين خلال العام الحالي من تخطي ألمانيا وفرنسا لتصبح في المركز الثالث عالميًا كأكبر دول العالم في تصدير السلاح بعد الولايات المتحدة وروسيا.
"البزنس" ممنوع
كان الجيش الصيني يعمل في التجارة والصناعة حتى سنة 1988. وبحسب تقرير مطول لصحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، عمل الجيش الصيني في مجالات النقل وصناعة الأجهزة الكهربائية وإدارة مصانع المشروبات وبناء الفنادق وصناعة السيارات.
وقال التقرير إن جيش "التحرير الشعبي الصيني"، الذي يعد ثاني أكبر قوة عسكرية في العالم، بدأ في الثمانينيات تشغيل مجموعة من الاستثمارات المدنية الكبيرة والصغيرة إلى أن بات أهم تكتل استثماري في الصين.
وضرب التقرير مثلًا عن نشاطات الجيش الصيني الاستثمارية التي ينفذها بطابع خدمي -بحسب الصحيفة- وتمثلت في استخدم شاحنات الجيش وقطاراته للنقل المجاني، واستعمل الجنود كعمالة رخيصة.
ثم قررت الصين، بعد دراسة، خروج الجيش في خلال 3 سنوات من كل الأعمال التجارية والاقتصادية، لعدة أسباب؛ أهمها أن التجارة تغيّر عقيدة الجيش، وأن حسابات المكسب والخسارة التجارية لا تصلح للمؤسسات العسكرية وأفرادها، كما تُحوّل التجارة ومكاسبها رؤية العسكريين للشعب على أنه زبون في السوق يجب التربح منه.
وبعد ممارسة النشاط الاقتصادي يتحول الجيش إلى منافس وليس مؤسسة من مؤسسات الدولة، ومن ثم لا يمكن أن يجمع فردٌ بين العقيدة القتالية والاستثمار وحسابات الربح والخسارة؛ بل وتفكيرهم في الربح يمكن أن يكون ضد مصالح الشعب، والأهم أن التجارة تمثل خطرًا داهمًا على الجيش نفسه.
وقبل أشهر معدودة، قررت السلطات الصينية وقف أعمال الجيش الصيني الخارجية التي تُنفّذ مقابل أجر؛ كمشروعات استثمارية أو تنفيذ أعمال هندسية.
وبحسب "إذاعة الصين الدولية" الرسمية، أمرت الإدارة الصينية قوات جيشها بإنهاء المشاريع الخاصة بها كافة في غضون السنوات الثلاث المقبلة.
ونقلت الإذاعة أيضًا عن اللجنة العسكرية المركزية أن وحدات الجيش لن يُسمح لها بتوقيع عقود جديدة، كما لن يسمح بتمديد العقود المنتهية في الأعمال التي تنفذ خارج الخدمة العادية.
وأشارت الإذاعة إلى أن هذا القرار يأتي في الوقت الذي تسعى فيه الصين إلى التركيز على تجهيز قوات مسلحة أكثر احترافًا، وبصورة جزئية؛ عبر اجتثاث الفساد الذي ربطه التقرير بالخدمات المدفوعة الأجر.
وفي مارس 2015 الماضي، حددت الصين ميزانية عسكرية تزيد بنسبة 10,1% في أدنى ارتفاع سنوي منذ خمسة أعوام؛ أي ما يعادل حوالي 141 مليار دولار أمريكيًا، وذلك ما يعد ثاني أكبر ميزانية عسكرية في العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية.
وقال وقتها رئيس الوزراء الصيني إن زيادة الميزانية العسكرية لـ"تعزيز الوسائل اللوجيستية الحديثة، وتكثيف أبحاث الدفاع الوطني من أجل تطوير أسلحة ومعدات باستخدام تكنولوجيات جديدة وحديثة".
وقد سَعَتْ بكين خلال السنوات الخمس الماضية إلى توسيع نطاق تواجدها العسكري في الخارج، فيما صدر لأول مرة في الصين قانونٌ يسمح لجيشها بالقيام بعمليات ما تسمى "مكافحة الإرهاب" خارج أراضيها، الذي أقره الجيش الصيني في ديسمبر الماضي.
حماية وتقديم نموذج
من زاويته، قال الملحق العسكري للسفارة الصينية في الكويت "تشانغ قه" إن قرار إخراج الجيش الصيني من المعاملات التجارية المقدمة للمدنيين له عدة أسباب؛ على رأسها حماية أفراد الجيش من توغل مبدأ المكسب والخسارة في حياتهم وسيطرته على ثقافتهم، إضافة إلى التأكيد على مبادئ أخرى خلاف ذلك؛ منها التضحية والفداء كمبادئ عسكرية يجب ألا تغيب عن أي محارب، على حد قوله.
وقال في تصريحات خاصة لـ"رصد": نريد أن نضرب نموذجًا للعالم بالتفرقة بين "البزنس" والدفاع عن الوطن؛ خاصة في ظل التحولات العالمية المتسارعة على المستوى العسكري.
تخفيف العبء عن الدولة
وفي السياق ذاته، يرى المحلل السياسي الروسي "ليونيد سوكيانين" أن الهدف من إشراك الجيوش بشكل عام في الإنتاج الاقتصادي المدني هو رفع العبء والضغط الاقتصاديين عن الدولة، وهذا موجود في دول عديدة منها الغني والفقير. ويتابع: في حالة الصين، هذا القرار وإن كانت له مبرراته على مستوى العقيدة العسكرية؛ إلا أنه صدر في وقت تستطيع فيه الصين كدولة الاعتماد على مؤسساتها في الإنتاج؛ فلم يعد لها حاجة لوجود الجيش على هذا الخط، على حد قوله.
