كارثة الغزو البريطاني الفاشل لأفغانستان 1838-1842
كتاب الموكب الداكن
فشلت كل محاولات القوى الخارجية، في السيطرة على أفغانستان على مدى تاريخها الطويل. ومن أكثر الحملات التي استهدفت هذه البلاد وعرفت فشلا كبيرا، تلك التي قررت فيها بريطانيا، عام 1838، اجتياح أفغانستان، واستمرّت حتى عام 1842. وتشكّل الحملة تلك موضوع كتاب المؤرخة البريطانية ديانا برستون، الذي يحمل عنوان: "الموكب الداكن، الغزو البريطاني الفاشل لأفغانستان 1838-1842".
تشرح المؤلفة أن تلك الحملة قامت على خلفية قناعة الإمبراطورية البريطانية آنذاك، أنها مهددة من قبل روسيا والفرس والقبائل الأفغانية. لذلك أعطيت الأوامر للجيش البريطاني، المرابط في الهند، لاجتياح أفغانستان وعزل الملك دوست محمد، المعروف بذهنيته الداعية إلى الاستقلال وتنصيب شوجا شاه في كابل العاصمة، والمعروف عنه، حينها، أنه كان بمثابة دمية بيد البريطانيين.
كانت الفكرة السائدة لدى البريطانيين عامّة، أن تلك الحملة من دون مخاطر وعقبات كبيرة، وبأنها ستكون سريعة. لكن البريطانيين وجدوا أنفسهم أمام مقاومة القبائل الأفغانية الموحّدة، التي تعرف جيّدا شعاب البلاد ووديانها وجبالها. وذلك الجيش الذي كان قد بسط سلطة التاج البريطاني على مناطق شاسعة من العالم، عرف هزيمة كبيرة. ولم ينجح سوى بريطاني واحد من الذين انسحبوا عبر شعاب جبال كابول، باتجاه جلال اباد. إن المؤلفة- المؤرخة، تقدم توصيفا لتلك الحرب- الكارثة..
"الحرب الأولى" الكبيرة التي عرفتها افغانستان. لكنها كانت بالوقت نفسه "بداية" منافسة استمرت طويلا بين بريطانيا وروسيا من أجل السيطرة على آسيا الوسطى. وتعتمد مؤلفة الكتاب في تحليلاتها، على المصادر التاريخية والمعلومات الأرشيفية. ولكن قبل هذا كله، على الرسائل واليوميات، التي تعود إلى بعض أولئك الذين عايشوا الحملة البريطانية على أفغانستان في القرن التاسع عشر.
وترى نماذج للدلالة على هول دروس التاريخ بشأن هذه الحملة، من خلال أمثلة عديدة، ومنها ما يتجسد في المصير الذي عرفه بعض رموز تلك الحملة، من أمثال السير الكسندر بورنيس، المسؤول عن السياسة البريطانية في كابل، الذي هنأ رئيسه: السير وليام مكناتن، على الهدوء والاستقرار الذي كانت تعرفه أفغانستان في شهر نوفمبر عام 1841. إذ.
وبعد يوم واحد كان بورنيس في منزله الذي تأكله النيران. ثم عقب أسبوع، كانت الحامية العسكرية البريطانية محاصرة، وفي يوم 23 ديسمبر من السنة نفسها، وجدوا جثة مكناتن معلّقة في سوق المدينة. وفي السادس من يناير، عام 1842، بدأ الجيش البريطاني الانسحاب. تلمح المؤلفة إلى أن التاريخ الأفغاني يشابه كثيرا "تراجيديا شكسبيرية"، حسب تعبيرها، أو: "مقبرة للإمبراطوريات"، شارحة أن جميع أولئك الذين حاولوا القيام بمغامرة الغزو، انتهوا إلى هزائم مذلّة، كانت قد واجهتها بريطانيا في أفغانستان. وترى المؤلفة أن بريطانيا أولت اهتمامها الكبير لأفغانستان، منذ بدايات القرن التاسع عشر. واستمر ذلك الاهتمام بقوة، إلى اللحظة التي قررت فيها -مكرهة- التخلي عن إمبراطوريتها في الهند عام 1947، ومن ثم نيل هذه البلاد استقلالها السياسي التام، وخروجها عن سيطرة التاج البريطاني.
