ساحة شاسعة تبتعد عن المدن والقرى، مترامية الأطراف لا يستطيع الناظر إليها رؤية نهايتها، يكسوها من الخارج الهدوء، لكن داخلها يعج بالضجيج الشديد، بين حركة الوافدين بصحبهم حقائبهم التي تصدر أصواتا عالية أثناء سحبها على الأرض، وصراخ الأطفال العالي، ووسطهما أصوات العاملين الذين يروحون ذهابا وإيابا لإنهاء إجراءات المسافرين أو القادمين إلى البلاد، في مهمة لا تنتهي إلا بانتهاء دوامهم.
"شنطة.. مضيفة.. طيار"، شكل مصغر للمعرفة عن عالم الطيران، قد يكتفي أغلب العامة به، دون الانغماس في باقي تفاصيل هذا العالم، الذي لا يتوقف عند حدود هؤلاء، فيزخر بالكثير من الجنود المجهولين.. اندمجت "الوطن" وسط "عالم الطيران" ورافقت جنوده المعروف منهم والمجهول.
"عادل" مضيف طيران لأكثر من 3 سنوات: "مين قال إن الضيافة للبنات بس"
"الضيافة".. مهنة اقترنت بالفتيات للعمل بها، في أذهان العديد، فتتردد كلمة "مضيفة" وليس "مضيف"، على الرغم من أنها عمل متاح للجنسين، ما يفتح لهما مجال المنافسة والنجاح، لكونها عملا يأخذ صاحبه على عاتقه كل خدمات راكبي الطائرات من الاستماع لشكواهم وتحقيق طلباتهم وتقديم الإسعافات الأولية ومباشرة تنفيذ تعليمات قائد الطائرة، حتى وصول الرحلة في سلام.
العمل في مهنة الضيافة، حلم عادل موسى، منذ تخرجه في الجامعة، ولكنه كان على علم أنه هدف يحتاج إلى "الواسطة" لدخول عالم الطيران، وعدم وجودها جعله يفقد الأمل وقتها، فاتجه إلى العمل في العديد من المهن بداية من "موديل ودي جي"، إلى أن جاءته فرصة سفر إلى شرم الشيخ والعمل بأحد الفنادق كموظف الاستقبال وأثبت نفسه حتى وصل إلى منصب المدير وبعد مرور أربعة أعوام في شرم الشيخ ظهرت أزمة ضرب السياحة بعد انفجار قنبلتين بفندق غزالة والسوق القديمة ليقرر بعدها العودة إلى القاهرة.
وفور وصوله للقاهرة عمل مسؤولا عن محال شهيرة للملابس حتى زهد عنها ليدخل في مهنة أخرى داخل إحدى شركات الاتصالات المعروفة، إلى أن حالفه الحظ في الوصول إلى هدفه المنشود، في عامه الـ31 من العمر، حينما أبلغه صديق له أن هناك إحدى شركات الطيران العربية التي تطلب مضيفين، لم يتردد لحظة عادل في التقديم ومر بأكثر من اختبار حتى تم قبوله.
على خلاف المتداول عن مهنة الضيافة أنها قاصرة على الفتيات، قال عادل "إن الضيافة بتحتاج بنات عشان تبقى واجهة للشركة والبنت بتكون لبقة في الكلام، وأن فعلا هما عددهم أكثر مننا"، وهو ما يظهر في أن العاملات معه بالشركة يقرب من 14 ألف مضيفة مقابل 6 آلاف مضيف، في حال كان عددهم الإجمالي 20 ألف عامل.
ويشرح عادل عن مهنته في الضيافة أن بها بعض العيوب والمميزات، فمن عيوبها الشعور الدائم بالوحدة لكونه يعيش في دبي بعيدا عن عائلته وأصدقائه، كما أن طبيعة العمل تؤثر على الصحة، موضحا أن المحاكم لا تأخذ بشهادة مضيف الطيران الذي طالت مدة عمله عن الثلاث سنوات لما تحدثه الطائرة من تغيرات.
أما عن المميزات فإن مهنته تعطيه الفرصة للسفر إلى بلاد كثيرة حول العالم والتعرف على العديد من الثقافات المختلفة وتتيح له فرصة تعلم لغة جديدة، بخلاف السعادة التي يشعر بها حتى وإن كانت تمنعه كثيرا من رؤية أسرته وأصدقائه.
وقال عادل عن دوره داخل الطائرة فور صعوده إن أهم شيء سلامة الركاب وتقديم الطعام لهم: "لازم أخد بالي إن الناس دي زي ما طلعت زي ما هتنزل وما يكونش في مشكلة ومحدش يجراله حاجه صحياً وبدنياً وحتى نفسيا مايكونش في مشكلة"، فهناك بعض المسافرين الذين يشعرن بالخوف نتيجة أنهم أول مرة يركبون طائرة أو لديهم مرض فوبيا الطيران.
واستكمل حديثه مشيرا إلى أنه يقوم أيضاً بمساعدة الركاب وتقديم لهم النصيحة في الأماكن التي يمكنهم زيارتها، ينزعج عادل من نظرة المجتمع المصري باعتبار أن المضيف يمثل لهم "الجارسون" الذي يقدم لهم الطلبات أثناء صعودهم على متن الطائرة، موضحا أن المضيف يوفر سبل الراحة للمسافرين بتقديم ما يحتاجون إليه طوال رحلتهم، حتى يشعر المسافر بالخصوصية الآمنة.
وأوضح الشاب الثلاثيني أن شركته التي تدرب بها خلال فترة تعليمه أصول الضيافة على متن الطائرة، اجتهدت كثيرا على كل المستويات "الاجتماعية والإسعافات الأولية والاستعدادات لحالات الطوارئ"، علاوة على تعليم خطوات الأولى لتيسير عملية الولادة الطارئة.
ويروي عادل عن أصعب المواقف التي مرت عليه داخل الطائرة ولم تفر من ذهنه "هي تعرض طفل يبلغ من العمر 12 عاما إلى ضيق تنفس وبدأ في التعب بعد ساعتين من الطيران وبالتواصل مع الكونسلتوا عبر الساتاليت استطاعنا أن نجري بعض الإسعافات ولكن حالة الطفل كانت تزداد سوءا وتوقف التنفس والنبض وتم تركيب جهاز الصدمات الكهربائية ولكن توفي الطفل".
