نظام S-300 وS-400تكتسب نظم الدفاع الجوي المتوسطة والبعيدة المدى أهمية متزايدة في تكتيكات الحروب المدنية, وفي الخطط الإستراتيجية للدفاع ضد التهديدات الجوية المتطورة. وفي هذا الإطار, فإن الصواريخ الروسية المضادة للطائرات, والمعروفة بنظام “أس 300”, تشكل مصدر قلق لسلاح الجو الأميركي في كل مرحلة تستعد خلالها الولايات المتحدة لخوض حرب إذ تتخوف الأخيرة من توجيه رسالة روسية كما حصل في بداية الحرب اليوغوسلافية, ثم في حرب أفغانستان, وهذا ما يشكل مأزقاً أميركياً جدّد تأكيده المدير العـام لمؤسسـة "Antey" فينيامين يفريموف المنتجة لنظام “أس 300”. فما تصنعه شركة "Concern Antey" من أنظمة دفاع جوي للمدى البعيد مثل “أس ­ 300 في م” S-300VM(لا مثيل له في العالم على الاطلاق).
فمنظـومة "S-300VM" هي أحدث تعديل لمنظومة "S-300V" ­ سام ­ 12, المضادة للأهداف الجوية, ونظراً لامتلاكها قدرات الإشتباك مع الهدف الجوي على مدى 200 كلم, (وهو أوسع مدى اشتباك في أنظمة الدفاع الجوية الحديثة), فإن مزاياها ستبقى الأكثر تفوقاً بالنسبة لأنظمة الدفاع الجوي الطويلة المدى في العالم, الآن وفي المستقبل القريب.
منظومة الصواريخ “أس 300”
لقد قامت روسيا أخيراً بإنشاء مجموعة تمويل وتصنيع الأنظمة الدفاعية, وهي المجموعة التي تجمع بين الشركات الروسية الصانعة لأنظمة الدفاع الجوي, وهيئة التجهيز لنظام الإطلاق, وهي بذلك توفر التدريب لأنظمة "Almaz S-300" (المعروفة لدى حلف ناتو باسم "SA-10 Grumble", أي أنظمة صواريخ سطح ­ جو للإرتفاعات العالية والمنخفضة. كما أنها تقوم بأعمال التحديث لأنظمة "SAM" القديمة وتقدم أنظمة كاملة للقيادة والسيطرة. ويعتبر نظام "Almaz S-300" أحد أفضل أنظمة "SAM" الروسية مبيعاً خلال السنوات الأخيرة, حيث تم تصديره الى كل من الصين واليونان والهند وإيران, بالإضافة الى عدد من دول شرق أوروبا. وقد تم تطوير نماذج عدة من نظام "S-300", بما في ذلك نماذج مركبة على مركبات, وأخرى على مقطورات, وهناك نموذج بحري بصواريخ مماثلة مثلما هو الحال في عدة انظمة روسية.
صممت نظم صواريخ "S-300" الروسية منذ العام 1969 كعائلة من ثلاثة نظم هي: "S-300P", للدفاع الجوي الإستراتيجي, و"S-300V" للدفاع الجوي التكتيكي, و"S-300F" للإستخدام بواسطة الأساطيل البحرية. هدف هذه النماذج جميعها كان التعامل مع التهديدات العالية السرعة من الجيل الجديد, وهي سرعان ما شكلت عماد الدفاع الجوي في الإتحاد السوفياتي السابق والدول الحليفة. وقد صنعت هذه النظم بكثافة في روسيا, بحيث توفر في العام 1996 نحو 2075 قاذفة صواريخ "S-300" موضوعة في الخدمة لدى القوات المسلحة. وقامت مؤسسة"Almaz" ببناء النظام "S-300P" للدفاع الجوي البعيد المدى الذي انتهى بناؤه في العام 1980, واشتقت منه نماذج عدة. من بين هذه النماذج النموذج البحري "S-300F", الذي ينطلق الصاروخ من أنبوبه بدون اشتعال, ليشتعل على بُعد 25 متراً منه. ويستطيع رادار "S-300F" كشف هدف على بعد 38 كلم لا تزيد مساحة مقطعه عن 1.0 متر مربع, وهدف آخر مساحة مقطاعه متر مربع واحد (طائرة تقليدية) على بعد 52 كلم. ويذكر أن سرعة الصاروخ القصوى هي 1167 متراً في الثانية ومداه الأقصى 25 كلم.
يستخدم النموذج الحديث للنظام "S-300PMU1" الصاروخ الأكثر فعالية (48 N6) وله مميزات عدة أهمها, أجهزة كومبيوترية فائقة التطوّر, وهوائي مصنوع بتقنية الوحدات المستقلة. وهو يستطيع رصد أي هدف في أي وضعية مناورة يتخذها, واعتماد أسلوب توجيه جديد للصواريخ. يقوم هذا الأسلوب على إدخال المعلومات الى كمبيوتر رادار النظام, ومن ثم الى مستشعر توجيه الصاروخ الذي يتألف من مرحلة واحدة, بالإضافة الى تحسينـات عدة تجعله في موقع المنافسة وتمنحه القدرة بالنسبة لأفضـل الصواريخ الحديثة.
