يمتلك كوكب المريخ غلافاً جوياً رقيقاً يتكون في معظمه من ثاني أكسيد الكربون، ويتّصف هذه الغلاف بأنه رقيق جداً وبالتالي فهو غير قادر على منع المياه السائلة من التجمد أو التبخر بسرعة كبيرة. ورغم ذلك، دفعت الأدلة الجيولوجية المكتشفة العلماء إلى استنتاج أن المريخ كان فيما مضى مكاناً دافئاً وأكثر رطوبة مما هو عليه اليوم. يشير العديد من الباحثين إلى أنه حتى يسود مناخ أكثر اعتدالاً على سطح المريخ، فإن ذلك يعني أن الكوكب كان يمتلك غلافاً أكثر سماكة من غاز ثاني أكسيد الكربون. وعليه فإن السؤال الذي بقي معلقاً طوال عدة عقود هو: أين ذهب كل هذاالكربون؟.
عملت الرياح الشمسية في الماضي على تجريد كوكب المريخ القديم من معظم غلافه الجوي، كما أنها مستمرة في إزالة الأطنان منه يومياً. ولكن الأمر الذي جعل العلماء في حيرة من أمرهم هو التساؤل عن سبب عدم اكتشافهم وجود المزيد من الكربون على هيئة كربونات في الصخور الملتقطة من المريخ. هذا وقد سعى العلماء أيضاً إلى تفسير نسبة ذرات الكربون الأثقل والأخف وزناً في الغلاف الجوي للمريخ في العصر الحديث.
وفي ورقة علمية نشرت في مجلة Nature Communications بتاريخ 24 نوفمبر/تشرين الثاني، عمل مجموعة من العلماء من معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا ومختبر الدفع النفاث التابع لوكالة ناسا ومقرهما في باسادينا بولاية كاليفورنيا، على تقديم تفسير علمي بخصوص ذرات الكربون "المفقودة".
يفترض العلماء أن المريخ ربما كان يمتلك قبل 3,8 مليار سنة غلافاً جوياً كثيفاً ومعتدلاً. لذا فإن التغير الذي طرأ على مثل هذا الغلاف الجوي إلى الغلاف الحالي الأكثر رقة مع وجود ضغط مُطبق على سطح المريخ يعادل ذلك الموجود على الأرض أو أقل منه، هذا التغير لا يطرح فقط مشكلة الكربون "المفقود"، ولكنه أيضاً ينسجم مع النسبة التي تم رصدها بين عنصر الكربون 13 والكربون 12، والذي يكمن الاختلاف الوحيد بينهما فقط في عدد النيوترونات الموجودة في كل نواة.
يقول رينو هو Renyu Hu، وهو باحث في أبحاث ما بعد الدكتوراة من معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا: "تظهر دراستنا العلمية أن الانتقال من الغلاف الجوي الكثيف والمعتدل إلى الغلاف الحالي الرقيق هو أمر ممكن تماماً. ومن المثير حقاً أن جميع المعلومات التي نمتلكها حول الغلاف الجوي للمريخ يمكن تجميعها الآن في صورة منسجمة توضح عملية التطور التي مر بها، وهذا الأمر بالطبع لا يحتاج إلى وجود خزانات هائلة من الكربون الذي لم يتم رصده".
عند التفكير ملياً في كيفية انتقال الغلاف الجوي للمريخ القديم إلى حالته الراهنة، فإن ما يجول في خاطرنا هو وجود نوعين من الآليات المحتملة لإزالة ثاني أكسيد الكربون الزائد، فإما أن يكون الكربون قد اتّحد مع المعادن الموجودة في الصخور بما يسمى بـ الكربونات، أو أن يكون تسرب إلى الفضاء.
أظهرت الدراسة التي أجريت في شهر أغسطس/آب من سنة 2015، و المستقاة من عدد من المركبات الفضائية التي تدور حول المريخ، مستخدمةً بيانات متعلقة بمخزون الكربونات، أنه لا يوجد مكان قريب بما فيه الكفاية على ارتفاع نصف ميل (1 كم) في القشرة بحيث يحتوي الكربون المفقود من الغلاف الجوي الكثيف في العصر القديم، أي أثناء تلك الفترة التي وُجدت فيها شبكة من مجاري الأنهار النشطة قبل حوالي 3,8 مليار سنة.
