دور الصين الرئيسي في تطوير وتحديث برنامج التسليح الإيراني وأبعاد علاقاتهما الدفاعية
إعداد: عبير البحرين
المنتدى العربي للدفاع والتسليح
مــدخـــــــــــل
هذا التقرير يوضح أبعاد العلاقات الدفاعية بين إيران والصين، من الناحيتين السياسية والاستراتيجية فيما يتعلق بالجوانب الدبلوماسية الدفاعية (الدبلوماسية العسكرية)، وانعكاساتها الهامة على الدور الرئيسي للصين في تطوير وتحديث برنامج التسليح الإيراني، لاسيما الترسانة الصاروخية الإيرانية، ومدى استفادة الصناعة الدفاعية الإيرانية سواءً من المساعدة الصينية الحكومية أو من الكيانات الصينية مثل الشركات التي تزود إيران بمكونات وتكنولوجيا أنظمة الصواريخ. علاوة على ذلك، يوضح المراحل التي مرت بها العلاقات الدفاعية الإيرانية - الصينية، وكيف أن إيران بإستمرار تسعي لرفع مستوى العلاقات مع الصين إلى مستوى تحالف استراتيجي. في هذا الصدد، تعد دبلوماسية الدفاع أداة مهمة في العلاقات الدولية، ويمكن أن توضح الآلية الأساسية التي تجعل من دبلوماسية الدفاع أداة جيوسياسية فعّالة.
على الرغم من قلة المراجع والدراسات العربية والأجنبية التي تتناول الدبلوماسية الدفاعية الإيرانية - الصينية في الأدبيات الأمنية والعسكرية الدولية، إلا أن هذه العلاقة لها آثار مهمة على الأمن الإقليمي لشرق آسيا وإقليم الخليج العربي والشرق الأوسط. أصبح هذا المفهوم - على وجه التحديد بعد عام 2013 - الدينامية المركزية للعلاقة المعقدة بين إيران والصين، حيث أرسى كلا البلدين سلسة من الإجراءات والتدابير لبناء الثقة في العلاقات الثنائية والتبادلات الدفاعية - العسكرية. في هذا المعنى، سعى البلدان إلى تطوير علاقات المنفعة المتبادلة في ظل بيئة دولية وإقليمية شبه مستقرة.
سوف نناقش كيف أن الدبلوماسية الدفاعية (الدبلوماسية العسكرية) بين الصين وإيران تطورت، وكان لها التأثير المباشر على دور الصين الرئيسي في تطوير وتحديث البرامج التسليحية الإيرانية وبالخصوص الترسانة الصاروخية، وكذلك مساعدة الصين لإيران في برنامجها النووي، وكيف أن إيران استفادت وحصلت على الأسلحة ومكونات وتكنولوجيا صينية تدخل في صناعة أنظمة الصواريخ، والدعم والمساعدة في تقينة "المعرفة" Know-how والهندسة العكسية لاستنساخ هذه الأسلحة الصينية. وفي هذا الصدد سوف نستعرض الصواريخ والأسلحة الإيرانية التي سواءً حصلت عليها من الصين أو قامت باستنساخها من الأسلحة الصينية. كما نسلط الضوء على الدور الصيني في دعم ومساعدة استراتيجية "المنطقة المحرّمة/منع الولوج" الإيرانية. وسوف نستعرض محددات وقيود العلاقات الدفاعية الصينية الإيرانية، وما الطرق التي سلكتها الدبلوماسية الدفاعية الإيرانية لتحديث برنامج عسكري مستمر مع الصين يعمل على توسيع قدرات القوة التسليحية لإيران. ومع ذلك، نستخلص إلى أنه بسبب الاعتبارات السياسية للصين ودور الولايات المتحدة في هذا الصدد فإن العلاقات الدفاعية الصينية الإيرانية تظل في صعود وهبوط وبين المد والجزر.
مـــــقــدمـــــــة
تعود العلاقات المتينة بين الصين وإيران إلى حقبة إمبراطورية "الهان" والإمبراطورية "البارثية" (أو الأشكانيون)، حين كانت الحضارتان شريكتان تجاريتين على "طريق الحرير" القديم. ومع الفتح الإسلامي للإمبراطورية الفارسية الساسانية في القرن السابع الميلادي، طلب بيروز الثالث - إبن الملك الساساني يزدجرد الثالث - اللجوء إلى الصين، التي كانت حينئذٍ تحت حكم سلالة تانغ بزعامة الإمبراطور غازونغ، وقد منحه هذا الأخير الإقامة في البلاد. وبعد سقوط نظام الشاه ونجاح الثورة في عام 1979، مرت السياسة الخارجية الإيرانية بتغيير جذري ودخلت مرحلة جديدة، ووجدت طهران نفسها معزولة على الساحة الدولية. ومع انهيار علاقاتها مع الغرب، كان يتحتم عليها الاعتماد على موردين آخرين، مثل الصين، للحصول على الأسلحة. في حين قبل الثورة، كانت واشنطن المصدر الرئيسي لتزويد إيران بالأسلحة الأكثر تطوراً المتوفرة في ذلك الوقت.
في السنوات التي تلت ثورة 1979، عززت طهران من علاقاتها السياسية والاقتصادية والعسكرية مع بكين. خلال الحرب الإيرانية العراقية كان للصين دور حيوي في تعزيز جهود إيران الحربية. ومع مرور الوقت، أصبحت الصين أقل حلفاء إيران من القوى الكبرى الغير جديرة بالثقة - ناهيك عن القول أكثرها جدارة بالثقة - وشكّلت محوراً أساسياً لحفظ التوازن أمام الولايات المتحدة. وخلال حرب إيران المنهكة مع العراق التي دامت ثماني سنوات، كانت الصين هي القوة الكبرى الوحيدة التي زودت إيران بالأسلحةـ [أنظر: وثائق سرية لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية CIA كُشفت عنها في 20 أغسطس 2010 عن حجم الدعم العسكري الصيني لإيران خلال الحرب الإيرانية - العراقية]. ومن الأهمية بمكان، أن نشير بأن بكين كانت أيضاً تزود بغداد بالعتاد العسكري في حربها مع إيران.
وفي عام 1985، وقعت حكومتا الصين وإيران اتفاقاً سرياً للتعاون النووي خلال زيارة رئيس مجلس النواب الإيراني آنذاك أكبر هاشمي رفسنجاني إلى الصين. وازداد التعاون بين البلدين بشكل متواصل حتى عام 1997، عندما أدت الضغوط الأميركية حول أزمة مضيق تايوان في العام الذي سبق، إلى دفع الصين لتعليق مساعداتها لطهران في المجالين النووي وتطوير الصواريخ بعد الضغوط التي مارستها واشنطن على بكين وفرض عقوبات على كيانات صينية في عام 1999. بيد أن، بحلول ذلك الوقت، كانت السنوات الطويلة المتتالية (1985 - 1999) من الدعم العسكري والتقني الصيني قد ساعدت إيران على إنشاء قاعدة صناعية محلية لبناء وإنتاج الصواريخ التي تشكل اليوم ركيزة أساسية في استراتيجيتها الدفاعية. وساعدت الصين جهود إيران في تطوير وتحديث أجهزتها العسكرية وعقيدتها من خلال نقل التكنولوجيا العسكرية، ومبيعات الأسلحة وأنظمة الصواريخ الباليستية التكتيكية، وأنظمة الأسلحة التي تستخدم في "المنطقة المحرّمة/منع الولوج A2/AD"، ناهيك عن تأسيس منشآت ومصانع داخل إيران بالشراكة مع الصين، ومساعدة صينية كبيرة في برامج الهندسة العكسية لاستنساخ الأسلحة وتصنيعها محلياً.
لقد أدت احتياجات الصين المتزايدة للطاقة إلى تقارب صيني إيراني؛ طورت علاقات الصين للوصول إلى سوق مهم لصادرات النفط الإيرانية حيث أن العقوبات أدت إلى عزل إيران عن بقية أسواق الطاقة العالمية. في المقابل، حصلت إيران على سلع استهلاكية رخيصة والعملة الصعبة من الصين، فضلاً عن مساعدات في التنمية داخل إيران ودعم في مجلس الأمن للأمم المتحدة فيما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني، والحصول على أسلحة صينية وتوطين تقنيات ومكونات تدخل في صناعة أنظمة صاروخية. بالإضافة إلى ذلك، تحافظ الصين وإيران على العداء المشترك تجاه الولايات المتحدة، وعلاقة ثقافية تستند إلى طريق الحرير التجاري التاريخي الذي يمتد لمئات السنين.
إن الجانب العسكري للعلاقات الصينية الإيرانية هو الذي يزعج العديد من المراقبين في الغرب. لقد لعبت الصين دوراً مهماً في تطوير قدرات إيران في مجال المنطقة المحرّمة/منع الولوج (A2/AD)، وزودتها بمجموعة متنوعة من أنظمة الأسلحة المفيدة لإستراتيجية (A2/AD). إن تركيز إيران على توظيف واستثمار مواردها في دعم استراتيجية A2/AD تشير إلى استعدادها بشكل متزايد لشن معركة غير متكافئة ضد عدو أكثر قدرة تقليدية مثل الولايات المتحدة، والاستفادة من خفة الحركة والسرعة وتكتيكات القيادة والسيطرة (C2) اللامركزية، بالتوازي مع الأسلحة المتقدمة المضادة للسفن والطائرات، للدفاع عن أصولها في البر الرئيسي. كما أن يشير الدعم الصيني المستمر للبرنامج العسكري الإيراني للمنطقة المحرّمة/منع الولوج إلى أن بكين تنظر إلى إيران كقوة عسكرية بالوكالة في الشرق الأوسط، وقد تأمل في استخدامها لممارسة الضغط على القوات الأميركية وتقييد امدادات النفط الغربية في حال نشوب نزاع صيني أميركي في المحيط الهادئ.
وكجزء لا يتجزأ من الدبلوماسية الدفاعية الإيرانية، لعبت الروابط العسكرية دوراً متزايد الأهمية في العلاقات الخارجية الإيرانية، وتحديداً بعد عام 1997 خلال فترة وزير الدفاع الإيراني السابق علي شمخاني. وعلى النقيض من ذلك، استهلت دبلوماسية الصين الدفاعية حقبة جديدة من التنمية الشاملة والقنوات المتعددة منذ أن أطلقت الصين "مسيرة الإصلاح والانفتاح على العالم الخارجي" وذلك قبل نحو ثلاثة عقود، وخاصة بعد دعوة الجلسة الرابعة المكتملة لـ اللجنة المركزية الثالثة عشرة للحزب الشيوعي الصيني في عام 1989. [أنظر: New Era for China's Military Diplomacy].
نمت العلاقات بين الصين وإيران، وخاصة التعاون الدفاعي ودبلوماسية الدفاع أو دبلوماسية العسكر، ومرت على 3 مراحل؛ المرحلة الأولى، من منتصف الثمانينيات حتى أواخر التسعينيات من القرن الماضي، وهي مرحلة التأسيس والتمكين، والصعود في العلاقات الدفاعية بين البلدين وتأسيس قاعدة صناعة دفاعية في إيران بدعم ومساعدة صينية، والاستفادة من نقل وتوطين المكونات والتكنولوجيا الصينية للصواريخ والأنظمة الأخرى. المرحلة الثانية، من بداية الألفية إلى 2012 وهي مرحلة تتسم بالصعود والهبوط وبين المد والجزر نظراً لما شهدته إيران خلال تلك السنوات من أزمات مع المجتمع الدولي بخصوص برنامجها النووي وفرض العقوبات عليها من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ومع ذلك، فإن المرحلة الثانية تتسم بظهور الإستراتيجية الإيرانية "المنطقة المحرّمة/منع الولوج". المرحلة الثالثة، من 2013 لغاية 2018 - 2019 عند انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي ومن ثم فرض العقوبات الأميركية على إيران، وهي مرحلة اتسمت بالنهوض من جديد والصعود والقوة نظراً لتغيير الرئاسة الإيرانية، حيث تم الدفع بشخصية جديدة (حسن روحاني) ليتولى رئاسة إيران، وروحاني يختلف عن سلفه محمود أحمدي نجاد، حيث نجح في الدخول في المفاوضات النووية مع الدول الخمس + 1، ومن ثم التوقيع على الاتفاق النووي ورفع العقوبات التي كانت مفروضة على إيران، وبالتالي فُتحت الأبواب أمام الصين من جديد وكذلك أمام الكيانات الصينية مثل شركات التكنولوجيا ومصنعي المكونات التي تدخل في الأنظمة الصاروخية.
عندما تولى حسن روحاني منصبه في عام 2013، أجرت الحكومة الإيرانية تعديل على البعض من تكتيكاتها واستراتيجياتها لتحقيق أهداف أساسية مثل السياسة الخارجية وبرامج الأمن الدفاعي من أجل بناء الثقة وتقليل الشكوك الدولية. واستمراراً لهذا النهج، تحسنت العلاقات الصينية - الإيرانية بشكل عام منذ توقيع الدول الخمس + 1 وإيران على "اتفاق جنيف الابتدائي الخاص بالبرنامج النووي" في 24 نوفمبر 2013. وفقاً لذلك، وافقت الصين وإيران في مايو 2014 على تعميق العلاقات الدفاعية، إستناداً لمحادثات رفيعة المستوى بين وزير الدفاع الصيني "تشانغ وان تشيوان" ونظيره الإيراني "حسين دهقان" في محاولة لتوسيع العلاقات الدفاعية الثنائية. لذلك، تشير المصادر أن المحادثات الصينية الايرانية المشتركة كانت تُجري في قنوات متعددة، حول توسيع التعاون الدفاعي الثنائي والتبادل العسكري. وهذا يعني أن العلاقات الدفاعية الرسمية بين إيران والصين قطعت سلسلة من الخطوات في عهد روحاني وفي عصر "الصفقة النووية" مع الدول الخمس +1، وشملت زيارات قيادية رفيعة المستوى واتصالات غير مسبوقة بين موانئ البلدين وقواتهما البحرية.
كما يوضح هذا التقرير، إن إيران تعتقد بأن التطورات الدفاعية مع الصين سوف يضمن للأخيرة بالظهور على الساحة الدولية كقوة عسكرية محتملة مضادة للنظراء في المنطقة، أي قوة مضادة للولايات المتحدة. ونتيجة لذلك، ترى إيران بأن من شأن هذه التغييرات أن تؤدي إلى بزوغ تعاون استراتيجي واضح مع الصين من حيث التأثير الاستراتيجي على المسرحين الاقليمي والدولي. ويعتقد الساسة الإيرانيون بأنه مع توسع النفوذ الصيني، سينخفض الضغط الغربي عليهم وستتاح لإيران مساحة أكبر لمتابعة مصالحها وإبراز هيمنتها على إقليم الخليج العربي والشرق الأوسط. لكن السؤال القائم: هل هذا يعني بأن الصين فعلياً تتفق مع هذا التكتيك الإيراني؟ وهل هي ملزمة بإقامة تحالف إستراتيجي مع إيران؟.
للإجابة على هذا السؤال، يتعين على المرء أن يحلل العديد من العوامل التي لعبت أدواراً محورية في تشكيل الوفاق الصيني الإيراني. حيث أن الصين وإيران تواجهان مصالح متضاربة حول العديد من القضايا. رغم أن البعض في الصين يجد في دعم إيران فرصة لإخضاع الولايات المتحدة إستراتيجياً، فالصين لا تميل بشكل عام لإحتضان إيران بشكل كامل خوفاً من الإضرار بعلاقاتها ليس فقط بالولايات المتحدة وبسمعتها على الساحة الدولية، وإنما أيضاً الإضرار بعلاقاتها المتميزة مع دول مجلس التعاون الخليجي وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية المزود الرئيسي والأكبر لموارد الطاقة للصين. ويرى العديد من الإيرانيين أن الصين تستغل إيران إقتصادياً وتستخدمها كورقة مساومة ضد الولايات المتحدة،
وبالنظر إلى تضارب المصالح بين الصين وإيران، يتعيّن على دول الخليج العربي وبالتحديد المملكة العربية السعودية إستخدام أدواتهم الدبلوماسية للاستمرار في إحباط قدرات إيران التسليحية ولا سيما الترسانة الصاروخية التي تستمد قوتها من التعاون الدفاعي الصيني، وإيقاف برنامجها النووي في شقه العسكري، والضغط على الصين للحد من علاقاتها مع إيران.
وفي الوقت نفسه، يهدف هذا التقرير إلى تصنيف محتوى الدبلوماسية الدفاعية الصينية الإيرانية لتوضيح الصورة والخصائص العامة، ولا سيما النوايا الاستراتيجية لتبادلهما العسكري. ومع ذلك، هناك العديد من العقبات في فهم الدبلوماسية العسكرية الصينية، بيد أن هناك بعض التقدم في تمثيل الوضع في الوثائق الرسمية التي يمكن أن توفر فهماً للنوايا الحقيقية وراء السلوك الفعلي للصين.
تنقسم الدراسة إلى 6 فصول؛ الفضل الأول الدبلوماسية الدفاعية مع التركيز على الدبلوماسية الدفاعية الإيرانية، الفصل الثاني محددات وقيود العلاقات الدفاعية الصينية - الإيرانية، الفصل الثالث دور الصين الرئيسي في تحديث وتطوير برنامج التسليح الإيراني مع أبعاد علاقاتهما العسكرية، ويتضمن هذا الفصل شرح مفصل للمراحل الثلاثة التي مرت بها العلاقات العسكرية الصينية الإيرانية، الفصل الرابع برنامج الصواريخ الباليستية وصواريخ الكروز الإيرانية والبرنامج النووي الإيراني، الفصل الخامس حجم التعاون والتبادلات العسكرية وحجم الخبراء والفنيين والمهندسي والعمال الصينيين في إيران، الفصل السادس مستقبل العلاقات الصنيية - الإيرانية مع شرح لعناصر هذا المستقبل: اعتبارات استراتيجية، عدم اليقين في التحالف الاستراتيجي، ومعوقات التحالف الإستراتيجي. بالإضافة إلى المقدمة والخاتمة بالاستنتاج.
الـــفـــــصـــــــــل الأول
الإطار المفاهيمي للدبلوماسية الدفاعية أو الدبلوماسية العسكرية
يرجع أصل الدبلوماسية الدفاعية في الدبلوماسية العسكرية الكلاسيكية إلى العصور القديمة، وقد تم إحياءه في عصر نابليون. بيد أن دبلوماسية الدفاع لم تشهد تطورات، وأي تغييرات كبيرة، حتى نهاية الحرب الباردة، حيث ركزت على العلاقات العسكرية، وبالتالي اقتصرت على المجال العسكري الكلاسيكي. خلال التسعينيات من القرن الماضي، مع بزوغ فجر حقبة جديدة للسياسة الدولية، وبروز مطرد للترابط المعقد بين الدول، وظهور متنامي لجهات جديدة فاعلة على الساحة العالمية، وكذلك ظهور الدبلوماسية العامة، أفسحت المجال لتصور مفهوم جديد عن الدبلوماسية الدفاعية أو الدبلوماسية العسكرية. عُرفت بأنها تعبير عن دبلوماسية الشبكة، بمعنى دبلوماسية الدفاع تربط تنفيذ أهداف السياسة الخارجية بأهداف مؤسسة الدفاع. إذا تمت إدارته بشكل صحيح، يمكن أن تكون أداة لا تقدر بثمن لفن إدارة الدولة، من خلال جلب الأبعاد المتعددة لكل من القوة الناعمة والقوة الصلبة في أي قضية معينة. [أنظر: Defence Diplomacy].
تشير أدبيات السياسة الدولية بأن الدبلوماسية الدفاعية (الدبلوماسية العسكرية) تهدف إلى السعي لتحقيق أهداف السياسة الخارجية من خلال التوظيف السلمي للموارد والقدرات الدفاعية. لكن المثير والغريب عدم وجود تعريف محدد متفق عليه للدبلوماسية الدفاعية (الدبلوماسية العسكرية)، بالرغم من دورها وأهميتها في صنع الأحداث على مستوى الدول والعالم، لم يتم تعريف هذا المفهوم بشكل واضح على الإطلاق، لكنه أصبح مفهوماً بشكل عام على أنه "استخدام الوسائل العسكرية لبلد ما لتحسين فعّالية القوات المسلحة للدول المتعاونة وكفاءة إنفاقها الأمني والدفاعي من خلال زيادة التفاهم المتبادل أو الوصول إلى قدرات جديدة وإمكانيات التدريب".
وعند قراءة "وثيقة حكومية رسمية"، لأي بلد من البلدان في العالم، أو عند إلقاء نظرة على سلسلة من العلاقات الخارجية لبلد ما، أو عند الاستماع لأحد القادة العسكريين في بلد ما، من المحتمل أن يصادف المرء عبارة "الدبلوماسية الدفاعية" أو "الدبلوماسية العسكرية". وفي هذا الإطار، يمكننا استعراض موجز لعدد من الدول التي تتضمن في سياساتها العليا الدبلوماسية الدفاعية أو العسكرية، ومن بين هذه الدول المختارة: سنغافورة، استراليا، إسبانيا، الصين، وإيران. ولعل عند النظر في الوثائق والتقارير الحكومية الرسمية لهذه الدول، يمكننا أن نستخلص ما هية مفهوم الدبلوماسية الدفاعية، مع تركيزنا على الدبلوماسية الدفاعية الإيرانية تماشياً مع الخطوط العريضة لهذا التقرير.
يقول قائد القوات الجوية لجمهورية سنغافورة سابقاً (2006 - 2009) اللواء Ng Chee Khern نج تشي خيرن أن: "الدبلوماسية الدفاعية تعني السعي لتطوير علاقات منفعة متبادلة مع الدول الصديقة والقوات المسلحة، وتوظيف مؤسسة الدفاع في الدولة لتعزيز الأهداف الاستراتيجية للحكومة من خلال التعاون مع الدول الأخرى، وأن عملية الردع يجب أن تُستكمل بالدبلوماسية الدفاعية. وأن العلاقات الدفاعية الجيدة مهمة لعدة أسباب؛ لأنها تتيح التدريب وإجراء تمارين واسعة النطاق في جميع أنحاء العالم، وتُمكّن القوات بتعزيز المهارات المهنية والمعايير ضد القوات المتقدمة، وتوفر الوصول المستمر إلى التكنولوجيات الحديثة والمتقدمة". [أنظر: "On Command"، اللواء Ng Chee Khern قائد القوات الجوية السنغافورية سابقاً].
وعند إلقاء نطرة على "الوثيقة الإسبانية" تحت عنوان: "خطة الدبلوماسية الدفاعية" Defence Diplomacy Plan"، نكتشف أن وزيرة الدفاع الإسبانية سابقاً (2008) كارمي تشاكون Carme Maria Chacón Piqueras تركز على الدبلوماسية الدفاعية لإسبانيا، عبر استعراضها للسياق الدولي الجديد الذي يتطلب التفكير في ضوء مفهوم واحد مهيمن وهو مفهوم الترابط. ويجب معالجة المخاطر والتهديدات الجديدة في القرن الحادي والعشرين من خلال نهج متكامل، مع مبادرات مشتركة. ولتحقيق ذلك، من الضروري لكل حكومة أن تنظم كل الوسائل والآليات المتاحة لتوفير استجابة منسقة في عملها الخارجي. ونظراً لأن الأمن والدفاع تشكلان بُعداً أساسياً في سياسة إسبانيا الخارجية ودعائمها، فإن اليوم، هناك عدد أقل من الحروب التقليدية، لكن المواجهات المنخفضة إلى المتوسطة الكثافة لا تزال قائمة، وعواقب انتشار الحروب غير المتماثلة وظهور تهديدات جديدة تتجاوز الحدود الوطنية، وبالتالي على الجميع في إسبانيا مسؤولية مشتركة لتطبيق وثيقة "خطة الدبلوماسية الدفاعية" Defence Diplomacy Plan، التي تصف الأولويات والوسائل والآليات لتحقيق أهداف إسبانيا. كما هو منصوص عليه في السياسة الوطنية للدفاع، وتوجيهات سياسة الدفاع الإسبانية. [أنظر: Carme Maria Chacón Piqueras كارمي تشاكون، "Defence Diplomacy Plan"].
في المصطلحات الأمنية الوطنية، غالباً ما يشار إلى الدبلوماسية بإسم القوة الناعمة، بينما يشار إلى القوة العسكرية بالقوة الصلبة. اليوم التمييز بينهما أصبح غير واضح قطعاً. حيث تثبت الدبلوماسية العسكرية أنها وسيلة مفيدة للغاية لمتابعة المصالح الوطنية دون النزاع. قد ينظر البعض إلى مفهوم الدبلوماسية العسكرية على أنه شيء من التناقض، يشبه إلى حد ما الاستخبارات العسكرية، ولكن في بيئة أمنية عالمية متزايدة التعقيد تثبت قيمتها. لدرجة أنه في الآونة الأخيرة، أعلن وزير الدفاع الأسترالي ديفيد جونستون، "أنه قوي للغاية في الدبلوماسية العسكرية". [أنظر: Military diplomacy].
أما في العقيدة الصينية، فيمكن فهم الدبلوماسية العسكرية الصينية من خلال تعريف الصين للدبلوماسية العسكرية وكيف تعزز علاقاتها الدبلوماسية العسكرية، وذلك بالاطلاع على "وثيقة صينية حكومية رسمية عن الدبلوماسية العسكرية"، حيث تقدم الوثيقة الصينية تعريف للدبلوماسية العسكرية على نطاق واسع بأنها: "مجموعة من الأنشطة غير القتالية التي تنفذها القوات المسلحة لبلد ما لتعزيز مصالحها الدبلوماسية الوطنية. غالباً ما تتخذ الأنشطة الدبلوماسية العسكرية في شكل تدريبات عسكرية مشتركة، وحوارات عسكرية رفيعة المستوى، واتصالات الموانئ البحرية والقوات البحرية. في حالة الصين، التي انتقلت من دور الهامش إلى مركز النظام الدولي، فإن تحديثها العسكري المستمر عزز من وتيرة وتعقيدات هذه الأنشطة العسكرية. بشكل عام، توفر الأنشطة الدبلوماسية العسكرية للصين فرصاً لتحسين صورتها العالمية ودعم أجندتها الدبلوماسية الأوسع، وفي الوقت نفسه تعزيز من قدراتها العملياتية العسكرية". [أنظر: How is China bolstering its military diplomatic relations?].
نظراً لوجود صلة وثيقة بين الأمن والسياسات الخارجية لبلد ما، هناك العديد من نقاط الخلاف بين الدفاع والدبلوماسية. يعود استخدام القوات المسلحة لدعم دبلوماسية الدول إلى أصول الأمم ذاتها. في البداية، كان الهدف من هذا الدعم هو تعزيز المصالح الوطنية من خلال إظهار القدرة العسكرية، لبلد ما، على فرض مصالحه أو إرادته على دولة أخرى، أو كعنصر لردع الطموحات الأجنبية، سواء كانت سياسية أو إقليمية أو اقتصادية. [أنظر: Defense Diplomacy Plan, Ministry of Defense -Spain].
حالياً التساؤل حول التحالف والاندماج في السياسة الخارجية هو أحد أهم التساؤلات المطروحة في الدراسات الدولية. من وجهة النظر هذه، تعتمد العديد من الدراسات في العلاقات الدولية على الجهد المبذول لإدراك وفهم كيف تتحد بعض الدول مع بعضها البعض. على الرغم من الصيغ المتعددة لدراسات مختلفة عن العلاقات الدولية، إلا أن معظم نظريات العلاقات الدولية يبدو بأنها تتبنى إجماعاً على أن التحالف هو رد الفعل الأمثل تجاه التهديدات الخارجية.
الدبلوماسية الدفاعية الإيرانية
منذ عام 1979، كانت إيران - دائماً - في معضلة لحماية مصالحها العليا مثل الحفاظ على بقاء نظامها وإحكام أمنها القومي، ضد من تعتقد بأنهم "أعدائها الإقليميين والدوليين". وكانت تصوغ إستراتيجيتها للتغلب على التحديات في بيئتها الأمنية، من خلال لعبة الموازنات إما داخلياُ أو خارجياُ. وفي هذا السياق، كان الردع التقليدي عموداً رئيسياً في الإستراتيجية العسكرية الإيرانية من خلال الدبلوماسية الدفاعية.
تجربة الحرب مع العراق في عام 1980، وحرب الخليج الأولى عاصفة الصحراء (1990 - 1991)، والحرب الأميركية على أفغانستان (2001) والغزو الأميركي للعراق (2003)، قاد صنّاع السياسة الإيرانيين في الداخل إلى أن بلادهم في شكلها السياسي الحالي ليس لديها عمق استراتيجي؛ تقريباً لا عمق من أي جار من جيرانها، فضلاً عن أن عدة دول إقليمية يمكن أن تشترك مع أميركا وحلفائها وتصبح كمنصات للهجوم على إيران أو تقويض أمنها ونظامها. [أنظر: "نوواقعگرایی و سیاست خارجی جمهوری اسلامی ایران" (الثورة الإسلامية والسياسة الخارجية لجمهورية إيران الإسلامية)].
ولمواجهة هذه المعضلة، فإن طهران مستعدة لتوسيع علاقاتها العسكرية مع موسكو وبكين، أو أي قوة أخرى مضادة للولايات المتحدة بإمكانها الوقوف في وجه أميركا، وهذا سوف يحقق لإيران مصلحة نفعية وتستفيد من هذه القوة سياسياً وعسكرياً.
ومن هذا المنظور، فإن دبلوماسية الدفاع الإيرانية هي استراتيجية لتعزيز جهود القطاع الدفاعي في مجال الردع بهدف المصالح العليا لإيران. وبهذا المفهوم فهو متغير من القوة الناعمة التي تستخدم في اختيار مشاركة الفهم الاستراتيجي لدولة أخرى، من خلال ربط دبلوماسية الدفاع بمفهوم القوة الناعمة، وتكون الآلية الأساسية التي تجعل من دبلوماسية الدفاع أداة جيوسياسية فعّالة.
تنظر إيران إلى دبلوماسية الدفاع لتعزيز جهود قطاع الدفاع، الذي يعتبر بأنه ضعيف قياساً لقطاع الدفاع التقليدية للدول المتقدمة، من أجل عملية إعادة بناء القاعدة الصناعية الدفاعية الإيرانية. وهذا مفهوم جديد تم التأكيد عليه في وثيقة رسمية إيرانية بعنوان: "صياغة إستراتيجية الدفاع الوطني والأمن القومي". وفي هذا السياق، فإن السياسة الدفاعية الإيرانية الشاملة تزداد أهمية في توطيد علاقات مع دول مثل الصين وروسيا. بالنظر إلى موقع روسيا - على سبيل المثال - القوي في التسلسل الهرمي للقوة العالمية، يمكن للتعاون الدفاعي الإيراني الروسي أن يوفر إنجازات مهمة لإيران والاستقرار وتعزيز استراتيجية الردع الإيرانية. [أنظر: The Defense Diplomacy of Iran towards Russia].
وينطبق ذات الشيء على قوة صاعدة مثل الصين، فالعلاقات والتعاون الدفاعي مع الصين ستمنح إيران قفزات هائلة في الصناعة الدفاعية وتعزز من استراتيجية الردع الإيرانية، ناهيك عن الدعم والمساندة السياسية في المنظمات الدولية.
من الأهمية بمكان، أن نستعرض تصريحات القادة العسكريين الإيرانيين حول الدبلوماسية الدفاعية. فمن الملاحظ على الأدبيات الإيرانية، سواءً في وسائل الاعلام أو عبر الوثائق الرسمية أو الخطب، بأن خلال العشر سنوات الماضية هناك تركيز شديد على استخدام مصطلح "الدبلوماسية الدفاعية" أو "الدبلوماسية العسكرية"، وقد ازداد في فترة ما بعد التوقيع على الصفقة النووية الإيرانية مع الدول الخمس + 1.
على سبيل المثال؛ في مارس 2010، وفي إجتماع مع البعثات الدبلوماسية الإيرانية، شدد وزير الدفاع الايراني - السابق - العميد أحمد وحيدي على "إن الدبلوماسية الدفاعية من أهم أركان السياسة الخارجية لايران". ودعى البعثات الدبلوماسية الإيرانية إلى العمل لتمهيد الأرضية لتوقيع اتفاقية دفاعية مثل تلك التي وقعها مع نظيره القطري في الدوحة مؤخراً. موضحاً أن الاعداء يحاولون زعزعة أمن واستقرار المنطقة لكن الدبلوماسية الدفاعية الإيرانية نشطة وفعّالة. [أنظر: وحيدي: الدبلوماسية الدفاعية من اهم اركان سياسة ايران الخارجية].
أما رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية اللواء محمد باقري، لا يتوانى عن استخدام "الدبلوماسية الدفاعية" في تصريحاته، ففي تصريح له في 1 نوفمبر 2017 عند اجتماعه مع نظيره الروسي الجنرال "فاليري غراسيموف" في طهران، قال: "سنستعرض الدبلوماسية الدفاعية الجديدة بين إيران وروسيا". [أنظر: تصريح اللواء باقري].
وفي تصريح آخر له بمناسبة "يوم القوة البحرية للجيش الايراني" في 26 نوفمبر 2018، قال: "إن القوة البحرية الايرانية التي تجاوز انتشارها المياه الاقليمية والمحيطة تحمل رسالة السلام والصداقة والأمن للمضائق البحرية الحساسة والاستراتيجية في المناطق الجغرافية البعيدة وتمكنت من بلورة جانب من ثمار الدبلوماسية الدفاعية والفاعلة والذكية والجهود الهادفة المبذولة من قبل القوات المسلحة المقتدرة". [أنظر: اللواء باقري: قدرات ايران الدفاعية والرادعة تحبط احلام العدو البغيضة].
من الواضح أن جنرالات إيران في لهف شديد نحو "الدبلوماسية الدفاعية" مع الصين وروسيا، وأنهم مهتمون في القضايا الجيوسياسية ويمارسون دبلوماسية العسكر. اللواء باقري رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية تم تعينه في هذا المنصب في عام 2016، قبل هذا المنصب كان من رموز الحرس الثوري من الجيل الثاني، وتدرج في مناصب مختلفة باستخبارات الحرس الثوري، وتخصصه العلمي "الجغرافيا السياسية"، وحاصل على الدكتوراه في الجغرافيا السياسية من جامعة الدفاع الوطني العليا في العاصمة الإيرانية طهران، ومن مؤسسي "الرابطة الجيوسياسية الإيرانية". هذه المعطيات تقدم صورة واضحة عن المؤشرات التي تُظهر إعجاب "جنرالات" الجيل الثاني في "الحرس الثوري الإيراني" بالقضايا الجيوسياسية، أي رسم الخرائط الإقليمية. وتُظهر مدى اهتمام إيران بتوظيف صلاحيات رئيس الأركان كأداة دبلوماسية يمكن أن تؤثر على مستقبل التعاون الدفاعي التي تربط بين إيران ودول أخرى، وأيضاً تُظهر بروز دور "دبلوماسية العسكر" في إيران.
لذا، يمكننا القول، أن الدبلوماسية الدفاعية الإيرانية تعد جزءاً من القوة الوطنية، إلى جانب السياسة الخارجية، التي تشكل مصدر القوة لتعزيز القدرة على التحرك والعمل في العلاقات الخارجية. فهي لن تراقب تطبيق السياسة الدبلوماسية فحسب، بل تضمن أيضاً مشاركة الدبلوماسية في سياسة الدفاع. في الواقع، يمكن أن تكون الصلة بين الأنشطة العسكرية والدفاعية والأنشطة الدبلوماسية أداة قوية مترابطة للسلطة الإيرانية. من ناحية أخرى، سيكون استخدام الدبلوماسية الدفاعية فعالاً في أوقات السلم والحرب، وكذلك في منع النزاعات وحتى استخدام قدرات البيئة الدولية لتعزيز قدرات إيران وتأثيراتها في أوقات الحرب.
لذلك، تنظيرات المحللين الإيرانيين تتجه نحو القول بأن: لتحقيق قدرات هائلة في الدبلوماسية الدفاعية يتطلب فهم المحيط، والفهم العميق لموقف إيران، والتنظير ووضع المفاهيم لخلق حوار لتعزيز القدرات الدفاعية والقدرات الأخرى لإيران، والتي لا بد أن تعتمد على الهيمنة العالمية والخطاب المشترك في هذا المجال هو معرفة السياسة العالمية.
في هذا السياق، تعتبر إيران نفسها بأنها قوة إقليمية، وأن تاريخياً كان لها دور إقليمي، وتعتقد بأن بعد الثورة إزدادت قدراتها الدفاعية المصنعة محلياً بشكل كبير. لكن هذا لا يمكن اعتباره المكون الوحيد لتحسين القدرات الدفاعية الإقليمية لإيران. بسبب النزاعات الأمنية عبر الحدود في البيئة الإقليمية لإيران، فإن استخدام معاهدات الدفاع هو الأكثر رغبة لدى إيران. وفقاً لذلك، تعد الصين (وكذلك روسيا) واحدة من الدول والخيارات ذات الاهتمام والمصالح الإيرانية في هذا الصدد.
ومن ناحية أخرى، فإن أحد الاتجاهات البارزة في البيئة الأمنية الدولية هو "رؤية البقية". لهذه الأسباب، يرى العديد من علماء العلاقات الدولية بأن الصين كقوة صاعدة، وربما في يوم من الأيام يمكن أن تحل محل الولايات المتحدة كدولة مهيمنة في آسيا. [أنظر: Can China Rise Peacefully? ، وكذلك أنظر : 2015 and the Rise of China: Power Cycle Analysis and the Implications for Australia]. وفي مواجهة الصين الصاعدة، فإن أهم القضايا الأساسية لحكومات الخليج العربي (بما في ذلك إيران) هي كيف تؤثر الصين القوية على أمن هذه الدول في هذا الصدد، مع إشراقة فجر "المحيط الهادئ"، حيث تزداد قوة الصين وتسعى للعب دور أكبر في الشؤون الإقليمية والعالمية. [أنظر: China's Arms Acquisitions from Abroad: A Quest for 'superb and Secret Weapons'، تقرير SIPRI].
لذلك، المحللون والخبراء الإيرانيون يحثون صنّاع القرار في إيران على أهمية فهم القدرات الدفاعية والعسكرية ونوايا القيادة الصينية في جميع المجالات، وليس فقط المسائل المتعلقة بالتجارة. حيث أدت الزيادة التدريجية في القوة الاقتصادية والسياسية لجمهورية الصين الشعبية، اعتقاد بعض مسؤولي الدفاع والأمن الإيرانيين أنهم يستطيعون تزيين وتعميق التعاون بين البلدين والمضي نحو خوض تجربة العلاقات الاستراتيجية مع جمهورية الصين الشعبية تصل لحد التحالف الإستراتيجي. [أنظر: وكالة أنباء الجمهورية الإيرانية (IRNA)].
لكن بعض المحللين الإيرانيين المختصين في الشأن الصيني يعتقدون أن إيران والصين لا تواجهما تهديدات مماثلة ومشتركة على المستوى الدولي ليتم استخدامهما كأساس لتطوير التعاون الاستراتيجي وتعزيز العلاقات الثنائية إلى مستوى "التحالف الاستراتيجي". هناك فرق كبير بين القضايا الأمنية والتهديدات التي تواجهها إيران وتلك التي تواجهها الصين. بمعنى آخر، كل بلد يسعى نحو أولوياته المختلفة تماماً في تفاعلاته الدولية. كما أن البعض الآخر من المحلليين الإيرانيين المختصين في الشأن الصيني يعتقدون أن معارضة الصين لأي ضغوط جديدة تمارس ضد إيران من قبل الغرب، يمكن فقط أن تؤخر أو تؤجل تلك الضغوط الغربية ولن توقفها. بمعنى آخر، إن استخدام إيران لبطاقة الصين لا توفر حلاً دائماً لها. [أنظر: China A Short Term Solution for Iran].
من الناحية النظرية، هذا منطقي. ومع ذلك، فإن مع بدء المفاوضات مع إيران، ومع التقارب القصير الأجل بين إيران والكتلة الغربية، والتي بدأت في أعقاب توقيع "اتفاق جنيف الابتدائي الخاص بالبرنامج النووي" في 24 نوفمبر 2013، تمكنت طهران من تعميق علاقاتها مع جمهورية الصين الشعبية في الشؤون الدفاعية، والقطاعات الإلكترونية، والتقنيات العسكرية، والمجالات الإستراتيجية. وكانت طهران تعلق الآمال على رفع العقوبات كلياً عنها (تلك العقوبات التي كانت مفروضة على إيران قبل توقيع الصفقة)، لتعميق علاقات إستراتيجية ودفاعية طويلة الأمد مع الصين في هذه المجالات، لأن عند رفع العقوبات سوف تحقق للصين قدرة على الحركة أكثر ويمكنها تسهيل صعود إيران كقوة إقليمية.
لذلك، كانت الآمال الإيرانية معقودة على نجاح "الاتفاق النووي" JCPOA في تخفيف الحظر على الأسلحة إلى طهران بعد خمس سنوات (ربما في عام 2020)، ومن ثم بالتأكيد ستكثف الصين من وجودها في قطاعات الدفاع العسكرية الإيرانية. ومن المؤكد أن طهران ستوسع من شراكتها مع بكين وستنطلق التجارة الدفاعية والتكنولوجية بعد نجاح الصفقة النووية ورفع العقوبات بالكامل عنها والفوز بالكعكعة الصينية. [أنظر: "China and Iran's New Love Affair?"، (الصين - إيران وعلاقة الحب الجديدة)].
من المثير للسخرية أن العديد من المحلليين الغربيين وكذلك المحللين العرب، ينشرون في الصحف مقالات تحليلية سطحية، بإدعائهم إن "إنسحاب دونالد ترامب من الصفقة النووية سيؤدي إلى تعزيز الشراكة والتحالف بين إيران والصين، وأن ذلك من شأنه أن يرمي بإيران في أحضان الصين".
بإمكانكم البحث في محرك قوقل وستجدون العشرات من هذه النوعية من المقالات الصحفية السطحية التي تنشر منذ مايو 2018، وهو تاريخ الانسحاب الأميركي الأحادي الجانب من الاتفاق النووي الإيراني، ولغاية تاريخ اليوم، يقدمون تنظيرات وتحليلات قاصرة بأن الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني سيؤدي إلى ارتماء إيران في أحضان الصين وتعزيز التعاون الدفاعي الإيراني - الصيني. في حين إن الواقع مغاير بشكل كبير لما ينشرونه هؤلاء الكتّاب المحلليين الغربيين والعرب. في الواقع، العلاقات الإيرانية - الصينية منذ ثمانينيات القرن الماضي تشهد حالة من الشراكة والصعود في العلاقات، ضعفت خلال فترة فرض العقوبات على إيران من قبل مجلس الأمن الدولي في أواسط ونهاية الألفية، ثم من بعد توقيع الدول الخمس + 1 على الاتفاق النووي الإيراني تعززت العلاقات الإيرانية - الصينية أكثر بكثير، نظراً لأن الصفقة النووية أضفت الشرعية الدولية على العلاقات الإيرانية الصينية وبالتالي انعكس بالايجاب على التعاون الدفاعي بين البلدين.
في الواقع، كلما توترت العلاقة بين الصين وأميركا، زادات قوة العلاقة بين الصين وإيران وارتفعت وتيرة التعاون الدفاعي والعسكري، وكلما توترت العلاقة بين إيران وأميركا، ضعفت العلاقة بين الصين وإيران وقل التعاون الدفاعي. وكلما هدأت العلاقة بين إيران وأميركا، انعكست بالايجاب على العلاقات الصينية - الإيرانية وارتفعت وتيرة التعاون الدفاعي، واستطاعت الصين التحرك بسهولة في هذه العلاقة دون الخشية من المجتمع الدولي.
لذا يمكن القول، بأن لربما الانسحاب الأميركي الأحادي الجانب من الاتفاق النووي ومن ثم فرض أميركا العقوبات الاقتصادية على إيران أن تعطل من المزيد من التعاون وتطوير العلاقة إلى تحالف استرايجي، أو قد تؤدي إلى خنقه ووأده. وسوف نستعرض هذا الأمر بشكل موسع في الأقسام القادمة ضمن سياق هذا التقرير.
الـــفـــــصـــــــــل الــــثـــانـــــي
محددات وقيود العلاقات الدفاعية الصينية - الإيرانية
أولاً: الـمحـــــددات
الفائدة المتبادلة والمصالح المشتركة
تتمتع إيران والصين تاريخياً بسجل طويل من العلاقات. تمتد العلاقات بين الصين وإيران إلى إمبراطوريتي الهان والبارثية، عندما كانت الحضارتان شريكتين تجاريتين على طريق الحرير القديم. على هذا الأساس، يرى البلدان اليوم أنفسهما كقوى صاعدة، مع مصالح متقاربة في ساحات متعددة. بمعنى آخر، من خلال أكثر من أربعة عقود من العلاقات الدبلوماسية، زادت إيران والصين تعاونهما في العديد من المجالات، لا سيما في قطاعي التجارة والدفاع.
1 - المحدد الاقتصادي: النفط والتجارة البينية
على المستوى الاقتصادي، يلعب البلدان دوراً متزايد الأهمية في أسواق كل منهما. تعتبر الصين ثاني أكبر مستهلك للطاقة في العالم بعد الولايات المتحدة الأميركية. وفقاً لإدارة معلومات الطاقة الأميركية EIA، فإن على مدى العقد الماضي، برزت الصين كأكبر مستهلك للطاقة في العالم نمواً. مدفوعاً بالنمو الاقتصادي السريع والمستدام، والتوسع الحضري، والسكان الهائل والمتزايد الذين يبحثون عن مستويات معيشية أعلى، استهلكت الصين 64% من الزيادة في إمدادات الطاقة في العالم بين عامي 2005 و 2011. وتتوقع إدارة معلومات الطاقة الأميركية بأن في حالتها الأساسية لعام 2011، فإن حصة الصين من استهلاك الطاقة في العالم سوف تستمر في النمو، وإن كان بمعدل أبطأ. (انظر الشكلين 1 و 2). وسيأتي جزء كبير من الإمدادات المتزايدة من واردات الطاقة.
الشكل (1)
الصين: ارتفاع استهلاك النفط والواردات
[المصدر: China - Iran: A Limited Partnership].
الشكل (2)
ارتفاع استهلاك واردات الصين من النفط (بحسب الدول).
[المصدر: China - Iran: A Limited Partnership].
بحسب إدارة معلومات الطاقة الأميركية، يمثل نمو الواردات هذا حوالي 30% من النمو في الاستهلاك العالمي للنفط خلال تلك الفترة. إن احتياجات الصين لمشتقات أخرى من الطاقة آخذة في الازدياد، ولكن مع تأثير أقل على الإمدادات العالمية. وقد استوردت الصين كميات محدودة من الغاز الطبيعي (كغاز طبيعي مسال) منذ عام 2006، لكن من المتوقع - وفقاً لإدارة معلومات الطاقة الأميركية أن تنمو احتياجات الاستيراد بسرعة خلال العقدين المقبلين، بما يتجاوز أربعة تريليونات قدم مكعب بحلول عام 2035. ومع ذلك، يمثل هذا النمو حوالي 10% فقط من النمو المتوقع لإمدادات الغاز العالمية. [أنظر: China - Iran: A Limited Partnership].
وللمساعدة في دعم احتياجاتها المتوقعة من استيراد النفط والغاز، سعت الشركات الصينية، ولا سيما شركة الصين للنفط والبترول CNPC وشركة الصين للبتروكيماويات PetroChina (وهي شركة تابعة مدرجة في البورصة) والمؤسسة الوطنية الصينية للنفط البحري CNOOC، إلى تأمين وتطوير إمدادات النفط والغاز في الخارج، مع تولي شركة الصين للنفط والبترول زمام المبادرة. منذ التسعينيات، ولكن بشكل خاص منذ عام 2009، بدأت هذه الشركات في عقود التنقيب والإنتاج في العديد من البلدان في الخارج (انظر الجدول رقم 1). استثمرت شركات النفط الوطنية الصينية أيضًا في خطوط أنابيب النفط في العديد من الدول ومن بينهم إيران. وتعد بنوك الصين، ولا سيما بنك التنمية الصيني وبنك التصدير والاستيراد الصيني، المصدر الرئيسي لرأس المال لهذه العمليات الخارجية ذات القروض طويلة الأجل ومنخفضة الفائدة، وكان لإيران النصيب الأكبر من القروض والتمويل الصينية لمشاريع صينية كثيرة داخل إيران.
الجدول رقم (1)
مشاريع الاستثمار / التنمية الصينية الرئيسية في قطاع الطاقة الإيراني.
[المصدر: China - Iran: A Limited Partnership].
وقد خططت الصين لنقل عدد من مصانعها الانتاجية إلى الأراضي الإيرانية، بعض هذه المصانع نقلت إلى إيران قبل الصفقة النووية واستكملت عملية النقل بعد الصفقة. ودوافعها في ذلك هي أن الصناعة والمصانع تشكل 70% من مجمل استهلاك الصين للطاقة، أي أن أكثر من ثلثي استهلاك الصين للطاقة تذهب للصناعة، لذا فإن نقل جزء من هذه المصانع إلى رابع أكبر مخزون للنفط والغاز سيكون مربحاً جداً لكلا الطرفين إيران والصين، كما أن إنتاج الصناعات الصينية في مكان مثل إيران سيخلق أسواقاً جديدة ومشترين جددا للبضائع والسلع الصينية في منطقة الشرق الأوسط التي يستحوذ على أسواقها الاقتصاد الغربي والأميركي.
أعطت الصفقة النووية ومن ثم رفع العقوبات، دفعاً للصين وفرصاً أفضل للتعاون مع إيران في قطاع الطاقة. علاوة على ذلك، ترغب الصين في تعزيز علاقاتها مع إيران من أجل تعزيز وجودها في آسيا الوسطى والوصول إلى مصادر الطاقة في بحر قزوين. إن شراء الطاقة من بحر قزوين يجعل الصين أقل اعتماداً على استيراد النفط من دول الخليج العربي. [أنظر: China and Iran Strengthen their Bilateral Relationship].
وفي دراسة لمستقبل استهلاك الصين للطاقة وحسب توقعات وكالة الطاقة الدولية، فإن الصين في حلول عام 2030 ستستحوذ على ما نسبته 20% من الطلب العالمي على الطاقة، وهو أكبر من حاجة أوروبا واليابان معا، وستتجاوز في ذلك العام الولايات المتحدة المستهلك الأكبر للطاقة في العالم. [أنظر: The Future Of Iran-China Relations: An Alliance Or Pure Cooperation?].
لذا فإن الإدارة الصينية تجد في إيران مأمناً وغنيمة، توفر من خلالها ما تحتاجه من موارد الطاقة في ظل تسارع نمو استهلاكها للطاقة، وخاصة أن إيران تمتلك رابع أكبر مخزون نفطي وغازي في العالم، والصين تتحول بشكل كبير لمستهلك أساسي للطاقة في العالم. هذه المعادلة أنتجت فكراً إيرانياً صينياً مشتركاً يقضي بتوسيع العلاقات في كافة المجالات، إلا أن الظروف الحالية للاقتصاد الإيراني لا تسمح بتوسيع العلاقات مع الصين أكثر من هذا الحد رغم الطموحات الإيرانية المبالغ بها.
أما في قطاع التجارة البينية فقد بلغت في عام 2014 أكثر من 52 مليار دولار، مرتفعة من 40 مليار دولار في العام السابق. [أنظر: www.csmonitor.com]. وفي ديسمبر 2017، اعلن وزير الصناعة والتعدين والتجارة الايرانية محمد شريعتمداري بان حجم التبادل الاقتصادي بين ايران والصين يمكن رفعه الي 60 مليار دولار. وفي كلمة له خلال استقباله رئيس غرفة التجارة الصينية 'وانغ يانغو' في طهران، اعتبر شريعتمداري اقتصاد البلدين بانهما مكملان أحدهما للآخر، وقال: "إن حجم التبادل الاقتصادي بيننا وصل الي نحو 54 مليار دولار في مراحل كان سعر النفط فيه مرتفعاً وإن الهدف المنشود وهو 60 مليار دولار ممكن الوصول اليه". وقد استقبلت طهران في عام 2017 كل شهر وفداً صينياً. [أنظر: وكالة إيران للأنباء (ارنا) /ar.irna.ir]. وفي عام 2018 وصل حجم التبادلات التجارية إلی حاجز 50 مليار دولار. وشاركت إيران في أربعة معارض صناعية في الصين في عام 2018. [أنظر: وكالة الطلبة الإيرانية للأنباء (ايسنا) ar.isna.ir].
ووفقاً لوكالة الأنباء الإيرانية (ارنا)، نقلاً عن تصريح لرئيس غرفة التجارة الصينية "وان يانغ غو" هناك خطة صينية - إيرانية لرفع التبادل التجاري الصيني الإيراني إلى 100 مليار دولار سنوياً بحلول عام 2020.
بالإضافة إلى التبادل التجاري بين البلدين، تزداد أهمية علاقات إيران مع الصين، فقد عززت الزيادة التدريجية لقوة الصين السياسي والاقتصادي في الشأن العالمي، والشرق الأوسط، والمبادرة الإقتصادية "حزام واحد - طريق واحد" بما في ذلك خطة القرن الحادي والعشرين "طريق الحرير البحري" و "الحزام الاقتصادي لطريق الحرير"، والتي تهدف إلى أن تصبح القوة الدافعة للنمو الاقتصادي المستمر للصين في العقد المقبل وحتى أبعد من ذلك في المستقبل.
وضمن إطار مبادة الحزام المعروفة بـ "طريق الحرير"، الصين لديها مشاريع السكك الحديد التي تعتزم بناءها على الأرض، مثل مشروع الطريق السريع الذي يربط تركستان الشرقية، تركيا وطهران. وهذه المشاريع مفيدة لكلا البلدين، لكن من المؤكد أن الاستفادة الأكبر ستكون لإيران، حتى في ظل العقوبات الأميركية، كون أن تلك الاستثمارات تخضع للمعاملات بدون سيولة.
