يناقش كتاب (التجسس التكنولوجي.. سرقة الأسرار الاقتصادية والتقنية) لممدوح الشيخ ظاهرة التجسس راصدا لماضيها ومتتبعا لحاضرها الآني، مؤكدا أن مقاومة التجسس الاقتصادي والتقني مهمة شاقة لكون الظاهرة شاملة متشعبة وفي الوقت نفسه جديدة على كثير من الأجهزة الأمنية، وإذا كانت هذه الدراسة قد استعرضت تاريخ الظاهرة فإن تكوين تصور شامل محدد القسمات لمواجهتها يعد طموحاً كبيرا في رأي المؤلف.
والجاسوسية ظاهرة قديمة قدم التاريخ الإنساني، عرفها الإنسان في صراعاته المتعددة (دينية ـ قومية ـ اقتصادية) وتطورت الجاسوسية في كل مجتمع بشرى بقدر يناسب ما لديه من وسائل لجمع المعلومات ونقلها وتحليلها، وتكاد الحقب المنصرمة من القرن العشرين تكون أحفل الحقب في التاريخ الإنساني بهذا النشاط الحيوي المثير، المحوط في وعى الناس بكثير من الغموض والإبداع والتفرد، وقد كان المناخ السياسي العالمي الذي دأب على الانتقال من توتر إلى توتر سبباً من أسباب تضخم الظاهرة، وبالتالي تضخم الأجهزة التي تقوم بها، وازدياد نفوذها.
فخلال هذه العقود التسعة اشتعلت حربان ضاريتان اكتوى العالم كله تقريباً بنيرانهما ولم تتوقف الحروب الإقليمية، ومع تتابع ما يسمى «الحرب الباردة» بين المعسكرين الشرقي والغربي، وهي الحرب التي انتهت بسقوط ما كان يسمى «الاتحاد السوفييتي» ظهرت جاسوسية جديدة أو ازدادت أهميتها هي الجاسوسية الاقتصادية والتقنية، هي لا تقل شراسة ولا أهمية عن الجاسوسية العسكرية والسياسية.
والمؤلف ممدوح الشيخ مفكر إسلامي، ومحلل سياسي وشاعر ومسرحي أيضاً يشغل منصب المدير التنفيذي لمركز المستقبل للدراسات والأبحاث مصر، من كتبه: (أشهر الأحلام في التاريخ مكتبة ابن سينا) و(البابا شنودة والقدس: الحقيقي والمعلن) و(الإسلاميون والعلمانيون من الحوار إلى الحرب دار البيارق) و(المسلمون ومؤامرات الإبادة ) وله تحت الطبع عدة مؤلفات منها (العلمانية والدين: اقتراب جديد) و(القصة القصيرة المصرية: النشأة التطور التمرد).
ويري الشيخ أن الجاسوسية توأم الصراع لذا فإنها بتطور أشكاله تتطور. وقد ارتبط الاقتصاد بالحرب من قديم الزمان، وتعد حركة التوسع العسكري التي قام الغرب خلالها باقتسام العالم بين دوله أوضح علامات هذا الارتباط، إذ كانت المناطق المحتلة تقوم بدور مزدوج لخدمة الاقتصاد الأوروبي، إذ تخرج منها المواد الخام بأسعار رخيصة واليها تعود المنتجات المصنعة من الغرب بأسعار مرتفعة، فهي منجم وسوق في آن واحد.
ومع ازدياد أهمية التقنية على حساب المواد الخام أصبح التجسس يستهدف الحصول على أسرار الآخرين في هذا المجال، وأصبح الاختراق الأخطر هو ما يستهدف معامل البحث والتطوير العلمي والمصانع بعد أن تخلت قصور الحكم والمواقع العسكرية عن هذا الموقع المتقدم. ويؤرخ الشيخ للحقبة التي تبلورت فيها ظاهرة الجاسوسية، ويؤكد أنها ترجع إلى ما قبل التاريخ المكتوب حيث مارسها وأشرف عليها ملوك الفراعنة وكهنة المعابد والصياغ والتجار.
وقد شهد القرن السادس عشر أول عمليات التجسس الاقتصادي المنظم، وقد مارستها عائلة فاجرز التي كانت تعيش في أوجسبيرج وكانت تقرض الملوك والدول الفقيرة، وقد امتلكت هذه الأسرة جهاز مخابرات مكونا من مجموعة من العملاء زرعتهم في القصور الملكية وكانت تصل منهم المعلومات التي مكنت هذه العائلة من بناء إمبراطورية مالية واستثمارية ضخمة في أوروبا كلها.
