اللواء زكريا حسين يروي ذكرياته عن ملحمة تحرير الأرض
04 October, 2008 05:02:00
موقع أخبار مصر
:
04 October, 2008 05:02:00
موقع أخبار مصر
:
مازال خبراء الاستراتيجة يدرسون حرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973 التي غيرت كثيراً من النظريات العسكرية بفضل بطولات الجيش والشعب المصري.ومن هؤلاء الأبطال اللواء زكريا حسين مدير أكاديمية ناصر العسكرية سابقا، و خبير الدراسات الاستراتيجية الذي روى لموقع أخبار مصر ذكرياته عن الحرب والاستعداد لها والدروس المستفادة منها والفرق بين مفاوضات السلام في السبعينات والتسعينات. وفيما يلي نص الحوار:
- ما الذى فعلته مصر استعدادا للحرب؟*
الاستعداد لم يكن تخطيط يوم أو شهر أو قرار وليد لحظة,انما استغرق التخطيط للحرب 6 سنوات ، ولذلك لم تكن الحرب عشوائية. وقد انقسمت فترة الاستعداد للحرب الى مرحلتين الاولى استمرت خمس سنوات والثانية لمدة عام كامل شهد وضع اللمسات الاخيرة على الاستعدادات.و قد استمر تدريب القوات المصرية 10 الاف ساعة لكل فرد اى نحو 3 سنوات كاملة فلا وظيفة للقوات المسلحة الا تدريب كل ضابط وجندى على مهمته فى المعركة حتى أصبح كل فرد فيهم يحفظ دوره فى المعركة عن ظهر قلب ويعرف مكانه وكيف يتحرك. وتم خلال السنوات الخمس الاولى إعادة بناء القوات المسلحة والدولة كلها لتحقيق النجاح الذى شهده العالم كله، اما السنة الاخيرة فكانت لإعداد البناء الاستراتيجى للقيام بالمهام المكلفة بها. ولم يحدث تخطيط من قبل بهذه الدقة اعتمادا على العلم والمعرفة ولم تكن الاستراتيجية للقوات المسلحة فقط ولكنها كانت للدولة باكملها لازالة آثار العدوان وإعداد مصر كلها للدفاع ومن ورائها الامة العربية وبدأ عبد الناصر خطة الكفاح بكلمة "لا صوت يعلو فوق المعركة وهذا لم يكن مجرد شعار بل ترجم الى استراتيجية دقيقة شملت خمس خطوات مهمة نفذتها القيادة السياسية بدقة اولها: اعداد الاقتصاد القوى بفكر عسكرى عبقرى لانه كان معروفا انه مع بداية الحرب ستنعزل مصر عن العالم بشكل كامل وسيتم غلق المطارات والموانىء و يتوقف التصدير والاستيراد وكان من الممكن بذلك ان تتوقف الحياة كلها فى مصر ولا احد يعرف على وجه التحديد متى ستنتهى المعركة وهذا مبدأ عسكرى معروف، ولذلك بدأت الدولة فى اعداد مخزونات على مستوى جميع المحافظات كلها بكافة الاحتياجات من أغذية وأجهزة ومعدات ومستلزمات صناعة وصيانة وكل شىء يحتاجه الشعب لمدة ستة أشهر بحيث لا تحدث اى ازمة غذائية أو تتوقف التجارة او الصناعة او المصانع فى مصر .
و تمثلت العبقرية الأخرى فى كيفية توفير الأموال اللازمة لهذا الإعداد الضخم. وقد حدث بالفعل أثناء الحرب محاصرة شعب السويس بالكامل فكان الحل اللجوء للمخزون الاستراتيجى الذى استغرق الإعداد له لمدة خمس سنوات كاملة ولم يحدث خلال حرب اكتوبر اى ازمات غذائية او معيشية بسبب هذا التخطيط.اما الخطوة الثانية فتمثلت فى اعداد الشعب كله لأنه كان يجب تدريب الشعب على تحمل اثار الحرب والمعركة وكان من المحتمل ان يسقط على المواطنين قذائف فكان يجب تعليم الشعب المقاومة الداخلية واسعاف الجرحى والدفاع عن الأرض داخل المدن والمحافظات فكان يتم تدريب الشعب وهذا ما تفوق فيه شعب السويس الذى نجح فى صد فرقتين عسكريتين كاملتين للعدو فى بطولة فريدة من نوعها.وكانت الخطوة الثالثة هى إعداد الرأى العام العالمى للمعركة. والخطوة الرابعة هى ‘عداد أراضى الدولة للدفاع وذلك لجمع القوات المسلحة المصرية من جميع أراضى مصر على الجبهة فى حالة اتخاذ قرار الحرب و كان هذا يعنى حركة فرق كاملة كانت ستشل الحياة اذا تحركت بهذه الاعداد الهائلة داخل المدن ولذلك كان لابد من إعداد طرق لتحرك هذه القوات فتم إنشاء 20 الف كم طرق لتحرك الفرق دون أن تتأثر حياة المواطنين داخل المدن, وكذلك اعداد دشم خرسانية لحماية الطائرات من القذائف، وكذلك كان مطلوبا ان يعرف كل جندى مكانه حتى يتصرف تلقائيا اثناء المعركة كى لا يحدث اى ارتباك او فوضى، والى جانب اعداد الدولة للدفاع كان بناء حائط الصواريخ غرب القناة وهو ما أخذ جهدا وتكلفة مالية كبيرة.أما الخطوة الخامسة فهي اعداد القوات المسلحة و"انا اقصد أن أضعها فى المرتبة الخامسة لأنه الى جانب القوات لابد من إعداد الدولة كلها" و قد صاغت الدولة استراتيجية المخاطرة المحسوبة فى هذه الحرب لأن القوات المصرية لم تكن تملك تفوقاً تكنولوجيا على العدو ولا قدراته النووية فى هذا التوقيت وكذلك التحالف الامريكى كان واضحا ومعلنا لصالح إسرائيل ولذلك كان قرار الحرب يعد مخاطرة ولكنها كانت محسوبة لأنه تم إعداد القوات بشكل متميز وتمت إزالة كافة المصاعب التى يمكن أن تواجهها ، وهذه المخاطرة المحسوبة نجحت بعكس مخاطرة 67 التى كانت غير محسوبة، وقد استمرت هذه الاستراتيجيات لمدة خمس سنوات بشكل متوازى فى مسار واحد .
