نظراً لإقدام «حزب الله» على نشر الآلاف من المقاتلين في سوريا، تم سحب العديد من قادته العسكريين وعناصره الإرهابية الأكثر خبرةً وتمرساً من مهامهم التقليدية القائمة على التمركز في مواقع محددة على طول الحدود اللبنانية مع إسرائيل أو الانخراط في أنشطة مالية ولوجستية وعملياتية في الخارج. فقد تكبّد الحزب في الحرب السورية خسائر في الأرواح فاقت تلك التي تكبّدها في كافة معاركه مع إسرائيل، الأمر الذي أرغمه على استخدام كوادره من العناصر الإرهابية العالمية العاملة في "حركة الجهاد الإسلامي" (المعروفة أيضاً باسم "منظمة الأمن الخارجي") كتعزيزات في ساحة المعركة. ونتيجةً لذلك، عوّل «حزب الله» بشكل أكبر من المعتاد حتى على "وحدة العلاقات الخارجية" التي اضطلع أعضاؤها بشكل رسمي بدور الاتصال مع المجتمعات الشيعية في مختلف أنحاء العالم، لكن يتم استخدامهم أكثر فأكثر لتنفيذ نشاطات إجرامية وإرهابية مختلفة.
معلومات تاريخية
كان أبرز مسؤول في "منظمة الأمن الخارجي" تمّ نقله من مهامه الخاصة بالإرهاب الدولي إلى سوريا هو مصطفى بدر الدين الذي تسلّم قيادة كتيبة جديدة لـ «حزب الله» في سوريا رغم أنه بقي الرئيس الفخري لـ "منظمة الأمن الخارجي" (وقد قُتل في النهاية هناك في أيار/مايو هذا العام). ووفق تقرير صدر عن وزارة الخزانة الأمريكية في تموز/يوليو 2015، اضطلعت أيضاً عناصر بارزة أخرى في "المنظمة"، من بينها إبراهيم عقيل وفؤاد شكر، "بدور أساسي" في سوريا عبر مساعدة مقاتلي الحزب وقوات نظام الأسد ضد المتمردين.
ومن المثير للاهتمام، أن العناصر الدولية لـ «حزب الله» خضعت لإعادة تنظيم من نوع مختلف قبل الحرب بوقت قليل فقط، بعد فشل سلسة من العمليات الإرهابية في دول مثل أذربيجان وتركيا. وفي كانون الثاني/يناير 2010، أقدم بدر الدين ونائبه طلال حمية على"مراجعة وإعادة تقييم شاملة للعمليات" بناء على تعليمات الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله، ما أدّى إلى "تغييرات كبيرة" داخل "منظمة الأمن الخارجي" خلال ستة أشهر. وتمحور جوهر الخطة حول تجنيد عناصر جديدة من وحدات «حزب الله» العسكرية من أجل أن تخضع لتدريبات على مستوى المعلومات الاستخباراتية والعمليات، لتكتسب بالتالي قدرات وتقنيات استخباراتية اضمحلت منذ أن قرر الحزب وقف عملياته الدولية خشية أن تشمله الحرب على الإرهاب بعد عام 2001. لكن مشاركته في سوريا خلال عام 2011 وضعت حداً لمساعي التجنيد هذه، واتّجهت العناصر من "منظمة الأمن الخارجي" إلى الجناح العسكري وليس عكس ذلك.
ما هي "وحدة العلاقات الخارجية"؟
إلى جانب عملياته السرية الخارجية، لا يزال «حزب الله» يحافظ على حضور دولي أكثر علنيةً من خلال "وحدة العلاقات الخارجية"، التي ينتشر ممثلوها في جميع أنحاء العالم. وتعمل "وحدة العلاقات الخارجية" بشكل علني في لبنان وبطريقة شبه علنية في الخارج. ويتولى حالياً علي دعموش قيادتها خلفاً لنواف الموسوي. تجدر الملاحظة أن بعض أفراد "وحدة العلاقات الخارجية" هم لبنانيون تمّ إرسالهم إلى الخارج، في حين أن الآخرين هم من مؤيدي «حزب الله» يعيشون أساساً في البلدان المستهدفة. وتربط معظمهم علاقات وطيدة بمسؤولين بارزين في الحزب، ويتلقى الكثير منهم تدريباً عسكرياً مكثفاً.