ومع الثورة الصناعية ولدت الجاسوسية التقنية، ففي عام 1783 أقام رجل الأعمال الألماني جوهان جونفريد بروكلمن أول منشآت الثورة الصناعية في القارة الأوروبية، وكانت الثورة الصناعية قد بقيت وفقاً على بريطانيا إلى أن قام هذا الرجل بإنشاء مصنع لحلج القطن سرق فكرته من مصنع غزل في بريطانيا، وتعد هذه أول عمليات التجسس التقني المعروفة. وإذا أخذنا في الاعتبار عامل الزمن فإنها تعد بغير شك عملية مثيرة.
ويكشف المؤلف أن عمليات الجاسوسية الاقتصادية التي شهدتها الحرب العالمية الثانية درس قيم في هذا المجال، فقد بعث جاسوس ألماني عمل في اليابان لحساب الاتحاد السوفييتي يدعي ريتشارد سيرج رسالة قصيرة تضمنت معلومات عن بعض أوجه النشاط الاقتصادي غيرت مسار الحرب بل كان لها أثر حاسم في هزيمة ألمانيا.
تقول رسالة سيرج «إن مصانع الملابس تنتج ملابس صيفية خفيفة ومصانع الثلج في اليابان تعمل بكامل طاقتها وتتوسع في إنتاج الثلج» ومن هذه الكلمات تأكد السوفييت أن اليابان لن تهاجم حدودهم كما كان معتقداً من قبل، وأن العمليات العسكرية اليابانية سوف تتجه إلى جنوب آسيا حيث الجو شديد الحرارة والرطوبة، وبهذه المعلومة المستنتجة استطاع السوفييت أن يوحدوا جيشهم علي الجبهة الألمانية ليسجلوا انتصاراً حاسماً على الجيش النازي الذي كان يعتمد على انقسام الجيش السوفييتي على جبهتين: في الشرق لمواجهة اليابان وفي الغرب لمواجهته.
وحسب تقرير منتصف 1993 فإن أكثر دول العالم ممارسة للتجسس الاقتصادي في العالم هي:
أولا: الولايات المتحدة الأميركية التي نقلت اهتمامها بعد نهاية الحرب البارة إلى التجسس الاقتصادي.
ثانيا: فرنسا التي أصبحت في موقف حرج بعد أن اتهمتها الولايات المتحدة بممارسة عمليات تجسس صناعي واسعة ضدها.
ثالثا: الصين وقد تركزت اهتمامات مخابراتها على جمهوريات الاتحاد السوفييتي مع تكريس جزء كبير من جهودها لممارسة التجسس الصناعي والاقتصادي في الولايات المتحدة، وهي في الوقت نفسه هدف جذاب لعمليات التجسس الصناعي والاقتصادي بسبب معدلات النمو الاقتصادي المرتفعة التي تحققها.
رابعا: اليابان ويقدر الخبراء أنها توجه 80% من إمكانات جهاز مخابراتها نحو التجسس الصناعي لكونها هدفاً لعمليات تجسس صناعي واقتصادي على مستوى الحكومات والشركات على السواء.
خامسا: إسرائيل فحسب تقرير أصدره الكونغرس الأميركي نشرته الواشنطن تايمز في فبراير 1996 فإنها تمارس عمليات تجسس اقتصادي وتقني ضخمة على الولايات المتحدة الأميركية. وبعد الحرب الباردة دخلت ظاهرة التجسس الاقتصادي والتقني مرحلة جديدة بعد الحرب الباردة ففي الولايات المتحدة انتقلت المخابرات الأميركية لمرحلة جديدة في أنشطتها عندما انهمك عملاؤها في جمع المعلومات المتعلقة بأوضاع الحكومة الأجنبية التي تدخل في مفاوضات تجارية معها.
كما أصبحت تجمع بانتظام المعلومات الخاصة باحتمالات حدوث انطلاقة علمية أو فتوحات واكتشافات جوهرية في معامل الدول الأجنبية، وكذلك القرارات التي تمس مصالح الولايات المتحدة. وفى محاضرة له قال جيمس ويلسي إن المخابرات الأميركية تراقب عن كثب الأوضاع الاقتصادية للدول الكبرى كإنتاجها الزراعي والنفطي على سبيل المثال.