2 - الجيوسياسي والجيواستراتيجي
العلاقة بين بكين وطهران تثير اهتماماً خاصاً على المستوى الدولي؛ في المقام الأول، لأن الدولتين إقليمياً يُعتقد بأنهما تشكلان تحدياً للهيمنة الأميركية في جوارهما. إذ تشكل روابطهما الجغرافية مع مناطق مهمة في آسيا مصدراً للكثير من إمكاناتهم الجيوسياسية. فالصين هي أكبر كيان في المنطقة، وتنضم أراضيها الواسعة إلى شرق آسيا وآسيا الوسطى وجنوب آسيا. وبالمثل، فإن إيران تنظر إلى نفسها بأنها أكبر كيان جيوسياسي في الخليج العربي، وتشترك في حدودها مع 15 دولة. هذه المواقع الإستراتيجية للغاية تزيد من الإمكانات الاقتصادية والتجارية والسياسية لكلتا الدولتين وتمكنهما من ممارسة تأثير كبير على المناطق المجاورة بشكل خاص والعالم بشكل عام. لدى إيران والصين أيضاً عدد من المصالح الجيوسياسية المشتركة في آسيا الوسطى الكبرى، بما في ذلك أفغانستان، وأيضاً منطقة الخليج العربي، عبر إقصاء الجهات الغربية الفاعلة في كلتا المنطقتين (آسيا الوسطى ومنطقة الخليج العربي)، أي اقصاء الولايات المتحدة.
لطالما نظرت إيران إلى الصين كصديق جيد في العالم. تعد الصين أهم "شريك استراتيجي" لإيران، فهي ليس فقط تقوم بتعزيز الاقتصاد الإيراني والقدرة الدفاعية، بل المصالح الإيرانية في الساحة الدولية أيضاً. وفقاً لأدبيات وتنظيرات الساسة الإيرانيون فإن جوهر السياسة الخارجية الإيرانية يتمثل في تشكيل عالم متعدد الأقطاب تحت رعاية الأمم المتحدة، حيث يمكن أن تمثل إيران ودول إسلامية أخرى في المستقبل أحد الأقطاب القوية. ومع ذلك، تبدو المهمة غير قابلة للتحقيق. بشكل عام، الصين بالنسبة لإيران ليست فقط قوة عظمى لتزويد طهران بالأسلحة، ولكن أيضاً كبلد آسيوي مستقل وغير متحيز ونامي في النظام العالمي الجديد. ولذا، تنظر إيران إلى تجربة التنمية الصينية، التي نجحت في الجمع بين الإنجازات الغربية والشرقية في ظل الحفاظ على القيم التقليدية المحلية، بأنها النموذج الأكثر جاذبية بالنسبة لإيران لاستنساخها خاصة في حالة التقنيات والأسلحة العسكرية وهندستها العكسية. [أنظر: Iranian-Chinese Relationship in the" "Central-Asian Policy Context، (العلاقة الإيرانية الصينية في سياق سياسة آسيا الوسطى)].
تربط طهران وبكين علاقات تسبق حاجة الأخيرة لواردات النفط الإيرانية. إيران هي الدولة الوحيدة على ساحل الخليج العربي غير المتحالفة مع واشنطن، وهي حقيقة مهمة بالنسبة لاستراتيجي جيش التحرير الشعبي الصيني الذين يعتبرون أميركا العدو المحتمل للصين. [أنظر: China's Military Presence in the Gulf].
في هذا الصدد، فإن البلدين يوليان اهتماماً وثيقاً بالتعاون الدفاعي بسبب قربهما الجغرافي والاقتصادي الذي يجعل سياساتهما الإقليمية مترابطة فيما بينها. وتعتقد إيران بأن ذلك قد يُسهم إلى حدٍ كبير في بناء النظام الدولي الجديد في منطقتي الخليج العربي وآسيا الوسطى بعد الانتهاء من قضية البرنامج النووي الإيراني. وهذا الاعتقاد كان سائداً لدى الأوساط الإيرانية قبيل عقد "الصفقة النووية". ويبدو أن بعد الانسحاب الأميركي الأحادي الجانب من الاتفاقية النووية وفرض عقوبات اقتصادية أميركية على إيران (2018 - 2019) سيترتب عليها تداعيات وستلقي بظلالها سلباً على الخطط الإيرانية.
من ناحية أخرى، فإن بكين وطهران لديهما سلسلة من المصالح والمقاربات المتزامنة بشأن المشكلات الإقليمية، بما في ذلك الشرق الأوسط.، وأيضاً يهتم كلا الجانبين بأفغانستان، وتجدر الإشارة بأن جغرافياً لا تفصل الصين عن إيران سوى أفغانستان. في الوقت نفسه، بكين وطهران تشعران بالقلق من الوجود الطويل الأمد للقوات العسكرية الأميركية على حدودهما (في أفغانستان من جهة، ومن جهة ثانية بالنسبة لإيران في الخليج العربي، دول مجلس التعاون الخليجي والعراق أيضاً)، والتأثير المتزايد للولايات المتحدة في المنطقة. [أنظر: Iranian-Chinese Relationship in the" "Central-Asian Policy Context، (العلاقة الإيرانية الصينية في سياق سياسة آسيا الوسطى)].
نظراً للتصادم المستمر بين الولايات المتحدة وإيران، من الواضح أن إيران مهتمة في التسلح بـ "اتحاد استراتيجي" له قوة عالمية متنامية مع بلد مثل جمهورية الصين الشعبية.
3 - التعاون الدفاعي العسكري
بالنسبة للصين، تعتبر العلاقات الأوثق مع إيران جزءاً من الاتجاه الأكبر لإيجاد شركاء عسكريين خارج منطقة آسيا والمحيط الهادئ. وتعتقد بأن العمل في ظل حتمية احتضان "البعثات التاريخية الجديدة"، فإن جيش التحرير الشعبى الصينى وبحرية جيش التحرير الشعبي الصيني سوف يوسعان من عملياتهما في الخارج لتتماشى مع المصالح الوطنية المتنامية للصين. وبطبيعة الحال، توسيع النطاق الجغرافي للجيش الصيني يتطلب وجود شركاء إقليميين راغبين في العمل مع الصين. [أنظر: "China Wants More Military Co-op With Iran"، (الصين ترغب في مزيد من التعاون العسكري مع إيران)].
وإيران، على وجه الخصوص، تعتبر مرشحاً جذاباً بشكل خاص لهذا التعاون بسبب التقاء مصالحها مع الصين في هذا التوجه بالتحديد، وتباعدها عن الولايات المتحدة. علاوة على ذلك، علاقات صينية أفضل مع إيران تمنح بكين نافذة على الشرق الأوسط، المنطقة التي تنمو فيها مصالحها بسرعة مع زيادة شهيتها للطاقة. فضلاً عن ذلك، الصين وإيران تَرَيَانِ بأن تحالف الولايات المتحدة مع دول الخليج العربي كفل نظاماً أمنياً يتوافق مع المصالح الأميركية في الشرق الأوسط. ولذلك تأملان في أن طالما إيران تعارض الوجود الأميركي في الخليج العربي فإن المنطقة لا تقع داخل مدار الولايات المتحدة بشكل كامل وآمن. وأتصور بأن الصين وإيران لا تزال لديهما مصالح قوية في تطوير التعاون المتبادل في العديد من المجالات، لا سيما في الدفاع والشؤون العسكرية.
4 - قـضيــة تايــوان
قضية تايوان يمكن أن يتم تصنيفها في الأثنين معاً: "المحددات" و "القيود"، فهي أشبه بسيف مزدوج الرأس، قد تُستخدم كمحدد للعلاقات الدفاعية الإيرانية الصينية وقد تصبح في فترة لاحقة قيد من قيود هذه العلاقات، وإن كنتُ أرجح بأنها محدد من المحددات أكثر من كونها قيد. ومع ذلك، سوف نستعرضها هنا كمحدد للعلاقات الدفاعية الإيرانية الصينية، وأيضاً سنتطرق إليها بشكل موجز كقيد للعلاقات الدفاعية الإيرانية الصينية.
تعتبر الصين تايوان جزءًا لا يتجزأ من أراضيها، ويحكم الجزيرة نظام منافس بعد سيطرة الشيوعيين على الحكم في الصين القارية عام 1949، في أعقاب الحرب الأهلية الصينية. قطعت واشنطن علاقاتها الدبلوماسية مع تايبيه في 1979، لكنها تبقى أقوى حلفائها وتعد مورد الأسلحة الرئيسي لتايوان، التي تعتبرها الصين "مقاطعة ضالة". وخلال السنوات الماضية تجنبت واشنطن إبرام صفقات سلاح كبيرة مع تايوان، إلا أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أبدى استعداداً لتوريد معدات عسكرية متطورة لتايوان.
وعلى مر العقود السابقة، كانت الصين تستخدم تجارة الأسلحة مع إيران لإرباك العلاقات الأميركية حول تايوان، وإيقاع أميركا في شراك تداخلاتها في تايوان. على سبيل المثال، في 2 سبتمبر 1992، أعلن الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش (الأب) عن مبيعات عسكرية إلى تايون تشمل 150 مقاتلة من طراز F-16، [أنظر: www.nytimes.com].
وهددت الصين على الفور ببيع "صواريخ رياح الشرق-11دونغ فنغ-11" ويُعرف اختصاراً بـ (DF-11 أوM-11 أوCSS-7) إلى باكستان، وبيع مكونات الصاروخ إلى إيران. وزعمت الصين أن F-16 والقذائف تمثلان انتشاراً للأسلحة، ولا يحق للولايات المتحدة ممارسة الكيل بمكيالين. وفي المقابل احتجت الولايات المتحدة على أن مكونات الصاروخ M-11 تنتهك التزامات الصين بإرشادات وتعاليم "نظام تحكم تكنولوجيا القذائف (MTCR)"، في حين تعمدت الصين إلى القول بأن مبيعات F-16 إلى تايوان تنتهك البيان المشترك لعام 1982 الذي يتناول مبيعات الأسلحة الأميركية إلى تايوان.
وعلى مدى السنوات اللاحقة، أثار المسؤولون الصينيون مراراً بربط الصلة بين تايوان وإيران لتبرير استمرار بيع الأسلحة الصينية إلى إيران وإنتشارها في إيران. العلاقة المعقدة بين واشنطن وبكين وطهران حول القضية النووية الإيرانية، في الواقع، كثيراً ما توصف بأن سياسة الصين تجاه إيران غامضة، فهي تدعم واشنطن من ناحية، ومع حماية طهران من ناحية أخرى. العديد من المحللين يجادلون، بأن سياسة بكين تجاه طهران تعتمد في الواقع على حالة علاقاتها مع واشنطن. وعندما نجري تحليل أوثق، نكتشف أن الصين تستخدم إيران كورقة مساومة مع الولايات المتحدة.
إن المرء يشعر بالقلق إزاء اقحام قضية تايوان وربطها بالساحة الإقليمية للخليج العربي. إذ باتت دول الخليج العربي ضحية خلاف وتنافس صيني أميركي في شرق آسيا ومضيق تايوان.
ففي مطلع هذا الشهر (يوليو 2019)، وفي خضم التواترات المتصاعدة التي تشهدها منطقة الخليج العربي بعد الانسحاب الأميركي من "الاتفاق النووي الإيراني" وفرض عقوبات اقتصادية على إيران، والتفجيرات الإيرانية لسفن ناقلات النفط في بحر عُمان ومضيق هرمز وقبالة سواحل إمارة الفجيرة، طالعتنا وسائل الاعلام الغربية خبر مفاده بأن البنتاغون يُعلن عن أن وزارة الخارجية الأميركية وافقت على بيع تايوان أسلحة بقيمة 2,2 مليار دولار تشمل دبابات "أبرامز" وصواريخ "ستينغر". وذلك وفقاً لبيان صادر من "وكالة التعاون الدفاعي والأمني" التابعة لوزارة الدفاع الأميركية، التي تقول بأنها أخطرت الكونغرس بهذه الصفقة التي تشمل بالدرجة الأولى 108 دبابات من طراز "أم1إيه2 تي أبرامز" و250 صاروخ أرض-جو قصيرة المدى، وصواريخ "ستينغر" المحمولة على الكتف وأكثر من 1500 صاروخ مضاد للدبابات من طرازي "جافلين" و"تاو"، فيما لدى الكونغرس مهلة 30 يوماً للاعتراض على هذه الصفقة، وهو أمر غير مرجح إطلاقا. [أنظر: www.dsca.mil].
ومما لا شك فيه أن بكين أعربت عن "مخاوفها الجدية" من هذه الصفقة، وطالبت واشنطن بأن "تعي الطبيعة الحساسة جدا والمضرة لقرارها بيع أسلحة لتايوان، وأن تلتزم مبدأ الصين الواحدة". وحذرت واشنطن من "اللعب بالنار"، معربة عن غضبها من الخطط الأميركية لتسليح تايوان، التي يحكمها نظام مناهض لبكين منذ انتهاء الحرب الأهلية الصينية عام 1949.
وفي السنوات الأخيرة حاذرت واشنطن إبرام صفقات سلاح كبيرة مع تايوان خشية إثارة غضب الصين، لكن الرئيس دونالد ترامب الذي انخرط في حرب تجارية واسعة النطاق مع الصين، أبدى استعداداً أكبر لتعزيز العلاقات مع تايوان وبيعها أنظمة تسلح متطورة، وهذه الصفقة تعد أكبر صفقة عسكرية أميركية مع هذه الجزيرة الآسيوية منذ تولي ترامب منصب الرئاسة.
وفي تطور آخر، قالت بكين إنها ستفرض عقوبات على شركات أميركية أبرمت صفقات أسلحة مع تايوان، واعتبرت وزارة الخارجية الصينية، في بيان نشرته، أن بيع الأسلحة الأميركية لتايوان يضر بسيادة بلادها وأمنها الوطني. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية غينغ شوانغ إن “الصين تحض الولايات المتحدة على أن تلغي فورا مشروع بيع الاسلحة هذا الى تايوان وأن توقف اي رابط عسكري بين تايوان والولايات المتحدة”.
وأضاف “من المناسب تجنب الحاق ضرر إضافي بالعلاقات الصينية - الاميركية والسلام والاستقرار في مضيق تايوان”. وتابع أن “صفقة بيع الأسلحة الأميركية لتايوان تشكل خرقاً صارخاً لمبدأ الصين الواحدة، وتدخلاً فاضحاً في شؤوننا الداخلية يقوض سيادة الصين ومصالحها الأمنية”. [أنظر: بكين تحض واشنطن على إلغاء صفقة بيع أسلحة لتايوان].
إن التسليح الأميركي لجزيرة تايوان سيعزز من الشراكة الصينية - الإيرانية لا سيما التعاون الدفاعي بينهما. فمن المؤكد أن الصين أيضاً سترد على تسليح تايوان بأسلحة أميركية عبر زيادة وتيرة التسليح لإيران ورفع معدل مساعداتها العسكرية والتكنولوجية لإيران. وهذا بالطبع ليس في مصلحة دول الخليج العربي. ولذلك، في هذه الحالة تصبح القضية التايوانية محدد للعلاقات الدفاعية الصينية - الإيرانية.
نستخلص من هذا العرض، أن محددات العلاقات الصينية - الإيرانية هي:
1 - المحدد الاقتصادي، النفط والتجارية البينية: الحاجة الصينية المتزايدة والملحة للطاقة (النفط والغاز ومشتقاتها)، والتبادل التجاري بين البلدين، ومبادرة "حزام واحد - طريق واحد" المعروفة بـ "طريق الحرير".
2 - المحدد الجيوسياسي والجيواستراتيجي: العداء المشترك للولايات المتحدة، ورغبة البلدين في إيجاد نوع من التوازن الإستراتيجي مع الولايات المتحدة الأميركية في آسيا الوسطى بما فيها أفغانستان، وفي منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط، ولربما التفوق على أميركا لملء الفراغ.
3 - المحدد الدفاعي والعسكري: مساعدة الصين لإيران ورفع نقصها في المجال العسكري، مما يُمكّن إيران من تطوير وتقوية صناعاتها الدفاعية العسكرية وخاصة المنظومة الصاروخية، ولا سيما في مجال الالكترونيات والتقنيات العسكرية.
4 - قضية تايوان: قد تستخدم كمحدد للعلاقات الدفاعية الإيرانية الصينية، وقد تصبح في وقت ما قيد من قيود هذه العلاقات.
ثـانـيــاً: الـقـيـــود
كانت الآمال الإيرانية معقودة على نجاح الرئيس الإيراني حسن روحاني في بدء المفاوضات حول البرنامج النووي الإيراني ومن ثم التوقيع على "الاتفاق النووي" مع الدول الخمس +1، الذي سيضفي شرعية فعلية على العلاقات الإيرانية الصينية المتطورة. لكن بعد الانسحاب الأميركي الأحادي الجانب من "الاتفاق النووي"، يبدو بأن العقبات الرئيسية أمام النجاح في تطوير الشراكة للتعاون العسكري والدفاعي بين إيران والصين تتمثل في العقوبات التي فرضتها أميركا على إيران مؤخراً. فضلاً عن أن "الإستراتيجية الأميركية الإيرانية" التي تحظر الاستثمارات الضخمة والمشاركة الفعالة في المشاريع العسكرية الكبيرة مع إيران. من بين العوامل الأخرى، "سياسة التنمية السلمية للصين" و "برنامج إيران النووي" و "عقوبات الأمم المتحدة والولايات المتحدة". في مثل هكذا بيئة معقدة، على الرغم من أن إيران تتعرض لضغط كبير، فإن الدول الأخرى التي تتعاون معها ستتأثر وكذلك التعاون العسكري الصيني مع إيران يجعلها عرضة للرقابة الغربية.
وفي هذا الصدد، يمكننا تلخيص قيود العلاقات الدفاعية الصينية - الإيرانية كالتالي:
1 - العامل الأميركي
كلا الطرفين (الصين وإيران) قلقان بشأن بيئة دولية تهيمن عليها الولايات المتحدة. لكن وجهة نظر الصين تجاه الولايات المتحدة أكثر دقة من وجهة نظر إيران التي تعتبر الولايات المتحدة العدو الأول. في الواقع، الصين ليست عدواً للولايات المتحدة بنفس مستوى درجة عداء إيران للولايات المتحدة، لكنها في منافسة مشروعة، وهو تنافس الأقران. بيد أن، كما في الحالات السابقة، فإن اهتمام الصين المتزايد بإيران يحدده عدد من العوامل الخارجية وقد قمنا باستعراضهم في المحددات.
في الواقع، كثيراً ما توصف سياسة الصين تجاه إيران بأنها غامضة، في دعم واشنطن من ناحية، مع حماية طهران من ناحية أخرى. [ظهر مقال تحليلي قوي وهام جداً حول هذا الرأي في دورية أميركية بارزة Washington Quarterly، بعنوان: "Is China Playing a Dual Game in Iran?"، (هل الصين تلعب لعبة مزدوجة في إيران؟) رابط دورية واشنطن كوارترلي يتطلب اشتراك مدفوع، وهذا رابط مجاني يتضمن المقال التحليلي: اضغط هــــنـــــا]. وهذا يعني أن الصين تدرك أن مصالحها تكمن في علاقات لائقة مع واشنطن.
تعتمد سياسة بكين تجاه طهران على حالة علاقاتها مع واشنطن. في الواقع، في تحليل أدق يمكننا القول بأن الصين تستخدم إيران كورقة مساومة مع الولايات المتحدة، من بين أمور أخرى، قضيتين أمنيتين رئيسيتين، مثل "قضية تايوان" و "إمدادات النفط". يمكن القول، بأن ضمان إمدادات النفط المضمونة من الشرق الأوسط إلى الصين، بالإضافة إلى سياسة الولايات المتحدة الشاملة فيما يتعلق بالمصالح الأمنية الصينية في تايوان، وكذلك استخدام العقوبات الذكية ضد طهران والتي سوف تأخذ في الاعتبار إلى حد ما المصالح الاقتصادية لبكين في إيران، هي في الواقع ضمان دعم من بكين للسياسة الأميركية تجاه إيران. تجدر الإشارة أن خلال عامي 2008 و 2009 استفادت الصين من وضع العقوبات التي فرضت على إيران، ووقعت عدة عقود بمليارات الدولارات مع إيران في مجال صناعة النفط. على الرغم من أن الصين لها تاريخ طويل في توقيع العقود دون تنفيذها بعد ذلك، بالرغم من أن في الواقع إيران هي واحدة من أهم موردي النفط لبكين، لكن المملكة العربية السعودية هي المورد الأهم والأكبر للنفط.
إن ضمان إمدادات النفط المضمونة من الشرق الأوسط، بالإضافة إلى سياسة الولايات المتحدة الشاملة فيما يتعلق بالمصالح الأمنية الصينية في تايوان، وكذلك استخدام العقوبات الذكية ضد طهران، والتي سوف تأخذ في الاعتبار، إلى حدٍ ما، المصالح الاقتصادية لبكين في إيران، هي في الواقع ضمان دعم من بكين للسياسة الأميركية تجاه إيران. [للمزيد حول هذه العلاقة المعقدة، أنظر: China and the Iranian Nuclear Crisis: Between Ambiguities and Interests].
تبعاً لذلك، كلما توترت العلاقات بين الصين والولايات المتحدة، كانت العلاقات بين الصين وإيران أفضل، والعكس صحيح. بتعبير أدق، يبدو أن إيران وسيلة تستخدمها الصين في مواجهة الولايات المتحدة من أجل تعزيز مصالحها الخاصة عالمياً. في هذا الصدد، وفقاً للعلاقات الدولية يمكن تفسير التفاعلات الصينية والأميركية من خلال سياق بنية نيوليبرالية للتعاون المتضارب. "هدف الصين على المدى القريب هو القيام بمزيد من التعاون مع إيران دون مواجهة خطر التعرض للعقاب بسبب انتهاكها العقوبات الاقتصادية الأميركية". [أنظر: Iran and Asia 1: China Is The Quiet Giant]. ومع ذلك، فإن محاولات بكين لاسترضاء واشنطن، والحفاظ على قدرة الشركات الصينية على العمل في السوق الأميركية، تثير غضب طهران بشكل دوري. على سبيل المثال، أنهت طهران عقد مؤسسة البترول الوطنية الصينية (CNPC) لحقل آزادكان النفطي في أبريل 2014، وعللت بأن السبب عدم امتثال مؤسسة البترول الوطنية الصينية CNPC لشروط الصفقة. [أنظر: Iran Tears Up Azadegan Contract With China].
تستفيد الصين أيضاً من العلاقات الإيرانية الأميركية المتوترة لأنها تعزز النفوذ الدبلوماسي والاقتصادي لبكين مع الجانبين. في الواقع، المصالح الاستراتيجية الأميركية والصينية في إيران كثيراً ما ينظر إليها على أنها لعبة محصلتها صفر.
من المألوف أن تقرأ آراء لخبراء صينيين يعبرون عن رأيهم بأنهم يودون رؤية استمرار الولايات المتحدة بالسقوط في مستنقع الشرق الأوسط؛ لكي تصبح غير قادرة على تحويل المزيد من الاهتمام للتعامل مع الصين ومنطقة آسيا والمحيط الهادئ. ولذا، إذا وضع صناع السياسة في الولايات المتحدة أولوية قصوى على قضية تتعلق بإيران مثل برنامجها النووي وفرض عقوبات اقتصادية عليها، فإن بكين ستحاول اتباع سياسات تبدو أنها تلبي مخاوف الولايات المتحدة، على الرغم من أنه في كثير من الأحيان تكون بدون ضجة اعلامية كبيرة لكي تتجنب بأنها تبدو وقعت في شراك التهديدات الأميركية. إذا كان صانعو السياسة الأميركيون سيواجهون بكين بخيار صارم بأن تكون "معنا أو ضدنا" في البرنامج النووي الإيراني، فمن المرجح أن تقف بكين إلى جانب واشنطن ضد طهران. [أنظر: The View from Beijing of Iran].
بكين لم تواجه مثل هذا الاختيار الصارخ والصعب منذ بدء مفاوضات الصفقة النووية، إلا أن حالياً، من بعد الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي في مايو 2018، ثم فرض العقوبات الاقتصادية الأميركية على إيران في مايو 2019، يبدو أنها حرفياً وقعت في مثل هذا الاختيار الصارخ. ومن المرجح أن بكين في نهاية المطاف ستختار استرضاء واشنطن والحفاظ على قدرة الشركات الصينية على العمل في السوق الأميركية، لاسيما أنها حالياً تخوض حرب تجارية مع أميركا وهي في غنى عن فتح جبهة أخرى من النزاع مع أميركا.
2 - سياسة التنمية السلمية للصين
تريد الصين أن يُنظر إليها بأنها عاملاً فاعلاً رئيسياً في "النظام العالمي الحالي"، وأن تكون قادرة على الوثوق بمسؤولياتها الدولية. لقد ناقش الباحثون منذ فترة طويلة التساؤل حول ما إذا كانت الصين تمثل دولة "الحاضر أو الوقت الراهن Status quo" أو "دولة التعديلية Revisionist State". من وجهة النظر الصينية، فإن السؤال الرئيسي بالنسبة لدولة صاعدة هو كيفية تعامل علاقتها مع المؤسسات والأنظمة العالمية الحالية. كما قال الكاتب الصيني "تشنغ وانغ" بشكل صحيح، إن النسخة الجديدة من "سياسة التنمية السلمية الصينية" في "عصر الرئيس الصيني شي جين بينغ" هي "الدبلوماسية البديلة". بدلاً من تحدي المؤسسات الدولية الحالية، يحاول الصينيون إنشاء منصات جديدة تستطيع بكين التحكم فيها. من خلال هذه المبادرات الجديدة، تهدف بكين إلى تهيئة بيئة دولية جديدة أكثر مواتاة للصين، وتحد من الضغوط الاستراتيجية عليها من قبل الولايات المتحدة، وتريد بكين أن تتخذ تدريجياً خطوات تقدمية إلى الأمام في هذه المساعي، ولكن ليست خطوات استفزازية. [أنظر المقال التحليلي للكاتب الصيني تشنغ وانغ، "China's Alternative Diplomacy" (دبلوماسية الصين البديلة)]
كل هذا يفسر الأسباب التي دفعت الصين إلى أن تبدو وكأنها بين البين، فهي مع إيران وفي نفس الوقت ليست مع إيران، ومع واشنطن حول قراراتها بخصوص إيران مثل البرنامج النووي وفي نفس الوقت ليست مع واشنطن، ولذلك رأينا: انخراط بكين في المفاوضات النووية مع الدول الخمس + 1، ثم في بعض الأحيان دعمت العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة أو الولايات المتحدة على إيران وفي أحيان أخرى كانت ضد فرض العقوبات. ولذلك، يرى بعض المراقبين السياسيين الإيرانيين بأن توقع المزيد من الالتزام الصيني في علاقاتها مع إيران أمر غير واقعي. في الواقع، تتبع الصين إلى حدٍ ما "مبدأ عدم المواجهة واللا تحالف". [انظر: المؤتمر الصحفي الدوري لوزارة الدفاع الصينية في 27 نوفمبر 2014].
3 - معضلة البرنامج النووي الإيراني
منذ بداية الأزمة النووية الإيرانية في عام 2003، كانت الولايات المتحدة، كقوة عظمى، ترغب دائماً في تبني جبهة موحدة - تجمع تحت قيادتها أقوى خمس دول - في مواجهة ما، نظراً لأن نظام طهران يُشكّل تهديد للأمن الجماعي الدولي وتهديد لمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية. وفي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، كان لدى الصين الخيار إما التعاون الثنائي مع إيران أو دعم معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية وفي الوقت نفسه الحفاظ على العلاقات مع إيران. وذهبت الصين إلى الخيار الثاني. [أنظر: Iran’s Nuclear Ambitions Test China’s Wisdom، طموحات إيران النووية تختبر حكمة الصين]. والصينيون اعتقدوا أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية هي السلطة الوحيدة للتحقيق في الأمر، وإن تدخل مجلس الأمن لمجرد المساعدة في حل المسألة بعدم تحمل مسؤولية الملف. [أنظر: Key Issues in China-Iran Relations، القضايا الرئيسية في العلاقات بين الصين وإيران]. وكرر المسؤولون الصينيون باستمرار التسوية السلمية للأزمة النووية لكنهم على المدى الطويل أيدوا إحالة الملف النووي الإيراني إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
على الرغم من كل هذا، صوتت الصين لصالح إقرار قرار الأمم المتحدة في 31 يونيو 2006، حيث مُنحت إيران مهلة 30 يوماً لتعليق الأنشطة المتعلقة بالتخصيب النووي. وعلق المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية على قرار الصين بأنهم يأملون في أن يتماشى القرار مع المحاولات الدبلوماسية في القضية النووية الإيرانية. [أنظر: تقرير دائرة أبحاث الكونغرس: The Iran Sanctions Act].
لذلك، ومن خلال منح بكين ضمانات بشأن العديد من القضايا بين عامي 2005 و 2010، نجحت الولايات المتحدة في كسب تعاون الصين في الأزمة النووية الإيرانية. ومنذ ذلك الحين، أيدت الصين عدداً من قرارات الأمم المتحدة التي حثت "إيران على وقف أنشطة تخصيب اليورانيوم". وصوتت لصالح أربعة قرارات من الأمم المتحدة بفرض عقوبات على إيران، لكن رفضت اتخاذ المزيد من الإجراءات العقابية اللاحقة التي طلبها الغرب. بناءً على ذلك، يمكن للمرء أن يعتبر الصين كشريك للولايات المتحدة. ومع ذلك، أبدت الصين تحفظاً في تنفيذ القرارات. استندت الدبلوماسية الصينية فيما يتعلق بالقرارات إلى ما يلي: تقليص الآثار السلبية على أنشطة إيران، واعتبارها غير ملزمة للصين، والأهم من ذلك أن القرارات يجب ألا تعطل إنتاج إيران وتصدير الطاقة أو الاستثمار الصيني في ذلك قطاع. بينما بسبب العقوبات، امتنعت شركات أوروبية وشرق أسيوية عن ممارسة أي تجارة مع إيران، إلا أن الشركات الصينية لم تفوت الفرص في إيران واستمرت في تعاملاتها.
وهكذا، حتى عام 2010 أصبحت الصين بالفعل المستثمر الأجنبي الرئيسي في قطاع النفط الإيراني. حاولت الصين مساعدة المفاوضات النووية في فيينا في عام 2015 وتقريب وجهات النظر لمختلف الأطراف. لكن الرأي العام في إيران ينتقد موقف الصين من الملف النووي مقارنة بدور الصين في الأزمة السورية، حيث أن سجل التصويت الصيني لقرارت الأمم المتحدة المتعلقة بالأزمة السورية جميعها تصب في مصلحة إيران. ومع ذلك، بالمقارنة مع المفاوضين الغربيين، فإن الإيرانيون يعتقدون أن الصين كان لها دور بناء أكبر. وتأمل إيران أن يواصل البلدان تعاونهما خاصة في مجال التكنولوجيا النووية في فترة ما بعد الاتفاق.
على الرغم من حرص كل من إيران والصين على الحفاظ على علاقاتهما الثنائية الودية وتطويرها بعمق وعلى نطاق واسع، إلا أن الأزمة النووية الإيرانية لها تأثير سلبي على التفاعلات العسكرية الصينية الإيرانية. بكين دافعت باستمرار عن حق إيران في الاستخدام السلمي للتكنولوجيا النووية؛ وهي بانتظام تركز على أن الحل الدبلوماسي سيتطلب من الغرب الاعتراف بحق إيران النووي بموجب ضمانات معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية في تخصيب اليورانيوم. ومع ذلك، بالنسبة للدبلوماسية الدولية الشاملة للصين، لا تلعب إيران سوى دور ضئيل. في الوقت نفسه، فإن رسالة الصين الضمنية إلى الغرب هي أنه إذا أرادوا حل ناجح للقضية النووية الإيرانية، فسوف يحتاجون إلى تعاون الصين. لذلك، تستخدم الصين علاقاتها مع إيران كورقة مساومة ضمنية لتعزيز مصالح أمنها القومي.
4 - نظام العقوبــات
منذ عام 1979، فرضت العديد من الحكومات والكيانات متعددة الجنسيات حظراً على توريد الأسلحة لإيران، وحتى العقوبات على توريد التكنولوجيا العسكرية لإيران. على سبيل المثال، "نظام التحكم في تكنولوجيا الصواريخ" (MTCR) الذي تم تأسيسه في عام 1987 كان يهدف إلى منع انتشار تكنولوجيا الصواريخ. نظرت كل من الصين وإيران والقوى الناشئة الأخرى إلى هذا النظام (MTCR) بأنه مصمم من قبل الغرب لمنع خصوم الولايات المتحدة من بناء دفاعات جوية ضد حملات القصف التي تشنها القوات الجوية المتقدمة للغاية. [أنظر: https://fas.org]
ومن ناحية أخرى، في أكتوبر 1992 أقر الكونغرس الأميركي قانون منع انتشار الأسلحة الإيرانية العراقية، الذي ينص على أن "الولايات المتحدة ستعمل على وجه السرعة وبشكل عاجل ..... وتسعى إلى الحصول على موافقة الدول الأخرى أيضاً على معارضة أي نقل إلى إيران أو العراق لأي سلع أو تكنولوجيا، بما في ذلك السلع أو التكنولوجيا ذات الاستخدام المزدوج ... التي يمكن أن تسهم مادياً في إما الحصول على أسلحة كيميائية أو بيولوجية أو نووية أو الأسلحة المزعزعة للاستقرار، وأنواع الأسلحة التقليدية المتقدمة .... فالأمم والأشخاص الذين ينقلون هذه السلع أو التكنولوجيا يخضعون للعقوبات". [أنظر: H.R.5434 - قانون عدم انتشار الأسلحة في إيران والعراق لعام 1992، الكونغرس].
وفي مارس 2007، تبنى مجلس الأمن الدولي بالإجماع القرار رقم (1747) الذي فرض، من جملة أمور، حظراً على إيران في مجال تصدير جميع الأسلحة والمواد ذات الصلة، وبالتالي منع جميع الدول والجماعات من شراء أو تلقي الأسلحة من إيران. كما دعا القرار جميع الدول إلى "توخي اليقظة وضبط النفس" في تزويد إيران بأي مواد مشمولة في سجل الأمم المتحدة للأسلحة التقليدية. وفي 9 يونيو 2010، فرض قرار مجلس الأمن رقم (1929) يتعلق بالمزيد من القيود على صادرات الأسلحة إلى إيران، والقرار لم يتم تبنيه بالإجماع. يحظر قرار مجلس الأمن رقم (1929)، من جملة أمور، تمنع الدول من تزويد إيران بشكل مباشر أو غير مباشر أو بالمساعدة وإمدادها بالأسلحة التقليدية الرئيسية على النحو المحدد في سجل الأمم المتحدة للأسلحة التقليدية: دبابات المعركة والمركبات المدرعة القتالية والمدفعية العيار الكبيرة والطائرات المقاتلة والمروحيات الهجومية والسفن الحربية وبعض الصواريخ وقاذفات الصواريخ. ويحظر القرار أيضاً توفير قطع الغيار ذات الصلة، إلى جانب "التدريب الفني أو المشورة أو الخدمات أو المساعدة المتعلقة بتوفير أو تصنيع أو صيانة أو استخدام" البنود المدرجة. [للاطلاع على مناقشة جيدة في هذا الصدد، أنظر: "UN arms embargo on Iran")].
خلافاً لمعظم قرارات حظر الأسلحة التي فرضها مجلس الأمن للأمم المتحدة على إيران، فإن القرار المتعلق بحظر السلاح رقم (1929) لا يشمل بعض الأسلحة، بما في ذلك أنظمة صواريخ أرض - جو (SAM) الأكبر حجماً، والأسلحة الصغيرة والأسلحة الخفيفة وغيرها من المعدات التي خصيصاً للاستخدام العسكري والحربي. [أنظر المصدر السابق: "UN arms embargo on Iran"، القرار رقم 1929، الفقرة 8].
بيد أن، وفقاً للقرار، فإن الدول مدعوة إلى ممارسة ضبط النفس في توريد الأسلحة والمواد ذات الصلة التي لا يشملها الحظر المفروض على إيران. على الرغم من أن بكين تعتبر العقوبات الشاملة على الدول لها نتائج عكسية في السياسة الدولية، إلا أن الروس والصينيين إلى جانب عشرة أعضاء آخرين في مجلس الأمن للأمم المتحدة صوتوا لإخضاع إيران، للمرة الأولى، بفرض حظر على الحصول والحفاظ على معظم عصب الورادات التي تقوي إيران عسكرياً. في جوهرها، فإن أحد الجوانب الأكثر أهمية في الجولة الأخيرة من العقوبات التي فرضها مجلس الأمن الدولي على إيران قد حظى باهتمام أقل، وهو الحظر المفروض على شحنات توريد الأسلحة الرئيسية.
من ناحية أخرى، ردت الولايات المتحدة بشدة على الاتفاقيات الإيرانية الصينية في المجال العسكري. على سبيل المثال، في عام 2002، عاقبت الولايات المتحدة خمس شركات صينية بسبب تزويدها بتكنولوجيا الصواريخ لإيران. [أنظر: "China and Iran: Ancient Partners in a Post-Imperial World"]
وتحت الضغط الأميركي، توقف التعاون الثنائي (الصيني - الإيراني) في عام 1999. ومع ذلك، لم يتم فرض عقوبات على بعض الشركات الصينية. إلا أن في أوائل عام 2005، فرضت واشنطن عقوبات على سبع شركات صينية من بينهم شركة مقرها في تايوان وأخرى مقرها في كوريا الشمالية، وذلك بسبب قيام هذه الشركات ببيع تكنولوجيا الأسلحة النووية إلى إيران. وهذه الشركات:
- مجموعة شركة شمال الصين الصناعية،
- شركة سور الصين العظيم للصناعة،
- بكين أليت تكنولوجيز،
- شركة الصين لاستيراد وتصدير التكنولوجيا الجوية،
- شركة كيوسي تشن،
- شركة وي تشونغ تاي،
- شركة Zibo Chemet للمعدات،
- شركة Ecoma Enterprise (مقرها تايوان)،
- وشركة بيكسان أسوشيتد (مقرها كوريا الشمالية).
اثنين من أكبر الشركات الصينية تمت معاقبتهما مراراً وتكراراً من قبل الولايات المتحدة، وهما: مجموعة شركة شمال الصين الصناعية China North Industry Corporation - Norinco، وشركة سور الصين العظيم للصناعة China Great Wall Industry، لمخالفتهما ضوابط التصدير المختلفة. كلاهما تربطهما علاقات وثيقة مع جيش التحرير الشعبي الصيني. وتمت معاقبة الشركات بموجب قانون حظر انتشار الأسلحة النووية الإيراني لعام 2000، الذي وقعه الرئيس بيل كلينتون آنذاك. ونفت إيران الاتهامات الأميركية بأنها تسعى لتطوير أسلحة نووية، وأصرت على أن خططها النووية مخصصة لأغراض الطاقة السلمية. [أنظر: "Chinese firms punished over Iran"].
وفي أوائل عام 2012، فرضت واشنطن عقوبات على ثلاث شركات صينية بسبب توريدها خواص ومواد تستخدم في إنتاج أسلحة الدمار الشامل. [أنظر: تقرير صادر عن مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية - CSIS بعنوان: "U.S. pressure to disrupt Iranian Strategic Competition: The Impact of China and Russia"].
وفي الجولة الأخيرة من المفاوضات حول عقوبات مجلس الأمن الدولي لقرار رقم (1929)، وافقت الصين وروسيا على وقف كامل عن تزويد هذه الأسلحة لإيران - بما في ذلك قطع الغيار والتدريب التقني.
ومع ذلك، طهران لا تزال حتى يومنا هذا تعتمد على بكين إلى حدٍ كبير للتصنيع العسكري، والحفاظ على جوهر القدرات المتقدمة والمتطورة للترسانة العسكرية الإيرانية. لقد لعبت الصين دوراً حاسماً وبشكل كبير في تزويد إيران بالمكونات التي تدخل في صناعة الصواريخ، وكذلك توطين تقنيات وقطع غيار تدخل في الصناعة العسكرية الإيرانية، وقدمت لها تقنية "المعرفة" Know-how العسكرية، وساعدت بشكل كبير في التحديث العسكري الإيراني. [لمزيد من المعلومات حول هذه النقطة، أنظر: "Navigating The Gulf: China's Balancing Strategy" (الإبحار في الخليج: استرايتجية موازنة الصين)].
الـــفـــــصـــــــــل الــــثـــالــــــــث
الدور الرئيسي للصين في تحديث وتطوير برنامج التسليح الإيراني
وأبعاد علاقاتهما الدفاعية
لفهم التعاون العسكري بين إيران والصين، ودور الأخيرة في تحديث وتطوير الصناعات الدفاعية الإيرانية، نحتاج للرجوع إلى التاريخ للنظر فيه ومراجعة اتجاهات الصعود والهبوط في العلاقات العسكرية الثنائية بين طهران وبكين. وعندها نكتشف بأن العلاقات الدفاعية الإيرانية الصينية قد مرت على 3 مراحل؛ المرحلة الأولى من منتصف الثمانينيات إلى نهاية التسعينيات من القرن الماضي، المرحلة الثانية من بداية الألفية إلى عام 2012، والمرحلة الثالثة من عام 2013 إلى عامي 2018 - 2019.
1 - المرحلة الأولى 1985 إلى 1999: التأسيس والتمكين
زيارة علي خامنئي للصين في عام 1989
تاريخياً كانت الصين مورداً هاماً لتزويد إيران بالأسلحة. خلال الحرب الإيرانية - العراقية في الثمانينيات، كانت الصين واحدة من الدول التي زودت إيران بالأسلحة وبدعم ملموس. في الواقع، الدعم الصيني خلال تلك الحرب دفع بطهران إلى زيادة الاستثمار في العلاقات الدفاعية مع بكين. وفي هذا الصدد، زودت الصين إيران بصواريخ سيلك وورم HY-2 المضادة للسفن الحربية، والتي بواسطتها كانت إيران تهاجم السفن العراقية وسفن ناقلات النفط في الخليج العربي إبان "حرب الناقلات". في تلك الفترة، ومع النهضة الاقتصادية الحديثة للصين، عمقت جمهورية الصين الشعبية علاقاتها مع إيران من خلال استمرار مبيعات الأسلحة والمشاركة الدبلوماسية وتوسيع وجودها في منطقة الشرق الأوسط ككل.
لكن هذه العلاقة الودية ظاهرياً كانت تخفي من ورائها مستوى من عدم الثقة وعلى وجه التحديد من قبل الجانب الإيراني. لطالما اعتبرت طهران بأن الصين تلعب لعبة مزدوجة (حتى في الشؤون الدفاعية) تجاهها. على سبيل المثال، على الرغم من أن بكين زودت طهران بالأسلحة التي كانت في أمسّ الحاجة إليها أثناء حربها مع العراق (1980-1988)، فقد زودت بغداد أيضاً بكمية من الأسلحة خلال نفس الفترة. [أنظر: China and Iran: Destined to Clash?]. كما باعت في أواسط الثمانينيات سراً صواريخ رياح الشرق للمملكة العربية السعودية، ثم في عام 2007 مرة أخرى باعت للسعودية صواريخ باليستية متطورة. ولذلك، كانت طهران في حالة شك وريبة تجاه بكين، وإن كانت تحاول عدم إظهار ذلك حتى لا تتوتر علاقتها مع الصين نظراً لحاجاتها الماسة لمورد هام للأسلحة وداعم رئيسي لتحديث وتطوير برنامجها التسليحي.
في يوليو عام 1985 زار أكبر هاشمي رفسنجاني، رئيس مجلس النواب الإيراني - آنذاك - بكين، وفي هذه الزيارة وقعت حكومتا الصين وإيران اتفاقاً سرياً للتعاون النووي. وفتحت حقبة جديدة من التعاون العسكري في علاقاتهما. يروي رفسنجاني في مذكراته أن الموضوع الرئيسي لمناقشاته مع المسؤولين الصينيين كان شراء الأسلحة، ويقول الآتي:
"التقينا بالقائد الصيني "دينغ شياو بينغ"، وتفاوضنا لمدة ساعة. لم يقدم وعداً واضحاً عن بيع الأسلحة لإيران، لكنه أبدى اهتماماً بالعلاقات الاقتصادية نظراً لحاجتهم للعملة الأجنبية. ثم في وقت لاحق، السيد رئيس الوزراء الصيني، تشاو زييانغ، جاء إلى مقر إقامتي لحضور الاجتماع الأخير والوداع. في البداية، كان اجتماعاً رسمياً، لكن بناءً على طلبي عقدنا اجتماع خاص، تحدثنا عن تزويد إيران بالصواريخ وأعطى موافقته ووافق على التسليم الفوري نظراً للضرورة الملحة من جانبنا. الصينيون كانوا يصرون على أن تبقي مبيعات الأسلحة لإيران سرية". [أنظر: "امید و دلواپسی" (کارنامه و خاطرات هاشمی رفسنجانی سال ۱۳۶۴)، كتاب مذكرات رفسنجاني، 1986، صفحة 161)].
ازداد التعاون بين البلدين بشكل متواصل حتى عام 1997، عندما أدت الضغوط الأميركية حول أزمة مضيق تايوان في العام الذي سبق إلى دفع الصين لتعليق مساعداتها لطهران في المجالين: البرنامج النووي وبرنامج تطوير الصواريخ. بيد أن، بحلول ذلك الوقت، كانت السنوات الطويلة المتتالية (1985 - 1997) من الدعم العسكري والتقني الصيني، قد ساعدت إيران على إنشاء قاعدة صناعية محلية لبناء وإنتاج الصواريخ التي تشكّل اليوم ركيزة أساسية في استراتيجيتها الدفاعية. وساعدت الصين جهود إيران في تطوير وتحديث أجهزتها العسكرية وعقيدتها من خلال نقل التكنولوجيا العسكرية، ومبيعات الأسلحة وأنظمة الصواريخ الباليستية التكتيكية، وأنظمة "منع الولوج"، وصواريخ كروز المضادة للسفن، ناهيك عن المساعدة الصينية الكبيرة في برامج الهندسة العكسية لاستنساخ الأسلحة الصينية المصّنعة داخل إيران محلياً. [الكاتب جون غارفر John Garver يتحدث بشيء من التفصيل والاسهاب عن التعاون الصيني الإيراني في البرنامج النووي وبرامج التسليح الإيرانية، أنظر كتاب: "China and Iran: Ancient Partners in a Post-Imperial World"، (الصين وإيران: الشركاء القدامى في عالم ما بعد الإمبراطورية) ، الكتاب جداً مهم، يُعطي القارئ شرح مفصل عن كيفية بدء البرنامج النووي الإيراني وكيف أن الصين كان لها دور كبير في مساعدة البرنامج النووي الإيراني بالإضافة إلى تطوير وتحديث القدرة العسكرية الإيرانية].
أولى صاردات الصين العسكرية وصلت إلى إيران في منتصف الثمانينيات. وفي عام 1987، استلمت إيران صواريخ كروز مضادة للسفن "سيلك وورم HY-2" من الصين عبر كوريا الشمالية، واستخدمتها لمهاجمة وضرب ناقلة نفط كويتية ترفع العلم الأميركي إبان مرحلة "حرب الناقلات" خلال الحرب الإيرانية العراقية. [أنظر: Iran: Missile Development].
مع نهاية الحرب الإيرانية - العراقية 1988، وبعد هزيمة العراق في "عملية عاصفة الصحراء عام 1991"، تغيّرت المتطلبات الدفاعية الإيرانية، وبالتالي تغيّر جوهر التعاون العسكري الصيني - الإيراني. اختار القادة الإيرانيون التركيز على تطوير وتنمية مفتاح التقدم، التكنولوجيات المتقدمة، لاسيما الصواريخ المتطورة والمجالات الكيمائية والنووية المتقدمة. وهكذا سعت طهران تحو تطوير القدرة الإنتاجية الذاتية لهذه التقنيات الرئيسية. مرة أخرى، ساعدت الصين إيران على تحقيق أهدافها. واحتلت الصين المرتبة الثانية كمورد عسكري لإيران خلال فترة ما بعد عام 1988. [انظر كتاب: "China and Iran: Ancient Partners in a Post-Imperial World"، (الصين وإيران: الشركاء القدامى في عالم ما بعد الإمبراطورية)، صفحة 170 - 171].
وهكذا، في عام 1989، أي بعد عقد من الثورة الإيرانية ونهاية الحرب، وقع حدثان مهمان في وقت واحد تقريباً أدخلت الصين وإيران على التوالي حقبة جديدة. في 3 يونيو 1989، توفي الخميني وفي اليوم التالي 4 يونيو 1989 وقعت حادثة تيانانمين، بعدها فرضت الولايات المتحدة عقوبات على الصين، وهو ما أدى إلى تقارب إيراني صيني مرة أخرى. في أعقاب حادثة "ساحة تيانانمين Tiananmen"، كان التعاون الوثيق بين الصين وإيران يهدف بشكل أساسي إلى مناكفة الولايات المتحدة، وأنه وسيلة غير مباشرة لإبلاغ واشنطن بأن بكين وطهران تصطفان معاً وتقفان في خندق واحد. وكانت النتيجة تقارب في العلاقات الدفاعية الإيرانية الصينية. وهناك حدث آخر ، حيث زار علي خامنئي - المرشد وولي الفقيه في إيران - بكين في عام 1989.
بعد المناقشات الأولية بين الجانبين (الصيني والإيراني) خلال زيارة خامنئي لبكين في عام 1989، سافر الجنرال "جيانغ هوا" نائب مدير اللجنة الحكومية للعلوم والتكنولوجيا والصناعة للدفاع الوطني الصيني (COSTIND)، إلى طهران في يناير 1990 للتوقيع، مع وزير الدفاع الإيراني الفريق علي أكبر توركان، على اتفاق مدته عشر سنوات لتبادل التكنولوجيا العسكرية. كان التعاون الصاروخي محوراً رئيسياً للاتفاقية.
ثم في أكتوبر من نفس العام، قاد توركان "وفد عسكري إيراني كبير" إلى الصين. كانت هذه هي الزيارة الأولى التي يقوم بها وزير الدفاع لأي من الجانبين منذ تأسيس العلاقات الصينية الإيرانية في عام 1971 (قبل سقوط نظام الشاه). في بكين التقى توركان بشكل منفصل بوزير الدفاع لجمهورية الصين الشعبية "تشين جيوي"، ورئيس الأركان (وزير الدفاع الصيني لاحقاً) تشي هاو تيان، ونائب رئيس الأركان العامة "خه تشى تشونغ"، والوزير المسؤول عن اللجنة الحكومية للعلوم والتكنولوجيا والصناعة للدفاع الوطني (COSTIND) "دينغ هينغاو". [ملاحظة: أضفت اللون الأحمر للجنة الحكومية للعلوم والتكنولوجيا والصناعة للدفاع الوطني الصيني (COSTIND) نظراً لخطورة الدور الذي لعبته هذه اللجنة في تطوير الصناعات الدفاعية الإيرانية وبالخصوص في مجال الصواريخ الباليستية وصواريخ الكروز المضادة للسفن، لمعرفة المزيد راجع كتاب: "China and Iran: Ancient Partners in a Post-Imperial World"، (الصين وإيران: الشركاء القدامى في عالم ما بعد الإمبراطورية)، صفحة 183].
وبعد اجتماع دام أربعين دقيقة بين توركان والرئيس الصيني - آنذاك - "يانغ شانغ كون". قال الرئيس الصيني لتوركان، بأنه "ينبغي على الجانبين العمل من أجل علاقة أوثق في مختلف المجالات". ونقل توركان إلى يانغ رسالة من الرئيس رفسنجاني وأخبر يانغ بأن قادة إيران يعلقون أهمية كبرى على العلاقات الصينية الإيرانية.
في مارس من العام التالي (1991)، رد دينغ هينغاو - الوزير المسؤول عن اللجنة الحكومية للعلوم والتكنولوجيا والصناعة للدفاع الوطني (COSTIND) - على زيارة توركان. وأثناء زيارة توركان لبكين، أكدت تقارير في وسائل الاعلام العربية، بأن "إيران في نقاش مع الصين لإنتاج الصواريخ"، حيث نشرت صحيفة "الاتحاد" الإماراتية تقرير في 18 سبتمبر 1989 عن أن إيران والصين تناقشان الإنتاج المشترك للصواريخ الباليستية من نوع M-9 ونوع M-11.
في أواخر الثمانينيات، باعت الصين لإيران أنظمة الصواريخ المضادة للطائرات من طراز HQ2 أرض - جو (والتي كانت نسخاً من أنظمة SA-75 السوفيتية)؛ ويبلغ المدى الفعلي لنظام HQ2 من 12 إلى 32 كم (7-20 ميل). وتم تعديل النظام HQ2 وأعيد تسميته إلى نظام M7 بهدف التصدير كصاروخ أرض - أرض. وفي عام 1992 بدأت إيران في إنتاج نسخة معدلة من النظام HQ2 / M7 وبكميات يحمل إسم الصاروخ الباليستي قصير المدى توندار 69 (Tondar 69)، ويبلغ مداه الفعلي 150 كم. [ لمعرفة المزيد عن الصاروخ الباليستي قصير المدى "توندار 69". [أنظر: missilethreat.csis.org]. والصاروخ لا يزال في الخدمة منذ عام 1992.
في عام 1990 وقعت الصين اتفاقية مدتها عشر سنوات مع إيران بشأن تبادل التكنولوجيا العسكرية، وكان التعاون الصاروخي محوراً رئيسياً في الاتفاقية. [أنظر: Deadly Arsenals: Nuclear, Biological, and Chemical Threats].
وخلال التسعينات، وافقت الصين على مساعدة إيران في إنشاء خطوط إنتاج في مصنع "أصفهان" لصواريخ M-11 بمدى 280 كم وهو صاروخ رياح الشرق-11 أو دونغ فنغ-11 قصير المدى، ذا وقود صلب وأحادي المرحلة، وبمدى 280 كم، وكذلك صواريخ M-9 وتعرف أيضاً بـ DF-15 أو CSS-6 ولكنها معروفة أكثر باسم التصدير M-9، وهو صاروخ متنقل متطور يعمل بالوقود الصلب على مرحلة واحدة، وبمدى 600 كم. وهذا الصاروخ يشبه في شكله ومظهره نظام Pershing I-A الأميركي. جميع صواريخ M-series تستخدم الوقود الصلب، ووقت الإعداد التشغيلي قصير. ومن المتوقع أن يتم تجهيز الصاروخ M-9 (يعرف أيضاً بـ DF-15) بمجموعة متنوعة من أنواع الرؤوس الحربية، وبحسب الخبراء العسكريين يقولون بأن هذا الصاروخ يمثل الدعامة الأساسية لقوة الصواريخ الصينية دون الاستراتيجية. وقد باعت الصين لباكستان هذين الصاروخين M-11 و M-9 في أواخر الثمانينيات واستلمتهم باكستان في عام 1993، ومن ثم قامت باستنساخهما بإسم حتف-3 وشاهين-1، وبعض المصادر تشير بأن باكستان زودت الصاروخ M-11 برؤوس حربية نووية، [ لمزيد من التفاصيل حول تطوير باكستان للصاروخين، أنظر: https://fas.org].