ومع ذلك فإن مجمع "Antey" أضاف قدرات إندماجية في أنظمة الدفاع الجوي, بما في ذلك تزويد العربات القتالية الحاملة للنظام, بأحدث المعدات التي من شأنها تمييز الصديق من العدو تبعاً لمعايير حلف الأطلسي. وأكثر من ذلك, يمكن بتعديل بسيط قيام العربة القتالية بإطلاق وتوجيه الأهداف الجوية "SAMAN" التي صنعت على أساس الصاروخ القتالي العضوي الخاص بالمجمع, ويمكن للهدف الطائر الطيران مسافة 15 الى 20 كلم, بحيث يستطيع تمثيل مختلف الأهداف الجوية الحديثة. وتوفر عملية التحديث إمكانية تدمير الهدف وتوسيع المدى النيراني أكثر من 40 في المئة.
وبعد تراكم الخبرات الكثيفة نتيجة لاستخدام نظام الدفاع الصاروخي سطح جو في عمليات قتالية, صنعت “كونسون أنتي” في العام 1986 مجمع تور (سام ­ 15) للدفاع الجوي, حيث أطلق عليه اسم “تور ­ م1” (TOR - M1) بعد تحديثه في العام 1991. هذا المجمع الصاروخي سطح ­ جو, يعتبر اليوم الزعيم غير المنازع لأنظمة الدفاع الجوي القصيرة المدى. ونظراً لخواصه الفريدة, ومنها الإشتباك مع الأهداف الطائرة لمدى يبلغ 12 كلم, وتدميرها على ارتفاعات ترواح بين 10 أمتار و6000 متر, فإن لنظام “تور ­ م1” عدداً من القدرات الفنية الممتازة التي تم تطويرها في “كونسون انتي”. من هذه القدرات المميزة, الإطلاق العمودي للصواريخ, والمسح الإلكتروني في تعقب الهدف بواسطة الرادار, ثم الدرجة العالية من الدقة في العمليات القتالية. وتسمح هذه المزايا بتوفير درجات عالية من المناعة الصوتية, وقدرة على الإشتباك مع هدفين بالتتابع, إضافة الى العمل بتناغم وبفاعلية مع عناصر المراقبة البصرية العضوية.
“تريومف اس 400”: الرد الروسي على أميركا
استباقاً للحروب الوقائية والمفاجئة, أنجزت روسيا بنجاح التجارب النهائية للمجمع الصاروخي الجديد للدفاع الجوي وهو “أس 400 تريومف”, الذي يوضع في الخدمة العملية للجيش الروسي خلال العام الحالي الى جانب “أس 300” أو نيابة عنه, وذلك الى حين اعتماد نظام موحد للدفاع الروسي بحيث تصبح منظومة “أس 400 ­ تريومف” أساس الدفاع الجوي الروسي مستقبلاً.
تتفـوق منظومـة صواريخ “تريومف” على التصاميم الغربية من حيـث بعد مسافة العثور على الأهداف وإصابتهـا. فهذه الصواريـخ يمكنهـا أن تدمر الأجسام الطائرة على مسـافة تفوق الـ200 كلم بينما لا تتجاوز قدرة أفضل صواريخ الدفاع الجوي الأميركية مسافة الـ150 كلم, والفرنسية مسافة 130 كلم.
وتستخدم في إدارة “تريومـف” أحدث أجهزة الحواسيـب من طراز “إلبروس”. وهي قادرة على أن تحدد بدقـة وبدون خطأ, مكان وجود الأهداف الطائـرة سواء أكانـت قاذفات قنابل استراتيجيـة أم مقاتلات أم صواريـخ مجنحة. وبوسع العقل الإلكتروني لـ”تريومف” أن يحدد بأمر من المشغّل أو من تلقاء نفسه, أولوية الأهداف التي ينبغي إصابتها ودرجة أهميتها.
يعتقـد القائد العام لسـلاح الجو الروسي أناتولي كرنوكوف, أن العالم لن يعرف خلال السنوات العشر القادمة مثيـلاً للنظام الصاروخي الحديث المضاد للجـو, وليس من المتوقع في المستقـبل القريب أن يكون ثمة ما يشبه “تريومف” في ترسانة الولايات المتحدة وحلف الناتو, فهل يكون هذا السلاح الرد الروسي على الولايات المتحدة؟
المراجع
­- مجلة الدفاع الخليجي العدد 61, آب 2002.
­- الدفاعية, آذار 2001.
­- “ساب” الروسية 5 آذار, 2002.
­- “نوفوستي” الروسية, يوري يارانوف, موسكو أول آذار 2002.