ونظراً لكون التجسس الاقتصادي يستهدف في المقام الأول شركات في تجارية فإن المؤلف يرى أن خدمات التجسس والتجسس المضاد أصبحت سلعة رائجة، وكما كانت الولايات المتحدة أول مكان تتبلور فيه الظاهرة كانت أول مكان تظهر فيه وكالات تجسس خاصة تقدم خدماتها للشركات تحت اسم «الاستخبارات التنافسية» ويقصد بها «جمع المعلومات الصناعية وتحليلها وتوزيعها».
وتضم العاملين في هذا المجال جمعية محترفي التجسس الصناعي التي تأسست عام 1986، ويبلغ عدد أعضائها نحو 2800 رجل (80% منهم أميركيون) موزعون في 31 بلداً. ومن ناحية أخرى نشأت علاقات بين الشركات التجارية وأجهزة المخابرات بل امتد الأمر إلى قبول بعض الشركات أن تكون واجهة لنشاط جهاز مخابرات بل تعدت ذلك إلى تبادل المعلومات. وفى إطار التغيرات أيضاً يأتي الاهتمام بمؤسسات اقتصادية لم تكن قبلاً موضع اهتمام أساسي من أجهزة التجسس.
ويكشف المؤلف أن نطاق عمل المخابرات امتد إلى مقاومة سرقة الصفقات، وتعد الأزمة التي حدثت بين الولايات المتحدة وفرنسا عام 1995 مثالاً جيداً لهذا التطور، ففي منافسة على صفقة طائرات نجحت فرنسا في عقد اتفاق مع إحدى الدول عام 1994 على صفقة لتجديد أسطول طائراتها المدنية بشراء طائرات إيرباص بقيمة 6 مليارات دولار وقد قام الأميركيون بكشف ما شاب الصفقة من عمليات رشوة ودفعوا الدولة المشتري إلى إلغائها وفازت بها شركة بوينغ الأميركية.
وقد أدى إفشال الصفقة الذي حدث بتدخل مباشر من الرئيس كلينتون إلى طرح قضية الرشاوى ودورها في التجارة الدولية، وفي 1997 أعلن رئيس المخابرات المركزية الأميركية أن الوكالة تقوم بمراقبة الدول التي تدفع رشاوى للفوز بعقود في الخارج لمصلحة مؤسساتها والتشهير بها. وهاجم حلفاء الولايات المتحدة الذين يدفعون الرشاوى على نطاق واسع وأكد أن جهود الوكالة للتصدي لهذه الممارسات تدر سنوياً مليارات الدولارات على الشركات الأميركية.
أما طريقة التدخل فهي بسيطة وتتمثل في إبلاغ الخارجية عندما يتوفر دليل على وجود مناورة لاستبعاد شركة أميركية وبدورها ترسل الخارجية سفيراً إلى العميل ليوضح له حقيقة الأمر. ويؤكد الشيخ أن الجاسوسية الاقتصادية تتجاوز إطار الموجودات المادية من مصانع وشركات ومنشآت وإنتاج واستهلاك.. الخ إلى إطار القيم والمبادئ والمثل والعقائد التي تحكم سلوك الأفراد والجماعات في المجتمع، وهو بعد مهم يربط الجاسوسية الاقتصادية بالمجتمع الذي تعمل فيه والمجتمع الذي تعمل لحسابه.
فإحساس المواطن بالعلاقة بينه وبين المجتمع الذي يعيش فيه علاقة عادلة وأن السياسيات التي تتبعها دولته تعبر عن قناعات الأمة وتدافع عن مصالحها يجعل إقناعه بالعمل ضد مصلحة بلاده مستحيلاً، فضلاً عن أن اتصاف سياسة بلاده بالقدر الأكبر من التزام الحق والعدل مع الدول الأخرى يجعله شاعراً بالانتماء إلى المجتمع متناغماً مع سياساته.
وقد كان الانتماء السياسي والشعور بأن السياسات الخارجية للبلاد لا تقوم على العدل دافع بعض عمليات التجسس الشهيرة التي شهدها الغرب، وتشمل عمليات التجسس الاقتصادي والتقني ثلاثة أنشطة رئيسة تتم منفردة أو مجتمعة حسبما تملي الحاجة وهذه الأنشطة هي: جمع المعلومات ـ تخريب النظم ـ تحليل المعلومات.
