القتال في الجبال

إنضم
26 سبتمبر 2007
المشاركات
2,743
التفاعل
3,152 13 8
الدولة
Egypt
بسم الله الرحمن الرحيم

قليل من الباحثين والكتاب والمؤرخين الذين يتوقفون عندما يمكن تسميته بقتال الجبال، فالمعركة الحاسمة المرتبطة بحرب الحركة عادة ما تجذب الأضواء وتبهر الأنظار بشدة وهجها وعظيم نتائحها سواء بالنسبة لما يحققه بطل المعركة من مكاسب وما يحصل عليه من غنائم أو من حيث ما ينزله بالخصم من هزائم ونوائب وكوارث.

ولم تعد هذه المعركة الحاسمة مرتبطة بالحرب البرية التي عادة ما تقع في الصحارى الشاسعة، وإنما أصبحت شاملة للمعارك البحرية وحتى المعارك الجوية. وهكذا بقيت معارك الحروب الأخرى مثل قتال الجبال وقتال الغابات والقتال داخل المدن وسواها بعيدة عن الأضواء، وليس لها نصيب كبير من الألق والشهرة، حتى كأن فن الحرب قد أسقط من حسابه مثل هذه الأعمال القتالية رغم أهميتها، ورغم قيمتها وصعوباتها وما تحققه من نتائج قد تكون قريبة من تخوم المعركة الحاسمة، أو قد تكون أكبر من نتائج تلك المعركة الحاسمة.

وإذن فإن قتال الجبال ذو طبيعة خاصة مقترنة بطبيعة الجبال ذاتها، وله أيضاً أهدافه المميزة، وطرائق قتاله الفعّالة وحتى أسلحته. وهذا ما أكدته معارك هذا القتال الجبلي في القديم والحديث على السواء.


1. الجبال وخصائصها القتالية


استطاع قادة الحرب إحراز قصب السبق قبل زمن طويل من تعامل علماء الطبوغرافيا والجيواستراتيجيا مع الجبال فهم - بحكم معاناتهم القاسية، ومن خلال خبراتهم المكتسبة والمتراكمة استطاعوا التمييز الواضح بين الجبال،

فهذه المرتفعات والرواسي ليست متساوية في أحجامها، ولا هي متعادلة في طبيعتها، ولا هي متماثلة في خصائصها وميزاتها، فهناك الجبال ذات المنحدرات الحادة والمرتفعات الشاهقة، وهناك الجبال المقطعة، التي هي أقرب إلى التلال منها للجبال، وهناك أيضاً الجبال المكسوة بالغابات، والتي يصعب معرفة مجاهيلها واكتشاف مضامينها، إلى الجبال الجرداء المحرومة من الغطاء النباتي.

إذن فقد يكون من طبيعة الأمور أن تتباين طرق التعامل مع الجبال في الأعمال القتالية بحسب خصائص تلك الجبال ومميزاتها الطبيعية والصناعية وما يتوافر لها من المحاسن والمساوئ للأعمال القتالية الهجومية أو الدفاعية الثابتة أو التأخيرية (المؤقتة).

ولكن، وعلى الرغم من وفرة الحالات الخاصة للأعمال القتالية في الجبال مما يفرض التعامل مع كل عمل من هذه الأعمال بمعزل عن الأعمال الأخرى إلا أن هناك قواسم مشتركة أو مبادئ عامة تنطبق على معظم الأعمال القتالية في الجبال، ولعل من أكثرها أهمية بحسب تجارب الحروب، ما يلي:
أولاً: خداع النظر وصعوبات التقدير، إذ من المعروف أن الأجسام تبدو أصغر حجماً وأكثر بعداً عند النظر من الأسفل إلى الأعلى، فيما تكون الأمور مناقضة لذلك عند النظر من الأعلى إلى الأسفل.

ويصبح من الصعب على سبيل المثال إحكام الأسلحة ذات الرمي المستقيم عند التعامل مع أهداف متباعدة بالعمق (وحتى الأسلحة الفردية عندما تكون الأهداف بعيدة نسبياً). ويمكن على كل حال الحصول على نوع من الدقة في تقدير المسافات بالاعتماد على وسائل للمقارنة (شواخص ومؤشرات) أو باللجوء إلى التقانة (مقدرات المسافات والمناظير المجهزة بالأشعة الليزرية أو الأشعة تحت الحمراء للرؤيا الليلية وسواها).

ثانياً: ضيق أفق الرصد، ووفرة المباغتات، حيث تتوافر في المناطق الجبلية، حتى ما كان منها من نوع التلال والهضاب، ثنايا كثيرة وتعرجات مختلفة، وتباين كبير بين المنحدرات مما يسمح للقوات المنتشرة في الجبال، والتي تتقن أعمال الإخفاء والتمويه واستثمار الطبيعة الطبوغرافية للأرض، أن تظهر في الوقت المناسب لتوجه ضرباتها القاتلة والمدمرة لقوات العدو.

وقد تتمكن القوات المتقدمة في الجبال من تنظيم شبكاتها الاستطلاعية بشكل محكم، وقد تنجح في توسيع أفق الرصد قدر استطاعتها لضمان أمن القوات، ولكن يبقى هناك مجال واسع في الأعمال القتالية الجبلية لتحقيق أنواع كثيرة من المباغتات.