بعد أيام عدة من الاستعداد، يجمع أمتعته للاتجاه إلى المطار، الذي ما أن تطأ قدماه أرضه حتى يتنفس الصعداء ويستعد للمرور بإجراءات متعددة، بينما تمر عيناه ذهابا وإيابا بين أمتعته وغيره من الركاب والعاملين بصالة السفر الضخمة، واللوحات الرقمية العالية التي تظهر أرقام رحلته، إلى أن يصل إلى طائرته ليسترخي على مقعده ثم يربط حزام الأمان على جسمه، وسرعان ما تبدأ الطائرة شيئا فشيئا في الارتفاع عن الأرض مبتعدة، فيما ينظر من النافذة ليجد كل المباني والتضاريس يصغر حجمها تباعا إلى أن تختفي تماما، وتحلق الطائرة في عنان السماء في انتظار وصوله إلى وجهته.
"السفر متعة حقيقية" بالنسبة لمصطفى طارق، الذي يضطره عمله في بعض الأحيان إلى الانتقال لبلد أخرى، وفي أوقات أخرى يجد فيه وسيلته للخروج عن العالم والحصول على بعض من الراحة والإجازة، بعد فترة طويلة من معاناة ضغوط الحياة.
الطيران لقضاء فترة الإجازة يتطلب استعدادات عديدة لدى الشاب العشريني، حيث يجمع كافة احتياجاته أثناء الرحلة، وعلى رأسها جواز السفر، وشهادة الجيش، والكاميرا لالتقاط الصور التذكارية، فضلا عن تجهيز برنامج سياحي جيد داخل البلاد المتجه إليها بعد الاطلاع عليها وحجز رحلاته بها عن طريق الإنترنت، وتحديد فترة الليل أو الفجر لمغادرة مصر، وما أن يصل على متن الطائرة حتى يغلق هاتفه المحمول لحين عودته.
"كنت راجع مع صحابي من فيينا لمصر، وكل واحد معاه 3 أو 4 شنط مليانة هدايا وحاجات لينا، ولكن تفاجأنا وإحنا على باب الطيارة والشنط جوه، أن شركة الطيران رافضة تطلعنا بالحاجات دي وعاوزانا ندفع على كل شنطة 75 دولارا"، كانت هذه من بين العديد من المواقف التي واجهها طارق، وعلى الرغم من مرور سنوات على ذلك الحدث إلا أنه مازال حافظا له عن ظهر قلب، حيث تطلبت تلك المشكلة في حلها ما يزيد على ساعة، الأمر الذي جعله يشعر أنه "في ميكروباص مش طيارة" نظرا لارتفاع المبلغ المطلوب من كلا منهم، الأمر الذي اضطرهم إلى "الفصال" مع أحد ممثلي شركة الطيران حتى اتفقوا على دفع 25 دولارا فقط على الحقيبة الواحدة.
لم ينته الأمر عند هذا الحد، حيث أنهم عند عودتهم لجلب الأموال فوجئوا بعدم وجود دولارات لديهم، وهو ما تسبب في إثارة سخط وإزعاج باقي راكبي الطائرة وحدوث مشادات كثيرة فيما بينهم إلى أن توصلوا إلى الأموال، وأقلعت الطائرة، منهية موقفا لم ينساه حتى الآن.
"الملابس المناسبة" لوجهتها هو أكثر ما يشغل ذهن "رنا سلامة"، فور علمها بسفرها إلى والدها بالمملكة العربية السعودية، والتي تحتاج لتحضيرات عدة قبلها بفترة لاختلاف العادات في تلك البلاد عن مصر، وفي اليوم المحدد للسفر، تنهي حزم أمتعتها بينما تملؤها السعادة لحبها في السفر والتنقل وتواجدها داخل المطار، الذي ما أن تطأها قدماها قبل موعدها المحدد للإقلاع بساعتين، حتى تتجول داخله لمشاهدة العاملين به والأسواق الحرة، بدلا من الانتظار داخل أحد البوابات.
"لازم أخد حاجة للصداع أو مسكن قبل ما أطلع الطيارة"، ترتبط تلك الطقوس برحلة الشابة العشرينية، على متن الطائرة، التي تعاني طوال فترة وجودها داخل المطار من "نصاحة البشر" في إنهاء الإجراءات وكسب المزيد من الوزن والجدال مع العاملين طوال الوقت، وأحيانا طلب الركاب بأن تحمل أحد أبنائهم ليتمكنوا من تجاوز أحد الإجراءات "لدرجة أن في مرة وقعت من سلم الطائرة بسبب أن واحدة رمتلي شنطتها قدامي علشان تعدي من البوردنج".
تقضي "رنا" وقتها برحلة الطيران في قراءة الكتب أو الروايات ولعب "السودوكو"، والنوم أحيانا أخرى، وتناول أحد الأطعمة الساخنة بالطائرة، إلا أنها في أحد الرحلات إلى مدينة الرياض استيقظت بسبب هبوط سيء للغاية من الطيار بسبب زيادة المطبات الهوائية ليهبط "وكأنه نازل على سلم فجأة مرة واحدة" لتسجل في ذهنها لحظة احتكاك قوية بالأرض لم تنساها حتى الآن ظنت خلاها أن الطائرة ستتحطم فيها.
"الوزن الزائد للحقائب"، من أكثر المشاكل التي تواجه الرجل الأربعيني في رحلاته، والتي يجدها أزمة بالنسبة للجميع، ومن ثم تسبب العديد من المواقف السيئة داخل المطار، إلا أنه في أحد الرحلات، تعرض "عمر" الابن الأصغر لـ"أحمد"، لأزمة أثناء دخوله دورة مياه الطائرة، حيث لم يتمكن من الخروج، ما سبب في مشكلة على متن الطائرة تطلب حلها كسر باب المرحاض لإخراج الطفل، الذي تعرض لموقف آخر أثناء سفره من مدريد إلى مصر، حيث تبين أن جواز سفره انتهت صلاحيته، إلا أن ضابط الجوازات لم يفطن إلى هذا الأمر وتمكنوا من السفر.
حكايات من قلب المطار.. "دموع" و"أفراح" بين اللقا والفراق
عيون يملؤها الحزن في يوم ثقيل، يوم أن يرحل الأقربون والأحبة، فلا مسافات تشفع ولا أحضان تشبع، في تلك الرقعة بالمطار يودع فيها المسافرون أحبائهم ويتمنون أن تقف بهم الأزمنة، بينما يقف آخرون تنتظر قلوبهم الوثب فرحة لعودة ذويهم، بعدما ذاقوا مما يعيشه الأولون في نفس الوقت من ذي قبل، مشاعر مختلطة بين فرقة ولقاء، دموع وداع وأحضان استقبال، ساحة عدة أمتار تشهد زخم مشاعر يوميا، لو أتتها فرصة لروت ملايين الحكايات التي عايشتها.
قبل ميعاد الطائرة بسويعات، تمر السيارة القادمة من الفيوم محملة بالأحباب والأقارب، ولا ينقصها سوى مينا يوسف ووالده ووالدته، لوداعهم في المطار، نفس المشهد يتكرر عند استقبالهم ثانية، "دايما في الوداع والاستقبال بيبقى في رحلة من الأهل لمطار القاهرة الدولي"، هكذا وصف مينا الحال في فترة التسعينات، يضحك ساخرا قبل أن يخبرنا هجرة السائق الذي كان يوصلهم إلى أمريكا، لتختلف السيارات، واختلفت معها السائقين وفقا لطبيعة المستقبلين، كما يروي مينا.
في أول خمس سنوات من الألفينات، ومع انتشار الإنترنت ووسائل الاتصال، أصبحت عائلة مينا تراسل والديه بإيطاليا بصفة منتظمة، لذا يقول أن "حرارة الاستقبال وأشواق العودة وأحضان المطارات قلت كتير" حتى أصبح هو ووالدته مستقبلي والده فقط، ومع الوقت وخاصة في الفترة الأخيرة واستقراره بمصر، أصبح مينا يستقبل والديه وحده في المطار، واصفا تغير مشاعر الاستقبال والوداع في المطار مع تقدم الوقت، فكانت أكثر حميمية في التسعينات لتقل تدريجيا مع تقدم وسائل الاتصال.يحكي مينا عن مشهد العروسة التي تودع أهلها في المطار، الذي استحضرته الأفلام والمسلسلات كثيرا، ليعاصره مرتين من قبل، أحدهما كانت "أم العروسة" تبكي تارة وتضحك وتزغرط تارة أخرى، وبطبيعته يركز مينا فيمن حوله أثناء استقبالهم أو وداعهم لذويهم، ليلحظ ذلك السائق التابع لأحد الشركات لا يمت بصلة للسائحين القادمين، إلا أنه يقف متحمسا وينادي عليهم رغم نطقه لاسم الفوج خاطئا، ليعتبر مينا أن المطار رحلة تظهر فيها العشوائية والحميمية في المصريين تحديدا، "المطار شبهنا أوي في عشوائيتنا وحميمتنا الزايدة".
طالبا في الصف الثاني الثانوي، وقف كريم أحمد قبل 15 عاما، بعيدا يودع أول فتاة أحبها دون أن يسلم عليها لوجود عائلتها معها، ليعتاد بعدها على وداع أهله مرارا وتكرارا بين مصر والكويت، يتبدل الإحساس فرحا حينما يذهب لاستقبالهم، كم من المشاعر المختلطة التي تسيطر على كريم في الحالتين، جعلته يتمنى في كل مرة أن يتوقف به الزمن، فلا يستطيع أن يودع أهله، ولتطول فرحته باستقباله لهم دون أن يوجعهم أو يودعوه قريبا "بسلم على حد ومش عارف هشوفه تاني امتى".
فرحة لم تستطع سجدة أحمد وصفها عند وقوفها أمام صالة 3، تنتظر خطيبها الذي لم تره منذ ما يقرب من عام، إلا أنها لم تلبث شهرا واحدا إلا وعادت لتقف ثانية تودعه بعد أيام من كتب كتابهما، "قلبي بيتقبض منها، مكنتش مستوعبة لحد ما الشنط نزلت من العربية أنه مسافر خلاص"، حزن سيطر على سجدة بعدما أدركت رحيل زوجها، لتنتظر ثانية أياما وشهورا تحسبها لتأتي إلى ذلك المكان ثانية لتفرح ثم تحزن مرة أخرى بعدها بأيام قليلة.
"من داخل الطائرة".. مضيفات: "إحنا مش بنات شمال.. ولا جرسونات"
ترتدي زيها الأنيق الذي طالما حسدتها عليه صديقاتها، ترفع رأسها وتنظر للمرآة وتتجه صوب الباب، تتذكر ثم تقف ثانية لترسم ابتسامة على وجهها، وتترك كل ما في جعبتها داخل تلك الجدران، لتخرج مرحبة بالمسافرين على متن الطائرة في رحلة طالت أو قصرت، وجب عليها تحمل مسؤوليتهم كمضيفة، عكس الترفيه كما يراها الآخرون معتقدين أن الدنيا فتحت لها أبوابها وقت أن فردت الطائرة جناحاتها.
"أنا كنت شايفة الشغل زي ما الناس كانت شايفاه، بس هو فعلا أكتر من كدا"، تبدلت نظرة سهام أنور لعمل المضيفة عندما حلقت بها الطائرة لأول مرة، خوف وترقب ومسؤولية تحملها على أكتافها، وقلق ينتابها لا يجب أن يظهر لهؤلاء الذين تحرص على سلامتهم طوال مدة الرحلة، "المضيفة لازم تبقى ممرضة، وتحارب النار، وتعرف ازاي تتعامل مع أي مشكلة تحصل في الطيارة"، الجانب الآخر الذي روته سهام من عملها.
وجدت الفتاة العشرينية في عملها كمضيفة متعة ميزته عن دراستها للإعلام، فبعيدا عن الروتين اليومي أحبت السفر وزيارة بلدان طالما حلمت بها، حتى لأوقات قصيرة وفقا لمتطلبات عملها، "بقابل ناس جديدة، وبتعامل مع عقليات مختلفة وتفكير متنوع، مش بس في الجنسية، كمان في الطباع والديانات والثقافات"، إطلاع على العالم من نافذة طائرة هو ما زاد من شغف سهام كـ"مضيفة"، إلا أن "الحلو مبيكملش" كما تحكي عن الضغوطات والتضحيات التي تقدمها سبيل عملها، "أفراح مبتترحش، مناسبات مبتتحضرش، علاقات بصحاب بتقل، بعدك عن أهلك، والصحة في النازل، زهايمر وقلة نوم ودوالي وأذن"، وحدها مسؤولة على الطائرة، وحدها تواجه حياتها دون "ضهر" أو "سند".