وقد أفادت التقارير أن إيران وسوريا، في أواخر التسعينيات وبداية الألفية، قد ساهمتا في تطوير نظام صاروخ نوع M-9، فضلاً عن أنهما قاموا بإيداع مبلغ للشراء عندما يكون النظام متاحاً، لكن الصين تراجعت عن أي التزام ببيع أنظمة صواريخ M-9 كاملة إلى الشرق الأوسط، لكنها مضت قدماً في مساعدة إيران في تطوير قدراتها الوطنية لإنتاج صواريخ مماثلة إلى حد كبير للنظام الصاروخي نوع M-9. ومع ذلك، يبدو أن الصين لم تنقل نظام الصاروخ من نوع M-11 كاملة إلى إيران نظراً للضغوط الأميركية. [مصدر سابق، أنظر كتاب: "China and Iran: Ancient Partners in a Post-Imperial World"، (الصين وإيران: الشركاء القدامى في عالم ما بعد الإمبراطورية) صفحة 187].
في يوليو 1991، زار رئيس الوزراء الصيني "لي بنغ" طهران، وخلال زيارته ذهب إلى مدينة أصفهان، وقيل إنه زار عدة مجمعات صناعية عسكرية في اصفهان، حيث كان الخبراء الصينيون يعملون في إنتاج أنواع مختلفة من الصواريخ المستنسخة عن الصواريخ الصينية. [أنظر: "China and Iran, Mismatched Partners"، (الصين وإيران ، شركاء غير متطابقين)].
خلال العامين 1987 و 1988، استوردت إيران من الصين ما يصل إلى 100 صاروخ كروز مضاد للسفن نوع C-801 (تُعرف أيضاً باسم Ying Ji-81 أو Eagle Strike-81) وثمانية قاذفات؛ ويصنف صاروخ C-801 بأنه من الجيل الثاني من صواريخ كروز الصينية، ويُزعم أنه مشتق من نظام صواريخ Exocet الفرنسية، الذي استخدمته الأرجنتين ضد القوات البحرية البريطانية بفعّالية خلال حرب فوكلاند عام 1982. [أنظر: Iran's Long Range Missile Capabilities]. الصاروخ C-801 مضاد للسفن ويعمل بالوقود الصلب ويتراوح مداه 40 كم ويمكن إطلاقه من الغواصات عبر أنابيب الطوربيد وكذلك يمكن إطلاقه من الطائرات.
وبحلول عام 1994، زودت الصين إيران نحو 200 صاروخ كروز مضاد للسفن من نوع C-801 والجيل الجديد نوع C-802، [أنظر: U.S. CONFIRMS CHINA MISSILE SALE TO IRAN - The Washington Post]. وأيضاً ساعدت الصين إيران على القدرة على إنتاج صورايخ محلية الصنع مستنسخة من الصاروخ الصيني C-801 يحمل إسم "توندار". [أنظر: Iran's Long Range Missile Capabilities].
وفي ذلك الوقت كان الصاروخ C-802 الكروز المضاد للسفن من بين خط المجموعة الأكثر تقدماً في الصين، ويبلغ مداه 120 كم. وبحسب ما ورد، وافقت الصين على بيع طهران 150 صاروخ من طراز C-802 ولكن تم تسليم 75 فقط قبل تجميد الصفقة تحت ضغط الولايات المتحدة. [أنظر: China Iran: A Limited Partnership].
وعلى ما يبدو، أن بعد تجميد صفقة بيع الصين لإيران صاروخ C-802 بضغط من واشنطن، قامت إيران بالاتفاق مع الصين لمساعدتها في استنساخ الصاروخ C-802 وإنتاجه محلياً داخل إيران. إذ تشير التقارير بأن الصين في عام 1996 كانت تساعد إيران على الانتاج المحلي لصاروخ كروز جديد مضاد للسفن يحمل إسم "كاروس Karus"، ويُعتقد أنه يستند إلى C-801 /أو C-802. وفي يونيو 1997، أجرت إيران اختبار لصاروخين محلية الصنع مستنسخة من الصاروخ الصيني C-801 الصيني، وفي الاختبار أطلقت الصاروخين من المقاتلة طراز F-4. [أنظر: Iran's Long Range Missile Capabilities].
في الواقع، عندما حاولت إيران مرة أخرى في عام 1996 الحصول على الصاروخ الصيني C-802 المضاد للسفن قامت إدارة بيل كلينتون بممارسة ضغوط هائلة لإجبار الصين على الالتزام بعدم تقديم أو بيع أي صواريخ أخرى من طراز C-802 لطهران. أثارت تقارير بيع الصين صواريخ C-802 لطهران ردود فعل سياسية قوية في واشنطن، ونظرت إدارة كلينتون في فرض عقوبات على الصين لبيعها طهران هذه الصواريخ لإنتهاكها قانون حظر انتشار الأسلحة المفروض على إيران والعراق لعام 1992، وهذا القانون كان يستهدف الدول التي تنقل أسلحة مزعزعة للاستقرار كماً ونوعاً إلى إيران أو العراق.
كما قامت الصين في منتصف التسعينيات، قبل الضغوطات الأميركية وتجميد صفقة صواريخ كروز المضادة للسفن التي أشرنا إليها، بتسليم إيران ولأول مرة زوارق هجومية سريعة من فئة هودونغ Houdong الصينية، وهذه الزوارق تعمل حالياً لدى القوات البحرية للحرس الثوري الإيراني. [أنظر: Iran's Regional Powerhouse]. وتم تصميم الزورق الهجومي السريع فئة Houdong لإطلاق صواريخ كروز المضادة للسفن من طراز C801 و C802، وأيضاً هو معروف في إيران باسم الزورق الهجومي السريع "توندار Thondar". [أنظر: Iran's Asymmetric Naval Warfare].
وأيضاً قدمت الصين لإيران المساعدة والدعم والجهد الكبير في تطوير صاروخ سام المحمول على الكتف، ميثاق-1 وميثاق-2. وكذلك في مجال تصنيع الرادارات. وقامت شركة الصين الوطنية لإستيراد وتصدير الإلكترونيات بشحن مكونات أنظمة الرادار JY-14 إلى إيران، وفي عام 1998، بدأت إيران في بناء العديد من رادارات JY-14 استنساخاً من النسخ الصينية، وتحمل أسماء إيرانية.
في حين أن هذه القائمة من المساعدات الصينية لإيران مثيرة للإعجاب، يجب أن نضع في اعتبارنا أن روسيا بقدراتها المتقدمة في مجال الإلكترونيات والصواريخ، وليس الصين، كانت الشريك العسكري المفضل لإيران خلال فترة ما بعد 1988. ومع ذلك، فإن مساهمات بكين مجتمعة ساعدت إيران على تحقيق تعزيز كبير في قدراتها البحرية المضادة. أدى هذا التحديث العسكري إلى تحسين دفاعات إيران ضد الخصمين الإقليميين لإيران "العراق والسعودية" وكذلك ضد دولة الإمارات العربية المتحدة حيث بينهما الخلاف حول ملكية الجزر الثلاث (أبوموسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى). [أنظر كتاب: "China and Iran: Ancient Partners in a Post-Imperial World"، (الصين وإيران: الشركاء القدامى في عالم ما بعد الإمبراطورية)].
في عام 1998، تغيرت المتطلبات العسكرية الإيرانية، وبالتالي انعكس على التعاون الدفاعي الإيراني الصيني. مع نزع سلاح العراق جزئياً تحت إشراف الأمم المتحدة، انخفضت ميزانيات الدفاع الإيرانية بشكل حاد. اختار قادة إيران التخلي عن زيادات كبيرة في الأسلحة التقليدية، مع التركيز - بدلاً من ذلك - على تطوير التقنيات الرئيسية المتقدمة والمتطورة، وخاصة قدرات الصواريخ. وعندها سعت طهران إلى توطين تقنيات ومكونات لتطوير قدرة إنتاجية مكتفية ذاتياً من هذه التقنيات، وساعدتها الصين على تحقيق أهدافها. [مصدر سابق، أنظر كتاب: "China and Iran: Ancient Partners in a Post-Imperial World"، (الصين وإيران: الشركاء القدامى في عالم ما بعد الإمبراطورية) ، صفحة 170].
وتحت الضغط الأميركي، توقف التعاون الثنائي (الصيني - الإيراني) في عام 1999. ومع ذلك، لم يتم فرض عقوبات على بعض الشركات الصينية. إلا أن في أوائل عام 2012، فرضت واشنطن عقوبات على ثلاث شركات صينية بسبب توريدها خواص ومواد يمكن استخدامها في إنتاج أسلحة الدمار الشامل. [أنظر: تقرير صادر عن مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية - CSIS بعنوان: "U.S. pressure to disrupt Iranian Strategic Competition: The Impact of China and Russia"]. في الجولة الأخيرة من المفاوضات حول عقوبات مجلس الأمن الدولي رقم (1929)، وافقت الصين وروسيا على وقف كامل لتزويد هذه الأسلحة لإيران - بما في ذلك قطع الغيار والتدريب التقني.
وبالرعم من توقف التعاون الثنائي في عام 1999 ظاهرياً، استمرت العلاقات الدفاعية والتعاون العسكري في الخفاء بطرق وأشكال مختلفة ومتعددة خلال العقد التالي. وهذا ما سوف نوضحه في المرحلة الثانية من دور الصين الرئيسي في تطوير وتحديث القدرات الدفاعية الإيرانية.
2 - المرحلة الثانية من 2000 إلى 2012:
ظهور استراتيجية A2/AD الإيرانية
استراتيجية بحرية الحرس الثوري تعتمد على عدد كبير من الزوارق الصغيرة
مع نهاية التسعينيات من القرن الماضي، ودخول الألفية الجديدة (2000م)، بدأت الولايات المتحدة الأميركية تدرك أن ثمة استراتيجية عسكرية جديدة تتبناها طهران، وقد لمست ذلك عبر رصد ومتابعة المناورات البحرية الإيرانية التي كانت تعقد في الفترة ما بين 1997 إلى 2002، تلك المناورات العسكرية الإيرانية التي تحمل إسم "حریم ولایت" (ومعناها بالعربية المنطقة المحرّمة أو الولاية المحرّمة، الدولة المحرّمة). سنوياً تجري هذه المناورة وتحمل نفس الإسم، والمناورة تتفرع منها مناورة بحرية بإسم "حریم دریایی" أي "الإقصاء البحري" أو "منع الولوج البحري". لاحظت أميركا بأن التكتيكات المستخدمة في هذه المناورات البحرية الإيرانية، مثل التكتيكات غير المتماثلة، ونوعية الأسلحة المستخدمة، هي ذات التكتيكات المطبقة في "إستراتيجية المنطقة المحرّمة/منع الولوج A2/AD"، وعندها أيقنت بأن ما يقال عن "تهديدات قدرات المنطقة المحرّمة/منع الولوج A2/AD الإيرانية" هي حقيقية.
لقد ركز التحديث العسكري الإيراني - لحقبة ما بعد عام 1988 - على استراتيجية "الحرب الساحلية". عملية فرس النبي في ابريل 1988 أعطت درساً قاسياً لإيران، ولذلك التحديث العسكري الإيراني ما بعد عام 1988 ركز على البحرية واستراتيجية الحرب الساحلية. طوال تلك الفترة، كانت طهران تشعر بقلق عميق من إمكانية التحرك العسكري الأميركي ضدها، لم يكن خوف طهران من غزو أميركي واسع النطاق ومن ثم احتلال إيران بهدف الإطاحة بالنظام الإيراني، ولكن من الممكن أن الولايات المتحدة تعطل وتوقف إنتاج النفط الإيراني وشحناته عبر الخليج العربي. فقد لاحظ المحللون الإيرانيون أن عقيدة البحرية الأميركية لحقبة ما بعد الحرب الباردة تؤكد على "الحرب الساحلية" التي ستواجه فيها القوات الأميركية قوات العدو في المياه الساحلية المحصورة، مع احتمالية استخدام قوات العدو الألغام والغواصات التي تعمل بالديزل وصواريخ كروز والقوارب الخفيفة السريعة. [أنظر: الفصل (11) Threat Perception and Military Planning in Iran: Credible Scenarios of Conflict and Opportunities for Confidence Building من كتاب: Military Capacity and the Risk of War: China, India, Pakistan, and Iran (القدرة العسكرية وخطر الحرب: الصين والهند وباكستان وإيران)].
لذلك، الكثير من التحديث العسكري الإيراني لما بعد الحرب الإيرانية - العراقية، تم تصميمه وفقاً لاستراتيجية "المنطقة المحرّمة/منع الولوج A2/AD" و"الإقصاء البحري" و "منع الولوج البحري"، وكيفية مواجهة الحرب الساحلية ضد إيران. وعندها أدركت الولايات المتحدة ذلك وقامت بتصميم مناورة من نوعية جديدة أطلقت عليها "مناورة تحدي الألفية لعام 2002" وهي لعبة حرب. على مدار عامين قامت قيادة القوات المشتركة بتصميم المناورة التي تضم نحو 20,000 مشارك، والعديد من مواقع التدريب الحية والمحاكاة، ومن المفترض مواجهة دولة شرق أوسطية مثل إيران ضد الجيش الأميركي الذي سيكون مدجج بتكنولوجيا متقدمة، والفرقة 82 المحمولة جواً والفرقة البحرية الأولى.
ونفذت المناورة في 24 يوليو حتى 15 أغسطس 2002 (استغرقت ثلاثة أسابيع)، وقاد قائد سلاح البحرية الأميركي الفريق بول فان ريبر فريقاً أحمر على اعتبار أنه يمثل الفريق الخصم من الخليج العربي (لم يُسمّي إسم الخصم ولكن العديد من المراقبين والخبراء العسكريين أجمعوا على أن الفريق الخصم هو إيران)، وتم تجهيز وتهيئة هذا الفريق الأحمر (الخصم) بشكل مماثل لقدرات إيران. طبق الفريق الأحمر بقيادة بول فان ريبر تكتيكات غير متماثلة ضد القوات البحرية الأميركية، مستخدماً العديد من الزوارق الهجومية السريعة الصغيرة تهاجم سرب من السفن الأميركية، وفي غضون عشر دقائق تقريباً كان مصير 19 سفينة حربية و 20,000 جندي أميركي في قاع بحر الخليج العربي. تجدر الإشارة بأن، "تحدي الألفية لعام 2002" للقوات الأميركية هي عبارة عن أكبر لعبة حرب في التاريخ قامت بها القوات المسلحة للولايات المتحدة في منتصف عام 2002 والتي استمرت من 24 يوليو وحتى 15 أغسطس. كما قدرت تكاليف العملية بـ 250 مليون دولار وهي الأغلى ثمناً في تاريخ المناورات العسكرية الأميركية. والمناورة كانت عبارة عن تمارين المحاكاة بالكمبيوتر. كان من المفترض أن تكون اختباراً لمستقبل "التحول" العسكري والانتقال نحو التكنولوجيات الجديدة التي تمكن الصراع مع شبكة مركزية وتوفير أسلحة وتكتيكات أكثر قوة. الحرب في المناورة هي بين فريق من الولايات المتحدة ويشار لهم باللون "الأزرق"، وعدو غير معروف من الخليج العربي (إيران) ويشار له باللون "الأحمر". [أنظر: Iran Encounter Grimly Echoes ’02 War Game ، وأيضاً أنظر: That time a Marine general led a fictional Iran against the US military – and won ، وايضاً أنظر: Millennium Challenge: When the US Navy Lost a Simulated War With Iran، وأخيراً أنظر: Learning Curve: Iranian Asymmetrical Warfare And Millennium Challenge 2002].
أبرزت المناورة مواطن الضعف العسكري للولايات المتحدة بشكل كبير تجاه التكتيكات غير المتماثلة المنسقة، والمنطقة المحرّمة، ومنع الولوج في الخليج العربي، مع مناورة الزوارق السريعة بفعّالية، حيث تغلبت على القدرات الدفاعية للسفن الحربية الأميركية المتقدمة.
على الرغم من أن إيران ظلت تحافظ على جيش يعتبر عددياً أكبر جيش في الشرق الأوسط - مع وجود قوة عسكرية نظامية وغير نظامية تزيد عن 540،000 فرد وقدرة احتياطي تبلغ حوالي مليوني فرد - فمن غير المرجح أن تتمكن إيران من شن رد فعل تقليدي فعّال تجاه هجوم أميركي أو قوة إقليمية لدول مجلس التعاون الخليجي، أو قوات متحالفة بشكل مباشر. [أنظر: The Costs Of War With Iran: An Intelligence Preparation Of The Battlefield].
الحرب الإيرانية العراقية التي دامت ما يقرب من عقد من الزمن (1980-1988) استنفذت بشدة الأصول العسكرية الأميركية والبريطانية التي استحوذ عليها الشاه قبل الثورة الإسلامية عام 1979. ولذا، يعتقد معظم المحللين أن التفوق البحري والجوي الأميركي سيضمن هزيمة سريعة لإيران إذا انخرطت طهران في حرب تقليدية والمشاركة العسكرية المباشرة.
ومع ذلك، في حين أن إيران لن تكون قادرة على المنافسة في اشتباك عسكري تقليدي مع الولايات المتحدة، فمن المحتمل أن تشكل القدرات العسكرية غير المتماثلة لإيران تحديات خطيرة للقوات العسكرية الأميركية، في حالة اندلاع حرب أميركية إيرانية في الشرق الأوسط. قدرات إيران الجوية والبحرية غير التقليدية للمنطقة المحرّمة/منع الولوج A2/AD - مدعومة بأصول السيطرة والسيطرة اللامركزية المنتشرة في عمق البر الرئيسي الإيراني - يمكن أن تعوق العمليات الأميركية في الخليج العربي، حيث يشكل مضيق هرمز الضيق تحديات خاصة للقوات الأميركية أو لقوات التحالف. [أنظر: China’s Role in Iran’s Anti-Access/Area Denial Weapons Capability Development، وكذلك أنظر: سيناريو الحرب المحتملة على إيران: من الخارج إلى الداخل عمليات عسكرية من نطاق واسع ممتد].
وبالتالي، سعت طهران إلى استثمار مواردها في الأسلحة التي تتوافق مع إستراتيجية المنطقة المحرّمة/منع الولوج والمعركة غير النظامية والتكتكيات غير المتماثلة، وقد وجدت في الصين ضالتها. لذا، خلال العقد الأول من الألفية، ظلت الصين مصدراً رئيسياً لتزويد الأسلحة التقليدية لإيران، حيث قامت بتصدير الصواريخ المضادة للسفن من عائلة TL مثل TLIO / FL8. [مصدر سابق، أنظر: تقرير خدمة أبحاث الكونغرس الأميركية].
وقد بدأت الصين بتطوير برنامج TL في منتصف التسعينيات وتم تحديده في الأصل بإسم FL-8 ويعرف بـ (TL-10) وكذلك FL-9 ويعرف بـ (TL-6) وذلك في إطار شركة الصين الوطنية لاستيراد وتصدير تكنولوجيا الطيران (CATIC). وقد تم الكشف رسمياً عن البرنامج والصواريخ في معرض تشوهاى الجوي في عام 2004 من قبل مجموعة الصين للعلوم والتقنيات الجوفضائية (CASC)، وهذه الصواريخ وغيرها من الصواريخ المُطلقة من الغواصات فعّالة جداً في تحدي انتشار القوات البحرية الأميركية في الخليج العربي.
منذ عام 2002، واصلت إيران على تحديث وتطوير أسلحة وأنظمة معركة "المنطقة المحرّمة/منع الولوج A2/AD"، أدرجت في برنامجها العسكري أسلحة جديدة مثل صواريخ جديدة مضادة للسفن، وقدرات مضادة للطائرات حتى مع تزايد المخاوف بشأن البرنامج النووي الإيراني في واشنطن، ظلت إيران تواصل على تغذية استراتيجيتها A2/AD بالمزيد من هذه الأسلحة. استناداً إلى المصادر الغربية، في عام 2010، ظهرت تقارير تفيد بأن إيران ربما انخرطت في صفقة مع الصين لاستلام النظام الصاروخي المضاد للطائرات طراز HQ9 الصيني، وهو مستمد من نظام الدفاع الصاروخي الجوي الروسي S-300، والمماثل بطرق عديدة من نظام صواريخ باتريوت الأميركي، ويتراوح مداه الفعلي حوالي 30 كم. [أنظر: "Air Defense: Iran And The Chinese Gambit"، (الدفاع الجوي: إيران و المناورة الصينية)].
كما حصلت إيران على زوارق مجهزة بمنصات قاذفات الصواريخ من الصين. بين عامي 2000 و 2002 باعت بكين لطهران عدد غير معلوم من زورق هجومي صاروخي فئة C-14 (المعروف باسم "القط الصيني")، وهذا الزورق قادر على إطلاق صواريخ كروز المضادة للسفن طراز C701. [أنظر: Iran well prepared for the worst].
في عام 2006، نقلت بكين قوارب الدورية MK-13 - المسلحة بصواريخ مضادة للسفن والطوربيدات - إلى طهران لاستخدامها من قبل القوات البحرية للحرس الثوري الإيراني. [أنظر: Iran's Naval Forces From Guerilla Warfare To A Modern Naval Strategy].
كما أن قدرة الألغام البحرية الإيرانية يرجع الفضل للصين. حيث تمتلك إيران ما يقرب من 3000 إلى 6000 لغم بحري، بما في ذلك الألغام السفلية من نوع EM11 و EM52 مفجر مقذوف الدفع ومن تصميم صيني، وقد صمم ليتم إطلاقه من قاع البحر لضرب أهداف على السطح استجابةً لشارة مغناطيس أو صوت السفينة. [أنظر: U.S., Iran Poised For Mine Warfare In The Persian Gulf ، وكذلك أنظر: Iranian Mines in the Strait of Hormuz not ‘Showstoppers’].
وأيضاً لدى إيران مخزون من الألغام السلكية الصينية من نوع EM31. [أنظر: Iran to use mines, missiles to shut Hormuz].
ومن المرجح أن تكون الصين قد زودت إيران بنوعين من الألغام الصاعدة المرتفعة: EM-52 و EM-55. هذا النوع من الألغام متطور للغاية ومستمد من ألغام بحرية صممتها الاتحاد السوفياتي، وطورتها الصين حوالي عام 1980. يتم ايداع اللغم في قاع البحر على عمق يصل إلى 200 متر، ويحتوي اللغم على جهاز كمبيوتر يعالج البيانات الصوتية والمغناطيسية والضغطية تحت تأثير مختلف الحالات البيئية والتشغيلية المحددة في الكمبيوتر قبل وضع اللغم. ما إن يتم إطلاقه، يقوم الصاروخ بدفع الشحنة المتفجرة إلى الهدف في واحدة من عدة أوضاع تحددها وحدة المعالجة المركزية.
بالإضافة إلى حصول إيران على صواريخ مضادة للسفن مباشرة من الصين، فإنها استخدمت العديد من تصميمات الصواريخ الصينية كأساس لأنظمة الصواريخ المضادة للسفن المستنسخة والمنتجة محلياً، والتي يتم تصنيع بعضها في إيران بمساعدة صينية: ويُعتقد أن صواريخ نور المضادة للسفن بعيدة المدى هي البديل والنسخة من الصواريخ الصينية طراز C801 و C802. أما صاروخ كوسار (أو كوثر) المضاد للسفن الذي تم تصنيعه لأول مرة في عام 2004، يستند إلى أنظمة الصواريخ الصينية C701 و TL-10. في حين يبدو صاروخ رعد المضاد للسفن بعيد المدى، والذي تم الكشف عنه في عام 2004، بأنه أحد أنواع صاروخ سيلك وورم الصيني HY-2، ويبلغ مداه الفعلي حوالي 360 كم. [أنظر: "Iran starts production of new short-range Raad missile"، (إيران تبدأ إنتاج صاروخ رعد قصير المدى)].
كما بدأت إيران في إنتاج صاروخ نصر المضاد للسفن مستنسخ من الصاروخ الصيني C704، وقامت بانتاجه بكميات في عام 2010. والصاروخ يعمل بتوجيه بالرادار والإشارات التلفزيونية، ويبلغ مداه الفعلي 170 كم، ويتم إنتاجه بالتعاون مع مجموعة شركة الصين للعلوم والتقنيات الجوفضائية (CASC). [للمزيد من المعلومات حول المصنع الصيني في إيران الذي يصنع صاروخ "نصر" أنظر: "China opens missile plant in Iran"، (الصين تفتح مصنع صواريخ في ايران)].
وصاروخ قادر المضاد للسفن، الذي تم الكشف عنه في عام 2011، يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالصاروخين الصينيين C802 و C803. [ أنظر: "Iran Introduces the Qader, an Enhanced, Locally Produced Version of the C-802 Anti-Ship Missile"، (إيران تكشف عن صاروخ قادر، وهو نسخة محسنة ومنتجة محلياً من صاروخ C-802 المضاد للسفن)]. وأما صاروخ ظفر بدأ إنتاجه في أوائل عام 2012، وهو صاروخ مضاد للسفن خفيف الوزن موجه بالرادار ويُعتقد أنه مستمد من الصاروخين الصينيين C704 و C705.
على الرغم من أن إيران تطور محلياً وتنتج مجموعة متنوعة من الصواريخ، فإن الكثير من قدرة الصواريخ الحالية لإيران جذورها ترجع للتكنولوجيا الصينية ومساعدة الصين لها. إن الجانب العسكري للعلاقات الصينية - الإيرانية هو الذي يزعج العديد من المراقبين في الغرب. حيث لعبت الصين، وبدرجة أقل كوريا الشمالية، دوراً حاسماً في تطوير قدرات إيران العسكرية لمجمع "المنطقة المحرّمة/منع الولوج A2/AD"، فقد زودت الصين إيران بمجموعة متنوعة من أنظمة الأسلحة المفيدة بالتحديد لإستراتيجية المنطقة المحرّمة/منع الولوج A2/AD. وهذا مؤشر بأن إيران تستثمر مواردها في تطوير قدرات "المنطقة المحرّمة/منع الولوج A2/AD" وتستعد بشكل متزايد لشن معركة غير متكافئة ضد عدو أكثر قدرة تقليدياً مثل الولايات المتحدة، والاستفادة من خفة الحركة والسرعة وتكتيكات القيادة والسيطرة اللامركزية، بالإضافة إلى هجمات مضادة متقدمة للسفن وأسلحة مضادة للطائرات، وذلك للدفاع عن أصولها في البر الرئيسي.
يشير دعم الصين المستمر للبرنامج العسكري الإيراني "المنطقة المحرّمة/منع الولوج A2/AD" إلى أن بكين تنظر إلى إيران كقوة عسكرية "بالوكالة" لها في الشرق الأوسط، وقد تأمل في استخدام إيران لممارسة الضغوط على القوات الأميركية وكذلك تقييد عملية امدادات النفط للغرب في حال نشوب نزاع مسلح صيني - أميركي في المحيط الهادئ.
3 - المرحلة الثالثة من 2012 إلى 2018 - 2019:
اتجاهات جديدة في العلاقات الدفاعية الصينية - الإيرانية
يونيو 2017: إيران والصين تجريان مناورات بحرية مشتركة في مضيق هرمز وبحر عُمان
تأكيداً لتكهنات العديد من المصادر والتقارير بأن الصين تواصل في تزويد إيران بالأسلحة، في مارس 2013 تم العثور على سفينة إيرانية قبالة سواحل اليمن وعلى متنها أنظمة الدفاع الجوي المحمولة. وفقاً لمراجعة علامات المصانع على الأسلحة وصناديق التعبئة الخاصة بها، كان هناك 10 صواريخ صينية مضادة للحرارة. صُنفت الصواريخ باسم QW-1M وحملت عليها مجموعة من الإستنسل توحي بأنها قد تم تجميعها في مصنع تابع لشركة مملوكة للدولة الصينية، وهي "مجموعة الصين الوطنية لاستيراد وتصدير الأنظمة الدقيقة"، والتي فرضت عليها الولايت المتحدة العقوبات في وقت سابق لنقلها تكنولوجيا الصواريخ إلى باكستان وإيران. وكانت الصواريخ الصينية جزءًا من شحنة أكبر اعترضتها القوات الأميركية واليمنية في يناير 2013، والتي قال مسؤولون أميركيون ويمنيون إنها كانت مرسلة للمليشيات الحوثية في شمال غرب اليمن. [أنظر: "New York Times: Seized Chinese Weapons Raise Concerns on Iran"، (نيويورك تايمز: الأسلحة الصينية المضبوطة تثير المخاوف بشأن إيران)].
وهذا يعني بأن التعاون العسكري الصيني الإيراني، لاسيما حصول إيران على الأسلحة الصينية، وصل إلى مستوى عال من الخطورة، فإيران لا تحصل على السلاح الصيني لترسانتها العسكرية فقط، وإنما أيضاً لتزويد المليشيات في الدول العربية بالأسلحة الصينية. ولذا، فإن الصين تصبح مشاركة بطريقة غير مباشرة في تزويد المليشيات مثل الحوثيين بالسلاح، وعليه ينبغي على التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن التحرك في هذه المسألة وممارسة الضغط على الصين لوقف دعمها غير المباشر للمليشيات الحوثية.
في عصر روحاني، عدة أحداث وقعت تشير إلى أن إيران والصين توسعان علاقاتهما الدفاعية وسط تزايد المصالح بين البلدين، بما في ذلك التعاون الموسع في البحار والموانئ، وتبادل الأفراد العسكريين للتدريب، والتوصل إلى اتفاق دفاعي جديد لتمكين بحريتهما من استخدام منافذ بعضهما البعض بشكل متكرر. وقد تم الاتفاق على مزيد من التفاصيل خلال زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى طهران في يناير 2016. ويمكن القول أن العنوان العريض للمرحلة الثالثة هو "اتجاهات جديدة في العلاقات الدفاعية الصينية - الإيرانية".
كما أشرنا سابقاً، بأن في العقد الماضي تقلبت العلاقات الدفاعية بين الصين وإيران، وكانت في صعود وهبوط وبين المد والجزر، وإلى حدٍ ما حلت الصين محل روسيا كمزود رئيسي لإيران بالأسلحة. [أنظر: China and the Iranian Nuclear Crisis: Between Ambiguities and Interests ، صفحة 235]. بيد أن العلاقات الدفاعية بين الصين وإيران أصبحت أكثر قوة من بعد عام 2013 مع وصول روحاني للرئاسة وبعد توقيع "الصفقة النووية" ورفع العقوبات عن إيران، فالأعوام من 2013 إلى 2017 تعتبر العصر الذهبي للتعاون العسكري الصيني - الإيراني. ومع ذلك، هناك مجالين عسكريين في فترة من الفترة كانت تسير في اتجاه عكسي وكان التعاون يتراجع. الاتصالات العسكرية الثنائية في مجالين تستدعي الوقوف عندها:
بعد عام 2013، تم تبادل الزيارات العسكرية رفيعة المستوى بين الصين وإيران. لذا، يتعلق المجال الأول بالتبادلات العسكرية عالية المستوى. للتنويه، خلال الأعوام من 1996 إلى 2013 لم يتم النشر أو الإعلان للعامة عن جميع التبادلات بين جمهورية الصين الشعبية وضباط الجيش الإيراني سوى عدد قليل منها. [مصدر سابق، أنظر: "China and Iran: Ancient Partners in a Post-Imperial World"، (الصين وإيران: الشركاء القدامى في عالم ما بعد الإمبراطورية)، صفحة 172]. ووفقاً للبيانات الواردة في أوراق الدفاع النصف السنوية لجمهورية الصين الشعبية، تضمنت أحدث تبادل كان في عام 2003 عندما زار قائد قوة التعبئة بالحرس الثوري الإيراني لبكين في أكتوبر 2003. [أنظر: "China: 2004 White Paper on National Defense Published, Appendix III"، (الصين: 2004 تقرير حكومي رسمي حول الدفاع الوطني، الملحق الثالث)].
بينما في عام 2014 وحده شهد اثنين من هذه الزيارات. الأول عندما زار وزير الدفاع الإيراني حسين دهقان الصين في مايو 2014، واجتمع مع نائب رئيس اللجنة العسكرية المركزية الجنرال فان تشانغ لونغ، وعضو مجلس الدولة يانغ جيتشي، ووزير الدفاع الجنرال تشانغ وان تشيوان. وخلال لقائه مع تشانغ صرح دهقان بأن الغرض من زيارته تعزيز التعاون في المجالين: الصناعة الدفاعية والقوات المسلحة بين البلدين. وبالمثل، أبدى تشانغ رأيه بأن العلاقات الودية بين الجيشين ستتطور أكثر بفضل الجهود المشتركة من كلا الجانبين. [أنظر: Dehghan visited Beijing].
والثاني، عندما زار قائد البحرية الإيرانية الأدميرال حبيب الله سياري الصين في أكتوبر 2014. ووفقاً للجريدة الرسمية لجيش التحرير الشعبي الصيني، كانت هذه أول زيارة يقوم بها قائد البحرية الإيرانية إلى جمهورية الصين الشعبية. خلال زيارته، التقى سياري بقائد بحرية جيش التحرير الشعبي الصيني الأدميرال وو شنغ لي، والجنرال تشانغ، وقام بزيارات إلى أسطول بحر الشمال وأسطول البحر الشرقي وأكاديمية الغواصات. وقال وو لسياري إن الصين تأمل في تعزيز الزيارات رفيعة المستوى واتصالات الموانئ، وكذلك التعاون التكنولوجي والتعاون في تدريب الأفراد. وخلال زيارته أوضح سياري بأن إيران تهدف إلى تحقيق تعاون أكبر مع الصين في مجالات مكافحة القرصنة والمساعدة الإنسانية / عمليات الإغاثة من الكوارث، وكذلك في مجال حماية خطوط الملاحة البحرية. [أنظر: PLA Daily، صحيفة جيش التحرير الشعبي الصيني].
لعل السبب يرجع إلى أن إيران خلال الأعوام من 1996 إلى 2013 كانت إلى حدٍ ما مقيّدة بالرقابة الدولية وتحت طائلة العقوبات، ولذلك كانت الحركة الصينية والإيرانية مقيّدة، وبالتحديد الصين كانت تتوخى الحذر بعدم الانطلاق العلني في العلاقة مع إيران. في حين في عصر روحاني ومع التقارب بين إيران والكتلة الغربية والدخول في المفاوضات النووية تحررت الصين وأصبحت أكثر قدرة على الحركة بالمكشوف، وبالتالي انطلقت الزيارات والتبادلات العسكرية الصينية الإيرانية.
تعتقد إيران أن المجال الاستراتيجي والاقتصادي الأول والأهم لها هو الطريق التجاري البحري للخليج العربي وبحر عُمان وبحر العرب، ومن جهة أخرى بحر الأحمر ومضيق باب المندب وخليج عدن والممرات البحرية. منذ عام 2008، تنشر مجموعات المهام للبحرية الإيرانية في مياه الخليج العربي وبحر عُمان وفي الطرق البحرية قبالة الصومال، كما شاركت على نطاق واسع في عمليات الأمم المتحدة لمكافحة القرصنة في خليج عدن. ثم امتدت طهران آفاقها البحري مع تركيز مستحدث على المياه الآسيوية، وكثفت من نطاق انتشارها حيث كانت على اتصال مع موانئ بعيدة مثل الصين ومضيق ملقا والهند وسيرلانكا. [أنظر: "Iran’s Navy: Asian Ambitions?"، (البحرية الإيرانية: الطموحات الآسيوية؟)].
من ناحية أخرى، تعد الصين قوة بحرية صاعدة وتأمل ذات يوم أن تدخل بقوة لاخراج الوجود الأميركي البحري في آسيا، وتسعى إيران إلى استخدام قواتها البحرية الأكثر تواضعاًً، ولكنها تنتهج التكتيكات غير المتماثلة، لفرض هيمنتها في إقليم الخليج العربي. لذلك، فإن الميزة الثانية لتجديد التعاون العسكري بين الصين وإيران كانت في مجال الدبلوماسية البحرية، وعلى وجه الخصوص الزيارات المتبادلة بين الموانئ البحرية للبلدين. في الواقع، هاتين الزيارتين التي كانت في عامي 2013 و 2014 أسفرت لأول مرة عن زيارة سفن بحرية الدولتين لتبادل الزيارات بينهما.
أولاً، في مارس 2013، قامت المدمرة الإيرانية سابالان وحاملة المروحيات خارك بزيارة إلى ميناء تشانغ جيا قانغ بمقاطعة جيانغسو. وقد ذكرت الصحافة الإيرانية أن الغرض من الزيارة هو توصيل "رسالة السلام والصداقة" الإيرانية إلى الصين ودول شرق آسيا الأخرى. وقد أرادت إيران توصيل رسالة بأن قواتها البحرية متواجدة في المياه الدولية بما في ذلك المياه الآسيوية. على سبيل المثال، في خطاب ألقاه قائد القوات البحرية الإيرانية الأدميرال حبيب الله سياري في عام 2013 عن أهمية المحيط الهندي الشمالي الشرقي وجنوب شرق آسيا بالنسبة لإيران، بسبب حركة السفن التجارية عبر مضيق هرمز في الخليج العربي وباب المندب في خليج عدن والبحر الأحمر ومضيق ملقا في جنوب شرق آسيا. وأعلن أيضاً أن سفينتين من القوات البحرية الإيرانية قد انتشرتا في ميناء تشانغ جياغانغ الصيني. كان وصول سفن القوات البحرية الإيرانية إلى الميناء مهماً على أكثر من جبهة. أولاً، إن تشانغ جياغانغ هو ميناء بحري رئيسي، وهو القاعدة الرئيسية لأسطول بحر الصين الجنوبي. ثانياً، إن الميناء يمثل العُقدة الرئيسية لربط تجارة النفط في الصين.
ثانياً، في سبتمبر 2014، قامت سفينتان من بحرية جيش التحرير الشعبي الصيني بزيارة ميناء بندر عباس لمدة خمسة أيام، وهو ميناء إيراني رئيسي يقع على طول مضيق هرمز. أجرت الصين وإيران، لأول مرة في التاريخ، مناورات بحرية مشتركة في المياه الإيرانية، مما وفر لبكين حضوراً استراتيجياً قيِماً في أحد أهم خطوط الملاحة البحرية. شاركت سفن جمهورية الصين الشعبية وهي المدمرة تشانغ تشون والفرقاطة تشانغ تشو، وكلاهما كانتا في رحلة عودتهما إلى الصين بعد إجراء عمليات مكافحة القرصنة في خليج عدن. اشتملت الزيارة على لقاءات بين ضباط بحرية جيش التحرير الشعبي الصيني وقادة المنطقة الأولى للدفاع الساحلي للبحرية الإيرانية وأسطولها الجنوبي، فضلاً عن التواصل بين البحارة الإيرانيون والصينيون. خلال الزيارة، أشار أميرال قيادة السفينتين لبحرية جيش التحرير الشعبي الصيني إلى أن التعلم المتبادل سيؤدي إلى علاقات تعاون أقوى بين البحريتين. وعقب الزيارة، عقدت السفن البحرية من كلا الجانبين تدريبات مشتركة تركز على التشكيل والاتصالات. [أنظر: "China: White Paper on National Defense Published, Appendix III"، (الصين: تقرير حكومي رسمي حول الدفاع الوطني، الملحق رقم 3)].
بالنسبة للصين، يوفر التحالف البحري الإيراني محطة توقف مناسبة في الطريق الذي تسعى إليه بكين لتمديد يدها الطولي في أفريقيا، وفرصة ترابط علاقات العمليات بين الصين وإيران إلى حدٍ كبير. إن تعميق الشراكة البحرية الصينية الإيرانية يمكن أن يكون أيضاً فوزاً إضافياً لطهران. حيث تفتخر إيران غالباً بخطط تحديث أسطولها، لكنها تظل محدودة بعدد من الغواصات التي تعمل بالديزل والكهرباء (تستخدم محركين، أحدهما يعمل بالكهرباء والآخر يعمل بالديزل)، وحفنة من سفن الفرقاطة، وفقاً لما ذكره تقرير صادر عن المعهد البحري للولايات المتحدة. قد يكون هذا مجرد بداية لتحالف بحري ناشئ يمتد من المحيط الهادئ إلى الخليج العربي. [أنظر: Iran and China deepen a 'blue water' friendship - The Washington Post].
الخبراء الإيرانيون منذ عام 2013 كانوا يتوقعون بأن الصين قد تنشئ في نهاية المطاف علاقة دفاعية رسمية مع إيران، بل إن البعض منهم ذهب إلى أبعد من ذلك، فقد توقع الخبير الإيراني كفاح أفراسيابي: "بأنه قد لا يمر وقت طويل قبل أن تسعى إيران إلى إقامة قاعدة عسكرية صينية على الأراضي الإيرانية لتعويض وتعزيز أمنها. وأضاف: هذا، بلا شك، توقع سابق لأوانه. ومع ذلك، فإن المنطق في القلب حساً وحجة". وربما عبر تأجير مرافق ومنشآت بحرية قد تساعد قوات جيش التحرير الشعبي الصيني في تأمين الممرات البحرية التي تستخدمها الصين للحصول على الطاقة من الشرق الأوسط ، فإن هذا يبدو من غير المرجح، على الأقل في المستقبل المنظور. [أنظر: "A Chinese Military Base in Iran"، (قاعدة عسكرية صينية في إيران؟)، نقلاً عن صحيفة Asia Times].
وتأكيداً لتوقعاتهم في 14 نوفمبر 2016، قام وزير الدفاع الصيني "تشانغ وان تشيوان" بزيارة لطهران بدعوة رسمية من وزیر الدفاع الإيراني "حسين دهقان"، وأثناء زيارته تم التوقيع على اتفاقية دفاع عسكري رسمية، ودعى الجانبان إلى تحديد موعد لاجراء مناورات عسكرية مشتركة. [أنظر: Iran Signs Defense-Military Agreement with China, Calls for Joint Military Drills].
ومن خلال مراقبة ومتابعة لوسائل الإعلام الإيرانية المتشددة نكتشف بأن، بينما يعارض بعض المحافظين وقادة الحرس الثوري التواصل الدبلوماسي والاقتصادي لحكومة روحاني مع الغرب، فإنهم يدعمون إلى حدٍ كبير تعميق العلاقات بين إيران والقوى الآسيوية مثل الصين وروسيا.
فيما يلي نبذة مختصرة عن ارتفاع وتيرة التبادلات الرسمية والأحداث الرئيسية للتعاون العسكري ودبلوماسية الدفاع الصينية - الإيرانية في عصر روحاني:
مارس 2013: زيارة سفيتنات من البحرية الإيرانية لميناء تشانغ جيا قانغ.
مايو 2014: تبادل رفيع المستوى، وزير الدفاع الإيراني يزور الصين.
سبتمبر 2014: زيارة أسطول البحرية الصينية لأول مرة إيران، حيث قامت سفينتا تشانغ تشون وتشانغ تشو من الدفعة الـ17 التابعة لأسطول الحراسة البحرية الصينية بزيارة ميناء بندر عباس.
أكتوبر 2014: تبادل رفيع المستوى، قائد القوات البحرية الإيرانية يزور الصين.
يناير 2016: زار الرئيس الصيني "شي جين بينغ" إيران وهو أول زعيم عالمي يزور إيران بعد توقيع "الصفقة النووية" ورفع العقوبات عن إيران. وخلال زيارة شي، رفعت بكين مستوى العلاقات الثنائية مع طهران إلى مستوى شراكة إستراتيجية شاملة. في الوقت نفسه، أوضح الرئيس الصيني أن بلاده لا تبحث عن وكلاء أو تحاول ملء أي "فراغ" في منطقة الشرق الأوسط، بل تطمح لبناء "شبكة من الشراكات التي تحقق المنفعة المتبادلة".
نوفمبر 2016: وزير الدفاع الصيني "تشانغ وان تشيوان" في زيارة لطهران بدعوة رسمية من وزیر الدفاع العمید "حسين دهقان".
نوفمبر 2016: وقعت إيران اتفاقية دفاع عسكري مع الصين وتدعو إلى تدريبات عسكرية مشتركة.
يونيو 2017: مناورات عسكرية إيرانية صينية مشتركة في مياه مضيق هرمز وبحر عُمان، أجرى البحريتان تدريبات بحرية مشتركة في الجزء الشرقي من مضيق هرمز وبحر عُمان مع قطع بحرية إيرانية، ومدمريتن صينيتين وحوالي 700 من أفراد البحرية الإيرانية.
سبتمبر 2018: قام العميد أمير حاتمي وزير الدفاع لزيارة بكين، واجتمع بنظيره الصيني وي فنغ خه، وأكدوا على تعزيز التواصل الاستراتيجي وتوسيع مجالات التعاون، وتحقيق نتائج مثمرة جديدة للتعاون بين الجيشين، وبالتالي المساهمة في تطوير شراكة استراتيجية شاملة بين الدولتين.
ابريل 2019: زيارة قائد البحرية الإيرانية الأدميرال حسين خانزادي للصين لحضور الذكرى السبعين لتأسيس قوات جيش التحرير الشعبي الصيني، والتقائه بنظيره الصيني في بكين، وصرح بأن إيران ستزيد العلاقات البحرية مع الصين في شمال المحيط الهندي.
ما ورد أعلاه، نبذة مختصرة عن التبادلات والتطورات تمثل الأنشطة من النوع العادي التي تحدث بين العديد من القوات المسلحة في دول كثيرة، لكن الهدف من استعراضنا لهذه الأنشطة لتوضيح ما يجري في عهد روحاني وفي عصر ما بعد التوقيع على الصفقة النووية. فالصين تعقد تبادلات رفيعة المستوى مع ضباط من العديد من الدول كل عام، وتقوم بشكل روتيني بزيارات إلى الخارج منذ منتصف الثمانينات. [أنظر: China’s Out of Area" "Naval Operations: Case Studies, Trajectories, Obstacles, and Potential Solutions، (العمليات البحرية خارج الصين: دراسة الحالة والمسارات والعقبات والحلول المحتملة)]. علاوة على ذلك، منذ منتصف الألفية، وسعت الصين من دبلوماسيتها البحرية في مناطق بعيدة عن حدودها. وكان هذا جزءًا من "المهام التاريخية الجديدة" التي أوضحها الرئيس آنذاك "هو جين تاو" في عام 2004، والتي تتطلب من جيش التحرير الشعبي أن يكون مستعداً لحماية المصالح الوطنية للصين الآخذة في التوسع في مناطق مثل الشرق الأوسط. [أنظر: The PLA's Domestic and Foreign Activities and Orientation, (شهادة أمام لجنة المراجعة الأمنية والاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين)].
وبالمثل، قامت إيران بإستنساخ التجربة الصينية وتطوير دبلوماسيتها البحرية في السنوات الأخيرة من أجل "عرض العلم" وإظهار قدرتها على القيام بعمليات خارج المنطقة. [أنظر: "Iran's Evolving Maritime Presence"، (تطور التواجد البحري الإيراني)].
ومع ذلك، فإن توقيت تطورات الدبلوماسية البحرية الصينية وأنشطتها مع إيران يثير بعض التساؤلات المثيرة للاهتمام. كجزء من مشاركتها في عمليات مكافحة القرصنة الدولية في خليج عدن، أجرت بحرية جيش التحرير الشعبي الصيني زيارات متعددة للموانئ في الشرق الأوسط منذ عام 2008. [أنظر: No Substitute for Experience: Chinese Anti Piracy Operations in the Gulf of Aden, U.S. Naval War College, China Maritime Studies, No. 1، (لا بديل عن الخبرة: العمليات الصينية لمكافحة القرصنة في خليج عدن، كلية الحرب البحرية الأميركية، الدراسات البحرية الصينية العدد 1)].
لماذا إذن، لم تقم سفنها بزيارة إيران حتى عام 2014؟، وقد حظي جيش التحرير الشعبي الصيني بفرص عديدة منذ عام 2003 للتواصل والاتصال علناً وعلى مستوى رفيع مع نظرائه الإيرانيين. الآن، السؤال الرئيسي؛ لماذا لم تفعل ذلك قبل عام 2014؟، ولماذا في عهد روحاني وعصر المفاوضات النووية ومن ثم التوقيع على الصفقة ورفع العقوبات عن إيران؟.
يمكننا القول بأن التفسير المحتمل للتوسع المتزايد في العلاقات الدفاعية الصينية - الإيرانية منذ عام 2013 بسبب التقدم في العلاقات الثنائية الشاملة الذي أعقبته؛ أولاً: مع انتخاب حسن روحاني رئيساً لإيران في أغسطس 2013، وثانياً: النهم الصيني المتزايد والمتنامي لاحتياجاتها للطاقة في عام 2014، وثالثاً: المفاوضات مع إيران والتوقيع على الصفقة النووية مع الدول الخمس +1، رابعاً: التقارب الإيراني مع الكتلة الغربية، ورفع العقوبات عن إيران. كل هذه العوامل مجتمعة قد دفعت بكين إلى رفع مستوى تركيزها على توثيق علاقات أعمق وأقرب مع طهران. وقد تم تحديد نمط العلاقات الثنائية في اجتماع بين الرئيس الصيني شي جين بينغ والرئيس الإيراني روحاني على هامش قمة منظمة شنغهاي للتعاون في "بيشكيك" قيرغيزستان في سبتمبر 2013، صرح شي جين بينغ بأن الثقة المتبادلة والتعاون بين البلدين تعمقت وتعززت. [أنظر: روحاني يجتمع مع نظيره الصيني في بيشكيك].
تجدر الإشارة بأن الرئيس الصيني شي جين بينغ كرر هذه التصريحات في الاجتماع الأخير لقمة منظمة شنغهاي للتعاون (SOC) والذي عقد قبل شهر في 14 يونيو 2019 في بيشيك قيرغيزستان، وروحاني كان مشاركاً في هذا الاجتماع، وقد جاء هذا الاجتماع بعد التفجيرات الأخيرة لناقلات النفط قبالة سواحل إمارة الفجيزة. وعلى هامش قمة قيرغيزستان صرح الرئيس الصيني شي جين بينغ بأن الصين تتعهد بتطوير العلاقات مع إيران بعد الهجوم على الناقلات، والتقى بالرئيس الإيراني حسن روحاني والرئيس الصيني وعده بتطوير العلاقة بغض النظر عن كيفية تغير الوضع، وأكد من جديد استعداد بكين لتطوير العلاقات مع إيران حتى في الوقت الذي وضعت فيه الولايات المتحدة اللوم بشكل مباشر على طهران في الهجوم على ناقليتي نفط قرب مضيق هرمز. [أنظر: China vows to develop ties with Iran after attack on tankers].
وفي مايو 2014 خلال الاجتماع الثاني بين الرئيسين الصيني والإيراني، صرح شي بأن البلدين سيتعاونان في جميع المجالات، مشيراً إلى مشاريع النفط والغاز والتبادلات رفيعة المستوى ومكافحة الإرهاب كأمثلة. على النقيض من ذلك، ركزت الاجتماعات السابقة بين الرئيس الصيني السابق "هو جين تاو" وسلف روحاني محمود أحمدي نجاد، على مخاوف جمهورية الصين الشعبية حول البرنامج النووي الإيراني. على سبيل المثال، خلال اجتماع عُقد في يونيو 2012، قيل بأن الرئيس الصيني السابق "هو جين تاو" قد حث أحمدي نجاد على "موازنة الوضع" وتبني نهج "المرونة والبراغماتية" تجاه المفاوضات النووية. [ أنظر: China urges Iran to show flexibility, pragmatism، اسوشيتد برس].
بالنظر من هذه الزاوية، يبدو أن تعزيز العلاقات الدفاعية الإيجابية يعكس باعطاء الأولوية للدبلوماسية الأوسع تحت حكم شي جين بينغ وحسن روحاني.
القضية الأساسية هي ما إذا كان التعاون الدفاعي بين بكين وطهران يتوسع بطريقة تعرّض المصالح الأميركية للخطر. أشار تقرير "التوجيه الاستراتيجي الدفاعي" الصادر عن وزارة الدفاع الأميركية لعام 2012 إلى كل من الصين وإيران باعتبارهما يمثلان تحدياً للقوات الأميركية عبر تبنيهما إستراتيجية "المنطقة المحرّمة/منع الولوج A2/AD". [أنظر: Sustaining U.S. Global Leadership: Priorities for 21st Century Defense تقرير وزارة الدفاع الأميركية لعام 2012].
هناك العديد من الأدلة والبراهين التي تؤكد على أن الصين وإيران يتعاونان في مجالات حساسة قد تؤدي إلى تفاقم تحدي "المنطقة المحرّمة/منع الولوج A2/AD". على سبيل المثال، يعتقد بعض الخبراء الغربيين أن "شركات صينية حاولت نقل تكنولوجيا الدفاع الجوي المحمولة إلى إيران في مارس 2013". [أنظر: China’s Role in Iran’s Anti-Access / Area Denial Weapons Capability Development].
