الأشرف خليل بن قلاوون http://www.islamstory.com/article_print.php?id=1257
هو خليل بن قلاوون الملقب بالسلطان الأشرف صلاح الدين وهو ابن السلطان الملك المنصور قلاوون الصالحي، جلس على تخت الملك في ذي القعدة سنة تسع وثمانين وستمائة، بعد موت والده، واستفتح الملك بالجهاد[1].
نشأ السلطان خليل قلاوون في مصر في وقت كان الاحتلال الصليبي يخيم على كثير من بلاد المسلمين وما زال الناس يتنفسون ريح النصر وتحرير بيت المقدس والقضاء على الحملة الصليبية التي استهدفت مصر والقدس في عهد الملك الصالح نجم الدين أيوب، وفي العهد القريب كانت معركة عين جالوت والتي قضى فيها المماليك على جيش التتار، وكان والده الملك المنصور قلاوون مجاهدًا للصليبيين فنشأ على الجهاد والعزة ولم يرتض الذلة، فقد استفتح ملكه بالجهاد وكانت ثمرة جهاده القضاء على الوجود الصليبي في الشام.
أهم المعارك ودوره فيها (فتح عكا وبقية السواحل)
لم يطق السلطان الأشرف خليل أن يرى بعينيه الصليبيين يعيثون في الأرض فسادًا يحتلون بلاد المسلمين ويستذلونهم، فمنذ توليته السلطة من أول يوم استفتح عمله بالجهاد في سبيل الله حتى أنهى على الوجود الصليبي في الشام ففي عام تسعين وستمائة ربيع الأول أمر السلطان الأشرف خليل قلاوون بتجهيز آلات الحصار لعكا، ونودي في دمشق الغزاة في سبيل الله إلى عكا، وقد كان أهل عكا في هذا الحين عدوا على من عندهم من تجار المسلمين فقتلوهم وأخذوا أموالهم، فأبرزت المناجيق إلى ناحية الجسورة، وخرجت العامة والمتطوعة يجرون في العجل حتى الفقهاء والمدرسين والصلحاء، وخرجت العساكر بين يدي نائب الشام، وخرج هو في آخرهم، ولحقه صاحب حماه الملك المظفر وخرج الناس من كل صوب، واتصل بهم عسكر طرابلس، وركب الأشرف من الديار المصرية بعساكره قاصدا عكا، فتوافت الجيوش هنالك، ونصبت عليها المناجيق من كل ناحية يمكن نصبها عليها، واجتهدوا غاية الاجتهاد في محاربتها والتضييق على أهلها، واجتمع الناس بالجوامع لقراءة صحيح البخاري.
وصمم السلطان على الحصار فرتب الكوسات ثلاثمائة حمل، ثم زحف يوم الجمعة سابع عشر جمادى الأولى ودقت الكوسات جملة واحدة عند طلوع الشمس، وطلع المسلمون على الأسوار مع طلوع الشمس، ونصبت المناجيق الإسلامية فوق أسوار البلد، فولت الفرنج عند ذلك الإدبار، وركبوا هاربين في مراكب التجار، وقتل منهم عدد لا يعلمه إلا الله تعالى، وغنموا من الأمتعة والرقيق والبضائع شيئا كثيرا جدا، وأمر السلطان بهدمها وتخريبها، بحيث لا ينتفع بها بعد ذلك، فيسر الله فتحها نهار جمعة، كما أخذتها الفرنج من المسلمين في يوم الجمعة، وسلمت صور وصيدا قيادتهما إلى الأشرف، فاستوثق الساحل للمسلمين، وتنظف من الكافرين، وقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين.
وجاءت البطاقة إلى دمشق بذلك ففرح المسلمون، ودقت البشائر في سائر الحصون، وزينت البلاد ليتنزه فيها الناظرون والمتفرجون، وأرسل السلطان إلى صور أميرا فهدم أسوارها وعفا آثارها. وكانت في أيدي الفرنج من سنة ثمان عشرة وخمسمائة.
وأما عكا فقد كان الملك الناصر يوسف بن أيوب أخذها من أيدي الفرنج، ثم إن الفرنج جاؤوا فأحاطوا بها بجيوش كثيرة، ثم جاء صلاح الدين ليمانعهم عنها مدة سبعة وثلاثين شهرا، ثم آخر ذلك استملكوها وقتلوا من كان فيها من المسلمين، كما تقدم ذلك.
ثم إن السلطان الملك الأشرف خليل بن المنصور قلاوون سار من عكا قاصدا دمشق في أبهة الملك وحرمة وافرة، وفي صحبته وزيره ابن السلعوس والجيوش المنصورة، وفي هذا اليوم استناب بالشام الأمير علم الدين سنجر الشجاعي، وأرسله السلطان إلى صيدا لأنه كان قد بقي بها برج عصي، ففتحه ودقت البشائر بسببه، ثم عاد سريعا إلى السلطان فودعه، وسار السلطان نحو الديار المصرية في أواخر رجب، وبعثه إلى بيروت ليفتحها فسار إليها ففتحها في أقرب وقت، وسلمت عتليت وانطرطوس وجبيل. ولم يبق بالسواحل ولله الحمد معقل للفرنج إلا بأيدي المسلمين، وأراح الله منهم البلاد والعباد[2].
وفاته
بعد تحرير الأرض وإعزاز الدين لقي السلطان الأشرف خليل قلاوون ربه على يد نائبه وأتباعه فقد خرج إلى الصيد ، فلما كان بأرض تروجة بالقرب من الإسكندرية، حمل عليه جماعة من الأمراء الذين اتفقوا على قتله حين انفرد عن جمهور الجيش، فأول من صوبه نائبه بيدرا، وتمم عليه حسام لاجين المنصوري وذلك في سنة ثلاث وتسعين وستمائة[3].
قالوا عنه
قال صاحب فوات الوفيات عند ذكر السلطان الأشرف: كان شجاعًا مقدامًا مهيبًا عالي الهمة يملأ العين ويرجف القلب. وكان ضخمًا سمينًا كبير الوجه بديع الحمال مستدير اللحية، على صورته رونق الحسن وهيبة السلطنة، وكان إلى جوده وبذله الأموال في أغراضه المنتهى، تخافه الملوك في أقطارها[4].
[1] فوات الوفيات 1/406.
[2] البداية والنهاية بتصرف 13/378-379.[3] البداية والنهاية بتصرف يسير 13/394.
[4] الوافي بالوفيات 1/406.