يعود تطور تكنولوجيا الطوافات - العاملة بالأجنحة الدوارة الى الأيام الأولى الرائدة في مجال الطيران ولكن مع حلول العام ١٩٤٠ باتت القيمة العملانية للطوافات قدرة حقيقية لازمة لا يستهان بها. كانت الطوافات العسكرية المستخدمة في بادئ الأمر خفيفة الوزن تستخدم أساسا لمراقبة ساحة القتال ونقل الأفراد الأساسيين المتواجدين في المناطق النائية أو الوعرة. وفي الحالتين من التطبيقات، أثبتت الطوافات دورها باعتبارها آلات تغير قواعد اللعبة. كما هو الحال في الغابات والبيئات الصحراوية حيث تمكن الطوافات الفرق وأطقم المراقبة من التحليق فوق الجبال، المستنقعات والأراضي القاحلة، موفرة بذلك تغطية دقيقة ومفصلة في دقائق أو ساعات لمسرح العمليات.
تكمن القدرة الأساسية للطوافات في إمكانية تشغيلها أينما كان من دون الحاجة إلى مدارج أو مسطحات للإقلاع والهبوط. بُنيت العديد من الطوافات لتأدية مجموعة واسعة من المهام على غرار البحث والإنقاذ للمراقبة البحرية، نقل الفرق وحتى نقل حمولات ثقيلة، توفير حمولات كبيرة عند الحاجة كنقل نظم الرادار إلى أعلى الجبال أو المعدات الطبية إلى المناطق النائية. منذ ذلك الوقت، تشهد قدرات الطوافات نموا كبيرا وتتخذ مسارا تطويريا.. بالرغم من وجود عدد كبير من التصاميم المتاحة لكل نوع من المهام العسكرية، الا ان القيود التقنية للأجنحة الدوارة في ما يتعلق بقضايا السرعة والتحكم تعني ان الطوافات الجديدة المعاصرة المزودة بنظم تحكم وقمرات زجاجية مع نظم أفيونكس رقمية وشاشات عرض لم تتغير سرعتها على مدى عقود بشكل جذري، فهي تبلغ عند الخطوط الأمامية حوالى ١٥٠ م/س كحد أقصى.
تغير هذا الأمر بسرعة، فالطوافات المزودة بنظم تحكم بالطيران آلية، بمستشعرات سلامة متعددة لمراقبة الآداء وحالة التعب الخاصة بالمكونات الاساسية بالاضافة الى التصاميم الدوارة الصلبة والنظم الأيرودينماميكية، قد انضمت حاليا إلى صلب مكونات الطوافات الحديثة، جامعة بين دوارات الرفع العامودي وقوة الدفع للتنقل ودوارات ميلان تميل خلال ٩٠ درجة للانتقال بين الطيران العمودي والطيران الجوّال عالي السرعة. حلقت هذه النماذج لسنوات عديدة في شكلها التجريبي لكن اليوم باتت التكنولوجيات أكثر نضوجا مما أدى الى وجود جيل جديد من التصاميم المتطورة التي تهدف الى الدخول في الخدمة الفعلية في السنوات المقبلة. شهد السوق المدني للطوافات الخاصة بدعم عمليات التنقيب عن النفط والغاز تباطأ في الآونة الاخيرة في حين ان سوق الطوافات العسكرية عمد الى استبدال الطوافات القديمة أو البالية بأخرى احدث من خلال اضافة، تعديل وتغيير في النظم العسكرية بالاضافة الى ابتكار نماذج وتصاميم حديثة. الجدير ذكره في هذا الصدد ان الطوافات العسكرية شهدت تغييرات عدة قامت بها الشركات المصنعة لها من خلال دمج الشركات في ما بينها وبالتالي يؤدي ذلك الى ايجاد طائرات جديدة، انشاء كونسورسيوم لصنع طوافة ما كما توحيد العديد من الاسماء ذائعة الصيت واستبدالها بهويات جديدة واكثر من ذلك بعد انشاء مرافق ومنشآت واشخاص جدد مع الحفاظ على بعض الموظفين من ذوي الخبرات.
غيرت شركتان رائدتان في مجال صناعة الطوافات تسميتهما بغية الانتقال نحو منتجات محدثة، فمثلا مجموعة EADS سابقا والتابعة لمجموعة Eurocopter الشهيرة باتت اليوم تنضوي تحت اسم Airbus Helicopters في حين ان مجموعة AgustaWestland اصبحت مجموعة Leonardo حاليا والتي وصفت نفسها في وقت سابق من هذا العام ب Finmecannica Helicopters.
في الولايات المتحدة الاميركية، حافظت شركتا Bell وSikorsky على موقعهما في سوق الطوافات الرئيسية على الرغم من ان شركة Boeing تتمتع بأسهم مرتفعة في هذا السوق ذلك بفضل استمرار حصولها على عقود بيع عالمية لطوافات من عائلة CH-47 Chinook الخاصة بطوافات النقل الثقيل وطوافات الهجوم الناجحة AH-64 Apache. تعتبر هاتان الطوافتان رائدتين في سوق الطوافات العالمية خصوصا في منطقة الشرق الأوسط. تقدم النسخات الاحدث قدرات حمولة معززة وآداء عالي اضافة الى اجراءات دفاع ذاتي افضل، نظم أفيونكس ونظم سلاح متطورة ويبدو ان بعض المنتجات سوف تبقى لسنوات عدة.
أثبتت طوافة V-22 Osprey المطورة من قبل Bell - Boeing نفسها على ا نها منصة عملانية عامودية الاطلاق والهبوط (VTOL) قادرة على الطيران أسرع من الطوافات التقليدية الاخرى وذلك لمسافات أطول. بصفتها من الأصول ضمن العمليات الخاصة، حصلت V-22 على قبول العملاء حيث أنها قادرة على نقل واستعادة فرق القوات الخاصة المتواجدة في سيناريوات سرية بفضل قدراتها على القيام بمهام بنسبة ضوضاء أخف بكثير من الطوافات الاخرى وقدرتها على الطيران بسرعة مماثلة لطائرات النقل التقليدية. وبالرغم من أنها في بداية خضوعها لتطويرات محتملة الا أنها أظهرت قدرتها على القيام بالمهام في جو من الآمان والموثوقية.
يكمن التحدي في تصميم وتطوير جيل جديد من الطوافات المتطورة التي تضم تكنولوجيات حديثة مع المحافظة على تكاليف بأسعار مقبولة ومنافسة ضد التصاميم الراسخة والمعتمدة في العالم. اختار العديد من المشغلين مبدأ اعادة بناء وتحديث الطوافات الموجودة حاليا او شراء النسخات الاجدد من النماذج ذائعة الصيت بدلا من استبدال الأسطول بشكل كامل بطوافات جديدة والتي تتطلب استثمارا كبيرا لجهة التدريب وتكاليف دعم الحياة العملانية حتى ولو كانت تكاليف الدعم والتشغيل للطائرات الجديدة اقل من تلك الخاصة بالطائرات القديمة. الى ذلك، يمكن ملاحظة أمثلة كثيرة عن التحديثات الكبيرة على الطوافات على غرار AW101 Merlin التي شهدت تطويرات في شاشات العرض الموجودة داخل قمرة القيادة اضافة الى نظم الأفيونكس ونظم المهام. هذه التحديثات دفعت بهذه الطوافة نحو الامام لجهة تأدية المهام الموكلة اليها بفعالية اكبر وحياة عملانية أطول ومن المرجح ان تبقى هذه الاعتمادية سارية المفعول لعدة عقود.
كذلك خضعت طوافة Super Lynx من Leonardo لتطويرات عدة من خلال بدن الطائرة الجديد، المحركات والنظم. في حين تحافظ عائلة Lynx على فعاليتها في السوق، ينظر الى طوافات Wildcat على انها البديل الطبيعي عنها. فحجمها المميز يجعلها قادرة على اتمام مهام وادوار متعددة بحرية، العمل قبالة سفن الدورية الساحلية الصغيرة، نقل الاطقم البحرية وايضا القيام بأدوار السفن مضادة للسطح والمضادة للغواصات، فهذه الطوافات مجهزة بصواريخ جو - ارض. تعد السلسلة الجديدة من طوافات النقل AW الجديدة بما في ذلك AW139، 169 و189 الاكثر شيوعا بين العملاء المدنيين كما أنها ايضا تجذب نظر الحكومات لتأدية مهام نقل الشخصيات رفيعة المستوى VIP ولكونها تتوفر بنماذج عسكرية مسلحة. توفر هذه الطوافات منافسة مباشرة لطوافات شركة Airbus Helicopters خصوصا طوافة H175 متوسطة الحجم فائقة التطور وقادرة على نقل ١٥ راكباً على متنها. تعتبر طوافة H160 الجديدة من Airbus الأولى من عائلة طوافات نقل جديدة متوسطة ثنائية الهدف مع قدرة على القيام بعمليات البحث والإنقاذ، أما طوافة X6 من Airbus Helicopters فهي المفهوم الجديد الأكثر تطوراً للطوافات ذات القدرة الواسعة ومن المحتمل أن تحل محل أنواع طائرات موجودة حالياً على غرار Super Puma. قد يتميز النموذج الجديد هذا بشفرات دوارة متطورة ونظم محركات حديثة من شأنها السماح لأحد المحركات من الإيقاف في حال التحليق بنمط السرعة الأوتوماتيكية Cruise mode وذلك للتقليص من إستهلاك الوقود.
تجدر الإشارة إلى أن النظم الأيروديناميكية ستصمم للحد من العوائق. تملك شركة Lockheed Martin اليوم شركة Sikorsky وتعمل على تعزيز موقعها في السوق بإعتبارها رائدة في مجال صناعة الطوافات وخصوصاً في السوق العسكرية حيث أن محفظتها تضم مروحة واسعة من الطوافات المتطورة على غرار طائرة النقل الواسعة S-92 وطوافات الإنقاذ بالإضافة إلى عائلة H-60 Blackhawk. يبدو أن هذه الأخيرة تمضي قدماً نحو صناعة نماذج متطورة بما في ذلك HH-60G Pave Hawk المستخدمة لعمليات الإستعادة التي تقوم بها القوات الخاصة ولإستبدال نموذج HH-60W المجهزة بمجسات للتزود بالوقود جواً كما أنها مسلحة بنظم لدعم النيران ونظم ذاتية الحماية لإنقاذ المقاتلين في الظروف المعادية. فضلاً عن ذلك، بيعت نماذج بحرية عدة لتأدية مهام تتعلق بالسفن الحربية والعمليات المضادة للغواصات. تعمل شركة Sikorsky الحريصة على توسيع خط إنتاج طوافات من الجيل الجديد، تعمل على تطوير نماذج جديدة بعد إطلاق البرنامج التجريبي الذي يضم مبرهن X2 متحد المحور مزود بشفرات متعاكسة الدوران ودافع. يقدم هذا النموذج إحتمال الإهتزاز المنخفض والسرعة العالية مع مرونة مرتفعة وإعتمادية أكثر من الطوافات المنتجة حالياً. وبعد إجراء الإختبار، حققت X2 رقماً قياسياً ٢٥٠ عقدة.
تجدر الإشارة إلى أن هذا التصميم يتميز بقيود أقل لناحية السلامة أثناء الطيران وذلك يعود إلى التكنولوجيات المستخدمة ضمنها والنظم المضغوطة مما يتيح الفرصة أمام الطيار بقيادة الطائرة من دون أي قيود ومن دون أي مخاطر تذكر حتى في الظروف المناخية الصعبة. هناك نوعان من البرامج الجديدة قيد التطوير S-97 Raider وSB-1 Defiant ويتبعان لمهام الجيش الأميركي. سيكون برنامج Raider بمثابة مركبة استكشاف مسلحة بنفس حجم Bell OH-58D Kiowa Warrior لكن سرعتها الزائدة وخفتها أثناء الطيران تجعل منها أقل عرضة لمخاطر العدو. ستخضع SB-1 Defiant لعدة تطويرات من قبل شركة Boeing لتحل محل Blackhawk، ستكون بالحجم ذاته لكنها ستتوفر بنموذج ذي سرعة أكبر وقدرة أقوى على المناورة.
يعتبر نموذج الشبح "Stealth" المكافأة القيمة التي تقدم للعمليات الهادئة التي تقوم بها الطائرات خلال التحليق، رحلات السياحة وغيرها. تميل الطوافات الموجودة حالياً والمزودة بأطراف دوارة تقترب أو تتخطى السرعة الفوق صوتية، إلى أن تكون مسموعة من على بعد أميال كثيرة مما يجعل مستوى الطيران أقل فوق المناطق التي تتحصن بها القوات البرية المعادية.