باختصار، بدء التعاون الدفاعي الصيني الإيراني في تحقيق أهدافه على عدة مراحل: المرحلة الأولى بدأت في منتصف الثمانينيات حتى نهاية عقد التسعينيات، وهي مرحلة التأسيس والتمكين والصعود القوي للتعاون الدفاعي بين البلدين. المرحلة الثانية بدأت مع بداية الألفية لغاية عام 2012 وهي مرحلة ظهور وبروز إستراتيجية إيران "المنطقةالمحرّمة/منع الولوج" واتسمت هذه المرحلة بالصعود والهبوط وبين المد والجزر نظراً للقيود والعقوبات الدولية والأميركية التي كانت تكبل إيران إلى حدٍ ما وتعيق من حركة الصين. والمرحلة الثالثة بدأت من عام 2013 لغاية 2018 - 2019، وفي هذه المرحلة حقق التعاون الدفاعي بين البلدين طفرة قوية حيث ارتفعت نسبة الزيارات المتبادلة بين قيادات الجيشين والاتصالات البحرية في موانئ البلدين، والأهم من ذلك مع بدء مفاوضات الصفقة النووية تم إضفاء الشرعية الدولية على التعاون الدفاعي الصيني الإيراني. وبالنظر إلى أن الصين و إيران تتميزان بأنهما تشكلان تحديات مضادة للقوات الأمريكية، فإن أي مستوى من التواصل العسكري بين البلدين من المفترض أن يكون سبباً لاستمرار التدقيق في علاقتهما العسكرية، واكتساب نظرة ثاقبة في الديناميات الإستراتيجية والسياسية المؤدية إلى تعاون أوثق بين البلدين. وبالتالي، من الصعب تخيل تحالف دفاعي إيراني صيني رسمي وقانوني ومعلن عنه للعلن ومعترف به، بالنظر إلى الآثار السلبية المترتبة على مثل هذا الإجراء وعلى الأرجح على علاقات الصين مع الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي وبالتحديد المملكة العربية السعودية المُصّدر الأكبر والأهم للطاقة.
كما وضحنا في هذا القسم من التقرير، دور الصين الرئيسي في تطوير وتحديث القدرات العسكرية الإيرانية وتزويدها بالأسلحة ومشاركة خبراء وفنيين ومهندسين صينيين في قطاع الصناعة الدفاعية الإيرانية واضح وجلي. وأن المساعدة الصينية لإكتساب إيران "المعرفة" العسكرية Know-how، ومبادرات نقل الأسلحة الصينية ومشاركة التكنولوجيا الصينية، المصممة لزيادة عائدات تجارة الأسلحة، وتعزيز النفوذ الصيني في المناطق الاستراتيجية، سهلت من إبراز إيران في الشرق الأوسط، خاصة في عالم "المنطقة المحرّمة/منع الولوج A2/AD". إن التطورات الأخيرة في القدرات الإيرانية للصواريخ المضادة للسفن والأنظمة المضادة للطائرات والمنطقة المحرّمة، وخاصة في سياق محاولة طهران المتزايد والعلني في تطوير أنظمة الصواريخ المضادة للسفن والصواريخ الباليستية والمقذوفات الجوالة (الكروز)، جعلت واشنطن النظر إلى إيران بأنها تمثل بُعداً من أبعاد انتشار القوة الصينية في الخليج العربي.
الـــفـــــصـــــــــل الــــرابـــــــــع
دور الصين في تصنيع الصواريخ الباليستية والكروز الإيرانية والبرنامج النووي الإيراني
أولاً: دور الصين في تصنيع الصواريخ الباليستية ومقذوفات الكروز
عندما بدأت الحرب الإيرانية - العراقية عام 1980، لم يكن لدى إيران صواريخ أرض - أرض (surface-to-surface missile - SSM)، ومع وصول تلك الحرب إلى طريق مسدود بحلول عام 1983 وتطورت إلى حرب استنزاف مع محاولة الجانبين تآكل الآخر، أصبحت الصواريخ أكثر أهمية، وأصبح يشكل هاجس وقلق لإيران نظراً لأن العراق كانت أكثر تقدماً في مجال الصواريخ. ولذلك تبنت إيران حلاً ذا مسارين لسد النقص الذي تعانيه في هذا المجال:
أولاً، اشترت صواريخ أرض - أرض من ليبيا وسوريا وكوريا الشمالية، وربما من الاتحاد السوفيتي.
ثانياً، بدأت في تطوير قدرة إنتاج محلية لأنواع مختلفة من الصواريخ. ولتطوير قدرة إنتاجية محلية، أصبحت الصين وكوريا الشمالية شريكتين رئيسييتن لإيران. أنشأت طهران قسم أو جهاز للعمل في تعاونها الصاروخي مع كوريا الشمالية والصين. في سعيها للحصول على قدرة صاروخية شاملة، أرادت طهران إتقان تقنيات الوقود السائل والوقود الصلب. تمكنت كوريا الشمالية من تلبية احتياجات إيران في مجال الوقود السائل، في حين قدمت الصين لإيران احتياجاتها فيما يتعلق بصواريخ الوقود الصلب - وهي تقنية تميل إلى أن تكون أكثر دقة وسرعة في إطلاق النار وموثوقية وأكثر أماناً لطاقم الإطلاق. يبدو أن مساعدة الصين في تطوير وتصنيع الصواريخ تم الاتفاق عليها خلال زيارتي رفسنجاني في عام 1985، وعلي خامنئي في عام 1989، لبكين.
فيما يتعلق بالعلاقة بين بكين وبيونغ يانغ في دعمهما المشترك لجهود تطوير الصواريخ الإيرانية، لا يُعرف سوى القليل جداً. لكن على ما يبدو أن هناك ترابط وربط كبيرين بين هاتين العاصمتين مع طهران، بعبارة أخرى كانوا يتبادلون الأدوار بينهما، وطهران هي التي عملت على تقسيم العمل بينهما بحيث يظهر إسم كوريا الشمالية في التقارير الدولية أكثر من إسم الصين حتى تبقى بكين بعيدة عن الانتقادات الدولية والمراقبة. بحسب التقارير والمصادر تقول بأن إيران استخدمت طرق في تقسيم العمل لخداع المجتمع الدولي، جلبت إيران واحدة أو أخرى من هاتين الدولتين، أو دولة ثالثة بحسب ما تُملي عليها احتياجاتها.
ومع ذلك، سهلت بكين تعاون كوريا الشمالية في مجال الصواريخ مع ايران. بحسب تقارير الاستخبارات الأميركية تشير بأن الصين مرارا وتكرارا سمحت لطائرات الشحن الإيرانية المتجهة إلى كوريا الشمالية بعبور المجال الجوي الصيني للسفر إلى كوريا الشمالية لتحميل الصواريخ و / أو مكونات الصواريخ. [أنظر: China and Proliferation of Weapons of Mass Destruction and Missiles: Policy Issues].
في عام 1983، قيل إن إيران وافقت على المساهمة في تمويل جهود كوريا الشمالية في الهندسة العكسية لصاروخ سكود بي Scod-B. [أنظر: Commission to Assess the Ballistic Missile Threat to the United States, Appendix III: Unclassified Working Papers]. الذي بدأ تشغيله مع القوات السوفيتية في عام 1967 وهو صاروخ يعمل بالوقود السائل على مرحلة واحدة ويبلغ مداه 300 كيلومتر. في أواخر أكتوبر 1983، أجرى رئيس الوزراء الإيراني مير حسين موسوي ووزير الدفاع محمد سالم محادثات في بيونغ يانغ حول الدعم المالي الإيراني طويل المدى لبرنامج سكود بي الكورية الشمالية. تم التوصل إلى اتفاق مع التمويل الإيراني الذي يؤمن لطهران خيار شراء نماذج الإنتاج عند توفرها. [أنظر: History of North Korean missile development].
خلال الحرب مع العراق، اشترت إيران ما بين 200 إلى 300 صاروخ من صواريخ سكود بي الكورية الشمالية. وبحلول أواخر التسعينيات، كانت إيران تنتج محلياً بمساعدة من كوريا الشمالية والصين، إصداراً متقدماً من طراز Scud-B يبلغ مداه 500 كيلومتر. [أنظر: Iranian Arms Transfers: The Facts].
قدمت الصين دعماً هندسياً لتطوير مجموعة Scud-B المدعومة من إيران بدعم من كوريا الشمالية. تدريب الموظفين الكوريين الشماليين على تصميم وإنتاج المحركات وتصميم إطار الجو والمعادن، بالإضافة إلى توفير أدوات آلية عالية الجودة لتصنيع المكونات بدقة. [أنظر: A History of Ballistic Missile Development in the DPRK، وكذلك أنظر: CNS Special Report on North Korean Ballistic Missile Capabilities، وأنظر: Iran's Ballistic‐Missile and Space Program: An Assessment].
لم تكن علاقة التبادل التكنولوجي بين الصين وإيران في اتجاه واحد. تلقت الصين بعض التكنولوجيا العسكرية المتقدمة من خلال التعاون مع إيران. من المهم أن نتذكر أنه في أوائل الثمانينيات من القرن الماضي، كان جيش التحرير الشعبى الصينى بعيداً عن القوة التكنولوجية المتطورة التي أصبحت عليه فيما بعد. جيش التحرير الشعبى الصينى كان بحاجة ماسة إلى رفع مستوى التكنولوجيا. في وقت مبكر من الحرب الإيرانية العراقية، وعدت إيران بمنح الصين إمكانية الوصول إلى أسلحة سوفيتية حديثة الطراز تم الاستيلاء عليها من العراق. كما استولت إيران على صواريخ فرنسية الصنع من القوات العراقية، وربما تكون قد شاركت هذه التكنولوجيا مع المهندسين الصينيين. وبحسب ما ورد سمحت إيران للمهندسين الصينيين بدراسة طائرة F-4 Phantom، وهي قاذفة مقاتلة قوية زودتها الولايات المتحدة إلى إيران في سبعينيات القرن الماضي. حصلت الصين أيضاً من إيران على تكنولوجيا التزود بالوقود جواً. لسنوات عديدة سعى جيش التحرير الشعبى الصينى نحو الحصول على هذه التكنولوجيا لتمديد الوقت التشغيلي لطائرة جيش التحرير الشعبى الصينى على جزر سبراتلي. بعد سنوات من الفشل في هذا الجهد، في عام 1991 حصلت الصين على هذه التكنولوجيا من إيران. كانت أميركا زودتها إلى إيران إبان عهد الشاه، وهندستها العكسية من قبل أفراد إيرانيين وصنعت في إيران. [أنظر: مصدر سابق، "China and Iran: Ancient Partners in a Post-Imperial World"، (الصين وإيران: الشركاء القدامى في عالم ما بعد الإمبراطورية)، صفحة 178].
كما باعت الصين مجموعة من طائرات ميغ 29 التي نقلها العراق (صدام حسين) إلى إيران خلال حرب الخليج عام 1991 لتفادي تدميرهم في الحرب. ذُكر أن الصين خططت لاستخدام محركات MiG-29 إلى جانب محركات جديدة تم شراؤها من روسيا لإنتاج مقاتلة حديثة وهي Jian-7، نظراً لأن الجهود الصينية لتطوير محرك أصلي محلياً لم تحقق النجاح. تم تطوير القدرات الهندسية الإيرانية بشكل كبير في بعض المجالات المنفصلة، على سبيل المثال، في مجال الروبوتات، وهو مجال حاسم لتطوير أنظمة القتال غير المأهولة. كانت روسيا سخية في بعض مجالات نقل تكنولوجيا الصواريخ إلى إيران. هذا يعني أن التطوير المشترك مع إيران قد سمح للصين بالحصول على المزيد من التكنولوجيات، بمعنى إنها أيضاً حصلت على تكنولوجيا الأسلحة الروسية المتقدمة. [أنظر: مصدر سابق، "China and Iran: Ancient Partners in a Post-Imperial World"، (الصين وإيران: الشركاء القدامى في عالم ما بعد الإمبراطورية)، صفحة 178].
ركزت مساعدة الصين المباشرة للصواريخ الباليستية لإيران خلال حرب الثمانينيات في البداية على صواريخ المدفعية الثقيلة والمتوسطة المدى والقصيرة المدى والمطلوبة للاستخدام الفوري ضد القوات العراقية. ساعدت الصين إيران في استنساخ وإنتاج صاروخ مدفع صيني من نوع Type-83. يبدو أن هذا التصميم الهندسي العكسي بدأ على ما يبدو في عام 1985 كجزء من الاتفاقات التي تم التوصل إليها خلال زيارة رفسنجاني. بحلول عام 1986، وفرت هذه القوات لإيران صاروخاً من عيار 320 مليمتر يصل مداه إلى 45 كم وبرؤوس حربية زنة 70 كيلوغراماً وأطلق عليه إسم "عقاب". كما زودت الصين إيران بالآلات والتكنولوجيا والخبرة التقنية لتصنيع "عقاب" محلياً. بدأ تشغيل مصنع عقاب الإيراني في سمنان، على بعد 175 كيلومتراً شرق طهران، وصل خط الإنتاج في عام 1987 إلى ألف صاروخ سنوياً. بحلول ديسمبر 1986، بدأت القوات الإيرانية باستخدام عقاب في ساحة المعركة ضد القوات العراقية. ثم دخلت إلى الإنتاج في إيران نسخة أكثر دقة من عقاب بإسم فجر-3 (Fajr-3) وذلك في أواخر عام 1989. [أنظر: مصدر سابق، "China and Iran: Ancient Partners in a Post-Imperial World"، (الصين وإيران: الشركاء القدامى في عالم ما بعد الإمبراطورية)، صفحة 186].
ساعدت الصين إيران أيضاً في تطوير وتصنيع فئة أخرى من صواريخ المدفعية الثقيلة، صاروخ نازعات وهي سلسلة من الصواريخ الباليستية القصير المدى ذات الوقود الصلب. كانت هذه الصواريخ من 356-450 ملم، يتراوح مداها بين 80 و 120 كيلومتراً. دخلوا الإنتاج في أوائل عام 1988 في مصنع أنشأته كوريا الشمالية في أصفهان. في مارس من نفس العام، تم إطلاق صواريخ نازعات لأول مرة على المدن العراقية. شيدت الصين أيضا لإيران منشآت لتصنيع الوقود الصلب، بما في ذلك المكون الرئيسي بيركلورات الأمونيوم. [أنظر: مصدر سابق، "China and Iran: Ancient Partners in a Post-Imperial World"، (الصين وإيران: الشركاء القدامى في عالم ما بعد الإمبراطورية)].
في عام 1989، اشترت إيران من الصين مائتي من منظومة (CSS-8) وتعرف HQ-2J كانت هذه المنظومة في الأصل صواريخ مضادة للطائرات، ولكن تم تعديلها للهجوم الأرضي. كان المدى محدوداً إلى 150 كيلومترا والرأس الحربي صغير نسبياً؛ ومع ذلك، كان النظام رخيص وهذا الشراء سمح لإيران أن تقوم بتجديد مخزونها من صواريخ أرض - أرض بعد نضوبه خلال "حرب المدن" التي تميزت المرحلة الأخيرة من الحرب العراقية الإيرانية. يمكن أن يكون الصاروخ أيضاً سلاحاً إرهابياً ضد مدن العراق أو دول الخليج العربي. تم تجميع HQ-2J في إيران، حيث قدمت الصين المكونات بالإضافة إلى المعدات وآلات الإنتاج.
مع نهاية الحرب، دخل التعاون الصاروخي الصيني-الإيراني إلى مرحلة جديدة. خلال عام 1988 وردت تقارير بأن الصين وافقت على تزويد إيران بالتكنولوجيا اللازمة لإنتاج صواريخ أرض - أرض التي تشبه صواريخ الحسين (التي يبلغ مداها 600 كم) وصواريخ العباس (التي يصل مداها إلى 900 كم). الصاروخ الصيني (DF-15) المعروف بـ M-9 يبلغ مداه 600 كم برأس حربي 500 كغ). وذكرت التقارير أن اتفاق عام 1988 شمل التدريب الصيني للمهندسين والفنيين الإيرانيين وتوفير المستشارين الفنيين من جمهورية الصين الشعبية. كما وافقت الصين على توفير المعدات والمساعدة التقنية في تطوير البنية التحتية لتصميم واختبار وتصنيع مثل هذه الصواريخ. مع حلول عام 1989 كانت الصين تساعد إيران في إنشاء مصنع صواريخ في مدينة"شاهرود" شمال شرق إيران، لإنتاج صواريخ أرض - ارض بمدى 800 كم. وورد أن الصين ساعدت أيضاً في بناء منشأة لتجربة الصواريخ ومرفق الإطلاق بالقرب من محافظة سمنان. [أنظر: مصدر سابق، "China and Iran: Ancient Partners in a Post-Imperial World"، (الصين وإيران: الشركاء القدامى في عالم ما بعد الإمبراطورية)].
خلال المحادثات التي أجريب بين الجنرال "جيانغ هوا" نائب مدير اللجنة الحكومية للعلوم والتكنولوجيا والصناعة للدفاع الوطني الصيني (COSTIND) ووزير الدفاع الإيراني علي أكبر توركان في عام 1990، يبدو أن الصين وافقت على مساعدة إيران في إنشاء خطوط إنتاج لأنظمة الصواريخ من طراز M-9 وطراز M-11 في مصنع الصواريخ بمحافظة أصفهان.
والصاروخين يعملان بالوقود الصلب وصممت هذه الصواريخ بشكل واضح من قِبل جيش التحرير الشعبي للتصدير. تم تصميم M-11 كبديل للوقود الصلب من طراز Scud-B ويمكن إطلاقه من مركبات الإطلاق Scud-B القياسية، ولكنه كان متفوقاً على Scud الذي يعمل بالوقود السائل لأنه كان أسرع وأسهل وأكثر أماناً في إطلاق النار. [ملاحظة: أضفت اللون الأحمر لـ اللجنة الحكومية للعلوم والتكنولوجيا والصناعة للدفاع الوطني الصيني نظراً لأهمية الدور الذي قامت به هذه اللجنة في تطوير الترسانة الصاروخية لإيران].
ذُكر أن إيران وسوريا قد ساهمتا مالياً في تطوير الصين للصواريخ M-9، وقد قامتا بدفع وديعة لشراء M-9 عندما تكون متاحة. وعلى ما يبدو نفت الصين أي التزام ببيع M-9 بالكامل لدول الشرق الأوسط، لكنها مضت قدماً في مساعدة إيران (ولكن ليس سوريا على ما يبدو) في تطوير قدراتها الأصلية على إنتاج صواريخ مماثلة بشكل وثيق للصاروخ M-9. يبدو أن الصين لم تنقل صواريخ M-11 كاملة إلى إيران كما فعلت مع باكستان في عام 1992. [أنظر: مصدر سابق، "China and Iran: Ancient Partners in a Post-Imperial World"، (الصين وإيران: الشركاء القدامى في عالم ما بعد الإمبراطورية)،].
قبل أكثر من ثلاثة عقود، في ديسمبر 1988، وافقت الصين على بيع الأقمار الصناعية وتكنولوجيا الاتصالات لإيران، وتم الانتهاء من الاتفاق على هذا النحو خلال زيارة رئيس الوزراء الصيني "لي بنغ" في يوليو 1991. [أنظر: تقرير أعد لوكيل وزارة الدفاع للسياسات، Chinese Arms Production and Sale to the Third world ]. في عام 1998، انضمت إيران إلى "كونسورتيوم" تقوده الصين بما في ذلك منغوليا وكوريا الجنوبية وباكستان للقيام بتصنيع مشترك للأقمار الصناعية متعددة الأغراض.
شخصية صينية رفيعة المستوى قام بزيارة أصفهان، تشير التقارير أن خلال زيارة رئيس الوزراء الصيني "لي بنغ" إلى طهران في يوليو 1991، قام بالسفر أيضاً إلى أصفهان، والتقارير ذكرت بأنه زار عدة مجمعات للصناعات الدفاعية في أصفهان يعمل فيها الخبراء الصينيون إلى جانب الإيرانيين والكوريين الشماليين، لإنتاج أنواع مختلفة من الصواريخ. [أنظر: Secret Iranian Missile Memos]
تقرير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية للعام 1994 - 1995، ذكر أن الصين قد أرسلت إلى إيران عشرات، وربما المئات، من أنظمة توجيه الصواريخ وأدوات محوسبة لإنتاج الصواريخ. وبحسب ما ورد سمحت هذه المعدات والتقنية لإيران بزيادة دقة صواريخ سكود (الكورية الشمالية) وتيسير تطوير قدرة محلية لإنتاج الصواريخ. [أنطر: C.I.A. Report Says Chinese Sent Iran Arms Components].
في 10 سبتمبر 1992 نشرت صحيفة ديلي تليغراف اللندية، تصريح للمتحدث باسم السفارة الإيرانية في بكين بأن الصين "مستعدة لإرسال" 500 صاروخ من طراز M-11 إلى إيران. لكن على ما يبدو هذا الطلب لم ينفذ بسبب الضغوطات الأميركية، بعد أن كشفت المخابرات الإسرائيلية عن اتفاق إيراني مع الصين لتمويل تطوير صاروخ جديد يستند إلى M-9، ولكن مع أنظمة توجيه أكثر تقدماً. كانت إيران تقوم بتجميع الصاروخ محلياً.
في أوائل تسعينيات القرن الماضي، بدأت إيران في تطوير سلسلة جديدة من الصواريخ الباليستية تسمى "زلزال". وزلزال-1 يعمل بالوقود الصلب يشبه الصواريخ الصينية ويبلغ مداه 100-150 كم، وأما زلزال-2 يتراوح مداه ما بين 350 و 400 كيلومتر. تكنولوجيا هذا الصاروخ الجديد جاء من: روسيا، الصين، كوريا الشمالية، وألمانيا، مع الخبراء الصينيين الذين يقدمون المساعدة في مجال تكنولوجيا الوقود الصلب والتوجيه. [أنظر: “Special Report: The Zelzal Missile Program,” Iran Brief, September 9, 1996]. كما سلمت الصين سراً إلى إيران في أوائل التسعينيات حوالي عشرين إلى تسعين صاروخاً من صواريخ أرض - أرض طراز M-7، يبلغ مداه 160 كم ويعمل بالوقود السائل والوقود الصلب (الإثنين معاً) مع قدرة مضادة للسفن. [أنظر: Sneaking in the Scuds].
بدأت جولة جديدة من التعاون الصاروخي في أغسطس 1996 عندما زار وزير الدفاع الإيراني محمد فيروزاندي بكين، ومعه عدد من كبار القادة الآخرين في القوات البرية للحرس الثوري، لإجراء محادثات مع وزير الدفاع الصيني تشي هاو تيان. وفقاً للتقارير الصحفية الإيرانية الصادرة من طهران أشارت بأن "أبرم الجانبان بروتوكولاً لشراء أسلحة وتكنولوجيا عسكرية بقيمة 4.5 مليار دولار على مدار ثلاث سنوات". ومن بين هذه الحزمة كان 1.5 مليار دولار للصواريخ الباليستية وتكنولوجيا إنتاج الصواريخ، ومعدات إنتاج الإلكترونيات، والتدريب العسكري. كانت صواريخ كروز C-802 المضادة للسفن، والنظام الصاروخي HQ-2 SA، وقاذفات صواريخ متعددة، وجيروسكوبات، ومقاييس تسارع، ومعدات لبناء واختبار أنظمة توجيه الصواريخ جزءًا من هذه الحزمة. [أنظر: “Iran’s Chinese Shopping List,” Iran Brief, October 1, 1996"].
وقد نشر موقع جينس ديفينس ويكلي Jane’s Defence Weekly في 11 سبتمبر 1996 تقرير بعنوان: "إيران والصين في شراكة بقيمة 4.5 مليار دولار"، وأشار التقرير بأن الصين وافقت بموجب البروتوكول الذي وقعه "فيروزاندي" و "تشي" لمساعدة إيران في إنشاء مصانع لإنتاج الصواريخ، طائرات الهليكوبتر والمدفعية، وكذلك لتزويد إيران بالطائرات والصواريخ وقاذفات الصواريخ والمركبات المدرعة والشاحنات. ذكرت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية أنه خلال النصف الثاني من عام 1996 كانت الصين تقدم "مجموعة هائلة من المساعدات لبرامج الصواريخ الباليستية لإيران وباكستان". [أنظر: Rogue Or Rational State? A Nuclear Armed Iran And US Counter Proliferation Strategy].
وبالتعاون والشراكة مع الصين تم تطوير صاروخ زلزال-2 إلى صاروخ NP-110 والذي أصبح فيما بعد صاروخ فاتح-110، (في الأصل صاروخ فاتح-110 كان إسمه NP-110). كما شاركت الصين في انتاج صواريخ إيرانية كثيرة مثل صاروخ
فاتح-110 وصاروخ شهاب-3، وسوف نستعرض التعاون الصيني في إنتاج هذه الصواريخ في الجزء القادم "قائمة لبعض الصواريخ الإيرانية" من هذا القسم ضمن سياق التقرير.
لا حدود للصين تجاه تعزيز القدرات البحرية الإيرانية وقدراتها في "المنطقة المحرّمة/منع الولوج A2/AD"، فقد ساهمت في تطوير الصواريخ الإيرانية سطح - سطح. فبالإضافة إلى تزويدها بأنظمة الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز المضادة للسفن مباشرة من الصين، استخدمت إيران العديد من تصاميم الصواريخ الصينية كأساس لاستنساخ أنظمة الصواريخ المضادة للسفن لانتاجها محلياً، والتي يتم تصنيع بعضها في إيران بمساعدة صينية. تعتمد الصواريخ الإيرانية الباليستية وصواريخ الكروز المضادة للسفن في الأساس على الصواريخ والمكونات والتكنولوجيا المشتراة أساساً من الصين بالدرجة الأولى وبدرجة أقل من كوريا الشمالية. [أنظر: Commission to Assess the Ballistic Missile Threat to the United States: Appendix III: Unclassified Working Papers، (تقرير لجنة تقييم تهديد الصواريخ البالستية للولايات المتحدة: الملحق الثالث: أوراق العمل غير مصنفة)].
وإليكم قائمة لبعض الصواريخ الإيرانية المستنسخة من صواريخ صينية وبمساعدة مباشرة من الخبراء الصينين وباستخدام مكونات وتقنيات صينية:
صاروخ فاتح 110: بالتعاون والشراكة مع الصين تم تطوير صاروخ زلزال-2 إلى صاروخ NP-110 والذي أصبح فيما بعد صاروخ فاتح-110، (في الأصل صاروخ فاتح-110 كان إسمه NP-110). وهو صاروخ يعمل بالوقود الصلب، في البداية كان يبلغ مداه حوالي 170كم وبدأ برنامج تطوير هذا الصاروخ تقريباً في عام 1997، ثم في عام 2002 تم تطوير مدى الصاروخ إلى 200كم، وفي عام 2004 تم تطوير المدى إلى 250كم.
في 31 مايو من عام 2001 أعلنت اذاعة طهران عن أن إيران اختبرت بنجاح أول صاروخ أرض - أرض يعمل بالوقود الصلب. بالرغم من أن المصادر الإيرانية تقول بأن تطوير صاروخ فاتح-110 تم من قبل "شركة صناعة الطيران الحكومية الإيرانية"، إلا أن الواقع مغاير تماماً، فقد كان للصين الدور الرئيسي في تصنيع وتطوير هذا الصاروخ.
تفيد تقارير الاستخبارات المركزية الأميركية بأن الصين لعبت دوراً رئيسياً في تطوير صاروخ فاتح-110 والذي كان يعرف بـ NP-110، وأن فنيو الصواريخ الإيرانيون ذهبوا إلى الصين لمراقبة اختبار أرضي لمحرك صاروخي يبلغ قطره 450 مم لاستخدامه في صاروخ آخر جديد قصير المدى يعمل بالوقود الصلب وهذا الصاروخ الجديد هو صاروخ NP-110، والذي أصبح فيما بعد إسمه صاروخ فاتح 110 (Fateh-110) وتم تطويره عدة مرات ولسنوات امتدت من نهاية التسعينيات إلى 2010، وعلى عدة مراحل وبمديات مختلفة من 170كم، إلى 200كم ثم 250 إلى أن وصل إلى 300كم . وتفيد التقارير أن التطوير المشترك تضمن أيضاً تزويد الصين لإيران بمعدات الأشعة السينية لفحص المسبوكات الصاروخية ووقود الوقود الصلب. كان اكتساب تكنولوجيا الأشعة السينية بمثابة تقدم كبير في قدرة إيران على الإنتاج المستحدم في صواريخ الوقود الصلب. [الخبر ورد في في صحيفة واشنطن تايمز Washington Times بتاريخ 17 يونيو 1997، بعنوان: “China Joins Forces with Iran on Short-Range Missile"، وكذلك في صحيفة تايمز أوف إنديا Times of India بتاريخ 18 يونيو 1997، بعنوان: “China, Iran Align to Develop Short-Range Missiles: Report”، صفحة رقم 14، أنظر: تقرير لجنة تقييم تهديد الصواريخ البالستية للولايات المتحدة].
بعد بضع سنوات، أفادت التقارير أن الصين أقامت في إيران مصنعاً لتصنيع محرك لصاروخ NP-110 (صاروخ فاتح 110). بحلول نهاية التسعينيات، كانت الصين تدرب عشرة من العلماء الإيرانيين على تقنيات التوجيه بالقصور الذاتي وتقوم بتزويد إيران بالفولاذ المتخصص في تصنيع الصواريخ. [أنظر: "China and Iran: Ancient Partners in a Post-Imperial World"، (الصين وإيران: الشركاء القدامى في عالم ما بعد الإمبراطورية) صفحة 188].
صاروخ شهاب-3: كما دعمت الصين في عام 1998 الجهود الإيرانية لإنتاج صاروخ أحادي الطور جديد من نوع واحد، يبلغ مداه 800-1,240 كيلومتراً، وهو شهاب-3. ثم في السنوات اللاحقة قاموا بتطوير الصاروخ وزادوا من مدى الصاروخ.
الدعم الصيني منذ عام 1998 في جهود انتاج صاروخ شهاب كان واضح وجلي، بينما كان الصاروخ شهاب يعتمد على تكنولوجيا الوقود السائلة الكورية الشمالية مع دمج للتكنولوجيا الروسية والكورية الشمالية بشكل أساسي، قدمت الصين لصاروخ شهاب على ما يبدو تكنولوجيا التوجيه والتحكم، بالإضافة إلى الفولاذ المتخصص في تصنيع الصواريخ. [التقرير السنوي لموقع جينس ديفينس Jane’s Strategic Weapons Systems، نقلاً عن: National Intelligence Council، وكذلك: Report for Congress].
في عام 1997، قامت مجموعة شركة سور الصين العظيم للصناعة Great Wall Industrial Corporation وهي شركة متخصصة في إطلاق الأقمار الصناعية - بتوفير البنية التحتية لاختبار القياس عن بُعد بالكامل، واختبار إطلاق الصواريخ لدعم برنامج تطوير صواريخ شهاب. في أواخر التسعينيات، أفادت التقارير بأن أكثر من مائة من أخصائي الصواريخ الصينية والكورية الشمالية كانوا يعملون في إيران لتطوير صواريخ شهاب. في يوليو 1998، أجرت إيران اختباراً أوليّاً لصاروخ شهاب-3. الاختبارات النهائية لشهاب-3 تم إجراؤها في يوليو 2003، وتم تسليم السلاح رسمياً إلى القوات المسلحة الإيرانية. [أنظر: تقرير كوكس، الفصل الرابع، نشر بصحيفة واشنطن بوست: "The Cox Report: Chapter 4"، PRC Missile and Space Forces،]
في مايو 2002، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على خمس شركات صينية لتزويدها بتكنولوجيا لصواريخ شهاب-3. وهذا يعني أن بإنتاج إيران صاروخ شهاب-3 بمدى يصل إلى 930 كم سوف تصبح قواعد الولايات المتحدة في تركيا داخل مدى صاروخ شهاب-3؛ ذكر تقرير لوكالة الاستخبارات المركزية (CIA) في الاصدار النصف الثاني من عام 2003 أن الكيانات الصينية استمرت في مساعدة إيران "على المضي نحو هدفها المتمثل في أن تنتج الصواريخ الباليستية إنتاجاً ذاتياً"، فضلاً عن تزويد الصين لإيران بالعناصر ذات الصلة بالصواريخ وهي مواد ذات الاستخدام المزدوج، وكذلك تزويد إيران بالمواد الخام والمساعدة. [أنظر: تقرير لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية للفترة من 1 يولية إلى 31 ديسمبر 2003، Unclassified Report to Congress on Acquisition of Technology Relating to Weapons of Mass Destruction and Advanced Conventional ].
في نوفمبر 2003، أعلنت طهران أنها تطور نظام التعزيز للصواريخ لاستخدامه في صاروخ شهاب-3، وهذا من شأنه أن تمكن إيران من إطلاق قمر صناعي أرضي. في يناير 2004، أعلن وزير الدفاع الإيراني علي شمخاني أن إيران ستصبح أول دولة إسلامية تطلق قمراً صناعياً إلى الفضاء بحلول منتصف عام 2005 باستخدام "نظام الإطلاق المحلي الصنع". [أنظر: Iran enhances existing weaponry by optimising Shahab-3 ballistic missile].
وهذا فيديو من قناة تلفزيونية من الصين عرضت تقرير "انفوغرافك" عن صاروخ شهاب-3 وشهاب-4، وفي التقرير يركز على خريطة إيران وخريطة الصين وبينهما "خط أسهم" في إشارة إلى التعاون والشراكة بين الصين وإيران في إنتاج هذا الصاروخ،:
صاروخ نور: يُعتقد أن صاروخ نور المضاد للسفن بعيد المدى مستنسخ من الصاروخين C801 و C802. وهناك مزاعم بأن صاروخ نور بدأ كاشتقاق من صاروخ توندار Tondar في أواخر التسعينيات، عندما بدأت إيران في إنتاج الصواريخ محلياً عبر هندسية عكسية من صاروخ C801. ويبدو أن في نهاية المطاف صاروخ توندار تطور إلى صاروخ نور. يصل مدى صاروخ نور -1 إلى 40 كم (25 ميلًا)، أما صاروخ نور -2 (المستنسخ من C802) فيمكن أن يصل مداه إلى 170 كم (105 ميلاً) أو أكثر. يتميز كل من نور 1 و نور 2 بأنظمة الرادار والأشعة تحت الحمراء.
صاروخ كوثر: يستند صاروخ كوسار (أو كوثر)، على أنظمة الصواريخ الصينية C701 و TL-10، وهو صاروخ مضاد للسفن وصنع لأول مرة في عام 2004. وفقاً للتقارير الإيرانية الرسمية، يمكن إطلاق كوسار من البر أو البحر أو الجو، ويمكن توجيهه عبر الرادار أو الإشارة التلفزيونية. ومداه الفعلي يتراوح ما بين 15-20 كم (9-12 ميل).
صاروخ رعد: يبدو أن صاروخ رعد المضاد للسفن بعيد المدى الذي أعلن عنه أول مرة في عام 2004، يعد أحد أنواع الصاروخ الصيني سيلك وورم HY-2، مع مدى فعلي يبلغ حوالي 360 كم (224 ميل). ويتميز بأنظمة توجيه الرادار والأشعة تحت الحمراء.
صاروخ نصر: هو صاروخ مضاد للسفن ومستنسخ من نظام الصاروخ الصيني C704، وبدأ الإنتاج الضخم لصاروخ نصر في عام 2010. ويتميّز بنظام موجه بالرادار والإشارات التلفزيونية، ويبلغ مداه الفعلي 170 كم (106 ميلاً)، ويتم إنتاجه بالتعاون مع مجموعة الصين للعلوم والتقنيات الجوفضائية China Aerospace Science and Technology Corporation وتعرف بـ (CASC). [أنظر: China, Iran Share Missile Know-How].
صاروخ نصر-1: اشتقاق من صاروخ نصر، وهو مستنسخ من الصاروخ الصيني C704K، تدعي إيران بأنه قادر على حمل رأس حربي بزنة 150 کيلوغرام وقادر أيضاً علی تدمير السفن الحربية التي يصل وزنها إلى 3 آلاف طن. وباستطاعة هذا الصاروخ الانطلاق من الساحل، ويمكن تركيبه على مختلف أنواع العوامات والمروحيات والغواصات. صاروخ كروز (نصر-1 ) الشبحي المضاد للسفن الذي يعمل بالوقود الصلب. ويمكن اطلاق صاروخ "نصر1" من على السفن والغواصات والطائرات ويبلغ مداه 35 كيلومتراً.
وفتحت الصين مصنعاً لهذه الصواريخ. [أنظر: China opens missile plant in Iran، (الصين تفتح مصنع للصواريخ في إيران)، وكذلك أنظر: Commission to Assess the Ballistic Missile Threat to the United States: Appendix III: Unclassified Working Papers، (تقرير لجنة تقييم تهديد الصواريخ البالستية للولايات المتحدة: الملحق الثالث: أوراق العمل غير مصنفة)].
صاروخ قادر: يرتبط صاروخ قادر المضاد للسفن، الذي تم الكشف عنه في عام 2011، ارتباطاً وثيقاً بأنظمة الصواريخ الصينية C802 و C803. يتم نشره من على صفائف بالبر للدفاع الساحلي، ويبلغ مداه الفعلي حوالي 200 كم (124 ميلاً)، ويزعم بأن الصاروخ يستحدم نظام توجيه الرادار المقاوم للتشويش. تم كشف النقاب عنه في عام 2011.
صاروخ ظفر: بدأ إنتاج نظام صاروخ ظفر في أوائل عام 2012، وهو صاروخ مضاد للسفن خفيف الوزن موجه بالرادار ويُعتقد أنه يعتمد على أنظمة الصواريخ الصينية C704 و C705. يمكن إطلاقه من الزوارق الهجومية الصغيرة، ومداه الفعلي يتراوح بين 40-75 كم (25-47 ميل),
صاروخ خليج فارس: يقول الخبراء أن هذا الصاروخ معادل للصاروخ الصيني DF-21D وتم إنتاجه وتطويره بمساعدة مباشرة من الصين، وهو صاروخ باليستي مضاد للسفن، وتدّعي إيران بأن سرعته تتجاوز سرعة الصوت ويمكن إطلاقه من على السفن ومن الأرض، وتزعم إيران أن هذا الصاروخ الذي يعمل بالقود الصلب ويصل مداه إلى 300 كيلومتر ويبلغ وزن الرأس الحربي الذي يحمله 650 كجم.
صاروخ نصير: (توليف ذكي بين الصواريخ البحرية الصينية والروسية)، يعتبر هذا الصاروخ من الأجيال المتطورة لصواريخ كروز (بحر- بحر)، وهو يتميز بزمن قصير للإطلاق وبدقة عالية في إصابة الأهداف وقدرة تدمير كبيرة وقدرة على التشويش على الرادارات المتطورة بفضل تجهيزه بنظام رادار متقدم. ويتمتع هذا الصاروخ بإمكانية الإطلاق من الشاطىء والبحر ومن خلال الزوارق السريعة ضد أهداف بحرية منها البوارج الحربية والمنصات, ويتميز كذلك بالجاهزية للرد السريع في ارتفاعات منخفضة جداً.
وصاروخ نصير هو جيل جديد من صاروخ كروز (نصر-1) الشبحي المضاد للسفن الذي يعمل بالوقود الصلب، ويزيد طول جسم الصاروخ "نصير" بحدود 20 بالمئة مقارنة مع صاروخ نصر. وإذا نظرنا إلى النماذج الصينية في هذا المجال والتي تتمتع بتنوع منقطع النظير ستكتمل الفكرة عن صاروخ "نصير" الإيراني. ويمكن الإشارة إلى بعض الصواريخ الصينية كصاروخ ( YJ-18A ) المضاد للسفن، وصاروخ (CJ-20) الذي يطلق عليه أيضاً اسم "التوماهوك الصيني" لأنه يشبه صاروخ "توماهوك" الأمريكي.
والشكل النهائي لمؤخرة صاروخ "نصير" يشبه إلى حد بعيد مؤخرة صاروخ C750 الصيني. كما أن القسم الأمامي لكلا الصاروخين مقتبس من تصميم متناظر الشكل. ويمكن القول أيضاً بأن صاروخ نصير الإيراني يشبه في فكرته الأساسية للصواريخ الروسية المماثلة من حيث الشكل والأجنحة كصاروخ KH35 المضاد للسفن الحربية. ومن الصعب تخمين مدى صاروخ نصير إلاّ أن المعطيات تشير إلى أنه يتراوح ما بين 2 - 32 ضعف قياساً إلى صاروخ "نصر 1".
صاروخ يا علي: هو صاروخ كروز هجوم برّي (LACM) يستند على التكنولوجيا الصينية، ويحمل رأس حربي 200 كجم. يبلغ مدى الصاروخ حوالي 700 كم. تم الكشف عن الصاروخ لأول مرة في 11 مايو 2014 عندما زار علي خامنئي قوة الفضاء الجوية التابعة لجيش الحرس الإيراني. وفقاً لموقع جينس ديفنس، يحتوي الصاروخ على مدخل محرك نفاث، وربما يستخدم نسخة من طوربو تيروجيت 4 التي تنتجها إيران لصواريخها بعيدة المدى المضادة للسفن، ولدى الحوثيين هذا الصاروخ.
صاروخ ميثاق-1 و 2: هو صاروخ أرض جو محمول بالأشعة تحت الحمراء. قدمت الصين إلى إيران المساعدة في تطوير صاروخ سام المحمول على الكتف، صاروخ ميثاق-1، هو صاروخ متطور من الجيل الثاني للدفاع على ارتفاعات منخفضة. وميثاق-2 هو خليفة ميثاق-1 مثل سابقتها تستند على التكنولوجيا الصينية. أطلق وزير الدفاع الإيراني الإنتاج الضخم المحلي من طراز ميثاق-2 في 5 فبراير 2006.
فيما يتعلق بخصوص هذه الصواريخ، أشارت التقارير أن الصين وإيران تشتركان في "المعرفة" الصاروخية Know-how، حيث تعمل منظمة صناعات الطيران والفضاء الإيرانية (AIO) على تطوير وإنتاج أنظمة الصواريخ المضادة للسفن بالتعاون مع مجموعة الصين للعلوم والتقنيات الجوفضائية China Aerospace Science and Technology Corporation وتعرف بـ (CASC)، وهذه التقارير ذكرت بأنه حسبما أكدت مصادر في كلتا المجموعتين. [أنظر: China, Iran Share Missile Know-How].
ساعدت الصين إيران أيضاً في تحديث نظام الدفاع الجوي الإيراني، وأنتجت إيران أنظمة دفاع جوي مثل صياد-1، كما كان للصين جهود ومساعدات كبير ة جداً في مجال تصنيع الرادارات الإيرانية، وفقاً لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية بدأت أولى هذه المساعدات عندما قامت شركة الصين الوطنية لإستيراد وتصدير الإلكترونيات بشحن مكونات أنظمة الرادار JY-14 إلى إيران، ونظام الرادار JY-14 متطور يمكنه تتبع ما يصل إلى 100 طائرة وصاروخ في وقت واحد ويغذي البيانات إلى أنظمة الكمبيوتر، التي تقوم بفرزها ونقلها إلى بطاريات صواريخ اعتراضية. يتمتع نظام JY-14 بالقدرة على تتبع الأهداف على ارتفاعات تصل إلى 75000 قدم وفي مدى معين تصل إلى 186 ميلاً حتى عند تعرضها للتعطيل الإلكتروني أو التشويش.
وفي عام 1998، بدأت إيران في بناء العديد من رادارات JY-14 استنساخاً من النسخة الصينية. وحالياً لدى إيران مجموعة مختلفة من الرادارات، ومعظم هذه الرادارات التي تعلن عنها وتحمل أسماء إيرانية مختلفة، هي في الواقع بمساعدة صينية إلى حدٍ كبير، ومستنسخة من رادرات صينية. [أنظر كتاب: "China and Iran: Ancient Partners in a Post-Imperial World"، (الصين وإيران: الشركاء القدامى في عالم ما بعد الإمبراطورية) صفحة 185].
وقدمت الصين أيضا مساعدات لإيران في مجال صناعة عدد آخر من الصواريخ مثل صاروخ نازعات 6 ونازعات 10، وصاروخ زلزال 1و2 و3، وغيرهم. كما ساعدت الصين في تطوير القدرات الإيرانية في صناعة السدود والأنفاق ومنشآت وصوامع تحت الأرض للصواريخ silo، وأيضا في مجال تطوير التكنولوجيا النووية، والذي بدأ في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي، وتجدر الإشارة أن بعض مساعدات الصين العسكرية لإيران كانت تمر في بدايتها عبر كوريا الشمالية.
وتتعمد الصين زيادة تسليحاتها لإيران مناكفة بالولايات المتحدة التي تعتبر المزود الرئيسي لإسرائيل ودول الخليج العربي بالسلاح، فكان لا بد من الدول المنزعجة من نفوذ الولايات المتحدة في المنطقة، مثل الصين وروسيا، أن تقوم بتسليح دول مثل إيران وسوريا. وما يعيق السخاء الصيني في تسليح إيران وجعلها دولة أقوى عسكرياً هو الجسر الذي مدته إسرائيل وقوى تابعة للوبي الصهيوني مع الصين للتعاون في مجال تصدير الأسلحة وتكنولوجيا التصنيع، ومن المؤكد أن القوى الصهيونية تريد احتكار سوق السلاح الصيني، ثم محاولة السيطرة على الإدارة السياسية الصينية على غرار الولايات المتحدة الأميركية، وذلك تحسباً لضعف أميركي قادم وصعود صيني محتمل.
التسلسل الزمني لخطورة التعاون الصيني في برنامج الصواريخ الإيرانية
التسلسل الزمني للتقارير التي كانت ترفع عن صواريخ إيران ومدى خطورة التعاون الصيني الإيراني في دعم ومساعدة تطوير التسليح الحربي الإيراني لا سيما الترسانة الصاروخية لإيران:
4 يونيه 2000: تفيد التقارير بأن الصين تساعد إيران في مشروع تطوير صاروخ أرض - أرض متقدم. قد يساعد ما تقوم به الصين من نقل أنظمة التوجيه ومحركات الصواريخ والوقود الصلب إلى إيران في بناء مصانع لتصنيع الصواريخ. بالإضافة إلى ذلك، تعتبر المساعدة الصينية في تزويد هذه المواد الضرورية لتطوير إيران للصواريخ بعيدة المدى.
18 يوليو 2000: في إشارة إلى تقارير عن مساعدة الصين لبرنامج الصواريخ الإيرانية، تجاهل تشو بانغزاو، المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية المزاعم، قائلاً: "هذا التقرير لا أساس له من الصحة"، و "نأمل أن يحافظ الشرق الأوسط والخليج على السلام والاستقرار".
26 يناير 2001: ذكرت صحيفة واشنطن تايمز أن الصين تواصل بيع التقنيات المتعلقة بالصواريخ إلى إيران. وفقاً لمصدر فضل عدم الكشف عن نفسه، زودت الصين إيران بنوعية من المعادن والمواد الكيميائية المتخصصة والمستخدمة في إنتاج الصواريخ. تم تحديد شركة شمال الصين للصناعات China North Industries Co. وكان المشتري الإيراني مجموعة شهيد باقري الصناعية.
19يوليو 2002: فرضت وزارة الخارجية الأميركية عقوبات اقتصادية على ثماني شركات صينية تشمل "ثلاث حالات من مبيعات الأسلحة التقليدية المتقدمة ومكونات الأسلحة الكيميائية والبيولوجية إلى إيران". وتمت المبيعات بين سبتمبر 2000 وأكتوبر 2001 وانتهكت إيران - قانون منع انتشار الأسلحة للعراق وإيران لعام 1992.
23 مايو 2003: فرضت الحكومة الأميركية عقوبات على مجموعة شركة شمال الصين للصناعات China North Industries Group (والتي تعرف اختصارأً بـ Norinco) بسبب تزويد إيران بتكنولوجيا الصواريخ. العقوبات تمنع جميع صادرات مجموعة Norinco أو الشركات التابعة لها إلى الولايات المتحدة، وتحظر أي عقود بين الشركة والوكالات الحكومية الأميركية. في عام 2002، كان مجموع صادرات منتجات شركة Norinco بقيمة 100 مليون دولار إلى الولايات المتحدة.
16 يونيو 2004: في شهادة بالكونغرس أمام لجنة المراجعة الأمنية والاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين، قالت كارولين بارثولوميو، "تواصل الكيانات الصينية مساعدة إيران في استخدام المواد ذات الصلة بالصواريخ والمواد ذات الإنتاج المزدوج والمعدات والتكنولوجيا المتعلقة بالأسلحة الكيميائية ذات الاستخدام المزدوج. يذكر التقرير السنوي للمفوضية أن "الصين سعت إلى التعاون في مجال الطاقة مع الدول التي تهم الولايات المتحدة، بما في ذلك إيران. بعض المحللين عبروا عن شكوكهم بأن الصين ربما تكون زودت إيران بأسلحة الدمار الشامل أو قدمت المساعدة في نقل تقنيات صناعة أسلحة الدمار الشامل وذلك كمكون أو عنصر لبعض صفقات الطاقة بين الصين وإيران". الشركات الصينية تلاحقها التهم بأنها باعت لإيران صواريخ باليستية طرز CSS8 و DF-15، إلى جانب صواريخ كروز التي بالفعل حصلت عليها إيران وتم تحديد أنواعها على أنها HY-1 و HY-2 Silkworm و C201 و C-601 و C-801 و C-802.
23 نوفمبر 2004: في تقييم لوكالة الاستخبارات المركزية (CIA) مدته ستة أشهر عن اتجاهات أسلحة الدمار الشامل في الفترة من يوليو إلى ديسمبر 2003، أقر بأن تحسينات محدودة في جهود الصين لمنع الانتشار النووي، ولكنه يثير القلق بشأن استمرار المساعدات الصينية المقدمة لإيران. "على الرغم من أن بكين تواصل اتخاذ بعض الخطوات لتثقيف الشركات والأفراد بشأن لوائح التصدير الجديدة المتعلقة بالصواريخ - التي قدمت ندوة لمراقبة الصادرات في سبتمبر 2003 للمسؤولين والشركات من الصين ودول أخرى - استمرت الكيانات الصينية في العمل مع باكستان وإيران بشأن المشاريع ذات الصلة بالصواريخ البالستية خلال النصف الثاني من عام 2003، وقد ساعدت الكيانات الصينية المتخصصة في الصواريخ الباليستية وذات الصلة بمساعدة إيران على المضي نحو هدفها المتمثل في أن تصبح مكتفية ذاتيا في إنتاج الصواريخ الباليستية.
28 مارس 2007: نائب مساعد وزيرة الخارجية لشؤون شرق آسيا توماس كريستنسن، متحدثاً أمام اللجنة الفرعية للشؤون الخارجية بمجلس النواب حول آسيا، ينتقد الاستثمارات الصينية في قطاع الطاقة الإيراني. وقال: "لقد أوضحنا لبكين أن هذه الأنواع من الاستثمارات، إلى جانب استمرار مبيعات الأسلحة إلى إيران، ترسل إشارة خاطئة إلى النظام الإيراني وتثير مخاوف جدية بموجب القانون الأميركي".
فبراير 2008: شنت وزارة الخارجية الأميركية "هجوماً دبلوماسياً كبيراً للضغط على بكين لوقف تجارة الأسلحة المحتملة مع إيران. تتقاسم الولايات المتحدة المعلومات الاستخبارية مع ثمانية "من الحلفاء الرئيسيين" من أجل "إقناع الصين بتطبيق قوانين مراقبة الصادرات بشكل أكثر فعالية و "التنفيذ الصارم" لقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بشأن بيع الأسلحة والمواد المهربة.
فبراير وأبريل 2009: فرضت الولايات المتحدة عقوبات على العديد من الشركات الصينية بسبب انتشار الصواريخ في إيران.
فبراير 2011: أبلغ الكونغرس الأميركي "تقرير القسم رقم 721" الصادر عام 2011 بأن "الكيانات" الصينية "واصلت تزويد إيران بالمواد المتعلقة بالصواريخ"، على الرغم من العقوبات الأميركية
ما ورد أعلاه مجرد عينة صغيرة عن تسلسل زمني يسلط الضوء على اللحظات الرئيسية في علاقة الأسلحة الصينية بإيران، من تقرير صادر عن منظمة مبادرة التهديد النووي (NTI)، بصيغة PDF وعدد صفحاته 492 صفحة. [للمزيد أنظر: Iran Missile Chronology]
الأدوات السياسية لمكافحة برنامج الصواريخ الإيرانية
لعل أهم الأدوات السياسية لتقييد قدرات الصواريخ الإيرانية تم الإشارة إليها في تقرير حديث لمعهد بروكنجز صدر مؤخراً في مارس 2019 بعنون: "Constraining Iran's Missile Capabilities"، حيث يشير التقرير إلى أن، لتعزيز أهداف الولايات المتحدة ضد برنامج الصواريخ الإيراني والتغلب على العقبات التي تواجه المجتمع الدولي نظراً لتزايد وتسارع برنامج الصواريخ الإيرانية، يتطلب تطبيقاً متزامناً وتنفيذاً صارماً وخلاقاً لمجموعة واسعة من أدوات السياسة، ومنها على سبيل المثال:
1 - الضوابط التجارية الوطنية والمتعددة الأطراف (مثل الضوابط الخاصة بنظام التحكم في تكنولوجيا القذائف MTCR)، واعتراض كل حالة أو قضية على حده (أي وقف عمليات النقل الفردية المحددة على وجه التحديد للمعدات والتكنولوجيا والأموال من وإلى برنامج صواريخ إيران)، سوف يلعب دوراً مهماً في إعاقة التحسن الكمي والنوعي لتهديد الصواريخ الإيرانية. يجب على الولايات المتحدة مواصلة الضغط على البلدان المصدرة الرئيسية (مثل الصين على وجه الخصوص) ودول العبور والشحن (مثل الإمارات وسنغافورة وماليزيا) لتعزيز ضوابطهم التجارية المتعلقة بالقذائف والصواريخ، وعليهم أن يتعاونوا ويتقاسموا المعلومات الاستخبارية مع الدول التي في وضع يمكنها من ذلك لحظر المعاملات الحساسة. لكن أدوات السياسة هذه ذات فائدة هامشية في مواجهة الحجم الكبير لقوة إيران والتطور المتزايد لقدرتها الأصلية المحلية على إنتاج الصواريخ.
2 - هذا يعني أنه ستكون هناك حاجة متزايدة إلى الاعتماد على القدرات العسكرية - مجموعة التعزيز المتبادل من الاستنزاف الهجومي، الدفاعات الصاروخية والدفاعات غير الحركية - والسياسة التصحيحية للردع والدفاع ضد أهداف برنامج الصواريخ الإيراني وقمعه تماماً.
3 - ستبقى العقوبات والضغط الدبلوماسي أدوات سياسية مهمة لثني الدول الأخرى عن مساعدة برنامج الصواريخ الإيراني أو المشاركة بطريقة غير مباشرة في المساعدة، ولزيادة إمكانية إقناع إيران في مرحلة ما للحد من جوانب برنامجها الصاروخي.
