العداء لأهل السنة
د. لطف الله بن ملا عبد العظيم خوجه
@khojah10
بسم الله الرحمن الرحيم
في العقود الأخيرة بلغ التبرم والضجر بالصهاينة من الإسلام السني مبلغه، كلا، بل من السلفية المتبعين للصحابة ومن تبعهم، وبصورة أوضح من هذه الدولة المباركة خادمة الحرمين الشريفين حاملة لواء السلفية أهل السنة والجماعة القائمة بها منذ قيامها عليها؛ فالخطط جارية على قدم وساق للحصر والتضييق وإحداث تغييرات سياسية جوهرية؛ لظن الدوائر الصهيونية: أن في ذلك قضاء على ما يعتقدون أنه نوع من الإسلام يهدد وجودهم!
منذ القرن الأول الهجري ولليهود عمل دؤوب لمحاصرة هذا الإسلام والقضاء عليه إن أمكن، أو تغيير صورته التي نزل بها من عند الله تعالى بالتأويل والتحريف، كما فعلوا بالنصرانية حين سلطوا عليها رجلا منهم يدعى شاؤول تسمى بعد ببولس الرسول، فحرف في المسيحية كما شاء، فأخرجها من التوحيد إلى الوثنية والشرك والتثليث، ولتحريف الإسلام والانتقام من المسلمين جندوا رجلا لقب بـ"ابن السوداء" واسمه عبد الله بن سبأ من يهود اليمن، فقام بالدور الموكل به على أتم وجه، فأحدث في الأمة أمرين لم يعرف من قبل:
الأول: استولد فكرة المعارضة للدولة والخليفة بعمل منظم جماعي، فكان يطوف في الأمصار من مكة إلى الكوفة والبصرة، ثم الشام ومصر يشكك في نزاهة الخليفة الراشد عثمان رضي الله عنه وأهليته للقيام بأعباء الدولة، حتى جمع أوباشا من هذه البلدان المختلفة، كانوا عماد الثورة التي خرجت على الخليفة، فأتوا إلى المدينة من كل حدب وصوب، لهم مطالب ورغائب سرعان ما تحولت إلى ثأر وانتقام من الخليفة، حتى قتل على أيديهم مظلوما، فكان هذا أول نشوء الخوارج حتى استتموا في عهد علي رضي الله عنه، الذي لم يسلم هو أيضا من جرمهم.
الثاني: دعا إلى ولاية علي بن أبي طالب رضي الله عنه، واختلق عقيدة الوصية، فقال: لكل نبي وصي، وعلي هو الوصي للنبي صلى الله عليه وسلم، فهو الأحق بالخلافة ممن سبقه، وبث في الناس كفرا وزندقة، فزعم أن الإله حل في علي، فصدقه الجهلة ونادوا: أنت الإله. فأنشأ فرقة الشيعة، وقد كانوا حينها خليطا من: الزنادقة، والمحبين لعلي وآل البيت.
واليوم تفيد الصهيونية من هذه التجربة اليهودية القديمة لتكررها من جديد، فالغرب يساند النظام الإيراني الشيعي، فيعطيه الضوء الأخضر بحماية أممية دولية من المسائلة والمحاسبة، ليرتع في المنطقة فيستحوذ على العراق ثم لبنان، وجهده جار بكل إصرار للسيطرة على سوريا واليمن، حتى إذا تم له ذلك، توجه صوب المقصد والهدف الأكبر بلاد الحرمين الشريفين ومكة والمدينة، كل هذا بتواطأ ظاهر وإعانة ظاهرة من الغرب وبخاصة الولايات المتحدة.
