انبثقت فلسفة الملك فيصل تجاه القضية الفلسطينية من منظورين، الأول: هو التضامن مع دول المواجهة العربية (مصر، سورية، والأردن) وهي الدول التي تتحمل العبء الأكبر من الصراع ضد إسرائيل، والمنظور الثاني: هو تنمية قوة المملكة العسكرية الذاتية للدفاع عن حدودها القريبة من إسرائيل.
وإذا ما نظرنا إلى المنظور الأول نجد أن الملك فيصل كان داعية تضامن وتآزر بين الدول العربية قاطبة، حيث أكد -يرحمه الله- على أهمية التضامن مع الأقطار التي تواجه الخطر الإسرائيلي، أما من حيث اهتمام المملكة بحماية حدودها القريبة من فلسطين وتحصينها، فحرص الملك فيصل على تقوية الجيش وتسليحه بأحدث المعدات، فشهدت السبعينيات من القرن الماضي بداية ظهور قوة عسكرية يحسب حسابها، وبدأت المملكة في إعداد برامج تدريب حديثة لأبنائها العاملين في الجيش بفروعه المختلفة.
البعد الإسلامي
كان للاهتمام الشديد من قبل الملك بالقضية الفلسطينية أثره الواضح في تأكيده الدائم على الجانب الإسلامي للقضية، خاصة أن الإسلام يعد المحور الرئيس للتوجه السعودي داخل المملكة وخارجها.
وتمثل البعد الإسلامي للقضية الفلسطينية عند الملك فيصل في مبدأين طرحهما على جميع المسلمين في مختلف المناسبات الدينية هما: الأهمية الدينية القصوى للمسجد الأقصى، وضرورة حماية الثقافة والوجود الإسلامي في فلسطين.
أولا - الأهمية الدينية للمسجد الأقصى:
تجسد هذا الاهتمام عندما خطب في وفد الحجاج بمكة المكرمة في إحدى المرات قائلاً: "لست في حاجة أن ذكركم أن هناك مقدسات لكم تداس وتهان يوميا، فهناك أرض المعراج، وهناك أولى القبلتين، وهناك ثالث الحرمين الشريفين، فهو لنا جميعا وليس لأحد دون أحد، أنه ليس للعرب دونكم، أيها الاخوة، ولكنه للمسلمين جميعاً".
ثانيا - حماية الثقافة الإسلامية:
استثمر الملك فيصل موسم الحج كأعظم مؤتمر سنوي للمسلمين وذلك لاستنفارهم لحماية الحضارة والثقافة الإسلامية وللذود عن ديار الإسلام، ومن ثم نجده ينادي التضامن الإسلامي بل يدعو إلى الجهاد المقدس لتحرير الأرض والوطن.
وظل يدافع عن فلسطين في مختلف المناسبات والمحافل الدولية، وزيرا للخارجية ثم ملكا، وكانت من علامات إخلاصه للقضية الفلسطينية، أنه قال لوزير خارجية أمريكا عند زيارته للمملكة عام 1974م: "إن إعادة تدفق النفط إليكم مرتبط بإعادة القدس والأراضي العربية المحتلة وحل القضية الفلسطينة حلا مرضيا للفلسطينيين".
مبادئ أساسية
كانت المبادئ التي رسمها الملك فيصل - يرحمه الله- بالنسبة إلى قضية فلسطين سياسة ثابتة للملكة العربية السعودية تنطلق من الحق العربي الأصيل في فلسطين العربية طبقا للحقائق التاريخية المجردة.
ووفقا للمبادئ التي صاغها الملك فيصل تعتبر المملكة دولة غير منحازة، وقد اشتركت في مؤتمر بلجراد الذي وضع بداية حركة عدم الانحياز التي تنادى بالقضاء على جميع أشكال الإمبريالية والعنصرية، والتوسع والعمل من أجل نزع السلاح الشامل الكامل والتسوية السياسية لجميع النزاعات الدولية، كما بدأ الحوار العربي الأفريقي في عهده. إن دور الملك فيصل بالنسبة للحق العربي العادل في فلسطين ينطلق من حقائق تاريخية حاسمة لا تقبل الجدل.