- نظراً لضعف احتمال فرض مجلس الأمن الدولي مزيداً من العقوبات على إيران، فإن العقوبات التي من المرجح أن تؤثر على قدرات إيران الصاروخية ستكون العقوبات الأميركية على كيانات الطرف الثالث التي تتعامل مع برنامج الصواريخ الإيراني بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. ولكي يكون ذلك فعالاً، يجب أن تكون واشنطن مستعدة لرفع أولوية تقييد برنامج الصواريخ الإيراني وربما تحمل تكاليف في العلاقات الثنائية مع الدول التي لها سلطة على مثل هذه الكيانات مثل الصين وهونغ كونغ، ماليزيا، روسيا، سنغافورة وتركيا والإمارات العربية المتحدة.
- ينبغي على الولايات المتحدة والدول ذات التفكير المماثل أن تشارك في جهود دبلوماسية عامة وخاصة نشطة لتأكيد التهديدات التي تشكلها القوة الصاروخية الإيرانية، على سبيل المثال تحذير دول مثل روسيا والصين من تداعياتهما على قوة الصواريخ الإيرانية المتنامية (بما في ذلك العقوبات المحتملة) ضد كياناتهم وتعزيز الدفاعات الصاروخية الأميركية والدول الشريكة)، لحث الدول ذات النفوذ على طهران للضغط من أجل ضبط وتقييد الصواريخ الإيرانية، وتحسين قابلية التأثر بالجهود الأميركية لمكافحة انتشار الصواريخ الإيرانية ومراقبة التجارة المرتبطة بإيران. [أنظر: "Constraining Iran's Missile Capabilities"].
ثـانيـــاً: دور الصين في البرنامج النووي الإيراني
كان دعم البرامج النووية الإيرانية عنصراً أساسياً في جهود بكين لإقامة شراكة مع إيران في الثمانينيات والتسعينيات. من 1985 إلى 1999 كانت الصين الشريك النووي الرئيسي لإيران. في حين أن الصين لم تكن الشريك النووي الوحيد لإيران خلال تلك الفترة، إلا أنها كانت الأكثر أهمية إلى حد بعيد. خلال تلك الفترة، ساعدت الصين إيران فعلياً في التحايل على المعارضة الدولية بقيادة الولايات المتحدة للجهود النووية الإيرانية. اعتبر القادة الإيرانيون أن برامجهم النووية مهمة للغاية، ودعم الصين في هذا المجال جعل بكين ذات قيمة بالنسبة لطهران. في نهاية المطاف، في عام 1999، تخلت الصين عن تعاونها النووي مع إيران تحت ضغوطات شديدة من الولايات المتحدة. وكان العنوان الرئيسي للضغط من أجل حماية علاقة الصين التجارية الحيوية مع الولايات المتحدة. ومع ذلك، لم يتوقف تعاون الصين مع إيران في المجال النووي، إستمر بطرق مختلفة.
فضلاً عن أن بحلول ذلك الوقت، كانت السنوات الطويلة المتتالية (1985 - 1999) من الدعم الصيني في المجالات التقنية والبحوث النووية، والمشاركة في افتتاح منشآت ومرافق نووية داخل إيران مثل "منشأة أصفهان للأبحاث النووي"، وتزويدها بأجهزة ومعدات وآلات تستخدم في مجال البحوث النووي لتخصيب اليورانيوم وفي المفاعلات التي تعمل بالماء الثقيل، وتدريب الإيرانيين، قفزت بإيران قفزات هائلة في المجال النووي، واختصرت عليها الكثير من سنوات البحث والتطوير.
لقد نفى الطرفان (الصين وإيران) أي علاقة نووية بينهما لمدة ست سنوات، وفقط في عام 1991 تم الاعتراف بها علناً. وحتى ذلك الحين ظلت العديد من جوانب العلاقة سرية ولم يتم الكشف عنها إلا بعد أكثر من عقد، عندما قدمت إيران والصين وثائق مهمة حول العلاقة النووية بينهما إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية في عامي 2003 و 2004. [أنظر: Implementation of the NPT Safeguards Agreement in the Islamic Republic of Iran، نوفمبر 2003، وكذلك أنظر: Implementation of the NPT Safeguards Agreement in the Islamic Republic of Iran، نوفمبر 2004].
ومن المؤسف أن تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية عن الفترة 2003 - 2004 تشير فقط إلى "موردين أجانب" و "دول أجنبية" دون ذكر إسم الدولة التي زودت إيران، ووفقاً للعديد من الخبراء والمحللين، أن في الغالب "موردين أجانب" و "دول أجنبية" التي تشير إليها تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية في الفترة 2003 - 2004 هي الصين.
التعاون الصيني الإيراني في الفترة من عام 1989 إلى 2004 يكشف لنا بأنه يتوافق مع المناقشات والجدال التي تدور حالياً في الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن البرنامج النووي الإيراني، في تلك الفترة من 1989 إلى 2004 لم يكن أحد يعرف عن التعاون السري بين الصين وإيران بشأن البرنامج النووي الإيراني. لقد لعبت الصين دوراً كبيراً في مساعدة إيران في برنامجها النووي ودعمها في المحافل والمنظمات الدولية. إن تورط الصين في جهود إيران لتحديث وتطوير قدراتها العسكرية وجيشها، بما في ذلك تزويد إيران بالأسلحة وخدمات الهندسة العكسية لاستنساخ الأسلحة، فضلاً عن السلع الرأسمالية، في مقابل النفط الإيراني، مما يشير إلى وجود روابط بين التبادل الصيني الإيراني. بعبارة أخرى: النفط الإيراني مقابل السلاح الصيني والدعم في الساحات السياسية الدولية. [انظر : "China and Iran: Ancient Partners in a Post-Imperial World"، (الصين وإيران: الشركاء القدامى في عالم ما بعد الإمبراطورية)].
إلى جانب الدعم العسكري التقليدي، قدمت الصين أيضاً مساعدة مهمة للبرنامج النووي الإيراني، حيث توفر الخبرة الفنية وتدريب المهندسين النوويين الإيرانيين والمتخصصين في استكشاف اليورانيوم والتعدين وذلك منذ زمن بعيد قبل فترة طويلة من توقيع الصفقة النووية. منذ منتصف الثمانينيات من القرن الماضي، كما أشرنا سابقاً أن في عام 1985 وقعت حكومتا الصين وإيران اتفاقاً سرياً للتعاون النووي خلال زيارة رئيس مجلس النواب الإيراني - آنذاك - أكبر هاشمي رفسنجاني إلى الصين. ومنذ ذلك الوقت، زودت الصين إيران بالتقنيات والآلات النووية الهامة وساعدت الفنيين في إيران على إتقان استخدام الليزر لتخصيب اليورانيوم. وقد لعب المهندسون والفنيون الصينيون دوراً رئيسياً في المساعدة في إنشاء "منشأة أصفهان للأبحاث النووية"، وهذه المنشأة لعبت دوراً رئيسياً في تطوير البرنامج النووي الإيراني.
منشأة أصفهان للأبحاث النووية ( ENRC )
افتتحت إيران عام 1984 منشأة أصفهان للأبحاث النووية Esfahan the Nuclear Research Center - ENRC، بغرض البحوث في تكنولوجيا المفاعلات ودورة الوقود النووي بما في ذلك تخصيب اليورانيوم وإعادة المعالجة الكيميائية لليورانيوم المنضب لاستخراج البلوتونيوم. (البلوتونيوم مادة سائلة تستخدم مثل اليورانيوم في القنابل الذرية). قبل الثورة الإيرانية عام 1979، كانت فرنسا بموجب عقد ستقوم ببناء مفاعل أبحاث لمنشأة أصفهان، لكن باريس تخلت عن هذا العقد بعد الثورة.
وفي عام 1985 قررت إيران البدء في برنامج لتخصيب اليورانيوم سراً، والكارثة لم تكتشف الوكالة الدولية للطاقة الذرية، إلا بعد أكثر من عقدين من الزمن، في عام 2003.
ويرجع جذور العمل السري في البرنامج النووي الإيراني إلى يونيو 1985، عندما زار أكبر هاشمي رفسنجاني بكين، وأبرمت الحكومتان (الصين وإيران) سراً بروتوكولاً للتعاون مع إيران بشأن الاستخدامات السلمية للطاقة النووية. في ذلك الوقت، لم يعلن عن اتفاقية عام 1985 ولم يعترف بها رسمياً، ولكن بموجب الاتفاقية، ساعدت الصين إيران على تطوير منشأة أصفهان للأبحاث النووية.
وفيما يتعلق بخصوص اتفاقية التعاون النووي التي وقعت أثناء زيارة رفسنجاني إلى بكين، صرح السفير الصيني لدى طهران في سبتمبر 1995 مبرراً التعاون النووي مع إيران بالقول: إن التعاون النووي بين البلدين هو بموجب اتفاق "تم توقيعه قبل عشر سنوات"، وهنا عرف العالم أجمع بأن الاتفاقية وقعت في عام 1985 عند زيارة رفسنجاني لبكين. [أنظر: "China and Iran: Ancient Partners in a Post-Imperial World"، (الصين وإيران: الشركاء القدامى في عالم ما بعد الإمبراطورية)، صفحة 143].
وفي عام 1991، وقعت إيران اتفاقية أخرى مع الصين للتعاون في تخصيب اليورانيوم؛ وتشغيل وحدة تخصيب لليورانيوم، وهذه الأنشطة كانت تتم في منشأة أصفهان للأبحاث النووية، حيث يتم في المنشأة تنقية اليورانيوم من الشوائب من أجل تحويله كيميائياً إلى غاز هكسا فلورايد اليورانيوم، ومن ثم يتم تبريده وتنظيفه إلى أن يصبح صلباً.
معظم الأنشطة النووية الإيرانية التي دعمتها الصين بموجب اتفاق عام 1985 كان موقعها في منشأة أصفهان. لم يتم الإعلان للوكالة الدولية للطاقة الذرية عن منشأة أصفهان للأبحاث النووية حتى عام 1992. وبمجرد إعلانه للوكالة الدولية للطاقة الذرية، تم تفتيشها واعتبرت بأنها غير ضارة، لكن عملية تفتيش أكثر شمولية في عام 2003 وجدت أنها تضم عدداً من الغرف السرية التي تم بناؤها على نطاق واسع والتي استخدمت في أنشطة نووية سرية ولم يعلن عنها سابقاً للوكالة الدولية للطاقة الذرية. هل علم المتخصصون الصينيون العاملون في منشأة أصفهان للأبحاث النووية عن هذه المرافق والبرامج السرية في منشأة أصفهان للأبحاث النووية؟. هذا ما سوف نعرفه من خلال سرد شامل للتعاون النووي بين الصين وإيران في تلك الفترة والأنشطة النووية التي كانت تحدث في منشأة أصفهان.
التعاون النووي الإيراني مع الصين منذ عام 1985
بموجب اتفاق عام 1985، زودت الصين إيران بأربعة مفاعلات صغيرة للتدريس وللأبحاث لمنشأة أصفهان، وهذه المفاعلات تقوم بتجميع مجموعة شبه الحرجة، يستخدم وقود اليورانيوم الطبيعي، ويديره بالماء الخفيف. مجموعة شبه الحرجة تستخدم وقود اليورانيوم الطبيعي، ويديره الجرافيت؛ مفاعل صفري القدرة يستخدم وقود اليورانيوم الطبيعي ويديره الماء الثقيل (أي مفاعل الماء الثقيل الصفري القدرة)؛ ومفاعل مصدر نيوتروني صغير بقدرة 27 كيلو وات يستخدم أقل من كيلوغرام واحد من اليورانيوم العالي التخصيب. [أنظر: "China and Iran: Ancient Partners in a Post-Imperial World"، (الصين وإيران: الشركاء القدامى في عالم ما بعد الإمبراطورية)، صفحة 143].
بدأ بناء المفاعل الأول في يناير 1988، وأصبح المفاعل في الحالة الحرجة في يناير 1992. وبدأ بناء المفاعلات الثلاثة الأخرى في يناير 1990 ودخلت هذه المفاعلات في الحالة الحرجة في يناير 1992 ومارس 1994 ويونيو 1995 على التوالي. وقد زودت الصين المواد الانشطارية في قلب المفاعلات الأربعة. [أنظر: Implementation of the NPT Safeguards Agreement in the Islamic Republic of Iran، نوفمبر 2003].
وأعلن لاحقاً عن هذه المفاعلات البحثية الأربعة والوقود النووي المتصل بها وخضعت لضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية وتفتيشها بانتظام من قبل الوكالة الدولية. في ذلك الوقت، كان رأي الحكومة الأميركية بأن هذه المفاعلات الأربعة التي زودتها الصين لإيران لا تشكل "خطر انتشار مباشر"، لأنها لم تنتج كميات كبيرة من البلوتونيوم. إلا أن العديد من الخبراء والمحلليين، يؤكدون على نقطة هامة وهي: إن الموظفين الإيرانيين تمكنوا من تعلم مبادئ التصميم وتقنية "المعرفة" Know-how التي يمكن استخدامها لبناء مفاعلات أكبر محلية لإنتاج البلوتونيوم.
وبموجب اتفاق يونيو 1985، ذهب مهندسون من منظمة الطاقة الذرية الإيرانية ومعظمهم من منشأة أصفهان للأبحاث النووية إلى الصين للتدريب في تصميم المفاعل النووي. بحلول عام 1987، كان خمسة عشر مهندساً من المهندسين الإيرانيين يتدربون في الصين. بدأ التعاون النووي بين الصين وإيران في الظهور، وفي فبراير 1986 نفت وزارة الخارجية الصينية عن وجود أي علاقة وتعاون نووي بين الصين وإيران.
في عام 1991، تم الإبلاغ عن مهندسين صينيين يعملون في "دارخوين" بالقرب من الأحواز، وفي "معلم كلايه" بالقرب من قزوين، حيث كانوا يقومون بتركيب معدات لتخصيب اليورانيوم. ومن ثم، قد يكون المهندسون الصينيون ساعدوا إيران في تطوير تصميمات الطرد المركزي التي أعطاها الباكستاني عبدالقدير خان لإيران في عام 1987. ومهما كانت مشاركة الصين في برنامج إيران لتخصيب أجهزة الطرد المركزي السري، فقد بدأ إنتاج مكونات أجهزة الطرد المركزي هذه، والاختبارات الميكانيكية للأجهزة المجمعة بعد عقد من الزمن في عام 1997، واستمر حتى عام 2002، وفقاً لتقرير إيران اللاحق المقدم إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية في عام 2004. [أنظر: Implementation of the NPT Safeguards Agreement in the Islamic Republic of Iran، نوفمبر 2004].
في عام 1987 وافقت الصين على تزويد منشأة أصفهان للأبحاث النووية ENRC بجهاز يعرف باسم "كالترون" (جامعة كاليفورنيا ابتكرت هذا الجهاز في أوائل الأربعينيات). وقد تم تسليم الجهاز لمنشأة أصفهان بعد عامين. يستخدم الكالترون المغناطيسية لفصل الحزم الأيونية لنظائر اليورانيوم مع نوى ذرية متباينة قليلاً، وبالتالي اسمها الصحيح فصل النظائر الكهرومغناطيسية. في الحرب العالمية الثانية كان لدى الولايات المتحدة "مشروع القنبلة الذرية" واستخدمت في هذا المشروع الكالترونات لإنتاج مواد القنابل الانشطارية.
وقد كان لدى الموظفين الإيرانيين صعوبة في صنع وظيفة الكالترون الصيني وفقاً للتصميم، كما ساعد الخبراء الصينيون في حل تلك الصعوبات. تم فحص الكالترون الإيراني - الذي حصلت عليه من الصين - من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية في فبراير 1992 ووجد أنه مختلف عن تلك التي استخدمتها العراق في محاولة لإنتاج الأسلحة، حيث العراقيين قاموا بتعديل فصل النظائر الكهرومغناطيسية بتيار كهربائي أعلى بكثير لتوفير قدرة عالية على التخصيب. إيران لم تفعل ذلك، كان حجم فصل النظائر الكهرومغناطيسية الإيراني المقدم من الصين بحجم "سطح المكتب" والتكوين القياسي الذي يستخدم الزنك الطبيعي لإنتاج نظائر مستقرة للأغراض الطبية. وكما قال متحدث صيني فإن الكالترون الإيراني الذي توفره الصين كان مناسباً "للتشخيصات الطبية النووية وأبحاث الفيزياء النووية وتعليم إنتاج النظائر، وتدريب الأفراد". [أنظر: تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، القسم المعنون بـ "Detailed Technical Chronology"، (التسلسل الزمني الفني المفصل)].
إلا أن المتشككون أشاروا إلى أن العراق قد بدأت أيضاً بالكالترونات الصغيرة ومن ثم طورت محلياً أكبر منها لأغراض تخصيب اليورانيوم. وأشار هؤلاء المتشككون إلى أنه يمكن أن يكون لإيران منشآت خفية حيث يمكن استخدام آلات فصل النظائر الكهرومغناطيسية قادرة على التخصيب. ويمكن استخدام الكالترون الصغير الذي توفره الصين كنموذج للهندسة العكسية للأجهزة الكبيرة التي يمكن أن تفصل كميات من المواد الانشطارية المناسبة للقنابل. [أنظر: "China and Iran: Ancient Partners in a Post-Imperial World"، (الصين وإيران: الشركاء القدامى في عالم ما بعد الإمبراطورية)].
في عام 1989 بدأ الجيولوجيون الصينيون في مساعدة منظمة الطاقة الذرية الإيرانية على استكشاف اليورانيوم. تم تشكيل فرق صينية - إيرانية مشتركة للتنقيب عن اليورانيوم في شرق إيران. وفي سبتمبر أعلن رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية رضا أمر إلاهي أن التنقيب كان ناجحاً وأن عمليات استخراج اليورانيوم ستبدأ في أحد عشر موقعاً، وإحدى الرواسب في محافظة يزد تحتوي على ما يقارب خمسة وثلاثين طناً من اليورانيوم.
كما قال أمر إلاهي أن إيران تعتزم بناء مطحنة لتحويل خام اليورانيوم إلى الكعكة الصفراء. تم تحويل الخام من منجم ساغند بمحافظة يزد من اليورانيوم إلى الكعكعة الصفراء، ثم أصبحت فيما بعد المواد الأولية لمنشأة تحويل اليورانيوم التي أنتجت في منشأة مفاعل نطنز في عام 2001. وقد ساعد الخبراء الصينيون أيضاً في فتح عدد من مناجم اليورانيوم، ولا يتم الإبلاغ عن تعدين اليورانيوم إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية ولا يخضع لضمانات الوكالة الدولية للطاقة. كما ساعدت الصين إيران في قطاع التعدين لعدد من المعادن خلال فترة ما بعد الحرب. كان قطاع التعدين في إيران مستهدفاً بشكل عام للتنمية والتطوير بعد الحرب العراقية الإيرانية، لأن كان يُنظر إليه على أنه قادر على إنتاج صادرات تخلق العملات الأجنبية.
خلال عام 1991، أرسلت الصين سراً إلى إيران 1600 كيلوغرام من منتجات اليورانيوم. لم يتم الإبلاغ عن هذه الصفقة لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية حتى عام 2003، عندما اكتشفت من قبل محققي الوكالة الدولية للطاقة الذرية واضطرت الصين أن تبلغ عنها بنفسها. هذا اليورانيوم الصيني بالتحديد قدم مدخلات لعدد كبير من التجارب الإيرانية لإعادة المعالجة والتخصيب الإيرانية، والوكالة الدولية للطاقة للذرية لم تعرف عنه إلا بعد مضي أكثر من عقد من الزمان. وشملت الشحنة 1005 كيلوغرام من سداسي فلوريد اليورانيوم، و 402 كيلوغرام من رباعي فلوريد اليورانيوم، و 401.5 كيلوغرام من ثاني أكسيد اليورانيوم. إن سداسي فلوريد اليورانيوم (UF-6 أو فلوريد اليورانيوم السداسي) هو شكل غازي من اليورانيوم المستخدم كعلف لعمليات التخصيب. رباعي فلوريد اليورانيوم "الملح الأخضر" (أو فلوريد اليورانيوم الرباعي) هو خام التغذية لإنتاج إما اليورانيوم المعدني أو سداسي فلوريد اليورانيوم، الذي يتم تخصيبه بعد ذلك عن طريق أجهزة الطرد المركزي.
وقد مكنت هذه الكمية الكبيرة من مواد اليورانيوم التي قدمتها الصين في عام 1991 العلماء الإيرانيين من التعرف على عدد من الخطوات التي تعتبر جزء لا يتجزأ من دورة الوقود النووي. تم تحويل معظم رباعي فلوريد اليورانيوم الذي قدمته الصين في عام 1991 إلى معدن يورانيوم عبر 113 تجربة أجريت في أوائل التسعينيات. كانت هذه التجارب سرية ولم يتم الإعلان عنها للوكالة الدولية للطاقة الذرية حتى عام 2003. ومن التجارب التي أجرتها إيران مع هذا اليورانيوم الصيني: تم تحويل جزء صغير من رباعي فلوريد اليورانيوم إلى سداسي فلوريد اليورانيوم في مؤشر التجارب. وتم استخدام ثاني أكسيد اليورانيوم لاختبار "عملية عمود النبض" وإنتاج كريات وقود اليورانيوم. وتم تشعيع بعض من ثاني أكسيد اليورانيوم واستخدمه في تجارب إنتاج النظائر. كل هذه التجارب النووية التحويلية المختلفة أجريت في منشأة اصفهان للأبحاث النووية، ولم يتم الاعلان عن هذه المنشأة للوكالة الدولية للطاقة الذرية إلا في عام 2003. [أنظر: تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، القسم المعنون بـ "Detailed Technical Chronology"، (التسلسل الزمني الفني المفصل)].
إن إمداد الصين بالمواد الخام لهذه التجارب السرية، بالإضافة إلى تعاونها النووي المكثف مع إيران في هذا المنعطف، يشير بقوة إلى أن الصين كانت على علم بتجارب إيران النووية السرية.
في يوليو 1991، حقق التعاون النووي الصيني الإيراني خطوة كبيرة للأمام عندما زار رئيس الوزراء الصيني "لي بنغ" إيران، وناقش التعاون النووي بين البلدين مع الرئيس رفسنجاني. واتفقوا من حيث المبدأ على أن الصين سوف تستكمل إنشاء محطة كبيرة للطاقة النووية في بوشهر على ساحل الخليج العربي، وهذه المنشأة بدأت فرنسا وألمانيا العمل فيها في منتصف السبعينيات، ولكن تم التخلي عنها بعد ثورة 1979. اتفق لي بنغ ورافسنجاني أيضاً على أن اللجان الفنية في التجارة، والتكنولوجيا، والتعاون العسكري، والعلمي ستقوم بصياغة اتفاقيات محددة. [أنظر: "PRC to Supply Nuclear Technology" نقلاً عن صحيفة صوت الكويت، لندن، 11 يوليو 1991، صفحة 19].
وفي أكتوبر من نفس العام (1991)، زار الرئيس الصيني يانغ شانغ كون طهران، وخلال هذه الزيارة زار العديد من المنشآت النووية الإيرانية التي تدعمها الصين. كما أكد يانغ مجدداً تعهد الصين بالمساعدة في استكمال مفاعل بوشهر.
بعد زيارات رئيس الوزراء الصيني "لي بنغ" والرئيس الصيني "يانغ شانغ كون" للمنشآت النووية الإيرانية التي تدعمها الصين، بدأت وسائل الإعلام الغربية في نشر تقارير حول استعداد الصين لتحل مكان ألمانيا وفرنسا في بناء مفاعلات كبيرة لإيران. اتهمت بعض هذه التقارير الإعلامية بأن الصين تساعد في برنامج نووي إيراني سري وهي على علم بأنه سري. وفي مواجهة الشكوك الغربية المتزايدة، دافعت بكين علناً عن تعاونها النووي مع إيران. في بداية شهر نوفمبر، أجاب متحدث باسم وزارة الخارجية الصينية على سؤال حول تقارير التعاون النووي بين الصين وإيران بقوله: إن هذا التعاون كان بالكامل لأغراض غير عسكرية وأن تقارير التعاون في مجال تطوير الأسلحة النووية "لا أساس لها على الإطلاق". وأضاف: التعاون النووي الصيني مع إيران، ومع جميع البلدان الأخرى، أجريت وفقاً لثلاثة مبادئ. أولاً ، كان للأغراض السلمية فقط؛ ثانيا، كان مفتوحا للتفتيش الدولي. وثالثاً، تعهدت الدولة المتلقية بعدم نقل المواد أو التقنيات التي قدمتها الصين إلى دولة ثالثة دون إذن من الصين.
وبعد بضعة أيام، أصدرت وزارة الخارجية الصينية بياناً يحدد الخطوط العريضة، وتعترف رسمياً لأول مرة بتزويد الصين لإيران في عام 1989 بكالترون وإمدادات مواد اليورانيوم عام 1991 لمفاعل يعمل بقدرة 27 كيلووات. وفقاً لبيان وزارة الخارجية الصينية "تم توجيه كلتا عمليتي النقل بموجب لوائح الصين الوطنية المرصودة، وطلبت الصين من الوكالة الدولية للطاقة الذرية تطبيق الضمانات قبل شحن هذه المنشآت". جاء الاعتراف الصيني فقط قبل أيام من زيارة وزير الخارجية الأميركي جيمس بيكر إلى بكين لمناقشة هذه القضية وغيرها من القضايا، وهي كانت الزيارة الأولى لمسؤول أميركي رفيع المستوي للصين منذ أحداث ساحة تانانمين في 4 يونيو 1989.
في سبتمبر 1992، قام الرئيس رفسنجاني بزيارة للصين استغرقت أربعة أيام برفقة وزير الدفاع علي أكبر توركان وغيره من كبار المسؤولين العسكريين. خلال الزيارة، ترأس رفسنجاني ونظيره الصيني "يانغ شانغ كون" التوقيع على اتفاق من 12 نقطة من قبل وزير العلوم والتكنولوجيا سونغ جيان ورئيس رضا أمر إلاهي. نص الاتفاق على التعاون في تصميم وبناء وتشغيل محطات الطاقة النووية؛ أبحاث المفاعلات، الاستكشاف والتعدين لخام اليورانيوم؛ ضمانات الإشعاع وحماية البيئة. بموجب الاتفاقية، كانت الصين ستساعد في بناء أربع محطات طاقة نووية على الأقل 300 ميغاوات على غرار محطة نووية تم تشييدها مؤخراً في قينشان بمقاطعة تشجيانغ الصينية.
كانت هذه المفاعلات تنتج كميات كبيرة من وقود اليورانيوم المنضب الغني بالبلوتونيوم. لم يتم تحديد تواريخ تسليم محطات توليد الطاقة من طراز قينشان Qinshan إلى إيران في الاتفاقية. صرح كل من المسؤولين الصينيين والإيرانيين بأن جميع المفاعلات المنقولة بموجب الاتفاقية ستكون مشمولة بالكامل بضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية. [أنظر: "China and Iran: Ancient Partners in a Post-Imperial World"، (الصين وإيران: الشركاء القدامى في عالم ما بعد الإمبراطورية)، صفحة 147 - 148].
تعتقد مصادر المخابرات الأميركية أن رفسنجاني هو الذي اختار الصين كشريك نووي أساسي لإيران. وفي مؤتمر صحفي عقب توقيع اتفاقية سبتمبر 1992، أشار رفسنجاني إلى أن "تعاوننا مع الصين يتزايد باستمرار" وستساعد ثمار الزيارة الحالية "على تعزيز تعاوننا وجعله أكثر شمولية في العديد من المجالات الجديدة". السفير الإيراني لدى الصين أكد على الأهمية السياسية للاتفاقية، بدلاً من مجرد الأهمية التجارية للاتفاقية. وتابع السفير بالقول: "إن التعاون بين الصين وإيران في المجال النووي كان أحد أنواع التعاون الجيد بين البلدين ويؤكد على الثقة المخلصة والعميقة القائمة بين الدولتين. كان التعاون النووي "طويل الأجل بطبيعته وليس قصير الأجل مثل التعاون في مجالات الاستيراد والتصدير. وهذا يدعو كل من الجانبين إلى أن يكون على دراية جيدة ببعضهما البعض وأن يثق كل منهما في الآخر إلى حد كبير".
بعد حوالي أسبوعين من اتفاقية سونغ - أمر إلاهي، أعلن نائب مدير مكتب التعاون الدولي بوزارة الطاقة الصينية ليو شيويه هونغ: نظراً "لأسباب تقنية" فإن الصين "لا تستطيع تزويد" إيران بإنتاج البلوتونيوم الذي تبلغ طاقته 20 ميغاوات للمفاعل الذي تم الاتفاق عليه في عام 1990. العلاقة الزمنية بين موافقة الصين على دعم أربع محطات طاقة بقوة 300 ميغاوات وإلغاء تسليم مفاعل واحد بقدرة 27 ميغاوات يثير العديد من الأسئلة.
كما ساعدت الصين إيران في استخدام تقنية الليزر الذري، وهي تقنية نووية أخرى متطورة وتعد وسيلة سهلة للغاية لإخفاء تخصيب اليورانيوم. كان فصل النظائر بالليزر للبخار الذري (يرمز لها اختصاراً AVLIS من Atomic vapor laser isotope separation) رائداً في الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي في سبعينيات القرن الماضي. وهو ينطوي على تبخير معدن اليورانيوم، وقصف ذلك البخار عن طريق ضوء الليزر المكثف لتردد دقيق لفصل ذرات U235 و U238. إنه شكل فعّال للغاية لفصل / تخصيب النظائر مع واحد فقط لكل مائة ألف ذرة يتم جمعها بخلاف الـ U235 الانشطارية المطلوبة. تم استخدام أنواع مختلفة من الليزر، لكن ليزر بخار النحاس يوفر الطول الموجي الأنسب. وقد تخلت الولايات المتحدة عن البحث في فصل النظائر بالليزر الذري للبخار في عام 1994 لأن المخزونات الكبيرة الموجودة من U235 جعلت الأمر غير ضروري. [أنظر: "China and Iran: Ancient Partners in a Post-Imperial World"، (الصين وإيران: الشركاء القدامى في عالم ما بعد الإمبراطورية)].
في الأشهر الستة التي أعقبت اتفاق سونغ - أمر إلاهي، زار رئيس المؤسسة الوطنية النووية الصينية "جيانغ شين شيونغ" إيران مرتين (في نوفمبر 1992 ومرة أخرى في فبراير 1993) لتحديد التفاصيل لتزويد محطات الطاقة التي تبلغ قدرتها 300 ميغاوات. في نهاية زيارة جيانغ الثانية، وقع اتفاقاً مع أمر إلاهي ينص على أن المؤسسة الوطنية النووية الصينية ستقوم ببناء محطتين للطاقة النووية بقوة 300 ميغاوات. أكد المتحدثون باسم كل من الصين وإيران أن المحطتين ستعملان بموجب ضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية وسيتم استخدامها بالكامل في الإنتاج السلمي للكهرباء. أعلن الرئيس رفسنجاني: "على العالم كله أن يعتقد أن إيران والصين تتعاونان في مجال التكنولوجيا النووية للأغراض السلمية لاستخدام الطاقة النووية - وليس للأغراض العسكرية". أثناء المفاوضات حول محطات الطاقة التي تبلغ قدرتها 300 ميغاوات أشارت الصين إلى أنها ليست لديها مصلحة في استرداد الوقود المستهلك من المفاعلات، وسوف تترك الخيار لإيران للتخطيط للتخلص من النفايات. وفقاً لمسؤول في الصناعة النووية الصينية، ومطلع على المفاوضات بين الجانبين. قال: "هذا من شأنه أن يترك وقود اليورانيوم المحروق متاحاً لإعادة المعالجة لاستخراج البلوتونيوم".
في فبراير 1993، في نفس الشهر الذي تم فيه توقيع اتفاقية سونغ - أمر إلاهي، وافق معهد فيزياء البلازما الصيني (CAS) على تزويد إيران بجهاز توكاماك HT-6B Tokamak للأبحاث النووية بالليزر. توكاماك Tokamak هو جهاز احتواء كهرومغناطيسي تستخدم لتوليد وتسخين وتركيز البلازما من نظائر الهيدروجين الديوتيريوم والتريتيوم في محاولة لتحقيق الاندماج النووي المتحكم فيه. تم تطويره من قبل العلماء السوفييت في حوالي عام 1960. وهو مشابه في التشغيل للضوء الفلوري المألوف، مع مرور التيار الكهربائي عبر أنبوب مملوء بالغاز لتحويل الغاز إلى إيونات (أي تأيين الغاز) مما يؤدي إلى تفريغ الطاقة. في حالة Tokamak، يكون الأنبوب دائرياً ومحاطاً بملف كهرمغناطيسي يحصر مجاله المغناطيسي جزيئات الغاز في مركز الأنبوب، مما يؤدي إلى تكثيف تأثير التيار الكهربائي، وهو أيضاً أقوى بكثير مما هو عليه في لمبة الفلورسنت المألوفة. لا يرتبط توكاماك بتصميم الأسلحة أو إنتاجها. ومع ذلك، فهو جهاز متطور للغاية مقارب من حدود العلوم النووية، ويشهد على الطبيعة الطموحة لكل من البرامج النووية للصين وإيران. كان جهاز Tokamak الذي زودتها الصين لإيران في عام 1994 أول نقل دولي لتقنية أبحاث الانصهار النووي في الصين، وعلى هذا فهي شهادة على تقدم الصين المطرد في المجال النووي. تم تصميمه وبنائه في منتصف الثمانينات من قبل معهد فيزياء البلازما الصيني (CAS)، وكان يدار بواسطة هذا المعهد لمدة عشر سنوات قبل نقله إلى إيران. تم تركيب جهاز الليزر في إيران في مركز أبحاث فيزياء البلازما بجامعة آزاد في طهران.
ذهبت فرق من العلماء الصينيين إلى إيران في مناسبتين للمساعدة في تركيب الجهاز وصقله. في فبراير 1995 تم اختبار الجهاز بنجاح. افتخر معهد فيزياء البلازما الصيني بأنه "مركز أبحاث العالم الثالث للانصهار النووي" بسبب دوره في مساعدة بلدان العالم الثالث على تطوير أبحاث الاندماج النووي. في مارس 1996وقعت الصين وإيران والهند وروسيا في موسكو بروتوكولاً لإنشاء مؤسسة أبحاث الانصهار الآسيوية للتعاون في دراسة الانصهار. يعتقد الكثير من العلماء أن الاندماج النووي الخاضع للسيطرة هو أفضل أمل لتزويد الإنسانية بالوقود الأحفوري لاحتياجات طاقة العصر.
تعهدت الصين أيضاً بمساعدة إيران في إنتاج أنابيب الزركونيوم خلال منتصف التسعينيات. الزركونيوم هو معدن مقاوم للتآكل يستخدم في صناعة الأنابيب التي تحوي كريات وقود اليورانيوم في قلب المفاعل النووي شديد الحرارة والتآكل. لا يتم التحكم في إنتاج أنابيب الزركونيوم أو أنابيب الزركونيوم، وغير مراقب من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ولم يتم الإبلاغ عنها لدى الوكالة. ومع ذلك، إتقان تعدين الزركونيوم تعد خطوة أخرى متقدمة في تطوير قدرة نووية تعتمد على نفسها. الصين أيضاً تعاونت مع إيران في مجال المياه الثقيلة. الماء الثقيل غني في نظائر الهيدروجين الديوتيريوم وعند قصفه بالإشعاع من المفاعل ينتج البلوتونيوم. اعتبر المسؤولون في الولايات المتحدة الأميركية أن مفاعل الماء الثقيل هو مصنع لإنتاج البلوتونيوم وكدليل إضافي على اعتزام إيران امتلاك أسلحة نووية.
في عام 1992، بدأت المؤسسة الصينية الوطنية للطاقة النووية في مفاوضات مع إيران لبناء مفاعل يعمل بالماء الثقيل بقوة 25-30 ميغاوات. وفي ذلك العام، وفقاً لمدير مكتب التعاون الدولي التابع للمؤسسة الصينية الوطنية للطاقة النووية "ليو شيويه هونغ"، كان المفاعل قيد النظر لبيعه لإيران. وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية اعترضت مكالمات هاتفية بين طهران وبكين تناقش بيع الصين المحتمل لمفاعل يعمل بالماء الثقيل. بعد أن واجهت الولايات المتحدة بكين بهذا الأمر، حققت الحكومة الصينية في الصفقة المقترحة وأوقفتها. كان الاتفاق المحدد على عدم بيع مفاعل يعمل بالماء الثقيل أحد العناصر في اتفاق بين الصين والولايات المتحدة في عام 1997 بشأن التعاون الصيني الإيراني. لكن فيما بعد قامت إيران ببناء مفاعل يعمل بالماء الثقيل محلياً في آراك جنوب غرب طهران، وقد حققت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية في الأمر وهناك شكوك بأن إيران استعانت بروسيا لبناء المفاعل، ومع ذلك يبدو أن إيران استفادت من المفاوضات التي كانت تجريها مع الصينيين لسنوات طويلة بشأن بناء مفاعل يعمل بالماء الثقيل واكتسبت الكثير من الخبرة والمعرفة حول مفاعل الماء الثقيل. [أنظر: تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، القسم المعنون بـ "Detailed Technical Chronology"، (التسلسل الزمني الفني المفصل)].
في حين رفضت الصين تزويد إيران بمفاعل يعمل بالماء الثقيل، أشارت التقارير بأنها قامت بتزويدها بكميات كبيرة من الماء الثقيل في أوائل التسعينيات.
وبحسب ما وردت في التقارير أن الصين شحنت إلى إيران بواسطة طائرات شحن تعمل من قواعد جوية مشددة ومحظورة "كميات كبيرة عسكرياً" من الماء الثقيل على دفعات تقل عن عشرين طناً في كل دفعة. وكما هو معروف بأن عشرين طن هو الحد الأدنى الذي يتطلب الإبلاغ عنه لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية في مثل هذه المعاملات.
بالإضافة إلى السماح للموظفين الإيرانيين بالقيام بإجراء تجارب قياسية مع عمليات الماء الثقيل، فإن هذه الدولة (الصين) التي تزود إيران بالماء الثقيل هي قرينة مفاعلات إيران لإنتاج البلوتونيوم. في عام 1994، زودت الصين إيران أيضاً بكمية غير معروفة من فوسفات ثلاثي البوتيل، وهي مادة كيميائية تستخدم في استخراج البلوتونيوم من اليورانيوم المنضب. في الوقت نفسه، ربما تكون الصين قد زودت إيران بالبيانات الفنية المتعلقة بفصل البلوتونيوم. فيما بعد، باعت الصين إيران فلوريد الهيدروجين اللامائي الذي يمكن استخدامه في إنتاج سداسي فلوريد اليورانيوم.
وفقاً للمعلومات التي توافرت لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية في أكتوبر 2003، أن بين عامي 1981 و 1993 أنتجت إيران في المختبرات "كميات المقياس" (كيلوغرام) تقريباً لجميع المواد المهمة لإنتاج اليورانيوم المخصب: كربونات أمونيوم يورانيل، وثاني أكسيد اليورانيوم، ورابع فلوريد اليورانيوم (UF-4)، وسداسي فلوريد اليورانيوم (UF6). كل هذه الأنشطة كانت سرية ولم يتم الإبلاغ عنها للوكالة الدولية للطاقة الذرية. في عام 1993، قررت إيران إنهاء جهود البحث والتطوير المحلية على UF4 و UF6، لأن "المورد الأجنبي" أشار إلى استعداده لتصميم وبناء منشأة لتحويل اليورانيوم، وهذا المورد الأجنبي هو الصين. [أنظر: تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، القسم المعنون بـ "Detailed Technical Chronology"، (التسلسل الزمني الفني المفصل)].
في عام 1994، وافقت الصين على تزويد إيران بمرافق كبيرة لإنتاج سداسي فلوريد اليورانيوم - أي تصميم وبناء منشأة لتحويل اليورانيوم، أو "مرفق سداسي". كما أشرت سابقاً، أن سداسي فلوريد اليورانيوم هو شكل غازي من اليورانيوم يحتوي على نظائر U238 و U235 ويشكل مدخلات لتخصيب الطرد المركزي. في يونيو 1994، كانت هناك تقارير تفيد بأنه تم اختطاف مهندسين نوويين صينيين كانوا يساعدون منظمة الطاقة الذرية الإيرانية على بناء محطة صغيرة لتحويل اليورانيوم التجريبي في رودان، شيراز. وقد أكدت السلطات الإيرانية هذه التقارير جزئياً على الأقل.
وكجزء من المفاوضات حول صفقة تصميم وبناء منشأت لتحويل اليورانيوم، زودت الصين إيران بمخططات وتقارير اختبار ومعلومات عن تصميم المعدات لمرفقين. تم تصميم المنشأة الأولى لتحويل تركيز خام اليورانيوم إلى ثاني أكسيد اليورانيوم الطبيعي ثم إلى سداسي فلوريد اليورانيوم. بلغت القدرة التصميمية للمصنع السداسي هذا، مائتي طن من سداسي فلوريد اليورانيوم في السنة. تم تصميم المنشأة الثاني لإنتاج معدن اليورانيوم. والقلب المتفجر للقنابل الذرية هو معدن اليورانيوم. في مارس 1996، توجه فريق من المتخصصين النوويين الإيرانيين إلى الصين لدراسة الوثائق التقنية. في الشهر التالي، ذهب فريق صيني إلى طهران لبدء أعمال التصميم التفصيلية. في عام 1996، أخطرت إيران رسمياً إدارة ضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية بأنها تخطط لشراء مصنع لتحويل سداسي فلوريد اليورانيوم من الصين. بحلول منتصف عام 1997، عدد كبير من الفنيين النوويين الصينيين كانوا يشاركون في أعمال بناء تمهيدية في إيران بشأن إنشاء المرفقين. [أنظر: تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، القسم المعنون بـ "Detailed Technical Chronology"، (التسلسل الزمني الفني المفصل)].
احتجت الولايات المتحدة "على أعلى المستويات" لبيع الصين مرفق سداسي لإيران. بعد عدة سنوات من المساومة مع واشنطن، وافقت بكين أخيراً على تعليق صفقات المرفق أو المصنع السداسي، وتم تجسيد هذا الالتزام في اتفاق في أكتوبر 1997 بين الصين والولايات المتحدة.
وفقًا لتقرير إيران لعام 2003 المقدم إلى الوكالة الدولية للطاق الذرية، وقبل تسليم المعدات لتصميم وبناء منشأة لتحويل اليورانيوم بواسطة "المورد الأجنبي" ألغى ذلك المورد العقد في عام 1997. بعد أن تراجعت الصين، شرعت إيران بعد ذلك في استخدام بيانات تصميم "المورد الأجنبي" لإنتاج جميع المعدات اللازمة محلياً. بدأ إنشاء المصنع في عام 1999، وكان من المتوقع أن يبدأ تشغيل أول خط إنتاج في نوفمبر 2003. وقالت بعض "المصادر الجيدة" أن الصين "باعت" المخططات الخاصة بمصنع UF6 إلى إيران عندما انسحبت من المشروع. إذا لم يحدث مثل هذا البيع، فإن المعلومات الفنية والمعرفة التي اكتسبها الموظفون الإيرانيون على مدار العامين السابقين من المفاوضات قد تزودوا بأساساً قوياً لبناء إيراني مستقل لمصنع سداسي فلوريد اليورانيوم UF6. سوف يوفر مصنع إيران السداسي، الذي صممته الصين، المادة الخام لمرفق تخصيب أجهزة الطرد المركزي في مفاعل نطنز. في عام 1983، منعت الولايات المتحدة الأميركية من مساعدة إيران في إنتاج سداسي فلوريد اليورانيوم UF6. بعد عقد من الزمن، ساعدت الصين إيران على امتلاكها هذه القدرة.
الخلاصة، إن التعاون الصيني الإيراني في الفترة من عام 1985 إلى 2004 التي تتضمن علاقة وتعاون نووي بين الصين وإيران، تدعم الجدال والنقاش الدائر حالياً في الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن البرنامج النووي الإيراني. في تلك الفترة من 1985 إلى 2004ـ لم يكن أحد يعرف عن العلاقة السرية بين الصين وإيران بشأن البرنامج النووي الإيراني، وأن الصين كان لها دور كبير في مساعدة إيران في برنامجها النووي فضلاً عن دعمها في المحافل والمنظمات الدولية. إن تورط الصين في جهود إيران لتحديث وتطوير قدراتها العسكرية وبرنامجها النووي وقواتها، بما في ذلك تزويدها بالأسلحة وخدمات الهندسة العكسية لاستنساخ الأسلحة وتقنية "المعرفة" Know-how، فضلاً عن السلع الرأسمالية في مقابل النفط الإيراني، مما يشير إلى وجود روابط بين التبادل والتعاون الصيني الإيراني. بعبارة أخرى: النفط الإيراني مقابل السلاح الصيني والدعم في الساحات السياسية الدولية. [انظر: "China and Iran: Ancient Partners in a Post-Imperial World"، (الصين وإيران: الشركاء القدامى في عالم ما بعد الإمبراطورية)].
في المجمل، يمكننا القول أن الفكر السياسي والعسكري الصيني، لا سيما استراتيجي جيش التحرير الشعبي الصيني، يتطلع إلى أن إيران النووية ستكون في مصلحة الصين، حيث لا تكفي باكستان النووية لمقارعة الهند والولايات المتحدة، وإذا أصبحت إيران دولة نووية فهذا يعني زيادة حلفاء الصين النوويين.
الـــفـــــصـــــــــل الــــخــامـــــــس
حجم المبيعات العسكرية وحجم الخبراء والعمالة الصينية في إيران
1 - حجم التعاون والتبادل التجاري في المجال العسكري
على الرغم من أن تقرير خدمة أبحاث الكونغرس يشير إلى أن ما بين الأعوام 1993 - 1996 اشترت طهران أسلحة من جمهورية الصين الشعبية تقدر قيمتها بـ 400 مليون دولار . وفي الفترة من 1997 إلى 2000 كانت تقدر مبيعات الصين للأسلحة إلى إيران بـ 600 مليون دولار، لتحتل الصين المرتبة الثالثة كمورد عسكري لإيران". [أنظر: تقرير خدمة أبحاث الكونغرس].
إلا أن هناك اختلاف في الأراء داخل الحكومة الأميركية حول حجم النفقات العسكرية الإيرانية بوجه عام، مما يؤثر على المبالغ التي أنفقتها إيران على مشتريات الأسلحة من الصين. وبالتالي، فإن تلك الأرقام التي ظهرت في تقرير خدمة أبحاث الكونغرس غير دقيقة. على سبيل المثال، في عام 1993 شعر خبراء وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية أن إيران أنفقت في عام 1993 ما يصل إلى 8 مليارات دولار على القوات العسكرية، بينما لجنة قانون الحد من الأسلحة ونزع السلاح قدرت مبلغ 4.9 مليار دولار فقط. وقد أصدرت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية تقديرات منقحة في عام 1995 تفيد بعدم قدرتها على إجراء تحويلات دقيقة للإنفاق العسكري الإيراني من خلال تحويل سعر صرف الريال الإيراني إلى الدولار، لكنها أشارت إلى أن إيران صرحت بأنها في عام 1992 أنفقت على الدفاع مبلغ 1785 مليار ريال إيراني وكذلك مبلغ 808 مليون دولار بالعملة الصعبة، وفي عام 1993 أنفقت 2،507 مليار ريال إيراني وكذلك 850 مليون دولار بالعملة الصعبة. [أنظر: Iranian Arms Transfers: The Facts].
وهذا يعني أن لا أحد يمكنه أن يعرف كم صرفت إيران على الانفاق العسكري، وكم صرفت على مشتريات الأسلحة الصينية، سوى النظام الإيراني. نظراً لاستخدام إيران العملة المحلية (الريال الإيراني) وفي معظم الأحيان من الصعب معرفة سعر الصرف الحقيقي للريال الإيراني، فضلاً عن أن إيران في معاملاتها التجارية تدمج بين العملة المحلية والعملة الصعبة، بمعنى تدفع جزء من المبلغ بالعملة المحلية وجزء آخر بالعملة الصعبة نظراً للقيود الدولية الكبيرة التي بإستمرار مفروضة على إيران مثل العقوبات الاقتصادية، فضلاً عن أن في كثير من الأحيان تستخدم نظام المقايضة ترسل شحنات نفط وتستلم مقابلها أسلحة، بعبارة أخرى النفط الإيراني مقابل السلاح الصيني.
ومع ذلك، سنحاول قدر الإمكان طرح ما يتوافر لدينا من معلومات عن حجم التبادلات العسكرية بين الصين وإيران. الجدول رقم (2) وكذلك الشكل رقم (3) يوضحان حجم التبادلات العسكرية الصينية الإيرانية رفيعة المستوى التي تم الإعلان عنها خلال الأعوام 1989 - 2003. وكانت هذه التبادلات أكثر كثافة في أوائل التسعينيات، عندما كان التعاون الصيني الإيراني ضد الهيمنة أشد، ثم انخفضت في النصف الثاني من التسعينيات. ربما كانت هناك تبادلات عسكرية واسعة قبل عام 1989 ولكن كان سري، غير معلن. بالنظر إلى عمليات النقل المكثفة للأسلحة والتعاون في مجالات الصواريخ والنووي التي كانت موجودة خلال فترة ما قبل عام 1989، فمن شبه المؤكد أن المفاوضات بين المسؤولين الصينيين والعسكريين الإيرانيين كانت قائمة. حتى نهاية الحرب الإيرانية العراقية، ظلت التبادلات العسكرية سرية، ربما لأنها تتناقض مع سياسة الحياد التي كانت الصين تنتهجها. [أنظر: "China and Iran: Ancient Partners in a Post-Imperial World"، (الصين وإيران: الشركاء القدامى في عالم ما بعد الإمبراطورية)، صفحة 171].
الجدول رقم (2)
التبادلات العسكرية الصينية الإيرانية
تابع للجدول رقم (2)
الشكل رقم (3)
جزء كبير من المساعدات العسكرية الصينية لإيران خلال الحرب العراقية - الإيرانية كان من الأسلحة الصغيرة والذخيرة، بما يلائم أسلوب الحرب. ومع ذلك، قدمت الصين أيضاً كمية كبيرة من الأسلحة الثقيلة. كما هو مبين في الجدول رقم (3)، كانت المدفعية الثقيلة والدبابات من بين أهم العناصر.
الجدول رقم (3)
مبيعات الأسلحة التقليدية الصينية إلى إيران في الفترة من 1982إلى 2004
خلال المرحلة الأولى من التعاون الدفاعي الصيني الإيراني (1985 - 1999) وهي مرحلة التأسيس والتمكين، شكلت الأسلحة الصادرات الرئيسية للصين إلى إيران حتى أواخر التسعينيات. وهذا الاستنتاج يأتي من خلال مقارنة تقديرات مبيعات الأسلحة الصينية لإيران التي تم حسابها من قبل معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام SIPRI
مع بيانات التجارة الثنائية التي نشرتها "إحصائيات الأمم المتحدة لإحصاءات التجارة"، كما موضح في الجدول رقم (4). المنهجيات المستخدمة من قبل معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام والأمم المتحدة للوصول إلى الأرقام السنوية لكل منهما مختلفة، لكن المقارنة تنتج تقديراً تقريبياً. من النسبة المتواضعة جداً 1% في عام 1981 ارتفعت الأسلحة إلى أكثر من خمسة أضعاف قيمة مبيعات البضائع الصينية العادية في العام التالي، ثم إلى واحد وعشرين مرة، واثني عشر مرة، وتسعة أضعاف هذه القيمة على التوالي خلال السنوات الثلاث الأخيرة من الحرب العراقية الإيرانية. بعد ذلك انخفضت مبيعات الأسلحة، لكنها ظلت في المتوسط 50% من إجمالي الواردات الإيرانية المدنية خلال السنوات العشر التالية للحرب. كما هو موضح أدناه، كان النفط أكبر عنصر في واردات الصين من إيران. في الواقع، كانت الصين تتبادل الأسلحة مقابل النفط. يساعد هذا في توضيح سبب أهمية مبيعات الأسلحة لإيران، ولماذا قاومت الصين بشدة الجهود المبذولة لتقييد تجارة الأسلحة مع إيران.
الجدول رقم (4)
مبيعات الأسلحة الصينية إلى إيران كنسبة مئوية من الصادرات الصينية الاعتيادية إلى إيران
بصرف النظر عن التجارة والسلع الاستهلاكية، فإن العلاقة العسكرية مع الصين لها أهمية كبيرة بالنسبة لطهران. بالنسبة لإيران، تظل الصين خياراً جاداً لشراء الأسلحة منها حتى في فترة ما بعد الصفقة النووية. لن تنسى إيران أبداً دور الصين في بيع أسلحة بقيمة 5 مليارات دولار خلال الحرب مع العراق، وتعتبر الأسلحة الصينية بديلاً عن الأسلحة الغربية لضمان أمن إيران في الأوقات العصيبة.
تشير الإحصاءات إلى أنه بعد باكستان، تعد إيران ثاني أكبر مشترٍ للأسلحة الصينية في الأعوام 2005 - 2009. [أنظر: Beijing's Tightrope Walk on Iran]. ويُعتقد أن معظم هذه المشتريات كانت الصواريخ التي تقدر قيمتها ما يتراوح بين 4 و 10 مليارات دولار. [أنظر: China and Iran: Economic, Political, and Military Relations].
كان من المفترض رفع العقوبات الصاروخية التي على إيران بعد التوقيع على الصفقة، لكن حتى لو استمرت الصفقة النووية ورفعت العقوبات الصاروخية عن إيران فمن المتوقع أن مجال العلاقات الصاروخية بين الصين وإيران على وجه الخصوص سوف تستمر سراً كما كان من قبل. الجدول رقم (5) يحدد كيف ستؤثر الصفقة النووية على مبيعات الأنظمة التي قدمتها الصين لإيران في العقد السابق خلال فرض العقوبات، [أنظر: The Future Of Iran-China Relations: An Alliance Or Pure Cooperation?].
الجدول رقم (5)
تأثير مبيعات الأسلحة الصينية وخطة العمل الشاملة المشتركة JCPOA
بشكل عام، يتطلب تجديد مبيعات معظم هذه الأنظمة موافقة مجلس الأمن، على الرغم من أنه من المحتمل أن يتم السماح بتوفير صواريخ قصيرة المدى مثل FL-8 دون تنازل.
ومن الجدير بالذكر، إن الرفع الجزئي للعقوبات عن إيران في أعقاب الاتفاق النووي مع الولايات المتحدة يبدو أنه يساعد التعاون الإيراني الصيني؛ بعض دول الاتحاد الأوروبي لا تزال حذرة بعض الشيء من التوسع بقوة في العلاقات الاقتصادية مع إيران، لكن الصين ليست كذلك. حددت إيران والصين الهدف الطموح المتمثل في زيادة التجارة الثنائية بعشرة أضعاف إلى 600 مليار دولار بحلول عام 2026. [أنظر: China, Iran" "Agree to Expand Trade to $600 Billion in a Decade، (الصين وإيران تتفقان على توسيع التجارة إلى 600 مليار دولار في عقد)].
وقد ضخت الصين مليارات من الدولارات في مشاريع داخل إيران عبر ذراعها القوي مجموعة CITIC Group Corporation Ltd "مجموعة شركة الثقة الصينية الدولية للاستثمار"، وهي مجموعة الاستثمار المملوكة للدولة الصينية. وفي تصريح للحكومة الإيرانية ومسؤولو الصناعة إن الصين تمول مليارات الدولارات من المشروعات التي تقودها الصين في إيران، وتحقق تقدماً عميقاً في الاقتصاد، وقالوا إن إيران التي تحررت من العقوبات النووية المشلولة (تلك العقوبات التي كانت مفروضة على إيران قبل توقيع الصفقة النووية) تجني الآن أموالاً صينية غير مسبوقة لكل شيء من الطرق السريعة والسكك الحديدية إلى الموانئ ومحطات الطاقة ومشاريع لصناعات دفاعية مشتركة بين الصين وإيران.
2 - حجم الخبراء والفنيين والمهندسين والعمال الصينيين في إيران
وفقاً للبيانات الصينية الرسمية تشير إلى أن قبل عام 2015 أي قبل "الصفقة النووية"، كان عدد الصينيين في إيران سنوياً أقل من 50,000. لكن مع رفع العقوبات المفروضة على إيران في عام 2016 بلغ عدد الصينيين في إيران حوالي 70،000 في عام 2017، وحوالي 70٪ منهم خبراء ومستشارين وفنيين ومهندسين ... الخ يعملون في مشاريع بقطاع الصناعات الإيرانية مثل الصناعة الدفاعية وصناعة النفط والبنى التحتية، وكذلك من بينهم رجال أعمال ممن أنشأوا شركات خاصة في إيران. وبالنظر إلى عددهم في عام 2017 وقياساً على نسبة 70% فإن حوالي 49,000 صيني ما بين خبير وفني ومهندس يعملون في قطاع الصناعات الإيرانية. [أنظر: Chinese enterprises trying to survive in Iran despite policy shifts, US bluffs].
وأثناء الاحتجاجات الإيرانية في العام الماضي، كانوا الإيرانيون ينشرون على وسائل التواصل الإجتماعي صور للصينيين في إيران، وكانوا مستائين من العدد الكبير للتواجد الصيني في إيران، وهذه صورة نشرت بواسطة النشطاء أثناء الاحتجاجات الإيرانية في العام الماضي.
بالأسفل خبراء صينيون يعملون في منشآت إيرانية، وبالأعلى صيني يطل من نافذة منزله على الاحتجاجات والتظاهرات الإيرانية التي اندلعت العام الماضي.
عمال صينيون يعملون في بناء وتشييد الأنفاق في إيران
الـــفـــــصـــــــــل الــــســـادس
مستقبل العلاقات الدفاعية الصينية - الإيرانية
1 - اعتبارات استراتيجية وجيوسياسية
تثير قضية تحويل وتطوير العلاقات بين إيران والصين إلى مستوى تحالف استراتيجي اهتماماً وجدلاً كبيرين بين الأوساط السياسية الإيرانية الرسمية وغير الرسمية. البعض يعتبر الصين قوة عالمية قادمة ويؤكدون على أهمية وجود علاقات وثيقة مع بكين، بينما يطالب البعض الآخر بعلاقات أوثق مع الاتحاد الأوروبي في المستقبل. ومع ذلك، كلتا المجموعتين تتفقان على أن الصين لعبت دوراً رئيسياً في تسهيل تخطي إيران أزمة العقوبات الدولية التي فرضت عليها خلال سنوات من العقود السابقة.
على الرغم من وجود أرضية للتعاون المشترك بين البلدين، إلا أن هناك العديد من المعوقات التي تقف حائلاً أمام تعزيز مستوى العلاقات إلى "تحالف استراتيجي"، وبالتالي فمن غير المحتمل أن يحدث مثل هذا التغيير.
ذكرنا سابقاً، أن في عام 1985 وقعت حكومتا الصين وإيران اتفاقاً سرياً للتعاون النووي خلال زيارة رئيس مجلس النواب الإيراني آنذاك أكبر هاشمي رفسنجاني إلى الصين. في هذا الصدد، ذكر هاشمي رفسنجاني في مذاكراته عن زيارته للصين نقطة في غاية الأهمية، وهي "مسألة الولاء الاستراتيجي مع الصين"، [يُقصد بـ "الولاء": العهد والميثاق، أي التحالف].
يروي في مذكراته: "مدعوماً بأمر من الخميني، عرضتُ على الصينيين ولاءً استراتيجياً مع الصين، وقد رحبوا به". [أنظر: "امید و دلواپسی" (کارنامه و خاطرات هاشمی رفسنجانی سال ۱۳۶۴)، كتاب مذكرات رفسنجاني، 1986)]. وهذا مؤشر واضح على أن النظام الإيراني الحالي منذ بداية انفتاحه على الصين وتأسيس روابط التعاون والعلاقات كان على أجنداته "تحالف استراتيجي" مع الصين.
امتدت العلاقات بين الدولتين التي تم تأسيسها بشكل أساسي على العلاقات العسكرية خلال الحرب الإيرانية العراقية، تدريجياً شملت الاقتصاد والهندسة المدنية والصناعة والزراعة وما إلى ذلك. عندما أصبح هاشمي رفسنجاني رئيساً لإيران حافظ على هذه العلاقات وبمستوى عال، وكان مستمتعاً بتعاون الصين في إعادة إعمار إيران ما بعد الحرب وتحسين الاقتصاد المدمر.
وعند مجيء خليفته، الرئيس خاتمي أيضاً اتبع نفس الاستراتيجية، وبعد بضع زيارات متبادلة بين العاصمتين من قبل المسؤولين في البلدين، مالت إيران أكثر نحو الصين لتوفير احتياجاتها، حتى وصل مستوى التجارة بين البلدين إلى 10 مليار دولار أمريكي في عهد خاتمي. [أنظر: Iran and China]. في هذه الفترة استفاقت أميركا وبدأت في كبح جماح الروابط العسكرية والاقتصادية بين إيران والصين، وفرضت العقوبات تدريجياً على إيران، لكنها جاءت متأخرة بعد أن طارت الطيور بأرزاقها.
خلال فترة محمود أحمدي نجاد، تبنت إيران سياسة يشار إليها بـ "التطلع نحو الشرق" بغرض جذب الدعم السياسي لإيران من قبل الصين والكتلة الشرقية السابقة. ووقعت عقود بين البلدين، من بين هذه العقود معاهدة موقعة من قبل الدولتين في عام 2008 تنص على أن إيران تسمح للحكومة الصينية باستخدام إيراداتها من بيع النفط كائتمان لشراء البضائع الصينية. بمعنى آخر، الاتفاق ألزم إيران بضمان بيع البضائع الصينية بالائتمان.
عند وصول روحاني رئيساً لإيران، حافظ على نفس الوتيرة من العلاقات مع الصين، بل كان أكثر دهاءً، استخدم "القوة الناعمة" في التقارب مع الكتلتين الغربية والشرقية في آن واحد، وركز على الدبلوماسية الدفاعية. في سبتمبر 2013، أثناء الانخراط في المفاوضات النووية أكد روحاني على:
"العلاقات مع الصين لها أهمية قصوى لأننا نتعاون مع الصين في مجالات مختلفة. الصين مستعدة للاستثمار في مناطق مختلفة من بلدنا. لقد وافقنا على اقتراح في حكومتنا يتعلق بالطريقة التي يمكننا بها الوصول إلى الحسابات المتعلقة بمبيعات النفط التي تم فتحها في بلدان أخرى بما فيها الصين. [أنظر: Iran’s new president, Hasan Rouhani, looks to begin outreach in UN debut]
وهكذا، بعد المفاوضات النووية، وإبرام الصفقة النووية مع الدول الخمس +1، تم إضفاء الشرعية الدولية على العلاقات الصينية - الإيرانية. ولتحقيق هذه الغاية، وجدت بكين أن تطوير علاقات أوثق مع إيران الجديدة، التي تتعاون الآن مع الغرب في المجال النووي، أقل تكلفة من الناحية السياسية. وهذا من شأنه أن يشجع بكين على الاستمرار في علاقات دفاعية أعمق مع طهران ولن تؤدي إلى رد فعل غربي قوي. ومع مرور الوقت سوف تتغير العلاقات بين إيران والصين بحيث خلال أشهر قليلة بعد إبرام الصفقة النووية تتخذ العلاقات السياسية والاقتصادية بين البلدين مساراً جديداً مختلفاً عن الماضي. وأن هذا الاتفاق سيأتي مع اعتبارات استراتيجية وجيوسياسية والتي سوف تغطي منطقة واسعة من الخليج العربي على طول الطريق شرقاً إلى المحيط الهندي ومضيق ملقا بالإضافة إلى طول طريق الحرير بالكامل وآسيا الوسطى. [أنظر: Final Nuclear Deal and Iran-China Relations].
في هذا الصدد، علاقات صينية أوثق مع إيران، التي توفر مصادر الطاقة للصين ويمكن أن تصل الطاقة إليها عن طريق البحر والبر على حد سواء، وتحصل إيران على الأسلحة من الصين، مما يثبت بأن طهران وبكين تربطهما علاقات تسبق حاجة الأخيرة لواردات النفط. في الفترة التي فرضت العقوبات الدولية على طهران، انخفض التعاون الصيني الإيراني بعض الشيء، ولذلك الصين وإيران كانتا تعولان على أن يتوازن في أعقاب الاتفاق النووي. وهو ما حصل، ففي الفترة من 2013 إلى 2018 توازن التعاون، لكن من المرجح أن ينخفض مرة أخرى في أعقاب الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي وفرض العقوبات الاقتصادية الأميركية على إيران.
بالنظر إلى الفرص المحتملة لتطوير العلاقات الدفاعية بين الصين وإيران، يرى الساسة الإيرانيون المواصلة في استكشاف الديناميات الاستراتيجية والسياسية التي قد تؤدي إلى التطورات المحتملة للعلاقات الدفاعية الصينية الإيرانية. فيما يلي بعض النقاط التي يثيرها الخبراء الإيرانيين بخصوص دبلوماسية دفاعية فعّالة مع الصين:
1 - يعتقد الخبراء الإيرانيون، بأن عند إجراء مقارنة لواردات الأسلحة التقليدية الرئيسية لدول الخليج العربي وتركيا وحتى أذربيجان يتبين أن إيران استوردت أقل بكثير من هذه البلدان في العقد الماضي. لذلك، وفقاً لهؤلاء الخبراء الإيرنيين، أن على إيران أن تتصرف لملء الفراغ كما يمكن لمواكبة هذه الدول. ويضيفون: وفقاً لتحليل كامل عن ميزان القوى في إقليم الخليج العربي، يتضح أن القوى الخليجية (السعودية ودول الخليج العربي) يتمتعون بميزة كبيرة في القدرة على الحرب الجوية الشاملة، والطائرات المقاتلة، وصواريخ أرض - جو ومنظومات الدفاع الجوي الصاروخي المتقدمة مثل الباتريوت والثاد. وبالتالي، فإن العمق الإيراني المستهدف معرض للخطر، في حين أن دول الخليج العربي تمتلك منظومات الدفاع الجوي الصاروخي المتقدم تغطي العديد من الأهداف الرئيسية، كما أن الولايات المتحدة تنشر سفن بأنظمة دفاع صاروخي متقدم ذات قدرة واسعة النطاق. [أنظر: Chinese - Iranian Military Relations].
بالنظر إلى هذه الحقائق، إذا ما افترضنا بأن الدول التي تقيم علاقات ودية مع إيران مثل الصين انقلبت سياسات مبيعاتها نحو عدم بيع أي نوع من تقنيات الأسلحة المتطورة إلى إيران، فإن دول الخليج العربي والولايات المتحدة وإسرائيل ستكون لديهم ميزة ساحقة في العديد من المجالات مثل القدرة على الضربات الجوية والصاروخية وأنظمة الدفاع الجوي. لذا، فإن إيران من جانبها ترى في الصين كحليف من ضمن القوى الكبرى، ودولة قادرة على التوازن مع القوة الأميركية وحلفائها وكذلك الدفاع عن إيران. ومع ذلك، لا يوجد يقين في هذا الصدد. [أنظر: Chinese - Iranian Military Relations].
2 - على الجانب الصيني، يعد الشرق الأوسط منطقة ذات أهمية جيواستراتيجية للتوازن السياسي العالمي بأكمله. ستلعب الصين دوراً متزايداً على الساحة العالمية، ولذا هي بحاجة إلى تعزيز وجودها في المناطق الأساسية للمصير العام للتوازن السياسي العالمي. على رقعة الشطرنج هذه، يمكن أن تلعب الصين دوراً مهماً من حيث التأثير الاقتصادي والاستراتيجي والأيديولوجي. لذلك، تحاول بكين تعزيز علاقاتها العسكرية مع طهران التي تمثل فرصة لها للدخول في التوازن السياسي الإقليمي، وإيران هي النموذج الأمثل لهذه الاستراتيجية الصينية. [أنظر: Key Issues in China-Iran Relations].
أيضاً كلا البلدين يضعون واشنطن على أهدافهم الجيواستراتيجية الرئيسية. لذلك، وفقاً للخبراء الإيرانيين، فإن إيران هي الدولة الوحيدة على ساحل الخليج العربي غير المتحالفة مع واشنطن، وهو عامل مهم جداً بالنسبة لاستراتيجي جيش التحرير الشعبي الصيني الذين يعتبرون الولايات المتحدة عدواً للصين.
الخبراء الإيرانيين يعتقدون أن من المهم بشكل خاص النظر في كيفية إدراك المسؤولين والمفكرين الإستراتيجيين من كلا البلدين للمخاطر التي يمثلها الوجود الأميركي في مناطقهم (منطقة الخليج العربي وشرق آسيا)، ويعتقدون أن التعاون العسكري الثنائي وسيلة فعّالة للتخفيف من تلك المخاطر. الدلائل على أن أيًا من هذه الآراء تتحول في ضوء إعادة التوازن الأميركي إلى آسيا أو العمليات العسكرية الأميركية في الشرق الأوسط يمكن أن يكون لها انعكاسات بارزة بشكل خاص على التقدم في علاقتها العسكرية. لذلك، في تجسيدهما الحالي فإن الصين وإيران تجسدان سياساتهما الخارجية بأنها "الهيمنة المضادة".
العلاقات العسكرية بين الصين وإيران قد تتبعها انجازات أوسع في العلاقات الثنائية الشاملة. إذا كان هذا هو الحال، فسيكون من المفيد فهم الاتجاه العام الذي يبدو أن هذه العلاقات تسير فيه، وكذلك وجهات النظر في بكين وطهران فيما يتعلق بالفرص والقيود المفروضة على التعاون مع الآخر. دلائل التفاؤل لدى أي من الجانبين بأنه قد يكون هناك مجال لرفع مستوى العلاقات بشكل ملحوظ، خاصة مع قيادة جديدة من كلا الجانبين (روحاني في إيران وشي جين بينغ في الصين)، يمكن أن تشير إلى المزيد من الفرص لتعزيز العلاقات العسكرية بين البلدين. تعتقد إيران أن الولايات المتحدة ستفقد مكانتها كقوة رائدة بلا منازع في العالم خلال العقد ونصف العقد المقبلين، كما تعتقد أن الصين ستكون منافس قوي لتحل محل أميركا، وبالتالي، فإن الصين هو الشريك المثالي لإيران التي تحتاج إلى التكنولوجيا المدنية والعسكرية.
ومن ناحية أخرى، من المهم أن نفهم كيف أن التفاعلات العسكرية بين الصين وإيران تسهل على تحقيق الأهداف الاستراتيجية للبلدين في الشرق الأوسط. يمكن للنهج الصيني الأوسع تجاه الشرق الأوسط أن يحدد طبيعة أو مدى اتصالاتها العسكرية مع إيران، في حين أن أهداف إيران في محيط جوارها قد تؤثر على طبيعة تفاعلاتها مع جيش التحرير الشعبي الصيني. بالنسبة للغرب الذي تقوده الولايات المتحدة، كانت الصين دائماً تستغل الفرص في البلدان التي يكون فيها وجود القوى العظمى ضعيفاً. وكجزء من هذه الإستراتيجية، تعد طهران شريكاً مثالياً لبكين، سواء بالنسبة لمواردها الطبيعية أو لنفوذها الجيوسياسي.
مصالح الصين في إيران تمتد إلى أبعد من تأمين إمدادات النفط وضمان تخفيف العقوبات. بكين بعد العلاقات الدفاعية الجديدة مع إيران تسعى بنشاط نحو ما يسمى بمبادرة "حزام واحد - طريق واحد"، بما في ذلك خطة القرن الحادي والعشرين "طريق الحرير البحري" و "الحزام الاقتصادي لطريق الحرير"، والتي تهدف إلى أن تصبح القوة الدافعة للنمو الاقتصادي المستمر للصين في العقد المقبل وحتى أبعد من ذلك في المستقبل. [أنظر: ملف "مبادرة حزام واحد - طريق واحد" من الموقع الرسمي الصيني].
ترتبط هذه الخطة جزئياً ببرنامج التنمية الغربية الكبرى في عهد الرئيس الصيني السابق جيانغ زيمين الذي سعى للحفاظ على النمو الاقتصادي للصين من خلال الانفتاح والاستثمار في الجزء الغربي من البلاد. كما يتصور الرئيس الحالي شي جين بينغ، "حزام واحد - طريق واحد" سيخلق ممراً اقتصادياً واعداً يمتد عبر القارة الأوروآسيوية. [أنظر: China and the Iranian Nuclear Negotiations]. لكن نجاحه النهائي سوف يتوقف على استقرار الشرق الأوسط بشكل عام، وعلى إيران بشكل خاص. بمعنى آخر، لا تربط العلاقة التاريخية بين إيران والصين ثلاث مناطق فقط؛ شرق آسيا وغرب آسيا وآسيا الوسطى، ولكن لديها أيضاً القدرة على التأثير إيجاباً على السياسة الإقليمية والعالمية السائدة.
لذلك، فإن أي اتفاق عسكري ودبلوماسية دفاعية بين الجانبين سوف تأتي مع اعتبارات استراتيجية وجيوسياسية ملحوظة، والتي سوف تغطي منطقة واسعة من الخليج العربي وصولاً إلى الشرق من المحيط الهندي ومضيق ملقا بالإضافة إلى طريق الحرير وآسيا الوسطى بكامل طوله. وبشكل عام، على الرغم من النوايا المتبادلة لتحسين مستوى العلاقات الدفاعية، يرى الساسة الإيرانيون بأنه يتعيّن على الصين وإيران التغلب على التحديات الخطيرة للتنفيذ العملي لخططهما. من ناحية، المخاوف الصينية بشأن محور الولايات المتحدة إلى الشرق، يجعل بكين مهتمة للغاية بتطوير علاقاتها الدفاعية مع طهران. من ناحية أخرى، المعضلة النووية الإيرانية والعقوبات التي تفرض عليها تشكل أيضاً عقبة أمام تطوير العلاقات الصينية - الإيرانية. هذا، بدوره، يجبر السلطات الإيرانية على أن تكون أكثر نشاطاً في اتصالاتها مع البلدان المستعدة للدفاع عن التعاون مع طهران حتى في ظل العقوبات الحالية. لذلك، تنظر الصين إلى إيران كعنصر أساسي في طريقها الحريري لحزامها الاقتصادي، والذي يهدف إلى توسيع نفوذ بكين عبر آسيا الوسطى إلى الخليج العربي وأوروبا. [في هذا الصدد، انظر مناظرة ممتازة في مقال لمعهد واشنطن: Iran Seen from Beijing].
ومع ذلك، فإن السؤال المطروح هو: هل يمكن تعزيز العلاقات بين إيران والصين إلى مستوى أعلى؟. ما تم استعراضه في هذا التقرير يؤكد أنه على الرغم من وجود أرضية للتعاون المشترك بين البلدين، إلا أن هناك العديد من القيود والمعوقات لتعزيز وتطوير مستوى العلاقات، وبالتالي من غير المحتمل أن يحدث مثل هذا التغيير.
2 - عدم اليقين في "تحالف إستراتيجي"
في عهد الرئيس الإيراني روحاني، شهدت زيادة مطردة في الدبلوماسية الدفاعية بين إيران والصين، والتي تضمنت زيارات إلى بكين رفيعة المستوى ولمسؤوليين كبار من السياسيين والدبلوماسيين والمستشارين العسكريين الإيرانيين وقادة وأفراد الجيش الإيراني، أنعكست على الصين لتحسين علاقاتها مع إيران وإمكانيات فتح مستوى جديد للتعاون الدفاعي والعسكري.
تتمتع الصين بعلاقات وثيقة متزايدة مع الحكومات المناهضة للولايات المتحدة في العالم، مثل إيران في الشرق الأوسط. ومع ذلك، فإن مسار بكين لتوسيع نفوذها في الشرق الأوسط غير واضح. بالإضافة إلى ذلك، تريد الصين تحالفاً استراتيجياً مع إيران، لكن على طريقتها الخاصة وهي كوسيلة لفرزها من التعدي الجيوسياسي للولايات المتحدة. وبالمثل، تعتمد إيران على المساعدة من الصين لكسر الهيمنة الأميركية وتحقيق ميزان قوى جديد، وتريد أيضاً المزيد من التعاون العسكري والأمني مع الصين لفرض هيمنتها في إقليم الخليج العربي والشرق الأوسط. ومع ذلك، نحن بحاجة إلى تحليل طبيعة هذه العلاقات من أجل أن نقرر ما إذا كان يمكن وصف العلاقات الصينية الإيرانية الوثيقة بأنها "تحالف استراتيجي" أم "شراكة إستراتيجية" و "التقاء مصالح".
في هذا الصدد، تحدد الحكومتان الصينية والإيرانية علاقاتهما بأنها "وثيقة للغاية" و "استراتيجية" في العديد من المجالات. على الرغم من أن الصين تعد حليفاً صعباً ومتقلباً بالنسبة لإيران، فإن الدولتين أحياناً تصفان بعضهما البعض بأنهما "حليفين استراتيجيين"، وأحياناً أخرى بأنهما "شريكين استراتيجيين". في الواقع إن وصف "التحالف الإستراتيجي" هي صفة يتم توظيفها في كثير من الأحيان، ولا سيما من قبل إيران أكثر من الصين. فمن الملاحظ أن إيران طوال السنوات الماضية كانت تدفع بهذه العلاقة نحو "تحالف استراتيجي"، ولعل أبرز مثال أمامنا ما قاله علي أكبر ولايتي رئيس مركز الأبحاث الإستراتيجية التابع لمجمع تشخيص مصلحة النظام، خلال إجتماع مع عدد من المسؤوليين الصينيين من وزارة الخارجية الصينية بمن فيهم نائب وزير الخارجية السابق والأمين العام الحالي لمنظمة شنغهاي للتعاون، تشانغ ديوانغ، في يناير 2015، حيث قال لهم: "إننا حريصون على تطوير العلاقات مع الصين وأن العلاقات الإيرانية الصينية إستراتيجية". [أنظر: Velayati: Iran-China relations strategic].
أيضاً الصين في بعض الأحيان تطلق على هذه العلاقة وصف "الشراكة الإستراتيجية"، ولكن لم نسمع من الصين وصف "التحالف الإستراتيجي". قبل نحو شهر، في 14 يونيو، صرح الرئيس الصيني شي جين بينغ على هامش قمة منظمة شنغهاي للتعاون في العاصمة القرغيزية بيشيك: "بأن بكين مستعدة لتضافر الجهود مع طهران في تعزيز تنمية مطردة للشراكة الإستراتيجية الشاملة الثنائية". وجاءت تصريحات شي بينغ خلال اجتماعه مع نظيره الإيراني حسن روحاني في العاصمة القرغيزية بيشيك، وأكد أن الصين تنظر دائما إلى علاقاتها مع إيران من منظور استراتيجي وطويل الأجل، وأنه على الرغم من التغيرات في الأوضاع الإقليمية والدولية، إلا أن الجانب الصيني يرغب في التعاون مع الجانب الإيراني في تعزيز التنمية المستمرة والمطردة للشراكة الإستراتيجية الشاملة بين البلدين". [أنظر: شي: بكين مستعدة لتضافر الجهود مع طهران لتعزيز الشراكة الإستراتيجية الشاملة].
لكن الواقع أكثر تعقيداً. بعبارة أخرى، عندما نلقي نظرة فاحصة، فإن مقاربات البلدين لمفهوم "التحالف الاستراتيجي" متباينة للغاية. الآن، يتبادر إلى الذهن سؤال حول حدود التقارب بين الصين وإيران. تنظر طهران إلى علاقاتها مع بكين من خلال منظور سياسي دولي ثم تقلصها إلى مستوى العلاقات الثنائية. في حين، بكين تشير إلى العلاقات الثنائية، لكنها ما زالت لا تعتبر إيران شريكاً جاداً في المسرح العالمي. سوف يستمر نهج بكين البراغماتي الحالي طالما أن علاقاتها مع طهران لا تتعارض مع مصالحها الأخرى وعملية تكاملها الدولي. في الواقع، الاحتمالات الدولية لدعم بكين لطهران محدودة. إن مقاربة ونهج الصين تجاه القضية النووية الإيرانية هي مثال جيد في هذا الصدد، فعندما اشتد الخناق عليها من قبل الولايات المتحدة في العقد الأول من الألفية رضخت بكين لواشنطن ولقرارات مجلس الأمن الدولي للأمم المتحدة وصوتت لصالح قرار فرض العقوبات على إيران.
في الواقع، التحالف الاستراتيجي هو نوع من الروابط الأمنية الواسعة التي قد تشمل، من بين أمور أخرى، التعاون لتحقيق أهداف مشتركة حول مسائل المساعدة العسكرية، والصناعات الدفاعية، والمناورات العسكرية المشتركة، وتبادل المعلومات الاستخباراتية، ونشر الوحدات العسكرية في البلدان الشريكة، والتدريب العسكري. ولإنشاء تحالف استراتيجي بين أي دولتين، يجب أن يكون هناك إجماع وتعاون فيما يتعلق بوجهات نظرهم العالمية وأنظمتهم السياسية ومصالحهم طويلة الأجل وقيمهم العالمية.
ولعل من أفضل من كتب عن ماذا يعني التحالف الإستراتيجي بين بلدين، وبالخصوص عندما تكون إيران طرف في هذا التحالف، الكاتبين: Aras Bülent و Fatih Özbay في مقال تحليلي بعنوان: The Limits of the Russian-Iranian Strategic Alliance: its History and" "Geopolitics, and the Nuclear Issue, (حدود التحالف الاستراتيجي الروسي - الإيراني: تاريخه والجيوسياسي والقضية النووية) ونشر في المجلة الكورية لتحليل الدفاع، Korean Journal of Defense Analysis، حيث يقدم الكاتبين تحليل للعلاقات الروسية - الإيرانية من نطاق واسع لدراسة معنى العلاقات في السياقات الثنائية والإقليمية والدولية، وفي ضوء المناقشة في هذا المقال يستحلص الكاتبين إلى أن: "يمكنهم وصف العلاقات الروسية - الإيرانية بأنها "شراكة مشبوهة" بدلاً من "تحالف استراتيجي". إذ تحاول الدولتان الحفاظ على علاقاتهما الثنائية، على الرغم من العديد من الصعوبات بالإضافة إلى تحفيز الحساب الاستراتيجي والشك المتبادل. وكلتا الدولتين ترى بأن الظروف الإقليمية والدولية أجبرتهما على إقامة علاقات أوثق، بينما يراقب كل منهما الآخر بشك. وهذا يذكرنا بمزاج اثنين من التجار ذوي الخبرة الذيّن يعتبران التجارة بينهما مقبولة فقط لأنهما يشتركان في نفس المهنة". [أنظر: The Limits of the Russian-Iranian Strategic Alliance: its History and Geopolitics, and the Nuclear Issue].
وبالنسبة للحالة الصينية، في الواقع، الكثيرين من النخب الإيرانية يشيرون إلى المقاربة الصينية بأنها "براغماتية"، نظراً لأنها تضع في اعتبارها علاقاتها مع واشنطن. تعد الولايات المتحدة شريكاً اقتصادياً أكثر أهمية للصين من إيران. والعلاقة ليست في اتجاه واحد، فالولايات المتحدة أيضاً تعتمد على الصين. من الناحية الإستراتيجية، تقدر الصين علاقاتها مع الولايات المتحدة أكثر من اللازم للمخاطرة بانتهاك حقيقي، لكنها على استعداد لاستخدام الأزمة الأميركية مع إيران كفرصة لتحسين موقعها الاستراتيجي العالمي. على سبيل المثال، في عام 2005، مُنحت إيران صفة مراقب في منظمة شنغهاي للتعاون، وهي منظمة تهيمن عليها روسيا والصين.
بعد ذلك، في عام 2008 قدمت "طهران" طلباً للحصول على العضوية الكاملة، لكن تم رفض طلبها بعد عامين من تقديمها وذلك بموجب قواعد جديدة لمنظمة شنغهاي للتعاون والتي تحظر عضوية بلدان تخضع لعقوبات الأمم المتحدة. وبعد التوقيع على الصفقة النووية ورفع العقوبات جزئياً قدمت إيران مرة أخرى على طلب الانضمام لمنظمة شنغهاي للتعاون، وإلى الآن لم تحصل على الرد، يتم المراوغة في اعطائها العضوية الكاملة، وبالطبع البلدين المسيطرين على منظمة شنغهاي هما: روسيا والصين. وقد اعتبر الكثيرون رفض منح إيران العضوية الكاملة في منظمة شنغهاي للتعاون محاولة لعدم استعداء الولايات المتحدة، التي تعارض العضوية الإيرانية في المنظمة. وبمتابعة للصحف الإيرانية باللغة الفارسية نجد العشرات من المقالات التحليلة التي تؤكد على مدى أهمية حصول إيران على العضوية الكاملة، نظراً لأن العضوية الكاملة لإيران في منظمة شنغهاي للتعاون تمثل طريقة منخفضة التكلفة لتعزيز وضعها الدولي وبالتالي ستعزز من دورها الإقليمي.
بما أن العلاقات الثنائية بين الصين وإيران ستظل تعاني من عدم اليقين الاستراتيجي، فإن دبلوماسية الدفاع تقدم طريقة فعّالة لإيران من حيث التكلفة لإدارة علاقاتها مع الصين. ربما لهذا السبب تواصل إيران في الاستثمار في دبلوماسية الدفاع، نظراً لأن إشراك الصين في خطة عسكرية قوية مشتركة، وتوسيع عدد وحجم هذه المبادرات الدبلوماسية. هذه المناقشات كافية لتذكيرنا بأن إنشاء تحالف فعّال واستراتيجي يتطلب عملاً شاقاً.
3 - معوقات التحالف الإستراتيجي الصيني - الإيراني
هناك العديد من المناظرات والمناقشات السياسية بين النخب الإيرانية حول "التحالف الإستراتيجي" الصيني - الإيراني، وهناك شعور بالإحباط لدى النخب الإيرانية تجاه المقاربة الصينية "البراغماتية" في إدارة معضلة إيران في الخليج العربي، والنخب الإيرانية تصف هذه المقاربة الصينية للعلاقات الصينية - الإيرانية بأنها مقاربة الخداع والاستغفال والاستغلال، بهدف تعزيز العلاقات الصينية الأميركية. ويقول بعض المحللين والدبلوماسيين الإيرانيين إن بكين ستفضّل دائماً العلاقات مع واشنطن على العلاقات مع طهران.
يعمل صنّاع السياسة من أجل مصالحهم الوطنية. ولذا فإن الصينيون ينظرون لهذا الأمر من عدة زوايا، ويدركون أن حجم العقبات لتحقيق "التحالف الإستراتيجي" مع إيران كبير. وأهم هذه المعوقات هي:
1 - الهيكل الاقتصادي
من الناحية الاقتصادية لا يمكن أن يتحقق "تحالف استراتيجي اقتصادي بين الصين وإيران"، لأن أولاً، لا يوجد تشابه بين الهياكل الاقتصادية ودرجة تطور البلدين. ثانياً، حجم التجارة الإيرانية مع الصين بالكاد يتجاوز 0.5٪ من التجارة الخارجية للصين، بينما يبلغ حجم التجارة مع الولايات المتحدة 20٪ من تجارة الصين الخارجية. حتى حجم التجارة بين الصين وإسرائيل في ارتفاع مستمر، وهناك نمو سنوي متوسط 40٪ من التجارة بين البلدين، وعام 2008 بلغ مستوى قياسي قدره 5.1 مليار دولار. فكرة أن الصين تتخلى عن تجارتها مع إسرائيل والولايات المتحدة بسبب تحالف استراتيجي محتمل مع إيران غير منطقية. ثم يمكن الاستنتاح بأنه بأفضل طريقة ممكنة يمكن لإيران أن تكون مجرد مزود للطاقة الصينية وسوقاً مستهلكاً لسلعها. ثالثاً، في أفضل الأحوال، إيران عدة مرات فرضت عليها العقوبات، وحالياً تحت العقوبات الأميركية. لذلك، سوف يكون لدى الطرفين قيود حتى في علاقاتهما التجارية.
2 - الهوية والأيديولوجيا
ليس هناك أفق لهذه العلاقات يتجاوز العوامل غير المادية مثل الهويات التاريخية والأيديولوجية وتُساعد الهويات الشخصية في تكوين علاقات ودية أو غير ودية. العلاقات الفكرية والإيديولوجية عوامل مهمة في تشكيل التحالفات والمعاهدات، مثل حلف بغداد في عام 1955، أو اعتبارات الهوية في تأسيس مجلس التعاون الخليجي. إذا نظرنا إلى العلاقات الإيرانية الصينية من هذا المنظور، يمكن للمرء أن يرى بسهولة الاختلافات الجذرية بين معتقدات إيران الشيعية، والتوجهات والطموحات الوطنية الفائقة للصين، وتطلعاتها ومكانتها في النظام الدولي. على عكس إيران التي من أولى أولوياتها تصدير أيديولوجيتها للخارج، فإن الصين تفكر ببساطة في المصالح المادية ولا تتابع الاهتمامات الثقافية ونشر القيّم الشيوعية خارج حدودها. إنهم يحاولون تطوير اقتصادهم عن طريق مزج القومية والماركسية وأسلوب الإنتاج الصيني. لذلك فهم لا يحاولون تعطيل الهيكل الدولي على المدى القصير أو الدخول في حرب كلامية مع الولايات المتحدة بشأن قضايا مثل انتشار القيّم الأميركية في العالم أو عدالة التفضيل على النظام في الإدارة العالمية، يفضلون الحفاظ على دورهم كأصحاب مصلحة مسؤولين في المجتمع الدولي، لكن إيران لا تزال تواصل تصدير ثورتها إلى دول في المنطقة مثل البحرين واليمن ولبنان.
3 - المملكة العربية السعودية
مشكلة أخرى لتطوير العلاقات الإيرانية الصينية هي العلاقات بين بكين والرياض. أبدت الصين اهتماماً خاصاً بالمملكة العربية السعودية بسبب أهمية النفط. وقعت بكين اتفاقية التعاون الاستراتيجي في مجال النفط مع المملكة العربية السعودية في عام 1999، والتي وضعت الأساس للمملكة العربية السعودية لتصبح وتظل أكبر مورد للنفط في الصين. ولهذا السبب، استثمرت الصين وحاولت التأثير على السعوديين ليكونوا أكثر ملاءمة للصناعة الصينية. ومن الأمثلة على ذلك شركة الصين للبتروكيماويات (SINOPEC).
لقاء مع أرامكو السعودية لمناقشة حصة في مصفاة بقيمة 1.2 مليار دولار في مدينة تشينغداو الصينية. تضافرت جهود الجانبان في مشروع بقيمة 3.5 مليار دولار في مقاطعة فوجيان تضمن طاقة تصريفية أكبر. على الرغم من هذه التجارة المتنامية السريعة بين البلدين، إذا استثنينا أهمية صادرات النفط السعودية، فإن إجمالي حجم التجارة بين المملكة العربية السعودية والصين تشكل أقل من 1.5٪ من إجمالي التجارة الخارجية للصين. من ناحية أخرى، وجدنا أن التجارة السعودية مع الصين تمثل حوالي 14٪ من إجمالي التجارة الخارجية للمملكة العربية السعودية. وفي أقل من عقد من الزمن، برزت الدولة الآسيوية [الصين] كواحدة من الشركاء التجاريين الرئيسيين للمملكة العربية السعودية. وكان لديها القدرة على أن تكون الشريك الاستراتيجي الجديد للمملكة، وتاريخ طويل من العلاقات الثقافية مع العالمين العربي والإسلامي، بما في ذلك المملكة العربية السعودية.
يشير هذا الدخول السعودي القوي في السوق الصيني إلى أن الصين لن تقف إلى جانب طهران في خلافاتها السياسية المستمرة مع الرياض. ومؤخراً انضمت أبوظبي إلى نفس مسار الرياض، وبدأت في تعزيز علاقات وشراكة استراتيجية مع الصين، ولعل جهود الرياض وابوظبي سوف تتوج بتأثيرات كبيرة على سياسة الصين.
الخلاصة، علاوة لما طرحناه في هذا القسم، لا توجد معاهدة واتفاق بين الصين وإيران للتعاون الدفاعي والعسكري المشترك في حالة وقوع هجوم على أياً منهما. بعبارة أخرى، إذا بدأت الولايات المتحدة وحلفاؤها في شن حملة عسكرية على إيران، فستكون المساعدة الصينية لإيران مجرد دعوة إلى الوساطة من قبل المنظمات الدولية، مثل الأمم المتحدة.
وفي ضوء المناقشة في هذا التقرير، قد نصف العلاقات الصينية الإيرانية بأنها "شراكة إستراتيجية والتقاء مصالح" وليس "تحالف استراتيجي". وبالتالي، فإن الدافع الرئيسي وراء هذه العلاقات ودبلوماسية الدفاع الصينية - الإيرانية هو كسر أحادية القطبية الأميركية ومناهضة سياسات الولايات المتحدة والهيمنة العسكرية الأميركية في منطقتين: "شرق آسيا والمحيط الهادئ"، و "إقليم الخليج العربي والشرق الأوسط". بالإضافة إلى ذلك، طالما استمرت الولايات المتحدة القطب الأوحد، فإن الصين ستحافظ على علاقاتها مع إيران. نظراً لموقع الصين في مجلس الأمن، يمكنها إطالة العملية التي تقودها الولايات المتحدة لفرض عقوبات عسكرية على إيران.
في مثل هذا الظرف الدولي، فإن العلاقات بين الصين وإيران، على الرغم من أنها ليست في شكل تحالف استراتيجي، ستستمر في الصعود والهبوط وبين المد والجزر، تحكمها الحسابات الاستراتيجية والشكوك المتبادلة. على الرغم من أن الصين وإيران تتمتعان بعلاقات ودية، والتي من المرجح أن تستمر في التمتع بها في العقود المقبلة، فمن غير المرجح أن يظهر تحالف استراتيجي في أي وقت على المدى المتوسط إلى المدى الطويل.
يبين لنا التاريخ أن القوى العظمى لا يمكنها دائماً دعم الدول الشريكة لها ويمكن بسببها أن تنجر إلى حروب لم تكن تنوي الدخول فيها. ومن خلال نظرة توقعية، من الممكن أن نرى يحدث تعاون تكتيكي بين إيران والصين، على سبيل المثال فيما يتعلق بالشأن الدفاعي، في حين أن تعاون استراتيجي جوهري طويل الأجل قد يظل بعيد المنال.
الــــخــــــــاتـــــــــــــــــمـــة
الإســــــــتــنــتــــاج
كيف نجحت بكين قبل أكثر من ثلاثة عقود، بعد أن ساندت بقوة الشاه عشية ثورة 1979، في تأسيس "شراكة مناهضة لهيمنة القوة العظمى أميركا" مع نظام الملالي في إيران. لقد أدت احتياجات الصين المتزايدة للطاقة واحتياجات إيران للأسلحة إلى التقارب من بعض؛ طورت علاقات الصين للوصول إلى سوق مهم لصادرات النفط الإيرانية حيث أن العقوبات أدت إلى عزل إيران عن بقية سوق الطاقة العالمي. وفي المقابل زودت الصين إيران بالأسلحة ولعبت دوراً رئيسياً في تحديث وتطوير برنامج التسليح الإيراني. فضلاً عن الدعم والمساعدة التي قدمتها بكين لطهران في الساحات الدولية. وبعبارة أخرى، النفط الإيراني مقابل السلاح الصيني والدعم والمساندة في الساحات الدولية. باختصار، مزيج من البراغماتية الإيرانية والانتهازية الصينية أدى إلى تشكيل واستمرار العلاقات الدفاعية.
لعبت الصين دوراً رئيسياً، في مساعدة إيران على بدء قطاعها الصناعي العسكري. حيث يعتمد عدد كبير من منصات الصواريخ الإيرانية اعتماداً كبيراً على التقنيات الصينية، بما في ذلك صواريخ عقاب التي يمكن حملها وإطلاقها من طائرة F-14 Tomcat و F-4 Phantom II التابعة للقوات الجوية الإيرانية، وصاروخ نازعات الباليستي قصير المدى ذات الوقود الصلب، وصاروخ نصر المضاد للسفن، وهو مشتق مباشرة من صاروخ C-704 الصيني وتقريباً مماثل ومتطابق له. اليوم معظم أنواع الصواريخ الإيرانية المضادة للسفن العاملة في الخدمة من أشكال مختلفة ومحلية الصنيع هي مستنسخة من التصميمات الصينية التي بنيت كنسخة متطابقة تقريباً للنسخة الصينية. وهناك صواريخ باليستية أخرى مثل فاتح-110 وشهاب-3 التي كان للصين الدور الرئيس في المساهمة والمساعدة في تطويرهما. وذُكر أن الصين لعبت دوراً مهماً في مساعدة إيران على إنشاء منشآت لإنتاج وتصنيع صاروخ نصر المضاد للسفن في عام 2010، وهو صاروخ صمم لإطلاقه من على مقاتلتها F-4، وتعتبر إيران إن دمج صاروخها المضاد للسفن "نصر" مع المقاتلة F-4 توفر لها تطبيق "الإقصاء البحري" عبر استراتيجية "المنطقة المحرّمة/منع الولوج A2/AD".
إلى جانب الدعم العسكري التقليدي، قدمت الصين أيضاً مساعدة مهمة للبرنامج النووي الإيراني، حيث أنشأت المرافق والمنشآت النووية، ووفرت الخبرة الفنية وتدريب المهندسين النوويين الإيرانيين، والمتخصصين في استكشاف اليورانيوم والتعدين، وذلك منذ زمن بعيد قبل فترة طويلة من توقيع الصفقة النووية JCPOA. منذ منتصف الثمانينيات من القرن الماضي، زودت الصين إيران بالتقنيات والأجهزة والمعدات النووية الهامة، وساعدت الفنيين الإيرانيين على إتقان استخدام الليزر لتخصيب اليورانيوم. كما لعب المهندسون والفنيون الصينيون دوراً رئيسياً في المساعدة في إنشاء "منشأة أصفهان للأبحاث النووية"، وهو مرفق له دور محوري في تطوير البرنامج النووي الإيراني. ومع تزويد الصين لإيران مساعدة كبيرة للتغلب على آثار العقوبات الغربية، بما في ذلك استخدام اتفاقيات المقايضة لتجنب العقوبات الاقتصادية الأميركية للتعامل مع البنوك الإيرانية، فقد قوضت بشكل خطير حملة الضغط الغربية ضد إيران.
على الرغم من أن إيران تطور محلياً وتنتج مجموعة متنوعة من الصواريخ، فإن الكثير من قدرة الصواريخ الحالية لإيران جذورها ترجع للتكنولوجيا الصينية ومساعدة الصين لها. إن الجانب العسكري للعلاقات الصينية - الإيرانية هو الذي يزعج العديد من المراقبين في الغرب. حيث لعبت الصين، دوراً حاسماً في تطوير قدرات إيران العسكرية لمجمع "المنطقة المحرّمة/منع الولوج A2/AD"، وزودتها بمجموعة متنوعة من الأنظمة العسكرية المفيدة. وهذا مؤشر بأن إيران تستثمر مواردها في تطوير قدرات "المنطقة المحرّمة/منع الولوج A2/AD" وتستعد بشكل متزايد لشن معركة غير متكافئة ضد عدو أكثر قدرة تقليدياً مثل الولايات المتحدة، والاستفادة من خفة الحركة والسرعة وتكتيكات القيادة والسيطرة اللامركزية، بالإضافة إلى هجمات مضادة متقدمة للسفن وأسلحة مضادة للطائرات، وذلك للدفاع عن أصولها في البر الرئيسي.
ومع ذلك، طهران لا تزال حتى يومنا هذا تعتمد على بكين إلى حدٍ كبير للتصنيع العسكري، والحفاظ على جوهر القدرات المتقدمة والمتطورة للترسانة العسكرية الإيرانية. من الواضح وضوح لا لبس فيه، أن الصين لعبت دوراً حاسماً وبشكل كبير في تزويد إيران بالمكونات التي تدخل في صناعة الصواريخ، وكذلك توطين تقنيات وقطع غيار تدخل في الصناعة العسكرية الإيرانية، وقدمت لإيران تقنية "المعرفة" Know-how العسكرية، وساعدت بشكل كبير في التحديث العسكري الإيراني.
ربما أصبحت بكين أكثر شريك لا يقدر بثمن لطهران، وقادرة على توفير الأسلحة والتجارة وشراء كميات كبيرة من النفط الإيراني مع مساعدة إيران في التغلب على الضغوط الغربية. ولذلك، إيران تنظر إلى الصين كحليف محتمل ضد الولايات المتحدة، وتعدها أهم "شريك استراتيجي" لها، ليس فقط تقوم بتعزيز الاقتصاد الإيراني والقدرة الدفاعية، بل المصالح الإيرانية في الساحة الدولية أيضاً. وفي المقابل، الصين تنظر لدعمها المستمر للبرنامج العسكري الإيراني بأن إيران قوة عسكرية "بالوكالة" في الشرق الأوسط، وقد تأمل في استخدامها لممارسة الضغوط على القوات الأميركية، وكذلك تقييد عملية امدادات النفط للغرب في حال اندلاع نزاع صيني - أميركي في المحيط الهادئ.
ومن ناحية أخرى، تعتمد سياسة بكين تجاه طهران على حالة علاقاتها مع واشنطن. كلما توترت العلاقات بين الصين والولايات المتحدة، كانت العلاقات بين الصين وإيران أفضل، والعكس صحيح. بتعبير أدق، يبدو أن إيران وسيلة تستخدمها الصين في مواجهة الولايات المتحدة من أجل تعزيز مصالحها الخاصة عالمياً.
تمثل الشراكة بين إيران والصين تحدياً إستثنائياً ليس فقط للمصالح والأهداف الأميركية وإنما لأمن واستقرار دول الخليج العربي بل والشرق الأوسط بأكمله، بما يشمل عن ثني إيران عن تطوير قدرتها على تصنيع الأسلحة النووية وتحجيم ترسانتها الصاروخية. لقد أصبح من الواضح بشكل متزايد أن إيران تعتزم تطوير قدرة محلية على صنع أسلحة نووية. على الرغم من الرفض القوي لكثير من المجتمع الدولي، وخاصة الولايات المتحدة وحلفائها، زاد البرنامج النووي الإيراني من حدة التوتر في الشرق الأوسط، مما زاد من شبح التدخل العسكري بقيادة الولايات المتحدة لوقف أو تعطيل جهود طهران النووية.
إن الدور الصيني الكبير والهام في تطوير القدرات العسكرية الإيرانية واضح وجلي. فالتعاون الصيني ومبادرات نقل الأسلحة إلى إيران ومشاركتها لإيران في التكنولوجيا الصينية سهلت من صعود إيران كقوة في الشرق الأوسط. هذا التعاون العسكري بين بكين وطهران صُمم بغرض زيادة عائدات تجارة الأسلحة الصينية وتعزيز النفوذ الصيني في المناطق الإستراتيجية. إن التطورات الأخيرة في القدرات الإيرانية مثل الصواريخ المضادة للسفن والصواريخ المضادة للطائرات والمنطقة المحرّمة أجبرت واشنطن على إعادة التفكير في نهجها تجاه طهران، خاصة في سياق محاولة طهران المتزايدة لتطوير ترسانة صواريخها وبرنامجها النووي العسكري. ولذلك، تنظر واشنطن إلى إيران على أنها بُعد واحد محتمل من أبعاد الصين وهو التوسع الصيني في مناطق إستراتيجية بهدف نشر القوة في الخليج العربي.
ويبدو أن المقاربة الاستراتيجية الأميركية لتحجيم دور الصين المتصاعد، وبروزها كقوة مرشحة لأخذ مكانة أميركا، تستند إلى كسر العلاقات والتعاون الدفاعي الصيني الإيراني، وذلك من خلال نهجين: النهج الأول، وهو الذي اعتمده الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، ويتكون من مسارين:
1 - المسار الأول: كسر الدور الصيني المتصاعد في مناطق نفوذ أميركا كمنطقة الخليج العربي والتي تعتبر منطقة حيوية وفي غاية الأهمية. ويتم ذلك عبر سحب إيران من حضن الصين، وإزالة توترات طهران مع الغرب وخاصة الولايات المتحدة، وتعزيز علاقات إيران مع الكتلة الغربية الأوربية (بريطانيا، فرنسا، المانيا). وربطها بالقيّم الغربية بعيداً عن النهج الصيني الذي يستند إلى اختراق الدول المناهضة للولايات المتحدة القوة العظمى والقطب الأوحد. وهذا من شأنه أن يؤدي إلى تخلي إيران عن نهجها الثوري الأيديولوجي، وتصبح عنصر فاعل ومؤثر على الصعيد الإقليمي، ومن المحتمل تسيطر وتهيمن على إقليم الخليج العربي ودول عربية أخرى طالما هي بعيدة عن حضن الصين. ولذا، انخرطت إدارة أوباما ومعها الكتلة الغربية في المفاوضات النووية ومن ثم التوقيع على الصفقة النووية مع إيران.
2 - المسار الثاني: بعد تنفيذ الصفقة النووية والتوقيع عليها، تتحول إدارة الرئيس الأميركي (باراك أوباما) نحو الشرق (شرق آسيا) في محاولة لاحتواء النفوذ المتزايد للصين. ولعل نتذكر جميعاً عندما كانت أميركا تتفاوض مع إيران حول الصفقة النووية كان أوباما يكرر بأن لدى أميركا خطة للانسحاب من منطقة الخليج أو لتقليل حجم القوات الأميركية من المنطقة والتوجه نحو شرق آسيا والمحيط الهادئ. ومن ناحية أخرى، إذا قطع أوباما علاقات جديدة بين الولايات المتحدة وإيران بهدف زيادة الاستقرار في الشرق الأوسط ومنطقة الخليج العربي، فسيكون لديه المزيد من الوقت لدفع المزيد من الاهتمام بشرق آسيا، وخاصة الصين.
بيد أن كل الشواهد والدلائل أثبتت أن هذه المقاربة لنهج "أوباما" فشلت. قبل دخول الاتفاق النووي حيز التنفيذ والذي كان محدداً له في 15 يناير 2016، احتجز "الحرس الثوري الإيراني" في 12 يناير 2016 سفينتين حربيتين وعشرة أفراد من البحرية الأميركية في مياه الخليج العربي، وهذا كان مؤشر على أن السلوك العدائي الإيراني لم يتغير. كما أن استمرت إيران على نهجها الارهابي عبر أذرعها ووكلائها في المنطقة، وواصلت في تطوير ترسانتها الصاروخية وإجراء كل يومين اختبار لصاروخ جديد. والأهم من كل هذا، إن من بين أهم أسباب عقد صفقة نووية مع إيران، خنق العلاقات الصينية الإيرانية لتحجيم الدور الصيني المتصاعد، إلا أن على عكس ما كانت تتوقعه أميركا، الصفقة النووية أضفت الشرعية الدولية على العلاقات الصينية الإيرانية، وأصبحت العلاقات أوثق، ووجدت بكين أن تطوير علاقات أوثق مع إيران الجديدة، التي تتعاون الآن مع الغرب في المجال النووي، أقل تكلفة من الناحية السياسية. وهذا من شأنه أن يشجعها على الاستمرار في علاقات دفاعية أعمق مع طهران، ولن تؤدي إلى رد فعل غربي قوي، كما وأن الصين وإيران تحرروا من القيود والعقوبات التي كانت تفرض على إيران.
النهج الثاني: هو النهج الذي تتبناه إدارة الرئيس الحالي دونالد ترامب. وهو أيضاً يتكون من مسارين كما نهج أوباما ولكنه معاكس، حيث يتقدم المسار الثاني لأوباما على المسار الأول، كما يلي:
1 - المسار الأول: عوضاً من عقد صفقة ناقصة وبنودها فضفاضة مع إيران - مثل صفقة أوباما - لتحييدها عن الصين بهدف تحجيم الدور المتصاعد للأخيرة في المنطقة، ينبغي الذهاب أولاً ومباشرة إلى داخل منطقة الصين في شرق آسيا والمحيط الهادئ، والتفاوض مع الدولة التي ضمن حلقة نفوذ الصين وبالقرب منها وعلى حدودها وهي كوريا الشمالية. ولذلك ترامب بدأ بكوريا الشمالية وعقد اتفاق معها، بهدف تعزيز نفوذ أميركا داخل حلقة نفوذ الصين وبالقرب من جوارها الجغرافي في شرق آسيا والمحيط الهادئ. ولعل البدء في الحرب التجارية مع الصين أيضاً لها علاقة وارتباط مع هذا المسار.