وأكد أن الحضور العسكري في المجال الاقتصادي المدني يحتاج أيضًا إلى صرامة في المراقبة؛ منعًا للفساد وتحقيقًا للأهداف التي تنطلق من أجلها مثل هذه المشروعات، وعندما تعجز مؤسسات الدولة عن هذه المراقبة يجب أن تتفرغ الجيوش لأعمالها القتالية.
جنرالات مصر
وبالمقارنة مع الواقع المصري تبدو الصورة "حالكة السواد"، فقد وقعت كل العواقب السلبية التي توقعتها الدراسة الصينية في مصر؛ إذ سيطرت حالة الجشع على جنرالات الجيش المصري وأعمت مصالحهم الاقتصادية عيونهم عن النظر إلى مصلحة البلاد، أو حتى مراعاة دورهم الأساسي في حماية الأرض والوطن.
ولأول وهلة، يرى البعض أن اقتصاد الجيش هو ذلك المتمثل في مصانع الأغذية والأدوات الكهربائية وغير ذلك؛ إلا أن اقتصاد «بزنس» العسكر يتعدى بكثير هذا الأمر، فلا يُعتبر اقتصاد دولة داخل الدولة فحسب؛ بل إن الأذرع العسكرية متغلغلة في الاقتصاد الوطني بصورة شبه كاملة.
ففي الفصل الـ15 من باب المؤسسة العسكرية، المنشور بموقع الهيئة العامة للاستعلامات، يُلقي الضوء على الشركات والهيئات الاقتصادية التابعة للقوات المسلحة، والتي -من نظرة عامة عليها- توضّح مدى تغلغل الجيش في كل المجالات الاقتصادية في الدولة وسيطرته عليها بشكل أو بآخر.
ورغم أن هذه الشركات والهيئات من المفترض أنها أنشئت لتحقيق الاكتفاء الذاتي داخل المؤسسة العسكرية؛ إلا أن دورها الحالي تعدى ذلك الأمر، وبدا كما لو أن هناك كيانًا اقتصاديًا قائمًا بذاته بعيدًا عن الدولة.
التهرب الشرعي
لا أحد ينسى التصريحات الشهيرة للواء محمود نصر، مساعد وزير الدفاع للشؤون المالية والمحاسبية وعضو المجلس العسكري (آنذاك)، التي قال فيها إن ما لدى القوات المسلحة «ليس أموال الدولة؛ وإنما عرق وزارة الدفاع من عائد مشروعاتها، وإنها تدفع عليها ضرائب وجمارك».
ثم أضاف أن "القوات المسلحة ستقاتل من أجل مشروعاتها الاقتصادية... ولن تتركها لأي شخص أو جهة".
حكاية الضرائب والجمارك التي تحدث عنها اللواء نصر ليست إلا محض خيال؛ إذ إن هناك قوانين وضعتها دولة العسكر على مدار عقود جعلتها رسميًا متهربة من الضرائب، فوزارتا الدفاع والإنتاج الحربي معفيتان من الجمارك بنص المادة (1) من قانون الإعفاءات الجمركية رقم 186 لعام 1986: "يعفى من الضرائب الجمركية... 1- ما تستورده وزارة الدفاع والشركات والوحدات والهيئات التابعة لوزارة الإنتاج الحربي لأغراض التسليح من أسلحة وذخائر وتجهيزات ووسائل نقل ومواد وأدوات وآلات ومهمات وأجهزة طبية وأدوية. 2- ما تستورده الحكومات والمؤسسات الأجنبية تنفيذًا لعقود تبرمها مع وزارة الدفاع لأغراض التسليح".
وبالطبع، أي شيء وكل شيء يمكن إدراجه تحت بند "الحاجة له في أغراض التسليح". والدليل الرسمي على ذلك صدر على لسان اللواء علي صبري، وزير الإنتاج الحربي؛ حيث صرح في الشهر الماضي بأن بعض منتجات الوزارة المدنية من "الصلب والمنتجات الهندسية والإلكترونية معفاة من الجمارك أو تُفرض عليها رسوم زهيدة".
أما جهاز مشروعات الخدمة الوطنية، التابع لوزارة الدفاع، فهو معفيٌّ من الضرائب على الدخل؛ بنص المادة (47) من قانون رقم 91 لسنة 2005 للضريبة: "تُفرض ضريبة سنوية على صافي الأرباح الكلية للأشخاص الاعتبارية أيًا كان غرضها، وتسري الضريبة على... عدا جهاز مشروعات الخدمة الوطنية بوزارة الدفاع".
مشروعات العسكر معفاة أيضًا من ضريبة المبيعات؛ بنص المادة (29) لقانون رقم 11 لسنة 1991 للضريبة العامة على المبيعات:
«تُعفى من الضريبة كل السلع والمعدات والأجهزة والخدمات المعنية في هذا القانون اللازمة لأغراض التسليح للدفاع والأمن القومي، وكذلك الخامات ومستلزمات الإنتاج والأجزاء الداخلة في تصنيعها».
ثم تشرحها المادة رقم 23 من اللائحة التنفيذية لعام 2001 مفصلة: «تسري أحكام هذه المادة على جميع قيادات القوات وهيئات وإدارات وأجهزة القوات المسلحة والصناديق التابعة لوزارة الدفاع أو الملحقة بها»، ويتضمن ذلك، حسب نص المادة: "الشركات والوحدات والهيئات التابعة لوزارة الإنتاج الحربي» و«الهيئة العربية للتصنيع".
مرة أخرى، بالطبع أي شيء يمكن تأويله على أنه "أجزاء تدخل في صناعة التسليح"
http://rassd.net/200877.htm