أما في كندا، فيقدّر المسؤولون في مجال الاستخبارات أن تكون "وحدة العلاقات الخارجية" مسؤولة عن تأسيس منظمات واجهة ومنصات أخرى في دول أجنبية من أجل رصد المواهب وحشد دعم الشيعة المحليين لكل من «حزب الله» وإيران. واستناداً إلى مواقع مكافحة الإرهاب الإلكترونية الحكومية ومحادثات خاصة مع مسؤولين، تَعتبر السلطات الكندية أن «حزب الله» هو "إحدى أكثر الجماعات الإرهابية التي تتمتّع بمهارات تقنية في العالم" وقد أجرت تحقيقات في كافة الأنشطة التي أجرتها على أراضيها بما فيها تلك الخاصة بـ"منظمة الأمن الخارجي" و"وحدة العلاقات الخارجية". وهي ترى أن مهمات هذه الأخيرة الأساسية تتمثل بالحملات الدعائية، والتمويل والدعم، في حين تقوم "منظمة الأمن الخارجي" بشراء التجهيزات اللازمة وتنفيذ العمليات الإرهابية.
وعلى نحو مماثل، لطالما أقرّت الحكومة البريطانية "بوجود محدود وعلني للحزب في المملكة المتحدة يتمتّع بروابط واسعة النطاق" مع "وحدة العلاقات الخارجية" التي تعتبرها لندن "مختلفة" عن "منظمة الأمن الخارجي". وفي المقابل، لاحظت حكومات أخرى تداخلاً أكبر في مهامهما؛ فعلى سبيل المثال، تصف التسميات الإرهابية المعتمدة في نيوزلندا "منظمة الأمن الخارجي" على أنها "وحدة «حزب الله» للاستخبارات الخارجية المتخصصة في التجسس، ومكافحة التجسس، وإرسال عناصر إلى الخارج للإندماج مع الجاليات المهاجرة وشبكات الأعمال التجارية وتلك الإجرامية وتنفيذ هجمات إرهابية". لكن هذه الجهود غالباً ما أصبحت غير واضحة حالياً إذ إن عناصر "وحدة العلاقات الخارجية" أخذت تنخرط على نحو متزايد في أنشطة أكثر سرية وعملياتيةً إلى جانب مهامها العلنية.
ووفقاً لدراسة أجراها صموئيل بار من "جامعة الدفاع الوطني" في تشرين الأول/أكتوبر 2006، تكون "وحدة العلاقات الخارجية" مسؤولة أمام "المجلس السياسي لـ «حزب الله»"، في حين أن "منظمة الأمن الخارجي" تكون مسؤولة أمام "مجلس الجهاد". غير أن لدى أفراد "وحدة العلاقات الخارجية" تاريخ حافل ليس فقط بالمهام على مستوى السياسة والتمثيل الرسمي، ولكن أيضاً على الصعيد اللوجستي، وجمع الأموال، وحتى الأنشطة العملياتية لصالح "منظمة الأمن الخارجي". فعلى سبيل المثال، ذكر تقييم لوزارة الخزانة الأمريكية خلال عام 2015 نُشر في إطار تحديد عناصر من "وحدة العلاقات الخارجية" في أفريقيا أن "الوحدة تزعم أنها مسؤولة عن العلاقات المجتمعية"، لكن الهدف الأساسي لـ "وحدة العلاقات الخارجية" في نيجيريا يتمثّل بجمع مجندين لصالح الوحدات العسكرية لـ «حزب الله»، فضلاً عن تأسيس بنية تحتية إرهابية لوحدات العمليات التابعة للحزب ودعمها في أفريقيا وفي جميع أنحاء العالم".
الأدوار العامة لـ "وحدة العلاقات الخارجية"
على صعيد الأنشطة "الدبلوماسية" العلنية، ينفّذ أفراد "وحدة العلاقات الخارجية" عدداً من المهام في الخارج. فهم يوفّرون الدعم اللوجستي لوفود «حزب الله» الزائرة، ويبنون "مراكز اجتماعية" لتشجيع الشيعة المحليين على تأييد الحزب ولتكون قاعدة لأنشطته. كما يجمعون الأموال ويرصدون المجندين المحتملين، ويقيمون الروابط ويحافظون على التواصل بين المؤيدين المحليين وقادة الحزب في لبنان من جهة، وبين عناصر الحزب في مختلف البلدان من جهة أخرى.