- ماذا عن أبطال حرب أكتوبر الذين لا يعرفهم أحد و لم تسلط عليهم الأضواء؟*
من خلال استراتيجية الحرب سنجد أبطالاً غير معروفين مثل رجال الاقتصاد الذين عملوا على توفير الإمكانات المالية اللازمة و أماكن المخزونات والتعاقدات السرية لعمل هذه المخزونات، وكذلك جميع الاستراتيجيات كان لها أبطال وايضا العمال الذين بنوا الطرق 20 الف كم تحت وطأة ظروف الحرب ليل نهار ، والقصف المستمر من العدو الذى كان يتدخل دائما لمنع العمال المصريين من بناء الطرق والدشم الخرسانية والساتر الترابى وكان يموت عدد كبير من هؤلاء العمال الذين أصروا على استكمال عملهم تحت القصف الجوى الصاروخى والمدفعى.و لو لم يكن هؤلاء العمال أبطالا فى الواقع لما تمت هذه المهام وسط الموت ،ورغم ذلك لا أحد يعرف عنهم شيئا و لا يعرف أحد كيف يعيشون هم أو أسرهم ولم تسلط عليهم الاضواء رغم أنهم كانوا أهم عناصر النصر.وأيضاً هناك بطولات شباب القوات المسلحة من الضباط والمجندين، فحين واجهتنا مشكلة فى عبور قناة السويس بالقوارب المطاطة وعددها 1100 قارب مطاط، وذلك بسبب وجود صمامات نابالم إسرائيلية ترفع درجة حرارة النار في القناة إلى 400 درجة مئوية إذا تم فتحها كان لا بد من وجود حل سريع وجاء هذا الحل من عسكرى شاب حين اقترح ان يقوم فريق من الشباب المجندين بالسباحة ليلة الحرب اي قبل فجر 6 أكتوبر و يقوم بسد هذه الفتحات بإحكام شديد لمنع العدو من فتحها وتمت هذه المهمة ليلا وتحت الماء دون أن يشعر بهم أحد.بالإضافة الى ذلك نجح المهندسون الشباب والعمال فى إنشاء الكبارى المائية فى 8 ساعات فقط بدقة شديدة تحت الماء وتحت القصف المدفعى الإسرائيلى. ومن الأبطال الجندى الذى صعد الساتر الترابى لأول مرة ليقوم بتثبيت الحبال والسلالم ليصعد عليها القوات وكل ذلك تحت قصف اسرائيلى مكثف، كما تم تخصيص مجموعة استشهادية للذهاب الى داخل سيناء الإبطال مفعول المدافع الإسرائيلية طويلة المدى فى 7 او 8 مواقع داخل سيناء، ولذلك فإن نجاح حرب أكتوبر لم يكن نجاحا للقادة فقط وإنما كان نجاحا لكل المصريين.وتلك المعركة برز فيها التضامن العربي بشكل أو بأخر ,ودخل سلاح البترول أيضا كعنصر مساعد فى الحرب ,وقد عمل هزة شديدة ودخل البترول العربي داخل كل بيت أوروبي نتيجة هذه الحرب، وقال كبار المحللين إنه لأول مرة يتضامن العرب في تلك الحرب.