2 - المسار الثاني: إدارة الشرق الأوسط عبر التركيز على إيران "القوة الإقليمية بالوكالة" للصين في منطقة الخليج العربي. نظراً لأن إدارة الشرق الأوسط سوف تسهل من عملية إدارة قوة كبرى صاعدة مثل الصين. وتعتقد أميركا بأن تجربة خدمة الحرب غير النظامية في الشرق الأوسط التي تمارسها إيران ساعدت في إعداد خدمة الحرب بالوكالة للصين. علاوة على ذلك، برنامج التسليح الإيراني الذي ساهمت الصين في تطويره، لاسيما الترسانة الصاروخية، بسببها انسحب ترامب من الصفقة النووية الإيرانية، لعدم وجود قيود صاروخية في صفقة "أوباما"، باعتبارها واحدة من عيوبها الرئيسية، وسبب رئيسي لقرار الانسحاب من الاتفاق. من خلال الانسحاب وإعادة فرض العقوبات على إيران، هي أولى خطوات هذا المسار نحو إدارة الشرق الأوسط، لممارسة ضغط كبير على طهران وإجبارها على قبول "صفقة جديدة" شاملة تلبي المتطلبات والشروط الـ 12، بما في ذلك وقف جميع عمليات تخصيب اليورانيوم، ونهاية الدعم الإيراني للجماعات الإرهابية في الشرق الأوسط، وانسحاب جميع القوات التي تحت القيادة الإيرانية في سوريا. فيما يتعلق بقضية الصواريخ، فإن الشرط هو "يجب على إيران الحد من انتشار الصواريخ الباليستية ووقف إطلاق المزيد أو تطوير الصواريخ ذات القدرة النووية".
ويبدو أن الإدارة الأميركية الحالية، لا تتطلع للتفاوض مع إيران لحلول فضفاضة وإبرام صفقة منفصلة، بما في ذلك صفقة صاروخية منفصلة، نظراً لمخاوفها بشكل كبير بشأن السلوك الإيراني. بدلاً من ذلك، يبدو أنها تعتمد على "حملة الضغط القصوى" بطريقتها الخاصة لإحداث تغيير أساسي في توجه وسلوك إيران وسياساتها التي ستنعكس على استسلام شامل لمطالب الولايات المتحدة، أو كما يعتقد كثير من المراقبين الهدف الأكثر واقعي هو انهيار النظام الإيراني.
على الصين أن تلتزم بعناية بين موازنة دعمها لإيران ومصلحتها في تجنب الصراع المباشر مع الولايات المتحدة.
لدى الصين وإيران مصالح متضاربة حول العديد من القضايا، بالرغم من أن البعض في الصين يجد في دعم إيران فرصة لإخضاع الولايات المتحدة إستراتيجياً، إلا أن الصين لا تميل بشكل عام لإحتضان إيران بشكل كامل خوفاً من الإضرار بعلاقاتها ليس فقط بالولايات المتحدة وبسمعتها على الساحة الدولية، وإنما أيضاً الإضرار بعلاقاتها المتميزة مع دول مجلس التعاون الخليجي وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية المزود الرئيسي والأكبر لموارد الطاقة للصين.
وبالنظر إلى تضارب المصالح بين الصين وإيران، يتعيّن على دول الخليج العربي وبالتحديد المملكة العربية السعودية إستخدام أدواتهم الدبلوماسية للاستمرار في إحباط قدرات إيران التسليحية، ولا سيما الترسانة الصاروخية التي تستمد قوتها من التعاون الدفاعي الصيني، وإيقاف برنامجها النووي في شقه العسكري، والضغط على الصين للحد من علاقاتها مع إيران.
إعداد: عبير البحرين
المنتدى العربي للدفاع والتسليح
إعداد: عبير البحرين
المنتدى العربي للدفاع والتسليح
مــدخـــــــــــل
هذا التقرير يوضح أبعاد العلاقات الدفاعية بين إيران والصين، من الناحيتين السياسية والاستراتيجية فيما يتعلق بالجوانب الدبلوماسية الدفاعية (الدبلوماسية العسكرية)، وانعكاساتها الهامة على الدور الرئيسي للصين في تطوير وتحديث برنامج التسليح الإيراني، لاسيما الترسانة الصاروخية الإيرانية، ومدى استفادة الصناعة الدفاعية الإيرانية سواءً من المساعدة الصينية الحكومية أو من الكيانات الصينية مثل الشركات التي تزود إيران بمكونات وتكنولوجيا أنظمة الصواريخ. علاوة على ذلك، يوضح المراحل التي مرت بها العلاقات الدفاعية الإيرانية - الصينية، وكيف أن إيران بإستمرار تسعي لرفع مستوى العلاقات مع الصين إلى مستوى تحالف استراتيجي. في هذا الصدد، تعد دبلوماسية الدفاع أداة مهمة في العلاقات الدولية، ويمكن أن توضح الآلية الأساسية التي تجعل من دبلوماسية الدفاع أداة جيوسياسية فعّالة.
على الرغم من قلة المراجع والدراسات العربية والأجنبية التي تتناول الدبلوماسية الدفاعية الإيرانية - الصينية في الأدبيات الأمنية والعسكرية الدولية، إلا أن هذه العلاقة لها آثار مهمة على الأمن الإقليمي لشرق آسيا وإقليم الخليج العربي والشرق الأوسط. أصبح هذا المفهوم - على وجه التحديد بعد عام 2013 - الدينامية المركزية للعلاقة المعقدة بين إيران والصين، حيث أرسى كلا البلدين سلسة من الإجراءات والتدابير لبناء الثقة في العلاقات الثنائية والتبادلات الدفاعية - العسكرية. في هذا المعنى، سعى البلدان إلى تطوير علاقات المنفعة المتبادلة في ظل بيئة دولية وإقليمية شبه مستقرة.
سوف نناقش كيف أن الدبلوماسية الدفاعية (الدبلوماسية العسكرية) بين الصين وإيران تطورت، وكان لها التأثير المباشر على دور الصين الرئيسي في تطوير وتحديث البرامج التسليحية الإيرانية وبالخصوص الترسانة الصاروخية، وكذلك مساعدة الصين لإيران في برنامجها النووي، وكيف أن إيران استفادت وحصلت على الأسلحة ومكونات وتكنولوجيا صينية تدخل في صناعة أنظمة الصواريخ، والدعم والمساعدة في تقينة "المعرفة" Know-how والهندسة العكسية لاستنساخ هذه الأسلحة الصينية. وفي هذا الصدد سوف نستعرض الصواريخ والأسلحة الإيرانية التي سواءً حصلت عليها من الصين أو قامت باستنساخها من الأسلحة الصينية. كما نسلط الضوء على الدور الصيني في دعم ومساعدة استراتيجية "المنطقة المحرّمة/منع الولوج" الإيرانية. وسوف نستعرض محددات وقيود العلاقات الدفاعية الصينية الإيرانية، وما الطرق التي سلكتها الدبلوماسية الدفاعية الإيرانية لتحديث برنامج عسكري مستمر مع الصين يعمل على توسيع قدرات القوة التسليحية لإيران. ومع ذلك، نستخلص إلى أنه بسبب الاعتبارات السياسية للصين ودور الولايات المتحدة في هذا الصدد فإن العلاقات الدفاعية الصينية الإيرانية تظل في صعود وهبوط وبين المد والجزر.
مـــــقــدمـــــــة
تعود العلاقات المتينة بين الصين وإيران إلى حقبة إمبراطورية "الهان" والإمبراطورية "البارثية" (أو الأشكانيون)، حين كانت الحضارتان شريكتان تجاريتين على "طريق الحرير" القديم. ومع الفتح الإسلامي للإمبراطورية الفارسية الساسانية في القرن السابع الميلادي، طلب بيروز الثالث - إبن الملك الساساني يزدجرد الثالث - اللجوء إلى الصين، التي كانت حينئذٍ تحت حكم سلالة تانغ بزعامة الإمبراطور غازونغ، وقد منحه هذا الأخير الإقامة في البلاد. وبعد سقوط نظام الشاه ونجاح الثورة في عام 1979، مرت السياسة الخارجية الإيرانية بتغيير جذري ودخلت مرحلة جديدة، ووجدت طهران نفسها معزولة على الساحة الدولية. ومع انهيار علاقاتها مع الغرب، كان يتحتم عليها الاعتماد على موردين آخرين، مثل الصين، للحصول على الأسلحة. في حين قبل الثورة، كانت واشنطن المصدر الرئيسي لتزويد إيران بالأسلحة الأكثر تطوراً المتوفرة في ذلك الوقت.
في السنوات التي تلت ثورة 1979، عززت طهران من علاقاتها السياسية والاقتصادية والعسكرية مع بكين. خلال الحرب الإيرانية العراقية كان للصين دور حيوي في تعزيز جهود إيران الحربية. ومع مرور الوقت، أصبحت الصين أقل حلفاء إيران من القوى الكبرى الغير جديرة بالثقة - ناهيك عن القول أكثرها جدارة بالثقة - وشكّلت محوراً أساسياً لحفظ التوازن أمام الولايات المتحدة. وخلال حرب إيران المنهكة مع العراق التي دامت ثماني سنوات، كانت الصين هي القوة الكبرى الوحيدة التي زودت إيران بالأسلحةـ [أنظر: وثائق سرية لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية CIA كُشفت عنها في 20 أغسطس 2010 عن حجم الدعم العسكري الصيني لإيران خلال الحرب الإيرانية - العراقية]. ومن الأهمية بمكان، أن نشير بأن بكين كانت أيضاً تزود بغداد بالعتاد العسكري في حربها مع إيران.
وفي عام 1985، وقعت حكومتا الصين وإيران اتفاقاً سرياً للتعاون النووي خلال زيارة رئيس مجلس النواب الإيراني آنذاك أكبر هاشمي رفسنجاني إلى الصين. وازداد التعاون بين البلدين بشكل متواصل حتى عام 1997، عندما أدت الضغوط الأميركية حول أزمة مضيق تايوان في العام الذي سبق، إلى دفع الصين لتعليق مساعداتها لطهران في المجالين النووي وتطوير الصواريخ بعد الضغوط التي مارستها واشنطن على بكين وفرض عقوبات على كيانات صينية في عام 1999. بيد أن، بحلول ذلك الوقت، كانت السنوات الطويلة المتتالية (1985 - 1999) من الدعم العسكري والتقني الصيني قد ساعدت إيران على إنشاء قاعدة صناعية محلية لبناء وإنتاج الصواريخ التي تشكل اليوم ركيزة أساسية في استراتيجيتها الدفاعية. وساعدت الصين جهود إيران في تطوير وتحديث أجهزتها العسكرية وعقيدتها من خلال نقل التكنولوجيا العسكرية، ومبيعات الأسلحة وأنظمة الصواريخ الباليستية التكتيكية، وأنظمة الأسلحة التي تستخدم في "المنطقة المحرّمة/منع الولوج A2/AD"، ناهيك عن تأسيس منشآت ومصانع داخل إيران بالشراكة مع الصين، ومساعدة صينية كبيرة في برامج الهندسة العكسية لاستنساخ الأسلحة وتصنيعها محلياً.
لقد أدت احتياجات الصين المتزايدة للطاقة إلى تقارب صيني إيراني؛ طورت علاقات الصين للوصول إلى سوق مهم لصادرات النفط الإيرانية حيث أن العقوبات أدت إلى عزل إيران عن بقية أسواق الطاقة العالمية. في المقابل، حصلت إيران على سلع استهلاكية رخيصة والعملة الصعبة من الصين، فضلاً عن مساعدات في التنمية داخل إيران ودعم في مجلس الأمن للأمم المتحدة فيما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني، والحصول على أسلحة صينية وتوطين تقنيات ومكونات تدخل في صناعة أنظمة صاروخية. بالإضافة إلى ذلك، تحافظ الصين وإيران على العداء المشترك تجاه الولايات المتحدة، وعلاقة ثقافية تستند إلى طريق الحرير التجاري التاريخي الذي يمتد لمئات السنين.
إن الجانب العسكري للعلاقات الصينية الإيرانية هو الذي يزعج العديد من المراقبين في الغرب. لقد لعبت الصين دوراً مهماً في تطوير قدرات إيران في مجال المنطقة المحرّمة/منع الولوج (A2/AD)، وزودتها بمجموعة متنوعة من أنظمة الأسلحة المفيدة لإستراتيجية (A2/AD). إن تركيز إيران على توظيف واستثمار مواردها في دعم استراتيجية A2/AD تشير إلى استعدادها بشكل متزايد لشن معركة غير متكافئة ضد عدو أكثر قدرة تقليدية مثل الولايات المتحدة، والاستفادة من خفة الحركة والسرعة وتكتيكات القيادة والسيطرة (C2) اللامركزية، بالتوازي مع الأسلحة المتقدمة المضادة للسفن والطائرات، للدفاع عن أصولها في البر الرئيسي. كما أن يشير الدعم الصيني المستمر للبرنامج العسكري الإيراني للمنطقة المحرّمة/منع الولوج إلى أن بكين تنظر إلى إيران كقوة عسكرية بالوكالة في الشرق الأوسط، وقد تأمل في استخدامها لممارسة الضغط على القوات الأميركية وتقييد امدادات النفط الغربية في حال نشوب نزاع صيني أميركي في المحيط الهادئ.
وكجزء لا يتجزأ من الدبلوماسية الدفاعية الإيرانية، لعبت الروابط العسكرية دوراً متزايد الأهمية في العلاقات الخارجية الإيرانية، وتحديداً بعد عام 1997 خلال فترة وزير الدفاع الإيراني السابق علي شمخاني. وعلى النقيض من ذلك، استهلت دبلوماسية الصين الدفاعية حقبة جديدة من التنمية الشاملة والقنوات المتعددة منذ أن أطلقت الصين "مسيرة الإصلاح والانفتاح على العالم الخارجي" وذلك قبل نحو ثلاثة عقود، وخاصة بعد دعوة الجلسة الرابعة المكتملة لـ اللجنة المركزية الثالثة عشرة للحزب الشيوعي الصيني في عام 1989. [أنظر: New Era for China's Military Diplomacy].
نمت العلاقات بين الصين وإيران، وخاصة التعاون الدفاعي ودبلوماسية الدفاع أو دبلوماسية العسكر، ومرت على 3 مراحل؛ المرحلة الأولى، من منتصف الثمانينيات حتى أواخر التسعينيات من القرن الماضي، وهي مرحلة التأسيس والتمكين، والصعود في العلاقات الدفاعية بين البلدين وتأسيس قاعدة صناعة دفاعية في إيران بدعم ومساعدة صينية، والاستفادة من نقل وتوطين المكونات والتكنولوجيا الصينية للصواريخ والأنظمة الأخرى. المرحلة الثانية، من بداية الألفية إلى 2012 وهي مرحلة تتسم بالصعود والهبوط وبين المد والجزر نظراً لما شهدته إيران خلال تلك السنوات من أزمات مع المجتمع الدولي بخصوص برنامجها النووي وفرض العقوبات عليها من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ومع ذلك، فإن المرحلة الثانية تتسم بظهور الإستراتيجية الإيرانية "المنطقة المحرّمة/منع الولوج". المرحلة الثالثة، من 2013 لغاية 2018 - 2019 عند انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي ومن ثم فرض العقوبات الأميركية على إيران، وهي مرحلة اتسمت بالنهوض من جديد والصعود والقوة نظراً لتغيير الرئاسة الإيرانية، حيث تم الدفع بشخصية جديدة (حسن روحاني) ليتولى رئاسة إيران، وروحاني يختلف عن سلفه محمود أحمدي نجاد، حيث نجح في الدخول في المفاوضات النووية مع الدول الخمس + 1، ومن ثم التوقيع على الاتفاق النووي ورفع العقوبات التي كانت مفروضة على إيران، وبالتالي فُتحت الأبواب أمام الصين من جديد وكذلك أمام الكيانات الصينية مثل شركات التكنولوجيا ومصنعي المكونات التي تدخل في الأنظمة الصاروخية.
عندما تولى حسن روحاني منصبه في عام 2013، أجرت الحكومة الإيرانية تعديل على البعض من تكتيكاتها واستراتيجياتها لتحقيق أهداف أساسية مثل السياسة الخارجية وبرامج الأمن الدفاعي من أجل بناء الثقة وتقليل الشكوك الدولية. واستمراراً لهذا النهج، تحسنت العلاقات الصينية - الإيرانية بشكل عام منذ توقيع الدول الخمس + 1 وإيران على "اتفاق جنيف الابتدائي الخاص بالبرنامج النووي" في 24 نوفمبر 2013. وفقاً لذلك، وافقت الصين وإيران في مايو 2014 على تعميق العلاقات الدفاعية، إستناداً لمحادثات رفيعة المستوى بين وزير الدفاع الصيني "تشانغ وان تشيوان" ونظيره الإيراني "حسين دهقان" في محاولة لتوسيع العلاقات الدفاعية الثنائية. لذلك، تشير المصادر أن المحادثات الصينية الايرانية المشتركة كانت تُجري في قنوات متعددة، حول توسيع التعاون الدفاعي الثنائي والتبادل العسكري. وهذا يعني أن العلاقات الدفاعية الرسمية بين إيران والصين قطعت سلسلة من الخطوات في عهد روحاني وفي عصر "الصفقة النووية" مع الدول الخمس +1، وشملت زيارات قيادية رفيعة المستوى واتصالات غير مسبوقة بين موانئ البلدين وقواتهما البحرية.
كما يوضح هذا التقرير، إن إيران تعتقد بأن التطورات الدفاعية مع الصين سوف يضمن للأخيرة بالظهور على الساحة الدولية كقوة عسكرية محتملة مضادة للنظراء في المنطقة، أي قوة مضادة للولايات المتحدة. ونتيجة لذلك، ترى إيران بأن من شأن هذه التغييرات أن تؤدي إلى بزوغ تعاون استراتيجي واضح مع الصين من حيث التأثير الاستراتيجي على المسرحين الاقليمي والدولي. ويعتقد الساسة الإيرانيون بأنه مع توسع النفوذ الصيني، سينخفض الضغط الغربي عليهم وستتاح لإيران مساحة أكبر لمتابعة مصالحها وإبراز هيمنتها على إقليم الخليج العربي والشرق الأوسط. لكن السؤال القائم: هل هذا يعني بأن الصين فعلياً تتفق مع هذا التكتيك الإيراني؟ وهل هي ملزمة بإقامة تحالف إستراتيجي مع إيران؟.
للإجابة على هذا السؤال، يتعين على المرء أن يحلل العديد من العوامل التي لعبت أدواراً محورية في تشكيل الوفاق الصيني الإيراني. حيث أن الصين وإيران تواجهان مصالح متضاربة حول العديد من القضايا. رغم أن البعض في الصين يجد في دعم إيران فرصة لإخضاع الولايات المتحدة إستراتيجياً، فالصين لا تميل بشكل عام لإحتضان إيران بشكل كامل خوفاً من الإضرار بعلاقاتها ليس فقط بالولايات المتحدة وبسمعتها على الساحة الدولية، وإنما أيضاً الإضرار بعلاقاتها المتميزة مع دول مجلس التعاون الخليجي وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية المزود الرئيسي والأكبر لموارد الطاقة للصين. ويرى العديد من الإيرانيين أن الصين تستغل إيران إقتصادياً وتستخدمها كورقة مساومة ضد الولايات المتحدة،
وبالنظر إلى تضارب المصالح بين الصين وإيران، يتعيّن على دول الخليج العربي وبالتحديد المملكة العربية السعودية إستخدام أدواتهم الدبلوماسية للاستمرار في إحباط قدرات إيران التسليحية ولا سيما الترسانة الصاروخية التي تستمد قوتها من التعاون الدفاعي الصيني، وإيقاف برنامجها النووي في شقه العسكري، والضغط على الصين للحد من علاقاتها مع إيران.
وفي الوقت نفسه، يهدف هذا التقرير إلى تصنيف محتوى الدبلوماسية الدفاعية الصينية الإيرانية لتوضيح الصورة والخصائص العامة، ولا سيما النوايا الاستراتيجية لتبادلهما العسكري. ومع ذلك، هناك العديد من العقبات في فهم الدبلوماسية العسكرية الصينية، بيد أن هناك بعض التقدم في تمثيل الوضع في الوثائق الرسمية التي يمكن أن توفر فهماً للنوايا الحقيقية وراء السلوك الفعلي للصين.
تنقسم الدراسة إلى 6 فصول؛ الفضل الأول الدبلوماسية الدفاعية مع التركيز على الدبلوماسية الدفاعية الإيرانية، الفصل الثاني محددات وقيود العلاقات الدفاعية الصينية - الإيرانية، الفصل الثالث دور الصين الرئيسي في تحديث وتطوير برنامج التسليح الإيراني مع أبعاد علاقاتهما العسكرية، ويتضمن هذا الفصل شرح مفصل للمراحل الثلاثة التي مرت بها العلاقات العسكرية الصينية الإيرانية، الفصل الرابع برنامج الصواريخ الباليستية وصواريخ الكروز الإيرانية والبرنامج النووي الإيراني، الفصل الخامس حجم التعاون والتبادلات العسكرية وحجم الخبراء والفنيين والمهندسي والعمال الصينيين في إيران، الفصل السادس مستقبل العلاقات الصنيية - الإيرانية مع شرح لعناصر هذا المستقبل: اعتبارات استراتيجية، عدم اليقين في التحالف الاستراتيجي، ومعوقات التحالف الإستراتيجي. بالإضافة إلى المقدمة والخاتمة بالاستنتاج.
الـــفـــــصـــــــــل الأول
الإطار المفاهيمي للدبلوماسية الدفاعية أو الدبلوماسية العسكرية
يرجع أصل الدبلوماسية الدفاعية في الدبلوماسية العسكرية الكلاسيكية إلى العصور القديمة، وقد تم إحياءه في عصر نابليون. بيد أن دبلوماسية الدفاع لم تشهد تطورات، وأي تغييرات كبيرة، حتى نهاية الحرب الباردة، حيث ركزت على العلاقات العسكرية، وبالتالي اقتصرت على المجال العسكري الكلاسيكي. خلال التسعينيات من القرن الماضي، مع بزوغ فجر حقبة جديدة للسياسة الدولية، وبروز مطرد للترابط المعقد بين الدول، وظهور متنامي لجهات جديدة فاعلة على الساحة العالمية، وكذلك ظهور الدبلوماسية العامة، أفسحت المجال لتصور مفهوم جديد عن الدبلوماسية الدفاعية أو الدبلوماسية العسكرية. عُرفت بأنها تعبير عن دبلوماسية الشبكة، بمعنى دبلوماسية الدفاع تربط تنفيذ أهداف السياسة الخارجية بأهداف مؤسسة الدفاع. إذا تمت إدارته بشكل صحيح، يمكن أن تكون أداة لا تقدر بثمن لفن إدارة الدولة، من خلال جلب الأبعاد المتعددة لكل من القوة الناعمة والقوة الصلبة في أي قضية معينة. [أنظر: Defence Diplomacy].
تشير أدبيات السياسة الدولية بأن الدبلوماسية الدفاعية (الدبلوماسية العسكرية) تهدف إلى السعي لتحقيق أهداف السياسة الخارجية من خلال التوظيف السلمي للموارد والقدرات الدفاعية. لكن المثير والغريب عدم وجود تعريف محدد متفق عليه للدبلوماسية الدفاعية (الدبلوماسية العسكرية)، بالرغم من دورها وأهميتها في صنع الأحداث على مستوى الدول والعالم، لم يتم تعريف هذا المفهوم بشكل واضح على الإطلاق، لكنه أصبح مفهوماً بشكل عام على أنه "استخدام الوسائل العسكرية لبلد ما لتحسين فعّالية القوات المسلحة للدول المتعاونة وكفاءة إنفاقها الأمني والدفاعي من خلال زيادة التفاهم المتبادل أو الوصول إلى قدرات جديدة وإمكانيات التدريب".
وعند قراءة "وثيقة حكومية رسمية"، لأي بلد من البلدان في العالم، أو عند إلقاء نظرة على سلسلة من العلاقات الخارجية لبلد ما، أو عند الاستماع لأحد القادة العسكريين في بلد ما، من المحتمل أن يصادف المرء عبارة "الدبلوماسية الدفاعية" أو "الدبلوماسية العسكرية". وفي هذا الإطار، يمكننا استعراض موجز لعدد من الدول التي تتضمن في سياساتها العليا الدبلوماسية الدفاعية أو العسكرية، ومن بين هذه الدول المختارة: سنغافورة، استراليا، إسبانيا، الصين، وإيران. ولعل عند النظر في الوثائق والتقارير الحكومية الرسمية لهذه الدول، يمكننا أن نستخلص ما هية مفهوم الدبلوماسية الدفاعية، مع تركيزنا على الدبلوماسية الدفاعية الإيرانية تماشياً مع الخطوط العريضة لهذا التقرير.
يقول قائد القوات الجوية لجمهورية سنغافورة سابقاً (2006 - 2009) اللواء Ng Chee Khern نج تشي خيرن أن: "الدبلوماسية الدفاعية تعني السعي لتطوير علاقات منفعة متبادلة مع الدول الصديقة والقوات المسلحة، وتوظيف مؤسسة الدفاع في الدولة لتعزيز الأهداف الاستراتيجية للحكومة من خلال التعاون مع الدول الأخرى، وأن عملية الردع يجب أن تُستكمل بالدبلوماسية الدفاعية. وأن العلاقات الدفاعية الجيدة مهمة لعدة أسباب؛ لأنها تتيح التدريب وإجراء تمارين واسعة النطاق في جميع أنحاء العالم، وتُمكّن القوات بتعزيز المهارات المهنية والمعايير ضد القوات المتقدمة، وتوفر الوصول المستمر إلى التكنولوجيات الحديثة والمتقدمة". [أنظر: "On Command"، اللواء Ng Chee Khern قائد القوات الجوية السنغافورية سابقاً].
وعند إلقاء نطرة على "الوثيقة الإسبانية" تحت عنوان: "خطة الدبلوماسية الدفاعية" Defence Diplomacy Plan"، نكتشف أن وزيرة الدفاع الإسبانية سابقاً (2008) كارمي تشاكون Carme Maria Chacón Piqueras تركز على الدبلوماسية الدفاعية لإسبانيا، عبر استعراضها للسياق الدولي الجديد الذي يتطلب التفكير في ضوء مفهوم واحد مهيمن وهو مفهوم الترابط. ويجب معالجة المخاطر والتهديدات الجديدة في القرن الحادي والعشرين من خلال نهج متكامل، مع مبادرات مشتركة. ولتحقيق ذلك، من الضروري لكل حكومة أن تنظم كل الوسائل والآليات المتاحة لتوفير استجابة منسقة في عملها الخارجي. ونظراً لأن الأمن والدفاع تشكلان بُعداً أساسياً في سياسة إسبانيا الخارجية ودعائمها، فإن اليوم، هناك عدد أقل من الحروب التقليدية، لكن المواجهات المنخفضة إلى المتوسطة الكثافة لا تزال قائمة، وعواقب انتشار الحروب غير المتماثلة وظهور تهديدات جديدة تتجاوز الحدود الوطنية، وبالتالي على الجميع في إسبانيا مسؤولية مشتركة لتطبيق وثيقة "خطة الدبلوماسية الدفاعية" Defence Diplomacy Plan، التي تصف الأولويات والوسائل والآليات لتحقيق أهداف إسبانيا. كما هو منصوص عليه في السياسة الوطنية للدفاع، وتوجيهات سياسة الدفاع الإسبانية. [أنظر: Carme Maria Chacón Piqueras كارمي تشاكون، "Defence Diplomacy Plan"].
في المصطلحات الأمنية الوطنية، غالباً ما يشار إلى الدبلوماسية بإسم القوة الناعمة، بينما يشار إلى القوة العسكرية بالقوة الصلبة. اليوم التمييز بينهما أصبح غير واضح قطعاً. حيث تثبت الدبلوماسية العسكرية أنها وسيلة مفيدة للغاية لمتابعة المصالح الوطنية دون النزاع. قد ينظر البعض إلى مفهوم الدبلوماسية العسكرية على أنه شيء من التناقض، يشبه إلى حد ما الاستخبارات العسكرية، ولكن في بيئة أمنية عالمية متزايدة التعقيد تثبت قيمتها. لدرجة أنه في الآونة الأخيرة، أعلن وزير الدفاع الأسترالي ديفيد جونستون، "أنه قوي للغاية في الدبلوماسية العسكرية". [أنظر: Military diplomacy].
أما في العقيدة الصينية، فيمكن فهم الدبلوماسية العسكرية الصينية من خلال تعريف الصين للدبلوماسية العسكرية وكيف تعزز علاقاتها الدبلوماسية العسكرية، وذلك بالاطلاع على "وثيقة صينية حكومية رسمية عن الدبلوماسية العسكرية"، حيث تقدم الوثيقة الصينية تعريف للدبلوماسية العسكرية على نطاق واسع بأنها: "مجموعة من الأنشطة غير القتالية التي تنفذها القوات المسلحة لبلد ما لتعزيز مصالحها الدبلوماسية الوطنية. غالباً ما تتخذ الأنشطة الدبلوماسية العسكرية في شكل تدريبات عسكرية مشتركة، وحوارات عسكرية رفيعة المستوى، واتصالات الموانئ البحرية والقوات البحرية. في حالة الصين، التي انتقلت من دور الهامش إلى مركز النظام الدولي، فإن تحديثها العسكري المستمر عزز من وتيرة وتعقيدات هذه الأنشطة العسكرية. بشكل عام، توفر الأنشطة الدبلوماسية العسكرية للصين فرصاً لتحسين صورتها العالمية ودعم أجندتها الدبلوماسية الأوسع، وفي الوقت نفسه تعزيز من قدراتها العملياتية العسكرية". [أنظر: How is China bolstering its military diplomatic relations?].
نظراً لوجود صلة وثيقة بين الأمن والسياسات الخارجية لبلد ما، هناك العديد من نقاط الخلاف بين الدفاع والدبلوماسية. يعود استخدام القوات المسلحة لدعم دبلوماسية الدول إلى أصول الأمم ذاتها. في البداية، كان الهدف من هذا الدعم هو تعزيز المصالح الوطنية من خلال إظهار القدرة العسكرية، لبلد ما، على فرض مصالحه أو إرادته على دولة أخرى، أو كعنصر لردع الطموحات الأجنبية، سواء كانت سياسية أو إقليمية أو اقتصادية. [أنظر: Defense Diplomacy Plan, Ministry of Defense -Spain].
حالياً التساؤل حول التحالف والاندماج في السياسة الخارجية هو أحد أهم التساؤلات المطروحة في الدراسات الدولية. من وجهة النظر هذه، تعتمد العديد من الدراسات في العلاقات الدولية على الجهد المبذول لإدراك وفهم كيف تتحد بعض الدول مع بعضها البعض. على الرغم من الصيغ المتعددة لدراسات مختلفة عن العلاقات الدولية، إلا أن معظم نظريات العلاقات الدولية يبدو بأنها تتبنى إجماعاً على أن التحالف هو رد الفعل الأمثل تجاه التهديدات الخارجية.
الدبلوماسية الدفاعية الإيرانية
منذ عام 1979، كانت إيران - دائماً - في معضلة لحماية مصالحها العليا مثل الحفاظ على بقاء نظامها وإحكام أمنها القومي، ضد من تعتقد بأنهم "أعدائها الإقليميين والدوليين". وكانت تصوغ إستراتيجيتها للتغلب على التحديات في بيئتها الأمنية، من خلال لعبة الموازنات إما داخلياُ أو خارجياُ. وفي هذا السياق، كان الردع التقليدي عموداً رئيسياً في الإستراتيجية العسكرية الإيرانية من خلال الدبلوماسية الدفاعية.
تجربة الحرب مع العراق في عام 1980، وحرب الخليج الأولى عاصفة الصحراء (1990 - 1991)، والحرب الأميركية على أفغانستان (2001) والغزو الأميركي للعراق (2003)، قاد صنّاع السياسة الإيرانيين في الداخل إلى أن بلادهم في شكلها السياسي الحالي ليس لديها عمق استراتيجي؛ تقريباً لا عمق من أي جار من جيرانها، فضلاً عن أن عدة دول إقليمية يمكن أن تشترك مع أميركا وحلفائها وتصبح كمنصات للهجوم على إيران أو تقويض أمنها ونظامها. [أنظر: "نوواقعگرایی و سیاست خارجی جمهوری اسلامی ایران" (الثورة الإسلامية والسياسة الخارجية لجمهورية إيران الإسلامية)].
ولمواجهة هذه المعضلة، فإن طهران مستعدة لتوسيع علاقاتها العسكرية مع موسكو وبكين، أو أي قوة أخرى مضادة للولايات المتحدة بإمكانها الوقوف في وجه أميركا، وهذا سوف يحقق لإيران مصلحة نفعية وتستفيد من هذه القوة سياسياً وعسكرياً.
ومن هذا المنظور، فإن دبلوماسية الدفاع الإيرانية هي استراتيجية لتعزيز جهود القطاع الدفاعي في مجال الردع بهدف المصالح العليا لإيران. وبهذا المفهوم فهو متغير من القوة الناعمة التي تستخدم في اختيار مشاركة الفهم الاستراتيجي لدولة أخرى، من خلال ربط دبلوماسية الدفاع بمفهوم القوة الناعمة، وتكون الآلية الأساسية التي تجعل من دبلوماسية الدفاع أداة جيوسياسية فعّالة.
تنظر إيران إلى دبلوماسية الدفاع لتعزيز جهود قطاع الدفاع، الذي يعتبر بأنه ضعيف قياساً لقطاع الدفاع التقليدية للدول المتقدمة، من أجل عملية إعادة بناء القاعدة الصناعية الدفاعية الإيرانية. وهذا مفهوم جديد تم التأكيد عليه في وثيقة رسمية إيرانية بعنوان: "صياغة إستراتيجية الدفاع الوطني والأمن القومي". وفي هذا السياق، فإن السياسة الدفاعية الإيرانية الشاملة تزداد أهمية في توطيد علاقات مع دول مثل الصين وروسيا. بالنظر إلى موقع روسيا - على سبيل المثال - القوي في التسلسل الهرمي للقوة العالمية، يمكن للتعاون الدفاعي الإيراني الروسي أن يوفر إنجازات مهمة لإيران والاستقرار وتعزيز استراتيجية الردع الإيرانية. [أنظر: The Defense Diplomacy of Iran towards Russia].
وينطبق ذات الشيء على قوة صاعدة مثل الصين، فالعلاقات والتعاون الدفاعي مع الصين ستمنح إيران قفزات هائلة في الصناعة الدفاعية وتعزز من استراتيجية الردع الإيرانية، ناهيك عن الدعم والمساندة السياسية في المنظمات الدولية.
من الأهمية بمكان، أن نستعرض تصريحات القادة العسكريين الإيرانيين حول الدبلوماسية الدفاعية. فمن الملاحظ على الأدبيات الإيرانية، سواءً في وسائل الاعلام أو عبر الوثائق الرسمية أو الخطب، بأن خلال العشر سنوات الماضية هناك تركيز شديد على استخدام مصطلح "الدبلوماسية الدفاعية" أو "الدبلوماسية العسكرية"، وقد ازداد في فترة ما بعد التوقيع على الصفقة النووية الإيرانية مع الدول الخمس + 1.
على سبيل المثال؛ في مارس 2010، وفي إجتماع مع البعثات الدبلوماسية الإيرانية، شدد وزير الدفاع الايراني - السابق - العميد أحمد وحيدي على "إن الدبلوماسية الدفاعية من أهم أركان السياسة الخارجية لايران". ودعى البعثات الدبلوماسية الإيرانية إلى العمل لتمهيد الأرضية لتوقيع اتفاقية دفاعية مثل تلك التي وقعها مع نظيره القطري في الدوحة مؤخراً. موضحاً أن الاعداء يحاولون زعزعة أمن واستقرار المنطقة لكن الدبلوماسية الدفاعية الإيرانية نشطة وفعّالة. [أنظر: وحيدي: الدبلوماسية الدفاعية من اهم اركان سياسة ايران الخارجية].
أما رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية اللواء محمد باقري، لا يتوانى عن استخدام "الدبلوماسية الدفاعية" في تصريحاته، ففي تصريح له في 1 نوفمبر 2017 عند اجتماعه مع نظيره الروسي الجنرال "فاليري غراسيموف" في طهران، قال: "سنستعرض الدبلوماسية الدفاعية الجديدة بين إيران وروسيا". [أنظر: تصريح اللواء باقري].
وفي تصريح آخر له بمناسبة "يوم القوة البحرية للجيش الايراني" في 26 نوفمبر 2018، قال: "إن القوة البحرية الايرانية التي تجاوز انتشارها المياه الاقليمية والمحيطة تحمل رسالة السلام والصداقة والأمن للمضائق البحرية الحساسة والاستراتيجية في المناطق الجغرافية البعيدة وتمكنت من بلورة جانب من ثمار الدبلوماسية الدفاعية والفاعلة والذكية والجهود الهادفة المبذولة من قبل القوات المسلحة المقتدرة". [أنظر: اللواء باقري: قدرات ايران الدفاعية والرادعة تحبط احلام العدو البغيضة].
من الواضح أن جنرالات إيران في لهف شديد نحو "الدبلوماسية الدفاعية" مع الصين وروسيا، وأنهم مهتمون في القضايا الجيوسياسية ويمارسون دبلوماسية العسكر. اللواء باقري رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية تم تعينه في هذا المنصب في عام 2016، قبل هذا المنصب كان من رموز الحرس الثوري من الجيل الثاني، وتدرج في مناصب مختلفة باستخبارات الحرس الثوري، وتخصصه العلمي "الجغرافيا السياسية"، وحاصل على الدكتوراه في الجغرافيا السياسية من جامعة الدفاع الوطني العليا في العاصمة الإيرانية طهران، ومن مؤسسي "الرابطة الجيوسياسية الإيرانية". هذه المعطيات تقدم صورة واضحة عن المؤشرات التي تُظهر إعجاب "جنرالات" الجيل الثاني في "الحرس الثوري الإيراني" بالقضايا الجيوسياسية، أي رسم الخرائط الإقليمية. وتُظهر مدى اهتمام إيران بتوظيف صلاحيات رئيس الأركان كأداة دبلوماسية يمكن أن تؤثر على مستقبل التعاون الدفاعي التي تربط بين إيران ودول أخرى، وأيضاً تُظهر بروز دور "دبلوماسية العسكر" في إيران.
لذا، يمكننا القول، أن الدبلوماسية الدفاعية الإيرانية تعد جزءاً من القوة الوطنية، إلى جانب السياسة الخارجية، التي تشكل مصدر القوة لتعزيز القدرة على التحرك والعمل في العلاقات الخارجية. فهي لن تراقب تطبيق السياسة الدبلوماسية فحسب، بل تضمن أيضاً مشاركة الدبلوماسية في سياسة الدفاع. في الواقع، يمكن أن تكون الصلة بين الأنشطة العسكرية والدفاعية والأنشطة الدبلوماسية أداة قوية مترابطة للسلطة الإيرانية. من ناحية أخرى، سيكون استخدام الدبلوماسية الدفاعية فعالاً في أوقات السلم والحرب، وكذلك في منع النزاعات وحتى استخدام قدرات البيئة الدولية لتعزيز قدرات إيران وتأثيراتها في أوقات الحرب.
لذلك، تنظيرات المحللين الإيرانيين تتجه نحو القول بأن: لتحقيق قدرات هائلة في الدبلوماسية الدفاعية يتطلب فهم المحيط، والفهم العميق لموقف إيران، والتنظير ووضع المفاهيم لخلق حوار لتعزيز القدرات الدفاعية والقدرات الأخرى لإيران، والتي لا بد أن تعتمد على الهيمنة العالمية والخطاب المشترك في هذا المجال هو معرفة السياسة العالمية.
في هذا السياق، تعتبر إيران نفسها بأنها قوة إقليمية، وأن تاريخياً كان لها دور إقليمي، وتعتقد بأن بعد الثورة إزدادت قدراتها الدفاعية المصنعة محلياً بشكل كبير. لكن هذا لا يمكن اعتباره المكون الوحيد لتحسين القدرات الدفاعية الإقليمية لإيران. بسبب النزاعات الأمنية عبر الحدود في البيئة الإقليمية لإيران، فإن استخدام معاهدات الدفاع هو الأكثر رغبة لدى إيران. وفقاً لذلك، تعد الصين (وكذلك روسيا) واحدة من الدول والخيارات ذات الاهتمام والمصالح الإيرانية في هذا الصدد.
ومن ناحية أخرى، فإن أحد الاتجاهات البارزة في البيئة الأمنية الدولية هو "رؤية البقية". لهذه الأسباب، يرى العديد من علماء العلاقات الدولية بأن الصين كقوة صاعدة، وربما في يوم من الأيام يمكن أن تحل محل الولايات المتحدة كدولة مهيمنة في آسيا. [أنظر: Can China Rise Peacefully? ، وكذلك أنظر : 2015 and the Rise of China: Power Cycle Analysis and the Implications for Australia]. وفي مواجهة الصين الصاعدة، فإن أهم القضايا الأساسية لحكومات الخليج العربي (بما في ذلك إيران) هي كيف تؤثر الصين القوية على أمن هذه الدول في هذا الصدد، مع إشراقة فجر "المحيط الهادئ"، حيث تزداد قوة الصين وتسعى للعب دور أكبر في الشؤون الإقليمية والعالمية. [أنظر: China's Arms Acquisitions from Abroad: A Quest for 'superb and Secret Weapons'، تقرير SIPRI].
لذلك، المحللون والخبراء الإيرانيون يحثون صنّاع القرار في إيران على أهمية فهم القدرات الدفاعية والعسكرية ونوايا القيادة الصينية في جميع المجالات، وليس فقط المسائل المتعلقة بالتجارة. حيث أدت الزيادة التدريجية في القوة الاقتصادية والسياسية لجمهورية الصين الشعبية، اعتقاد بعض مسؤولي الدفاع والأمن الإيرانيين أنهم يستطيعون تزيين وتعميق التعاون بين البلدين والمضي نحو خوض تجربة العلاقات الاستراتيجية مع جمهورية الصين الشعبية تصل لحد التحالف الإستراتيجي. [أنظر: وكالة أنباء الجمهورية الإيرانية (IRNA)].
لكن بعض المحللين الإيرانيين المختصين في الشأن الصيني يعتقدون أن إيران والصين لا تواجهما تهديدات مماثلة ومشتركة على المستوى الدولي ليتم استخدامهما كأساس لتطوير التعاون الاستراتيجي وتعزيز العلاقات الثنائية إلى مستوى "التحالف الاستراتيجي". هناك فرق كبير بين القضايا الأمنية والتهديدات التي تواجهها إيران وتلك التي تواجهها الصين. بمعنى آخر، كل بلد يسعى نحو أولوياته المختلفة تماماً في تفاعلاته الدولية. كما أن البعض الآخر من المحلليين الإيرانيين المختصين في الشأن الصيني يعتقدون أن معارضة الصين لأي ضغوط جديدة تمارس ضد إيران من قبل الغرب، يمكن فقط أن تؤخر أو تؤجل تلك الضغوط الغربية ولن توقفها. بمعنى آخر، إن استخدام إيران لبطاقة الصين لا توفر حلاً دائماً لها. [أنظر: China A Short Term Solution for Iran].
من الناحية النظرية، هذا منطقي. ومع ذلك، فإن مع بدء المفاوضات مع إيران، ومع التقارب القصير الأجل بين إيران والكتلة الغربية، والتي بدأت في أعقاب توقيع "اتفاق جنيف الابتدائي الخاص بالبرنامج النووي" في 24 نوفمبر 2013، تمكنت طهران من تعميق علاقاتها مع جمهورية الصين الشعبية في الشؤون الدفاعية، والقطاعات الإلكترونية، والتقنيات العسكرية، والمجالات الإستراتيجية. وكانت طهران تعلق الآمال على رفع العقوبات كلياً عنها (تلك العقوبات التي كانت مفروضة على إيران قبل توقيع الصفقة)، لتعميق علاقات إستراتيجية ودفاعية طويلة الأمد مع الصين في هذه المجالات، لأن عند رفع العقوبات سوف تحقق للصين قدرة على الحركة أكثر ويمكنها تسهيل صعود إيران كقوة إقليمية.
لذلك، كانت الآمال الإيرانية معقودة على نجاح "الاتفاق النووي" JCPOA في تخفيف الحظر على الأسلحة إلى طهران بعد خمس سنوات (ربما في عام 2020)، ومن ثم بالتأكيد ستكثف الصين من وجودها في قطاعات الدفاع العسكرية الإيرانية. ومن المؤكد أن طهران ستوسع من شراكتها مع بكين وستنطلق التجارة الدفاعية والتكنولوجية بعد نجاح الصفقة النووية ورفع العقوبات بالكامل عنها والفوز بالكعكعة الصينية. [أنظر: "China and Iran's New Love Affair?"، (الصين - إيران وعلاقة الحب الجديدة)].
من المثير للسخرية أن العديد من المحلليين الغربيين وكذلك المحللين العرب، ينشرون في الصحف مقالات تحليلية سطحية، بإدعائهم إن "إنسحاب دونالد ترامب من الصفقة النووية سيؤدي إلى تعزيز الشراكة والتحالف بين إيران والصين، وأن ذلك من شأنه أن يرمي بإيران في أحضان الصين".
بإمكانكم البحث في محرك قوقل وستجدون العشرات من هذه النوعية من المقالات الصحفية السطحية التي تنشر منذ مايو 2018، وهو تاريخ الانسحاب الأميركي الأحادي الجانب من الاتفاق النووي الإيراني، ولغاية تاريخ اليوم، يقدمون تنظيرات وتحليلات قاصرة بأن الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني سيؤدي إلى ارتماء إيران في أحضان الصين وتعزيز التعاون الدفاعي الإيراني - الصيني. في حين إن الواقع مغاير بشكل كبير لما ينشرونه هؤلاء الكتّاب المحلليين الغربيين والعرب. في الواقع، العلاقات الإيرانية - الصينية منذ ثمانينيات القرن الماضي تشهد حالة من الشراكة والصعود في العلاقات، ضعفت خلال فترة فرض العقوبات على إيران من قبل مجلس الأمن الدولي في أواسط ونهاية الألفية، ثم من بعد توقيع الدول الخمس + 1 على الاتفاق النووي الإيراني تعززت العلاقات الإيرانية - الصينية أكثر بكثير، نظراً لأن الصفقة النووية أضفت الشرعية الدولية على العلاقات الإيرانية الصينية وبالتالي انعكس بالايجاب على التعاون الدفاعي بين البلدين.
في الواقع، كلما توترت العلاقة بين الصين وأميركا، زادات قوة العلاقة بين الصين وإيران وارتفعت وتيرة التعاون الدفاعي والعسكري، وكلما توترت العلاقة بين إيران وأميركا، ضعفت العلاقة بين الصين وإيران وقل التعاون الدفاعي. وكلما هدأت العلاقة بين إيران وأميركا، انعكست بالايجاب على العلاقات الصينية - الإيرانية وارتفعت وتيرة التعاون الدفاعي، واستطاعت الصين التحرك بسهولة في هذه العلاقة دون الخشية من المجتمع الدولي.
لذا يمكن القول، بأن لربما الانسحاب الأميركي الأحادي الجانب من الاتفاق النووي ومن ثم فرض أميركا العقوبات الاقتصادية على إيران أن تعطل من المزيد من التعاون وتطوير العلاقة إلى تحالف استرايجي، أو قد تؤدي إلى خنقه ووأده. وسوف نستعرض هذا الأمر بشكل موسع في الأقسام القادمة ضمن سياق هذا التقرير.
الـــفـــــصـــــــــل الــــثـــانـــــي
محددات وقيود العلاقات الدفاعية الصينية - الإيرانية
أولاً: الـمحـــــددات
الفائدة المتبادلة والمصالح المشتركة
تتمتع إيران والصين تاريخياً بسجل طويل من العلاقات. تمتد العلاقات بين الصين وإيران إلى إمبراطوريتي الهان والبارثية، عندما كانت الحضارتان شريكتين تجاريتين على طريق الحرير القديم. على هذا الأساس، يرى البلدان اليوم أنفسهما كقوى صاعدة، مع مصالح متقاربة في ساحات متعددة. بمعنى آخر، من خلال أكثر من أربعة عقود من العلاقات الدبلوماسية، زادت إيران والصين تعاونهما في العديد من المجالات، لا سيما في قطاعي التجارة والدفاع.
1 - المحدد الاقتصادي: النفط والتجارة البينية
على المستوى الاقتصادي، يلعب البلدان دوراً متزايد الأهمية في أسواق كل منهما. تعتبر الصين ثاني أكبر مستهلك للطاقة في العالم بعد الولايات المتحدة الأميركية. وفقاً لإدارة معلومات الطاقة الأميركية EIA، فإن على مدى العقد الماضي، برزت الصين كأكبر مستهلك للطاقة في العالم نمواً. مدفوعاً بالنمو الاقتصادي السريع والمستدام، والتوسع الحضري، والسكان الهائل والمتزايد الذين يبحثون عن مستويات معيشية أعلى، استهلكت الصين 64% من الزيادة في إمدادات الطاقة في العالم بين عامي 2005 و 2011. وتتوقع إدارة معلومات الطاقة الأميركية بأن في حالتها الأساسية لعام 2011، فإن حصة الصين من استهلاك الطاقة في العالم سوف تستمر في النمو، وإن كان بمعدل أبطأ. (انظر الشكلين 1 و 2). وسيأتي جزء كبير من الإمدادات المتزايدة من واردات الطاقة.
الشكل (1)
الصين: ارتفاع استهلاك النفط والواردات
[المصدر: China - Iran: A Limited Partnership].
الشكل (2)
ارتفاع استهلاك واردات الصين من النفط (بحسب الدول).
[المصدر: China - Iran: A Limited Partnership].
بحسب إدارة معلومات الطاقة الأميركية، يمثل نمو الواردات هذا حوالي 30% من النمو في الاستهلاك العالمي للنفط خلال تلك الفترة. إن احتياجات الصين لمشتقات أخرى من الطاقة آخذة في الازدياد، ولكن مع تأثير أقل على الإمدادات العالمية. وقد استوردت الصين كميات محدودة من الغاز الطبيعي (كغاز طبيعي مسال) منذ عام 2006، لكن من المتوقع - وفقاً لإدارة معلومات الطاقة الأميركية أن تنمو احتياجات الاستيراد بسرعة خلال العقدين المقبلين، بما يتجاوز أربعة تريليونات قدم مكعب بحلول عام 2035. ومع ذلك، يمثل هذا النمو حوالي 10% فقط من النمو المتوقع لإمدادات الغاز العالمية. [أنظر: China - Iran: A Limited Partnership].
وللمساعدة في دعم احتياجاتها المتوقعة من استيراد النفط والغاز، سعت الشركات الصينية، ولا سيما شركة الصين للنفط والبترول CNPC وشركة الصين للبتروكيماويات PetroChina (وهي شركة تابعة مدرجة في البورصة) والمؤسسة الوطنية الصينية للنفط البحري CNOOC، إلى تأمين وتطوير إمدادات النفط والغاز في الخارج، مع تولي شركة الصين للنفط والبترول زمام المبادرة. منذ التسعينيات، ولكن بشكل خاص منذ عام 2009، بدأت هذه الشركات في عقود التنقيب والإنتاج في العديد من البلدان في الخارج (انظر الجدول رقم 1). استثمرت شركات النفط الوطنية الصينية أيضًا في خطوط أنابيب النفط في العديد من الدول ومن بينهم إيران. وتعد بنوك الصين، ولا سيما بنك التنمية الصيني وبنك التصدير والاستيراد الصيني، المصدر الرئيسي لرأس المال لهذه العمليات الخارجية ذات القروض طويلة الأجل ومنخفضة الفائدة، وكان لإيران النصيب الأكبر من القروض والتمويل الصينية لمشاريع صينية كثيرة داخل إيران.
الجدول رقم (1)
مشاريع الاستثمار / التنمية الصينية الرئيسية في قطاع الطاقة الإيراني.
[المصدر: China - Iran: A Limited Partnership].
وقد خططت الصين لنقل عدد من مصانعها الانتاجية إلى الأراضي الإيرانية، بعض هذه المصانع نقلت إلى إيران قبل الصفقة النووية واستكملت عملية النقل بعد الصفقة. ودوافعها في ذلك هي أن الصناعة والمصانع تشكل 70% من مجمل استهلاك الصين للطاقة، أي أن أكثر من ثلثي استهلاك الصين للطاقة تذهب للصناعة، لذا فإن نقل جزء من هذه المصانع إلى رابع أكبر مخزون للنفط والغاز سيكون مربحاً جداً لكلا الطرفين إيران والصين، كما أن إنتاج الصناعات الصينية في مكان مثل إيران سيخلق أسواقاً جديدة ومشترين جددا للبضائع والسلع الصينية في منطقة الشرق الأوسط التي يستحوذ على أسواقها الاقتصاد الغربي والأميركي.
أعطت الصفقة النووية ومن ثم رفع العقوبات، دفعاً للصين وفرصاً أفضل للتعاون مع إيران في قطاع الطاقة. علاوة على ذلك، ترغب الصين في تعزيز علاقاتها مع إيران من أجل تعزيز وجودها في آسيا الوسطى والوصول إلى مصادر الطاقة في بحر قزوين. إن شراء الطاقة من بحر قزوين يجعل الصين أقل اعتماداً على استيراد النفط من دول الخليج العربي. [أنظر: China and Iran Strengthen their Bilateral Relationship].
وفي دراسة لمستقبل استهلاك الصين للطاقة وحسب توقعات وكالة الطاقة الدولية، فإن الصين في حلول عام 2030 ستستحوذ على ما نسبته 20% من الطلب العالمي على الطاقة، وهو أكبر من حاجة أوروبا واليابان معا، وستتجاوز في ذلك العام الولايات المتحدة المستهلك الأكبر للطاقة في العالم. [أنظر: The Future Of Iran-China Relations: An Alliance Or Pure Cooperation?].