*الكتاب: التجسس التكنولوجي سرقة الأسرار الاقتصادية والتقنية
*الناشر:مكتبة بيروت - سلطنة عمان 2008
*الصفحات:220 صفحة من القطع الكبير
والجاسوسية ظاهرة قديمة قدم التاريخ الإنساني، عرفها الإنسان في صراعاته المتعددة (دينية ـ قومية ـ اقتصادية) وتطورت الجاسوسية في كل مجتمع بشرى بقدر يناسب ما لديه من وسائل لجمع المعلومات ونقلها وتحليلها، وتكاد الحقب المنصرمة من القرن العشرين تكون أحفل الحقب في التاريخ الإنساني بهذا النشاط الحيوي المثير، المحوط في وعى الناس بكثير من الغموض والإبداع والتفرد، وقد كان المناخ السياسي العالمي الذي دأب على الانتقال من توتر إلى توتر سبباً من أسباب تضخم الظاهرة، وبالتالي تضخم الأجهزة التي تقوم بها، وازدياد نفوذها.
فخلال هذه العقود التسعة اشتعلت حربان ضاريتان اكتوى العالم كله تقريباً بنيرانهما ولم تتوقف الحروب الإقليمية، ومع تتابع ما يسمى «الحرب الباردة» بين المعسكرين الشرقي والغربي، وهي الحرب التي انتهت بسقوط ما كان يسمى «الاتحاد السوفييتي» ظهرت جاسوسية جديدة أو ازدادت أهميتها هي الجاسوسية الاقتصادية والتقنية، هي لا تقل شراسة ولا أهمية عن الجاسوسية العسكرية والسياسية.
والمؤلف ممدوح الشيخ مفكر إسلامي، ومحلل سياسي وشاعر ومسرحي أيضاً يشغل منصب المدير التنفيذي لمركز المستقبل للدراسات والأبحاث مصر، من كتبه: (أشهر الأحلام في التاريخ مكتبة ابن سينا) و(البابا شنودة والقدس: الحقيقي والمعلن) و(الإسلاميون والعلمانيون من الحوار إلى الحرب دار البيارق) و(المسلمون ومؤامرات الإبادة ) وله تحت الطبع عدة مؤلفات منها (العلمانية والدين: اقتراب جديد) و(القصة القصيرة المصرية: النشأة التطور التمرد).
ويري الشيخ أن الجاسوسية توأم الصراع لذا فإنها بتطور أشكاله تتطور. وقد ارتبط الاقتصاد بالحرب من قديم الزمان، وتعد حركة التوسع العسكري التي قام الغرب خلالها باقتسام العالم بين دوله أوضح علامات هذا الارتباط، إذ كانت المناطق المحتلة تقوم بدور مزدوج لخدمة الاقتصاد الأوروبي، إذ تخرج منها المواد الخام بأسعار رخيصة واليها تعود المنتجات المصنعة من الغرب بأسعار مرتفعة، فهي منجم وسوق في آن واحد.
ومع ازدياد أهمية التقنية على حساب المواد الخام أصبح التجسس يستهدف الحصول على أسرار الآخرين في هذا المجال، وأصبح الاختراق الأخطر هو ما يستهدف معامل البحث والتطوير العلمي والمصانع بعد أن تخلت قصور الحكم والمواقع العسكرية عن هذا الموقع المتقدم. ويؤرخ الشيخ للحقبة التي تبلورت فيها ظاهرة الجاسوسية، ويؤكد أنها ترجع إلى ما قبل التاريخ المكتوب حيث مارسها وأشرف عليها ملوك الفراعنة وكهنة المعابد والصياغ والتجار.
وقد شهد القرن السادس عشر أول عمليات التجسس الاقتصادي المنظم، وقد مارستها عائلة فاجرز التي كانت تعيش في أوجسبيرج وكانت تقرض الملوك والدول الفقيرة، وقد امتلكت هذه الأسرة جهاز مخابرات مكونا من مجموعة من العملاء زرعتهم في القصور الملكية وكانت تصل منهم المعلومات التي مكنت هذه العائلة من بناء إمبراطورية مالية واستثمارية ضخمة في أوروبا كلها.
