استراتيجية مقاومة: 'البديل الإسلامى'و الصراع ضد أوسلونوع التحليل:استراتيجيات المقاومةالمؤلف:طلعت رميح
استراتيجية مقاومة: "البديل الإسلامى"و الصراع ضد أوسلو
جاءت أوسلو عقب العدوان الأمريكى على العراق، كما كانت احد نتائج رد الفعل الصهيونى والأمريكى على الانتفاضة الأولى فى عام 1987، وفى ذلك وجدت الحركة الإسلامية الفلسطينية (حركتى حماس والجهاد الإسلامى) نفسها أمام تحول استراتيجى كبير، اهم ملامحه ان الخصم الحضارى، قرر ان يواجه البديل الحضارى فى الصراع (أى الحركة الإسلامية) ضده برفع عوامل قوة وسيطرة القوة السياسية الفلسطينية التى قادت الصراع من قبل على اسس وطنية دون الهوية الحضارية كنمط وفهم واستراتيجية، لتكون فى مواجهة الحركة الإسلامية ولياخذ الصراع حول فلسطين ابعادا داخلية فى داخل الحركة الوطنية والإسلامية الفلسطينية، مستثمرا وقائع حقيقية على الأرض، اذ جاء تبلور البديل الحضارى الإسلامى جاء على حساب قوة فتح على صعيد دورها وسيطرتها ونفوذها. جرت مفاوضات واتفاقات أوسلومع القيادة الفلسطينية التى كانت ناضلت وكافحت طويلا ضد الكيان الصهيونى، وبالاستناد الى النظام الرسمى العربى وانتهت الى الوجود فى تونس وغيرها من الدول العربية بعيدا عن الأرض الفلسطينية، وجاءت وفق صيغة ان تتولى هى ادارة المناطق الفلسطينية وان تتكفل بمواجهة التحولات التى جرت فى الواقع الفلسطينى، ونتج عنها تبلور وقوة الحركة الإسلامية، غير انها كانت فى ذات الوقت رؤية استراتيجية صهيونية وامريكية تستهدف احكام الحصار على على القيادة الفلسطينية التى جرت معها المفاوضات ووقعت الاتفاقات، بادخالها فى وضع استراتيجى محاصر بقوات الاحتلال والوضع الدولى والعربى من ناحية وبالمواجهة -بفعل بنود الاتفاقيات –مع قوى البديل الحضارى الإسلامى.
كانت أوسلو بالاساس جانبا من جوانب الفهم الأمريكى والصهيونى هى رد فعل وتقدير لخطورة ما جرى من تبلور البديل الحضارى الإسلامى، على المشروع الصهيونى الغربى فى العالم العربى والإسلامى عامة وفى فلسطين خاصة.كما جاءت كخطوة استراتيجية للاستفادة القصوى من حالة الضعف التى اصابت الوضع الرسمى العربى خلال العدوان الأمريكى الاول على العراق 1991،بفعل إضعاف العراق واخراج قوته العسكرية من التوازن الاستراتيجى مع الكيان الصهيونى، وبالنظر الى ما حدث من حالة انقسام فى النظام الرسمى العربى حيث تحيزات وتشكلت محاور خلال التعامل مع الازمة، وكذا جاءت أوسلو استفادة مما حدث للقيادة الفلسطينية ممثلة فى حركة فتح من انعزال عن بعض من دول النظام الرسمى العربى نتيجة مواقفها خلال الازمة،وهكذا جاءت أوسلو لاعادة ترتيب –وهذا هو الأهم- الأوضاع على الأرض الفلسطينية بالمعنى السياسى الشامل، ولذا كان من الطبيعى ان تتحدد على اساسها استراتيجية جديدة من قبل البديل الحضارى الوليد، باعتبار أن أوسلو فرضت عليه معركة جانبية استهدفت التاثير على تطوره واتجاهات نشاطه بحرفها باتجاه الداخل الفلسطينى لا المواجهة مع الخصم الحضارى ممثلا فى الكيان الصهيونى ومن خلفه اوروبا والولايات المتحدة.
استراتيجية الافشال
واقع الحال ان أوسلو لم تحدث تطورا هينا او مبسطا فى الواقع الفلسطينى، بل هى احدثت تغييرا حقيقيا وكبيرا. فى المعيار العام هى جاءت لتحمل معها امالا (خادعة)لدى قطاعات من الشعب الفلسطينى بان الامور تتطور فى اتجاه بناء دولة فلسطينية، كان مصدرها ان السلطة الفلسطينية باتت تدشن بعضا من معالم جديدة على الاوضاع الفلسطينية فى الأرض المحتلة على صعيد المؤسسات والابنية وكلها جاءت فى الاطار الرمزى المؤثر على نفسية شعب عاش تحت الاحتلال لما يزيد على ربع قرن. افتتح مطار فى غزة وتشكلت "شركة طيران فلسطينية" واصبح هناك شرطة فلسطينية واجهزة ادارية ومحاولة لبناء رمزية وضع اقتصادى. .الخ. ووقتها زاد من توسع الآمال لدى تلك القطاعات من الشعب الفلسطينى.
إن أوسلو جاءت وفق نمط تفاوضى وتنفيذى ممرحل، وقد كان لذلك اهميته فى التاثير على المواطن الفلسطينى ودفعه للتريث والانتظار قبل الحكم النهائى على التجربة، فاذا كانت قوات الاحتلال قد انسحبت من المدن الفلسطينية، فان الامال تجسدت وصارت الجماهير الفلسطينية تنتظر الخطوة التالية، واذا كانت المعابر الى خارج فلسطين مع دول الجوار قد انفتحت بافضل مما كانت قبل أوسلو فان الامال دفعت الى ان يوما قريبا سياتى تنتهى فيه السيطرة والوجود الصهيونى على المعابر.واذا كان بعض من الاسرى الفلسطينيين فى السجون الصهيونية قد اطلق سراحهم (وسط افراح فلسطينية)فقد باتت تجرى مفاوضات لزيادة اعداد المفرج عنهم بما استحق انتظار الفرصة.وفى ذلك حملت أوسلو مع تنفيذها بناءا وتاسيسا لاجهزة الامن الفلسطينية التى صارت تتوسع وتنمو مع الوقت وفى مواجهة مع معارضى أوسلو سواء من قبل كوادرها المنتمية لرؤية فتح او تلك التى مثلت اختراقا صهيونيا، فكان ان اصبحت المواجهة فلسطينية-فلسطينية.
وفى مواجهة الآمال التى انتعشت مع أوسلو، وكذا لوجود تقدير استراتيجى بأن الأمور ستنكشف مع تطور عملية التفاوض وبفعل الممارسات الصهيونية العدوانية التى لا تحترم حتى الموقعين على اتفاقات معها،وضمن رؤية ان المهم خلال تلك المرحلة -ما بين الامال والانكشاف -هو منع التوقيع على اتفاقات تضر بالاهداف الشاملة فى تحرير فلسطين كل فلسطين، بدى ان الحركة الإسلامية اعتمدت الصبر على مواجهة الامال التى بنيت على خداع والصبر فى مواجهة اجهزة الامن الفلسطينية، وحددت ان المهمة الاصلية هى مواجهة الاحتلال لا السلطة وان الطريق الطويل يقتضى افشال اية اتفاقات تضر بالحقوق الاستراتيجية للشعب الفلسطينى. وفى ذلك تعرضت الحركة الإسلامية الى مشكلات مع السلطة الفلسطيية تمثلت فى عمليات القبض على كوادرها وفى حملات الدعاية المضادة لها، وجرى صراع مرير كان توجه الحركة الإسلامية فيه هو التوجه نحو العدو للرد على كل ما يجرى ضدها فى الداخل من قبل الاجهزة الامنية لسلطة أوسلو.كانت عمليات حماس خلال تلك المرحلة التى جرت فيه المراهنة على أوسلو موجهة ضد العدو الصهيونى وبشكل خاص فى الاراضى المحتلة عام 48، كما كانت عملياتها تجرى توقيتا مع كل تفريط يجرى على صعيد الاتفاقات واللقاءات والتفاهمات بين السلطة الفلسطينية والكيان الصهيونى، وقد كان ذلك واضحا للمتابعين فى توقيتات العمليات واماكنها.
وهكذا مع مرور الوقت باتت ملامح مرحلة جديدة تتشكل، جوهرها هو السير بالصراع الداخلى الفلسطينى لكى يصبح هو الصراع الاساسى لا الصراع ضد العدو الصهيونى.
نهاية أوسلو وتغيير المسار
صارت أوسلو مع الوقت تفقد بريقها ويقل مؤيدوها، اذ بدا يظهر بشكل اكثر وضوحا ان طريق أوسلو لن يحقق شيئا للشعب الفلسطينى وان العكس هو الصحيح، اذ نجح الكيان الصهيونى من خلال أوسلو فى جعل الاحتلال اقل كلفة( لدولة الاحتلال )،كما هو نجح فى زيادة الاراضى الفلسطينية المستولى عليها والمقام عليها مستعمرات، وزاد من سرعة حدوث هذا التغير فى المزاج النفسى للشعب الفلسطينى ان الاحتلال بدا يتراجع عن كل الصلاحيات والسلطات والصور الرمزية التى وافق على منحها للسلطة الفلسطينية، بل بات يهدمها جزءا جزءا، وهو ما انتهى الى اعادة احتلال المدن الفلسطينية التى سبق ان انسحب منها والى حصار عرفات دون خروج من مقره. .حتى جرت عملية قتل عرفات نفسه.وفى المقابل كانت الحركة الإسلامية تكسب ارضا جماهيرية بمعدل متصاعد وسط صفوف الشعب الفلسطينى، كما بدات السلطة الفلسطينية ذاتها تدخل رويدا رويدا فى نفق مظلم على صعيد قدرتها على تلبية الطموحات التى وعد بها الشعب الفلسطينى وعلى صعيد تماسك اجهزتها.
لقد جرت فعليا عملية واسعة وكبيرة ومهمة من تغيير التوازنات بين الحركة الإسلامية وفتح ممثلة فى سلطة أوسلو، اذ اصبحت اغلبية شعبية فلسطينية تؤيد الرؤية الاستراتيجية الجهادية ضد الكيان الصهيونى وان ترى لابديل عن تلك الرؤية فى المواجهة باعتبار العدو الصهيونى لن يرضخ للحقوق لا تكتيكيا ولا استراتيجيا الا تحت ضغط القتال. وهنا حدث تطور مهم عزز تلك الرؤية، اذ اجبرت قوات الاحتلال الصهيونى على الرحيل من غزة مهزومة تحت ضربات المقاومة. فكان ان تجسدت نتائج الفعل المقاوم فى صورة تحرير جانب من الأرض الفلسطينية، بما كان يعنى فعليا وعلى ارض الواقع نهاية أوسلو.
وهنا بدأت حماس تغير استراتيجيتها من افشال النتائج السلبية لأوسلو للبناء على النتائج الايجابية لفشل أوسلو، فدخلت الى مرحلة المشاركة فى العملية السياسية، وسط ملامح لمرحلة جديدة.
من الإفشال الى البديل
فى المرحلة الجديدة تغيرت استراتيجية حماس، اذ دخلت من ناحية فى عملية تفاوضية داخلية مع حركة فتح، انتهت الى وقف العمليات التى يقوم بها الجناح العسكرى لها (كتائب عز الدين القسام)ضد العدو الصهيونى،كما هى من ناحية اخرى بدات فى دخول العملية السياسية الداخلية بالاستعداد للانتخابات الفلسطينية ثم دخولها، بداية بالمجالس البلدية حتى الانتخابات التشريعية.
كانت مرحلة معقدة، إذ التغيير لم يكن امرا سهلا، سواء فى داخل حماس او على صعيد العلاقات الفلسطينية الفلسطينية، او على صعيد موقع مشاركة حماس فى الانتخابات على خارطة اتفاقات أوسلو، وفى ذلك كان عباس ومن معه فى حالة تفاعل مع الأمريكيين والصهاينة بشان السماح او عدم السماح لحماس بدخول الانتخابات دون التزام منها بالاتفاقيات الموقعة.
كانت رؤية حماس فى الاغلب، ان أوسلو انتهت زمنيا او على ارض الواقع، وان الانتخابات هى الطريقة الأصح لممارسة الخلاف والصراع الفلسطينى الداخلى، لكن الأطراف الأخرى كانت تنظر للانتخابات على انها "فخ" لحماس، اذ هى لو فازت انما تدخل باقدامها فى داخل حلقات قيود أوسلو التى هى واقع على الأرض، وان تلك طريقة مثلى للايقاع بها وعزلها وانهاكها وتقليص مساحة تاييدها، حتى لحظة الانقضاض عليها. وهكذا تواصلت الاحداث حتى وصلت الامور الى ما هى عليه الان، ما بعد تفجر الصراع فى غزة على مستوى عسكرى بين حماس وجناحها العسكرى من ناحية وقوات الامن التابعة لسلطة أوسلو. والتى هى معركة ما تزال متفاعلة حاليا.
الدلالات والدروس
وفى الدلالات الاستراتيجية لتلك التجربة، فنحن أمام مرحلة جديدة وحاسمة فى مصير تجربة تبلور البديل الحضارى فى الصراع، اذ أوسلوا كانت بالاساس عملية مواجهة من خلال الداخل الفلسطينى لهذا البديل، وباعتبار ان المعركة الراهنة ليست حالة صراع بين فتح وحماس بل ليست مجرد صراع حول أوسلو وانما هى صراع بين البديل الحضارى الإسلامى والقوى التى سقطت فى الصراع وتخطتها وقائع التغيير فصارت تتعاون مع الخصم الاستراتيجى او فى الاقل فى حالة تماس استراتيجى مع الخصم لمواجهة الخصم الحضارى.
وهنا يبدو ان ما يجرى فى غزة، ليس بالاساس صراعا بين فتح وحماس على السلطة –وان كان ذلك هو الشكل والاطار الحادث-وانما هو صراع من اجل خنق البديل الحضارى الإسلامى الذى اعاد المواجهة مع المشروع الصهيونى الغربى الى اصوله وجذوره. وهو ما يتطلب رؤية استراتيجية اكثر تعقيدا من تلك الرؤية الجارى على اساسها الصراع حاليا.
استراتيجية مقاومة: "البديل الإسلامى"و الصراع ضد أوسلو
كانت أوسلو بالاساس جانبا من جوانب الفهم الأمريكى والصهيونى هى رد فعل وتقدير لخطورة ما جرى من تبلور البديل الحضارى الإسلامى، على المشروع الصهيونى الغربى فى العالم العربى والإسلامى عامة وفى فلسطين خاصة.كما جاءت كخطوة استراتيجية للاستفادة القصوى من حالة الضعف التى اصابت الوضع الرسمى العربى خلال العدوان الأمريكى الاول على العراق 1991،بفعل إضعاف العراق واخراج قوته العسكرية من التوازن الاستراتيجى مع الكيان الصهيونى، وبالنظر الى ما حدث من حالة انقسام فى النظام الرسمى العربى حيث تحيزات وتشكلت محاور خلال التعامل مع الازمة، وكذا جاءت أوسلو استفادة مما حدث للقيادة الفلسطينية ممثلة فى حركة فتح من انعزال عن بعض من دول النظام الرسمى العربى نتيجة مواقفها خلال الازمة،وهكذا جاءت أوسلو لاعادة ترتيب –وهذا هو الأهم- الأوضاع على الأرض الفلسطينية بالمعنى السياسى الشامل، ولذا كان من الطبيعى ان تتحدد على اساسها استراتيجية جديدة من قبل البديل الحضارى الوليد، باعتبار أن أوسلو فرضت عليه معركة جانبية استهدفت التاثير على تطوره واتجاهات نشاطه بحرفها باتجاه الداخل الفلسطينى لا المواجهة مع الخصم الحضارى ممثلا فى الكيان الصهيونى ومن خلفه اوروبا والولايات المتحدة.
استراتيجية الافشال
واقع الحال ان أوسلو لم تحدث تطورا هينا او مبسطا فى الواقع الفلسطينى، بل هى احدثت تغييرا حقيقيا وكبيرا. فى المعيار العام هى جاءت لتحمل معها امالا (خادعة)لدى قطاعات من الشعب الفلسطينى بان الامور تتطور فى اتجاه بناء دولة فلسطينية، كان مصدرها ان السلطة الفلسطينية باتت تدشن بعضا من معالم جديدة على الاوضاع الفلسطينية فى الأرض المحتلة على صعيد المؤسسات والابنية وكلها جاءت فى الاطار الرمزى المؤثر على نفسية شعب عاش تحت الاحتلال لما يزيد على ربع قرن. افتتح مطار فى غزة وتشكلت "شركة طيران فلسطينية" واصبح هناك شرطة فلسطينية واجهزة ادارية ومحاولة لبناء رمزية وضع اقتصادى. .الخ. ووقتها زاد من توسع الآمال لدى تلك القطاعات من الشعب الفلسطينى.
إن أوسلو جاءت وفق نمط تفاوضى وتنفيذى ممرحل، وقد كان لذلك اهميته فى التاثير على المواطن الفلسطينى ودفعه للتريث والانتظار قبل الحكم النهائى على التجربة، فاذا كانت قوات الاحتلال قد انسحبت من المدن الفلسطينية، فان الامال تجسدت وصارت الجماهير الفلسطينية تنتظر الخطوة التالية، واذا كانت المعابر الى خارج فلسطين مع دول الجوار قد انفتحت بافضل مما كانت قبل أوسلو فان الامال دفعت الى ان يوما قريبا سياتى تنتهى فيه السيطرة والوجود الصهيونى على المعابر.واذا كان بعض من الاسرى الفلسطينيين فى السجون الصهيونية قد اطلق سراحهم (وسط افراح فلسطينية)فقد باتت تجرى مفاوضات لزيادة اعداد المفرج عنهم بما استحق انتظار الفرصة.وفى ذلك حملت أوسلو مع تنفيذها بناءا وتاسيسا لاجهزة الامن الفلسطينية التى صارت تتوسع وتنمو مع الوقت وفى مواجهة مع معارضى أوسلو سواء من قبل كوادرها المنتمية لرؤية فتح او تلك التى مثلت اختراقا صهيونيا، فكان ان اصبحت المواجهة فلسطينية-فلسطينية.
وفى مواجهة الآمال التى انتعشت مع أوسلو، وكذا لوجود تقدير استراتيجى بأن الأمور ستنكشف مع تطور عملية التفاوض وبفعل الممارسات الصهيونية العدوانية التى لا تحترم حتى الموقعين على اتفاقات معها،وضمن رؤية ان المهم خلال تلك المرحلة -ما بين الامال والانكشاف -هو منع التوقيع على اتفاقات تضر بالاهداف الشاملة فى تحرير فلسطين كل فلسطين، بدى ان الحركة الإسلامية اعتمدت الصبر على مواجهة الامال التى بنيت على خداع والصبر فى مواجهة اجهزة الامن الفلسطينية، وحددت ان المهمة الاصلية هى مواجهة الاحتلال لا السلطة وان الطريق الطويل يقتضى افشال اية اتفاقات تضر بالحقوق الاستراتيجية للشعب الفلسطينى. وفى ذلك تعرضت الحركة الإسلامية الى مشكلات مع السلطة الفلسطيية تمثلت فى عمليات القبض على كوادرها وفى حملات الدعاية المضادة لها، وجرى صراع مرير كان توجه الحركة الإسلامية فيه هو التوجه نحو العدو للرد على كل ما يجرى ضدها فى الداخل من قبل الاجهزة الامنية لسلطة أوسلو.كانت عمليات حماس خلال تلك المرحلة التى جرت فيه المراهنة على أوسلو موجهة ضد العدو الصهيونى وبشكل خاص فى الاراضى المحتلة عام 48، كما كانت عملياتها تجرى توقيتا مع كل تفريط يجرى على صعيد الاتفاقات واللقاءات والتفاهمات بين السلطة الفلسطينية والكيان الصهيونى، وقد كان ذلك واضحا للمتابعين فى توقيتات العمليات واماكنها.
وهكذا مع مرور الوقت باتت ملامح مرحلة جديدة تتشكل، جوهرها هو السير بالصراع الداخلى الفلسطينى لكى يصبح هو الصراع الاساسى لا الصراع ضد العدو الصهيونى.
نهاية أوسلو وتغيير المسار
صارت أوسلو مع الوقت تفقد بريقها ويقل مؤيدوها، اذ بدا يظهر بشكل اكثر وضوحا ان طريق أوسلو لن يحقق شيئا للشعب الفلسطينى وان العكس هو الصحيح، اذ نجح الكيان الصهيونى من خلال أوسلو فى جعل الاحتلال اقل كلفة( لدولة الاحتلال )،كما هو نجح فى زيادة الاراضى الفلسطينية المستولى عليها والمقام عليها مستعمرات، وزاد من سرعة حدوث هذا التغير فى المزاج النفسى للشعب الفلسطينى ان الاحتلال بدا يتراجع عن كل الصلاحيات والسلطات والصور الرمزية التى وافق على منحها للسلطة الفلسطينية، بل بات يهدمها جزءا جزءا، وهو ما انتهى الى اعادة احتلال المدن الفلسطينية التى سبق ان انسحب منها والى حصار عرفات دون خروج من مقره. .حتى جرت عملية قتل عرفات نفسه.وفى المقابل كانت الحركة الإسلامية تكسب ارضا جماهيرية بمعدل متصاعد وسط صفوف الشعب الفلسطينى، كما بدات السلطة الفلسطينية ذاتها تدخل رويدا رويدا فى نفق مظلم على صعيد قدرتها على تلبية الطموحات التى وعد بها الشعب الفلسطينى وعلى صعيد تماسك اجهزتها.
لقد جرت فعليا عملية واسعة وكبيرة ومهمة من تغيير التوازنات بين الحركة الإسلامية وفتح ممثلة فى سلطة أوسلو، اذ اصبحت اغلبية شعبية فلسطينية تؤيد الرؤية الاستراتيجية الجهادية ضد الكيان الصهيونى وان ترى لابديل عن تلك الرؤية فى المواجهة باعتبار العدو الصهيونى لن يرضخ للحقوق لا تكتيكيا ولا استراتيجيا الا تحت ضغط القتال. وهنا حدث تطور مهم عزز تلك الرؤية، اذ اجبرت قوات الاحتلال الصهيونى على الرحيل من غزة مهزومة تحت ضربات المقاومة. فكان ان تجسدت نتائج الفعل المقاوم فى صورة تحرير جانب من الأرض الفلسطينية، بما كان يعنى فعليا وعلى ارض الواقع نهاية أوسلو.
وهنا بدأت حماس تغير استراتيجيتها من افشال النتائج السلبية لأوسلو للبناء على النتائج الايجابية لفشل أوسلو، فدخلت الى مرحلة المشاركة فى العملية السياسية، وسط ملامح لمرحلة جديدة.
من الإفشال الى البديل
فى المرحلة الجديدة تغيرت استراتيجية حماس، اذ دخلت من ناحية فى عملية تفاوضية داخلية مع حركة فتح، انتهت الى وقف العمليات التى يقوم بها الجناح العسكرى لها (كتائب عز الدين القسام)ضد العدو الصهيونى،كما هى من ناحية اخرى بدات فى دخول العملية السياسية الداخلية بالاستعداد للانتخابات الفلسطينية ثم دخولها، بداية بالمجالس البلدية حتى الانتخابات التشريعية.
كانت مرحلة معقدة، إذ التغيير لم يكن امرا سهلا، سواء فى داخل حماس او على صعيد العلاقات الفلسطينية الفلسطينية، او على صعيد موقع مشاركة حماس فى الانتخابات على خارطة اتفاقات أوسلو، وفى ذلك كان عباس ومن معه فى حالة تفاعل مع الأمريكيين والصهاينة بشان السماح او عدم السماح لحماس بدخول الانتخابات دون التزام منها بالاتفاقيات الموقعة.
كانت رؤية حماس فى الاغلب، ان أوسلو انتهت زمنيا او على ارض الواقع، وان الانتخابات هى الطريقة الأصح لممارسة الخلاف والصراع الفلسطينى الداخلى، لكن الأطراف الأخرى كانت تنظر للانتخابات على انها "فخ" لحماس، اذ هى لو فازت انما تدخل باقدامها فى داخل حلقات قيود أوسلو التى هى واقع على الأرض، وان تلك طريقة مثلى للايقاع بها وعزلها وانهاكها وتقليص مساحة تاييدها، حتى لحظة الانقضاض عليها. وهكذا تواصلت الاحداث حتى وصلت الامور الى ما هى عليه الان، ما بعد تفجر الصراع فى غزة على مستوى عسكرى بين حماس وجناحها العسكرى من ناحية وقوات الامن التابعة لسلطة أوسلو. والتى هى معركة ما تزال متفاعلة حاليا.
الدلالات والدروس
وفى الدلالات الاستراتيجية لتلك التجربة، فنحن أمام مرحلة جديدة وحاسمة فى مصير تجربة تبلور البديل الحضارى فى الصراع، اذ أوسلوا كانت بالاساس عملية مواجهة من خلال الداخل الفلسطينى لهذا البديل، وباعتبار ان المعركة الراهنة ليست حالة صراع بين فتح وحماس بل ليست مجرد صراع حول أوسلو وانما هى صراع بين البديل الحضارى الإسلامى والقوى التى سقطت فى الصراع وتخطتها وقائع التغيير فصارت تتعاون مع الخصم الاستراتيجى او فى الاقل فى حالة تماس استراتيجى مع الخصم لمواجهة الخصم الحضارى.
وهنا يبدو ان ما يجرى فى غزة، ليس بالاساس صراعا بين فتح وحماس على السلطة –وان كان ذلك هو الشكل والاطار الحادث-وانما هو صراع من اجل خنق البديل الحضارى الإسلامى الذى اعاد المواجهة مع المشروع الصهيونى الغربى الى اصوله وجذوره. وهو ما يتطلب رؤية استراتيجية اكثر تعقيدا من تلك الرؤية الجارى على اساسها الصراع حاليا.