"هي المضيفة بتتعب؟ ده أنتِ مقضيلها فُسح وسفر وشوبينج".. سخرية لاقتها أسماء صلاح الدين عندما اشتكت لأصدقائها من مشقة عملها كمضيفة، "ناس تانية بتشوفني مجرد جرسونة، ميعرفوش إن لو حصل حاجة في الطيارة الجرسونة دي هي اللي هتنقذهم"، أمور كثيرة تعاني منها أسماء في عملها، إلا أن أكثرها كان نظرة المجتمعات العربية التي ترى المضيفة "بنت شمال"، فتقول "عشان بتسافر لوحدها ومتحررة يبقى نصاحبها منتجوزهاش"، وعلى الرغم من كل ذلك وبعدها عن أهلها وأصدقائها إلا أنها وجدت نفسها فيما اختارت "أول مرة في حياتي أحس إني بعمل حاجة بحبها وليها قيمة، لقيت نفسي بمعنى الكلمة".
تعاني تقى الشامي أيضا من تدهور حياتها الاجتماعية بعد عملها كمضيفة مثل سهام وأسماء، فتحكي "الناس فاكرين إننا بنسافر نتفسح، ميعرفوش إننا ممكن يكون عندنا 4 رحلات في اليوم، وممكن نوصل بلد بنحلم بيها وننام من التعب"، وعلى عكس ما يعتقد الجميع أن المضيفة "بتقدم شاي وقهوة وأكل للركاب" تقول "إحنا أصلا بنكون موجودين على الطيارة عشان أمن وسلامة الركاب، أمال كنا بنتدرب على إيه قبل ما نشتغل؟".
تدريبات مختلفة لمدة لا تقل عن شهرين تخوضها المضيفة قبل أن تنطلق في رحلاتها كمضيفة، كما أوضحت الشامي: "قبل أي رحلة لازم تكوني مستعدة عشان لو حصلت حالة طوارئ زي نار أو أي عطل، أو حد من الركاب حصله حاجة، إحنا اللي بنسعفه"، تضحك وتتذكر قائلة: "أنا كنت على وشك إني أولّد واحدة قبل كده في رحلة"، وتضيف بعد أن تستعيد حديثها عما يراه الناس من عملها كمضيفة والصعوبات التي تواجهها لتقول "بعد ده كله لازم أبقى مبتسمة في وش الناس، مهما كان فيا"، لتستمر في عملها غير مكترثة بما يقال عنها وعملها، تحملها الطائرة وتطير بها من بلد لآخر، وتحمل أحلامها على ذراعيها تفردهم هي وتطير بهم.
"ضباط الاتصالات والحركة والكهرباء".. الجنود المجهولون في المطار
على مساحة شاسعة تبتعد عن المدن، تشع نشاطا لا يهدأ حتى في ساعات الليل الساكنة، تبدو هادئة من الخارج، ولا تلتقط أعين زوارها من المسافرين سوى "عامل التذاكر، ومفتش الحقائب، والمضيفة، والطيار"، الذين يمثلون بالنسبة لهم رجال المطار، إلا أن هناك أعدادا غفيرة من الجنود المجهولين يسهمون بأشكال عدة لتسهيل رحلة المسافرين لوجهتهم وإقلاع الطائرة في سلام.
قبل أن تلامس عجلاتها أرض المطار بحمولتها الضخمة، وبنيانها القوي، عقب ساعات طويلة من التحليق في السماء، يبث الطيار رسالة إلى المطار المتجه إليه، ليحصل على إذن الهبوط، وهو ما يتولاه "ضابط الاتصالات الجوية"، الذي يختلف عمله عن "المراقب الجوي"، حيث يقوم بمراقبة الطائرات الموجودة خارج المجال الجوي المحلي.
في الوقت الذي يرصد فيه "هـ.م" ضابط الاتصالات الجوية بالمطار، طائرة تحلق بالمجال الجوي الخارجي، يجري اتصالا باللغة الإنجليزية مع قائدها عبر جهاز النداء الآلي بأحرفها الأربعة المحددة ومراجعة بياناتها وفقا لبرنامج الرحلات المتوافر لديه "بس ده معلوماته مش بتكون دقيقة زي ما بيكون الوضع قدامي من حيث الارتفاع والسرعة ووقت كل نقطة جوية"، ومن ثم يتواصل مع المراقب الجوي للحصول على إذن للطائرة بالهبوط في المحطة الأرضية.
حب العمل جعل "هـ.م" يعكف عليه طوال سبع سنوات متجاهلا إقامة مشروع آخر بجانبه، كحال عدد من زملائه، مكافحا لكل العقبات والأزمات التي تواجهه للمضي قدما والتميز به، ما يدفعه للتركيز الشديد به، واختيار العمل في الفترة الليلة التي تصل مدتها إلى 12 ساعة وما بها من زحام واستقبال العديد من الطائرات ومتجاهلا فترة العمل الصباحية البالغة 6 ساعات فقط.
"في مرة اتفاجئنا بطيارة إثيوبية بتقرب من المجال الجوي وملهاش أي معلومات عندنا، اتصلت بيها على طول لقينا أن 6 من ركابها اتعرضوا لتسمم".. ذلك الموقف احتاج من الشاب العشريني سرعة الحركة واتخاذ القرار والاتصال بقائد الطائرة لمعرفة سبب رغبته في الهبوط على الرغم من اتجاهه لدولة فرنسا، وبالفعل تم السماح له بذلك نظرا للحالة الطارئة حيث تواصل سريعا مع قسم الإسعاف داخل المطار لمتابعة حالة الركاب.
قبل إقلاع الطائرة من المطار، يسبقها العديد من العمليات للاطمئنان على سلامة أجهزتها وبنيانها يتم رفع تقارير بها إلى قائد الطائرة، من خلال قطاعا كبيرا من المهندسين والفنيين، من بينهم من يفحص كابينة الطيار، ومقاعد الركاب، والنظافة، وجناحي الطائرة، وأسلاكها التي يقوم بالاطمئنان عليها المهندس "محمد ناصر".
ناصر، خريج قسم الكهرباء لكلية الهندسة بجامعة القاهرة، حصل على دورة تدريبية في الأساسيات من إحدى شركات الطيران لمدة 6 أشهر، ما أهله للعمل في كهرباء الطائرات، وتحديدا كابينة القيادة التي يطمئن من حسن عملها ووصلاتها مع باقي الأجزاء داخل مركز الصيانة بالمطار، لينضم بدوره إلى قطاع كبير ممن يفحصون الطائرة قبل إقلاعها، فضلا عن متابعته للطائرات التي تهبط هبوطا اضطراريا.