وماذا عن أهم الدروس المستفادة من حرب أكتوبر؟*
استغلال عنصر المفاجأة أهم درس، وقد تصور الكثيرون أن تحقيق عامل المفاجأة صعب في ظل وجود أقمار الصناعية لكن حرب أكتوبر أثبتت أن الأقمار الصناعية لا تلغي عنصر المفاجأة، أما الدرس الثانى فهو أن العوامل المائية حتى لو كان خلفها خط دفاعي ضخم مثل "بارليف" لايمكن أن تحول دون مهاجم، هذا بالاضافة إلى ضرورة التدريب الجيد والمستمر والاستعداد الفائق وتوفير الأسلحة اللازمة وقد نجح "حزب الله" اللبناني في تطبيق نموذج حرب أكتوبر وصد العدوان الإسرائيلى.
- كنت عضوا فى الوفد المصرى لتوقيع معاهدة السلام مع إسرائيل ، كيف ترى العلاقة الحالية بين مصر وإسرائيل، والفرق بين هذه المفاوضات ونظيرتها التي جرت في التسعينات؟*
لم توجد فترة تحقق فيها السلام والتعامل السلمى بين مصر وإسرائيل بشكل فعال أكثر من الفترة الحالية ولا توجد أى توترات مع إسرائيل نتيجة حرص النظام المصرى على السلام فى المنطقة . و تعتبر الأحداث التى تشهدها المنطقة نتيجة حتمية لنهاية نصف قرن من الصراع بشقيه المسلح والسلمي, فحروب48 و67 و73 وغيرها من الحروب والمصادمات لم تحسم هذا الصراع, وبالتالي كان ضروريا أن تتجه التجارب الحديثة إلي السلام, ولكن هناك فارق كبير بين سلام السبعينيات وسلام التسعينيات, فالأول تم في وقت كانت فيه موازين القوي كلها تصب لصالح العرب, وأنا لا أنسي عندما كنت عضوا في وفد مصر في مفاوضات معاهدة السلام في واشنطن كم كانت مرارة الإسرائيليين وهم يجلسون معنا علي مائدة التفاوض وكم كنا نطرح قضيتنا بشموخ, ولذلك حققنا سلاما حقيقيا.أما مع بداية عام91 فقد أصبح الأمر مختلفا لأن ميزان القوي تحول بالكامل لصالح إسرائيل في ثلاثة مجالات مهمة, أولها الجانب العسكري, فالعرب حتي مطلع التسعينيات كانوا يمتلكون تفوقا كبيرا علي إسرائيل في القوة العسكرية, وكان هذا التفوق متمثلا في عدة مراكز منها القوة العراقية فهي علي حد علمي لم تكن قوة تقليدية بل كانت متفوقة, وليس خافيا علي أحد من العسكريين الكبار أن العراق كان قد اقترب من إكمال مشروع القنبلة النووية وكان مقدرا له الإنتهاء منها قبل ثلاثة أشهر من الغزو العراقي للكويت, وكانت توجد أيضا القوة الليبية وذلك بعد أن حصل الليبيون علي تعاقدات كبيرة بأسلحة غير تقليدية من الجانب السوفيتي قبل انهياره ولكن أمريكا تنبهت إلي ليبيا مبكرا وفرضت عليها الحصار مثلما فعلت فيما بعد مع العراق, وإذا أضفنا باقي القوي المصرية والسورية والخليجية سوف يصبح مجموع هذه القوي ثلاثة أضعاف القوة التي كانت تمتلكها إسرائيل. الجانب الثاني يتمثل في الاقتصاد العربي والإسرائيلي ففي الوقت الذي خسر فيه العرب تريليون دولار ـ ألف مليار ـ منذ بداية التسعينيات هي إجمالي فاتورة حرب الخليج وما تلاها من تداعيات, حصلت إسرائيل علي 166 مليار دولار في غضون عشر سنوات ماضية كلها معونات أجنبية في إطار الاستراتيجية التوفيقية التي قامت عليها دولة
- والآن وبعد كل هذه السنوات، كيف ترى طريقة التفكير الإسرائيلية فى التفاوض مع القيادات الفلسطينية في الفترة الراهنة؟* إسرائيل ليس لديها أى نيه لإقامة دولة فلسطينية ، سواء على مستوى القيادة أو الشعب ، من هذا المنطلق فنحن نتحدث فى عبث شديد ، وزيادة حدة الشقة والفرقة بين الاشقاء العرب نقطة قوة لصالح إسرائيل ، فالعرب غير متفقين والفلسطينيون انفسهم غير متفقين ، لمصلحة من كل هذا الانشقاق العربى والفلسطينى الذى يعتبر اول علامات فشل المفاوضات لانهم غير جادين فى الوصول لحل فى القضية.اذا لم توجد وحدة وطنية بين الفلسطينيين فكيف نطالب دولة مثل إسرائيل بالتفاوض معهم وتحقيق مطالبنا فى إقامة دولة فلسطينية، و بالاضافة لذلك لا الظروف الحالية داخل اسرائيل ولا القيادات العربية او الاسرائيلية الحالية يسمح بإقامة مثل هذه المفاوضات الا بعد انتهاء الانتخابات الإسرائيلية والأمريكية وهذا يعنى على الأقل عام ونصف لا يمكن خلالها الوصول الى اى اتفاق. المصدر : موقع أخبار مصر