ومع الثورة الصناعية ولدت الجاسوسية التقنية، ففي عام 1783 أقام رجل الأعمال الألماني جوهان جونفريد بروكلمن أول منشآت الثورة الصناعية في القارة الأوروبية، وكانت الثورة الصناعية قد بقيت وفقاً على بريطانيا إلى أن قام هذا الرجل بإنشاء مصنع لحلج القطن سرق فكرته من مصنع غزل في بريطانيا، وتعد هذه أول عمليات التجسس التقني المعروفة. وإذا أخذنا في الاعتبار عامل الزمن فإنها تعد بغير شك عملية مثيرة.
ويكشف المؤلف أن عمليات الجاسوسية الاقتصادية التي شهدتها الحرب العالمية الثانية درس قيم في هذا المجال، فقد بعث جاسوس ألماني عمل في اليابان لحساب الاتحاد السوفييتي يدعي ريتشارد سيرج رسالة قصيرة تضمنت معلومات عن بعض أوجه النشاط الاقتصادي غيرت مسار الحرب بل كان لها أثر حاسم في هزيمة ألمانيا.
تقول رسالة سيرج «إن مصانع الملابس تنتج ملابس صيفية خفيفة ومصانع الثلج في اليابان تعمل بكامل طاقتها وتتوسع في إنتاج الثلج» ومن هذه الكلمات تأكد السوفييت أن اليابان لن تهاجم حدودهم كما كان معتقداً من قبل، وأن العمليات العسكرية اليابانية سوف تتجه إلى جنوب آسيا حيث الجو شديد الحرارة والرطوبة، وبهذه المعلومة المستنتجة استطاع السوفييت أن يوحدوا جيشهم علي الجبهة الألمانية ليسجلوا انتصاراً حاسماً على الجيش النازي الذي كان يعتمد على انقسام الجيش السوفييتي على جبهتين: في الشرق لمواجهة اليابان وفي الغرب لمواجهته.
وحسب تقرير منتصف 1993 فإن أكثر دول العالم ممارسة للتجسس الاقتصادي في العالم هي:
أولا: الولايات المتحدة الأميركية التي نقلت اهتمامها بعد نهاية الحرب البارة إلى التجسس الاقتصادي.
ثانيا: فرنسا التي أصبحت في موقف حرج بعد أن اتهمتها الولايات المتحدة بممارسة عمليات تجسس صناعي واسعة ضدها.
ثالثا: الصين وقد تركزت اهتمامات مخابراتها على جمهوريات الاتحاد السوفييتي مع تكريس جزء كبير من جهودها لممارسة التجسس الصناعي والاقتصادي في الولايات المتحدة، وهي في الوقت نفسه هدف جذاب لعمليات التجسس الصناعي والاقتصادي بسبب معدلات النمو الاقتصادي المرتفعة التي تحققها.
رابعا: اليابان ويقدر الخبراء أنها توجه 80% من إمكانات جهاز مخابراتها نحو التجسس الصناعي لكونها هدفاً لعمليات تجسس صناعي واقتصادي على مستوى الحكومات والشركات على السواء.
خامسا: إسرائيل فحسب تقرير أصدره الكونغرس الأميركي نشرته الواشنطن تايمز في فبراير 1996 فإنها تمارس عمليات تجسس اقتصادي وتقني ضخمة على الولايات المتحدة الأميركية. وبعد الحرب الباردة دخلت ظاهرة التجسس الاقتصادي والتقني مرحلة جديدة بعد الحرب الباردة ففي الولايات المتحدة انتقلت المخابرات الأميركية لمرحلة جديدة في أنشطتها عندما انهمك عملاؤها في جمع المعلومات المتعلقة بأوضاع الحكومة الأجنبية التي تدخل في مفاوضات تجارية معها.
كما أصبحت تجمع بانتظام المعلومات الخاصة باحتمالات حدوث انطلاقة علمية أو فتوحات واكتشافات جوهرية في معامل الدول الأجنبية، وكذلك القرارات التي تمس مصالح الولايات المتحدة. وفى محاضرة له قال جيمس ويلسي إن المخابرات الأميركية تراقب عن كثب الأوضاع الاقتصادية للدول الكبرى كإنتاجها الزراعي والنفطي على سبيل المثال.
ونظراً لكون التجسس الاقتصادي يستهدف في المقام الأول شركات في تجارية فإن المؤلف يرى أن خدمات التجسس والتجسس المضاد أصبحت سلعة رائجة، وكما كانت الولايات المتحدة أول مكان تتبلور فيه الظاهرة كانت أول مكان تظهر فيه وكالات تجسس خاصة تقدم خدماتها للشركات تحت اسم «الاستخبارات التنافسية» ويقصد بها «جمع المعلومات الصناعية وتحليلها وتوزيعها».
وتضم العاملين في هذا المجال جمعية محترفي التجسس الصناعي التي تأسست عام 1986، ويبلغ عدد أعضائها نحو 2800 رجل (80% منهم أميركيون) موزعون في 31 بلداً. ومن ناحية أخرى نشأت علاقات بين الشركات التجارية وأجهزة المخابرات بل امتد الأمر إلى قبول بعض الشركات أن تكون واجهة لنشاط جهاز مخابرات بل تعدت ذلك إلى تبادل المعلومات. وفى إطار التغيرات أيضاً يأتي الاهتمام بمؤسسات اقتصادية لم تكن قبلاً موضع اهتمام أساسي من أجهزة التجسس.
ويكشف المؤلف أن نطاق عمل المخابرات امتد إلى مقاومة سرقة الصفقات، وتعد الأزمة التي حدثت بين الولايات المتحدة وفرنسا عام 1995 مثالاً جيداً لهذا التطور، ففي منافسة على صفقة طائرات نجحت فرنسا في عقد اتفاق مع إحدى الدول عام 1994 على صفقة لتجديد أسطول طائراتها المدنية بشراء طائرات إيرباص بقيمة 6 مليارات دولار وقد قام الأميركيون بكشف ما شاب الصفقة من عمليات رشوة ودفعوا الدولة المشتري إلى إلغائها وفازت بها شركة بوينغ الأميركية.
وقد أدى إفشال الصفقة الذي حدث بتدخل مباشر من الرئيس كلينتون إلى طرح قضية الرشاوى ودورها في التجارة الدولية، وفي 1997 أعلن رئيس المخابرات المركزية الأميركية أن الوكالة تقوم بمراقبة الدول التي تدفع رشاوى للفوز بعقود في الخارج لمصلحة مؤسساتها والتشهير بها. وهاجم حلفاء الولايات المتحدة الذين يدفعون الرشاوى على نطاق واسع وأكد أن جهود الوكالة للتصدي لهذه الممارسات تدر سنوياً مليارات الدولارات على الشركات الأميركية.
أما طريقة التدخل فهي بسيطة وتتمثل في إبلاغ الخارجية عندما يتوفر دليل على وجود مناورة لاستبعاد شركة أميركية وبدورها ترسل الخارجية سفيراً إلى العميل ليوضح له حقيقة الأمر. ويؤكد الشيخ أن الجاسوسية الاقتصادية تتجاوز إطار الموجودات المادية من مصانع وشركات ومنشآت وإنتاج واستهلاك.. الخ إلى إطار القيم والمبادئ والمثل والعقائد التي تحكم سلوك الأفراد والجماعات في المجتمع، وهو بعد مهم يربط الجاسوسية الاقتصادية بالمجتمع الذي تعمل فيه والمجتمع الذي تعمل لحسابه.
فإحساس المواطن بالعلاقة بينه وبين المجتمع الذي يعيش فيه علاقة عادلة وأن السياسيات التي تتبعها دولته تعبر عن قناعات الأمة وتدافع عن مصالحها يجعل إقناعه بالعمل ضد مصلحة بلاده مستحيلاً، فضلاً عن أن اتصاف سياسة بلاده بالقدر الأكبر من التزام الحق والعدل مع الدول الأخرى يجعله شاعراً بالانتماء إلى المجتمع متناغماً مع سياساته.
وقد كان الانتماء السياسي والشعور بأن السياسات الخارجية للبلاد لا تقوم على العدل دافع بعض عمليات التجسس الشهيرة التي شهدها الغرب، وتشمل عمليات التجسس الاقتصادي والتقني ثلاثة أنشطة رئيسة تتم منفردة أو مجتمعة حسبما تملي الحاجة وهذه الأنشطة هي: جمع المعلومات ـ تخريب النظم ـ تحليل المعلومات.
*الكتاب: التجسس التكنولوجي سرقة الأسرار الاقتصادية والتقنية
*الناشر:مكتبة بيروت - سلطنة عمان 2008
*الصفحات:220 صفحة من القطع الكبير