وفي أعقاب هجمات 11 أيلول/سبتمبر، استثمر الحزب الوقت والطاقة في توطيد علاقاته مع الدول الأوروبية. وقاد مسؤول "وحدة العلاقات الخارجية" السابق نواف الموسوي هذه المساعي الدبلوماسية، حيث أرسل وفوداً إلى الدنمارك وإيطاليا وألمانيا وسويسرا وبريطانيا في الفترة 2002-2003. وكانت الوفود مؤلفة في المقام الأول من ممثلي «حزب الله» في البرلمان اللبناني؛ وتمثّل هدفها الرئيسي في إبقاء المجموعة خارج لائحة الجماعات الإرهابية التي وضعها الاتحاد الأوروبي وتوطيد علاقاتها مع اللبنانيين والشيعة المقيمين في هذه الدول. وتولّى أعضاء في "دائرة العلاقات الخارجية" مقرهم في أوروبا معاملات السفر وغيرها من اللوجستيات المتعلقة بهذه الزيارات. كما سعى «حزب الله» إلى شراء مبنى في برلين في حزيران/يونيو 2002 ليكون "مركزاً ثقافياً"؛ وقد رجّح المسؤولون أنه كان يمكن أن يمثّل المقر الرئيسي لأنشطة الحزب في القارة.
وقد وفّرت عناصر «حزب الله» في أمريكا الجنوبية خدمات مماثلة بأسلوب "دائرة العلاقات الخارجية". ففي عام 2008، فضحت وزارة الخزانة الأمريكية أحد داعمي الحزب في فنزويلا ويُدعى غازي ناصر الدين الذي قام، من جملة أمور أخرى، "بتسهيل سفر اثنيْن من نواب الحزب إلى كاراكاس لجمع التبرعات... والإعلان عن افتتاح مركز اجتماعي ومكتب برعاية «حزب الله» في فنزويلا". وفي البرازيل، أدار مسؤولو الحزب مسجداً حيث حظّروا على أي شخص ليس عضواً في الجماعة من المشاركة في الممارسات الدينية. أما في "منطقة الحدود الثلاثية"، فاضطلع صبحي فياض "بدور ضابط اتصال بين السفارة الإيرانية ومجتمع الحزب" في الأرجنتين والبرازيل وباراغواي، وفقاً لتصنيف وزارة الخزانة الأمريكية في عام 2006. وفي كولومبيا، أجرى عضو "وحدة العلاقات الخارجية" علي محمد صالح "اتصالات مع أعضاء مشتبه بهم تابعين للحزب في فنزويلا وألمانيا ولبنان والسعودية" منذ عام 2010.
وقد ظهرت مثل هذه الأنماط في أفريقيا أيضاً، حيث ينسّق مسؤول "وحدة العلاقات الخارجية" علي أحمد شحادة سفر أفراد «حزب الله»، بما في ذلك من السنغال إلى ساحل العاج. وهو يساعد بشكل كبير عبد المنعم قبيسي، الذي تعتقد الحكومة الأمريكية أنه الممثّل الشخصي لحسن نصر الله في غرب أفريقيا. كما استضاف قبيسي كبار المسؤولين في الحزب الذين يزورون ساحل العاج وغيرها من الدول في أفريقيا، علماً بأن أنشطته علنية عموماً، كالتحدث مثلاً في المناسبات المحلية التي يقيمها الحزب وافتتاح مؤسسة رسمية لـ «حزب الله» في ساحل العاج (وقد أشارت وزارة الخزانة الأمريكية أنه يتم استخدام هذه المؤسسة "لتجنيد أعضاء جدد للصفوف العسكرية لـ «حزب الله» في لبنان"). وكانت هذه الخطوات وغيرها قد جذبت انتباه المسؤولين في أفريقيا، حيث أشارت الذراع الإقليمية لـ "فرقة العمل المعنية بالإجراءات المالية" إلى أنشطة شحادة ضمن "وحدة العلاقات الخارجية" في تقرير صدر عام 2013 بشأن تمويل الإرهاب في غرب أفريقيا. وفي أماكن أخرى، نظّم العضوان في "وحدة العلاقات الخارجية" فوزي فواز وعبدالله طحيني سفر وفود «حزب الله» إلى نيجيريا.
الأنشطة التنفيذية
كما ذُكر أعلاه، تربط العديد من أفراد "وحدة العلاقات الخارجية" علاقات وثيقة مع كبار المسؤولين في «حزب الله»، كما يتمتّع البعض منهم (على سبيل المثال، صالح في كولومبيا) بخبرة في التدريب العسكري أو القتال، وتربط آخرين (على سبيل المثال، فواز والطحينة في أفريقيا) علاقات مع عناصر "منظمة الأمن الخارجي". وبالتالي، ليس من المفاجئ أن يكون «حزب الله» قد دعا بانتظام شبكة "وحدة العلاقات الخارجية" التابعة له إلى الانخراط في أنشطة ذات طبيعة عملياتية أكبر.
على سبيل المثال، في عام 2004، كشفت وزارة الخزانة الأمريكية أن قادة «حزب الله» في لبنان قد أوكلوا أسد أحمد بركات ومقره في "منطقة الحدود الثلاثية" -- وهو أحد "أبرز أعضاء الحزب وأكثرهم نفوذاً" -- جمع "معلومات دقيقة" حول العرب المحليين الذين يسافرون إلى الولايات المتحدة وإسرائيل. وبعد ذلك، قام بنقل هذه المعلومات إلى "وحدة العلاقات الخارجية" في لبنان.
لقد كانت أنشطة "وحدة العلاقات الخارجية" في أفريقيا مقلقة بشكل خاص. فقد سلّط تقرير صدر عن وزارة الخزانة الأمريكية في حزيران/يونيو 2013 الضوء على السلوك المنطوي على مشاكل معقدة لمن يطلقون على أنفسهم لقب "سفراء" الحزب في سيراليون والسنغال وساحل العاج وغامبيا. فقد التقى عباس لطفي فواز، عنصر "وحدة العلاقات الخارجية" في السنغال، كبار المسؤولين في لبنان من أجل "مناقشة مسائل أمنية" وسط الاتهام المحتمل لأفراد «حزب الله» من قبل "المحكمة الخاصة بلبنان" التي أنشأتها الأمم المتحدة. وقد عرض إعادة اللبنانيين المقيمين في السنغال إلى بلدهم إذا اعتبر مسؤولو الأمن في الحزب أن لوجودهم منفعة في لبنان. وعلى نحو مماثل، جنّد العضو في ساحل العاج علي أحمد شحادة سكاناً محليين وسعى إلى إرسالهم إلى لبنان. وكانت هذه المعلومات وغيرها قد دفعت بوزارة الخزانة الأمريكية إلى الاستنتاج بأن الحزب "يعتزم تكييف واستخدام شبكات الدعم الدولية التي بناها لدعم الهجمات الإرهابية ضد المدنيين في جميع أنحاء العالم".
وبالمثل، وصف تقرير صدر عن وزارة الخزانة الأمريكية في شباط/فبراير 2015 كيف أصبح عنصرا "وحدة العلاقات الخارجية" المذكوران آنفاً فوزي فواز وعبدالله طحيني "عضوان في خلية «حزب الله» الإرهابية" في نيجيريا إلى جانب شقيق فواز ويدعى مصطفى، أحد أفراد "منظمة الأمن الخارجي". واتُهم فوزي بحيازة "أسلحة ثقيلة" وبتورطه في "أنشطة أخرى ذات علاقة بالإرهاب". وبعد اكتشاف مخبأ أسلحة تابع لـ «حزب الله» في مدينة كانو عام 2013، أصدرت السلطات النيجيرية مذكرات توقيف بحق فوزي وطحيني.
الاستنتاجات
لم يكن هناك أي جدار واقٍ فعلي بين ما يسمى بـ "أجنحة" «حزب الله»، كما أن واقع تورط العناصر المسؤولة أمام "المجلس السياسي" للحزب وإلى حدّ كبير بأنشطة إجرامية وإرهابية يسلّط الضوء على مبرّر هذا الاختلاف. يُذكر أن العديد من هؤلاء الأفراد هم ممثلون شخصيون لحسن نصر الله نفسه أو تربطهم علاقات وطيدة مع غيره من القادة البارزين في الحزب، مما يقوّض على نحو أكبر أي محاولة للتمييز بين "منظمة الأمن الخارجي" و "وحدة العلاقات الخارجية".
وبعد دخول «حزب الله» في الحرب السورية، كشف مسؤولون في عدد من القارات أنه يتمّ استخدام عناصر "وحدة العلاقات الخارجية" بشكل أكبر للقيام بأنشطة سرية على غرار تجنيد أفراد، وجمع معلومات استخباراتية، وتوفير الدعم اللوجستي للعمليات الإرهابية. وفي الدوائر الدبلوماسية الحقيقية، يتمّ وصف مثل هذا السلوك "بالتصرف غير اللائق"، غير أن أفراد "وحدة العلاقات الخارجية" ليسوا سفراء حقيقيين -- فهم لا يتمتّعون بأي مكانة دبلوماسية، ويمثلون جماعة مسلحة تشتهر على نطاق واسع بتورطها في أعمال إرهابية. وبالنسبة للدول التي تسعى إلى تقويض ووقف أنشطة «حزب الله» ضمن حدودها، فإن توسّع نطاق تحقيقاتها لتشمل "وحدة العلاقات الخارجية" هي خطوة طال انتظارها وقد تأخرت كثيراً.
ماثيو ليفيت هو زميل "فرومر- ويكسلر" ومدير برنامج "ستاين" للاستخبارات ومكافحة الإرهاب في معهد واشنطن.