"في مرة حصلت مشكلة بسبب طفاية الحريق في طيارة عملت هبوط اضطراري اللي في كابينة القائد ومعرفناش نصلحها، وجه كبير المهندسين يشوفها ففرقعت في وشه وكلفت الشركة 15 ألف جنيه".. يتذكر الشاب العشريني بمرح ذلك الحدث من بين العديد من المواقف التي تعرض لها ناصر في مدة عمله القصيرة بالمطار.
بعد فحص كهرباء الطائرة، لا تتمكن الطائرة من الإقلاع، إلا بعد أن يتم متابعتها مرة أخرى بشكل كامل من قبل "ضابط الحركة"، الشخص المسؤول عن كل ما يتعلق بالطائرة في حال وجودها على أرض المطار من خلال فحص ومراجعة خدمات الركاب وتحمل الطائرة وعدد الركاب ووحدة التحكم، والتي تختلف تبعا لنوع كل طائرة، ثم يتم رفع تقرير آخر بها للكابتن للسماح لها بالحركة.
"في شغلنا ده بنتعامل مع كل فئات الشعب من عمال النظافة للوزير، فبتكون محتاجة ذكاء في التعامل وكياسة وطول بال".. بهذه الكلمات يصف "م.ع" ضابط الحركة بالمطار، التي يجدها تحتاج لخبرة كبيرة في ذلك المجال، وذات أهمية كبيرة، إلا أن هناك العديدين يغفلون عنها ولا يدركون معناها.
الوزن الزائد مع الركاب.. هي المشكلة الأكبر والأكثر انتشارا لدى ضابط الحركة، حيث يجب ألا يزيد وزن الحقائب عن حمولة الطائرة، وهو ما يخلق جدالا كبيرا بين الركاب والعاملين في المطار.
وما أن تتم الطائرة كافة الفحوصات والمتابعات للتأكد من حسن سلامتها وصلاحيتها للحركة، لتحلق إلى وجهتها المنشودة، لتهبط بسلام في مطارا آخرا، أثناء رحلتها الطويلة، وهو ما يعرف بـ"ترانزيت"، حيث تستقبله لميس الخطيب داخل محطة المطار، لجلب الوجبة المتاحة لهم بالمطار، من خلال جوازات سفرهم والتأكد من إمكانية خروجه بعيدا عن المطار من خلال مراجعتها على النظام في المطار ومع مكتب الأمن القومي به.
ساعات طويلة تقضيها الشابة العشرينية داخل ساحات المطار، يجلعها تتخذ منه "منزلها الثاني"، الذي لا تود مفارقته، وتتطمح إلى الحصول فيه على وظائف أخرى لتكتسب مهارة أفضل كمضيفة الطيران التي تسعى للنجاح فيها.
حقيبة صغيرة تتوسط يديه، بعد إحكام غلقها، تمتلئ بما يشتهيه من المأكولات والمشروبات تلازمه طوال فترة رحلته داخل القطار أو السيارة أو الأتوبيس، لتسلية وقته في الطريق أو لإشباع جوعه، هذا ما اعتاد عليه المواطن المصري، ولكن عندما يتعلق الأمر بتأشيرة و"فيزا" طيران جوي، تختلف الموقف، لتزيل عنه عبء الطعام الذي يقدم له كخدمة.
ويختلف نوع الطعام داخل الطائرة على حسب الرحلة سواء كانت داخلية أو خارجية، كما أن هناك شركات لتقديم الطعام هي المسؤولة عنه وترسله إلى المطار، حسبما ذكرت "تقى" إحدى المضيفات.
وقالت "تقى"، إن الرحلات الصغيرة التي تكون مدتها أقل من ساعة تحتوي على عصائر، وعندما تزيد المدة عن ذلك تصبح بها ساندويتشات أيضا.
وأضافت أن الرحلات الدولية تكون مدتها طويلة وتختلف الوجبة على حسب موعد الإقلاع وقت الصباح حتى العصر أو من العصر للعشاء، وفي هذه الحالة يكون موجود الغداء والفطار أو العشاء، ويختار المسافر ما بين الفراخ أو اللحم أو السمك ومعها أرز أو خضار سوتيه.
وتابعت: "أحيانا يطلب المسافر وجبة خاصة يدفع ثمنها عند حجز تذكرة الطيران، وفي الغالب بتبقى من غير دهون أو من غير صوديوم أو فاكهة أو أكل أطفال وممكن رحلة واحدة يبقى فيها وجبتين وسناكس في النص".
وأوضحت أنها لا تواجه صعوبة في تقديم الطعام لأنه يكون جاهزا في أطباق مخصوصة وهي تعمل فقط على تسخينه في الفرن.
وقال كمال فكري، أحد المسافرين، إنه لا يعتمد على الطعام المقدم داخل الطائرات إلا إذا كان ميعاد رحلته في الصباح فإنه يضطر لتناول الإفطار بالطائرة نظرا لضيق الوقت، موضحا أنه دائما يكون الفطار ساندويتش فراخ بالمايونيز والجبنة ويقدم معه شوكولاتة ومشروب وهي وجبه صغيرة تؤدي الغرض وتمتاز بأنها تكون طازجة.
وأضاف "فكري": "إذا كانت رحلته توافق وقت الغذاء أي في العصرية، فلا يتناول وجبة الغذاء بتبقى صغيرة أوي ومش بتشبع ومش حلوة فباكل قبل ما أركب الطيارة أو بستنى لما أوصل لأكل مع أهلي، مينفعش حد يعتمد عليها".
وتختلف شركات الطيران عن بعضها فهناك من يقدم مأكولات عالية الجودة وآخرين لا تستطيع تناول المأكولات لسوء طعمه.
ويصطحب "فكري" معه دائما المياه، وزجاجات بلاستيك من المياه الغازية والشيكولاتة، ليسلي نفسه وقت الرحلة: "في الطائرة مهم أوي أن يبقى معايا الحاجات اللي هتسليني في الطريق، وأنا بتفرج على فيلم".
واختلف عمرو إيهاب، في الرأي، موضحا أنه يعتمد على وجبة الغذاء داخل الطائرة في حالة وجوده في الدرجة الأولى، مؤكدا أن الطعام يكون كافيا.
وقال عمرو إن "وجبة الفطار والعشاء أما أن تكون سوسيس أو كرواسون، وأحرص على شرب الشاي الكشري، الذي أطلبه خصيصا".
وتابع: "الخدمة داخل الطائرة دائما تكون متميزة، حيث يحرص المضيفين على الحفاظ على راحة المسافر، وفي مرة مضيفة صحيتني عشان أتناول الطعام لآن الطيارة لها مواعيد معينة للطعام".
أما "سميرة" فأكدت أنها تبتعد عن الأكل في الطائرات، نظرا لعدم معرفتها لمصدر اللحوم الموجودة.
لن تتحقق متعة السفر دائما في وجهة المسافر حين يصل إليها، بل في رحلته ذاتها بكل تفاصيلها، فعشاق السفر يظل لديهم جزء من الحلم يسكن حدود بلد ما بعيدة عن ما وصلوا إليه مهما ارتحلوا، ويظلوا مشتاقين لبلوغه، فليس للسفر 7 فوائد فقط بالنسبة لهم، إنما الأفكار والتجارب والمواقف تجعل خيالهم ينتظر المزيد، "الوطن" التقت عددا منهم وتحدثت معهم عن تجاربهم مع "التحليق عاليا".
لم ينم ليلتها بيتر، وشغله حماس خوض تجربة جديدة تنتظره في اليوم التالي، والذي بدأه بالتأكد من متعلقاته، تذاكر السفر وأمواله والملابس التي جهزها معه، "الانبساط" شعور احتل مكان الخوف المعتاد من فكرة ركوب الطائرة المحلقة بعيدا في الجو، فجلس بجانب الشباك يشاهد السحاب وحركته تغرمه الفرحة.
"كل مرة كان إحساسي مختلف"، سافر بيتر صموئيل، 30 عاما، إلى سوريا ولبنان وقبرص وباريس وأمريكا، منذ 2004 وحتى الآن، فهو المغرم بمشاهدة البلاد المختلفة من أعلى الطائرة عند الإقلاع والهبوط، "باريس كانت أجمل بلد شوفتها من فوق، والبرازيل أو المغرب وجهتي المقبلة".
"بيدي شعور بالانتعاش والتجديد"، رؤية ياسمين حسين للسفر، موضحة أن السفر والترحال من بلد لآخر يساعدها في التعرف على عادات الشعوب المختلفة وثقافاتهم وحضارتهم، "لما بتروح مكان شوفته في فيلم أجنبي بتحس كأنك دخلت جوا الفيلم"، هكذا لخصت مشاهدتها للشوارع والمناطق المختلفة التي دارت فيها أحداث بعض الأفلام الشهيرة.
السفر بالنسبة لياسمين تجربة مثيرة تضيف للخبرات والشخصية الكثير، بدءا من دخول المطار، مرورا بتفتيش الحقائب، وحتى الجلوس على مقعدك داخل طائرة العودة، خاصة أنها تعد برنامج رحلتها بنفسها وليس مع شركة سياحية، فتحجز الفندق ومبلغ المال الذي تحتاجه طوال أيام الرحلة، وتضع خطة بديلة في حال فشل البرنامج الأول.
"التنقل من مكان لآخر عشق" بالنسبة لعلياء عاطف، فخرجت من القاهرة للفيوم وفايد وشرم الشيخ والغردقة، وتسلقت جبال سانت كاترين، ثم إلى أقصى الجنوب لتزور بلاد الذهب، ولم تتخيل أنها تعاني "فوبيا الطيران"، التي اكتشفتها حين سافرت لأداء العمرة مع أسرتها، فتخيلت أثناء إقلاع الطائرة أنها تقلع عموديا، ثم دخلت في نوبة بكاء.
حب السفر لدى علياء كان أقوى من الـ"فوبيا"، ما جعلها تتحدى نفسها وتخرج خارج القاهرة، إلى باريس وروما ثم إسبانيا، فـ"السفر بيخليك تكتشف في نفسك صفات كتير"، حد قولها، ولم تسلم رحلاتها من المغامرات التي أثبتت لها أنها قوية، "تعرضت لمواقف عدة خلال وجهاتي المختلفة، فسرقت وضلتت الطريق، وبعدها عرفت اني قوية وشجاعة".
**كاميليا شعرت بخوضها أول امتحان ثانوية عامة.. وتلت دعاء الركوب خاطئا من خوفها
**"وحيد" شعر بالرهبة وتخيل السقوط.. و"هديل" انتابها الضحك
بعد أيام طويلة من التحضير والاستعداد، أتت ليلة الانطلاق، زادت فيها هرمونات السعادة حتى صرفت العين عن النوم، وتسارع خفقان القلب، وتزاحمت الأفكار والخطط، لم تغفل جفونها وقضت محاولة النوم إلا أن ليلتها أبت، ومع سعادتها تملكتها رهبة كرهبة أول امتحان مهم في حياتها، وقضت الليلة وكأنها على وشك أداء امتحان اللغة العربية في الصف الثاني الثانوي، تفكر في أول مرة ستطأ أقدامها طائرة، لتأخذها وتطير إلى أرض أحلامها "باريس".
انقضت الليلة، وكاميليا عبدالواحد تقف أمام الطائرة، تسمرت للحظات قبل أن يدفعها حماسها إلى الصعود، همهمات تردد فيها "دعاء الركوب"، فالخوف أصبح سيد الموقف، "تنحت، دي أول مرة أركب طيارة"، ازداد قلقها خاصة مع الاستعداد للانطلاق وتعليمات طاقم الطائرة والمضيفات بالاستعداد للإقلاع، "خايفة وقلقانة لدرجة إني اكتشفت إني بقول دعاء الركوب غلط مع إني حافظاه".
حاولت كاميليا أن تصرف خوفها بالتفكير في أنها في الطريق لمدينة الجمال، التي طالما حلمت بزيارتها وأن تكون في إحدى تلك الصور التي دائما ما تتحسر عند رؤيتها، وهي أسفل أحد عجائب الدنيا السبع، "برج إيفل" حيث العشاق في مدينة الحب، إلا أنه وبمجرد إقلاع الطائرة، زاد خوف كاميليا، للدرجة التي جعلتها أن تغير مقعدها وتتجنب النظر من الشباك بجانبها، خاصة بعدما زاد الضغط على أذنيها وباتت لا تسمع شيئًا، ولم يفلح معها مضغ العلكة، ولم تهدأ سوى بعد أن استقرت الطائرة في مسارها وهدأ الضغط، لتأخذها أحلامها على مدار 5 ساعات لما ستفعله بباريس وإسبانيا وإيطاليا.
لا تتذكر الأردنية هديل القدسي، البلد التي سافرت لها بالطائرة أول مرة، إلا أنها تتذكر جيدًا ذلك الشعور الذي تملكها حينها، ولم يجعلها تنتظر الصعود للطائرة، فكانت متحمسة للسفر بصفة عامة، ولركوب الطائرة لأول مرة بصفة خاصة، تتذكر سعادتها حين أقلعت الطائرة، فتروي قائلة: "كنت حاسة قلبي بينزل تحت مع الجاذبية عكس اتجاه الإقلاع"، لتدخل بعدها في نوبة ضحك أثناء مدة الرحلة من سعادتها بهذه التجربة التي تخوضها لأول مرة، لم تخف على الإطلاق بل أحبت السفر من حينها وباتت تنطلق للعديد من البلدان لتشبع رغبتها وحبها للسفر.
"كنت مبسوط مخفتش".. يعود بيتر صمويل الذي اعتاد السفر كثيرا بذاكرته إلى عام 2004، حيث أول مرة استقل فيها طائرة إلى الأردن، تغلب عنده شعور السعادة على الخوف والرهبة، إلا أن أحدًا لم ينبهه بالضغط الذي قد يتعرض له داخل الطائرة، ليكتشف الأمر بنفسه وهو على متنها، لينصحه الركاب بالعلكة لتخفيف الضغط، بينما شعر "محمد وحيد" بالرهبة عند سفره لأول مرة إلى السعودية، فيقول "أنا بطبعي قلبي جامد فمكنتش خايف، بس لما شوفت الطيارة قدامي حسيت إني اتخطفت شوية"، لتزاوله بعدها بعد الأفكار حول سقوط الطائرة أو حدوث حريق وغيرها، إلا أنه في النهاية هدأ بمجرد الإقلاع.
لم تستطع نهى ناصر، المتزوجة حديثًا النوم في ليلة سفرها، فبعد شهر من زفافها، عاد زوجها لعمله ومقر إقامته في أبوظبي، قضت أسبوعًا واحدًا تحضر أمتعتها، لتنطلق هي الأخرى وتكون المرة الأولى التي تركب فيها طائرة، "كنت خايفة عشان كانت أول مرة أركب فيها طيارة، بس كنت مبسوطة إني مسافرة لجوزي"، الجواز التأشيرة تذكرة الطيران. كلها أمور ساورها القلق حيالها، لتتأكد من إتمام كل الأمور في رحلتها الأولى في عالم الطيران.
"البطانية والسماعات والوسادة".. أدوات يفضل المسافرون الاحتفاظ بها من الطائرة
عقب إقلاع طائرة الركاب يستعد كل من عليها بطريقته الخاصة لقضاء رحلته التي تستغرق الساعات، بعض الأدوات الموزعة عليهم من قبل المضيفين تفي بالغرض، سواء للتسلية أو للراحة، والتي تختلف باختلاف شركة الطيران والرحلة ومدتها، ويحرص بعض المسافرين على الاحتفاظ بها كتذكار، فيما يعتقد البعض الآخر أنها تستخدم مرة واحدة فقط، مثل "الوسادة الصغيرة" أو "السماعات".
تقول "تقى"، إحدى مضيفات شركات الطيران العربية، إنه غير مسموح أن يأخذ المسافر معه "البطانية" التي توزع داخل الطائرة، أو ادوات تناول الطعام، سواء كانت مصنوعة من البلاستيك أو "الستانلس ستيل"، لأنه يعاد تنظيفها وتعقمها، وأيضا السماعات الكبيرة، لكن مسموح للركاب الاحتفاظ بالسماعات الصغيرة، وأضافت تقى أنه "أحيانا يأخذ بعض المسافرين معهم هذه الاشياء دون علمنا، واللي بيسألنا طبعا بنقولهم لا مينفعش".
يقرر رامي أوكش عند نزوله من الطائرة أن يأخذ بعض الأشياء التي لاقت إعجابه، مثل "السماعات وسدادة الأذن والمناديل ذات الرائحة وملعقة وشوكة وسكينة مصنوعة من الاستانلس ستيل"، موضحا أنه أثناء رحلته على الطائرة المتجهة إلى باريس وجد "راحة" في استخدامه سدادة الأذن وعصابة العين السوداء المساعدة على الاسترخاء، "لقتهم مريحين جدا، وأنا عارف إن الحاجات دي بتستخدم مرة واحدة فقررت أخدهم معايا".
يلجأ المسافر أحيانا إلى الاحتفاظ ببعض الأشياء على سبيل التذكار من رحلة لها مكانة سعيدة في ذكرياته، لتلك الأسباب قررت "كارين وحيد" نقل ما وزع عليها داخل الطائرة من "بطانية ووسادة وسماعات" إلى منزلها.
تصف كارين هذه الحالة قائلة "البطانية مش باستخدمها على السرير وأنا نايمة ، لكن وأنا بتفرج على التلفزيون مثلا في البرد بلفها عليا"، هذه الأشياء تجعلها تتذكر رحلتها، ومدى السعادة التي كانت تشعر بها وقتها.
أما سالي مجدي، فلم يعد من اهتمامها الحصول على هذه الأدوات، ولكن تعرضها لموقف أثناء سفرها إلى باريس عندما كانت ترتدي ملابس صيفية ولم يكن في حسبانها الفارق في درجات الحرارة بين البلدين، ما اضطرها للاحتفاظ بالبطانية بعد أن عرضت عليها المضيفة ذلك، حتى لا تصاب بالبرد.
"بين السما والأرض".. حياة الطيارين من "قمرة القيادة" إلى "الكافيهات"
"السادة الركاب برجاء ربط الأحزمة للإقلاع.. ونتمنى لكم رحلة سعيدة".. جملة تعلن بدء رحلة جوية، بينما يتركز تفكير الركاب على وضع حزام الأمان والاستعداد لمغادرة البلاد في استرخاء واستمتاع بشكل السحب، وفي غرفة "الطيار" المغلقة، وتحت يديه مفاتيح تحكم الطائرة والاتجاهات ويعلم مقصده من السفر، فهو يقع على عاتقه عبء الوصول بسلام وشعور الركاب بأكبر قدر من الراحة، وتجنب المشاكل الجوية.