ثالثاً: صعوبة اختيار محاور العمليات، ذلك أن المسالك والدروب عبر شعاب الجبال ووديانها عادة ما تتشكل عبر أزمنة متطاولة، مما فرض على الإنسان المقاتل استخدام ما هو متوافر من الطرق والمسالك، والعمل على تحسينها وتطويرها من أجل تلبية متطلبات التحركات العسكرية الكبيرة والكثيفة.
ولقد أصبحت الوسائل الهندسية المتوافرة (الجرافات والحفارات وآلات التسوية ..إلخ) قادرة على تقديم المساعدات الضرورية لشق الطرق، وصنع محاور جديدة للعمليات، ولكن ذلك يحتاج إلى مزيد من الوقت، وهو ما يتناقض مع متطلبات الحركة (السرية والكتمان) كما أن التزام القوات بمحاور محددة تفرضها الطبيعة الجبلية، تجعل هذه المحاور هي الأكثر عرضة للتهديد والخطر، لأنها تستقطب إليها جهود القوات المتصارعة على مسرح العمليات.

رابعاً: صعوبة الأعمال القتالية الجبلية، فالأعمال الهجومية في الجبال تحتاج لإعداد خاص. وتدريب شاق نظراً لما يفرضه التحرّك في الجبال والمناورة من جهد كبير كما أن الأعمال الدفاعية تحتاج بدورها للتكيّف مع احتمالات نقص المياه والموارد الغذائية، علاوة على تبدلات الأحوال المناخية، وأحياناً توافر الحيوانات المفترسة، مما يجعل الأْعمال القتالية الجبلية مميزة بصعوباتها ومشاقها، والتي تتزايد مع تزايد حجم القوات وتنوع وحداتها المقاتلة، وما هو مقترن بالطبيعة الخاصة للجبال، ولهذا لم يكن غريباً أن يتم في الجيوش الكبرى إعداد وحدات جبلية خاصة لقتال الجبال (كما في بلاد الشمال الأوروبي).

خامساً: ضرورة التحصين الهندسي للأرض، إذ تبدو أهمية هذا التحصين واضحة لدعم الطبيعة الحصينة للأرض، وللإفادة من ميزاتها حتى أبعد الحدود، فاستخدام الموانع الصناعية، وزرع بعض الألغام في مناطق يتم اختيارها بصورة جيدة، وإعدادها لتدمير بعض النقاط أو الحواجز التي تشكّل عند تدميرها سدوداً قوية، وكذلك إنشاء المقار الميدانية وتنظيم شبكات الخنادق وخنادق المواصلات وإقامة المستودعات في أعماق الجبال.

كل ذلك مما يمكن اعتباره ضرورياً لزيادة قوة المواقع الحاكمة، وتسهيل التحرّكات والمناورات وضمان أمن القوات. ويبدو أن هذا التحصين الهندسي للأرض هو أكثر سهولة وأكبر فاعلية في الجبال منه في السهوب أو على السواحل أو في أية مناطق قتالية أخرى بما في ذلك التنظيم الدفاعي على تخوم الغابات وسواها نظراً لإمكانات التحكّم بمحاور العمليات.

سادساً: التنظيم الإداري والإمداد، فالقوات المقاتلة في الجبال قد تجد نفسها في أحيان كثيرة تحت دائرة الحصار، وفي حالة من العزلة، مما يرغمها على الصمود قدر المستطاع، وحتى أعلى درجات الصمود، مع الاستمرار في المقاومة العنيدة. وهي بالتالي تحتاج لمخزون كبير من الذخائر المتنوعة، والمواد التموينية، والمياه؛ لاسيما أن الإمداد جواً ليس مضموناً بصورة دائمة ولا ثابتة، كما أن تحرّك القوات البرية لإنقاذ القوات الواقعة تحت قبضة الحصار، قد تتأخر لبعض الوقت لأسباب كثيرة تفرضها الأعمال القتالية على امتداد مسارح العمليات.

ولابد هنا من تذكّر حقيقة أن القوات الجبلية هي قوات ذات تسليح خاص، وتجهيز يتناسب مع طبيعة الجبال. وإذن فعملية التنظيم الإداري والإمداد للقوات الجبلية هي عملية دقيقة، وذات أهمية كبيرة، إذ برهنت التجارب التاريخية منذ أقدم العصور أن الأعمال القتالية الجبلية كثيراً ما تحولت إلى كوارث ونكبات بسبب ضعف التنظيم الإداري أو حتى غيابه.

ويبقى هناك مجال رحب للبحث في مبادئ حرب الجبال وقواعدها تبعاً لخصائص الجبال ذاتها، ونقدم هنا من تجارب القلاع و التحصينات القديمة دروساً مهمة وذات قيمة ثابتة حتى في عصر ثورة التقانة، فتلك القلاع والتحصينات غالباً ما كانت تحتل مواقعها فوق قمم الجبال، أو عند ذراها الاستراتيجية، أو عند الممرات الإجبارية والمواقع الحاكمة، وكانت القلاع والحصون بمثابة مدن عسكرية مجهزة بكل المتطلبات الضرورية لدفاع طويل الأمد، ولمعركة ضاربة،

وليس ذلك يؤكد حقيقة التكامل بين وسائل الدفاع الطبيعية في الجبال ووسائل التحصين الصناعية وحسب، وإنما يؤكد أيضاً حقيقة العلاقة بين قتال الجبال وقيمة العامل الجيواستراتيجي المتوافر في قتال المناطق الصعبة.