ولكي تتم المؤامرة وتستكمل خيوطها، تعمل الاستخبارات الغربية على توليد مشكلة أخرى في منطقتنا خاصة هي داعش، التي تذكرنا بالخوارج القدماء، ودورهم في إسقاط الخلافة وتعطيل الفتوحات، فهكذا تفعل هذه الشرذمة اليوم، تضر المسلمين ولا ينتفع من أفعالها إلا الصهاينة والمجوس الروافض، فحينما نراها وقد تمددت في الأرض حتى صار لها سلطان ودولة وقوة مالية، تحت سمع وبصر هذه القوة العالمية بطائراتها وأقمارها الصناعية، نعلم يقينا أنها ناتجة عن إرادة صهيونية – تعاونها دولة مجوسية - للإضرار بصورة الإسلام، وإسقاط الدول معها، فلو كان الغرب قلقا منها حقا، لم يعجزه القضاء عليها في أسبوع أو شهر على الأكثر، في منطقة مكشوفة بالكامل، أوليست هذه القوة هي التي احتلت العراق في ظرف شهر واحد، فكيف تعجز عن دولة لا مقومات لها للبقاء ولا الصمود؟!
لكن الرؤية واضحة كالشمس لمن له عين، فالغرب يساند إيران وأذرعتها الشيعية للتمدد، ويخلق ويمهد لظهور فرق متطرفة جهادية، ليكون مبررا لكل ما يحدث من عمليات: قتل، وتهجير، وتدمير سواء عن طريقه أو عن طريق الذراع الشيعي. فالقتيل والمهجر والمدمر هم أهل السنة وحدهم، فهم المقصودون دون غيرهم بكل هذه المخططات.
وقد تعلمت قوى الشر عبر التاريخ من يهودية ومجوسية وصهيونية: أن القوة والقتل والتهجير وتغيير خريطة المنطقة بإسقاط دول وإنشاء دول، وحصار وغير ذلك: ليست بكافية لحصول الأهداف المرسومة، وهو القضاء الأبدي على نور الإسلام وبرهان السنة، فهذه الأمة تحتضن في أرحامها جينات العزة والمنعة والقوة والعلو، فلا بد من يوم يأتي يستعيد فيه المسلمون أهل السنة أرضهم وحريتهم ودينهم، ويردوا الكافر الزنديق حتى يولي دبره خائبا خاسرا كيده في نحره، كما حصل في حطين وعين جالوت وغيرها، إذن بد من خطوة أخرى لإتمام المهمة وإحكام السيطرة على هذه الأمة، ولن يكون إلا بإحداث تغيير ثقافي ديني عقدي داخلي في المجتمعات، ينتزع به جذور العزة والعلو والمنعة من نفوس المسلمين، حتى تؤسر نفوسهم وعقولهم لثقافات الغرب، فبدأت آلات التغريب والعولمة من كل صوب، فنجحت عبر عقود في التغيير في كثير المسلمين، لكن بقيت بقية لم تتلطخ ولم تصنع على أعينهم، كان لها دور في العود بكثير من المسلمين إلى رحاب الطهر والإيمان من جديد، بل ونجحوا في إسلام أمم وجماعات وقبائل من النصارى، فلم يجد المتآمرون بدا من العمل على إنتاج إسلام جديد.
وهكذا فتشوا في التاريخ، فوجدوا تجربة المجوس في إدخال التصوف في البلاد الإسلامية ناجحة رائدة لإخماد نار المقاومة في النفوس؛ بما تضمنه التصوف من أفكار قاتلة لمعاني الإسلام وروحه كالتسليم المطلق للقدر، والتسوية بين الإسلام والأديان، فإذا كانت فكرة التشيع والخوارج جارية للسيطرة على السياسة والدول، فإن التصوف له مهمة أخرى هي السيطرة على المجتمعات، وهكذا تكتمل أدوات السيطرة: السياسية، والاجتماعية. {يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون * هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون}.