بحسب الكابتن طيار أحمد مشعل، "لم يقتصر عمل الطيار على القيادة فقط، حيث يتطلب الأمر أن يتواجد بصالات المطار قبل الإقلاع بساعة ونصف على الأقل، لمعرفة كافة تفاصيل الرحلة واستلام الطائرة وفحصها من خلال التقارير الواردة له من المهندسين والفنيين، ومراجعة أعداد الركاب وحمولة الطائرة وسلامة كابينة القيادة وكافة إجراءات الأمان داخل الطائرة قبل الإقلاع بها".
"العمل كطيار مسؤول عن الطائرة بأكملها يحتاج للدراسة بأكاديمية الطيران في مدينة 6 أكتوبر أو خارج البلاد"، على حد قول مشعل لـ"الوطن"، ويعقبها العديد من التدريبات المؤهلة للطيران كمحاكاة الإقلاع والهبوط والسفر، ثم العمل كمساعد طيار لفترة إذا ثبت فيها الشخص كفاءته يتم ترقيته إلى درجة طيار، التي يتلقى خلالها دورات أخرى دورية للطيران التمثيلي كل 6 أشهر للتمرين على المواقف غير العادية الواردة أثناء الرحلة، وسرعة اتخاذ القرار ورفع المهارة أثناء القيادة، فضلًا عن احتياجات المهنة كـ"الكياسة واللباقة في التعامل مع مختلف فئات الركاب وحل المشكلات الواردة بين الطاقم".
العمل كطيار، ليس مجرد مهنة فقط بالنسبة لـ"مشعل"، فهو يمارسها بحب، ما أكسبه نجاحًا وتميزًا طوال العشر سنوات الماضية في شركته، وهو ما جعله يستمتع أثناء سفره للبلدان المختلفة وجلب الهدايا لذويه وأصدقائه، إلا أنها كغيرها من الأعمال يشوبها جانبا سيئا، وهي بحسب قوله، "بتخلينا نبتعد شوية عن حياتنا الاجتماعية ونضيع فرص كتير مع الأهل والمناسبات اللي الكل بيتجمع فيها زي الأعياد اللي بتكون موسم طيران"، كما أن يومه يختلف عن غيره من الأشخاص العاديين، مضيفًا: "إحنا ليلنا نهار.. ونهارنا ليل في أوقات تانية لاختلاف فترات أعمالنا تبعًا لطول وقصر الرحلة، فضلًا عن فروق التوقيت بين البلاد التي يتنقل فيها".
للطيار سمات خاصة عن غيره من العاملين في مختلف الوظائف، في رأي "مشعل"، فهو يجب أن يتسم بسرعة البديهة واتخاذ القرار السليم في وقت قصير، "معندناش فرصة للخطأ في الجو"، فضلًا عن أهمية سلامة الصحة البدنية والعقلية والنفسية، وهو ما وافقه عليه الكابتن طيار محمد عصام، في أن المهنة تحتاج لمجهود عقلي وذهني أكثر منه عضلي، بجانب الثبات الانفعالي وحسن قراءة للموقف الطارئ والتعامل معه، والدراية الجيدة بالمناخ وجغرافيا العالم.
"الناس بتفكر أن الطيارين معاهم فلوس كتير وعلاقاتهم كتير وجذابين للبنات، بس الوضع الحقيقي مش كده".. ينتقد الرجل الثلاثيني تلك السمعة الخاطئة المنتشرة عن الطيارين، والمروجة من خلال الدراما والأفلام السينمائية، مشيرًا إلى أنها مهنة عادية كغيرها من المهن بالعالم، وبها العديد من المتاعب التي تتمثل أبرزها في اختلاف التوقيت بين الدول خلال تنقلاتهم.
داخل "كابينة التحكم"، تتعدد الشاشات التي تصطف عليها الأرقام والأحرف الإنجليزية، لعرض تفاصيل الرحلة ومعلومات الطائرة من السرعة والارتفاع وكمية الغاز المستخدمة والباقي، لتشكل مجموعة من البيانات لا يفك رموزها سوى الطيار، فتخلق له عالمه الخاص كما هو الحال لدى "عصام".
من بين العديد من المواقف التي مر بها في عمله طوال الـ15 عامًا الماضية، يتذكر الطيار، هذا الموقف، قائلًا: "خلال رحلاتي الطويلة، لقيت رئيس طاقم الضيافة بيقولي إن فيه راكب مش بيتحرك خالص بقاله فترة، فأخدنا الدكتور ورحناله اكتشفنا أنه متوفي، وهو ما تسبب في طرح العديد من الأسئلة وطرح فكرة الهبوط لأقرب مطار جوي، إلا أني قررت استكمال الرحلة وإبلاغ المحطة بالحالة بعد الهبوط".
"السلامة، وراحة الركاب، والمواعيد" هم صمام الأمان بالنسبة لـ"عصام" في عمله، فهو يجد أنهم صميم عمل الطيار، والتي من خلالها يثبت كفاءته بالتناسب مع التسهيلات التي تقدمها الشركة له، فالاستعداد للرحلة لا يتسم بطقوس معينة لدى "عصام" طوال فترة عمله، وإنما يرتبط بالتأكد من وجود "الباسبور والبطاقة والكتب والخرايط"، مضيفًا: "لو رحلة طويلة باخد معايا كتب اقرا فيها لما أسافر، وفور وصولي للمطار بستكمل باقي الاستعدادات من مراجعة التقارير والبيانات والملاحظات والمطار البديل، قبل الإقلاع وعقب الوصول، التي منها استكمل رحلتي في سماء العالم".
اكتر حاجه ضيقتي جدا في المقال ده المضيفات و المضيفين الي بيزعلو وبيقول انهم بيقولو علينا جرسونات كأن مهنه الجرسون شيء عيب و محتقر
احنا عمرنا ما هانتقدم ربع خطوة طول ما احنا بنحقتر اي عمل شريف
يعني هما زعلانين ان حد بيهين مهنتهم يقولو هما يهينو مهن الناس
بس الموضوع حلو جدا و بيفكرني بيذكريات كتير مع الطيران السنوي و انا رايح وراجع
اكتر حاجه ضيقتي جدا في المقال ده المضيفات و المضيفين الي بيزعلو وبيقول انهم بيقولو علينا جرسونات كأن مهنه الجرسون شيء عيب و محتقر
احنا عمرنا ما هانتقدم ربع خطوة طول ما احنا بنحقتر اي عمل شريف
يعني هما زعلانين ان حد بيهين مهنتهم يقولو هما يهينو مهن الناس
بس الموضوع حلو جدا و بيفكرني بيذكريات كتير مع الطيران السنوي و انا رايح وراجع