نظام الأسد:من التوازن الاستراتيجي مع إسرائيل إلى التحالف الاستراتيجي/فيصل القاسم

Nabil

خـــــبراء المنتـــــدى
إنضم
19 أبريل 2008
المشاركات
22,784
التفاعل
17,903 114 0
نظام الأسد: من التوازن الاستراتيجي مع إسرائيل إلى التحالف الاستراتيجي

الدكتور فيصل القاسم



هل تذكرون فترة الثمانينات والتسعينات في سوريا؟
لم نسمع نشرة أخبار سورية واحدة إلا وكنا نسمع فيها عبارة "التواز الاستراتيجي" مع إسرائيل مرات ومرات. لقد صرعنا إعلام حافظ الأسد وقتها بضرورة التواز الاستراتيجي مع العدو. وكان النظام على مدى عقود قبل ذلك يرفع أيضاً شعار "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة"، فحكم بقوانين الطوارئ والحديد والنار، وقمع أي صوت معارض، بحجة أنه في حالة حرب مع ما يسميه بـ"العدو الصهيوني". وقد عاش السوريون أربعة عقود وهم غير قادرين على التجمع في الشارع بمعدل خمسة أشخاص، لأن قوانين الطوارئ تمنع أي تجمع يزيد عن خمسة أفراد، لأن ذلك يشكل خطراً كبيراً على الأمن القومي، وعلى عملية التصدي لإسرائيل برأي المخابرات الفاشية، مع العلم، طبعاً، أن النظام لم يطلق، على مدى أربعين عاماً، رصاصة واحدة باتجاه "العدو" المزعوم، لكنه كان يحكم بعقلية وقوانين الحرب.

والأنكى من كل ذلك أن النظام أوهم السوريين بأنه رأس الحربة العربية في مواجهة المشروع الصهيوني، وكان يضع أي سوري في غياهب السجون لعشرات السنين إذا فقط اشتبه بأن له علاقة، ولو من بعيد جداً بإسرائيل. ولطالما قضى ألوف السوريين في السجون لمجرد الاشتباه بأنهم اتصلوا، ولو بطريقة غير مباشرة، بـ"العدو الصهيوني". وأعرف شخصاً أمضى سنوات في السجن بتهمة أنه أرسل رسالة معايدة إلكترونية إلى أقاربه في فلسطين. وهناك شخص آخر التقى بقريب له يعيش في فلسطين، التقى به في الأردن، فأمضى نصف حياته في الزنازين.

وقد ظن السوريون، وكل الظن إثم في هذه الحالة، أن النظام ألد أعداء إسرائيل في المنطقة، واتخذوا، بناء على ذلك، موقفاً معادياً جداً من إسرائيل، كذباً أو صدقاً، مجاراة لنظامهم "الممانع والمقاوم" (بين قوسين طبعاً). وحدث ولا حرج عن الجيش السوري الذي تربى منذ مجيئ آل الأسد إلى السلطة عام 1970 على عداء إسرائيل، فقد كانت عقيدته القتالية، وما زالت التصدي للصهاينة. لكن المضحك في الأمر أن ذلك الجيش "العقائدي" لم يخض سوى حرب (تحريك لا تحرير) يتيمة ضد إسرائيل في عهد الأسد، وهو، منذ أربعين عاماً وأزيد، يستهلك سبعين بالمائة من الميزانية السورية وهو قابع في المعسكرات والثكنات، بينما اعتدت إسرائيل عشرات المرات على سوريا، ودمرت مواقع نووية واستراتيجية، وكانت تطير الطائرات الإسرائيلية فوق قصر الأسد في الساحل ودمشق كنوع من الاستفزاز، لكن النظام لم يسمح لـ"الجيش العقائدي" بإطلاق رصاصة، فما بالك صاروخ مضاد للطائرات على الطائرات الإسرائيلية المغيرة.

بعبارة أخرى، فقد كانت العقيدة القتالية للجيش السوري في واد، والواقع في واد آخر تماماً. ومن الواضح أن إسرائيل كانت تفهم اللعبة جيداً، بأن التحريض الإعلامي والعسكري الذي يقوم به النظام ضدها للاستهلاك الإعلامي فقط، وأن الجيش السوري ليس لمواجهة إسرائيل، بل لمواجهة الشعب السوري، بدليل أن القصر الجمهوري وقوات الحرس الجمهوري والكثير من الأسلحة الاستراتيجية موجودة على سفح جبل قاسيون مقابل جبل الشيخ الذي تحتله إسرائيل، والذي تستطيع ان ترى من فوقه حركة السيارات في شوارع دمشق. بعبارة أخرى، فلو كان النظام يخشى من إسرائيل فعلاً، لما نصب أسلحته وحرسه الجمهوري على مرأى منها. وقد اتضح بعد الثورة أن السلاح الثقيل الموجود فوق جبل قاسيون المطل على دمشق كان هدفه إرهاب العاصمة تحديداً في حال تحركت ضد النظام. وهذا ما حدث فعلاً، حيث كان القصف على ريف دمشق كله ينطلق من جبل قاسيون.

وقد جاءت الثورة السورية لتؤكد أن الجيش العقائدي المزعوم هدفه الوحيد حماية النظام وإسرائيل من الشعب السوري، بحيث صب حممه على السوريين عندما تحركوا ضد النظام بمباركة إسرائيلية طبعاً، حسب اعتراف الأسد نفسه الذي قال للممثل السوري جمال سليمان في بداية الثورة إن إسرائيل لن تسمح بإسقاط نظامه، وبأنها أعطته الضوء الأخضر لسحق معارضيه. ولعل أبسط سؤال يسأله السوريون الآن بعد ان انكشفت الأكاذيب والأساطير: لماذا لم تستغل إسرائيل ضعف الجيش السوري العقائدي قلعة الصمود والتصدي الذي يزعم النظام أنه يشكل أكبر خطر على إسرائيل، لماذا لم تستغل ضعفه، وتسحق "عدوها المزعوم" بالضربة القاضية وهو في أسوأ وأضعف حالاته؟ لكنها بدلاً من ذلك تصر مع أمريكا على الحفاظ على الجيش السوري وأجهزة الأمن السورية. يا للمفارقة: إسرائيل هي أكثر المطالبين بحماية المؤسسة العسكرية في سوريا، وهي التي استنزفت ثروات السوريين على مدى نصف قرن من الزمان بحجة التصدي لإسرائيل. وكي لا يكون كلامنا بلا برهان، فقط عودوا إلى مقال الصحفي الأمريكي الشهير سيمور هيرش صديق الرئيس السوري الذي قال حرفياً إن: " هيئة الأركان الأمريكية كانت تقدم منذ سنوات معلومات استخباراتية للجيش السوري عن مواقع جماعات المعارضة. وكانت إسرائيل تحديداً هي من ترسل المعلومات الأمريكية مباشرة إلى الجيش السوري "العقائدي والممانع والمقاوم والمعادي" لإسرائيل.

لقد رفع حافظ الأسد شعار "التوازن الاستراتيجي" مع إسرائيل لثلاثين عاماً، وقد ظننا، وكل الظن إثم في هذه الحالة، أن نظام الأسد يريد فعلاً مواجهة إسرائيل، لكننا نشهد الآن بعد أن ذاب الثلج وبان المرج أن النظام لم يكن في واقع الأمر يسعى إلى توازن عسكري مع العدو، بل كان عملياً يقيم تحالفاً استراتيجياً مع إسرائيل، بدليل أن إسرائيل كانت أول المتحالفين مع روسيا التي جاءت خصيصاً لحماية النظام.

عن موقع أورينت نت
 
عودة
أعلى