[FONT="]الاستراتيجية [/FONT]strategy[FONT="] تعريب شائع لمصطلح يوناني قديم [/FONT]strategia[FONT="] مشتق من لقب الستراتيغوس [/FONT]strategos[FONT="] الذي كان يحمله الرؤساء التنفيذيون الإغريق في مجلس الشيوخ، وكان هؤلاء ينتخبون من بين القاد ة الفرسان المخولين سلطات عسكرية وسياسية واسعة (حلف الآخيين وحلف الأتوليين والاتحاد الأثيني من القرن السادس ق.م وحتى منتصف القرن الأول الميلادي). ولقب استراتيفوس مركب من كلمتي استراتوس [/FONT]Stratos[FONT="] أي االقواتب وآغو [/FONT]ago[FONT="] ومعناها أقود.[/FONT]
[FONT="]والاستراتيجية مصطلح واسع المعنى متعدد الوجوه، وقد ارتبطت تاريخياً بفن الحرب وقيادة القوات، ثم اتسعت مضامينها بمرور الزمن وبتراكم الخبرات والمعارف حتى غدت نمطاً من التفكير العالي المستوى الموجه لتحقيق غايات السياسة، وتعبئة قوى الأمة المادية والمعنوية، وضمان مصالحها في السلم والحرب. ولهذا السبب ليس للاستراتيجية معنى متفق عليه، لأن معناها ومبناها مرتبطان بالشروط الزمانية والمكانية التي صيغت فيها، وبالأحداث التي انبثقت عنها، وبالأشخاص الذين تبنوها وطبقوها، وبالمدارس الفكرية التي ولدتها، وبالمجالات التي اختصت بها. وهناك من يصنف الاستراتيجية في عامة وخاصة، فالاستراتيجية العامة هي التي تهتم بدراسة متطلبات السياسة والحرب وتسعى إلى إيجاد السبل لتحقيقها. والاستراتيجية الخاصة تهتم بدراسة متطلبات نشاط محدد من الأنشطة التي تعنى بها الأمة، كاستراتيجية الاقتصاد واستراتيجية الزراعة واستراتيجية التربية وغيرها. وثمة آخرون يصنفون الاستراتيجية في مستويات أو طبقات فيقال استراتيجية عليا أو كبرى واستراتيجية دنيا أو صغرى، غير أن التعريف المعجمي للاستراتيجية يرتبها على النحو التالي: [/FONT]
[FONT="]في[/FONT][FONT="] المجال السياسي الاقتصادي للدولة أو لمجموعة الدول:[/FONT][FONT="] هي علم وفن يهتمان بتعبئة قوى أمة أو مجموعة أمم سياسياً وعسكرياً واقتصادياً ومعنوياً لتوفير الدعم الأقصى للسياسة التي تتبناها الدولة أو مجموعة الدول في السلم والحرب.[/FONT]
[FONT="]في[/FONT][FONT="] مجال العلم العسكري:[/FONT][FONT="] هي علم وفن يختصان بإدارة الحرب والاستعداد لها وقيادة الصراع المسلح مع العدو وتوفير الظروف المناسبة لخوض هذا الصراع.[/FONT]
[FONT="]في مجال فن الحرب:[/FONT][FONT="] هي جزء مكون من فن الحرب يختص بدراسة المسائل النظرية والتطبيقية المرتبطة بإعداد القوات المسلحة للحرب والتخطيط لها وخوضها، وهذا هو المفهوم الشائع المعروف بالاستراتيجية العسكرية.[/FONT]
[FONT="]في مجال التطبيق العسكري:[/FONT][FONT="] هي نوع من التطبيقات العسكرية العالية المستوى كاستراتيجية الهجوم المعاكس واستراتيجية الدفاع المرن وغيرها. [/FONT]
[FONT="]في[/FONT][FONT="] المعنى المجازي للمصطلح:[/FONT][FONT="] هي فن وضع الخطط وتصميم المناورات لتحقيق هدف ما، أو هي خطة مدروسة وأسلوب مدقق ومناورة بارعة. [/FONT]
[FONT="]في الاستعمالات العصرية:[/FONT][FONT="] تعددت الاستعمالات العصرية لكلمة الاستراتيجية حتى شملت مختلف المجالات، فقد يوصف موقع دولة ما أو جزء من آراضيها بأنه استراتيجي، وقد يوصف قرار سياسي أو اقتصادي ذو أهمية بالصفة نفسها، كذلك توصف بها بعض الأسلحة المتطورة وبعض المواد أو المنتوجات أو التقنيات ذات الأهمية الخاصة، وربما شملت صفة الاستراتيجية أنماطاً من التفكير أو الدراسات أو المشروعات، وكذلك كل ما هو ضروري لخوض الحرب وإدارتها ويؤتى به من خارج البلاد.[/FONT]
[FONT="]ومع تعدد التعريفات السابقة واختلاف وجهات النظر يمكن القول إن خيطاً ناظماً يجمع بينها قوامه أن الاستراتيجية علم وفن يُعنيان بدراسة الطاقات والقوى المتاحة، وتوفير الخطط والوسائل لتحقيق أهداف السياسة تحقيقاً مباشراً أو غير مباشر. فهي [/FONT][FONT="]علم[/FONT][FONT="] لأنها تبنى على نظريات علمية متعددة الأوجه تشمل العلوم الاجتماعية والعلوم البحتة والعلوم العسكرية وغيرها. [/FONT][FONT="]وهي[/FONT][FONT="] فن لأن ممارستها وتطبيقاتها تختلف بين شخص وآخر سواء أكان سياسياً أم عسكرياً.[/FONT]
[FONT="]ترتبط الاستراتيجية بالسياسة ارتباطاً وثيقاً وتعتمد عليها وتستجيب لمتطلباتها، وتنفذ المهام التي تسندها إليها. وتتبوأ الاستراتيجية مكان الصدارة من فن الحرب، وهي تحيط بجميع المسائل النظرية والتطبيقية التي لها علاقة بإعداد الدولة وقواتها المسلحة للحرب وبوضع خطط الحرب وخطط العمليات الاستراتيجية وإدارة دفتها حتى تتحقق الغايات المرسومة لها وفق المبادئ التي يحددها مذهب الدولة العسكري ونظامها الاجتماعي. [/FONT]
[FONT="]وتؤلف الاستراتيجية العسكرية، من الناحية النظرية، منظومة المعارف العسكرية التي تتناول قوانين الحرب ومبادئها وطابعها وأساليب خوضها، وهي التي تحدد الأسس النظرية للمذهب العسكري، ولبناء القوات المسلحة واستخدامها، وأسس تخطيط العمليات والإعداد لها وتنفيذها.[/FONT]
[FONT="]ومن الناحية التطبيقية تشمل الاستراتيجية العسكرية النشاط العملي الذي تمارسه القيادة الاستراتيجية لبناء القوات المسلحة ووضع الحلول المناسبة للمهام التي تحددها لها القيادة السياسية في ضوء الإمكانات الحقيقية للدولة وكمونها الحربي وقواتها المسلحة، كما تشمل أعمال القيادة الرامية إلى تحديد المهام الأساسية للقوات المسلحة في الأحوال الراهنة، وإعداد مسارح العمليات الحربية، وتوزيع القوى عليها، وتحديد مهام الجبهات والأساطيل والجيوش بحسب أهمية الاتجاهات الاستراتيجية التي سوف تعمل فيها، مع مراعاة الشروط الموضوعية للموقف.[/FONT]
[FONT="]ولقد اصطلح على تمييز استراتيجية الحرب كلها من استراتيجية خوض الحرب على اتجاهات معينة لتحقيق أهداف محدودة أو لتنفيذ عمليات مفردة. والاستراتيجية عامة واحدة للقوات المسلحة، وفروضها واجبة على أنواع القوات المسلحة كافة.[/FONT]
[FONT="]أما العلاقة بين الاستراتيجية وفن العمليات والتكتيك (الأجزاء المكونة لفن الحرب) فهي علاقة جدلية تتغير بتغير وسائل الصراع المسلح ودرجة تجهيز القوات المسلحة. وتحتل الاستراتيجية المكانة الأولى بينها، فهي التي تحدد مهام فن العمليات وفن التكتيك، وتضع الأطر النظرية لهما، وتعتمد عليهما وتستفيد من نجاحاتهما في تحقيق الأهداف المرجوة، إذ كان نجاح الاستراتيجية في الحروب السابقة مرهوناً تماماً بالنجاحات التكتيكية، ثم توسط فن العمليات بينهما في الحروب الحديثة. [/FONT]
[FONT="]ومع ظهور السلاح الصاروخي النووي اكتسبت العلاقة بين هذه المستويات الثلاثة مضموناً جديداً، فوضعت في تصرف القيادة الاستراتيجية وسائل تدمير تمكنها من تدمير العدو وتنفيذ بعض المهام الاستراتيجية والتكتيكية المهمة من دون وسيط. وتملكت القيادتان العملياتية والتكتيكية، في المقابل، وسائل تدمير بعيدة المدى تمكنها من تنفيذ مهام كبيرة العمق والمساحة ذات أهمية استراتيجية مباشرة.[/FONT]
[FONT="]تتبدل مضامين الاستراتيجية بتبدل أهداف الدولة السياسية والموقف الدولي ونسبة القوى ومستوى الاقتصاد وكفاية وسائل الصراع المسلح وكميتها، وتختار كل دولة (أو حلف دول) استراتيجيتها الخاصة بها في كل مرحلة تاريخية بما يتلاءم مع سياستها وإمكاناتها ووضعها الجغرافي والسياسي والعسكري وخصائص مواطنيها.[/FONT]
[FONT="]نشأة الاستراتيجية وتطورها[/FONT]
[FONT="]ـ في العصور القديمة:[/FONT][FONT="] كانت الاستراتيجية في العصور القديمة فناً يحتكره القادة العسكريون وتقر ن تطبيقاته بأسمائهم. وتعد حِكَم القادة الصينيين القدماء من أولى محاولات صوغ الفكر الاستراتيجي العسكري. وقد أسهمت تطبيقات جيوش الأمم القديمة في تراكم الخبرات وإرساء أسس فن الحرب والاستراتيجية على مر العصور، وأدى تطور الأسلحة والعتاد وتبدل التكوينات الاجتماعية والبنى الاقتصادية إلى تبدل الملامح المميزة لمضمون الاستراتيجية. فقد كانت استراتيجيات بلاد الشرق القديمة والهند والصين والفرس والإغريق والرومان تعتمد بادئ الأمر حملات قصيرة الأمد قليلة العمق نسبياً، ثم راحت بعد ذلك تتخذ أبعاداً كبيرة جداً (حملات الاسكندر وداريوس ويوليوس قيصر والجيش الامبراطوري الروماني) ورافق تنفيذ تلك الحملات تكوّن تدريجي لبعض النظريات الاستراتيجية، وكان معظم القادة ينظرون إلى مسائل إعداد الحرب وتكوين الجيوش على أنها من شؤون الاستراتيجية، ومن هؤلاء القائد والمنظر العسكري الصيني سُونْ تْزِي (أواخر القرن السادس ـ أوائل القرن الخامس ق.م) ويوليوس قيصر (القرن الأول قبل الميلاد) وفرونتينوس [/FONT] Frontinus[FONT="](القرن الأول الميلادي) [/FONT][FONT="]وأونوساندروس [/FONT]Onosandros[FONT="] (القرن الأول الميلادي) وبولوني [/FONT]Polony[FONT="] وفيجيتيوس (أواخر القرن الرابع وأوائل الخامس الميلاديين)، واستعمل كل من فرونتينوس وأونوساندروس مصطلح استراتيجيكوم [/FONT]strategecum[FONT="] واستراتيلوجية [/FONT]stratelogie[FONT="] بمعنى أصول خوض الحرب أو الاستراتيجية في إطار ذلك العصر.[/FONT]
