أمضت البشرية عقوداً من الزمن بحثاً عن مصادر نظيفة بديلة للطاقة ولكن دون جدوى، فحالما يظهر مصدرٌ محقِّقٌ للمعايير يقوم أحدهم بالكشف عن عيب فادح فيه. جميع أنواع الطاقة البديلة المعروفة النووية منها والريحية والشمسية والكهرمائية قد تعرضت للنقد بشكلٍ أو بآخر، فالانشطار النووي التقليدي خطرٌ للغاية و الرياح غير منتظمة الهبوب وأشعة الشمس لا تخترق دوماً الغيوم والسدود الكهرمائية تخلُّ بالأنظمة البيئية الطبيعية.
يمكننا باستخدام الهيليوم-3 من القمر في تفاعلات الاندماج النووي أن نمدَّ الأرض بالطاقة دون أن ينتج عن ذلك أي ملوِّثات حقوق الصورة: HowStuffWorks 2008
وبذلك يبدو أنَّ أيَّ حلٍّ قابلٍ للتطبيق يقع على بعد سنوات ضوئية- حرفياً، إذ يعتقد بعض الباحثين أنَّ الحلَّ لاحتياجاتنا الطاقية يكمن في النجوم. من العنفات الريحية على المريخ إلى اندماج الهليوم-3، ويتطلع البشر بشكلٍ متزايدٍ إلى مصادر خارج كوكب الأرض من أجل تأمين حاجاتهم من الطاقة, وأحد هذه المصادر التي يجري البحث عنها هو عنصر الهيليوم -3 لاستخدامه في تفاعلات الاندماج النووي, فبشكلٍ معاكسٍ للانشطار النووي الذي يشطر نواة ذرة ما إلى نصفين، يوحِّد الاندماج النووي النوى لإنتاج الطاقة.
عندما تمَّ اختبار الاندماج النووي بين نظيري الهيدروجين وهما الديوتيريوم (deuterium)، والتريتيوم (tritium)، نشرت تلك التفاعلات معظم طاقتها على شكل نيوترونات مشعَّة مثيرةً بذلك مخاوف إضافية تتعلق بالسلامة والإنتاج. ومن جهة أخرى فإنَّ الهيليوم-3 آمنٌ جداً فهو لا يصدر أي ملوثات أو نفايات إشعاعية ولا يشكِّل أي خطر على المناطق المحيطة.الهيليوم-3، وهو نظير لعنصر الهيليوم، يمتلك بروتونين اثنين و نيوترون واحد فقط، عندما يُسَخَّن لدرجات حرارة عالية جداً ويتّحد مع الديوتيريوم، يُطلق التفاعل الحاصل كمياتٍ كبيرةً جداً من الطاقة، فكمية لا تتجاوز 2.2 باوند (تعادل واحد كيلوغرام) من الهيليوم-3 متَّحدةً مع 1.5 باوند (0.67 كيلوغرام) من الديوتيريوم تنتج 19 ميغاواط من الطاقة، وهذا يعني أن حوالي 25 طناً من المادة يمكن أن يمدَّ الولايات المتحدة بالطاقة لسنة كاملة.المشكلة الوحيدة تتمثل في عدم وجود 25 طناً من الهيليوم-3 في متناول اليد، إلَّا أنَّ ما يبعث على الطمأنينة هو أنَّ القمر يمتلك مثل هذه الكمية، في الواقع يُقدِّر العلماء أن القمر يحتوي ما يزيد على مليون طن من هذا العنصر، الطاقة المختزنة في كل تلك الكمية من الهيليوم هي عشرة أضعاف كمية الطاقة التي يمكن أن تجدها في كل الوقود الأحفوري الموجود على الأرض. وإذا ما قُدِّرت مالياً فإنَّ قيمة الهيليوم-3 ستعادل أربعة مليارات دولار للطن الواحد بما يتصل بالطاقة التي ينتجها مقابل نظيرها من النفط.المسائل الوحيدة المتبقية تتثَّمل بمستلزمات استخراج الهيليوم و الضبط الجيد لعملية الاندماج, ولابدَّ للمفاعلات الحالية أن تحافظ على درجات الحرارة العالية اللازمة لإنتاج الكهرباء، كما أنَّ الهيليوم-3 المستخرج من سطح القمر سيتطلَّب الكثير من التكرير إذ أنَّه يتوفَّر بتراكيز منخفضة جداً في التربة. إنَّ أكثر مصدر واعد للوقود ذي المنشأ الفضائي يبدو أنَّه موجودٌ سلفاً هنا على الأرض.
على الرَّغم من أنَّ الطاقة الشمسية في متناول يدنا هنا على الأرض إلَّا أنَّ هناك فوائد لتحصيلها خارج غلافنا الجويِّ، فإلى جانب السبب الأكثر وضوحاً والمتمثِّل بتجنب استعمال مساحة واسعة من الأرض لوضع مجموعات ألواح الطاقة الشمسية، هناك حقيقة أنَّ الشمس في الواقع تسطع بشكل أكبر في الفضاء الخارجي، وفي هذه الحالة تكون أكثر بثماني مرات. ودون وجود المعوقات المتمثِّلة بالأمطار والغيوم وأوقات الليل فإنَّ المنظومات الشمسية المتمركزة في الفضاء ستتلقى أشعة شمسية مركَّزة بشكلٍ أكبر مما ستفعل على الأرض، ولن تكون الألواح الشمسية خاضعةً أيضاً لتقلبات الفصول التي لا يمكن تجنبها على الأرض. إنَّ الطاقة الشمسية الفضائية space solar power، أو (اختصاراً) SSP، ستعمل بشكلٍ أساسيٍّ بنفس طريقة عمل الطاقة الشمسية العادية. الفرق الوحيد هو أنَّ الألواح الشمسية ستكون إمَّا محمولةً على أقمار صناعية تدور حول الأرض أو مثبتةً على سطح القمر (وفي هذه الحالة سيطلق عليها تسمية الطاقة الشمسية القمرية lunar solar power أو اختصاراً LSP). وسيتم تحويل الكهرباء المولَّدة إلى موجات قصيرة تُرسل إلى كوكب الأرض ويتم التقاطها بهوائيات مصحِّحة rectifying antennas، أو اختصاراً rectennas، وتحويلها من جديد إلى كهرباء. وإذا بدى لك الأمر معقداً جداً فلتأخذ بعين الاعتبار أنَّ أقمار الاتصالات تقوم بأمرٍ مماثلٍ عندما ترسل محادثاتك الخلوية. إضافة لما سبق نجدُ أنَّ البعض اقترحوا إمكانية وضع ألواح الطاقة الشمسية على أقمار الاتصالات.
يمكن لقمرٍ صناعيٍّ شمسيٍّ كهذا أن يتلقى طاقة شمسية أكثر بثمانية أضعاف من مثيله على الأرض. حقوق الصورة: NASA
في الواقع، إنّ إحدى الأسباب التي جعلت الطاقة الشمسية الفضائية تحظى بهذا الاهتمام الكبير هو أنَّ جميع المعدات والتقنيات اللازمة قد طُوِّرَت وفُهِمت سلفاً، فإرسال الموجات القصيرة أصبحت تقنية قديمة، والخلايا الشمسية أكثر كفاءة بثلاث مراتٍ تقريباً مما كانت عليه سابقاً. بعض المقترحات الأولية في السبعينيات وضعت تصوراً لمنظومات ألواح طاقة شمسية عملاقة بأبعاد 3 إلى 6 أميالٍ (5 إلى 10 كيلومترات) تُرسل أمواجًا قصيرة إلى هوائيات مُصحِّحة ذات حجمٍ مشابه. هذه الأقمار التي تقع على ارتفاع 22,300 ميل (36,000 كيلومتر) تبقى ثابتة الموقع بالنسبة للأرض طوال الوقت. وفي حين أنَّ القمر الواحد من هذه الأقمار الصناعية سينتج كميات هائلة من الطاقة تعادل ضعفي مردود الطاقة التي ينتجها سد هوفر Hoover Dam، فإنَّ إطلاق مشروعٍ بهذه الضخامة أثبت أنَّه أمرٌ مستحيلٌ اقتصادياً.
المقترحات الحديثة باستخدام أقمارٍ أصغر حجماً تدور حول الأرض بشكلٍ مستمر ستكون أكثر قابلية للتطبيق وستنتج مردوداً كبيراً من الطاقة أيضاً. فيمكن لقمرٍ ذي عرضٍ أقل من 1000 قدمٍ (300 متر) يدور على ارتفاع 300 ميل (540 كيلومتر) فوق الأرض أن يزوّد ألف منزل بالطاقة. حتى البنتاغون يشارك في هذا المشروع، فقد أطلق دراسةً تصف بالتفصيل تطبيقات تزوِّد العمليات العسكرية بالطاقة. وتدرس كل من اليابان، وروسيا، وأوروبا، وجزيرة بالاو هذا الأمر أيضاً. يُقدّر بعض الخبراء أنَّ مشروعاً اختبارياً يمكن إجراؤه بحلول عام 2012 وأنَّ كميات لا يستهان بها من الطاقة يمكن أن تأتي من الفضاء قبل بداية القرن القادم. وكأي تقنيةٍ جديدةٍ، تتمثَّل العقبة الرئيسية في الوقت الحالي بالتكلفة، فإطلاق وإنشاء وصيانة مزرعة للطاقة الشمسية على القمر سيتطلب عدداً هائلاً من الأيدي العاملة ومبالغ ضخمة من المال. وعلى ما هو الحال عليه اليوم فأنًّ تكلفة إطلاق جسمٍ إلى الفضاء أكبر بألف مرَّة من تكلفة نقله عبر البلاد على متن طائرة، رغم أنَّ كمية الطاقة المستهلكة في كلا الحالتين هي ذاتها. ولكن في حال تمكّنت ناسا من إيجاد جيلٍ جديدٍ من عربات الإطلاق التي يمكن إعادة استخدامها فمن الممكن أن تنخفض التكاليف، دون أن نغفل حقيقة أنَّ القمر الصناعي الشمسي يمكن أن يردَّ الطاقة التي استٌخدِمت لإرساله إلى مداره في أقل من خمسة أيام. يتفق العديد من الناس على أنَّه ما أن نبدأ في استنزاف المصادر الطبيعية للأرض فإنَّ التطلع إلى السماء من أجل إيجاد حلٍّ يمكن ألّا يكون استثماراً خاسراً.