تلك هي رؤية الغرب لضمان عدم قيام المارد الإسلامي الكبير مرة أخرى، وله صار يلهث وراء الفرق الصوفية اليوم، يدفع بسفرائه ووزرائه لشهود الموالد والاحتفالات والمشاركة في الكلمات، ويلتقي بكبار شيوخها من أجل التنسيق معها لبسط النفوذ الصوفي على العالم الإسلامي، وإزاحة العقيدة السلفية من منصة التأثير كليا، وقد بدأت هذه الخطوة منذ زمن، واليوم انطلق العمل فعليا لتنفيذ المهمة، فكان أول مؤتمر علني شاطح يجتمع فيه المؤتمرون في الشيشان قبل بضعة أيام؛ ليقرروا في نتائجه تعريف السنة بأنهم: الأشعرية، والماتريدية، والمتصوفة. وغرضهم إقصاء السلفية من دائرة أهل السنة، وإخراجهم منها بذريعة كاذبة وفرية ظاهرة: أنهم أهل تكفير وقتل. ومن نظر في مسالك علماء السلفية وجدهم أبعد الناس من هذه التهمة. وصدق القائل: رمتني بدائها وانسلت.. وفي وهمهم المؤتمرين أن هذا هو ما يبوؤهم قيادة المسلمين إلى التصوف والأشعرية، وإذا ساد التصوف سادت قيمه ومعتقداته القائلة للعزة كالتسليم المطلق لكل حوادث القدر، بما يلزم عنه عدم مقاومة المحتل لبلاد المسلمين، زعما أن هذه إرادة الله، ونزع فكرة العلو بالإسلام والسنة على سائر الملل والنحل، باعتبار أن الأديان متساوية لا فرق بينها، وبه ينتهي عهد الإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الإسلام، ثم في سيادة الأشعرية سيادة لعقيدة الإرجاء بما يعني كثرة الفسوق والعصيان في الأمة.
والغرب يفهم هذا جيدا عن التصوف، ولأجله هو متحمس لنشره والقيام به أكثر من المتصوفة أنفسهم، لينام قرير العين، ضامنا ألا تقوم قوة تقارعه لإعادة الحقوق إلى الشعوب، وتكفه عن الجرم والعدوان، وهي قادرة على النكاية به وردعه، وقد جربها قرونا طوالا، فوجد لها بأسا أشد من الجبال، فلا بد إذن من تفتيت هذه الجبال، حتى تعود جبالا لكن من رمل، يسف منه الريح، وينقص، ويغير كلما شاء.
ذلك المؤتمر المعادي لأهل السنة، المدعي أنه المقرر والمتكلم باسمهم، لن يعدو إلا نقطة سوداء في تاريخ أصحابها لا أكثر من ذلك، فالسنة والسلفية الممثلة للسنة حقا ستبقى شامخة بوعد الله تعالى بحفظ دينه وكتابه: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}. وكيف لا تكون السلفية ممثلة للسنة، وهي التي حملت لواءها منذ القرن الأول، لما ظهرت فرق: الخوارج، والشيعة، والقدرية، والمرجئة، والجهمية، والمعتزلة. فكانت هي المتصدي لهذه البدع، القائم ببيان السنة من البدعة، فكان أئمتها هم أهل الحديث زمن حفاظ الحديث كالإمام أحمد ومالك وابن المبارك، ثم لما ظهرت الأشعرية ببدعها كان أئمة السنة هم الحنابلة، واليوم فإن أئمة السنة هم العلماء السلفيون، الذين يتبعون ويقلدون السلف الصالح من الصحابة وأهل القرون الثلاثة المفضلة وأهل الحديث، أما الأشعرية فلا يصح القول بأنهم سنة، فضلا أن يكونوا أئمتها، وهم يخالفون الصحابة ومن تبعهم إلى أئمة الحديث في العقائد، فمنها: الصفات فيثبتون سبع صفات ويتأولون الباقي، والسلف لا يعرف عنهم إلا الإثبات بما يليق به، وفي الإيمان يقولون: هو التصديق. والسلف يقولون: هو قول وعمل، وفي القدر يقولون: الإنسان مجبور. والسلف يقولون: كلا، بل له مشيئة تحت مشيئة الله، وفي الحديث يردون خبر الواحد في العقيدة، وليس في السلف من يقول بهذا، ثم يقولون: إذا تعارض العقل والنقل، قدمنا العقل. فأين في الصحابة من قال بهذا، أو التابعين، أو من تبعهم، أو أهل الحديث؟
كلا، لا يوجد من وافقهم على هذا، أو قال بمثل قولهم ممن سبقهم زمنا، من حفاظ الحديث إلى الصدر الأول، فلم يكن الأشعرية يوما يمثلون أهل السنة إلا في حالات مستثناة؛ في مقابل الشيعة هم سنة، وفي البلاد التي لا يوجد فيها من يتبع السلف الصالح هم السنة.