يُسبب سيناريو تسرب الكربون إلى الفضاء إشكالية معقدة، وذلك لأن العمليات المختلفة يمكن أن تتسب في تغير الكمية النسبية للكربون 13 إلى نظائر الكربون 12 في الغلاف الجوي. وفي هذا الصدد يقول هو: "يمكن استخدام هذه القياسات للنسبة الموجودة في عدة نقاط مختلفة من الوقت كدليل قاطع حول ما حدث للغلاف الجوي للمريخ في الماضي". تم تعيين القيْد الأول عبر القياسات التي أجريت لنسبة النظائر في النيازك التي تحتوي على غازات منبعثة من عمق المريخ، الأمر الذي قدم نظرةً ثاقبةً حول نسبة النظائر الأولية في الغلاف الجوي القديم للمريخ. هذا وتم الحصول على نسبة النظائر في الغلاف الجوي الحديث عبر أداة سام SAM (جهاز تحليل العينات في المريخ) الموجودة على متن المركبة الفضائية كوريوسيتي.
هنالك طريقة واحدة يمكن من خلالها أن يتسرب ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي للمريخ إلى الفضاء وتدعى بالقذف sputtring، والتي تتضمن تفاعلات بين الرياح الشمسية والغلاف الجوي العلوي للمريخ. وحققت مهمة ناسا مافن (الغلاف الجوي للمريخ وتطور تبخره) النتائج الأخيرة والتي تشير إلى أن ربع رطل (ما يقارب 100 غرام) من الجزيئات تُنتزع كل ثانية من الغلاف الجوي للمريخ خلال هذه العملية، ومن المتوقع أن تكون هي المسبب الرئيسي لاختفاء الغلاف الجوي للمريخ. وتميل عملية القذف إلى فقدان الكربون 12 بالمقارنة مع الكربون 13، لكن هذا التأثير صغير. وتُشير قياسات كوريوسيتي الحديثة إلى أن الغلاف الجوي للمريخ غني بالكربون 13 نسبةً إلى الكربون 12، أكثر مما يمكن أن تقوم به عملية القذف وحدها، نتيجة لذلك يجب أن تكون هناك آلية عمل مختلفة.
حدّد هو Hu وشريكه الكاتب الآلية التي يمكنها أن تساهم وبشكل كبير في إغناء الكربون 13. وتبدأ العملية حين تضرب الأشعة فوق البنفسجية القادمة من الشمس جزيء ثاني أكسيد الكربون وتشطره إلى أول أكسيد الكربون والأكسجين، ومن ثَم تضرب الأشعة فوق البنفسجية جزيء أول أكسيد الكربون وتقسمه إلى أكسجين وكربون، وتمتلك بعض ذرات الكربون الناتجة عن هذه العملية طاقة تكفيها للهروب من الغلاف الجوي ويكون الكربون 12 أكثر عُرضة للهرب من الكربون 13.
ووجد الباحثون عند بناء النماذج للآثار بعيدة الأمد لآلية الانحلال الضوئي للأشعة فوق البنفسجية "ultraviolet photodissociation" أن نسبة صغيرة من عمليات الفرار الناتجة عن هذه العملية تترك أثراً كبيراً في نسبة نظائر الكربون، وهذا ما مكّنهم من حساب أنه قبل 3.8 مليار سنة كان للغلاف الجوي للمريخ ضغط سطح أقل قليلاً من سمك الغلاف الجوي للأرض اليوم.
وقال بيثاني ايهلمان Bethany Ehlmann من معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا ومختبر الدفع النفاث والمؤلف المشارك في كل من (تطبيق اليوم)، و(أغسطس 1) حول الكربونات: "هذا يحل التناقض الطويل الأمد". وأضاف: "تبدو فرضية الغلاف السميك جداً أنها توحي بأنك بحاجة إلى سطح خزان كربون كبير، لكن كفاءة عملية الانحلال الضوئي للأشعة فوق البنفسجية تعني عدم وجود تناقض على أرض الواقع. يمكنك استخدام عمليات الفقد الطبيعية كما نفهمها مع الكشف عن كميات الكربون ومن ثم العثور على السيناريو المنطقي لتطور المريخ" .
يُدير مختبر الدفع النفاث مهمة كوريوسيتي لصالح مديرية بعثات ناسا العلمية، في واشنطن، كجزء من مشروع تقدم ناسا نحو إرسال بعثات بشرية إلى المريخ. يدير معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا مختبرَ الدفع النفاث التابع لناسا.
https://nasainarabic.net/msl/articles/view/loss-of-carbon-in-martian-atmosphere-explained