عفوا أستاذ هيكل .. الجمّـال واقعة حقيقية
أستاذنا المحلل السياسي الكبير محمد حسنين هيكل واحد من أفضل العقول المصرية بلا شك وهو الرجل الذى تجاوز الألقاب بالفعل في مجاله ويكفي أن تعبير ( الأستاذ ) إذا قيل على إطلاقه فليس إلا هو المعنى به ,
والرجل معلوماته وتحليلاته ملئ السمع والبصر منذ نصف قرن من الزمان تربع فيها منفردا على عرش الصحافة السياسية منذ عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ,
غير أن هذا لا يمنع أنه يقع في بعض الأحيان في تحليلات ومعلومات خاطئة فيصدر أحكاما تنافي الحقيقة وتسبب الصدمة في بعض الأحيان ,
وقد أثار عاصفة من النقد ضده بلا داع حقيقي عندما تعرض في إحدى حلقات برنامجه ( تجربة حياة ) لقصة العميل المصري الشهير رفعت الجمّال المعروف برأفت الهجان وأنكرها اعتمادا على تقرير كتبه الفريق محمد أحمد صادق الذى كان مديرا للمخابرات الحربية في نهاية الستينات ثم تولى وزارة الدفاع فيما بعد ,
والتقرير المنوه عنه كتبه الفريق صادق عام 68 , ويشير إلى أن المخابرات الحربية لم يكن لها عميل ذو قيمة في إسرائيل طيلة هذه الفترة وهو ما يخالف واقع عملية الجمال التي استمرت من 54 حتى 74 ,
وفى الواقع فات الأستاذ هيكل عدد ضخم من الأدلة ـ وهو الرجل العاشق للوثائق ـ بخصوص هذه العملية التي رفعت أسهم جهاز المخابرات المصري وأبرزت قدراته اللامحدودة في عام 1973 م عندما خطط لخطة التمويه والخداع الإستراتيجية التي نفذها الجهاز باقتدار سلب عقول المتابعين , ولا زالت بعض تلك العمليات يتم تدريسها في معاهد المخابرات العالمية بعد أن جزمت المخابرات المركزية الأمريكية قبيل الحرب أنه لا وجه لتصور قيام الحرب أصلا ,
وكذلك تقرير المخابرات الإسرائيلية ( الموساد ) والذي طابق تقرير المخابرات الأمريكية لينجح جهاز المخابرات المصري في خداع الاثنين فضلا على نجاحه السابق والمبهر في فترة عام 1967 م وكشفه للحرب المنتظرة وهى الأمور التي لم تأخذ بها القيادة السياسية بعد أن أدى الجهاز واجبه
ويتمثل خطأ الأستاذ هيكل في البنود التالية :
الأول : تحدث الأستاذ هيكل على أن نشاط المخابرات المصرية في تلك الفترة كان نشاطا دفاعيا ! بمعنى أنها اكتشفت عددا من أبرع الشبكات الإسرائيلية في مصر كما قامت بعمليات تجسس داخل السفارة الأمريكية وهى العملية الكبري المعروفة باسم عملية ( الدكتور عصفور )
وهذا خطأ بديهى لم ينتبه إليه الأستاذ مع الأسف ,
لأن نشاط أجهزة المخابرات ـ كما تقول به المراجع المعتمدة في هذا الفن[1] ـ ينقسم إلى مجالين رئيسيين
أولهما نشاط المخابرات الإيجابي : ويتمثل في قيام المخابرات بعمليات التجسس على الخصم بشتى الطرق وهى الوظيفة الأصيلة لأى جهاز مخابرات في العالم باعتباره جهاز جمع معلومات بالدرجة الأولى
وثانيهما نشاط المخابرات السلبي : ويتمثل في محاولات الكشف عن أنشطة العدو في الداخل وتشاركه هذه المهمة أجهزة الأمن الداخلى وتعتبر هذه المهمة مهمة فرعية على عمله الأصلي
ولو أن أى جهاز في مخابرات في العالم اعتمد في عمله على النشاط السلبي فقط لأغلق أبوابه بقرار القيادة السياسية حتما !
إذ أن نشاط المخابرات الرئيسي تعتبر وظيفته الأصيلة هى جمع المعلومات وتحليلها ووضعها أمام صانع القرار السياسي لاتخاذ القرار المناسب ,
وجهود كشف عمليات التجسس يشارك فيها جهاز المخابرات بالتعامل مع أجهزة الأمن الداخلى مثل مباحث أمن الدولة في مصر والشين بيت في إسرائيل والمباحث الفيدرالية في الولايات المتحدة الأمريكية
حيث تعتبر الوظيفة الأصلية لأجهزة الأمن الداخلى هى كشف عمليات الإختراق من الداخل وهى الوظيفة التي تعتبر وظيفة تكميلية لأجهزة المخابرات
ولم يكن لجهاز المخابرات المصري عميل واحد هو الجمال فحسب , بل له العديدون على امتداد تلك الفترة التي تحدث عنها هيكل
ومرجعنا هنا مؤرخ المخابرات العالمى 'راكواف كاروز'
"وفي كتابه الشهير 'المخابرات العربية' أكد مؤرخ المخابرات العالمي 'راكواف كاروز' أن براعة زكريا محيي الدين ورجال المخابرات المصرية في بداية عهدها في الخمسينيات أدت إلي إحباط النشاطات السرية البريطانية في مصر.في تلك السنوات تمكنت المخابرات المصرية من كشف العديد من الجواسيس وشبكات التجسس التي كانت تحاول العبث داخل مصر.
قام بأجرأ العمليات المخابراتية في سنواته الأولي، وكان أهم وأخطر هذه العمليات زرع أول عميل للمخابرات المصرية في إسرائيل..
والغريب أن هذا العميل كان ضابطا سابقا في جيش إسرائيل![2]"
والأهم من ذلك أن راكوف كروزو استشهد بعملية الجمال كأحد أهم عمليات الجهاز في تلك الفترة بل أهمها على الإطلاق ,
الثانى : اعتمد الأستاذ هيكل في كلامه على دليل وحيد وهو تقرير المخابرات الحربية الذى كتبه اللواء ـ آنذاك ـ محمد صادق قائد المخابرات الحربية , ويقول أن المخابرات ليس لها في تلك الفترة عميل مهم في إسرائيل
وفات الأستاذ هيكل أن الفارق ضخم بين المخابرات الحربية كأحد أجهزة المعلومات التابعة لوزير الدفاع , وبين جهاز المخابرات المصرية الذى يُعين رئيسه على درجة وزير ويعتبر مؤسسة مدنية بنص الدستور تخض لرياسة الجمهورية مباشرة وغير تابعة لأى هيئة أو وزارة , وهذا بنص قانون إنشاء الجهاز في الخمسينات , القانون رقم 323 لسنة 55 والصادر يوم 26 يونيو 1955, والذى تم تعديله فى عام 1957 م , ليصبح جهاز المخابرات العامة مؤسسة مدنية مستقلة يرأسها مدير بدرجة وتختص بالأمن الخارجى وتتبع رياسة الجمهورية مباشرة
وهو نفس القانون الذى ظل قائما في دستور مصر المعدل عام 1971 م حيث نص الدستور المصري الدائم الصادر في عام 1971 ـ باب جهاز المخابرات العامة على نفس البنود السابقة
ولا علاقة للمخابرات الحربية بعمليات جهاز المخابرات العامة إلا في حدود التعاون الذى يطرأ بين الجهازين في عمليات محددة ,
وفى غير ذلك فإن المخابرات الحربية في أى دولة في العالم تختص بعمليات التجسس العسكري دفاعا وهجوما ولا يجوز لها ـ دستورا ـ أن تتدخل في عملية مخابرات أخرى إلا المجال العسكري ,
هذا فضلا على أن جهاز المخابرات العامة يملك ولاية كاملة على سائر أجهزة الأمن في البلاد ومنها المخابرات الحربية بمعنى أنه يستطيع التدخل وسحب أى عملية مخابرات من أى جهاز أمنى آخر إذا رأى جهاز المخابرات العامة أن تلك العملية من اختصاصه
والأهم من هذا وذاك ,
أن المخابرات الحربية ومديرها ليسوا مختصين بمطالعة معلومات وأسرار جهاز المخابرات العامة وليس متصورا أصلا أن يعرف الفريق صادق شيئا عن عملية الجمال ـ في وقتها طبعا ـ والتى كانت على أعلى مستوى من السرية لا يعلم بها إلا ضباط الحالة المختصون بالعملية ورئيس الجهاز ورئيس الجمهورية , نظرا لخطورة موقع الجمال في حزب الماباى الإسرائيلي وعلاقته الشخصية بموشي ديان وإدناه مارش وجولدا مائير {3}
خاصة وأن مكانة الجمال تأكدت بعد إعادة تدريبه ورفع مستواه إلى مستوى ضابط الحالة على يد اللواء محمد نسيم وتدعيم مركزه الإقتصادى إلى حد ترشيحه وزيرا في حكومة جولدا مائير وهو الأمر الذى رفضته المخابرات المصرية منعا لتركيز التحريات عليه وهو التركيز الطبيعى المحيط بالساسة الكبار في أى دولة في العالم
وتقرير الفريق صادق كان يتحدث عن المخابرات الحربية لا العامة , وبالفعل لم يكن هناك عملاء عسكريون للمخابرات الحربية في إسرائيل لكن كان هناك العملاء المدنيون بالطبع ,
ومن الغريب أن الأستاذ هيكل أخذ بتقرير الفريق صادق ـ والذي لم يكن من صلاحياته ولا وظيفته متابعة عمل وعملاء المخابرات العامة ـ وأسقطه على المخابرات العامة ,
وهذا يكفي لإسقاط الدليل الوحيد الذى استند إليه الأستاذ هيكل في إنكاره لصحة قصة رفعت الجمال ,
ثالثا : تجاهل الأستاذ هيكل التقارير ومحتوى ملف العملية الكامل الذى أعلنته المخابرات العامة بالأسماء والوقائع الحقيقية في الثمانينات , وهى أكثر من كافية لبيان صحة الواقعة ,
وأولها شهادة مدير المخابرات العامة ـ في وقتها ـ اللواء صلاح نصر ـ والذي أورد في مذكراته الجهود الضخمة التي قام بها الجهاز تحت رياسته , وهى فترة كانت من الفترات المجيدة لا سيما بعد تناول مراجع المخابرات العملية لبعض هذه العمليات وإعلانها في الثمانينات والتسعينيات ,
وقد شهد صلاح نصر في السبعينات ـ من واقع كتبه ـ أن لجهاز المخابرات المصري تجاه إسرائيل عمليات على أرقي مستوى واتصالات في المجال الإيجابي سيحين موعد الكشف عنها فيما بعد ( وهو ما تم فعلا في الثمانينات ) [4]
وهذه الشهادة تقابل الشهادة التي استشهد بها الأستاذ هيكل نقلا عن مدير المخابرات الحربية والذي كان يتحدث في نطاق اختصاصه وجهازه , ولا شك أن شهادة مدير المخابرات العامة هى صاحبة الإختصاص ,
وثانيها شهادة أحد أبطال العملية وهو اللواء محمد نسيم [5] أشهر رجال المخابرات المصرية في تلك الفترة وأقرب رجالها إلى قلب عبد الناصر حيث كان محمد نسيم هو صاحب عملية الحفار المعروفة باسم ( عملية الحج ) والتى تم فيها إغراق الحفار الإسرائيلي ( كنتنج ) في أبيدجان وكذلك عملية تهريب المناضل السورى عبد الحميد السراج بعد هروبه إثر الإنقلاب على الوحدة إلى لبنان فتولى محمد نسيم إعادته لمصر وهو صاحب شهرة واسعة حتى في إسرائيل نفسها
فعندما زار محمد نسيم بعد اعتزاله العمل في المخابرات إسرائيل في وفد وزارى باعتباره يشغل درجة وكيل وزارة ـ وهى وظيفته المدنية بعد عمله في المخابرات ـ استقبلته الصحف الإسرائيلية بعناوين جبارة تشير إلى قدوم ذئب المخابرات الأسمر إلى إسرائيل ! [6]
وبعد إعلان عملية الجمال في الثمانينات ظهرت بعض الأصوات المشككة في العملية من قلب إسرائيل وأنكروها ثم عادوا في العام الذى تلاه إلى الإقرار بها علانية ولكنهم حاولوا أن يقولوا أن الجمال لم يكن مفيدا لمصر لأن إسرائيل اكتشفته فعلا !
وهنا خرج محمد نسيم في جريدة روز اليوسف ـ عقب خروجه من الخدمة ـ وكتب مقالا مطولا أورد فيه تفاصيل العملية ورد على سذاجة الإسرائيليين عندما فضح جهلهم بما قدمه الجمال وكيف أنه غادر إسرائيل سالما إلى ألمانيا بعد انتهاء مهمته عقب حرب أكتوبر وكيف أن إسرائيل وقعت في عملية الخداع والتمويه ـ والتى كان للجمال دور هائل فيها ـ وبشكل ينافي إدعاءات الإسرائيليين الآن في الثمانينات ,
وسخر من التقارير الإسرائيلية التي أنكرت القصة ثم عادت إلى الإعتراف بها بعد أن قامت المخابرات المصرية بإعلان ملف العملية بالأسماء الحقيقية , [7]
وشهادة اللواء عبد العزيز الطورى ـ ضابط الحالة الخاص بالعملية ـ وهى التي نقلها عنه مباشرة الكاتب الصحفي صالح مرسي وكان عبد العزيز الطورى هو الذى نظم إخراج القصة كلها للنور
وشهادة اللواء ( أحمد رشدى ) وزير الداخلية المصري في الثمانينات في حواراته الصحفية مع الكاتب الصحفي محمد مصطفي حول عملية الجمال والذي كان له دور في بدايتها عندما كان ضابطا صغيرا في مباحث الإسكندرية في الخمسينات وكان هو الضابط الذى استقبل رفعت الجمال وحقق معه بعد إلقاء القبض عليه على حدود ليبيا محاولا الهرب بجواز سفر مزور [8]
فكيف أغفل الأستاذ هيكل هذه الكوكبة من رجالات الأمن المصري والتى وضعت شهاداتها الموثقة عن العملية ؟!
رابعا : ملف العملية المعلن والذي قدمه الكاتب الصحفي حسنى أبو اليزيد في كتابه الرائع ( كل شيئ هادئ في تل أبيب ) وضمنه الأسماء الحقيقية لجميع أطراف العملية من قلب ملف الجمال في متحف المخابرات المصرية ,
وكان أبطال العملية المذكورين هم اللواء عبد المحسن فائق مؤسسها الأول واللواء عبد العزيز الطورى ضابط الحالة الخاص بالعملية
واللواء محمد نسيم أحد المدربين الرئيسيين للعملية وغيرهم , [9]
الأخطر من هذا كله ,
وهو اعتراف رجال الأمن الإسرائيليين ورجال الأعمال والصحف بأن رفعت الجمال عاش بينهم فعلا بشخصية ( جاك بيتون ) اليهودى المصري مواليد المنصورة وصاحب شركة ( سي تورز ) والذي كان مقرها في قلب تل أبيب ,
وتضمن الملف صورة من جواز السفر الإسرائيلي الخاص بالجمال باسم ( جاك بيتون ) وصور مقر شركته وصور للجمال نفسه أمام بيته وأمام أشهر المعالم في تل أبيب وغيرها
ثم تضمن الصاعقة التي أكدت الواقعة وهى شهادات الشخصيات التي احتكت بالجمال وأعلنوا معرفتهم به
خامسا :
مذكرات رفعت الجمال التي كتبها بخط يده قبيل وفاته في ألمانيا ونشرتها مؤسسة الأهرام بموافقة أرملته مع مذكراتها الشخصية واحتوى الملف صور شخصية للجمال مع كبار القيادات الإسرائيلية مثل موشي ديان وعزرا وايتسمان وغيرهم
هذا فضلا على زوجة الجمال الألمانية الجنسية فالتراود بيتون والتى استلمت ميراثها من مصر بعد أن استثمر جاك بيتون أمواله في شركة (اجيبتيكو ) التابعة لقطاع البترول المصري باعتباره رجل أعمال إسرائيلي بعد اتفاقية السلام , ولا زالت أوراق التعاقد موجودة في وزارة البترول المصرية ونشرت جريدة الأهرام حق امتياز شركة ( اجيبتيكو ) الخاصة بجاك بيتون في وقتها
للتنقيب عن البترول في منطقة المليحة عام 1978 م بعد عودة الجمال إلى وطنه
وبعد وفاة الجمال تم إعلان الأمر رسميا , [10]
ثم وقع الأستاذ هيكل في خطأ غريب عندما لم ينتبه أنه بنفسه ذكر إحدى العمليات الكبري ذات الشهرة الواسعة والتى كان فيها الفضل لرفعت الجمال ,
ذلك أنه أورد قصة العميل الإسرائيلي إيلي كوهين والذي تسلل إلى القيادة السورية باعتباره كامل أمين ثابت ونجح في الوصول إلى الرياسة فكان واحدا من أصدقاء الرئيس السورى أمين الحافظ
وتم كشف أمره عن طريق المخابرات المصرية والتى نقل لها الجمال حقيقة إيلي كوهين بعد أن تعرف عليه لأنه احتك به في مصر عندما كان إيلي كوهين مشاركا في عملية ( لافون ) التي نفذتها المخابرات الإسرائيلية في مصر بهدف ضرب المصالح الأمريكية بالقاهرة والإسكندرية , وانكشفت العملية واشتهرت باسم فضيحة لافون , نسبة إلى اسحق لافون المشرف عليها
وقام اللواء صلاح نصر ـ مدير الجهاز وقتها ـ بحمل ملف عملية إيلي كوهين وسافر إلى سوريا وقابل الرئيس أمين الحافظ
وتم إعلان الأمر وإعدام إيلي كوهين علانية في ساحات دمشق
فكيف نسي أو غفل عن هذه العملية وقد ذكرها في كتاب الإنفجار وأشار إليها ؟!
وهكذا نرى أن الأستاذ هيكل اعتمد تقريرا واحدا لا علاقة له بالموضوع وأهمل آلاف التقارير والوثائق الأخرى وشهادات رجال الدولة في إسرائيل وكلها أعلنتها المخابرات المصرية في حينها في سياستها الإعلامية التي تتبعها جميع أجهزة المخابرات في العالم في صدد عمليات محددة , وتلجأ إلى كشف الملفات لبعض الكتاب والمثقفين لصياغتها في صورة درامية وتقديمها للشعوب بغرض زيادة الإنتماء وعرض بطولات تلك الأجهزة
وكان من أبرز العمليات المعلنة عملية الحج ( تدمير الحفار الإسرائيلي كنتنج قبل دخوله الأراضي المصرية )
وعملية الجمال وعملية أحمد الهوان ( جمعة الشوان ولا زال على قيد الحياة وكان الضابط المشرف علي عمليته هو اللواء محمد عبد السلام المحجوب وزير التنمية في مصر الآن )
وعملية خط النار ( عملية جلب خرائط أنابيب النابالم التي وضعتها إسرائيل على الشط الغربي للقناة وشارك فيها الجمال كوسيط )
وعملية عمرو طلبة ( أحد أبطال الشهداء في أكتوبر وكان يعمل رقيب اتصال بالجيش الإسرائيلي )
وعملية الكاتبة الصحفية ليلي عبد السلام ( التي تم نشرها تحت اسم عملية سامية فهمى )
وعملية الملحق الدبلوماسي المصري في إسرائيل رفعت الأنصاري ـ السفير بالخارجية الآن ـ وهى إحدى العمليات التي سجلتها كتب ومراجع المخابرات العالمية [11]
ولم يكن هناك داع أبدا لأن يسخر الأستاذ هيكل من الأمر ويعتبر أن إثباته الوحيد هو مسلسل رأفت الهجان !
متجاهلا تقارير ومسئولية جهاز المخابرات العامة أرفع أجهزة أمن الدولة والتى أعلنت العملية , وقد جاءت العملية على مسئوليتها وما كانت لتسمح أن يصدر مسلسل تليفزيونى يقول أن قصته مأخوذة من ملفات المخابرات العامة دون أن يكون لهذا الأمر حقيقة من الواقع !
ومن شاهد حلقات المسلسل لابد أنه قد لفت نظره أن بعض مشاهده تم تصويرها في مبنى المخابرات العامة نفسه , فالجهاز كان مشرفا على القصة وهو الذى صرح للكاتب الصحفي الشهير صالح مرسي بملفها وسمح له بصياغة الملف كقصة درامية وكان المشرف المباشر على ذلك هو ضابط العملية نفسه اللواء عبد العزيز الطورى كما سمحت المخابرات بعمليات أخرى له مثل عملية الصحفية ليلي عبد السلام والحفار والهوان
فكيف يمكن إنكار كل ذلك ؟!
لا سيما وأن دور الجمال في حرب أكتوبر كان دورا محوريا واستمر ست سنوات منذ النكسة وحتى النصر ولولا وجوده في إسرائيل لفشلت أكبر وأهم عمليات المخابرات المصرية وهى عملية التمويه على العدو وإخفاء استعدادات القتال والتى رفعت المخابرات المصرية إلى عنان السماء بعد نجاحها في خداع الموساد والمخابرات المركزية باعتراف هذه الأجهزة , [12]
والغريب أن الأستاذ هيكل تعامل مع القصة كما لو أنها من بنات أفكار الكاتب الصحفي صالح مرسي بينما الرجل كان مكلفا بصياغة العمليات من ملفاتها الأصلية وصدرت تلك الروايات وعليها تصريح المخابرات العامة أن الوقائع تستند إلى ملفات المخابرات العامة ,
والأستاذ هيكل خير من يعلم أن عبارة الإسناد إلى جهاز المخابرات لابد لها من تصريح رسمى إلا تمت محاسبة المؤلف , على نحو ما حدث مع الدكتور نبيل فاروق عندما أخطأ منسق مجلة ( الشباب ) ووضع هذه العبارة دون انتباه المؤلف فاستدعت المخابرات العامة الدكتور نبيل فاروق وحققت معه بهذا الشأن
وللأستاذ هيكل نفسه أيضا تجربة إشادة بروايات المخابرات التي تستند إلى وقائع حقيقية فقد أفرد مقالا مطولا في مجلة ( وجهات نظر ) لتحقيق قصة ( العملية هيبرون ) وهى القصة ـ المفترض أنها خيالية ـ وكتبها أحد رجال المخابرات المركزية ولكنه أوحى فيها بإشارات واقعية بالفعل عن نشاط مستتر للمخابرات الإسرائيلية ,
فإذا كانت تلك القصة التي يصرح كاتبها أن معظمها خيالى , قد حازت بإعجاب الأستاذ , فكيف بالقصص المبنية على وقائع حقيقية من ملفات أرفع جهاز أمنى في الشرق الأوسط ؟!
الهوامش :
[1] ـ حرب العقل والمعرفة ـ صلاح نصر نقلا عن عدد من المراجع الأجنبية
[2] ـ مقال للكاتب الصحفي محمود صلاح عن تاريخ المخابرات المصرية ـ مجلة آخر ساعة
[3] ـ رفعت الجمال ( القصة الحقيقية ) ـ مقال لمحمد جاد الزغبي ـ شبكة العز الثقافية
[4] ـ مذكرات صلاح نصر ـ محاورة بين صلاح نصر وعبد الله إمام ـ دار الخيال
[5] ـ محمد نسيم ( فهد المخابرات الأسمر ) ـ محمد جاد الزغبي ـ شبكة العز الثقافية
[6] ـ ذئب المخابرات الأسمر ـ نبيل عمر ـ الفرسان للنشر والتوزيع
[7] ـ شهادة محمد نسيم كاملة نقلها الكاتب نبيل عمر فى الكتاب سابق الذكر "
[8] ـ كنت وزيرا للداخلية ـ محمد مصطفي
[9] كل شيئ هادئ فى تل أبيب ـ ملف الجمال من المخابرات المصرية ـ حسنى أبو اليزيد ـ الدار المصرية للنشر
[10] ـ مذكرات رفعت الجمال ـ دار الأهرام
[11] ـ لقاء تليفزيونى مع السفير رفعت الأنصاري على قناة أوربت ـ القاهرة اليوم ـ
[12] ـ كتاب ( عشية التدمير ) ـ هوارد بلوم ـ ترجمة ونشر أخبار اليوم