بابا روما والإمبراطور البيزنطي

Nabil

خـــــبراء المنتـــــدى
إنضم
19 أبريل 2008
المشاركات
22,781
التفاعل
17,900 114 0
بابا روما والإمبراطور البيزنطي



بقلم : أورخان محمد علي

صدم العالم الإسلامي بالتصريحات غير المسؤولة والاتهامات الظالمة التي كالها البابا للإسلام في المحاضرة التي ألقاها في إحدى الجامعات الألمانية عند زيارته الأولى لبلده ألمانيا بعد اختياره لمنصب البابوية ، وكان أهم ما جاء فيها مقاطع اقتبسها من أقوال الإمبراطور البيزنطي عمانوئيل بالالوغوس الثانيmaunal plaeologus 2 فمَنْ هذا الإمبراطور وما صدر عدائه للإسلام وللرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ؟


سبب عدائه واضح تاريخيا ، فقد رأى أن قوة الدولة العثمانية في تعاظم وأن إمبراطوريته في تدهور ، لذا سعى طوال حياته إلى إضعاف الدولة العثمانية وبذل كل ما في وسعه في هذه السبيل ، أي كانت له مبررات واضحة في هذا العداء للدولة العثمانية ولدين هذه الدولة. ولا يقال أنه فشل تماما في عدائه هذا فقد نجح في إيذاء الدولة العثمانية في أحيان كثيرة إيذاء كبيرا.


الملمون بالتاريخ العثماني يعلمون بأن الدولة العثمانية وبعد مائة عام من نشوئها مرت بهزة عنيفة وبفترة مظلمة في تاريخها وهي بعد في طور النشوء والتوسع ، فقد أصبحت دولة واسعة تبسط سلطانها على أكثر من 900000 كم مربع في عهد السلطان الشاب المقدام بايزيد الأول الملقب بالصاعقة نظرا لشجاعته في القتال في المعارك وقيامه بفتوحات عديدة في أوروبا وفي الأناضول.


كيف مرت الدولة العثمانية الناشئة بهذه الفترة المظلمة ؟


لقد كان من قدرها أن تلقى فاتحا رهيباً لمع نجمه واكتسح دولا عديدة وقوض عروشا كثيرة ، وأباد الجيوش التي وقفت أمامه كان هذا الفاتح هو (تيمورلنك) الذي انطلق كالسيل يكتسح كل شيء أمامه. وهكذا كان من قدر الدولة العثمانية الالتقاء بهذا الفاتح الرهيب عندما جاء بجيوشه الجرارة إلى الأناضول.


بعد مراسلات ومكاتبات عديدة جرت بين السلطان بايزيد وتيمورلنك لم تستطع الحيلولة دون الصدام بينهما وقعت معركة (أنقرة) الرهيبة عام 1402م بين هذين الفاتحين العملاقين ، قاتل السلطان بايزيد ببسالة وكاد أن ينتصر لولا خيانة بعض أمرائه وجنوده في أثناء المعركة وانضمامهم إلى صف الأعداء ، وهكذا انتهت هذه المعركة بانتصار تيمورلنك وأسر السلطان العثماني بايزيد الذي مات بعد سنة واحدة في الأسمر كمدا وحزنا.


سعدت الإمبراطورية البيزنطية وفرحت بما جرى لمنافستها الدولة العثمانية ، لأن تيمورلنك عمد قبل انسحابه من الأناضول إلى إحياء الإمارات التركية القديمة في الأناضول من أجل تقسيم الدولة العثمانية وتفتيتها لإضعاف قوتها.


سادت فترة مظلمة في الأناضول فالدولة مقسمة إلى إمارات عديدة ، وأبناء السلطان بايزيد في خلاف وصدام ، كل منهم يدعي أن العرش والسلطنة من حقه. استمرت هذه الفترة المظلمة إحدى عشرة سنة حتى استطاع أحد أبناء بايزيد – وهو السلطان محمد الأول – القبض على زمام الدولة وتوحيدها والقضاء على الإمارات ، وتأسيس الدولة العثمانية من جديد.


في هذه الأثناء قام هذا الإمبراطور البيزنطي بتشجيع الأمير مصطفي شقيق السلطان محمد الأول (الذي كان يطالب بعرش السلطنة العثمانية ويرى نفسه أحق بالسلطة من أخيه) وأمده بالمال والسلاح لكي يثير فتنة جديدة أمام الدولة العثمانية ومنع لملمة نفسها والوقوف على قدميها ، وفعلا قام هذا الأمير بمحاربة أخيه ولكنه انهزم أمامه ، وهرب والتجأ إلى الإمبراطور البيزنطي الذي رعاه وعدّه سلاحا في يده يشهره متى شاء في وجه الدولة العثمانية ، وعندما علم السلطان محمد الأول بالتجاء أخيه إلى الإمبراطور البيزنطي كتب رسالة توبيخ للإمبراطور وطلب فيها عدم السماح لأخيه بمغادرة القسطنطينية وإلا فإنه سيكون مسؤولاً عن عاقبة هذا الأمر ، فخاف الإمبراطور وقبل الطلب ، إلا أنه بعد وفاة السلطان محمد الأول ومجيء السلطان مراد الثاني إلى الحكم أطلق سراحه واستخدمه من جديد في إثارة الفتنة والعصيان في الدولة العثمانية لإضعافها وإشغالها بمشاكلها الداخلية وصرفها عن تحقيق أمنيتها في حصار القسطنطينية لفتحها.


كانت مساحة الدولة التي تسلمها السلطان محمد الأول قد تقلصت إلى 4200000 كم مربع ، ولكنه عندما توفي بعد ثماني سنوات من الحكم وهو في ريعان الشباب (توفي وعمره 32سنة) كان قد وسع مساحة الدولة العثمانية إلى 550000 كم مربع.

جاء بعده إلى السلطة ابنه السلطان مراد الثاني وهو بعمر 18 سنة ، فأراد هذا الإمبراطور البيزنطي الاستفادة من عدم تمرس هذا السلطان الشاب وعدم خبرته بالحكم لتمرير مقلب له وللدولة العثمانية فأرسل الجنرال البيزنطي ديميتروس لاسكاريس سفيرا له إلى السلطان العثماني عارضا عليه إرسال أخويه الأميرين محمود ويوسف إلى القسطنطينية من أجل القيام بتدريسهما وتأهيلهما في القسطنطينية تأهيلا يليق بالأمراء ، والحقيقة أنه كان يريد جعلهما رهينة في يده يهدد بهما السلطان الجديد ، أو تشويقهما للمطالبة بالحكم وإحداث فتنة جديدة في الدولة العثمانية ، ولكن السلطان الشاب خيب أمله وعد هذا الاقتراح اقتراحا ينقصه الأدب واللياقة ، وطلب من الصدر الأعظم إعطاء الرد المناسب فقال الصدر الأعظم للجنرال : (إن الأمراء في الدولة العثمانية ينشأون في قصر والدهم ، ويتربون حسب التربية الإسلامية ، لذا فلا يجوز في الدين الإسلامي ترك تربيتهم لغير المسلمين ، ونحن نود أن تكون علاقاتنا ودية معكم ولكن لا تطلبوا منا شيئاً مستحيلاً مثل هذا الطلب أبدا). وهكذا رجع السفير خائباً.

ولكن الإمبراطور كان يملك سلاحا قويا في يده ضد الدولة العثمانية يستطيع استعماله في الوقت المناسب ، كان يملك الأمير مصطفي ، لذا لم يتأخر كثيرا في استعماله ، فهناك سلطان جديد شاب غير متمرس في الحكم وعندهم عمّ هذا السلطان الذي يتحرق شوقاً للحكم لذا قام بإمداده بالمال والسلاح وساعده على الاتصال بالعديد من الباشوات العثمانيين ومن الحكام والولاة المحليين ، فقام الأمير مصطفي بشرح دعواه لهم وكيف أنه أحق بالحكم من ابن أخيه الذي اغتصب هذا الحق منه ، كان هناك من اقتنع به وساعده وانضم إليه وهناك من لم يقنع به وخاف من إثارة فتنة لا داعي لها في الدولة العثمانية.


استطاع الأمير مصطفي علي أي حال جمع أعداد غفيرة حوله واستولى على بعض المناطق والولايات وبدأ يستعمل لقب "السلطان" ، وزادت مساحة الأراضي التي يحكمها حتى طمع الإمبراطور البيزنطي – الذي كانت أراضي إمبراطوريته قد تقلصت كثيراً – ببعض أراضيه وطلب منه أن يهبها له فهو الذي ساعده ضد السلطان مراد الثاني ، وهو صاحب الفضل عليه ، ولكن الأمير مصطفي لم يقبل وأرسل له رسالة يقول فيها : (إن ديننا الإسلامي يحرّم علينا أن نهب أي أرض لنا لغير المسلمين ، على العكس من هذا فهو يأمر الحكام المسلمين بفتح بلدان الكفار، ومع أننا لا نزال نحترمكم إلا أنه لا يسعنا الاستجابة لطلبكم).


غضب الإمبراطور البيزنطي كثيراً من هذا الرد ، وعده إنكاراً لفضله عليه ، لذا تحول إلى جانب السلطان مراد الثاني في صراعه مع عمه.


على أي حال لم يكن هناك بد من نشوب المعركة الفاصلة بين السلطان مراد الثاني وعمه الأمير مصطفى ، وقاد السلطان الشاب هذه المعركة بنفسه وانتصر على عمه الأمير مصطفى وألقى القبض عليه وأعدمه.

وهكذا ففي سجل هذا الإمبراطور محاولات كثيرة في إشعال نار الفتنة في الدولة العثمانية ، ولا نلومه على هذا فهو أمر طبيعي بين قوتين متصارعتين ، ولكن الذي نريد أن نقوله أنه لم يكن أولا عالما بالدين الإسلامي لكي يكون حجة ومصدرا لاقتباس أقواله حول الدين الإسلامي ، فهو مجرد شخصي سياسي وإمبراطورا كان يسعى لوقاية حكمه وإمبراطوريته ضد الدولة العثمانية ، فكان من الطبيعي أن يكون كارها للدولة العثمانية ولدينها .


وقد تجول هذا الإمبراطور في عواصم العديد من الدول الأوروبية طالبا منها مساعدته في صد الأتراك والحيلولة دون سقوط الإمبراطورية البيزنطية ، وألف قصصا وأكاذيب كثيرة ضد الأتراك وضد المسلمين لكي يجلب عطف دول أوروبا ولكي يحثها على ترتيب حملة صليبية تقوم بطرد الأتراك من الأناضول ، أي أن جميع تصريحاته ضد الإسلام كانت سياسية ، كما وعد بالقيام بتوحيد الكنيسة من جديد تجاه هذا الخطر الذي داهم العالم المسيحي وهو خطر المسلمين والدولة العثمانية .


ثم أنه لا يوجد أي دليل تاريخي موثوق به أنه أدلى بهذه الأقوال لشخص فارسي مجهول ، وهي الأقوال التي اقتبسها البابا دون أي تمحيص تاريخي ، أي إن من المشكوك به أنه قال هذه الأقوال حول الدين الإسلامي ، وحول الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولو قالها فلا أهمية لها ، لأنه ليس شخصا حياديا أولا بل هو عدو للمسلمين ولدينهم ، وثانيا فهو لا يعد مرجعا مختصا في الدين الإسلامي لكي تكون لأقواله أي وزن علمي وأي مصداقية.

يقول البابا : إن الدين الإسلامي لا يحترم العقل الإنساني !! ونقول بأن موقف الدين الإسلامي من العقل وتقديره له ودعوته إليه واضح بحيث نرى من العبث التأكيد على هذا الأمر البديهي هنا.

ولكن ما موقف الدين المسيحي – ولا سيما المذهب الكاثوليكي – من العقل ؟

هل من العقل والمنطق أن الثلاثة واحد والواحد ثلاثة ؟ يا ليت الباب يشرح لنا هذه المعضلة، فالأقانيم الثلاثة في المسيحية – الأب والابن الروح القدس – أقانيم ثلاثة ولكنه واحد أيضا ؟ كيف يكون واحد والإنجيل يقول بأن الابن يوم سيجلس يوم الدينونة على يمين الأب لمحاسبة الناس ؟ إذن كيف تكون الأقانيم ذاتا واحدة ؟

وحسب المذهب الكاثوليكي – الذي يمثله البابا – إن قام مليون شخص في العالم بتناول كسرة من الخبز ثم شرب خمرا عليها حل المسيح حلولا حقيقا وليس رمزيا في أجسادهم جميعا ، أي يكون في الدنيا آنذاك مليون مسيح حقيقي !!!

أهذا هو العقل الذي يدعونا البابا للإيمان به ؟ !!

هذان مثالان فقط من عشرات الأمثلة التي نستطيع إيرادها ، ولكننا لا نستطيع ذكرها هنا لأن الأمر يحتاج إلى كتاب كامل.
 
عودة
أعلى