2. تجارب الحروب


تبقى التجارب التاريخية للحروب هي المدرسة الحقيقية لاستخلاص أسس فن الحرب ومبادئه وإمكانات تطويره، ولقد عرف تاريخ فن الحرب منذ أقدم العصور تجارب كثيرة لقتال الجبال، وقد يكون من المفيد التوقّف قليلاً عند بعض التجارب:
أولاً: لقد كانت جيوش العالم القديم تتجنب قدر المستطاع اقتحام الجبال، أو خوض المعارك في متاهاتها، ولهذا فإنها عادةً ما كانت تلتف من حولها، أو تتحرك على جنباتها، أو تستخدمها للعبور من دروبها،

ولعل أمثولة القائد القرطاجي (هاني بعل 247 183 ق.م) هي أفضل أمثولة للإفادة من الممرات والدروب الجبلية للحركة ولتحقيق المباغتة الاستراتيجية، ففي سنة 217 ق.م قاد (هاني بعل) جيشه الكبير عبر دروب جبال البيرته (البرتات كما يسميها المؤرخون المسلمون والتي تفصل بين أسبانيا وفرنسا) ثم اخترق بعدها جبال الألب في أقسى مسيرة عسكرية عرفها التاريخ، لينحدر من شمال إيطاليا محققاً المباغتة المذهلة التي ضمنت له أروع الانتصارات في معارك تبان وتريبي وترازيمين ثم كاني، وبقيت هذه التجربة من أكبر التجارب التاريخية للتحركات العسكرية عبر الجبال.

ثانيا: جاءت تجارب الفتوحات الإسلامية لتبرز أهمية الجبال ودورها في سياسات الحروب، ففي الفترة (14 17ه = 635 638م) كانت جيوش العرب المسلمين قد أنجزت فتوحات بلاد الشام والعراق، ويومها أصدر أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أوامره بإيقاف الفتوح عند تخوم جبال زاغروس شرقاً مع الفرس، وشمالاً عند جبال الأمانوس مع الروم.

وكان ذلك قراراً مذهلاً، إذ عدّ الجبال حاجزاً طبيعياً لا يجوز زج قوات العرب المسلمين في متاهاته، ولكن، عندما استمر الفرس في تحرّشهم وفي أعمالهم العدوانية، أصدر أمير المؤمنين عمر أوامره باستئناف الفتوح فكانت معركة (نهاوند فتح الفتوح 21ه = 642م) هي نقطة الانطلاق للتوغّل في بلاد فارس. ويمكن هنا ملاحظة نقطتين مهمتين، وهما:

1. الإفادة من الممرات والدروب للتقدم عبر بلاد فارس.

2. اختبار محاور العمليات التي تسير على أطراف الجبال والمرتفعات والعوائق الطبيعية، وإلى جانب ذلك، كان العرب المسلمون يحاولون الإفادة من الجبال ومنعتها وقوتها لحماية أجنحتهم ومؤخراتهم، مع تجنّب التوغّل في المناطق الجبلية.

وتعدّ قصة (سارية بن زينم) واستناد جيشه إلى (الجبل) من القصص التي تبرز السياسة العسكرية الإسلامية تجاه قتال الجبال، والتي أكدتها تجارب الحروب العربية الإسلامية مع الروم، والتي عرفت طوال العصر الأموي (سواء في الشام أو الأندلس بعد ذلك) باسم (حرب الثغور) أو (حرب ماوراء الدروب) والتي تحوّلت إلى غزوات منتظمة عرفت باسم (الصوائف والشواتي).

وفي فتوح المغرب العربي (شمال أفريقيا) تحركت جحافل الفتح العربي الإسلامي على المحاور الساحلية متجنبة بذلك الدخول في عمق المناطق الجبلية، إلى أن تم ارتياد مداخلها ومخارجها واستطلاع مجاهيلها مع الإفادة من الجبال لحماية أجنحة جيوش الفتح. وعندما انتقل العرب المسلمون لفتح الأندلس (92ه 710م) نظم طارق بن زياد أشهر (سد استراتيجي) في (وادي لكة) حيث تم الاستناد إلى الجبال لتنظيم ترتيب قتالي عميق يمكن له الصمود في وجه قوات (القوط) المتفوقة والتي كان يتولى قيادتها (رودريك أولذريق). وعندما نجح المسلمون في حسم المعركة جاء التحرك نحو الشمال عبر محاور متوازية بعيدة عن عوائق الجبال وصعوباتها.

ثالثاً: تجربة حرب البلقان في الحرب العالمية الثانية، حيث عدّت هذه التجربة من وجهة نظر أوروبا على الأقل من أغنى تجارب الحروب الجبلية بالدروس التطبيقية لمبادئ الحرب وقواعدها، وفي الواقع، فإن احتلال القوات الألمانية (النازية) لأقطار أوروبا الغربية، قد اقترن بتنظيم المقاومة من قبل الحلفاء (بريطانيا وأمريكا وروسيا) وكانت جبال فرنسا والبلاد المنخفضة مسرحاً للأعمال القتالية الجبلية التي كانت تعتمد على العمليات الصغرى (الكمائن والإغارات والأعمال التخريبية وتوجيه الضربات باستمرار لقوات الاحتلال).

ولقد حفظ أدب الحرب الغربي مؤلفات كثيرة (وقائع ويوميات ومذكرات) تبرز أهمية الأعمال القتالية في الجبال ودورها في استنزاف قدرة الجيوش الألمانية (مادياً ومعنوياً).

غير أن حروب البلقان (بقيادة المارشال جوزيف بروز تيتو) قد تميزت عن بقية الأعمال القتالية الأوروبية بعدد من الخصائص، لعل من أهمها: استثمارها الرائع لطبيعة البلاد الجبلية، وتنظيم البلاد وربط بعضها ببعض بشبكة محكمة، والكفاءة العالية في اختيار الأهداف، وتنظيم الأعمال القتالية في حدود الزمن والمكان المناسبين، وهذا مما أرغم القيادة الألمانية على زج أفضل تشكيلاتها القتالية على مسرح البلقان، مما ساعد على تخفيف الضغط الألماني عن الجبهة الشرقية (السوفيتية) في أصعب مراحل الحرب وأشدها قسوة وعنفاً، وهذا مما ساعد قيادة الحلفاء أيضاً على تنظيم عملياتهم بداية من شمال أفريقيا، ونهاية بصقليا وإيطاليا.

رابعاً: وإذا كانت تجربة حرب البلقان قد عدّت نموذجاً للحرب ضد جيوش نظامية في مناطق جبلية، فإن هذه الحرب قد تطورت عبر الصراع المسلح عندما تحولت فصائل القوات البلقانية (اليوغوسلافية) إلى جيوش نظامية أيضاً، تمتلك الأسلحة الثقيلة وتخوض معاركها على جبهات واسعة؛ مما أبرز إمكانات خوض معارك الجبال في إطارحروب جيوش نظامية.

وقد جاءت حروب ما بعد الحرب العالمية الثانية (والمصنفة في إطار الحروب الثورية) لتسير على هذا الاتجاه ذاته، بمعنى إطلاق شرارة الحرب بقوات مقاومة غير نظامية، ثم التحوّل إلى حرب بجيوش نظامية تكون الجبال هي المسرح الرئيس لأعمالها القتالية. ولقد كانت الحرب الفيتنامية (1954 1975م) والحرب الجزائرية (1954 1962م) نموذجاً لهذه الحروب المتطورة.

انطلقت شرارة حرب الجزائر (أو حرب التحرير الجزائرية) بقوات قليلة، غير أن هذه القوات استندت إلى قواعد الجبال الحصينة في منطقتي (الأوراس والقبائل) وكانت مغاور هذه الجبال وكهوفها وافتقارها لمحاور العمليات ووعورة أرضها وغاباتها وشدة منحدراتها هي الملجأ الأمين لقوات (الثورة)، حيث كانت هذه القوات تنطلق لعملياتها الصغرى (الكمائن والإغارات والأْعمال التخريبية) ثم تعود إلى ملاجئها المحصنة التي أمكن تطوير قدراتها الدفاعية عبر التحصين الهندسي للأرض.

وأمكن لجحافل الغزو الفرنس خلال سنوات الصراع المرير أن تجتاح قواعد الثورة في المناطق الجبلية في مرات متتالية ومن خلال تقسيم مسارح العمليات إلى مناطق يتم تطهيرها على التتابع، غير أنه كان من المحال على القوات الفرنسية المتفوقة الإفادة من تفوقها لنشر القوات في كل أرجاء البلاد الجزائرية وبصورة دائمة، وكانت تلك نقطة قوة الجزائر بين الذين كانوا سرعان ما يعودون إلى قواعدهم الجبلية فور انسحاب القوات الفرنسية. ولقد خسر الجزائريون أكثر من مليون شهيد، غير أن خسارة القوات الفرنسية كانت كبيرة أيضاً، وعندما وصلت الحرب نهايتها كانت قوات الثورة الجزائرية قد تحولت إلى جيش نظامي، فيما كانت الجيوش الفرنسية مستنزفة مادياً ومعنوياً.


كانت حرب الهند الصينية (الفيتنامية) تسير على محور مواز لمحور الثورة الجزائرية، فقد انطلقت شرارة الثورة من جوف الجبال الوعرة المغطاة بالغابات في أقصى شمال البلاد (بقيادة هوشي منه وقائده الجنرال جياب)، ثم تطورت الحرب وكانت معركة (ديان بيان فو) نموذجاً للحروب الجبلية، فقد نظّم الفرنسيون دفاعهم القوي حول هذه القلعة التي كانت تمسك بمفاتيح الدلتا، ووضعوا فيها أفضل قواتهم؛ وشحنوها بكل متطلبات الدفاع من أسلحة وذخائر ومواد تموينية لتكون قاعدة للهجوم وليس للدفاع فقط. غير أن القوات الفيتنامية استطاعت حفر الخنادق للمواصلات وتنظيم شبكة محكمة من الطرق، وأمكن لهم فرض حصار محكم على هذه القاعدة في تشرين الثاني (نوفمبر) 1953م،

وكانت الاشتباكات بالنيران (التناوش عن بعد) والأعمال القتالية الصغرى مستمرة حتى يوم 13 آيار (مايو) 1954م، حيث وصلت الأعمال القتالية نهايتها بسقوط (ديان بيان فو) في قبضة جيش التحرير الفيتنامي، واضطرت فرنسا لقبول الشروط الفيتنامية والانسحاب من هذه (المستعمرة)، وكان ذلك نقطة تحوّل جديدة في أفق الحروب الجبلية أيضاً، إذ وقفت الجيوش الأمريكية على أعباء الحرب في جبال فيتنام، لتضع نموذجاً جديداً من نماذج الحروب الجبلية، وهو نموذج (حرب التقانة في الجبال).