[FONT="]ـ في عصر الفتوحات الإسلامية:[/FONT][FONT="] تميزت الاستراتيجية العسكرية مع انتشار الإسلام بمجموعة خصائص طبعتها بطابعها على مدى القرون. وفي مقدمتها تبني العقيدة الدينية عاملاً موجهاً لجميع الفاعليات الاجتماعية والعسكرية في الدولة الجديدة، وتبني مبدأ الجهاد أساساً للتجنيد وفرضه على كل قادر على حمل السلاح، وتبني مبدأ وحدة القيادة السياسية العسكرية في شخص الخليفة أمير المؤمنين وفي شخص ولاة الأقاليم وقادة جيوش الفتح، وتبني مبدأ المركزية في تخطيط العمليات وتوجيه الجيوش انطلاقاً من عاصمة الخلافة إلى جانب إطلاق يد القادة في حرية التصرف في حدود معينة، وتبني إقامة القواعد المتقدمة الممثلة في الثغور والرُّبُط والعواصم، ومرابطة قوات دائمة فيها (الصوائف والشواتي) لحماية الحدود، وتسديد الضربات المسبقة إلى تجمعات العدو. وارتبطت هذه الاستراتيجية ارتباطاً وثيقاً بالمذهب العسكري العربي الإسلامي القائم أصلاً على مفهوم المفاجأة والمناورة وسرعة الحركة واستنزاف العدو وجره إلى الموقعة الفاصلة المهيأ لها سلفاً وتبني العمليات الهجومية العميقة والتقرب غير المباشر والحرب النفسية. [/FONT]
[FONT="]وكانت جيوش الفتح تتألف في معظمها من الخيالة الخفيفة السريعة الحركة، وتجلَت أهم التطبيقات الاستراتيجية في تلك الحقبة في المعارك الفاصلة مثل القادسية ونهاوند واليرموك وفتح دمشق، وشمال إفريقية، والإنزال في جبل طارق وفتح الأندلس. [/FONT]
[FONT="]وفي العصر العباسي طرأت تبدلات جوهرية على الفكر الاستراتيجي العربي والإسلامي نجمت عن الأوضاع السياسية والاجتماعية التي سادت العالم الإسلامي (سيطرة العنصر التركي، ظهور الخلافة الفاطمية في مصر، تشكل الدويلات الإقطاعية، والحملات الصليبية، الغزو المغولي) وأدى ذلك كله إلى تطوير أساليب التعبئة ومبادئ التجنيد، وإلى ظهور الجيوش المحترفة المؤلفة من جنود نظاميين وقوات مرتزقة ومماليك، وإلى تطوير أساليب الهجوم والدفاع والتقرب والسيطرة، وتبديل بنية الجيوش وتسلحيها بما يتفق وروح العصر، إلى جانب المحافظة على بعض المبادئ الأساسية كوحدة القيادة والمركزية ممثلة في شخص أمير الجيوش أو السلطان من دون الخليفة. وفي هذا العصر ازدادت أهمية القلاع والمدن المحصنة وتطورت بالتالي أساليب الحصار وآلاته (المنجنيق والعَراَّدة وقوس الزيار وبرج الحصار ورأس الكبش) التي تسببت في إبطاء حركة الجيوش وأدت في خاتمة المطاف إلى ظهور المكاحل والمهاريس والمدافع والبنادق. وقد كان للمدافع دورها في سيطرة العثمانيين على بلاد الشام ومصر والقضاء على دولة المماليك الذين أهملوا شأنها، مع أنهم أول من صنعها واستخدمها، فلم يولوها الاهتمام الذي أولاه إياها العثمانيون، واستفاد هؤلاء من ميزات المدافع في عمليات الصدام المباشر وحققوا بوساطتها انتصارهم في مرج دابق، كما سبق وحققوه في فتح القسطنطينية وحصار فيينة.[/FONT]
[FONT="]ـ في عصر الإقطاع والنهضة الأوربيين:[/FONT][FONT="] غلبت على الاستراتيجية في أوربة العصور الوسطى فكرة الحرب المحدودة وحرب القلاع، وكانت القوات تتألف أساساً من خيالة مدرعة ثقيلة بطيئة الحركة جلها من المرتزقة المحترفين للحرب ويقودها ضباط مأجورون لا انتماء لهم (في المفهوم القومي). وتميزت الاستراتيجية آنذاك بلا مركزية القيادة. وعدم الحسم وندرة المعارك الفاصلة، وكان حصار القلاع محدود الهدف طويل الأمد قد يمتد سنوات. غير أن مفهوم الاستراتيجية أخذ يتبدل تدريجياً باختراع الأسلحة النارية وإدخالها إلى الجيوش (بدءاً من القرن الرابع عشر) إلى أن أصبحت مع بداية القرن السابع عشر جزءاً من العلوم الاجتماعية المعروفة، وارتبطت ارتباطاً وثيقاً بالفكر الاقتصادي والقانوني والسياسي السائد، واتسعت وسائلها حتى سملت الوسائل غير العسكرية التي يمكن الاستفادة منها في قضايا الحرب. وانتشرت في جميع جيوش أوربة فكرة ما يعرف باستراتيجية نطاق الحدود [/FONT]Cordon Strategy[FONT="] أي توزيع الحاميات على حدود الدولة لحمايتها، والسعي إلى ربح الحرب باصطناع المناورة على طرق المواصلات ومحاصرة القلاع والمدن المهمة ومحاولة الاستيلاء عليها. ولم تأخذ الاستراتيجية معناها ومقصدها العصريين إلا في مطلع القرن الثامن عشر، واقتصر مفهومها آنذاك على المجال العسكري فقط. إلا أن الاستراتيجية العسكرية حققت في ذلك القرن قفزات نوعية مهمة في بنية الجيوش وأساليب تجنيدها وعملها. وتبوأت سرعة المناورة وخفة الحركة والقوة النارية مكانة رئيسة في ذلك المضمار. وطرحت الثورة الفرنسية والحروب التي تلتها في نهاية القرن الثامن عشر ومطلع القرن التاسع عشر مفاهيم جديدة أدت إلى إعادة النظر في قوانين الحرب وتقاليدها القديمة كما أدت إلى تبدل أساليب التجنيد وتنظيم الجيوش وتسلحيها فحلت القوات الثورية والمجندة محل المرتزقة، وصارت أهداف الحرب سحق القوى الحية ووضعها خارج القتال، والسعي إلى تحقيق النصر في معركة فاصلة شاملة وبأعداد ضخمة من القوات وتحت قيادة واحدة، كما تنوعت الأساليب الاستراتيجية في الصراع المسلح كالهجوم والدفاع والمناورة العميقة، والانسحاب المخطط لإنهاك العدو، والهجوم العام المعاكس، والمطاردة، ووحدة القيادة، والعمل على جبهة واسعة، والاحتفاظ باحتياطات استراتيجية وزجها في الوقت المناسب. وازدادت أهمية الدفاع الاستراتيجي للمحافظة على الأرض وعلى القاعدة المادية الضرورية للاستمرار في الحرب، واشتهر في هذه المرحلة عدد ضخم من كبار القادة الاستراتيجيين أبرزهم نابليون بونابرت (فرنسة) ورُميانتسيف وسوفوروف وأوشاكوف وكوتوزوف (روسية) ودوق وُلينغتون (إنكلترة) كما برز إلى جانبهم عدد من المنظرين الاستراتيجيين مثل كلاوزفيتز (ألمانية) وجوميني (فرنسة) وغيرهما ممن درسوا مبادئ الاستراتيجية العسكرية التي طبقتها الجيوش الأوربية في حروب نابليون وما بعدها ووضعوا لها النظريات المناسبة، فصاغ كلاوزفيتز على أساسها نظرية إلى علاقة الحرب بالسياسة في مؤلفه الشهير «في الحرب» مؤكداً أن الحرب هي سلاح السياسة ويجب أن تطبع بطابعها، وتقاس بمقاييسها، وأن الحرب هي السياسة ذاتها بملامحها العامة ولكن بعد أن يستبدل السيف بالقلم، أما جوميني فأوضح في مؤلفيه «نُبد عن العمليات الحربية» و«ملامح فن الحرب» معارضته لاستراتيجية الحدود وتأكيده ضرورة تشتيت قوى العدو وتدميرها في وقعة حاسمة، وحاول البرهنة على وجود مبادئ أبدية ثابتة للاستراتيجية لايمكن تجاهلها. ثم جاء الجنرال الألماني فون مولتكه (الأب) فأكد في مؤلفاته وفي تطبيقاته العملية قيمة المفاجأة في الهجوم وأهمية حشد القوات سلفاً قبل خوض الحرب. ونقد المنظّر العسكري الفرنسي اليفالب في مؤلفاته «مدخل إلى الاستراتيجية» (1892) و«استراتيجية المسير» (1893) و«استراتيجية المعركة» (1895[/FONT][FONT="]-[/FONT][FONT="] 1896) نظرية «المبادئ الأبدية» التي نادى بها جوميني مؤكداً أن الاستراتيجية لا علاقة لها بالسياسة. وظهر في روسية في هذه الحقبة عدد من المنظّرين الاستراتيجيين الذين خلفوا مؤلفات ذات شأن مثل ميدُم الذي بيّن العلاقة بين الحر والسياسة والاستراتيجية والتكتيك (1836) ويازيكوف الذي درس أثر الجماهير في مجرى الحرب (1842) وليير الذي برهن على ارتباط الاستراتيجية بالسياسة. [/FONT]
[FONT="]الاستراتيجية في العصر الحديث [/FONT]
[FONT="]ـ الاستراتيجية في القرن التاسع عشر:[/FONT][FONT="] ساعد استخدام السكك الحديدية منذ النصف الثاني من القرن الثامن عشر في زيادة سرعة تحرك الجيوش وإمدادها كما ساعدت الأسلحة النارية السريعة الرمي في زيادة القوة النارية، ومكن استخدام البرق والهاتف في تحقيق السيطرة على القوات العاملة على اتجاهات متباعدة: الحرب الأهلية الأمريكية (1861ـ 1865)، الحرب النمساوية ـ الروسية (1866)، الحرب الفرنسية ـ البروسية (1870[/FONT][FONT="]-[/FONT][FONT="]1871)، الحرب الروسية ـ العثمانية (1877[/FONT][FONT="]-[/FONT][FONT="]1878)، وأدى ذلك كله إلى ظهور استراتيجيات حديثة تستجيب لمتطلبات العصر وروحه، وكان أبرز استراتيجيي هذه الحقبة رئيس الأركان العامة الألمانية افون شليفنب الذي طرح فكرة سحق العدو بضربة سبّاقة بقوى نسق استراتيجي قوي. أما ممثل الاستراتيجية الفرنسية فكان فريدريك فوش الذي وضع مبادئ ثابتة لخوض الحرب، وقال بأن الشكل الأساسي للأعمال الاستراتيجية هو الهجوم، ونادى بضرورة حشد القوى على خطوط عملياتية داخلية لسحق أهم تجمعات العدو. وبرز في روسية المنظّر العسكري ميخنيفتش الذي أوضح العلاقة المتبادلة بين الاستراتيجية والسياسة، وأكد فكرة الشعب المسلح واعتماد الحرب على الاقتصاد، وأثر وسائل الصراع الحديثة في تحقيق المهام الاستراتيجية. أما في الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانية فقد نصب اهتمام القيادتين السياسية والعسكرية والمنظّرين العسكريين فيهما على تحقيق السيادة على البحار وتطوير الأسطول الحربي وفي طليعتهم ف.كولومب (بريطانية) وآ.ماهن (الولايات المتحدة) وجوليان كوربت المؤرخ والبحار البريطاني (1854-1922م).[/FONT]
[FONT="]ـ الاستراتيجية في الحرب العالمية الأولى وبين الحربين:[/FONT][FONT="] كان منطلق معظم بلدان الغرب قبيل الحرب العالمية الأولى (1914[/FONT][FONT="]-[/FONT][FONT="]1918) في المفهوم الاستراتيجي ضرورة عدم خوض حرب طويلة الأمد. ولكن هذا المفهوم بدا غير قابل للتحقيق منذ الأيام الأولى للحرب، فانهارت خطط النصر الصاعق، وأخفقت محاولات الحلفين المتحاربين في إيجاد مخرج من الطريق المسدودة التي دخلت فيها حرب المواضع، ولم تستفد دول الائتلاف من تفوقها على ألمانية بالقوى وبالوسائل المادية إلا في نهاية الحرب فحققت بذلك انتصارها. وفي أثناء تلك الحرب ازداد دور القيادة السياسية وتأثير السياسة في التوجه الاستراتيجي وتأثير السياسيين في تنسيق عمليات الصراع المسلح بين الدول المتحالفة. وكانت الأهداف الرئيسة التي سعت الاستراتيجية إلى تحقيقها، تدمير قوى العدو الحية والاستيلاء على أراضيه أو الاحتفاظ بالأراضي التي سبق احتلالها. وازدادت إمكانات القيادة الاستراتيجية بظهور وسائل جديدة للصراع المسلح (الطيران والدبابات والغواصات) وتحسين أجهزة المدفعية والأسلحة الأَتماتية. إلا أن تشكيل الجبهات الاستراتيجية (مجموعات الجيوش) زاد في صعوبة القيادة، كما زاد في أهمية الكمون الاقتصادي والبشري للدول المتحاربة، وفي أهمية الاحتياطات الاستراتيجية وسرعة نقلها. وتم في غضون ذلك حل مشاكل توحيد الجهود الاستراتيجية وتنسقيها والتعاون الاستراتيجي بين دول الحلف الواحد، ولكن ببطء شديد وبخطى غير واثقة. فلم تؤلف القيادة العليا لقوات دول الائتلاف (الحلفاء) في أوربة إلا في العام 1918. وتمخضت ثورة «أكتوبر الاشتراكية» في روسية (1917) عن مفاهيم استراتيجية جديدة استناداً إلى الدراسات النظرية العسكرية التي طرحها كارل ماركس وأنغلز حول جوهر الحرب وأسبابها، وسعى لينين إلى بلورتها ووضع الأسس العلمية والعملية لتطبيقاتها في أعماله التي خص بها الصراع السياسي وثورة البروليتارية. وفي أثناء الحرب الأهلية وحرب التدخل الأجنبي في الاتحاد السوفييتي (1918[/FONT][FONT="]-[/FONT][FONT="]1920) سعت القيادة السوفيتية برئاسة لينين إلى تطبيق تلك المبادئ والأسس بوضع استراتيجية مرنة تعتمد الهجوم أساساً مع السماح بالتحول إلى الدفاع بل والانسحاب عند الضرورة مراعاة للإمكانات البشرية والاقتصادي للدولة وأعدائها. وعمدت هذه القيادة بعد الحرب الأهلية إلى دراسة المشكلات النظرية والعملية للحرب الحديثة من وجهة النظر السوفييتية في عدائها للعالم الرأسمالي المحيط بها، وتوصل كل من: م:ف فرونزه (1885-1925) [/FONT]Frounze M.V[FONT="]. و.م.ن. وتوخاتشوفسكي (1893-1937) [/FONT]Toukhatchevski M.N[FONT="]. وف.ك. ترانيدفيلوف وب.م. شابوشنيكوف (1882-1945) [/FONT]Chapochnikov .B.M[FONT="] في مدى العشرين عاماً الفاصلة بين الحربين العالميتين إلى إيجاد صيغة شاملة للاستراتيجية الحربية السوفييتية التي تبناها الاتحاد السوفييتي في بداية الحرب. ونصت هذه الاستراتيجية على أن الحرب قد تكون حرب أحلاف طويلة الأمد شديدة المناورة، وأساسها العمليات الهجومية العميقة المنفذة بالتتابع على مستوى جبهة أو مجموعة جبهات بتعاون وثيق بين جميع أنواع القوات المسلحة وتقوم القوات البرية فيها بالدور الرئيس والحاسم، ويعد الدفاع نوعاً مشروعاً من أعمال القتال يلجأ إليه لإنهاك العدو وتهيئة الشروط المناسبة للانتقال إلى الهجوم. [/FONT]
[FONT="]إلا أن نظرية الدفاع في المستوى الاستراتيجي لم تدرس دراسة وافية قبل بدء الحرب العالمية الثانية، ولم توضع الحلول المناسبة لصد ضربات العدو المفاجئة بقوات سبقت تعبئتها في المرحلة الأولى من الحرب. وبالمقابل فقد كان للأزمة المالية التي أصابت البلاد الرأسمالية في بداية الثلاثينيات أثرها الكبير في تطور الاستراتيجية العسكرية في دول الغرب، ودفعها تنافسها في السيطرة على العالم إلى تأليف جيوش محترفة تعد بالملايين، كما أدى تأثير خبرة الحرب الأولى إلى المبالغة في تقدير أهمية الطيران والدبابات في المعركة، فظهرت نظريات جديدة تعالج فكرة تحقيق النصر « بحرب جوية» كما يقول الإيطالي جوليو دويه (1869[/FONT][FONT="]-[/FONT][FONT="]1930) [/FONT]Giulo Douhet[FONT="] أو «بحرب مدرعات» كما يذكر البريطاني جون فولَر (1878[/FONT][FONT="]-[/FONT][FONT="]1966) [/FONT]John Fuller[FONT="] والألماني هاينتز غودريان [/FONT]Heinz Guderian[FONT="]، ويرى بعضهم أن تكون الحرب شاملة سريعة كما يذكر الألماني لودندورف [/FONT][FONT="](1865-[/FONT][FONT="]1937) [/FONT]Erich Ludendorff[FONT="] أو تتكفل بها القوى البحرية أو الخطوط المحصنة والمواضع الثابتة. وبعد أن سيطر هتلر على ألمانية شرع في الاستعداد للحرب علناً، وتبنت القيادة الاستراتيجية[/FONT][FONT="] الألمانية[/FONT][FONT="] مبدأ بدء أعمال القتال من دون إعلان الحرب، وتمكنت من السيطرة على عدد من دول أوربة بالتتابع وبسرعة خاطفة اعتماداً على القوى الجوية والقوات المدرعة التي استخدمت بكثافة كبيرة مع الانزالات الجوية. وأضحت فكرة تحقيق النصر في وقت قصير أساس الاستراتيجية الألمانية معبراً عنهــا بـ«الحرب الصاعقة» .[/FONT]
[FONT="]تركز الاهتمام في بريطانية على الاحتفاظ بقوى بحرية وقوى جوية قوية من دون إيلاء الحرب البرية الاهتمام الذي تستحقه. وافترضت القيادة الاستراتيجية البريطانية أن الحرب البرية في أوربة يكفيها فيلق حملة يضم قوات برية من الجيوش الحليفة كذلك كان شأن الولايات المتحدة الأمريكية التي أعطت الأولوية للأسطول البحري والطيران. وكان أسطولها البحري مع المشاة البحرية قادراً على حماية حدودها البحرية. أما القوات البرية فأعطيت دوراً ثانوياً وكانت قليلة العدد.[/FONT]
[FONT="]انطلقت الاستراتيجية الفرنسية من فهمها (الخاطئ) لخبرة الحرب العالمية الأولى وتقديرها (الضعيف) لأهمية وسائط الصراع الحديثة التي أخذت تزداد قدراتها، فصبت آمالها على حرب مواضع دفاعية تستند إلى منشآت حصينة في خطوط متتالية (خط ماجينو، وخط التحصينات البلجيكي) تعززها الدبابات والطيران لإنهاك العدو في معارك دفاعية ثم الانتقال إلى هجوم معاكس. [/FONT][FONT="]وثبت[/FONT][FONT="] فيما بعد أن حسابات القيادة الفرنسية لم تكن واقعية أبداً.[/FONT]
[FONT="]وتبنت القيادة الاستراتيجية اليابانية مبدأ خوض الحرب في آن واحد في الجبهات البحرية والبرية لتحقيق سيطرتها على الشرق الأقصى كله، وإضعاف مركز الولايات المتحدة وبريطانية في المحيط الهادي فكان لديها جيش بري قوي وأسطول بحري كبير.[/FONT]
[FONT="]ـ[/FONT][FONT="] الاستراتيجية في الحرب العالمية الثانية:[/FONT][FONT="] كانت الحرب العالمية الثانية امتحاناً عسيراً للاستراتيجية الحربية التي تبنتها كل دولة من الدول المتحاربة. ومع أن العالم انقسم إلى حلفين رئيسين في هذه الحرب، هما الحلفاء ودول المحور، فقد كان لكل دولة مذهبها الاستراتيجي الذي تبنته. وكانت المواجهة الأولى في بدء الحرب بين الاستراتيجية التي طبقتها ألمانية النازية واستراتيجية الحلفاء الممثلة بإنكلترة وفرنسة في البر الأوربي والتي انتهت إلى فشل ذريع مكن ألمانية من سحق الدول الأوربية الضعيفة نسبياً (بولندة والنرويج وهولندة وبلجيكة ويوغسلافية واليونان) وتحطيم القوات الإنكليزية والفرنسية واحتلال فرنسة، وحصلت القيادة الألمانية في مقابل ذلك على خبرة كبيرة في تطبيق الحرب الصاعقة، وعلى مصادر الخامات الاستراتيجية الضخمة في الدول المهزومة عززت اقتصادها الحربي ومنحتها عمقاً استراتيجياً كبيراً، وفي انقضاضها على الاتحاد السوفييتي طبقت ألمانية استراتيجية (الحرب الصاعقة) من جديد مؤملة سحق الاتحاد السوفيتي واحتلال أراضيه في حملة عسكرية واحدة أساسها استخدام القوات المدرعة والطيران بكثافة كبيرة. واضطرت القوات السوفييتية بالمقابل إلى خوص معارك دفاعية حاسمة في شروط غير ملائمة، ومواجهة الهجوم الاستراتيجي الألماني بدفاع استراتيجي عنيد تخللته ضربات معاكسة في مستوى الجبهات والجيوش، مع مقاومة شعبية قامت بها قوات الأنصار في مؤخرات العد[/FONT][FONT="]و. وتبنت هيئة [/FONT][FONT="]القيادة العليا السوفييتية مبدأ المركزية الصارمة في إدارة العمليات والقيادة الجماعية في اتخاذ القرارات كي تتمكن من السيطرة على الإمكانات المحدودة التي توافرت لها في بدء الحرب مع وجود المبادأة العسكرية في يد الألمان. وفي المعارك الضاربة التي جرت في عامي 1941[/FONT][FONT="]-[/FONT][FONT="]1942 أُنهكت القوات الألمانية واستُنزفت مواردها وتمكن الجيش الأحمر من انتزاع زمام المبادأة الاستراتيجية وإحباط استراتيجية الحرب الصاعقة. ومع انتقال القوات السوفيتية إلى الهجوم العام المعاكس قرب موسكو (1942) اضطرت القيادة الألمانية إلى تبني استراتيجية جديدة ترمي إلى تحقيق أهدافها في مراحل، ولكنها أخفقت في تطبيقها أيضاً بسبب تطاول الجبهة وبعد قواعد الإمداد ونقص الاحتياطات الاستراتيجية. وبعد موقعة كورسك (1943) التي كانت آخر هجوم استراتيجي ضخم تقوم به القوات الألمانية على الجبهة الشرقية انتهى إلى الإخفاق التام تبدل الموقف الاستراتيجي على الجبهة السوفييتية الألمانية وغدا في صالح الجيش الأحمر. وتبنت القيادة[/FONT][FONT="] السوفييتية[/FONT][FONT="] استراتيجية العمليات الهجومية المتتالية والموحدة هدفاً على اتجاهات متباعدة، وتبنت القيادة الألمانية الدفاع المنسق والعميق على الجبهتين الغربية والشرقية من دون طائل، وانتهت الحرب بانهيار ألمانية واستسلامها الكامل واحتلال أراضيها.[/FONT]
[FONT="]وكانت الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانية قد اتفقتا على تبني استراتيجية منسقة تعتمد على مبدأ الاقتصاد بالقوى وتجميعها أولاً بأول، وعدم استهلاك إمكاناتهما الحربية المتنامية في مسارح العمليات سواء في أوربة أم في المحيط الهادي حتى يستنزف الكمون الحربي لدول المحور وتنهك قواها، ومن ثم تسدد الدولتان ضربات قاصمة إلى قوات المحور لإنهاء الحرب. وعندما سنحت الفرصة الحقيقية لسحق ألمانية على يد القوات السوفييتية عام 1944 نفذ الحلفاء الغربيون إنزالهم في النورمندي وعملياتهم الهجومية الضخمة في فرنسة وألمانية نفسها وأنهوا حربهم ألمانية باحتلال برلين بالتنسيق مع القوات السوفيتية .[/FONT]
[FONT="]أما في مسارح المحيط الهادي فقد نجحت القوات المسلحة اليابانية في بداية الحرب في السيطرة على أجزاء شاسعة من المنطقة بعمليات جوية[/FONT][FONT="] بحرية م[/FONT][FONT="]ع إنزالات بحرية ضخمة (آواخر 1941-1942) وهددت كلاً من الهند وأسترالية معتمدة على عدم جاهزية الولايات المتحدة وبريطانية لخوض مثل هذه الحرب في المحيط الهادئ. وكان من عيوب الاستراتيجية اليابانية عدم المواءمة بين الأهداف الاستراتيجية المرجوة والإمكانات الحربية والكمون الاقتصادي الحربي للدولة. واضطرت اليابان بسبب ذلك إلى محاولة إطالة أمد الحرب كي توفر لنفسها أفضل شروط لإنهائها. [/FONT]
[FONT="]الاستراتيجية في العصر النووي: [/FONT]
[FONT="]تمخضت الحرب العالمية الثانية عن ظهور قوتين عظميين قسمتا العالم إلى معسكرين شرقي وغربي، وراحت جميع الدول تعيد النظر في استراتيجياتها على أساس الخبرة المكتسبة من الحرب، واتسعت سياسة الأحلاف العسكرية حتى أصبحت ظاهرة مميزة في خمسينات القرن العشرين، وفي مقدمتها حلف الشمال الأطلسي (الناتو1949) وحلف [/FONT][FONT="]بغداد،[/FONT][FONT="] وحلف جنوب شرقي آسيا، وكلها أحلاف غربية، وحلف المعاهدة المركزية (حلف وارسو1955) وهو حلف الدول الاشتراكية. وأدى ظهور [/FONT][FONT="]السلاح النووي والصواريخ الحاملة للرؤوس النووية إلى تطوير نظريات خوض الحرب والأفكار المتعلقة بطبيعة الحرب المقبلة وأدخلت تعديلات كبيرة على الاستراتيجيات العسكرية بالاعتماد على السلاح النووي، واقتنعت القيادات الاستراتيجية في معظم تلك الدول بإمكان تحقيق المهام الاستراتيجية الضخمة باستخدام السلاح النووي الصاروخي على الأهداف المعادية العميقة، واستناداً إلى هذه التصورات وضعت الأحلاف العسكرية والقيادات الاستراتيجية خططها على الصراع من أجل كسب السيطرة على العالم وحرمان الطرف الآخر منها. ففي آواخر الأربعينيات وأوئل الخمسينيات عندما كان السلاح النووي حكراً على الولايات المتحدة الأمريكية تبنت القيادة الاستراتيجية فيها استراتيجية (الإبادة الشاملة) أو (الإنتقام المكثف) وأساسها خوض حرب نووية وصاروخية شاملة تستخدم فيها جميع أنواع الأسلحة المتوافرة وعلى جميع الأهداف المعادية عند أول بادرة عداء تبدر عن الطرف الثاني. وبدهي أن هذه الاستراتيجية لم تكن قابلة للنجاح إلا إذا كان الخصم لا يملك أسلحة مماثلة من حيث قوة تدميرها وتأثيرها ومداها وإلا أصبحت استراتيجية الإبادة الشاملة انتحاراً متبادلاً بين الطرفين. وفي الستينيات تبدل تناسب القوى والموقف السياسي بين الدولتين العظميين لتزايد القوة النووية السوفييتية التي أصبحت قوة رادعة، فظهرت إلى الوجود نظرية تبنتها القيادة الاستراتيجية الأمريكية وقيادة حلف الأطلسي تحت اسم «الرد المرن» أو «التجاوب المرن» وهي مبنية على أساس الإعداد للرد على كل عمل معاد بعمل يناسبه واستخدام القوات الكافية لاحباطه ولو أدى ذلك إلى استخدام الأسلحة النووية التكتيكية في معارك محلية أو في مستوى استراتيجي محدود، ولا يكون الرد شاملاً إلا في نهاية المطاف. والغاية من ذلك المواءمة بين الحرب المحدودة والمعارك المحلية وبين الردع الشامل من أجل إبقاء النزاع المسلح محصوراً في حدود معينة مع التهديد بالرد الشامل حلاً استراتيجياً احتياطياً. وبطبيعة الحال فإن قيادة مثل هذه العمليات الاستراتيجية تتطلب دقة بالغة في تحليل المعطيات والاستنتاج والقرار وحزماً في التنفيذ وضبط الأمور خشية التصعيد وبلوغ حد في النزاع لا يمكن حله إلا بالرد الشامل، وقد تفرع عن هذه الاستراتيجية مذهب آخر ينادي «بالرد المتدرج» أي تصعيد الأعمال الحربية درجة درجة ابتداء من الأسلحة التقليدية وانتهاء بالأسلحة النووية التكتيكية فالاستراتيجية مع عدم استبعاد إمكان الرد الشامل بحسب ما تقضيه الأحوال والعوامل المستجدة. ويرى أصحاب هذا المذهب أن استراتيجية من هذا النوع تتيح فرص الدفاع باستخدام الأسلحة التقليدية والأسلحة النووية الصغيرة، من دون أن تؤدي إلى حرب شاملة.[/FONT]
[FONT="]أدى تطور المفاهيم الاستراتيجية في الستينات وظهور المذاهب المذكورة إلى تبدل عام في مفهوم (النصر) عما كان عليه قبل العصر النووي. [/FONT][FONT="]ففي[/FONT][FONT="] الحرب النووية سيلحق الدمار بالهازم والمهزوم وسوف تكون الحرب انتحاراً متبادلاً يصيب جميع الأطراف المشتركة ب[/FONT][FONT="]الحرب وغير المشتركة أيضاً. والطرائق التي سوف تستخدم فيه الأسلحة النووية سواء في الهجوم أو الدفاع، هي نفسها التي يتبناها الطرفان المتحاربان كالتدمير الوقائي لأسلحة الخصم (الهجوم المباشر) واعتراض وسائل الهجوم المعادية (الدفاع المباشر) والوقاية من تأثير أسلحة التدمير الشامل المعادية والتهديد بالانتقام (الهجوم غير المباشر) وغير ذلك. وكل هذه الطرائق وغيرها تتطلب تفوق أحد الطرفين على الآخر في تقنيات الاعتراض والهجوم حتى يستطيع تدمير وسائل الهجوم النووي المعادية وإيصال وسائله إلى أرض الخصم، وهذا السعي إلى تحقيق التفوق من قبل الطرفين أدى إلى ظهور ما يعرف «بسباق التسلح» الذي مر بمراحل عدة منذ الخمسينات واستندت إليه «الحرب الباردة» بين الدولتين العظميين في الستينات وهدفها الإفادة من العلم والتقنية والصناعة والاقتصاد لإنهاك الخصم إنهاكاً غير مباشر وإبطال مفعول أسلحته بإيجاد أسلحة متفوقة عليها، وتكليفه نفقات وجهوداً علمية وتقنية واقتصادية كبيرة لتحقيق التوازن الاستراتيجي مع الخصم أو التفوق عليه، وإبقائه دائماً تحت خط «التهديد بالانتقام» الأمر الذي يضطره إلى الاحتفاظ بقوة ضاربة كبيرة تكفي لإرهاب الطرف الآخر وردعه عن استعمال القوة المسلحة. وتفرعت عن «سباق التسلح» هذا استراتيجية «الردع» والردع في ذاته ظاهرة قديمة تقوم أساساً على تهديد الخصم باستعمال القوة لمنعه من الإقدام على تنفيذ ما يهدف إليه، وهو أسلوب دفاعي كان ولا يزال أحد أسس النظريات العسكرية، إلا أنه اكتسب في العصر النووي أبعاداً جديدة. وإن تطبيق استراتيجية الردع لا يتوقف على حجم الوسائل المخصصة لها فحسب، بل يتعداها إلى البنية الفكرية والمذهبية والتاريخية والنفسية للشعب وكيانه. ومحصلة هذه العوامل كلها هي التي تحدد نجاح استراتيجية الردع أو إخفاقها وهي تعتمد بالدرجة الأولى على العاملين المادي والتقني وعلى العامل النفسي للخصم، والعاملان الأولان قابلان للحساب ويوفران الطاقة التدميرية والوسائل الكفيلة بإيصالها إلى أراضي الخصم والقدرة على اختراق دفاعاته وإصابة الأهداف بدقة عالية. أما العامل النفسي فيبقى على أهميته خارج إطار الحساب لارتباطه بإرادة الإنسان وتصميمه وإيمانه بقضيته. وتسعى استراتيجية الردع إلى زرع الثقة لدى أبناء الوطن ، وزرع الشك عند الخصم، وإخضاعه لنوع من الصراع النفسي يدفعه في خاتمة المطاف إلى الإحجام عن المخاطرة باللجوء إلى الصراع المسلح. ولكي يكون لاستراتيجية الردع نصيبها من النجاح لابد من أن تتوافر لها الأسباب الكافية لإرغام الخصم على التراجع عن نواياه تحت التهديد بخسائر تفوق ما يمكن أن يجنبه من كاسب ومزايا فيما لو مضى في تنفيذ ما عزم عليه. وتتميز استراتيجية الردع النووي من غيرها بأنها فورية وشاملة يمكن أن يبلغ أذاها أقصى نقاط المعمورة، وهي هجومية ودفاعية في آن واحد. ويدخل في نطاقها أيضاً استراتيجية «حرب النجوم» التي بدأت سراً منذ العقد السابع وتم تبنيها علناً مع بداية الثمانينيات من القرن العشرين.[/FONT]
[FONT="]إن تبني استراتيجية الردع لا يعني التخلي تماماً عن أنواع الاستراتيجية الأخرى كالرد المرن أو التصعيد التدريجي، لأن نجاح الردع في منع الحرب أو أخير نشوبها لا يمنع حدوث الأزمات أو المشكلات الدولية المحدودة التي قد يتطلب حليها اللجوء إلى الصراع المسلح محلياً واستخدام عدد محدود من القوات المسلحة الضرورية لإنهاء الأزمة.[/FONT]
[FONT="]الاستراتيجية في المفهوم المعاصر: [/FONT]
[FONT="]لم تعد الاستراتيجية في الوقت الحاضر عقيدة محددة جامدة، وإنما تنحو إلى أن تكون أسلوب تفكير يصنف الحوادث بحسب أهميتها ويحلل أسبابها، ويختار أكثر الوسائل ملاءمة لمعالجتها. فلكل موقف استراتيجية معينة، وقد يكون اختيارها صائباً أو مخطئاً بحسب الحال. وإن هذا الاختيار من أهم أسس الاستراتيجية المعاصرة بسبب تعدد الخيارات المحتملة في الوقت الحاضر، إذ يمكن إلى جانب اللجوء إلى القوة العسكرية والتهديد بها، الاستفادة من القدرات الاقتصادية والسياسية والدبلوماسية والثقافية والمعنوية التي قد تحقق الغرض المطلوب منفردة أو مجتمعة. وعلى هذا يكون جوهر الاستراتيجية المعاصرة فن اختيار المنهج والأسلوب من بين الفرص المتاحة لما يناسب الحالة التي تواجه القيادة المسؤولة من أجل تحقيق أغراضها.[/FONT]
[FONT="]والاستراتيجية المعاصرة تخضع للسياسة حكماً وترتبط بأغراضها، وذلك أن العلاقات الدولية ومصالح الدول متشابكة ومتداخلة بحيث يخشى معها من تصعيد الأزمات والمشكلات والصراعات المسلحة لمحلية وتحولها إلى صراع دولي تستخدم فيه الأسلحة النووية والصاروخية.[/FONT]
[FONT="]والاستراتيجية المعاصرة تتبع المذهب العسكري الذي يحدد لها الأوضاع العامة والأساسية التي تستنبط منها طبيعة الحرب المقبلة ووسائل إعداد الدولة للحرب وتنظيم القوات المسلحة وطرائق إدارة الحرب في العصر النووي.
[/FONT]
أتمنى الاستمتاع بالموضوع
ولا تبخلو علينا بتقييمكم:b070[1]::b070[1]::b070[1]::b070[1]::b070[1]:
[FONT="]والاستراتيجية مصطلح واسع المعنى متعدد الوجوه، وقد ارتبطت تاريخياً بفن الحرب وقيادة القوات، ثم اتسعت مضامينها بمرور الزمن وبتراكم الخبرات والمعارف حتى غدت نمطاً من التفكير العالي المستوى الموجه لتحقيق غايات السياسة، وتعبئة قوى الأمة المادية والمعنوية، وضمان مصالحها في السلم والحرب. ولهذا السبب ليس للاستراتيجية معنى متفق عليه، لأن معناها ومبناها مرتبطان بالشروط الزمانية والمكانية التي صيغت فيها، وبالأحداث التي انبثقت عنها، وبالأشخاص الذين تبنوها وطبقوها، وبالمدارس الفكرية التي ولدتها، وبالمجالات التي اختصت بها. وهناك من يصنف الاستراتيجية في عامة وخاصة، فالاستراتيجية العامة هي التي تهتم بدراسة متطلبات السياسة والحرب وتسعى إلى إيجاد السبل لتحقيقها. والاستراتيجية الخاصة تهتم بدراسة متطلبات نشاط محدد من الأنشطة التي تعنى بها الأمة، كاستراتيجية الاقتصاد واستراتيجية الزراعة واستراتيجية التربية وغيرها. وثمة آخرون يصنفون الاستراتيجية في مستويات أو طبقات فيقال استراتيجية عليا أو كبرى واستراتيجية دنيا أو صغرى، غير أن التعريف المعجمي للاستراتيجية يرتبها على النحو التالي: [/FONT]
[FONT="]في[/FONT][FONT="] المجال السياسي الاقتصادي للدولة أو لمجموعة الدول:[/FONT][FONT="] هي علم وفن يهتمان بتعبئة قوى أمة أو مجموعة أمم سياسياً وعسكرياً واقتصادياً ومعنوياً لتوفير الدعم الأقصى للسياسة التي تتبناها الدولة أو مجموعة الدول في السلم والحرب.[/FONT]
[FONT="]في[/FONT][FONT="] مجال العلم العسكري:[/FONT][FONT="] هي علم وفن يختصان بإدارة الحرب والاستعداد لها وقيادة الصراع المسلح مع العدو وتوفير الظروف المناسبة لخوض هذا الصراع.[/FONT]
[FONT="]في مجال فن الحرب:[/FONT][FONT="] هي جزء مكون من فن الحرب يختص بدراسة المسائل النظرية والتطبيقية المرتبطة بإعداد القوات المسلحة للحرب والتخطيط لها وخوضها، وهذا هو المفهوم الشائع المعروف بالاستراتيجية العسكرية.[/FONT]
[FONT="]في مجال التطبيق العسكري:[/FONT][FONT="] هي نوع من التطبيقات العسكرية العالية المستوى كاستراتيجية الهجوم المعاكس واستراتيجية الدفاع المرن وغيرها. [/FONT]
[FONT="]في[/FONT][FONT="] المعنى المجازي للمصطلح:[/FONT][FONT="] هي فن وضع الخطط وتصميم المناورات لتحقيق هدف ما، أو هي خطة مدروسة وأسلوب مدقق ومناورة بارعة. [/FONT]
[FONT="]في الاستعمالات العصرية:[/FONT][FONT="] تعددت الاستعمالات العصرية لكلمة الاستراتيجية حتى شملت مختلف المجالات، فقد يوصف موقع دولة ما أو جزء من آراضيها بأنه استراتيجي، وقد يوصف قرار سياسي أو اقتصادي ذو أهمية بالصفة نفسها، كذلك توصف بها بعض الأسلحة المتطورة وبعض المواد أو المنتوجات أو التقنيات ذات الأهمية الخاصة، وربما شملت صفة الاستراتيجية أنماطاً من التفكير أو الدراسات أو المشروعات، وكذلك كل ما هو ضروري لخوض الحرب وإدارتها ويؤتى به من خارج البلاد.[/FONT]
[FONT="]ومع تعدد التعريفات السابقة واختلاف وجهات النظر يمكن القول إن خيطاً ناظماً يجمع بينها قوامه أن الاستراتيجية علم وفن يُعنيان بدراسة الطاقات والقوى المتاحة، وتوفير الخطط والوسائل لتحقيق أهداف السياسة تحقيقاً مباشراً أو غير مباشر. فهي [/FONT][FONT="]علم[/FONT][FONT="] لأنها تبنى على نظريات علمية متعددة الأوجه تشمل العلوم الاجتماعية والعلوم البحتة والعلوم العسكرية وغيرها. [/FONT][FONT="]وهي[/FONT][FONT="] فن لأن ممارستها وتطبيقاتها تختلف بين شخص وآخر سواء أكان سياسياً أم عسكرياً.[/FONT]
[FONT="]ترتبط الاستراتيجية بالسياسة ارتباطاً وثيقاً وتعتمد عليها وتستجيب لمتطلباتها، وتنفذ المهام التي تسندها إليها. وتتبوأ الاستراتيجية مكان الصدارة من فن الحرب، وهي تحيط بجميع المسائل النظرية والتطبيقية التي لها علاقة بإعداد الدولة وقواتها المسلحة للحرب وبوضع خطط الحرب وخطط العمليات الاستراتيجية وإدارة دفتها حتى تتحقق الغايات المرسومة لها وفق المبادئ التي يحددها مذهب الدولة العسكري ونظامها الاجتماعي. [/FONT]
[FONT="]وتؤلف الاستراتيجية العسكرية، من الناحية النظرية، منظومة المعارف العسكرية التي تتناول قوانين الحرب ومبادئها وطابعها وأساليب خوضها، وهي التي تحدد الأسس النظرية للمذهب العسكري، ولبناء القوات المسلحة واستخدامها، وأسس تخطيط العمليات والإعداد لها وتنفيذها.[/FONT]
[FONT="]ومن الناحية التطبيقية تشمل الاستراتيجية العسكرية النشاط العملي الذي تمارسه القيادة الاستراتيجية لبناء القوات المسلحة ووضع الحلول المناسبة للمهام التي تحددها لها القيادة السياسية في ضوء الإمكانات الحقيقية للدولة وكمونها الحربي وقواتها المسلحة، كما تشمل أعمال القيادة الرامية إلى تحديد المهام الأساسية للقوات المسلحة في الأحوال الراهنة، وإعداد مسارح العمليات الحربية، وتوزيع القوى عليها، وتحديد مهام الجبهات والأساطيل والجيوش بحسب أهمية الاتجاهات الاستراتيجية التي سوف تعمل فيها، مع مراعاة الشروط الموضوعية للموقف.[/FONT]
[FONT="]ولقد اصطلح على تمييز استراتيجية الحرب كلها من استراتيجية خوض الحرب على اتجاهات معينة لتحقيق أهداف محدودة أو لتنفيذ عمليات مفردة. والاستراتيجية عامة واحدة للقوات المسلحة، وفروضها واجبة على أنواع القوات المسلحة كافة.[/FONT]
[FONT="]أما العلاقة بين الاستراتيجية وفن العمليات والتكتيك (الأجزاء المكونة لفن الحرب) فهي علاقة جدلية تتغير بتغير وسائل الصراع المسلح ودرجة تجهيز القوات المسلحة. وتحتل الاستراتيجية المكانة الأولى بينها، فهي التي تحدد مهام فن العمليات وفن التكتيك، وتضع الأطر النظرية لهما، وتعتمد عليهما وتستفيد من نجاحاتهما في تحقيق الأهداف المرجوة، إذ كان نجاح الاستراتيجية في الحروب السابقة مرهوناً تماماً بالنجاحات التكتيكية، ثم توسط فن العمليات بينهما في الحروب الحديثة. [/FONT]
[FONT="]ومع ظهور السلاح الصاروخي النووي اكتسبت العلاقة بين هذه المستويات الثلاثة مضموناً جديداً، فوضعت في تصرف القيادة الاستراتيجية وسائل تدمير تمكنها من تدمير العدو وتنفيذ بعض المهام الاستراتيجية والتكتيكية المهمة من دون وسيط. وتملكت القيادتان العملياتية والتكتيكية، في المقابل، وسائل تدمير بعيدة المدى تمكنها من تنفيذ مهام كبيرة العمق والمساحة ذات أهمية استراتيجية مباشرة.[/FONT]
[FONT="]تتبدل مضامين الاستراتيجية بتبدل أهداف الدولة السياسية والموقف الدولي ونسبة القوى ومستوى الاقتصاد وكفاية وسائل الصراع المسلح وكميتها، وتختار كل دولة (أو حلف دول) استراتيجيتها الخاصة بها في كل مرحلة تاريخية بما يتلاءم مع سياستها وإمكاناتها ووضعها الجغرافي والسياسي والعسكري وخصائص مواطنيها.[/FONT]
[FONT="]نشأة الاستراتيجية وتطورها[/FONT]
[FONT="]ـ في العصور القديمة:[/FONT][FONT="] كانت الاستراتيجية في العصور القديمة فناً يحتكره القادة العسكريون وتقر ن تطبيقاته بأسمائهم. وتعد حِكَم القادة الصينيين القدماء من أولى محاولات صوغ الفكر الاستراتيجي العسكري. وقد أسهمت تطبيقات جيوش الأمم القديمة في تراكم الخبرات وإرساء أسس فن الحرب والاستراتيجية على مر العصور، وأدى تطور الأسلحة والعتاد وتبدل التكوينات الاجتماعية والبنى الاقتصادية إلى تبدل الملامح المميزة لمضمون الاستراتيجية. فقد كانت استراتيجيات بلاد الشرق القديمة والهند والصين والفرس والإغريق والرومان تعتمد بادئ الأمر حملات قصيرة الأمد قليلة العمق نسبياً، ثم راحت بعد ذلك تتخذ أبعاداً كبيرة جداً (حملات الاسكندر وداريوس ويوليوس قيصر والجيش الامبراطوري الروماني) ورافق تنفيذ تلك الحملات تكوّن تدريجي لبعض النظريات الاستراتيجية، وكان معظم القادة ينظرون إلى مسائل إعداد الحرب وتكوين الجيوش على أنها من شؤون الاستراتيجية، ومن هؤلاء القائد والمنظر العسكري الصيني سُونْ تْزِي (أواخر القرن السادس ـ أوائل القرن الخامس ق.م) ويوليوس قيصر (القرن الأول قبل الميلاد) وفرونتينوس [/FONT] Frontinus[FONT="](القرن الأول الميلادي) [/FONT][FONT="]وأونوساندروس [/FONT]Onosandros[FONT="] (القرن الأول الميلادي) وبولوني [/FONT]Polony[FONT="] وفيجيتيوس (أواخر القرن الرابع وأوائل الخامس الميلاديين)، واستعمل كل من فرونتينوس وأونوساندروس مصطلح استراتيجيكوم [/FONT]strategecum[FONT="] واستراتيلوجية [/FONT]stratelogie[FONT="] بمعنى أصول خوض الحرب أو الاستراتيجية في إطار ذلك العصر.[/FONT]
[FONT="]ـ في عصر الفتوحات الإسلامية:[/FONT][FONT="] تميزت الاستراتيجية العسكرية مع انتشار الإسلام بمجموعة خصائص طبعتها بطابعها على مدى القرون. وفي مقدمتها تبني العقيدة الدينية عاملاً موجهاً لجميع الفاعليات الاجتماعية والعسكرية في الدولة الجديدة، وتبني مبدأ الجهاد أساساً للتجنيد وفرضه على كل قادر على حمل السلاح، وتبني مبدأ وحدة القيادة السياسية العسكرية في شخص الخليفة أمير المؤمنين وفي شخص ولاة الأقاليم وقادة جيوش الفتح، وتبني مبدأ المركزية في تخطيط العمليات وتوجيه الجيوش انطلاقاً من عاصمة الخلافة إلى جانب إطلاق يد القادة في حرية التصرف في حدود معينة، وتبني إقامة القواعد المتقدمة الممثلة في الثغور والرُّبُط والعواصم، ومرابطة قوات دائمة فيها (الصوائف والشواتي) لحماية الحدود، وتسديد الضربات المسبقة إلى تجمعات العدو. وارتبطت هذه الاستراتيجية ارتباطاً وثيقاً بالمذهب العسكري العربي الإسلامي القائم أصلاً على مفهوم المفاجأة والمناورة وسرعة الحركة واستنزاف العدو وجره إلى الموقعة الفاصلة المهيأ لها سلفاً وتبني العمليات الهجومية العميقة والتقرب غير المباشر والحرب النفسية. [/FONT]
[FONT="]وكانت جيوش الفتح تتألف في معظمها من الخيالة الخفيفة السريعة الحركة، وتجلَت أهم التطبيقات الاستراتيجية في تلك الحقبة في المعارك الفاصلة مثل القادسية ونهاوند واليرموك وفتح دمشق، وشمال إفريقية، والإنزال في جبل طارق وفتح الأندلس. [/FONT]
[FONT="]وفي العصر العباسي طرأت تبدلات جوهرية على الفكر الاستراتيجي العربي والإسلامي نجمت عن الأوضاع السياسية والاجتماعية التي سادت العالم الإسلامي (سيطرة العنصر التركي، ظهور الخلافة الفاطمية في مصر، تشكل الدويلات الإقطاعية، والحملات الصليبية، الغزو المغولي) وأدى ذلك كله إلى تطوير أساليب التعبئة ومبادئ التجنيد، وإلى ظهور الجيوش المحترفة المؤلفة من جنود نظاميين وقوات مرتزقة ومماليك، وإلى تطوير أساليب الهجوم والدفاع والتقرب والسيطرة، وتبديل بنية الجيوش وتسلحيها بما يتفق وروح العصر، إلى جانب المحافظة على بعض المبادئ الأساسية كوحدة القيادة والمركزية ممثلة في شخص أمير الجيوش أو السلطان من دون الخليفة. وفي هذا العصر ازدادت أهمية القلاع والمدن المحصنة وتطورت بالتالي أساليب الحصار وآلاته (المنجنيق والعَراَّدة وقوس الزيار وبرج الحصار ورأس الكبش) التي تسببت في إبطاء حركة الجيوش وأدت في خاتمة المطاف إلى ظهور المكاحل والمهاريس والمدافع والبنادق. وقد كان للمدافع دورها في سيطرة العثمانيين على بلاد الشام ومصر والقضاء على دولة المماليك الذين أهملوا شأنها، مع أنهم أول من صنعها واستخدمها، فلم يولوها الاهتمام الذي أولاه إياها العثمانيون، واستفاد هؤلاء من ميزات المدافع في عمليات الصدام المباشر وحققوا بوساطتها انتصارهم في مرج دابق، كما سبق وحققوه في فتح القسطنطينية وحصار فيينة.[/FONT]
[FONT="]ـ في عصر الإقطاع والنهضة الأوربيين:[/FONT][FONT="] غلبت على الاستراتيجية في أوربة العصور الوسطى فكرة الحرب المحدودة وحرب القلاع، وكانت القوات تتألف أساساً من خيالة مدرعة ثقيلة بطيئة الحركة جلها من المرتزقة المحترفين للحرب ويقودها ضباط مأجورون لا انتماء لهم (في المفهوم القومي). وتميزت الاستراتيجية آنذاك بلا مركزية القيادة. وعدم الحسم وندرة المعارك الفاصلة، وكان حصار القلاع محدود الهدف طويل الأمد قد يمتد سنوات. غير أن مفهوم الاستراتيجية أخذ يتبدل تدريجياً باختراع الأسلحة النارية وإدخالها إلى الجيوش (بدءاً من القرن الرابع عشر) إلى أن أصبحت مع بداية القرن السابع عشر جزءاً من العلوم الاجتماعية المعروفة، وارتبطت ارتباطاً وثيقاً بالفكر الاقتصادي والقانوني والسياسي السائد، واتسعت وسائلها حتى سملت الوسائل غير العسكرية التي يمكن الاستفادة منها في قضايا الحرب. وانتشرت في جميع جيوش أوربة فكرة ما يعرف باستراتيجية نطاق الحدود [/FONT]Cordon Strategy[FONT="] أي توزيع الحاميات على حدود الدولة لحمايتها، والسعي إلى ربح الحرب باصطناع المناورة على طرق المواصلات ومحاصرة القلاع والمدن المهمة ومحاولة الاستيلاء عليها. ولم تأخذ الاستراتيجية معناها ومقصدها العصريين إلا في مطلع القرن الثامن عشر، واقتصر مفهومها آنذاك على المجال العسكري فقط. إلا أن الاستراتيجية العسكرية حققت في ذلك القرن قفزات نوعية مهمة في بنية الجيوش وأساليب تجنيدها وعملها. وتبوأت سرعة المناورة وخفة الحركة والقوة النارية مكانة رئيسة في ذلك المضمار. وطرحت الثورة الفرنسية والحروب التي تلتها في نهاية القرن الثامن عشر ومطلع القرن التاسع عشر مفاهيم جديدة أدت إلى إعادة النظر في قوانين الحرب وتقاليدها القديمة كما أدت إلى تبدل أساليب التجنيد وتنظيم الجيوش وتسلحيها فحلت القوات الثورية والمجندة محل المرتزقة، وصارت أهداف الحرب سحق القوى الحية ووضعها خارج القتال، والسعي إلى تحقيق النصر في معركة فاصلة شاملة وبأعداد ضخمة من القوات وتحت قيادة واحدة، كما تنوعت الأساليب الاستراتيجية في الصراع المسلح كالهجوم والدفاع والمناورة العميقة، والانسحاب المخطط لإنهاك العدو، والهجوم العام المعاكس، والمطاردة، ووحدة القيادة، والعمل على جبهة واسعة، والاحتفاظ باحتياطات استراتيجية وزجها في الوقت المناسب. وازدادت أهمية الدفاع الاستراتيجي للمحافظة على الأرض وعلى القاعدة المادية الضرورية للاستمرار في الحرب، واشتهر في هذه المرحلة عدد ضخم من كبار القادة الاستراتيجيين أبرزهم نابليون بونابرت (فرنسة) ورُميانتسيف وسوفوروف وأوشاكوف وكوتوزوف (روسية) ودوق وُلينغتون (إنكلترة) كما برز إلى جانبهم عدد من المنظرين الاستراتيجيين مثل كلاوزفيتز (ألمانية) وجوميني (فرنسة) وغيرهما ممن درسوا مبادئ الاستراتيجية العسكرية التي طبقتها الجيوش الأوربية في حروب نابليون وما بعدها ووضعوا لها النظريات المناسبة، فصاغ كلاوزفيتز على أساسها نظرية إلى علاقة الحرب بالسياسة في مؤلفه الشهير «في الحرب» مؤكداً أن الحرب هي سلاح السياسة ويجب أن تطبع بطابعها، وتقاس بمقاييسها، وأن الحرب هي السياسة ذاتها بملامحها العامة ولكن بعد أن يستبدل السيف بالقلم، أما جوميني فأوضح في مؤلفيه «نُبد عن العمليات الحربية» و«ملامح فن الحرب» معارضته لاستراتيجية الحدود وتأكيده ضرورة تشتيت قوى العدو وتدميرها في وقعة حاسمة، وحاول البرهنة على وجود مبادئ أبدية ثابتة للاستراتيجية لايمكن تجاهلها. ثم جاء الجنرال الألماني فون مولتكه (الأب) فأكد في مؤلفاته وفي تطبيقاته العملية قيمة المفاجأة في الهجوم وأهمية حشد القوات سلفاً قبل خوض الحرب. ونقد المنظّر العسكري الفرنسي اليفالب في مؤلفاته «مدخل إلى الاستراتيجية» (1892) و«استراتيجية المسير» (1893) و«استراتيجية المعركة» (1895[/FONT][FONT="]-[/FONT][FONT="] 1896) نظرية «المبادئ الأبدية» التي نادى بها جوميني مؤكداً أن الاستراتيجية لا علاقة لها بالسياسة. وظهر في روسية في هذه الحقبة عدد من المنظّرين الاستراتيجيين الذين خلفوا مؤلفات ذات شأن مثل ميدُم الذي بيّن العلاقة بين الحر والسياسة والاستراتيجية والتكتيك (1836) ويازيكوف الذي درس أثر الجماهير في مجرى الحرب (1842) وليير الذي برهن على ارتباط الاستراتيجية بالسياسة. [/FONT]
[FONT="]الاستراتيجية في العصر الحديث [/FONT]
[FONT="]ـ الاستراتيجية في القرن التاسع عشر:[/FONT][FONT="] ساعد استخدام السكك الحديدية منذ النصف الثاني من القرن الثامن عشر في زيادة سرعة تحرك الجيوش وإمدادها كما ساعدت الأسلحة النارية السريعة الرمي في زيادة القوة النارية، ومكن استخدام البرق والهاتف في تحقيق السيطرة على القوات العاملة على اتجاهات متباعدة: الحرب الأهلية الأمريكية (1861ـ 1865)، الحرب النمساوية ـ الروسية (1866)، الحرب الفرنسية ـ البروسية (1870[/FONT][FONT="]-[/FONT][FONT="]1871)، الحرب الروسية ـ العثمانية (1877[/FONT][FONT="]-[/FONT][FONT="]1878)، وأدى ذلك كله إلى ظهور استراتيجيات حديثة تستجيب لمتطلبات العصر وروحه، وكان أبرز استراتيجيي هذه الحقبة رئيس الأركان العامة الألمانية افون شليفنب الذي طرح فكرة سحق العدو بضربة سبّاقة بقوى نسق استراتيجي قوي. أما ممثل الاستراتيجية الفرنسية فكان فريدريك فوش الذي وضع مبادئ ثابتة لخوض الحرب، وقال بأن الشكل الأساسي للأعمال الاستراتيجية هو الهجوم، ونادى بضرورة حشد القوى على خطوط عملياتية داخلية لسحق أهم تجمعات العدو. وبرز في روسية المنظّر العسكري ميخنيفتش الذي أوضح العلاقة المتبادلة بين الاستراتيجية والسياسة، وأكد فكرة الشعب المسلح واعتماد الحرب على الاقتصاد، وأثر وسائل الصراع الحديثة في تحقيق المهام الاستراتيجية. أما في الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانية فقد نصب اهتمام القيادتين السياسية والعسكرية والمنظّرين العسكريين فيهما على تحقيق السيادة على البحار وتطوير الأسطول الحربي وفي طليعتهم ف.كولومب (بريطانية) وآ.ماهن (الولايات المتحدة) وجوليان كوربت المؤرخ والبحار البريطاني (1854-1922م).[/FONT]
[FONT="]ـ الاستراتيجية في الحرب العالمية الأولى وبين الحربين:[/FONT][FONT="] كان منطلق معظم بلدان الغرب قبيل الحرب العالمية الأولى (1914[/FONT][FONT="]-[/FONT][FONT="]1918) في المفهوم الاستراتيجي ضرورة عدم خوض حرب طويلة الأمد. ولكن هذا المفهوم بدا غير قابل للتحقيق منذ الأيام الأولى للحرب، فانهارت خطط النصر الصاعق، وأخفقت محاولات الحلفين المتحاربين في إيجاد مخرج من الطريق المسدودة التي دخلت فيها حرب المواضع، ولم تستفد دول الائتلاف من تفوقها على ألمانية بالقوى وبالوسائل المادية إلا في نهاية الحرب فحققت بذلك انتصارها. وفي أثناء تلك الحرب ازداد دور القيادة السياسية وتأثير السياسة في التوجه الاستراتيجي وتأثير السياسيين في تنسيق عمليات الصراع المسلح بين الدول المتحالفة. وكانت الأهداف الرئيسة التي سعت الاستراتيجية إلى تحقيقها، تدمير قوى العدو الحية والاستيلاء على أراضيه أو الاحتفاظ بالأراضي التي سبق احتلالها. وازدادت إمكانات القيادة الاستراتيجية بظهور وسائل جديدة للصراع المسلح (الطيران والدبابات والغواصات) وتحسين أجهزة المدفعية والأسلحة الأَتماتية. إلا أن تشكيل الجبهات الاستراتيجية (مجموعات الجيوش) زاد في صعوبة القيادة، كما زاد في أهمية الكمون الاقتصادي والبشري للدول المتحاربة، وفي أهمية الاحتياطات الاستراتيجية وسرعة نقلها. وتم في غضون ذلك حل مشاكل توحيد الجهود الاستراتيجية وتنسقيها والتعاون الاستراتيجي بين دول الحلف الواحد، ولكن ببطء شديد وبخطى غير واثقة. فلم تؤلف القيادة العليا لقوات دول الائتلاف (الحلفاء) في أوربة إلا في العام 1918. وتمخضت ثورة «أكتوبر الاشتراكية» في روسية (1917) عن مفاهيم استراتيجية جديدة استناداً إلى الدراسات النظرية العسكرية التي طرحها كارل ماركس وأنغلز حول جوهر الحرب وأسبابها، وسعى لينين إلى بلورتها ووضع الأسس العلمية والعملية لتطبيقاتها في أعماله التي خص بها الصراع السياسي وثورة البروليتارية. وفي أثناء الحرب الأهلية وحرب التدخل الأجنبي في الاتحاد السوفييتي (1918[/FONT][FONT="]-[/FONT][FONT="]1920) سعت القيادة السوفيتية برئاسة لينين إلى تطبيق تلك المبادئ والأسس بوضع استراتيجية مرنة تعتمد الهجوم أساساً مع السماح بالتحول إلى الدفاع بل والانسحاب عند الضرورة مراعاة للإمكانات البشرية والاقتصادي للدولة وأعدائها. وعمدت هذه القيادة بعد الحرب الأهلية إلى دراسة المشكلات النظرية والعملية للحرب الحديثة من وجهة النظر السوفييتية في عدائها للعالم الرأسمالي المحيط بها، وتوصل كل من: م:ف فرونزه (1885-1925) [/FONT]Frounze M.V[FONT="]. و.م.ن. وتوخاتشوفسكي (1893-1937) [/FONT]Toukhatchevski M.N[FONT="]. وف.ك. ترانيدفيلوف وب.م. شابوشنيكوف (1882-1945) [/FONT]Chapochnikov .B.M[FONT="] في مدى العشرين عاماً الفاصلة بين الحربين العالميتين إلى إيجاد صيغة شاملة للاستراتيجية الحربية السوفييتية التي تبناها الاتحاد السوفييتي في بداية الحرب. ونصت هذه الاستراتيجية على أن الحرب قد تكون حرب أحلاف طويلة الأمد شديدة المناورة، وأساسها العمليات الهجومية العميقة المنفذة بالتتابع على مستوى جبهة أو مجموعة جبهات بتعاون وثيق بين جميع أنواع القوات المسلحة وتقوم القوات البرية فيها بالدور الرئيس والحاسم، ويعد الدفاع نوعاً مشروعاً من أعمال القتال يلجأ إليه لإنهاك العدو وتهيئة الشروط المناسبة للانتقال إلى الهجوم. [/FONT]
[FONT="]إلا أن نظرية الدفاع في المستوى الاستراتيجي لم تدرس دراسة وافية قبل بدء الحرب العالمية الثانية، ولم توضع الحلول المناسبة لصد ضربات العدو المفاجئة بقوات سبقت تعبئتها في المرحلة الأولى من الحرب. وبالمقابل فقد كان للأزمة المالية التي أصابت البلاد الرأسمالية في بداية الثلاثينيات أثرها الكبير في تطور الاستراتيجية العسكرية في دول الغرب، ودفعها تنافسها في السيطرة على العالم إلى تأليف جيوش محترفة تعد بالملايين، كما أدى تأثير خبرة الحرب الأولى إلى المبالغة في تقدير أهمية الطيران والدبابات في المعركة، فظهرت نظريات جديدة تعالج فكرة تحقيق النصر « بحرب جوية» كما يقول الإيطالي جوليو دويه (1869[/FONT][FONT="]-[/FONT][FONT="]1930) [/FONT]Giulo Douhet[FONT="] أو «بحرب مدرعات» كما يذكر البريطاني جون فولَر (1878[/FONT][FONT="]-[/FONT][FONT="]1966) [/FONT]John Fuller[FONT="] والألماني هاينتز غودريان [/FONT]Heinz Guderian[FONT="]، ويرى بعضهم أن تكون الحرب شاملة سريعة كما يذكر الألماني لودندورف [/FONT][FONT="](1865-[/FONT][FONT="]1937) [/FONT]Erich Ludendorff[FONT="] أو تتكفل بها القوى البحرية أو الخطوط المحصنة والمواضع الثابتة. وبعد أن سيطر هتلر على ألمانية شرع في الاستعداد للحرب علناً، وتبنت القيادة الاستراتيجية[/FONT][FONT="] الألمانية[/FONT][FONT="] مبدأ بدء أعمال القتال من دون إعلان الحرب، وتمكنت من السيطرة على عدد من دول أوربة بالتتابع وبسرعة خاطفة اعتماداً على القوى الجوية والقوات المدرعة التي استخدمت بكثافة كبيرة مع الانزالات الجوية. وأضحت فكرة تحقيق النصر في وقت قصير أساس الاستراتيجية الألمانية معبراً عنهــا بـ«الحرب الصاعقة» .[/FONT]
[FONT="]تركز الاهتمام في بريطانية على الاحتفاظ بقوى بحرية وقوى جوية قوية من دون إيلاء الحرب البرية الاهتمام الذي تستحقه. وافترضت القيادة الاستراتيجية البريطانية أن الحرب البرية في أوربة يكفيها فيلق حملة يضم قوات برية من الجيوش الحليفة كذلك كان شأن الولايات المتحدة الأمريكية التي أعطت الأولوية للأسطول البحري والطيران. وكان أسطولها البحري مع المشاة البحرية قادراً على حماية حدودها البحرية. أما القوات البرية فأعطيت دوراً ثانوياً وكانت قليلة العدد.[/FONT]
[FONT="]انطلقت الاستراتيجية الفرنسية من فهمها (الخاطئ) لخبرة الحرب العالمية الأولى وتقديرها (الضعيف) لأهمية وسائط الصراع الحديثة التي أخذت تزداد قدراتها، فصبت آمالها على حرب مواضع دفاعية تستند إلى منشآت حصينة في خطوط متتالية (خط ماجينو، وخط التحصينات البلجيكي) تعززها الدبابات والطيران لإنهاك العدو في معارك دفاعية ثم الانتقال إلى هجوم معاكس. [/FONT][FONT="]وثبت[/FONT][FONT="] فيما بعد أن حسابات القيادة الفرنسية لم تكن واقعية أبداً.[/FONT]
[FONT="]وتبنت القيادة الاستراتيجية اليابانية مبدأ خوض الحرب في آن واحد في الجبهات البحرية والبرية لتحقيق سيطرتها على الشرق الأقصى كله، وإضعاف مركز الولايات المتحدة وبريطانية في المحيط الهادي فكان لديها جيش بري قوي وأسطول بحري كبير.[/FONT]
[FONT="]ـ[/FONT][FONT="] الاستراتيجية في الحرب العالمية الثانية:[/FONT][FONT="] كانت الحرب العالمية الثانية امتحاناً عسيراً للاستراتيجية الحربية التي تبنتها كل دولة من الدول المتحاربة. ومع أن العالم انقسم إلى حلفين رئيسين في هذه الحرب، هما الحلفاء ودول المحور، فقد كان لكل دولة مذهبها الاستراتيجي الذي تبنته. وكانت المواجهة الأولى في بدء الحرب بين الاستراتيجية التي طبقتها ألمانية النازية واستراتيجية الحلفاء الممثلة بإنكلترة وفرنسة في البر الأوربي والتي انتهت إلى فشل ذريع مكن ألمانية من سحق الدول الأوربية الضعيفة نسبياً (بولندة والنرويج وهولندة وبلجيكة ويوغسلافية واليونان) وتحطيم القوات الإنكليزية والفرنسية واحتلال فرنسة، وحصلت القيادة الألمانية في مقابل ذلك على خبرة كبيرة في تطبيق الحرب الصاعقة، وعلى مصادر الخامات الاستراتيجية الضخمة في الدول المهزومة عززت اقتصادها الحربي ومنحتها عمقاً استراتيجياً كبيراً، وفي انقضاضها على الاتحاد السوفييتي طبقت ألمانية استراتيجية (الحرب الصاعقة) من جديد مؤملة سحق الاتحاد السوفيتي واحتلال أراضيه في حملة عسكرية واحدة أساسها استخدام القوات المدرعة والطيران بكثافة كبيرة. واضطرت القوات السوفييتية بالمقابل إلى خوص معارك دفاعية حاسمة في شروط غير ملائمة، ومواجهة الهجوم الاستراتيجي الألماني بدفاع استراتيجي عنيد تخللته ضربات معاكسة في مستوى الجبهات والجيوش، مع مقاومة شعبية قامت بها قوات الأنصار في مؤخرات العد[/FONT][FONT="]و. وتبنت هيئة [/FONT][FONT="]القيادة العليا السوفييتية مبدأ المركزية الصارمة في إدارة العمليات والقيادة الجماعية في اتخاذ القرارات كي تتمكن من السيطرة على الإمكانات المحدودة التي توافرت لها في بدء الحرب مع وجود المبادأة العسكرية في يد الألمان. وفي المعارك الضاربة التي جرت في عامي 1941[/FONT][FONT="]-[/FONT][FONT="]1942 أُنهكت القوات الألمانية واستُنزفت مواردها وتمكن الجيش الأحمر من انتزاع زمام المبادأة الاستراتيجية وإحباط استراتيجية الحرب الصاعقة. ومع انتقال القوات السوفيتية إلى الهجوم العام المعاكس قرب موسكو (1942) اضطرت القيادة الألمانية إلى تبني استراتيجية جديدة ترمي إلى تحقيق أهدافها في مراحل، ولكنها أخفقت في تطبيقها أيضاً بسبب تطاول الجبهة وبعد قواعد الإمداد ونقص الاحتياطات الاستراتيجية. وبعد موقعة كورسك (1943) التي كانت آخر هجوم استراتيجي ضخم تقوم به القوات الألمانية على الجبهة الشرقية انتهى إلى الإخفاق التام تبدل الموقف الاستراتيجي على الجبهة السوفييتية الألمانية وغدا في صالح الجيش الأحمر. وتبنت القيادة[/FONT][FONT="] السوفييتية[/FONT][FONT="] استراتيجية العمليات الهجومية المتتالية والموحدة هدفاً على اتجاهات متباعدة، وتبنت القيادة الألمانية الدفاع المنسق والعميق على الجبهتين الغربية والشرقية من دون طائل، وانتهت الحرب بانهيار ألمانية واستسلامها الكامل واحتلال أراضيها.[/FONT]
[FONT="]وكانت الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانية قد اتفقتا على تبني استراتيجية منسقة تعتمد على مبدأ الاقتصاد بالقوى وتجميعها أولاً بأول، وعدم استهلاك إمكاناتهما الحربية المتنامية في مسارح العمليات سواء في أوربة أم في المحيط الهادي حتى يستنزف الكمون الحربي لدول المحور وتنهك قواها، ومن ثم تسدد الدولتان ضربات قاصمة إلى قوات المحور لإنهاء الحرب. وعندما سنحت الفرصة الحقيقية لسحق ألمانية على يد القوات السوفييتية عام 1944 نفذ الحلفاء الغربيون إنزالهم في النورمندي وعملياتهم الهجومية الضخمة في فرنسة وألمانية نفسها وأنهوا حربهم ألمانية باحتلال برلين بالتنسيق مع القوات السوفيتية .[/FONT]