إن العقيدة الأشعرية بكل ما فيها من المخالفات لأهل السنة، لم تظهر إلا بعد وفاة أبي الحسن الأشعري في 324هـ أي في نهاية القرن الرابع، وقبل ذلك لم يكن ثمة عقيدة أشعرية، ولم يكن في أئمة الحديث من هو على مثل هذه العقيدة، فكيف تنسب الأمة إلى هذه العقيدة، وقد خليت منها تماما في القرون الأربعة الأولى، ولم يكن يعتقد شيئا منها إلا من هو جهمي أو معتزلي أو مرجئ. ومن هؤلاء المبتدعة استمدت الأشعرية عقائدهم؟!
إن أهل السنة هم: كل من لم يتلطخ ببدعة أصلية في العقيدة فيكون رأسا فيها، منظرا داعيا لها متعصبا. ومنه نعلم: أن عموم المسلمين الذي شهدوا الشهادتين هم أهل سنة، نستثني من هذا العموم: الشيعة. إذ لا يقبلون هم على أنفسهم هذا اللقب، فلهم ما تولوا.
أما الأشعري المتعصب والمعتزلي، كذا الصوفي الغالي أهل وحدة الوجود، والخوارج أيضا، كل هؤلاء ليسوا سنة، فإن عددتهم لم تر فيهم عددا، بل هم قلة قليلة، فهم نخب وخاصة، وليس من العامة من هو على عقيدتهم، ولذلك فرق الجويني وقال مخاطبا طائفته الأشعرية: "عليكم بدين العجائز". وهؤلاء عامة، بل العامة على دين الصحابة والتابعين وتابعيهم وأئمة الحديث حتى القرن الثالث، فثبت بهذا أن سواد المسلمين هم سنة وهم سلفيين على مذهب السلف.
ومن كان في شك، فليعرض عقيدة الأشعرية في الصفات، والإيمان، والقدر، وخبر الواحد، والموقف من العقل والنقل، فلينظر هل هم يفقهون أن يؤمنون بشيء من ذلك؟
د. لطف الله بن ملا عبد العظيم خوجه
@khojah10
بسم الله الرحمن الرحيم
في العقود الأخيرة بلغ التبرم والضجر بالصهاينة من الإسلام السني مبلغه، كلا، بل من السلفية المتبعين للصحابة ومن تبعهم، وبصورة أوضح من هذه الدولة المباركة خادمة الحرمين الشريفين حاملة لواء السلفية أهل السنة والجماعة القائمة بها منذ قيامها عليها؛ فالخطط جارية على قدم وساق للحصر والتضييق وإحداث تغييرات سياسية جوهرية؛ لظن الدوائر الصهيونية: أن في ذلك قضاء على ما يعتقدون أنه نوع من الإسلام يهدد وجودهم!
منذ القرن الأول الهجري ولليهود عمل دؤوب لمحاصرة هذا الإسلام والقضاء عليه إن أمكن، أو تغيير صورته التي نزل بها من عند الله تعالى بالتأويل والتحريف، كما فعلوا بالنصرانية حين سلطوا عليها رجلا منهم يدعى شاؤول تسمى بعد ببولس الرسول، فحرف في المسيحية كما شاء، فأخرجها من التوحيد إلى الوثنية والشرك والتثليث، ولتحريف الإسلام والانتقام من المسلمين جندوا رجلا لقب بـ"ابن السوداء" واسمه عبد الله بن سبأ من يهود اليمن، فقام بالدور الموكل به على أتم وجه، فأحدث في الأمة أمرين لم يعرف من قبل:
الأول: استولد فكرة المعارضة للدولة والخليفة بعمل منظم جماعي، فكان يطوف في الأمصار من مكة إلى الكوفة والبصرة، ثم الشام ومصر يشكك في نزاهة الخليفة الراشد عثمان رضي الله عنه وأهليته للقيام بأعباء الدولة، حتى جمع أوباشا من هذه البلدان المختلفة، كانوا عماد الثورة التي خرجت على الخليفة، فأتوا إلى المدينة من كل حدب وصوب، لهم مطالب ورغائب سرعان ما تحولت إلى ثأر وانتقام من الخليفة، حتى قتل على أيديهم مظلوما، فكان هذا أول نشوء الخوارج حتى استتموا في عهد علي رضي الله عنه، الذي لم يسلم هو أيضا من جرمهم.
الثاني: دعا إلى ولاية علي بن أبي طالب رضي الله عنه، واختلق عقيدة الوصية، فقال: لكل نبي وصي، وعلي هو الوصي للنبي صلى الله عليه وسلم، فهو الأحق بالخلافة ممن سبقه، وبث في الناس كفرا وزندقة، فزعم أن الإله حل في علي، فصدقه الجهلة ونادوا: أنت الإله. فأنشأ فرقة الشيعة، وقد كانوا حينها خليطا من: الزنادقة، والمحبين لعلي وآل البيت.
واليوم تفيد الصهيونية من هذه التجربة اليهودية القديمة لتكررها من جديد، فالغرب يساند النظام الإيراني الشيعي، فيعطيه الضوء الأخضر بحماية أممية دولية من المسائلة والمحاسبة، ليرتع في المنطقة فيستحوذ على العراق ثم لبنان، وجهده جار بكل إصرار للسيطرة على سوريا واليمن، حتى إذا تم له ذلك، توجه صوب المقصد والهدف الأكبر بلاد الحرمين الشريفين ومكة والمدينة، كل هذا بتواطأ ظاهر وإعانة ظاهرة من الغرب وبخاصة الولايات المتحدة.
ولكي تتم المؤامرة وتستكمل خيوطها، تعمل الاستخبارات الغربية على توليد مشكلة أخرى في منطقتنا خاصة هي داعش، التي تذكرنا بالخوارج القدماء، ودورهم في إسقاط الخلافة وتعطيل الفتوحات، فهكذا تفعل هذه الشرذمة اليوم، تضر المسلمين ولا ينتفع من أفعالها إلا الصهاينة والمجوس الروافض، فحينما نراها وقد تمددت في الأرض حتى صار لها سلطان ودولة وقوة مالية، تحت سمع وبصر هذه القوة العالمية بطائراتها وأقمارها الصناعية، نعلم يقينا أنها ناتجة عن إرادة صهيونية – تعاونها دولة مجوسية - للإضرار بصورة الإسلام، وإسقاط الدول معها، فلو كان الغرب قلقا منها حقا، لم يعجزه القضاء عليها في أسبوع أو شهر على الأكثر، في منطقة مكشوفة بالكامل، أوليست هذه القوة هي التي احتلت العراق في ظرف شهر واحد، فكيف تعجز عن دولة لا مقومات لها للبقاء ولا الصمود؟!
لكن الرؤية واضحة كالشمس لمن له عين، فالغرب يساند إيران وأذرعتها الشيعية للتمدد، ويخلق ويمهد لظهور فرق متطرفة جهادية، ليكون مبررا لكل ما يحدث من عمليات: قتل، وتهجير، وتدمير سواء عن طريقه أو عن طريق الذراع الشيعي. فالقتيل والمهجر والمدمر هم أهل السنة وحدهم، فهم المقصودون دون غيرهم بكل هذه المخططات.
وقد تعلمت قوى الشر عبر التاريخ من يهودية ومجوسية وصهيونية: أن القوة والقتل والتهجير وتغيير خريطة المنطقة بإسقاط دول وإنشاء دول، وحصار وغير ذلك: ليست بكافية لحصول الأهداف المرسومة، وهو القضاء الأبدي على نور الإسلام وبرهان السنة، فهذه الأمة تحتضن في أرحامها جينات العزة والمنعة والقوة والعلو، فلا بد من يوم يأتي يستعيد فيه المسلمون أهل السنة أرضهم وحريتهم ودينهم، ويردوا الكافر الزنديق حتى يولي دبره خائبا خاسرا كيده في نحره، كما حصل في حطين وعين جالوت وغيرها، إذن بد من خطوة أخرى لإتمام المهمة وإحكام السيطرة على هذه الأمة، ولن يكون إلا بإحداث تغيير ثقافي ديني عقدي داخلي في المجتمعات، ينتزع به جذور العزة والعلو والمنعة من نفوس المسلمين، حتى تؤسر نفوسهم وعقولهم لثقافات الغرب، فبدأت آلات التغريب والعولمة من كل صوب، فنجحت عبر عقود في التغيير في كثير المسلمين، لكن بقيت بقية لم تتلطخ ولم تصنع على أعينهم، كان لها دور في العود بكثير من المسلمين إلى رحاب الطهر والإيمان من جديد، بل ونجحوا في إسلام أمم وجماعات وقبائل من النصارى، فلم يجد المتآمرون بدا من العمل على إنتاج إسلام جديد.
وهكذا فتشوا في التاريخ، فوجدوا تجربة المجوس في إدخال التصوف في البلاد الإسلامية ناجحة رائدة لإخماد نار المقاومة في النفوس؛ بما تضمنه التصوف من أفكار قاتلة لمعاني الإسلام وروحه كالتسليم المطلق للقدر، والتسوية بين الإسلام والأديان، فإذا كانت فكرة التشيع والخوارج جارية للسيطرة على السياسة والدول، فإن التصوف له مهمة أخرى هي السيطرة على المجتمعات، وهكذا تكتمل أدوات السيطرة: السياسية، والاجتماعية. {يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون * هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون}.
تلك هي رؤية الغرب لضمان عدم قيام المارد الإسلامي الكبير مرة أخرى، وله صار يلهث وراء الفرق الصوفية اليوم، يدفع بسفرائه ووزرائه لشهود الموالد والاحتفالات والمشاركة في الكلمات، ويلتقي بكبار شيوخها من أجل التنسيق معها لبسط النفوذ الصوفي على العالم الإسلامي، وإزاحة العقيدة السلفية من منصة التأثير كليا، وقد بدأت هذه الخطوة منذ زمن، واليوم انطلق العمل فعليا لتنفيذ المهمة، فكان أول مؤتمر علني شاطح يجتمع فيه المؤتمرون في الشيشان قبل بضعة أيام؛ ليقرروا في نتائجه تعريف السنة بأنهم: الأشعرية، والماتريدية، والمتصوفة. وغرضهم إقصاء السلفية من دائرة أهل السنة، وإخراجهم منها بذريعة كاذبة وفرية ظاهرة: أنهم أهل تكفير وقتل. ومن نظر في مسالك علماء السلفية وجدهم أبعد الناس من هذه التهمة. وصدق القائل: رمتني بدائها وانسلت.. وفي وهمهم المؤتمرين أن هذا هو ما يبوؤهم قيادة المسلمين إلى التصوف والأشعرية، وإذا ساد التصوف سادت قيمه ومعتقداته القائلة للعزة كالتسليم المطلق لكل حوادث القدر، بما يلزم عنه عدم مقاومة المحتل لبلاد المسلمين، زعما أن هذه إرادة الله، ونزع فكرة العلو بالإسلام والسنة على سائر الملل والنحل، باعتبار أن الأديان متساوية لا فرق بينها، وبه ينتهي عهد الإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الإسلام، ثم في سيادة الأشعرية سيادة لعقيدة الإرجاء بما يعني كثرة الفسوق والعصيان في الأمة.
والغرب يفهم هذا جيدا عن التصوف، ولأجله هو متحمس لنشره والقيام به أكثر من المتصوفة أنفسهم، لينام قرير العين، ضامنا ألا تقوم قوة تقارعه لإعادة الحقوق إلى الشعوب، وتكفه عن الجرم والعدوان، وهي قادرة على النكاية به وردعه، وقد جربها قرونا طوالا، فوجد لها بأسا أشد من الجبال، فلا بد إذن من تفتيت هذه الجبال، حتى تعود جبالا لكن من رمل، يسف منه الريح، وينقص، ويغير كلما شاء.
ذلك المؤتمر المعادي لأهل السنة، المدعي أنه المقرر والمتكلم باسمهم، لن يعدو إلا نقطة سوداء في تاريخ أصحابها لا أكثر من ذلك، فالسنة والسلفية الممثلة للسنة حقا ستبقى شامخة بوعد الله تعالى بحفظ دينه وكتابه: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}. وكيف لا تكون السلفية ممثلة للسنة، وهي التي حملت لواءها منذ القرن الأول، لما ظهرت فرق: الخوارج، والشيعة، والقدرية، والمرجئة، والجهمية، والمعتزلة. فكانت هي المتصدي لهذه البدع، القائم ببيان السنة من البدعة، فكان أئمتها هم أهل الحديث زمن حفاظ الحديث كالإمام أحمد ومالك وابن المبارك، ثم لما ظهرت الأشعرية ببدعها كان أئمة السنة هم الحنابلة، واليوم فإن أئمة السنة هم العلماء السلفيون، الذين يتبعون ويقلدون السلف الصالح من الصحابة وأهل القرون الثلاثة المفضلة وأهل الحديث، أما الأشعرية فلا يصح القول بأنهم سنة، فضلا أن يكونوا أئمتها، وهم يخالفون الصحابة ومن تبعهم إلى أئمة الحديث في العقائد، فمنها: الصفات فيثبتون سبع صفات ويتأولون الباقي، والسلف لا يعرف عنهم إلا الإثبات بما يليق به، وفي الإيمان يقولون: هو التصديق. والسلف يقولون: هو قول وعمل، وفي القدر يقولون: الإنسان مجبور. والسلف يقولون: كلا، بل له مشيئة تحت مشيئة الله، وفي الحديث يردون خبر الواحد في العقيدة، وليس في السلف من يقول بهذا، ثم يقولون: إذا تعارض العقل والنقل، قدمنا العقل. فأين في الصحابة من قال بهذا، أو التابعين، أو من تبعهم، أو أهل الحديث؟
كلا، لا يوجد من وافقهم على هذا، أو قال بمثل قولهم ممن سبقهم زمنا، من حفاظ الحديث إلى الصدر الأول، فلم يكن الأشعرية يوما يمثلون أهل السنة إلا في حالات مستثناة؛ في مقابل الشيعة هم سنة، وفي البلاد التي لا يوجد فيها من يتبع السلف الصالح هم السنة.
إن العقيدة الأشعرية بكل ما فيها من المخالفات لأهل السنة، لم تظهر إلا بعد وفاة أبي الحسن الأشعري في 324هـ أي في نهاية القرن الرابع، وقبل ذلك لم يكن ثمة عقيدة أشعرية، ولم يكن في أئمة الحديث من هو على مثل هذه العقيدة، فكيف تنسب الأمة إلى هذه العقيدة، وقد خليت منها تماما في القرون الأربعة الأولى، ولم يكن يعتقد شيئا منها إلا من هو جهمي أو معتزلي أو مرجئ. ومن هؤلاء المبتدعة استمدت الأشعرية عقائدهم؟!
إن أهل السنة هم: كل من لم يتلطخ ببدعة أصلية في العقيدة فيكون رأسا فيها، منظرا داعيا لها متعصبا. ومنه نعلم: أن عموم المسلمين الذي شهدوا الشهادتين هم أهل سنة، نستثني من هذا العموم: الشيعة. إذ لا يقبلون هم على أنفسهم هذا اللقب، فلهم ما تولوا.
أما الأشعري المتعصب والمعتزلي، كذا الصوفي الغالي أهل وحدة الوجود، والخوارج أيضا، كل هؤلاء ليسوا سنة، فإن عددتهم لم تر فيهم عددا، بل هم قلة قليلة، فهم نخب وخاصة، وليس من العامة من هو على عقيدتهم، ولذلك فرق الجويني وقال مخاطبا طائفته الأشعرية: "عليكم بدين العجائز". وهؤلاء عامة، بل العامة على دين الصحابة والتابعين وتابعيهم وأئمة الحديث حتى القرن الثالث، فثبت بهذا أن سواد المسلمين هم سنة وهم سلفيين على مذهب السلف.
ومن كان في شك، فليعرض عقيدة الأشعرية في الصفات، والإيمان، والقدر، وخبر الواحد، والموقف من العقل والنقل، فلينظر هل هم يفقهون أن يؤمنون بشيء من ذلك؟