إن الجمع بين السرعات العالية جداً أكثر من سرعة طوافتين والآداء الهادىء سيقلل من حدوث المخاطر عندما تحلق فوق مرتفعات تكتية. قد يبرز الشك في أن الطوافات محورية الدوّار تسير لتحتل مكانة بارزة في المستقبل على الرغم من أن تكاليف الحصول عليها مرتفعة نوعاً ما مما يمنع مشغلو الطوافات من إقتناعها أو حتى إستبدالها بطوافات أخرى موجودة ضمن الأسطول.
تخدم طوافة Bell Boeing MV-22B Osprey في مشاة البحرية الأميركية منذ عشر سنوات تقريباً ومنذ ذلك الحين باتت تعتبر المنصة الأكثر تداولاً وتنوعاً لجهة توفير الخدمات فهي أثبتت فعاليتها في أفغانستان والعراق.
تسمح Osprey، المخصصة لمهام الإقتحام الجوي والمنطلقة من منصة هبوط طوافات (LPH)، بهبوط فرق بسرعة فائقة، سرعتها العالية تقلص من خطر تعرضها لعمل معاد كما تخفض من توقيت المهام المتكررة بالنسبة للطوافات العادية. قاد هذا النجاح القوات الأميركية للنظر أبعد من هذا النوع الرائد من الطوافات حيث باتت تسعى لإبتكار تصاميم أكثر تقدماً. تجلى ذلك في تصميم Bell V-280 Valor مائلة الدوران. تأتي هذه الأخيرة نتيجة عمل مشترك بين شركتي Bell وLockheed Martin. تستند الطائرات الجديدة كليا على الخبرة المستقاة من طائرة MC-22B لكن حجمها أصغر وتتضمن تحسينات تقنية متنوعة. من أهم التطويرات التي حصلت عليها MC-22B هي في الشكل الأيروديناميكي الذي يتميز بقدرته على الحد من السحب الناجمة عن دخان محركات الطائرة. في التصميم الجديد، تدور وحدة التروس الدوارة من خلال ٩٠ درجة وتبقى وحدات الجناح الأساسية الموجودة في المحرك ثابتة. يعد هذا النموذج الأكثر أماناً للأشخاص العاملين على الأرض كما أن نظام السحب المستخدم ضمنه يعتبر الأبسط ضمن فئته وبذلك فإنه يوفر حجم هواء طبيعي بحيث أن الشفرات الدوارة تدور صعوداً أثناء الطيران العامودي VTOL وخلال التنقل. النموذج الأول من V-280 Valor هو قيد البناء حالياً ومن المتوقع أن يبدأ بالطيران العام المقبل. وفي أوروبا، تعمل شركة Leonardo على تطوير إنتاج نموذج AW609 مائلة الدوران لمهام نقل الشخصيات رفيعة الشأن VIP، ولكن بعد الحادث المميت الذي حصل العام الماضي لهذا النموذج، تأخر العمل على هذا البرنامج. من جهتها، أعلنت دولة الإمارات العربية المتحدة عدة خطط لشراء ثلاثة نماذج لعمليات البحث والإنقاذ. نبقى في أوروبا حيث عمدت شركة Airbus إلى إستخدام تجربة إختبار الطيران المتعلقة بطوافة X3 من Eurocopter لدمج الدروس المستقاة ضمن التصميم المركب عالي السرعة والمعروف بإسم LifeRCraft (Low Impact Fast Efficient Rotor Craft). يتميز النموذج الأخير هذا بشكله الأيروديناميكي الأكثر دقة وترتيبا من ذلك الموجود في مبرهن X3 كما أنه لا يعتمد على هياكل طوافات موجودة حالياً. تجدر الإشارة إلى أن عملية إنتاج نماذج جديدة ستكون مخصصة لسوق VIP المدني لكنه في الوقت عينه سيكون مثالياً لمهام المراقبة الساحلية والبحث والإنقاذ.
بعد مرور عقدين من التقدم البطيء نسبياً في تنمية سوق الطواقات، يبدو أن هذا المجال يشهد تطوراً لافتاً وسيكمل مساره صعوداً في المستقبل.