[FONT="]أما في مسارح المحيط الهادي فقد نجحت القوات المسلحة اليابانية في بداية الحرب في السيطرة على أجزاء شاسعة من المنطقة بعمليات جوية[/FONT][FONT="] بحرية م[/FONT][FONT="]ع إنزالات بحرية ضخمة (آواخر 1941-1942) وهددت كلاً من الهند وأسترالية معتمدة على عدم جاهزية الولايات المتحدة وبريطانية لخوض مثل هذه الحرب في المحيط الهادئ. وكان من عيوب الاستراتيجية اليابانية عدم المواءمة بين الأهداف الاستراتيجية المرجوة والإمكانات الحربية والكمون الاقتصادي الحربي للدولة. واضطرت اليابان بسبب ذلك إلى محاولة إطالة أمد الحرب كي توفر لنفسها أفضل شروط لإنهائها. [/FONT]
[FONT="]الاستراتيجية في العصر النووي: [/FONT]
[FONT="]تمخضت الحرب العالمية الثانية عن ظهور قوتين عظميين قسمتا العالم إلى معسكرين شرقي وغربي، وراحت جميع الدول تعيد النظر في استراتيجياتها على أساس الخبرة المكتسبة من الحرب، واتسعت سياسة الأحلاف العسكرية حتى أصبحت ظاهرة مميزة في خمسينات القرن العشرين، وفي مقدمتها حلف الشمال الأطلسي (الناتو1949) وحلف [/FONT][FONT="]بغداد،[/FONT][FONT="] وحلف جنوب شرقي آسيا، وكلها أحلاف غربية، وحلف المعاهدة المركزية (حلف وارسو1955) وهو حلف الدول الاشتراكية. وأدى ظهور [/FONT][FONT="]السلاح النووي والصواريخ الحاملة للرؤوس النووية إلى تطوير نظريات خوض الحرب والأفكار المتعلقة بطبيعة الحرب المقبلة وأدخلت تعديلات كبيرة على الاستراتيجيات العسكرية بالاعتماد على السلاح النووي، واقتنعت القيادات الاستراتيجية في معظم تلك الدول بإمكان تحقيق المهام الاستراتيجية الضخمة باستخدام السلاح النووي الصاروخي على الأهداف المعادية العميقة، واستناداً إلى هذه التصورات وضعت الأحلاف العسكرية والقيادات الاستراتيجية خططها على الصراع من أجل كسب السيطرة على العالم وحرمان الطرف الآخر منها. ففي آواخر الأربعينيات وأوئل الخمسينيات عندما كان السلاح النووي حكراً على الولايات المتحدة الأمريكية تبنت القيادة الاستراتيجية فيها استراتيجية (الإبادة الشاملة) أو (الإنتقام المكثف) وأساسها خوض حرب نووية وصاروخية شاملة تستخدم فيها جميع أنواع الأسلحة المتوافرة وعلى جميع الأهداف المعادية عند أول بادرة عداء تبدر عن الطرف الثاني. وبدهي أن هذه الاستراتيجية لم تكن قابلة للنجاح إلا إذا كان الخصم لا يملك أسلحة مماثلة من حيث قوة تدميرها وتأثيرها ومداها وإلا أصبحت استراتيجية الإبادة الشاملة انتحاراً متبادلاً بين الطرفين. وفي الستينيات تبدل تناسب القوى والموقف السياسي بين الدولتين العظميين لتزايد القوة النووية السوفييتية التي أصبحت قوة رادعة، فظهرت إلى الوجود نظرية تبنتها القيادة الاستراتيجية الأمريكية وقيادة حلف الأطلسي تحت اسم «الرد المرن» أو «التجاوب المرن» وهي مبنية على أساس الإعداد للرد على كل عمل معاد بعمل يناسبه واستخدام القوات الكافية لاحباطه ولو أدى ذلك إلى استخدام الأسلحة النووية التكتيكية في معارك محلية أو في مستوى استراتيجي محدود، ولا يكون الرد شاملاً إلا في نهاية المطاف. والغاية من ذلك المواءمة بين الحرب المحدودة والمعارك المحلية وبين الردع الشامل من أجل إبقاء النزاع المسلح محصوراً في حدود معينة مع التهديد بالرد الشامل حلاً استراتيجياً احتياطياً. وبطبيعة الحال فإن قيادة مثل هذه العمليات الاستراتيجية تتطلب دقة بالغة في تحليل المعطيات والاستنتاج والقرار وحزماً في التنفيذ وضبط الأمور خشية التصعيد وبلوغ حد في النزاع لا يمكن حله إلا بالرد الشامل، وقد تفرع عن هذه الاستراتيجية مذهب آخر ينادي «بالرد المتدرج» أي تصعيد الأعمال الحربية درجة درجة ابتداء من الأسلحة التقليدية وانتهاء بالأسلحة النووية التكتيكية فالاستراتيجية مع عدم استبعاد إمكان الرد الشامل بحسب ما تقضيه الأحوال والعوامل المستجدة. ويرى أصحاب هذا المذهب أن استراتيجية من هذا النوع تتيح فرص الدفاع باستخدام الأسلحة التقليدية والأسلحة النووية الصغيرة، من دون أن تؤدي إلى حرب شاملة.[/FONT]
[FONT="]أدى تطور المفاهيم الاستراتيجية في الستينات وظهور المذاهب المذكورة إلى تبدل عام في مفهوم (النصر) عما كان عليه قبل العصر النووي. [/FONT][FONT="]ففي[/FONT][FONT="] الحرب النووية سيلحق الدمار بالهازم والمهزوم وسوف تكون الحرب انتحاراً متبادلاً يصيب جميع الأطراف المشتركة ب[/FONT][FONT="]الحرب وغير المشتركة أيضاً. والطرائق التي سوف تستخدم فيه الأسلحة النووية سواء في الهجوم أو الدفاع، هي نفسها التي يتبناها الطرفان المتحاربان كالتدمير الوقائي لأسلحة الخصم (الهجوم المباشر) واعتراض وسائل الهجوم المعادية (الدفاع المباشر) والوقاية من تأثير أسلحة التدمير الشامل المعادية والتهديد بالانتقام (الهجوم غير المباشر) وغير ذلك. وكل هذه الطرائق وغيرها تتطلب تفوق أحد الطرفين على الآخر في تقنيات الاعتراض والهجوم حتى يستطيع تدمير وسائل الهجوم النووي المعادية وإيصال وسائله إلى أرض الخصم، وهذا السعي إلى تحقيق التفوق من قبل الطرفين أدى إلى ظهور ما يعرف «بسباق التسلح» الذي مر بمراحل عدة منذ الخمسينات واستندت إليه «الحرب الباردة» بين الدولتين العظميين في الستينات وهدفها الإفادة من العلم والتقنية والصناعة والاقتصاد لإنهاك الخصم إنهاكاً غير مباشر وإبطال مفعول أسلحته بإيجاد أسلحة متفوقة عليها، وتكليفه نفقات وجهوداً علمية وتقنية واقتصادية كبيرة لتحقيق التوازن الاستراتيجي مع الخصم أو التفوق عليه، وإبقائه دائماً تحت خط «التهديد بالانتقام» الأمر الذي يضطره إلى الاحتفاظ بقوة ضاربة كبيرة تكفي لإرهاب الطرف الآخر وردعه عن استعمال القوة المسلحة. وتفرعت عن «سباق التسلح» هذا استراتيجية «الردع» والردع في ذاته ظاهرة قديمة تقوم أساساً على تهديد الخصم باستعمال القوة لمنعه من الإقدام على تنفيذ ما يهدف إليه، وهو أسلوب دفاعي كان ولا يزال أحد أسس النظريات العسكرية، إلا أنه اكتسب في العصر النووي أبعاداً جديدة. وإن تطبيق استراتيجية الردع لا يتوقف على حجم الوسائل المخصصة لها فحسب، بل يتعداها إلى البنية الفكرية والمذهبية والتاريخية والنفسية للشعب وكيانه. ومحصلة هذه العوامل كلها هي التي تحدد نجاح استراتيجية الردع أو إخفاقها وهي تعتمد بالدرجة الأولى على العاملين المادي والتقني وعلى العامل النفسي للخصم، والعاملان الأولان قابلان للحساب ويوفران الطاقة التدميرية والوسائل الكفيلة بإيصالها إلى أراضي الخصم والقدرة على اختراق دفاعاته وإصابة الأهداف بدقة عالية. أما العامل النفسي فيبقى على أهميته خارج إطار الحساب لارتباطه بإرادة الإنسان وتصميمه وإيمانه بقضيته. وتسعى استراتيجية الردع إلى زرع الثقة لدى أبناء الوطن ، وزرع الشك عند الخصم، وإخضاعه لنوع من الصراع النفسي يدفعه في خاتمة المطاف إلى الإحجام عن المخاطرة باللجوء إلى الصراع المسلح. ولكي يكون لاستراتيجية الردع نصيبها من النجاح لابد من أن تتوافر لها الأسباب الكافية لإرغام الخصم على التراجع عن نواياه تحت التهديد بخسائر تفوق ما يمكن أن يجنبه من كاسب ومزايا فيما لو مضى في تنفيذ ما عزم عليه. وتتميز استراتيجية الردع النووي من غيرها بأنها فورية وشاملة يمكن أن يبلغ أذاها أقصى نقاط المعمورة، وهي هجومية ودفاعية في آن واحد. ويدخل في نطاقها أيضاً استراتيجية «حرب النجوم» التي بدأت سراً منذ العقد السابع وتم تبنيها علناً مع بداية الثمانينيات من القرن العشرين.[/FONT]
[FONT="]إن تبني استراتيجية الردع لا يعني التخلي تماماً عن أنواع الاستراتيجية الأخرى كالرد المرن أو التصعيد التدريجي، لأن نجاح الردع في منع الحرب أو أخير نشوبها لا يمنع حدوث الأزمات أو المشكلات الدولية المحدودة التي قد يتطلب حليها اللجوء إلى الصراع المسلح محلياً واستخدام عدد محدود من القوات المسلحة الضرورية لإنهاء الأزمة.[/FONT]
[FONT="]الاستراتيجية في المفهوم المعاصر: [/FONT]
[FONT="]لم تعد الاستراتيجية في الوقت الحاضر عقيدة محددة جامدة، وإنما تنحو إلى أن تكون أسلوب تفكير يصنف الحوادث بحسب أهميتها ويحلل أسبابها، ويختار أكثر الوسائل ملاءمة لمعالجتها. فلكل موقف استراتيجية معينة، وقد يكون اختيارها صائباً أو مخطئاً بحسب الحال. وإن هذا الاختيار من أهم أسس الاستراتيجية المعاصرة بسبب تعدد الخيارات المحتملة في الوقت الحاضر، إذ يمكن إلى جانب اللجوء إلى القوة العسكرية والتهديد بها، الاستفادة من القدرات الاقتصادية والسياسية والدبلوماسية والثقافية والمعنوية التي قد تحقق الغرض المطلوب منفردة أو مجتمعة. وعلى هذا يكون جوهر الاستراتيجية المعاصرة فن اختيار المنهج والأسلوب من بين الفرص المتاحة لما يناسب الحالة التي تواجه القيادة المسؤولة من أجل تحقيق أغراضها.[/FONT]
[FONT="]والاستراتيجية المعاصرة تخضع للسياسة حكماً وترتبط بأغراضها، وذلك أن العلاقات الدولية ومصالح الدول متشابكة ومتداخلة بحيث يخشى معها من تصعيد الأزمات والمشكلات والصراعات المسلحة لمحلية وتحولها إلى صراع دولي تستخدم فيه الأسلحة النووية والصاروخية.[/FONT]
[FONT="]والاستراتيجية المعاصرة تتبع المذهب العسكري الذي يحدد لها الأوضاع العامة والأساسية التي تستنبط منها طبيعة الحرب المقبلة ووسائل إعداد الدولة للحرب وتنظيم القوات المسلحة وطرائق إدارة الحرب في العصر النووي.
[/FONT]
أتمنى الاستمتاع بالموضوع
ولا تبخلو علينا بتقييمكم:b070[1]::b070[1]::b070[1]::b070[1]::b070[1]: