صورة بصرية مُركّبة للمجرة القطبية الحلقية NGC 660 تم التقاطها بواسطة المقياس الطيفي جيميني مُتعدد الأجسامGemini Multi-Object Spectrograph الموجود على متن تلسكوب فريدرك سي جيليت جيميني الشماليFrederick C. Gillett Gemini North Telescope وذلك في شهر آب/أغسطس 2012.
المصدر : مرصد جيميني / أورا AURA
يقوم حالياً فريقٌ من عُلماء الفلك الراديوي، بقيادة الدكتورة ميغان أرغو Megan Argo من مركز جودرل بانك لفيزياء الفضاء (Jodrell Bank Centre for Astrophysics) برصد ثُقبٍ أسود يبعد عنا مسافة 42 مليون سنة ضوئية، وتفوق كتلته كتلة شمسنا بحوالي 20 مليون مرة، وهو يعود للحياة من جديد بعد فترة سُباتٍ طويلة. استيقظ هذا الثقب الأسود بطريقة درامية، حيث بدأت المواد بالسقوط داخله لأول مرة منذ ملايين السنين. وقد قامت الدكتورة أرغو بنشر تقريرٍ حول العمل الذي قاموا بإنجازه بتاريخ 9 حزيران/يوليو في المُلتقى الوطني لعلم الفلك (National Astronomy Meeting) الذي عقد في مركز Venue Cymru في مدينة لاندودنو، ويلز.
تحتوي كل مجرةٍ في هذا الكون تقريباً، بما فيها مجرتنا درب التبانة، على ثُقبٌ أسود في مركزها. تكون هذه الثقوب هادئة أغلب الوقت ولا يظهر منها سوى تأثير جاذبيتها الخفية التي تعمل على تشكيل المناطق المُحيطة بها. لكن في حوالي 10% من المجرات الموجودة في الكون يكون الثُقب الأسود الموجود في المركز أكثر نشاطاً من غيره، حيث يقوم بابتلاع المواد وقذفها إلى الفضاء على شكل نفثات عملاقة. لكن هذه الدراسة الجديدة قدمت ولأول مرة دليلاً مُقنعاً على المرحلة التي تسبق مرحلة نشاط الثقب الأسود والتي تُعتبر مُقدمةً لها. وقد توصّل العلماء إلى هذا الاكتشاف من خلال رصدهم لثُقبٍ أسود في مركز المجرة NGC 660 التي تبعُد عنا مسافة 42 مليون سنة ضوئية في كوكبة الحوت (Pisces).
تُعتبر المجرة NGC 660 مثالاً رائعاً على المجرات التي تنتمي لفئة المجرات القطبية الحلقية (polar ring galaxies). وهذه المجرات، مثل معظم المجرات الأخرى، تحتوي على قرصٍ سميكٍ يضم نجوماً وكتلاً من الغازات. لكن NGC 660 تحتوي أيضاً على قرصٍ أكبر ذي كثافةٍ مُنخفضة يحتوي على نجومٍ وكتلٍ أصغر من السُّحب حيث تُولد النجوم، ويدور هذا القرص في مدار حول قُطبي المجرة. ويعتقد العلماء أن هذه القرص الإضافي ليس سوى بقايا لاصطدام وقع بين هذه المجرة ومجرةٍ أخرى في الماضي وتسبب في تشتيت وتشويه شكل المجرة.
لاحظ عُلماء الفلك في عام 2012 أن المجرة NGC 660 قد أصبحت فجأة أكثر سطوعاً بمئات المرات خلال عدة أشهر فقط، وذلك بعد أن قاموا بإجراء مسحٍ بواسطة تلسكوب أريسيبو الراديوي (Arecibo radio telescope) في بورتو ريكو. لكن المجرات العادية لا تُغّير من شدة سُطوعها بهذه السرعة نظراً لأن المجرات عبارةٌ عن نظمٍ كبيرة تحتوي على مُكونات أصغر كالنجوم والغاز والغبار. وعلى الرغم من أن النجوم والغازات والغبار التي توجد داخل كل المجرات غالباً ما تشهد تغييرات جذرية، إلا أن هذا التغيّر صغير مقارنة بحجم المجرة، بالتالي تبقى درجة سطوع المجرات مستقرةً جداً بغض النظر عن النشاط الذي يحدث داخلها.
إلا أن النتائج الأولية قد أظهرت في حالة مجرة NGC 660 أن أحد الأجرام السماوية الموجودة داخل المجرة قد شهد تغيّراً كبيراً أدى إلى ازدياد شدة سُطوعه بشكل بارز. وقد أشار العلماء إلى أن هذه الحالة سببها إما انفجارٌ لنجمٍ ما، أو نشاطٌ للثقب الأسود المركزي فائق الكتلة. ومع هذا، فقد انحصرت الملاحظات التي سجلها تلسكوب أريسيبو (Arecibo) في التلميح لما حدث ولم يتم تقديم أية تفاصيل.
قام فريقٌ من العلماء على مدى السنوات الثلاث الماضية تحت قيادة الدكتورة أرغو بالبحث في أرشيف النتائج التي حصلت عليها تلسكوبات أرضية وفضائية، وقاموا باستعمال ثلاثة مراصد راديوية هي تلسكوب إي-ميرلين البريطاني (e-MERLIN telescope) الذي يتم تشغيله في مرصد جوردل بانك، وتلسكوب مصفوفة ويستربورك في هولندا (Westerbork array)، وشبكة VLBI الأوروبية (EVN) التي تشمل أيضاً تلسكوبات في روسيا، والصين، وجنوب أفريقيا.
تمتلك الصور التي يتم الحصول عليها من أطباق التلسكوبات الراديوية المنفردة دقة ضعيفة للغاية، ولذلك يقوم الفلكيون بربط عدة تلسكوباتٍ بعيدة عن بعضها لجعلها تعمل كأداةٍ واحدة ضخمة، وهي تقنية تُعرف بقياس التداخل (interferometry). ومن خلال الاستفادة من العمل المتضافر لهذه الشبكة من التلسكوبات، فقد استطاع الفريق رؤية المجرة NGC 660 بدقة.
خريطة المنطقة الوسطى من "NGC 660" التي التقطت باستخدام شبكة "VLBI" الأوروبية في أكتوبر 2013، والتي تبين كثافة متراوحة من منخفضة (الأسود) إلى مرتفعة (الأبيض) .1. موقع الثقب الاسود. 2. التدفق القدم من النظام باتجاهنا .3. يعتقد بأنه تدفق تتحرك بعيدا عنا . المصدر : ميغان أرغو ( JCBA/ (Megan Argo
هذا وتُظهر الصور الجديدة بعض المعالم التي يبلغ عرضها سنة ضوئية واحدة في تلك المجرة البعيدة، أي ما يقرُب من رُبع المسافة بين الشمس و النجم ألفا قنطوروس (Alpha Centauri) ثاني أقرب نجمٍ إلينا. ومن خلال هذه الصور تمكّن العلماء من الكشف عن وجود مصدر أشعة راديوية جديدٍ ساطعٍ جداً في مركز مجرة NGC 660، أي في نفس المكان الذي يُعتقد أن الثقب الأسود المركزي فائق الكتلة موجود فيه.
لا تُصدر الثقوب السوداء الخامدة كميات كبيرة من الإشعاعات، لذا فالطريقة الوحيدة التي يمكن الاعتماد عليها للكشف عن هذه الثقوب هي من خلال مُراقبة تأثير جاذبيتها على مدارات النجوم المحيطة بها. لكن الوضع مختلفٌ بالنسبة للثقب الأسود الموجود في مركز المجرةNGC 660، إذ أن هذا الثقب واضحٌ جداً، فهو أكثر سطوعاً بمئات المرات من أي شيء آخر تم رصده في مركز هذه المجرة حسب ما أفاد به العلماء بعد أن قاموا بدراسة أرشيف الصور الراديوية التي تم التقاطها قبل العام 2010.
وبهذا الخصوص تقول الدكتورة أرغو: "لدينا العديد من الأمثلة على المجرات التي تحتوي على ثقوبٍ سوداء نشطة، ونحن نعرفها كلها، إذ عادةً ما تُصاحبها تدفقاتٌ ضخمةٌ جداً تمتد على مسافة ملايين السنوات الضوئية في الفضاء ما بين المجرات. أما مجرةNGC 660 فهي حالةٌ خاصة، إذ إنها المرة الأولى التي نتمكن فيها من رؤية هذا النشاط أثناء بدايته".
من جهة أخرى فقد تمكّن الفريق من الاستفادة من أرصاد تلسكوب ويستربورك حيث استعملوا المصدر الجديد للأشعة الراديوية القوية لاكتشاف سحب غاز الهيدروجين الغامضة الموجودة داخل المجرة عن طريق تسليط شعلة خلال السحب من أجل التعرف على مُكوّناتها. أما النتائج الأخرى المُشابهة التي توصل إليها تلسكوب إي- ميرلين (eMERLIN) فتُشير إلى أن الجسم المرصود يتلاشى ببطء، وأنه مُماثلٌ لمجراتٍ أخرى ذات أنظمةٍ أكثر نُضجاً، حيث تُبيّن الصور عالية الدقة من شبكةEVN بعض الأدلة على وجود تدفقٍ عالي السرعة من المواد التي تُغادر المنطقة المُجاورة للثقب الأسود.
يُمكن للمواد كالغاز والغبار والنجوم أن تدور حول الثقب الأسود في مدارات ثابتةٍ ولفترة طويلة، لكنها تفقد طاقتها تدريجياً مما يُؤدي إلى اقترابها شيئاً فشيئاً من الثقب الأسود حيث تسقط بداخله في النهاية. لكن في نفس الوقت يتم قذفُ بعض المواد التي سقطت في الثقب إلى خارجه، وهذا هو السبب الذي يعتقد العلماء بأنه مسؤولٌ عن حدوث الانفجار والنفثات التي تم رصدها في مجرة NGC 660.
تمتاز المادة الموجودة داخل النفثات الصادرة عن الثقب الأسود بسُرعتها العالية للغاية، والتي تصل إلى 10% من سرعة الضوء. وقد أوضحت الدكتورة أرغو بأن لا شيء على الأرض يُعادل مقدار الطاقة التي تخرج من التدفق الصادر عن ثقبٍ أسود عملاق. ونظراً لأنه يتحرك بسرعة فهذا يعني أننا سنكون قادرين على مُراقبة المواد التي تخرج من الثقب على امتداد السنوات العديدة المُقبلة. كما سيمكننا قياسُ سرعة وطاقة هذه التدفقات. ويتساءل العلماء في هذه المرحلة فيما إذا كانت هذه التدفقات تمتلك ما يكفي من الطاقة للتغلب على الجاذبية وشق طريقها خارج المجرة، أو فيما إذا كانت ستتلاشى قبل الوصول إلى هذا الحد".
سوف تُعطي دراسة التدفق علماء الفلك فكرةً عن مرحلة الاندلاع الأولى للتدفق، وكمية المادة الساقطة داخل الثقب الأسود، والتي سببت الانفجار في المقام الأول.
https://nasainarabic.net/main/articles/view/radio-astronomers-black-hole-life