3. التكنولوجيا وقتال الجبال


جاءت الحرب الفيتنامية لتشكّل نقطة التحول الحاسمة في طريق تطوير التكنولوجيا الخاصة بقتال الجبال، فخلال عقدين من الصراع المرير، وعبر حوار الإرادات المتصارعة، ظهرت الحاجة لتقانة متطورة تستجيب لمتطلبات الظروف الصعبة للقتال، فكان من ذلك على سبيل المثال:

أولاً: لقد كان الدفاع عن النقاط الحاكمة والمواقع ذات الأهمية الاستراتيجية يتطلب ما هو أكثر من اللجوء إلى أسلحة الرمي المنحني (مدافع الهاون والهاوتزر)، فكان اللجوء إلى حوامات الدعم الناري التي تستطيع التعامل بالرمي المباشر مع الأهداف (بالرمي المستقيم بالرشاشات والصواريخ).


ثانياً: ظهرت الحاجة أيضاً لتجاوز حدود محاور التحرّك الأرضية (البرية) والتي تكون عادة مهددة باستمرار، فجاء تطوير حوامات النقل (طائرات الهليوكبتر الثقيلة لنقل القوات) للوصول مباشرة إلى الهدف.


ثالثاً: كان التحرّك عبرالجبال يهدد القوات دائماً بالتطويق والعزل والانحراف (أو حتى تغيير الاتجاهات)، فكان لابد من تطوير وسائط الرصد و الاستطلاع الجوي بحيث تتكامل شبكات الرصد الجوي مع شبكات الرصد الأرضي (البري)، وبحيث تبقى القوات على اتصال دائم مع بعضها البعض، وعلى اتصال مع قياداتها ومع الأنساق السفلى لتبادل المعلومات، وتبادل الدعم والتعاون.


رابعاً: أظهرت (الحرب الفيتنامية) أيضاً الحاجة لتطوير شبكات الاتصال في إطار تطوير الحرب الإلكترونية، والحرب الإلكترونية المضادة، وبذلك كانت هذه الحرب نقطة التحوُّل الحاسمة في الدور المتعاظم (لثورة التقانة) في العمل العسكري، وبذلك قدمت حرب الجبال في فيتنام ما هو ضروري لتطوير كل فروع التقانة.


خامساً: وفي إطار إعادة التنظيم الشامل للقوات وتسلحها، كان لزاماً تطوير الأسلحة الفردية (البواريد، والقاذفات الصاروخية، والمقذوفات المضادة للدروع) بهدف زيادة الكثافة النارية للتعامل مع الأهداف القريبة، حيث تتزايد في الأْعمال القتالية الجبلية احتمالات الاشتباكات الفردية وقتال الالتحام والقتال القريب.


سادساً: وتبعاً لذلك كان لابد من تنظيم قوات خاصة للأعمال القتالية الجبلية، حيث تتوافر الكهوف والمغائر والأنفاق والملاجئ، ويعدّ تنظيم (الجرذان الخضراء) نموذجاً لمثل هذه التنظيمات التي يمكن إعدادها تبعاً لطبيعة الجبال، فالوحدات الجبلية في النرويج والسويد مثلاً تعتمد على فرق المتزلجين، فيما تعتمد الوحدات الجبلية الروسية على وحدات المغاوير والقوات المنقولة جواً.


وبإيجاز، فإن ما أمكن إنجازه من تطوير للتقانة، استجابة لتحديات القتال في الجبال، وما تبع ذلك واقترن به من تطوير للتنظيمات القتالية الجبلية، وحتى للأساليب القتالية، قد شكّل برهاناً حديثاً وإضافياً لحقيقة ارتباط التقانة والتسلح بالتنظيمات القتالية، وبطرائق العمليات، كما شكّل في الوقت ذاته برهاناً على أن هذه التقانة قد جاءت لعلاج ما ظهر من ثغرات ومن نقاط ضعف في الأعمال القتالية الجبلية في أصعب ظروف القتال الحديثة. ولإبراز هذه الحقيقة يمكن العودة إلى الملامح العامة لقتال الجبال في حالات الدفاع والهجوم:

1. في حالات الدفاع:: عادة ما يتم اختيار المناطق ذات الأهمية الاستراتيجية مثل محاور العمليات وطرق المواصلات والمراكز ذات الأهمية الخاصة كالمصانع والمنشآت العلمية ودور الصناعة الحربية إلخ حيث تقوم القوات عندها بالاستناد إلى الموانع الجبلية القوية ويتم تحصينها هندسياً،

ويكون الخط الدفاعي الأول والخطوط التالية عند خطوط تبدل المنحدرات، مما يسمح باستثمار خصائص الأسلحة ذات الرمي المستقيم (لغمر منطقة القتل بكثافة نارية عالية).

ولابد من أن يضمن مثل هذا التنظيم الدفاعي الحماية من كل الجهات (نقاط الاستناد المغلقة والمواقع الدفاعية المتباعدة) وذلك بحسب ما تفرضه طبيعة الأرض ذاتها؛ وفي مثل هذه الأحوال لا يعدّ سقوط أحد المواقع الدفاعية كارثة أو نكبة لمسرح العمليات، إذ باستطاعة بقية المواقع الدفاعية الاستمرار في المقاومة، والتعامل مع (الثغرة) التي سقطت من النطاق الدفاعي بعزلها وتطويقها وتوجيه الضربات النارية إليها حتى يتم استعادتها بالهجمات المضادة وإعادة التوازن المفقود للنطاق الدفاعي.

2. أما في حالات الهجوم: فقد جاءت التقانة لتضمن للقوات حرية الحركة أرضاً وجواً، ولم تعد العوائق الجبلية ولا السدود والموانع والتحصينات مهما بلغت من القوة والمنعة بعيدة عن الضربات النارية، ولا قادرة على منع قوات الهجوم من الوصول إلى أهدافها مباشرة. فماذا يعني ذلك كله؟ وهل يعني أن الدفاع في الجبال والهجوم قد وصل إلى حالة الممانعة، بحيث أصبح القتال الجبلي عقيماً وغير مفيد؟

مرة أخرى نقول: إن التقانة هي ملك مشاع ورصيد مشترك يمكن لكل الجيوش امتلاكها والحصول عليها والإفادة من إنجازاتها، وهي حيادية دائماً (ونزيهة)، بحيث لا تقدم امتيازاً خاصاً للهجوم على حساب الدفاع، ولا تمنح الدفاع قدرة تستلبها من الهجوم. وليس على قادة الحرب ومهندسيها وصانعي قراراتها وواضعي خططها إلا مجابهة متطلبات الحرب بعقول مبدعة تستفيد من إنجازات العلم والتقانة للوصول إلى النصر الحاسم.

هكذا كان شأن العلم والتقانة منذ أقدم العصور، وهكذا سيبقى الوضع في ظروف (ثورة التقانة) وفي أفق المستقبل أيضاً. ويقودنا ذلك إلى الإقرار بالحقيقة التالية، وهي: إن الجبال وعوائقها وموانعها ومجاهيلها لا تمتلك من الناحية العسكرية قوة ذاتية، وإنما تستمد هذه القوة والقدرة من خلال استثمار خصائص هذه الجبال وميزاتها سواء للدفاع أو للهجوم وذلك عبر التحصين الهندسي للأرض، وعبر استخدام منجزات العلم والتقانة عند تنظيم الأعمال القتالية.


ويظهر من خلال ذلك كله أن الجبال مثلها كمثل سائر المناطق الصعبة والقاسية ليست هي المناطق الأفضل للقتال، وأنه من المناسب الابتعاد عنها، وعدم التورّط في اقتحامها كلما كان ذلك ممكناً، وبالتالي فإن خيار (القتال في الجبال) هو خيار تفرضه ضرورة الأعمال القتالية على مسرح العمليات بمجموعه في إطار هدف الحرب، ومن ذلك على سبيل المثال:

أولاً: استنزاف قدرة الخصم، وليس الوصول إلى الحسم، حيث تختار القوة الأصغر والأضعف عدّة وعدداً أن تجعل من الجبال قاعدة مأمونة لها، بهدف كسب الوقت وزيادة الاستعدادات للقتال وتطوير قدراتها من خلال استنزاف قدرة هذا الخصم بعمليات صغرى مزعجة وليست قاتلة مع تجنّب خوض معارك كبيرة تسمح للخصم باستثمار قوته المتفوقة لسحق المقاومة والقضاء عليها، وعادة ما تكون هذه القوى الضعيفة هي قوى محلية أو وطنية تجابه قوى وجيوش أجنبية.


ثانياً: الإفادة من الجبال وصعوباتها لنشر قوات ليس من أهدافها القتال في الجبال ولو أنه لابد من مجابهة احتمال خوض معارك هذا القتال وإنما الهدف هو تنظيم قواعد يتم منها إطلاق وحدات استطلاع للعمل فيما وراء الجبال السهول والمدن لجمع المعلومات ومعرفة نوايا العدو واستعداداته القتالية، وتعمل هذه القوات مع كتلة القوات أو الجيوش الرئيسة التي تخوض حربها في السهوب وبعيداً عن المناطق الجبلية.

ويمكن تصنيف هذا النوع من الأعمال القتالية في إطار (المهمات أو الواجبات الأمنية) والتي تعمل على ضمان استقرار مسارح العمليات وحماية القوات الصديقة التي قد تجابه تهديدات غير متوقعة، فيما لو تمّ تنظم القواعد الأمنية في الجبال.

ثالثاً: الإفادة من الجبال ودروبها لتوجيه الضربات الإجهاضية المسبقة (وإشغال العدو بنفسه).
وبذلك تكون الجبال مجرد ممرات لعبور القوات نحو أقاليم البلد المعادي. وتجدر الإشارة مرة أخرى إلى أن العرب المسلمين كانوا هم أول من نظم هذا النوع من الأْعمال القتالية الجبلية في إطار ما عرف باسم (حرب الثغور) والتي كانت تنطلق منها (الصوائف والشواتي البرية والبحرية) في غزوات منتظمة ودورية لأقاليم (ما وراء الدروب)، وهي عمليات لم يكن هدفها الاحتلال ولا القضاء على العدو، وإنما هدفها هو حرمان العدو من توجيه تهديداته لبلاد الإسلام؛ وقد تركزت هذه الحروب على بلاد الروم في شمال بلاد الشام، وعلى بلاد الفرنج في شمال بلاد الشام، وعلي بلاد الصليبين في شمال الأندلس (أسبانيا).


4. في أفق حروب المستقبل


عرفت السنوات الأخيرة من القرن العشرين عدداً من الحروب المحدودة التي كانت مسارح عملياتها الرئيسة مقترنة بالأعمال القتالية الجبلية، وكان من أبرزها الحرب الأفغانية الروسية (1981 1990م)، وحربي الشيشان الأولى والثانية (1992 1994م) و (1999 2001م)، وكذلك حرب البلقان (أو حرب كوسوفو 1999م)،

وجاءت مسيرة الأعمال القتالية لهذه الحروب وتطوراتها ونتائجها بمثابة تأكيدات حديثة لخلاصة المبادئ والأسس والطرائق الخاصة بقتال الجبال، فكانت بالتالي دليلاً لحروب المستقبل.

فبالنسبة للحرب الأفغانية الروسية، كانت الحرب بين قوتين غير متكافئتين ولا متبادلتين، إذ كان الاتحاد السوفيتي (السابق) آنذاك هو ثاني قوة عسكرية في العالم وأول قوة في القوات البرية وقد خاض الحرب ضد فصائل أفغانية تلقت دعماً خارجياً عسكرياً ومالياً عبر باكستان.

وقد أفادت هذه الفصائل من طبيعة البلاد الجغرافية الجبلية و ظروفها المناخية الصعبة، ووعورة مسالكها، فأمكن لها تنفيذ أعمالها القتالية لاستنزاف القدرة السوفيتية، دون التورط في معارك كبيرة أو أعمال قتالية حاسمة. وكان عامل الزمن في مصلحة المقاومة الأفغانية إذ استطاعت تطوير قدراتها القتالية بصورة مستمرة، واستثمار تقانة الأسلحة الحديثة، لحرمان القوات المقابلة من حرية العمل العسكري. وقد كانت هذه الحرب محنة حقيقية بالنسبة للقوات السوفيتية، اعترف بها قادة الحرب من عسكريين وسياسيين،

وتم توظيف نتائجها بصورة غير مباشرة في أحداث (تفكك الاتحاد السوفيتي)، وكانت الحرب بمجموعها صراعاً سياسياً عقائدياً ذا أبعاد عالمية، برهنت فيه المقاومة الأفغانية على أن العامل الجغرافي (الجبلي) هو عامل حاسم في هذا النوع من الصراع، حيث تستطيع القوة الأكثر ضعفاً والأقل تنظيماً، والأقل عدداً، والأقوى معنوياً، الاعتماد على الجبال للوصول إلى نوع من التوازن وحتى التفوق مع قوى الخصم.


وأما بالنسبة لحربي الشيشان الأولى و الثانية، فقد استطاعت المقاومة الشيشانية تطبيق مبادئ وأسس حرب الجبال بصورة رائعة لاستنزاف القوة العسكرية الروسية، وأمكن لها الإفادة من الظروف الدولية، ومن الظروف الداخلية الروسية (ظروف التحوّلات العالمية الكبرى) لتحقيق التوازن بين العمل العسكري والعمل السياسي، مما أرغم القيادة الروسية على بذل جهود للوصول إلى (هدنة مؤقتة) أفادت منها روسيا أكثر مما أفادت منها القيادة الشيشانية لإعادة تنظيم العمل السياسي (الدولي) والعمل العسكري.

وقد كانت القيادة الشيشانية تضع في اعتبارها احتمال غدر القيادة الروسية للاتفاقات السياسية والعسكرية التي تم الوصول إليها، فعملت على بذل جهود كبيرة لتحصين المواقع الجبلية هندسياً، ولتنظيم الملاجئ ومراكز القيادات الميدانية ومستودعات الأسلحة والذخائر والمواد التموينية ... إلخ.


وعندما بدأت حرب الشيشان الثانية، كانت القيادة الروسية قد استوعبت دروس تجربة الحرب الشيشانية الأولى، فقسمت البلاد إلى دوائر وإلى قطاعات يتم اقتحامها وإعادة الاستيلاء عليها عبر مراحل قتالية متتالية، كما أفادت القيادة الروسية أيضاً من دروس (حرب كوسوفو) لزيادة الاعتماد على التقانة وعلى وسائط الحركة الجوية وزيادة كثافة الدعم الناري للقوات البرية.

وعلى الرغم من التفوق الساحق للقوات الروسية بالقوى والوسائط القتالية، فقد استطاعت المقاومة الشيشانية الإفادة من قوة التحصينات والمواقع الجبلية، ومن الدعم الشعبي القوي، للصمود طويلاً، واستنزاف القدرة الروسية معنوياً ومادياً بدرجة كبيرة. ولقد برهنت التجربة من جديد على أهمية اقتران العمل السياسي بالعمل العسكري في هذا النوع من القتال، إذ ظهر واضحاً منذ بداية الجولة الثانية لهذه الحرب أنه من الصعب الوصول إلى نصر عسكري شيشاني، ولكن، وبالمقدار ذاته، فقد أثبت استمرار المقاومة ولو بمعدل منخفض أنه لابد في النهاية من الوصول إلى تسوية تكون نتائجها لمصلحة المقاومة ولمصلحة شعب الشيشان.


وبقي للعامل الجبلي دوره الحاسم في هذا النوع من الحروب، إذ على الرغم من قدرة القوات الروسية على تحويل البلاد إلى مجموعات متناثرة من الأنقاض، فإن المقاومة الشيشانية استمرت في متابعة صراعها لبلوغ أهدافها.


جاءت بعد ذلك حرب كوسوفو لتقدم نموذجاً جديداً من حرب الجبال، فقد وضع الطرفان المتصارعان (قيادة حلف شمال الأطلسي والقيادة اليوغوسلافية) خلاصة الدروس المرتبطة بحرب الجبال وأولها التجربة الذاتية ليوغوسلافيا في الحرب العالمية الثانية والتجربة الفيتنامية ولهذا قامت بلغراد بكل ما هو ضروري لتحصين الجبال ونشر القوى والوسائط القتالية على امتداد الصفحة الجغرافية للبلاد، بهدف استنزاف قوات حلف شمال الأطلسي وحرمانها من عوامل تفوقها بالتسلح والتقانة، ومقابل ذلك، فإن قيادة حلف شمال الأطلسي وضعت مخططاتها على أساس حرمان الصرب (بلغراد) من فرصة استنزاف القوات البرية وذلك بعدم زج مثل هذه القوات على مسرح العمليات والإفادة من عوامل التفوق الجوي بالتسلح والتقانة والكثافة النارية العالية فكانت حرباً عجيبة خاضتها القوات الجوية وحدها، وأمكن لها تحقيق الهدف السياسي من الحرب (إرغام بلغراد على الاستسلام).


وعلى الرغم من أفكار المدارس العسكرية في العالم لمبدأ الاعتماد على نوع واحد من صنوف الأسلحة في الحرب (القوات الجوية) وعدم المبالغة كثيراً في الاعتماد على التقانة والتسلح المتفوق، إلا أن هذه التجربة ستبقى نقطة تحوّل مثيرة في أفق (حروب الجبال) إذ من المحال الافتراض أن تكون حرب الجبال القادمة نموذجاً مطابقاً لحرب كوسوفو. غير أنه من المحال أيضاً الافتراض بإمكان اعتماد القدرة النارية وحدها عاملاً لإلحاق الهزيمة بالخصم.


خلاصة القول، إن حرب الجبال ستبقى محتفظة بمبادئها وأسسها وعلى الرغم من تدخّل التقانة للحد من صعوبات هذا النوع من الحروب، وعلى الرغم أيضاً من تعاظم القدرات لتجنب الأعمال القتالية في الجبال، إلا أن الجبال ستبقى محتفظة بقيمتها الاستراتيجية حتى لو انتقصت التقانة من هذه القيمة، أو استلبتها بعض أهميتها، ففي الظروف غير الطبيعية للحروب، وعندما تتفجر الأعمال القتالية بين قوى غير متكافئة ولا متوازنة، لا يكون هناك أمام الطرف الأضعف أو الأقل تسلحاً وتقانة من سبيل إلا سبيل تطوير المقاومة باستنفار كل عوامل القتال والعوامل المساعدة (جيواستراتيجياً وبشرياً وفكرياً ومناخياً .. إلخ) لزيادة الصعوبات أمام أعمال القوات المعتمدة على عوامل تفوقها المادية، ولهذا فقد عالجت المدارس العسكرية في العالم قضية الحروب المحدودة في أفق المستقبل من خلال زوايا متعددة،

ربما كان في طليعتها العامل الديني أو العامل العقائدي، والقدرة على استنفار مواهب العقل والإبداع للتغلّب على نقاط الضعف الذاتية، واستلال عوامل التفوق من الخصم أو إبطالها، وذلك هو بإيجاز محور (الإرادات المتصارعة) والتي تعدّ حرب الجبال نوعاً متلاحماً بكل أنواع الحروب وفي كل أرجاء الأرض .

المصدر

 
موضوع جميل لصاحب اجمل
لقد نسيت ذكر المعارك التي خاضها عبد الكريم الخطابي في جبال الاطلس المغربية ضد قوات اسبانية بزعامة الجنرال سيلفستر و قوات فرنسية, حيث الحق بهم خسائر كبيرة اضطرت فيها لاقوتان للاتحاد.
كما اعجب بذلك الزعيم الصيني ماو تسي تونغ, و استفاد بل تعلم الامريكيون نفسهم من تكتيكات المناضل المغربي لتطبيقها في حربها على فييتنام.
 
يعيطك العافية خصائص القتال في الجبال تجدها في الدول العربية مل اليمن
والمناطق الجنوبية في السعودية ولاحظرني اي منطقة اخرى
 
خسرت القوات الامريكية خسائر كبيرة في افغانستان
تم تقليلها بالكثير من التقنيات العسكرية من مجسات واجهزة رؤية ليلية
وحساسات بصرية لتقليل الخسائر والتي لولاها لكانت خسائرهم تشابه تلك
الخسائر في فيتنام

الف شكر على الموضوع الجميل
 
الجبال تعد مصيدة حقيقية و مروعة للجيوش النضامية ... بل كابوس بمعنى الكلمة ...خصوصا اذا كانت ممزوجة بتكتيكات حروب العصابات الحديثة ..هذا يذكرنا بملاحم عبد الكريم الخطابي في جبال الريف (16 الف قتيل اسباني في معركة واحدة ...تصوروا !!!! ) و لكي لا ندهب بعيدا فان التخوف التركي من عملية برية واسعة شمالي العراق يعود الى تضاريس الشمال العراقي الوعرة و القيادة التركية تعرف انها ستدخل نفسها في جحر أفعى اذا توغلت في كردستان...
تقبلوا تحياتي ..........
 
الحرب فى الجبال صعبه جدا لذال تلجأ امريكا فى افغانستان اللى قنابل الكهوف

زيزووووووووووووو
 
جبال الونشريس مرغت انوف الفرنسيين


جبال جرجرة ومعارك اكفادو وسيدي علي بوناب
Djurdjura%202003.jpg


جبال الاوراس



 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
الجبال رعب الجسوش بفعل
خاصة ان كانت جبال غاببة كما في الجزائر
 
مع تطور وسائل الحرب الإليكترونية والإستطلاع لم تعد الجبال تفيد إلا في مجرد حروب عصابات كر وفر
 
عودة
أعلى