وتؤكد المؤلفة أن فترة الحرب الانجليزية- الأفغانية الأولى 1838-1842، كانت حلقة خاصة في الصراع بين الإمبراطورية البريطانية وروسيا القيصرية على آسيا الوسطى. وكان التوسع الروسي في تلك المنطقة من آسيا، قد بدا بمثابة تهديد صريح لأمن الإمبراطورية البريطانية في الهند..
وفي مثل ذلك السياق، وصلت القوات البريطانية والهندية إلى كابل عام 1839. وتلفت المؤلفة إلى أن الأمتعة الشخصية للجنرال البريطاني الذي قاد تلك الحملة احتاجت إلى 260 جملاً لنقلها. كان البريطانيون يقيمون إذاً حساباتهم على "مقولات" موجودة في رؤوسهم وليس في الواقع. والنتيجة كانت هي أنه بدلاً من استبدال الملك الذي لا يطيع مخططاتهم، ويقترب من روسيا بآخر يرضخ لإرادتهم، عرفوا هزيمة منكرة بعد أربع سنوات من الحرب. إن كتاب "الموكب الداكن" هو قبل كل شيء، رواية حيّة لأحداث بعيدة عرفتها أفغانستان.
وتمثل أحد فصول التنافس البريطاني الإمبراطوري وروسيا القيصرية على النفوذ، في منطقة آسيا الوسطى، وما مثلته في إطار ما عُرف بـ: المسألة الشرقية، بأحد وجوهها. وهو أيضا كتاب عن تاريخ القرن التاسع عشر، بـ"نسخته الاستعمارية"، وكذا سياسات القوى الكبرى التوسعية. كما أنه درس في "الجيوسياسة"، ربما يكون ذا فائدة كبيرة بالنسبة لما يجري في عالم اليوم.
عن موقع البيان
الكتاب:
الموكب الداكن.. الغزو البريطاني الفاشل لأفغانستان 1838-1842
تأليف: ديانا برستون
الناشر: والكر أن شركاه- لندن 2012
الصفحات:320 صفحة
القطع: المتوسط
The dark defile
Diana Preston
Walker and Company London - 2012
320 .p
كتاب الموكب الداكن
فشلت كل محاولات القوى الخارجية، في السيطرة على أفغانستان على مدى تاريخها الطويل. ومن أكثر الحملات التي استهدفت هذه البلاد وعرفت فشلا كبيرا، تلك التي قررت فيها بريطانيا، عام 1838، اجتياح أفغانستان، واستمرّت حتى عام 1842. وتشكّل الحملة تلك موضوع كتاب المؤرخة البريطانية ديانا برستون، الذي يحمل عنوان: "الموكب الداكن، الغزو البريطاني الفاشل لأفغانستان 1838-1842".
تشرح المؤلفة أن تلك الحملة قامت على خلفية قناعة الإمبراطورية البريطانية آنذاك، أنها مهددة من قبل روسيا والفرس والقبائل الأفغانية. لذلك أعطيت الأوامر للجيش البريطاني، المرابط في الهند، لاجتياح أفغانستان وعزل الملك دوست محمد، المعروف بذهنيته الداعية إلى الاستقلال وتنصيب شوجا شاه في كابل العاصمة، والمعروف عنه، حينها، أنه كان بمثابة دمية بيد البريطانيين.
كانت الفكرة السائدة لدى البريطانيين عامّة، أن تلك الحملة من دون مخاطر وعقبات كبيرة، وبأنها ستكون سريعة. لكن البريطانيين وجدوا أنفسهم أمام مقاومة القبائل الأفغانية الموحّدة، التي تعرف جيّدا شعاب البلاد ووديانها وجبالها. وذلك الجيش الذي كان قد بسط سلطة التاج البريطاني على مناطق شاسعة من العالم، عرف هزيمة كبيرة. ولم ينجح سوى بريطاني واحد من الذين انسحبوا عبر شعاب جبال كابول، باتجاه جلال اباد. إن المؤلفة- المؤرخة، تقدم توصيفا لتلك الحرب- الكارثة..
"الحرب الأولى" الكبيرة التي عرفتها افغانستان. لكنها كانت بالوقت نفسه "بداية" منافسة استمرت طويلا بين بريطانيا وروسيا من أجل السيطرة على آسيا الوسطى. وتعتمد مؤلفة الكتاب في تحليلاتها، على المصادر التاريخية والمعلومات الأرشيفية. ولكن قبل هذا كله، على الرسائل واليوميات، التي تعود إلى بعض أولئك الذين عايشوا الحملة البريطانية على أفغانستان في القرن التاسع عشر.
وترى نماذج للدلالة على هول دروس التاريخ بشأن هذه الحملة، من خلال أمثلة عديدة، ومنها ما يتجسد في المصير الذي عرفه بعض رموز تلك الحملة، من أمثال السير الكسندر بورنيس، المسؤول عن السياسة البريطانية في كابل، الذي هنأ رئيسه: السير وليام مكناتن، على الهدوء والاستقرار الذي كانت تعرفه أفغانستان في شهر نوفمبر عام 1841. إذ.
وبعد يوم واحد كان بورنيس في منزله الذي تأكله النيران. ثم عقب أسبوع، كانت الحامية العسكرية البريطانية محاصرة، وفي يوم 23 ديسمبر من السنة نفسها، وجدوا جثة مكناتن معلّقة في سوق المدينة. وفي السادس من يناير، عام 1842، بدأ الجيش البريطاني الانسحاب. تلمح المؤلفة إلى أن التاريخ الأفغاني يشابه كثيرا "تراجيديا شكسبيرية"، حسب تعبيرها، أو: "مقبرة للإمبراطوريات"، شارحة أن جميع أولئك الذين حاولوا القيام بمغامرة الغزو، انتهوا إلى هزائم مذلّة، كانت قد واجهتها بريطانيا في أفغانستان. وترى المؤلفة أن بريطانيا أولت اهتمامها الكبير لأفغانستان، منذ بدايات القرن التاسع عشر. واستمر ذلك الاهتمام بقوة، إلى اللحظة التي قررت فيها -مكرهة- التخلي عن إمبراطوريتها في الهند عام 1947، ومن ثم نيل هذه البلاد استقلالها السياسي التام، وخروجها عن سيطرة التاج البريطاني.
وتؤكد المؤلفة أن فترة الحرب الانجليزية- الأفغانية الأولى 1838-1842، كانت حلقة خاصة في الصراع بين الإمبراطورية البريطانية وروسيا القيصرية على آسيا الوسطى. وكان التوسع الروسي في تلك المنطقة من آسيا، قد بدا بمثابة تهديد صريح لأمن الإمبراطورية البريطانية في الهند..
وفي مثل ذلك السياق، وصلت القوات البريطانية والهندية إلى كابل عام 1839. وتلفت المؤلفة إلى أن الأمتعة الشخصية للجنرال البريطاني الذي قاد تلك الحملة احتاجت إلى 260 جملاً لنقلها. كان البريطانيون يقيمون إذاً حساباتهم على "مقولات" موجودة في رؤوسهم وليس في الواقع. والنتيجة كانت هي أنه بدلاً من استبدال الملك الذي لا يطيع مخططاتهم، ويقترب من روسيا بآخر يرضخ لإرادتهم، عرفوا هزيمة منكرة بعد أربع سنوات من الحرب. إن كتاب "الموكب الداكن" هو قبل كل شيء، رواية حيّة لأحداث بعيدة عرفتها أفغانستان.
وتمثل أحد فصول التنافس البريطاني الإمبراطوري وروسيا القيصرية على النفوذ، في منطقة آسيا الوسطى، وما مثلته في إطار ما عُرف بـ: المسألة الشرقية، بأحد وجوهها. وهو أيضا كتاب عن تاريخ القرن التاسع عشر، بـ"نسخته الاستعمارية"، وكذا سياسات القوى الكبرى التوسعية. كما أنه درس في "الجيوسياسة"، ربما يكون ذا فائدة كبيرة بالنسبة لما يجري في عالم اليوم.
عن موقع البيان
الكتاب:
الموكب الداكن.. الغزو البريطاني الفاشل لأفغانستان 1838-1842
تأليف: ديانا برستون
الناشر: والكر أن شركاه- لندن 2012
الصفحات:320 صفحة
القطع: المتوسط
The dark defile
Diana Preston
Walker and Company London - 2012
320 .p
التعديل الأخير: