لطالما سعت إيران جاهدة لتصبح قوة إقليمية رائدة، ومن ثم لم يكن غريبا إعلانها في أواخر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي عزمها إنشاء قواعد بحرية لها في سورياواليمن اعتبرتها إحدى الصحف المملوكة لحكومةطهران "قد تكون أكفأ بعشر مرات عن قوة نووية".
ورأت مجلة (فورين أفيرز) في مقال لأحد كبار الباحثين نشرته بعددها الأخير أن إقامة قواعد في كل من سوريا واليمن تكتسب أهمية خاصة بالنسبة لإيران. فاليمن يشرف على مضيق باب المندب أحد أكثر الممرات المائية حركة في العالم.
وأوضح كاتب المقال يوئيل غوزانسكي كبير الباحثين بمعهد دراسات الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب، أن من شأن إقامة قاعدة بحرية هناك منح طهران منفذا إلى البحر الأحمر وجعلها في وضع مواتٍ أكثر لتهديد المملكة العربية السعودية "خصمها اللدود في المنطقة".
ثم إن قاعدة في اليمن سيمكن إيران من تقديم دعم أفضل لجماعة الحوثي التي يصفها الكاتب بأنها "واحدة من عملائها" اجتاحت صنعاء في سبتمبر/أيلول 20144.
وقال غوزانسكي -الذي كان مكلفا بالملف الإيراني في مجلس الأمن القومي الإسرائيلي- إن الحصار الذي فرضه التحالف العربي بقيادة السعودية على اليمن حال دون وصول إيران إلى شواطئ اليمن. فقد أُرغمت سفن إيرانية كانت تحمل شحنات أسلحة إلى الحوثيين في أكتوبر/تشرين الأول على العودة إلى حيث أتت بعد أن اعترضتها سفن حربية أميركية.
"إيران لا تملك حاليا من القدرات العسكرية والموارد المالية ما يجعلها قادرة على التوسع، فسلاح بحريتها ما يزال يستخدم معدات منذ عهد الشاه عفا عليها الزمن، وتنظر بحذر إلى ترمب الذي وصف الاتفاق النووي الإيراني بالمقيت"
وأضاف أن تلك الحوادث دفعت إيران إلى إقامة قاعدة بحرية في اليمن لتفادي مثل هذه المشكلة.
ومن شأن قاعدة في سوريا، إذا رأت النور، أن تطيل ذراع البحرية الإيرانية إلى البحر الأبيض المتوسط وتعزيز الوجود العسكري الإيراني على مقربة من السواحل الأوروبية. كما أنها ستكون عونا لحلفاء إيران في لبنان (حزب الله) وفلسطين (حركة حماس) وسوريا (نظام بشار الأسد).
ولعل قاعدة من هذا النوع ستتيح لإيران نقل إمداداتها ومساعداتها المنتظمة الأخرى إلى حزب الله دون الحاجة لتوصيلها بالبر أو الجو عبر العراق وتركيا. هذا إلى جانب أن هذه القاعدة ستجعل إيران تستغني عن السودان، الذي ظل لأمد طويل يمثل ميناء لدخول الأسلحة الإيرانية إلى البحر الأبيض المتوسطوأفريقيا قبل أن يدير هذا البلد الأفريقي ظهرة لطهران مؤخرا ويتقارب أكثر مع السعودية.
ترمب والقلق الإيراني
ومضى الكاتب إلى أن ما سماه الصراع الإقليمي الدائر بين إيران من جهة والسعودية والإمارات من جهة أخرى أتاح لهاتين الدولتين العربيتين ميزة تمثلت في تحكمها على منطقة البحر الأحمر بإقامتهما قواعد بحرية في جيبوتي وإريتريا.
واستطرد قائلا إن بناء قاعدة إيرانية في سوريا قد يساعد طهران على إصلاح هذا "الخلل في ميزان القوة".
وتنسجم القاعدتان في سوريا واليمن مع خطة إيران الكبرى لبسط سلطانها في المنطقة وما ورائها. وتعكف طهران على تعزيز حضورها على طول سواحل الخليج العربي وخليج عمان.
ونقل غوزانسكي في مقاله بمجلة فورين أفيرز عن الأدميرال حبيب الله سياري قائد البحرية الإيرانية قوله في مؤتمر صحفي سابق "نحن نبني منطقتين بحريتين وثلاث قواعد بحرية على سواحل مكران" المطلة على بحر عمان جنوب إيران.
وأشار سياري إلى أن هذه المنشآت "تتفق مع خطتنا بالعودة إلى البحر"، مؤكدا على طموحات إيران خارج مياهها الإقليمية. وقال في هذا الصدد "مما لا شك فيه أن أساطيلنا البحرية ستدور في المستقبل القريب حول أفريقيا وعبر المحيط الأطلسي".
ولعل توقيت إعلان طهران في نوفمبر الماضي قد يوحي كذلك بأن انتخاب دونالد ترمب رئيسا للولايات المتحدة جعل القلق ينتاب الإيرانيين. ورغم كل ما قيل، فإن إيران لا تملك حاليا من القدرات العسكرية والموارد المالية ما يجعلها قادرة على التوسع، فسلاح بحريتها ما يزال يستخدم معدات منذ عهد الشاه عفا عليها الزمن، وتنظر بحذر إلى ترمب الذي وصف الاتفاق النووي الإيراني بالمقيت.
ومع ذلك فإن توسع البحرية الإيرانية يكتسب زخما يؤرق مضاجع جيرانها، على حد تعبير المقال. وإذا تُركت إيران دون كبح جماحها فإنها قد تتمكن من تطوير القدرة على تهديد خطوط الملاحة الحيوية فيبحر قزوين والمحيط الهندي.
وحث الكاتب إدارة ترمب المقبلة على بذل مزيد من الجهد للتصدي للخطر الذي تشكله إيران لا سيما في المجال البحري حيث تتمتع الولايات المتحدة بتفوق واضح.