لذا فإن الإدارة الصينية تجد في إيران مأمناً وغنيمة، توفر من خلالها ما تحتاجه من موارد الطاقة في ظل تسارع نمو استهلاكها للطاقة، وخاصة أن إيران تمتلك رابع أكبر مخزون نفطي وغازي في العالم، والصين تتحول بشكل كبير لمستهلك أساسي للطاقة في العالم. هذه المعادلة أنتجت فكراً إيرانياً صينياً مشتركاً يقضي بتوسيع العلاقات في كافة المجالات، إلا أن الظروف الحالية للاقتصاد الإيراني لا تسمح بتوسيع العلاقات مع الصين أكثر من هذا الحد رغم الطموحات الإيرانية المبالغ بها.
أما في قطاع التجارة البينية فقد بلغت في عام 2014 أكثر من 52 مليار دولار، مرتفعة من 40 مليار دولار في العام السابق. [أنظر: www.csmonitor.com]. وفي ديسمبر 2017، اعلن وزير الصناعة والتعدين والتجارة الايرانية محمد شريعتمداري بان حجم التبادل الاقتصادي بين ايران والصين يمكن رفعه الي 60 مليار دولار. وفي كلمة له خلال استقباله رئيس غرفة التجارة الصينية 'وانغ يانغو' في طهران، اعتبر شريعتمداري اقتصاد البلدين بانهما مكملان أحدهما للآخر، وقال: "إن حجم التبادل الاقتصادي بيننا وصل الي نحو 54 مليار دولار في مراحل كان سعر النفط فيه مرتفعاً وإن الهدف المنشود وهو 60 مليار دولار ممكن الوصول اليه". وقد استقبلت طهران في عام 2017 كل شهر وفداً صينياً. [أنظر: وكالة إيران للأنباء (ارنا) /ar.irna.ir]. وفي عام 2018 وصل حجم التبادلات التجارية إلی حاجز 50 مليار دولار. وشاركت إيران في أربعة معارض صناعية في الصين في عام 2018. [أنظر: وكالة الطلبة الإيرانية للأنباء (ايسنا) ar.isna.ir].
ووفقاً لوكالة الأنباء الإيرانية (ارنا)، نقلاً عن تصريح لرئيس غرفة التجارة الصينية "وان يانغ غو" هناك خطة صينية - إيرانية لرفع التبادل التجاري الصيني الإيراني إلى 100 مليار دولار سنوياً بحلول عام 2020.
بالإضافة إلى التبادل التجاري بين البلدين، تزداد أهمية علاقات إيران مع الصين، فقد عززت الزيادة التدريجية لقوة الصين السياسي والاقتصادي في الشأن العالمي، والشرق الأوسط، والمبادرة الإقتصادية "حزام واحد - طريق واحد" بما في ذلك خطة القرن الحادي والعشرين "طريق الحرير البحري" و "الحزام الاقتصادي لطريق الحرير"، والتي تهدف إلى أن تصبح القوة الدافعة للنمو الاقتصادي المستمر للصين في العقد المقبل وحتى أبعد من ذلك في المستقبل.
وضمن إطار مبادة الحزام المعروفة بـ "طريق الحرير"، الصين لديها مشاريع السكك الحديد التي تعتزم بناءها على الأرض، مثل مشروع الطريق السريع الذي يربط تركستان الشرقية، تركيا وطهران. وهذه المشاريع مفيدة لكلا البلدين، لكن من المؤكد أن الاستفادة الأكبر ستكون لإيران، حتى في ظل العقوبات الأميركية، كون أن تلك الاستثمارات تخضع للمعاملات بدون سيولة.
2 - الجيوسياسي والجيواستراتيجي
العلاقة بين بكين وطهران تثير اهتماماً خاصاً على المستوى الدولي؛ في المقام الأول، لأن الدولتين إقليمياً يُعتقد بأنهما تشكلان تحدياً للهيمنة الأميركية في جوارهما. إذ تشكل روابطهما الجغرافية مع مناطق مهمة في آسيا مصدراً للكثير من إمكاناتهم الجيوسياسية. فالصين هي أكبر كيان في المنطقة، وتنضم أراضيها الواسعة إلى شرق آسيا وآسيا الوسطى وجنوب آسيا. وبالمثل، فإن إيران تنظر إلى نفسها بأنها أكبر كيان جيوسياسي في الخليج العربي، وتشترك في حدودها مع 15 دولة. هذه المواقع الإستراتيجية للغاية تزيد من الإمكانات الاقتصادية والتجارية والسياسية لكلتا الدولتين وتمكنهما من ممارسة تأثير كبير على المناطق المجاورة بشكل خاص والعالم بشكل عام. لدى إيران والصين أيضاً عدد من المصالح الجيوسياسية المشتركة في آسيا الوسطى الكبرى، بما في ذلك أفغانستان، وأيضاً منطقة الخليج العربي، عبر إقصاء الجهات الغربية الفاعلة في كلتا المنطقتين (آسيا الوسطى ومنطقة الخليج العربي)، أي اقصاء الولايات المتحدة.
لطالما نظرت إيران إلى الصين كصديق جيد في العالم. تعد الصين أهم "شريك استراتيجي" لإيران، فهي ليس فقط تقوم بتعزيز الاقتصاد الإيراني والقدرة الدفاعية، بل المصالح الإيرانية في الساحة الدولية أيضاً. وفقاً لأدبيات وتنظيرات الساسة الإيرانيون فإن جوهر السياسة الخارجية الإيرانية يتمثل في تشكيل عالم متعدد الأقطاب تحت رعاية الأمم المتحدة، حيث يمكن أن تمثل إيران ودول إسلامية أخرى في المستقبل أحد الأقطاب القوية. ومع ذلك، تبدو المهمة غير قابلة للتحقيق. بشكل عام، الصين بالنسبة لإيران ليست فقط قوة عظمى لتزويد طهران بالأسلحة، ولكن أيضاً كبلد آسيوي مستقل وغير متحيز ونامي في النظام العالمي الجديد. ولذا، تنظر إيران إلى تجربة التنمية الصينية، التي نجحت في الجمع بين الإنجازات الغربية والشرقية في ظل الحفاظ على القيم التقليدية المحلية، بأنها النموذج الأكثر جاذبية بالنسبة لإيران لاستنساخها خاصة في حالة التقنيات والأسلحة العسكرية وهندستها العكسية. [أنظر: Iranian-Chinese Relationship in the" "Central-Asian Policy Context، (العلاقة الإيرانية الصينية في سياق سياسة آسيا الوسطى)].
تربط طهران وبكين علاقات تسبق حاجة الأخيرة لواردات النفط الإيرانية. إيران هي الدولة الوحيدة على ساحل الخليج العربي غير المتحالفة مع واشنطن، وهي حقيقة مهمة بالنسبة لاستراتيجي جيش التحرير الشعبي الصيني الذين يعتبرون أميركا العدو المحتمل للصين. [أنظر: China's Military Presence in the Gulf].
في هذا الصدد، فإن البلدين يوليان اهتماماً وثيقاً بالتعاون الدفاعي بسبب قربهما الجغرافي والاقتصادي الذي يجعل سياساتهما الإقليمية مترابطة فيما بينها. وتعتقد إيران بأن ذلك قد يُسهم إلى حدٍ كبير في بناء النظام الدولي الجديد في منطقتي الخليج العربي وآسيا الوسطى بعد الانتهاء من قضية البرنامج النووي الإيراني. وهذا الاعتقاد كان سائداً لدى الأوساط الإيرانية قبيل عقد "الصفقة النووية". ويبدو أن بعد الانسحاب الأميركي الأحادي الجانب من الاتفاقية النووية وفرض عقوبات اقتصادية أميركية على إيران (2018 - 2019) سيترتب عليها تداعيات وستلقي بظلالها سلباً على الخطط الإيرانية.
من ناحية أخرى، فإن بكين وطهران لديهما سلسلة من المصالح والمقاربات المتزامنة بشأن المشكلات الإقليمية، بما في ذلك الشرق الأوسط.، وأيضاً يهتم كلا الجانبين بأفغانستان، وتجدر الإشارة بأن جغرافياً لا تفصل الصين عن إيران سوى أفغانستان. في الوقت نفسه، بكين وطهران تشعران بالقلق من الوجود الطويل الأمد للقوات العسكرية الأميركية على حدودهما (في أفغانستان من جهة، ومن جهة ثانية بالنسبة لإيران في الخليج العربي، دول مجلس التعاون الخليجي والعراق أيضاً)، والتأثير المتزايد للولايات المتحدة في المنطقة. [أنظر: Iranian-Chinese Relationship in the" "Central-Asian Policy Context، (العلاقة الإيرانية الصينية في سياق سياسة آسيا الوسطى)].
نظراً للتصادم المستمر بين الولايات المتحدة وإيران، من الواضح أن إيران مهتمة في التسلح بـ "اتحاد استراتيجي" له قوة عالمية متنامية مع بلد مثل جمهورية الصين الشعبية.
3 - التعاون الدفاعي العسكري
بالنسبة للصين، تعتبر العلاقات الأوثق مع إيران جزءاً من الاتجاه الأكبر لإيجاد شركاء عسكريين خارج منطقة آسيا والمحيط الهادئ. وتعتقد بأن العمل في ظل حتمية احتضان "البعثات التاريخية الجديدة"، فإن جيش التحرير الشعبى الصينى وبحرية جيش التحرير الشعبي الصيني سوف يوسعان من عملياتهما في الخارج لتتماشى مع المصالح الوطنية المتنامية للصين. وبطبيعة الحال، توسيع النطاق الجغرافي للجيش الصيني يتطلب وجود شركاء إقليميين راغبين في العمل مع الصين. [أنظر: "China Wants More Military Co-op With Iran"، (الصين ترغب في مزيد من التعاون العسكري مع إيران)].
وإيران، على وجه الخصوص، تعتبر مرشحاً جذاباً بشكل خاص لهذا التعاون بسبب التقاء مصالحها مع الصين في هذا التوجه بالتحديد، وتباعدها عن الولايات المتحدة. علاوة على ذلك، علاقات صينية أفضل مع إيران تمنح بكين نافذة على الشرق الأوسط، المنطقة التي تنمو فيها مصالحها بسرعة مع زيادة شهيتها للطاقة. فضلاً عن ذلك، الصين وإيران تَرَيَانِ بأن تحالف الولايات المتحدة مع دول الخليج العربي كفل نظاماً أمنياً يتوافق مع المصالح الأميركية في الشرق الأوسط. ولذلك تأملان في أن طالما إيران تعارض الوجود الأميركي في الخليج العربي فإن المنطقة لا تقع داخل مدار الولايات المتحدة بشكل كامل وآمن. وأتصور بأن الصين وإيران لا تزال لديهما مصالح قوية في تطوير التعاون المتبادل في العديد من المجالات، لا سيما في الدفاع والشؤون العسكرية.
4 - قـضيــة تايــوان
قضية تايوان يمكن أن يتم تصنيفها في الأثنين معاً: "المحددات" و "القيود"، فهي أشبه بسيف مزدوج الرأس، قد تُستخدم كمحدد للعلاقات الدفاعية الإيرانية الصينية وقد تصبح في فترة لاحقة قيد من قيود هذه العلاقات، وإن كنتُ أرجح بأنها محدد من المحددات أكثر من كونها قيد. ومع ذلك، سوف نستعرضها هنا كمحدد للعلاقات الدفاعية الإيرانية الصينية، وأيضاً سنتطرق إليها بشكل موجز كقيد للعلاقات الدفاعية الإيرانية الصينية.
تعتبر الصين تايوان جزءًا لا يتجزأ من أراضيها، ويحكم الجزيرة نظام منافس بعد سيطرة الشيوعيين على الحكم في الصين القارية عام 1949، في أعقاب الحرب الأهلية الصينية. قطعت واشنطن علاقاتها الدبلوماسية مع تايبيه في 1979، لكنها تبقى أقوى حلفائها وتعد مورد الأسلحة الرئيسي لتايوان، التي تعتبرها الصين "مقاطعة ضالة". وخلال السنوات الماضية تجنبت واشنطن إبرام صفقات سلاح كبيرة مع تايوان، إلا أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أبدى استعداداً لتوريد معدات عسكرية متطورة لتايوان.
وعلى مر العقود السابقة، كانت الصين تستخدم تجارة الأسلحة مع إيران لإرباك العلاقات الأميركية حول تايوان، وإيقاع أميركا في شراك تداخلاتها في تايوان. على سبيل المثال، في 2 سبتمبر 1992، أعلن الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش (الأب) عن مبيعات عسكرية إلى تايون تشمل 150 مقاتلة من طراز F-16، [أنظر: www.nytimes.com].
وهددت الصين على الفور ببيع "صواريخ رياح الشرق-11دونغ فنغ-11" ويُعرف اختصاراً بـ (DF-11 أوM-11 أوCSS-7) إلى باكستان، وبيع مكونات الصاروخ إلى إيران. وزعمت الصين أن F-16 والقذائف تمثلان انتشاراً للأسلحة، ولا يحق للولايات المتحدة ممارسة الكيل بمكيالين. وفي المقابل احتجت الولايات المتحدة على أن مكونات الصاروخ M-11 تنتهك التزامات الصين بإرشادات وتعاليم "نظام تحكم تكنولوجيا القذائف (MTCR)"، في حين تعمدت الصين إلى القول بأن مبيعات F-16 إلى تايوان تنتهك البيان المشترك لعام 1982 الذي يتناول مبيعات الأسلحة الأميركية إلى تايوان.
وعلى مدى السنوات اللاحقة، أثار المسؤولون الصينيون مراراً بربط الصلة بين تايوان وإيران لتبرير استمرار بيع الأسلحة الصينية إلى إيران وإنتشارها في إيران. العلاقة المعقدة بين واشنطن وبكين وطهران حول القضية النووية الإيرانية، في الواقع، كثيراً ما توصف بأن سياسة الصين تجاه إيران غامضة، فهي تدعم واشنطن من ناحية، ومع حماية طهران من ناحية أخرى. العديد من المحللين يجادلون، بأن سياسة بكين تجاه طهران تعتمد في الواقع على حالة علاقاتها مع واشنطن. وعندما نجري تحليل أوثق، نكتشف أن الصين تستخدم إيران كورقة مساومة مع الولايات المتحدة.
إن المرء يشعر بالقلق إزاء اقحام قضية تايوان وربطها بالساحة الإقليمية للخليج العربي. إذ باتت دول الخليج العربي ضحية خلاف وتنافس صيني أميركي في شرق آسيا ومضيق تايوان.
ففي مطلع هذا الشهر (يوليو 2019)، وفي خضم التواترات المتصاعدة التي تشهدها منطقة الخليج العربي بعد الانسحاب الأميركي من "الاتفاق النووي الإيراني" وفرض عقوبات اقتصادية على إيران، والتفجيرات الإيرانية لسفن ناقلات النفط في بحر عُمان ومضيق هرمز وقبالة سواحل إمارة الفجيرة، طالعتنا وسائل الاعلام الغربية خبر مفاده بأن البنتاغون يُعلن عن أن وزارة الخارجية الأميركية وافقت على بيع تايوان أسلحة بقيمة 2,2 مليار دولار تشمل دبابات "أبرامز" وصواريخ "ستينغر". وذلك وفقاً لبيان صادر من "وكالة التعاون الدفاعي والأمني" التابعة لوزارة الدفاع الأميركية، التي تقول بأنها أخطرت الكونغرس بهذه الصفقة التي تشمل بالدرجة الأولى 108 دبابات من طراز "أم1إيه2 تي أبرامز" و250 صاروخ أرض-جو قصيرة المدى، وصواريخ "ستينغر" المحمولة على الكتف وأكثر من 1500 صاروخ مضاد للدبابات من طرازي "جافلين" و"تاو"، فيما لدى الكونغرس مهلة 30 يوماً للاعتراض على هذه الصفقة، وهو أمر غير مرجح إطلاقا. [أنظر: www.dsca.mil].
ومما لا شك فيه أن بكين أعربت عن "مخاوفها الجدية" من هذه الصفقة، وطالبت واشنطن بأن "تعي الطبيعة الحساسة جدا والمضرة لقرارها بيع أسلحة لتايوان، وأن تلتزم مبدأ الصين الواحدة". وحذرت واشنطن من "اللعب بالنار"، معربة عن غضبها من الخطط الأميركية لتسليح تايوان، التي يحكمها نظام مناهض لبكين منذ انتهاء الحرب الأهلية الصينية عام 1949.
وفي السنوات الأخيرة حاذرت واشنطن إبرام صفقات سلاح كبيرة مع تايوان خشية إثارة غضب الصين، لكن الرئيس دونالد ترامب الذي انخرط في حرب تجارية واسعة النطاق مع الصين، أبدى استعداداً أكبر لتعزيز العلاقات مع تايوان وبيعها أنظمة تسلح متطورة، وهذه الصفقة تعد أكبر صفقة عسكرية أميركية مع هذه الجزيرة الآسيوية منذ تولي ترامب منصب الرئاسة.
وفي تطور آخر، قالت بكين إنها ستفرض عقوبات على شركات أميركية أبرمت صفقات أسلحة مع تايوان، واعتبرت وزارة الخارجية الصينية، في بيان نشرته، أن بيع الأسلحة الأميركية لتايوان يضر بسيادة بلادها وأمنها الوطني. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية غينغ شوانغ إن “الصين تحض الولايات المتحدة على أن تلغي فورا مشروع بيع الاسلحة هذا الى تايوان وأن توقف اي رابط عسكري بين تايوان والولايات المتحدة”.
وأضاف “من المناسب تجنب الحاق ضرر إضافي بالعلاقات الصينية - الاميركية والسلام والاستقرار في مضيق تايوان”. وتابع أن “صفقة بيع الأسلحة الأميركية لتايوان تشكل خرقاً صارخاً لمبدأ الصين الواحدة، وتدخلاً فاضحاً في شؤوننا الداخلية يقوض سيادة الصين ومصالحها الأمنية”. [أنظر: بكين تحض واشنطن على إلغاء صفقة بيع أسلحة لتايوان].
إن التسليح الأميركي لجزيرة تايوان سيعزز من الشراكة الصينية - الإيرانية لا سيما التعاون الدفاعي بينهما. فمن المؤكد أن الصين أيضاً سترد على تسليح تايوان بأسلحة أميركية عبر زيادة وتيرة التسليح لإيران ورفع معدل مساعداتها العسكرية والتكنولوجية لإيران. وهذا بالطبع ليس في مصلحة دول الخليج العربي. ولذلك، في هذه الحالة تصبح القضية التايوانية محدد للعلاقات الدفاعية الصينية - الإيرانية.
نستخلص من هذا العرض، أن محددات العلاقات الصينية - الإيرانية هي:
1 - المحدد الاقتصادي، النفط والتجارية البينية: الحاجة الصينية المتزايدة والملحة للطاقة (النفط والغاز ومشتقاتها)، والتبادل التجاري بين البلدين، ومبادرة "حزام واحد - طريق واحد" المعروفة بـ "طريق الحرير".
2 - المحدد الجيوسياسي والجيواستراتيجي: العداء المشترك للولايات المتحدة، ورغبة البلدين في إيجاد نوع من التوازن الإستراتيجي مع الولايات المتحدة الأميركية في آسيا الوسطى بما فيها أفغانستان، وفي منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط، ولربما التفوق على أميركا لملء الفراغ.
3 - المحدد الدفاعي والعسكري: مساعدة الصين لإيران ورفع نقصها في المجال العسكري، مما يُمكّن إيران من تطوير وتقوية صناعاتها الدفاعية العسكرية وخاصة المنظومة الصاروخية، ولا سيما في مجال الالكترونيات والتقنيات العسكرية.
4 - قضية تايوان: قد تستخدم كمحدد للعلاقات الدفاعية الإيرانية الصينية، وقد تصبح في وقت ما قيد من قيود هذه العلاقات.
ثـانـيــاً: الـقـيـــود
كانت الآمال الإيرانية معقودة على نجاح الرئيس الإيراني حسن روحاني في بدء المفاوضات حول البرنامج النووي الإيراني ومن ثم التوقيع على "الاتفاق النووي" مع الدول الخمس +1، الذي سيضفي شرعية فعلية على العلاقات الإيرانية الصينية المتطورة. لكن بعد الانسحاب الأميركي الأحادي الجانب من "الاتفاق النووي"، يبدو بأن العقبات الرئيسية أمام النجاح في تطوير الشراكة للتعاون العسكري والدفاعي بين إيران والصين تتمثل في العقوبات التي فرضتها أميركا على إيران مؤخراً. فضلاً عن أن "الإستراتيجية الأميركية الإيرانية" التي تحظر الاستثمارات الضخمة والمشاركة الفعالة في المشاريع العسكرية الكبيرة مع إيران. من بين العوامل الأخرى، "سياسة التنمية السلمية للصين" و "برنامج إيران النووي" و "عقوبات الأمم المتحدة والولايات المتحدة". في مثل هكذا بيئة معقدة، على الرغم من أن إيران تتعرض لضغط كبير، فإن الدول الأخرى التي تتعاون معها ستتأثر وكذلك التعاون العسكري الصيني مع إيران يجعلها عرضة للرقابة الغربية.
وفي هذا الصدد، يمكننا تلخيص قيود العلاقات الدفاعية الصينية - الإيرانية كالتالي:
1 - العامل الأميركي
كلا الطرفين (الصين وإيران) قلقان بشأن بيئة دولية تهيمن عليها الولايات المتحدة. لكن وجهة نظر الصين تجاه الولايات المتحدة أكثر دقة من وجهة نظر إيران التي تعتبر الولايات المتحدة العدو الأول. في الواقع، الصين ليست عدواً للولايات المتحدة بنفس مستوى درجة عداء إيران للولايات المتحدة، لكنها في منافسة مشروعة، وهو تنافس الأقران. بيد أن، كما في الحالات السابقة، فإن اهتمام الصين المتزايد بإيران يحدده عدد من العوامل الخارجية وقد قمنا باستعراضهم في المحددات.
في الواقع، كثيراً ما توصف سياسة الصين تجاه إيران بأنها غامضة، في دعم واشنطن من ناحية، مع حماية طهران من ناحية أخرى. [ظهر مقال تحليلي قوي وهام جداً حول هذا الرأي في دورية أميركية بارزة Washington Quarterly، بعنوان: "Is China Playing a Dual Game in Iran?"، (هل الصين تلعب لعبة مزدوجة في إيران؟) رابط دورية واشنطن كوارترلي يتطلب اشتراك مدفوع، وهذا رابط مجاني يتضمن المقال التحليلي: اضغط هــــنـــــا]. وهذا يعني أن الصين تدرك أن مصالحها تكمن في علاقات لائقة مع واشنطن.
تعتمد سياسة بكين تجاه طهران على حالة علاقاتها مع واشنطن. في الواقع، في تحليل أدق يمكننا القول بأن الصين تستخدم إيران كورقة مساومة مع الولايات المتحدة، من بين أمور أخرى، قضيتين أمنيتين رئيسيتين، مثل "قضية تايوان" و "إمدادات النفط". يمكن القول، بأن ضمان إمدادات النفط المضمونة من الشرق الأوسط إلى الصين، بالإضافة إلى سياسة الولايات المتحدة الشاملة فيما يتعلق بالمصالح الأمنية الصينية في تايوان، وكذلك استخدام العقوبات الذكية ضد طهران والتي سوف تأخذ في الاعتبار إلى حد ما المصالح الاقتصادية لبكين في إيران، هي في الواقع ضمان دعم من بكين للسياسة الأميركية تجاه إيران. تجدر الإشارة أن خلال عامي 2008 و 2009 استفادت الصين من وضع العقوبات التي فرضت على إيران، ووقعت عدة عقود بمليارات الدولارات مع إيران في مجال صناعة النفط. على الرغم من أن الصين لها تاريخ طويل في توقيع العقود دون تنفيذها بعد ذلك، بالرغم من أن في الواقع إيران هي واحدة من أهم موردي النفط لبكين، لكن المملكة العربية السعودية هي المورد الأهم والأكبر للنفط.
إن ضمان إمدادات النفط المضمونة من الشرق الأوسط، بالإضافة إلى سياسة الولايات المتحدة الشاملة فيما يتعلق بالمصالح الأمنية الصينية في تايوان، وكذلك استخدام العقوبات الذكية ضد طهران، والتي سوف تأخذ في الاعتبار، إلى حدٍ ما، المصالح الاقتصادية لبكين في إيران، هي في الواقع ضمان دعم من بكين للسياسة الأميركية تجاه إيران. [للمزيد حول هذه العلاقة المعقدة، أنظر: China and the Iranian Nuclear Crisis: Between Ambiguities and Interests].
تبعاً لذلك، كلما توترت العلاقات بين الصين والولايات المتحدة، كانت العلاقات بين الصين وإيران أفضل، والعكس صحيح. بتعبير أدق، يبدو أن إيران وسيلة تستخدمها الصين في مواجهة الولايات المتحدة من أجل تعزيز مصالحها الخاصة عالمياً. في هذا الصدد، وفقاً للعلاقات الدولية يمكن تفسير التفاعلات الصينية والأميركية من خلال سياق بنية نيوليبرالية للتعاون المتضارب. "هدف الصين على المدى القريب هو القيام بمزيد من التعاون مع إيران دون مواجهة خطر التعرض للعقاب بسبب انتهاكها العقوبات الاقتصادية الأميركية". [أنظر: Iran and Asia 1: China Is The Quiet Giant]. ومع ذلك، فإن محاولات بكين لاسترضاء واشنطن، والحفاظ على قدرة الشركات الصينية على العمل في السوق الأميركية، تثير غضب طهران بشكل دوري. على سبيل المثال، أنهت طهران عقد مؤسسة البترول الوطنية الصينية (CNPC) لحقل آزادكان النفطي في أبريل 2014، وعللت بأن السبب عدم امتثال مؤسسة البترول الوطنية الصينية CNPC لشروط الصفقة. [أنظر: Iran Tears Up Azadegan Contract With China].
تستفيد الصين أيضاً من العلاقات الإيرانية الأميركية المتوترة لأنها تعزز النفوذ الدبلوماسي والاقتصادي لبكين مع الجانبين. في الواقع، المصالح الاستراتيجية الأميركية والصينية في إيران كثيراً ما ينظر إليها على أنها لعبة محصلتها صفر.
من المألوف أن تقرأ آراء لخبراء صينيين يعبرون عن رأيهم بأنهم يودون رؤية استمرار الولايات المتحدة بالسقوط في مستنقع الشرق الأوسط؛ لكي تصبح غير قادرة على تحويل المزيد من الاهتمام للتعامل مع الصين ومنطقة آسيا والمحيط الهادئ. ولذا، إذا وضع صناع السياسة في الولايات المتحدة أولوية قصوى على قضية تتعلق بإيران مثل برنامجها النووي وفرض عقوبات اقتصادية عليها، فإن بكين ستحاول اتباع سياسات تبدو أنها تلبي مخاوف الولايات المتحدة، على الرغم من أنه في كثير من الأحيان تكون بدون ضجة اعلامية كبيرة لكي تتجنب بأنها تبدو وقعت في شراك التهديدات الأميركية. إذا كان صانعو السياسة الأميركيون سيواجهون بكين بخيار صارم بأن تكون "معنا أو ضدنا" في البرنامج النووي الإيراني، فمن المرجح أن تقف بكين إلى جانب واشنطن ضد طهران. [أنظر: The View from Beijing of Iran].
بكين لم تواجه مثل هذا الاختيار الصارخ والصعب منذ بدء مفاوضات الصفقة النووية، إلا أن حالياً، من بعد الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي في مايو 2018، ثم فرض العقوبات الاقتصادية الأميركية على إيران في مايو 2019، يبدو أنها حرفياً وقعت في مثل هذا الاختيار الصارخ. ومن المرجح أن بكين في نهاية المطاف ستختار استرضاء واشنطن والحفاظ على قدرة الشركات الصينية على العمل في السوق الأميركية، لاسيما أنها حالياً تخوض حرب تجارية مع أميركا وهي في غنى عن فتح جبهة أخرى من النزاع مع أميركا.
2 - سياسة التنمية السلمية للصين
تريد الصين أن يُنظر إليها بأنها عاملاً فاعلاً رئيسياً في "النظام العالمي الحالي"، وأن تكون قادرة على الوثوق بمسؤولياتها الدولية. لقد ناقش الباحثون منذ فترة طويلة التساؤل حول ما إذا كانت الصين تمثل دولة "الحاضر أو الوقت الراهن Status quo" أو "دولة التعديلية Revisionist State". من وجهة النظر الصينية، فإن السؤال الرئيسي بالنسبة لدولة صاعدة هو كيفية تعامل علاقتها مع المؤسسات والأنظمة العالمية الحالية. كما قال الكاتب الصيني "تشنغ وانغ" بشكل صحيح، إن النسخة الجديدة من "سياسة التنمية السلمية الصينية" في "عصر الرئيس الصيني شي جين بينغ" هي "الدبلوماسية البديلة". بدلاً من تحدي المؤسسات الدولية الحالية، يحاول الصينيون إنشاء منصات جديدة تستطيع بكين التحكم فيها. من خلال هذه المبادرات الجديدة، تهدف بكين إلى تهيئة بيئة دولية جديدة أكثر مواتاة للصين، وتحد من الضغوط الاستراتيجية عليها من قبل الولايات المتحدة، وتريد بكين أن تتخذ تدريجياً خطوات تقدمية إلى الأمام في هذه المساعي، ولكن ليست خطوات استفزازية. [أنظر المقال التحليلي للكاتب الصيني تشنغ وانغ، "China's Alternative Diplomacy" (دبلوماسية الصين البديلة)]
كل هذا يفسر الأسباب التي دفعت الصين إلى أن تبدو وكأنها بين البين، فهي مع إيران وفي نفس الوقت ليست مع إيران، ومع واشنطن حول قراراتها بخصوص إيران مثل البرنامج النووي وفي نفس الوقت ليست مع واشنطن، ولذلك رأينا: انخراط بكين في المفاوضات النووية مع الدول الخمس + 1، ثم في بعض الأحيان دعمت العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة أو الولايات المتحدة على إيران وفي أحيان أخرى كانت ضد فرض العقوبات. ولذلك، يرى بعض المراقبين السياسيين الإيرانيين بأن توقع المزيد من الالتزام الصيني في علاقاتها مع إيران أمر غير واقعي. في الواقع، تتبع الصين إلى حدٍ ما "مبدأ عدم المواجهة واللا تحالف". [انظر: المؤتمر الصحفي الدوري لوزارة الدفاع الصينية في 27 نوفمبر 2014].
3 - معضلة البرنامج النووي الإيراني
منذ بداية الأزمة النووية الإيرانية في عام 2003، كانت الولايات المتحدة، كقوة عظمى، ترغب دائماً في تبني جبهة موحدة - تجمع تحت قيادتها أقوى خمس دول - في مواجهة ما، نظراً لأن نظام طهران يُشكّل تهديد للأمن الجماعي الدولي وتهديد لمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية. وفي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، كان لدى الصين الخيار إما التعاون الثنائي مع إيران أو دعم معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية وفي الوقت نفسه الحفاظ على العلاقات مع إيران. وذهبت الصين إلى الخيار الثاني. [أنظر: Iran’s Nuclear Ambitions Test China’s Wisdom، طموحات إيران النووية تختبر حكمة الصين]. والصينيون اعتقدوا أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية هي السلطة الوحيدة للتحقيق في الأمر، وإن تدخل مجلس الأمن لمجرد المساعدة في حل المسألة بعدم تحمل مسؤولية الملف. [أنظر: Key Issues in China-Iran Relations، القضايا الرئيسية في العلاقات بين الصين وإيران]. وكرر المسؤولون الصينيون باستمرار التسوية السلمية للأزمة النووية لكنهم على المدى الطويل أيدوا إحالة الملف النووي الإيراني إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
على الرغم من كل هذا، صوتت الصين لصالح إقرار قرار الأمم المتحدة في 31 يونيو 2006، حيث مُنحت إيران مهلة 30 يوماً لتعليق الأنشطة المتعلقة بالتخصيب النووي. وعلق المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية على قرار الصين بأنهم يأملون في أن يتماشى القرار مع المحاولات الدبلوماسية في القضية النووية الإيرانية. [أنظر: تقرير دائرة أبحاث الكونغرس: The Iran Sanctions Act].
لذلك، ومن خلال منح بكين ضمانات بشأن العديد من القضايا بين عامي 2005 و 2010، نجحت الولايات المتحدة في كسب تعاون الصين في الأزمة النووية الإيرانية. ومنذ ذلك الحين، أيدت الصين عدداً من قرارات الأمم المتحدة التي حثت "إيران على وقف أنشطة تخصيب اليورانيوم". وصوتت لصالح أربعة قرارات من الأمم المتحدة بفرض عقوبات على إيران، لكن رفضت اتخاذ المزيد من الإجراءات العقابية اللاحقة التي طلبها الغرب. بناءً على ذلك، يمكن للمرء أن يعتبر الصين كشريك للولايات المتحدة. ومع ذلك، أبدت الصين تحفظاً في تنفيذ القرارات. استندت الدبلوماسية الصينية فيما يتعلق بالقرارات إلى ما يلي: تقليص الآثار السلبية على أنشطة إيران، واعتبارها غير ملزمة للصين، والأهم من ذلك أن القرارات يجب ألا تعطل إنتاج إيران وتصدير الطاقة أو الاستثمار الصيني في ذلك قطاع. بينما بسبب العقوبات، امتنعت شركات أوروبية وشرق أسيوية عن ممارسة أي تجارة مع إيران، إلا أن الشركات الصينية لم تفوت الفرص في إيران واستمرت في تعاملاتها.
وهكذا، حتى عام 2010 أصبحت الصين بالفعل المستثمر الأجنبي الرئيسي في قطاع النفط الإيراني. حاولت الصين مساعدة المفاوضات النووية في فيينا في عام 2015 وتقريب وجهات النظر لمختلف الأطراف. لكن الرأي العام في إيران ينتقد موقف الصين من الملف النووي مقارنة بدور الصين في الأزمة السورية، حيث أن سجل التصويت الصيني لقرارت الأمم المتحدة المتعلقة بالأزمة السورية جميعها تصب في مصلحة إيران. ومع ذلك، بالمقارنة مع المفاوضين الغربيين، فإن الإيرانيون يعتقدون أن الصين كان لها دور بناء أكبر. وتأمل إيران أن يواصل البلدان تعاونهما خاصة في مجال التكنولوجيا النووية في فترة ما بعد الاتفاق.
على الرغم من حرص كل من إيران والصين على الحفاظ على علاقاتهما الثنائية الودية وتطويرها بعمق وعلى نطاق واسع، إلا أن الأزمة النووية الإيرانية لها تأثير سلبي على التفاعلات العسكرية الصينية الإيرانية. بكين دافعت باستمرار عن حق إيران في الاستخدام السلمي للتكنولوجيا النووية؛ وهي بانتظام تركز على أن الحل الدبلوماسي سيتطلب من الغرب الاعتراف بحق إيران النووي بموجب ضمانات معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية في تخصيب اليورانيوم. ومع ذلك، بالنسبة للدبلوماسية الدولية الشاملة للصين، لا تلعب إيران سوى دور ضئيل. في الوقت نفسه، فإن رسالة الصين الضمنية إلى الغرب هي أنه إذا أرادوا حل ناجح للقضية النووية الإيرانية، فسوف يحتاجون إلى تعاون الصين. لذلك، تستخدم الصين علاقاتها مع إيران كورقة مساومة ضمنية لتعزيز مصالح أمنها القومي.
4 - نظام العقوبــات
منذ عام 1979، فرضت العديد من الحكومات والكيانات متعددة الجنسيات حظراً على توريد الأسلحة لإيران، وحتى العقوبات على توريد التكنولوجيا العسكرية لإيران. على سبيل المثال، "نظام التحكم في تكنولوجيا الصواريخ" (MTCR) الذي تم تأسيسه في عام 1987 كان يهدف إلى منع انتشار تكنولوجيا الصواريخ. نظرت كل من الصين وإيران والقوى الناشئة الأخرى إلى هذا النظام (MTCR) بأنه مصمم من قبل الغرب لمنع خصوم الولايات المتحدة من بناء دفاعات جوية ضد حملات القصف التي تشنها القوات الجوية المتقدمة للغاية. [أنظر: https://fas.org]
ومن ناحية أخرى، في أكتوبر 1992 أقر الكونغرس الأميركي قانون منع انتشار الأسلحة الإيرانية العراقية، الذي ينص على أن "الولايات المتحدة ستعمل على وجه السرعة وبشكل عاجل ..... وتسعى إلى الحصول على موافقة الدول الأخرى أيضاً على معارضة أي نقل إلى إيران أو العراق لأي سلع أو تكنولوجيا، بما في ذلك السلع أو التكنولوجيا ذات الاستخدام المزدوج ... التي يمكن أن تسهم مادياً في إما الحصول على أسلحة كيميائية أو بيولوجية أو نووية أو الأسلحة المزعزعة للاستقرار، وأنواع الأسلحة التقليدية المتقدمة .... فالأمم والأشخاص الذين ينقلون هذه السلع أو التكنولوجيا يخضعون للعقوبات". [أنظر: H.R.5434 - قانون عدم انتشار الأسلحة في إيران والعراق لعام 1992، الكونغرس].
وفي مارس 2007، تبنى مجلس الأمن الدولي بالإجماع القرار رقم (1747) الذي فرض، من جملة أمور، حظراً على إيران في مجال تصدير جميع الأسلحة والمواد ذات الصلة، وبالتالي منع جميع الدول والجماعات من شراء أو تلقي الأسلحة من إيران. كما دعا القرار جميع الدول إلى "توخي اليقظة وضبط النفس" في تزويد إيران بأي مواد مشمولة في سجل الأمم المتحدة للأسلحة التقليدية. وفي 9 يونيو 2010، فرض قرار مجلس الأمن رقم (1929) يتعلق بالمزيد من القيود على صادرات الأسلحة إلى إيران، والقرار لم يتم تبنيه بالإجماع. يحظر قرار مجلس الأمن رقم (1929)، من جملة أمور، تمنع الدول من تزويد إيران بشكل مباشر أو غير مباشر أو بالمساعدة وإمدادها بالأسلحة التقليدية الرئيسية على النحو المحدد في سجل الأمم المتحدة للأسلحة التقليدية: دبابات المعركة والمركبات المدرعة القتالية والمدفعية العيار الكبيرة والطائرات المقاتلة والمروحيات الهجومية والسفن الحربية وبعض الصواريخ وقاذفات الصواريخ. ويحظر القرار أيضاً توفير قطع الغيار ذات الصلة، إلى جانب "التدريب الفني أو المشورة أو الخدمات أو المساعدة المتعلقة بتوفير أو تصنيع أو صيانة أو استخدام" البنود المدرجة. [للاطلاع على مناقشة جيدة في هذا الصدد، أنظر: "UN arms embargo on Iran")].
خلافاً لمعظم قرارات حظر الأسلحة التي فرضها مجلس الأمن للأمم المتحدة على إيران، فإن القرار المتعلق بحظر السلاح رقم (1929) لا يشمل بعض الأسلحة، بما في ذلك أنظمة صواريخ أرض - جو (SAM) الأكبر حجماً، والأسلحة الصغيرة والأسلحة الخفيفة وغيرها من المعدات التي خصيصاً للاستخدام العسكري والحربي. [أنظر المصدر السابق: "UN arms embargo on Iran"، القرار رقم 1929، الفقرة 8].
بيد أن، وفقاً للقرار، فإن الدول مدعوة إلى ممارسة ضبط النفس في توريد الأسلحة والمواد ذات الصلة التي لا يشملها الحظر المفروض على إيران. على الرغم من أن بكين تعتبر العقوبات الشاملة على الدول لها نتائج عكسية في السياسة الدولية، إلا أن الروس والصينيين إلى جانب عشرة أعضاء آخرين في مجلس الأمن للأمم المتحدة صوتوا لإخضاع إيران، للمرة الأولى، بفرض حظر على الحصول والحفاظ على معظم عصب الورادات التي تقوي إيران عسكرياً. في جوهرها، فإن أحد الجوانب الأكثر أهمية في الجولة الأخيرة من العقوبات التي فرضها مجلس الأمن الدولي على إيران قد حظى باهتمام أقل، وهو الحظر المفروض على شحنات توريد الأسلحة الرئيسية.
من ناحية أخرى، ردت الولايات المتحدة بشدة على الاتفاقيات الإيرانية الصينية في المجال العسكري. على سبيل المثال، في عام 2002، عاقبت الولايات المتحدة خمس شركات صينية بسبب تزويدها بتكنولوجيا الصواريخ لإيران. [أنظر: "China and Iran: Ancient Partners in a Post-Imperial World"]
وتحت الضغط الأميركي، توقف التعاون الثنائي (الصيني - الإيراني) في عام 1999. ومع ذلك، لم يتم فرض عقوبات على بعض الشركات الصينية. إلا أن في أوائل عام 2005، فرضت واشنطن عقوبات على سبع شركات صينية من بينهم شركة مقرها في تايوان وأخرى مقرها في كوريا الشمالية، وذلك بسبب قيام هذه الشركات ببيع تكنولوجيا الأسلحة النووية إلى إيران. وهذه الشركات:
- مجموعة شركة شمال الصين الصناعية،
- شركة سور الصين العظيم للصناعة،
- بكين أليت تكنولوجيز،
- شركة الصين لاستيراد وتصدير التكنولوجيا الجوية،
- شركة كيوسي تشن،
- شركة وي تشونغ تاي،
- شركة Zibo Chemet للمعدات،
- شركة Ecoma Enterprise (مقرها تايوان)،
- وشركة بيكسان أسوشيتد (مقرها كوريا الشمالية).
اثنين من أكبر الشركات الصينية تمت معاقبتهما مراراً وتكراراً من قبل الولايات المتحدة، وهما: مجموعة شركة شمال الصين الصناعية China North Industry Corporation - Norinco، وشركة سور الصين العظيم للصناعة China Great Wall Industry، لمخالفتهما ضوابط التصدير المختلفة. كلاهما تربطهما علاقات وثيقة مع جيش التحرير الشعبي الصيني. وتمت معاقبة الشركات بموجب قانون حظر انتشار الأسلحة النووية الإيراني لعام 2000، الذي وقعه الرئيس بيل كلينتون آنذاك. ونفت إيران الاتهامات الأميركية بأنها تسعى لتطوير أسلحة نووية، وأصرت على أن خططها النووية مخصصة لأغراض الطاقة السلمية. [أنظر: "Chinese firms punished over Iran"].
وفي أوائل عام 2012، فرضت واشنطن عقوبات على ثلاث شركات صينية بسبب توريدها خواص ومواد تستخدم في إنتاج أسلحة الدمار الشامل. [أنظر: تقرير صادر عن مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية - CSIS بعنوان: "U.S. pressure to disrupt Iranian Strategic Competition: The Impact of China and Russia"].
وفي الجولة الأخيرة من المفاوضات حول عقوبات مجلس الأمن الدولي لقرار رقم (1929)، وافقت الصين وروسيا على وقف كامل عن تزويد هذه الأسلحة لإيران - بما في ذلك قطع الغيار والتدريب التقني.
ومع ذلك، طهران لا تزال حتى يومنا هذا تعتمد على بكين إلى حدٍ كبير للتصنيع العسكري، والحفاظ على جوهر القدرات المتقدمة والمتطورة للترسانة العسكرية الإيرانية. لقد لعبت الصين دوراً حاسماً وبشكل كبير في تزويد إيران بالمكونات التي تدخل في صناعة الصواريخ، وكذلك توطين تقنيات وقطع غيار تدخل في الصناعة العسكرية الإيرانية، وقدمت لها تقنية "المعرفة" Know-how العسكرية، وساعدت بشكل كبير في التحديث العسكري الإيراني. [لمزيد من المعلومات حول هذه النقطة، أنظر: "Navigating The Gulf: China's Balancing Strategy" (الإبحار في الخليج: استرايتجية موازنة الصين)].
الـــفـــــصـــــــــل الــــثـــالــــــــث
الدور الرئيسي للصين في تحديث وتطوير برنامج التسليح الإيراني
وأبعاد علاقاتهما الدفاعية
لفهم التعاون العسكري بين إيران والصين، ودور الأخيرة في تحديث وتطوير الصناعات الدفاعية الإيرانية، نحتاج للرجوع إلى التاريخ للنظر فيه ومراجعة اتجاهات الصعود والهبوط في العلاقات العسكرية الثنائية بين طهران وبكين. وعندها نكتشف بأن العلاقات الدفاعية الإيرانية الصينية قد مرت على 3 مراحل؛ المرحلة الأولى من منتصف الثمانينيات إلى نهاية التسعينيات من القرن الماضي، المرحلة الثانية من بداية الألفية إلى عام 2012، والمرحلة الثالثة من عام 2013 إلى عامي 2018 - 2019.
1 - المرحلة الأولى 1985 إلى 1999: التأسيس والتمكين
زيارة علي خامنئي للصين في عام 1989
تاريخياً كانت الصين مورداً هاماً لتزويد إيران بالأسلحة. خلال الحرب الإيرانية - العراقية في الثمانينيات، كانت الصين واحدة من الدول التي زودت إيران بالأسلحة وبدعم ملموس. في الواقع، الدعم الصيني خلال تلك الحرب دفع بطهران إلى زيادة الاستثمار في العلاقات الدفاعية مع بكين. وفي هذا الصدد، زودت الصين إيران بصواريخ سيلك وورم HY-2 المضادة للسفن الحربية، والتي بواسطتها كانت إيران تهاجم السفن العراقية وسفن ناقلات النفط في الخليج العربي إبان "حرب الناقلات". في تلك الفترة، ومع النهضة الاقتصادية الحديثة للصين، عمقت جمهورية الصين الشعبية علاقاتها مع إيران من خلال استمرار مبيعات الأسلحة والمشاركة الدبلوماسية وتوسيع وجودها في منطقة الشرق الأوسط ككل.
لكن هذه العلاقة الودية ظاهرياً كانت تخفي من ورائها مستوى من عدم الثقة وعلى وجه التحديد من قبل الجانب الإيراني. لطالما اعتبرت طهران بأن الصين تلعب لعبة مزدوجة (حتى في الشؤون الدفاعية) تجاهها. على سبيل المثال، على الرغم من أن بكين زودت طهران بالأسلحة التي كانت في أمسّ الحاجة إليها أثناء حربها مع العراق (1980-1988)، فقد زودت بغداد أيضاً بكمية من الأسلحة خلال نفس الفترة. [أنظر: China and Iran: Destined to Clash?]. كما باعت في أواسط الثمانينيات سراً صواريخ رياح الشرق للمملكة العربية السعودية، ثم في عام 2007 مرة أخرى باعت للسعودية صواريخ باليستية متطورة. ولذلك، كانت طهران في حالة شك وريبة تجاه بكين، وإن كانت تحاول عدم إظهار ذلك حتى لا تتوتر علاقتها مع الصين نظراً لحاجاتها الماسة لمورد هام للأسلحة وداعم رئيسي لتحديث وتطوير برنامجها التسليحي.
في يوليو عام 1985 زار أكبر هاشمي رفسنجاني، رئيس مجلس النواب الإيراني - آنذاك - بكين، وفي هذه الزيارة وقعت حكومتا الصين وإيران اتفاقاً سرياً للتعاون النووي. وفتحت حقبة جديدة من التعاون العسكري في علاقاتهما. يروي رفسنجاني في مذكراته أن الموضوع الرئيسي لمناقشاته مع المسؤولين الصينيين كان شراء الأسلحة، ويقول الآتي:
"التقينا بالقائد الصيني "دينغ شياو بينغ"، وتفاوضنا لمدة ساعة. لم يقدم وعداً واضحاً عن بيع الأسلحة لإيران، لكنه أبدى اهتماماً بالعلاقات الاقتصادية نظراً لحاجتهم للعملة الأجنبية. ثم في وقت لاحق، السيد رئيس الوزراء الصيني، تشاو زييانغ، جاء إلى مقر إقامتي لحضور الاجتماع الأخير والوداع. في البداية، كان اجتماعاً رسمياً، لكن بناءً على طلبي عقدنا اجتماع خاص، تحدثنا عن تزويد إيران بالصواريخ وأعطى موافقته ووافق على التسليم الفوري نظراً للضرورة الملحة من جانبنا. الصينيون كانوا يصرون على أن تبقي مبيعات الأسلحة لإيران سرية". [أنظر: "امید و دلواپسی" (کارنامه و خاطرات هاشمی رفسنجانی سال ۱۳۶۴)، كتاب مذكرات رفسنجاني، 1986، صفحة 161)].
ازداد التعاون بين البلدين بشكل متواصل حتى عام 1997، عندما أدت الضغوط الأميركية حول أزمة مضيق تايوان في العام الذي سبق إلى دفع الصين لتعليق مساعداتها لطهران في المجالين: البرنامج النووي وبرنامج تطوير الصواريخ. بيد أن، بحلول ذلك الوقت، كانت السنوات الطويلة المتتالية (1985 - 1997) من الدعم العسكري والتقني الصيني، قد ساعدت إيران على إنشاء قاعدة صناعية محلية لبناء وإنتاج الصواريخ التي تشكّل اليوم ركيزة أساسية في استراتيجيتها الدفاعية. وساعدت الصين جهود إيران في تطوير وتحديث أجهزتها العسكرية وعقيدتها من خلال نقل التكنولوجيا العسكرية، ومبيعات الأسلحة وأنظمة الصواريخ الباليستية التكتيكية، وأنظمة "منع الولوج"، وصواريخ كروز المضادة للسفن، ناهيك عن المساعدة الصينية الكبيرة في برامج الهندسة العكسية لاستنساخ الأسلحة الصينية المصّنعة داخل إيران محلياً. [الكاتب جون غارفر John Garver يتحدث بشيء من التفصيل والاسهاب عن التعاون الصيني الإيراني في البرنامج النووي وبرامج التسليح الإيرانية، أنظر كتاب: "China and Iran: Ancient Partners in a Post-Imperial World"، (الصين وإيران: الشركاء القدامى في عالم ما بعد الإمبراطورية) ، الكتاب جداً مهم، يُعطي القارئ شرح مفصل عن كيفية بدء البرنامج النووي الإيراني وكيف أن الصين كان لها دور كبير في مساعدة البرنامج النووي الإيراني بالإضافة إلى تطوير وتحديث القدرة العسكرية الإيرانية].
أولى صاردات الصين العسكرية وصلت إلى إيران في منتصف الثمانينيات. وفي عام 1987، استلمت إيران صواريخ كروز مضادة للسفن "سيلك وورم HY-2" من الصين عبر كوريا الشمالية، واستخدمتها لمهاجمة وضرب ناقلة نفط كويتية ترفع العلم الأميركي إبان مرحلة "حرب الناقلات" خلال الحرب الإيرانية العراقية. [أنظر: Iran: Missile Development].
مع نهاية الحرب الإيرانية - العراقية 1988، وبعد هزيمة العراق في "عملية عاصفة الصحراء عام 1991"، تغيّرت المتطلبات الدفاعية الإيرانية، وبالتالي تغيّر جوهر التعاون العسكري الصيني - الإيراني. اختار القادة الإيرانيون التركيز على تطوير وتنمية مفتاح التقدم، التكنولوجيات المتقدمة، لاسيما الصواريخ المتطورة والمجالات الكيمائية والنووية المتقدمة. وهكذا سعت طهران تحو تطوير القدرة الإنتاجية الذاتية لهذه التقنيات الرئيسية. مرة أخرى، ساعدت الصين إيران على تحقيق أهدافها. واحتلت الصين المرتبة الثانية كمورد عسكري لإيران خلال فترة ما بعد عام 1988. [انظر كتاب: "China and Iran: Ancient Partners in a Post-Imperial World"، (الصين وإيران: الشركاء القدامى في عالم ما بعد الإمبراطورية)، صفحة 170 - 171].
وهكذا، في عام 1989، أي بعد عقد من الثورة الإيرانية ونهاية الحرب، وقع حدثان مهمان في وقت واحد تقريباً أدخلت الصين وإيران على التوالي حقبة جديدة. في 3 يونيو 1989، توفي الخميني وفي اليوم التالي 4 يونيو 1989 وقعت حادثة تيانانمين، بعدها فرضت الولايات المتحدة عقوبات على الصين، وهو ما أدى إلى تقارب إيراني صيني مرة أخرى. في أعقاب حادثة "ساحة تيانانمين Tiananmen"، كان التعاون الوثيق بين الصين وإيران يهدف بشكل أساسي إلى مناكفة الولايات المتحدة، وأنه وسيلة غير مباشرة لإبلاغ واشنطن بأن بكين وطهران تصطفان معاً وتقفان في خندق واحد. وكانت النتيجة تقارب في العلاقات الدفاعية الإيرانية الصينية. وهناك حدث آخر ، حيث زار علي خامنئي - المرشد وولي الفقيه في إيران - بكين في عام 1989.
بعد المناقشات الأولية بين الجانبين (الصيني والإيراني) خلال زيارة خامنئي لبكين في عام 1989، سافر الجنرال "جيانغ هوا" نائب مدير اللجنة الحكومية للعلوم والتكنولوجيا والصناعة للدفاع الوطني الصيني (COSTIND)، إلى طهران في يناير 1990 للتوقيع، مع وزير الدفاع الإيراني الفريق علي أكبر توركان، على اتفاق مدته عشر سنوات لتبادل التكنولوجيا العسكرية. كان التعاون الصاروخي محوراً رئيسياً للاتفاقية.
ثم في أكتوبر من نفس العام، قاد توركان "وفد عسكري إيراني كبير" إلى الصين. كانت هذه هي الزيارة الأولى التي يقوم بها وزير الدفاع لأي من الجانبين منذ تأسيس العلاقات الصينية الإيرانية في عام 1971 (قبل سقوط نظام الشاه). في بكين التقى توركان بشكل منفصل بوزير الدفاع لجمهورية الصين الشعبية "تشين جيوي"، ورئيس الأركان (وزير الدفاع الصيني لاحقاً) تشي هاو تيان، ونائب رئيس الأركان العامة "خه تشى تشونغ"، والوزير المسؤول عن اللجنة الحكومية للعلوم والتكنولوجيا والصناعة للدفاع الوطني (COSTIND) "دينغ هينغاو". [ملاحظة: أضفت اللون الأحمر للجنة الحكومية للعلوم والتكنولوجيا والصناعة للدفاع الوطني الصيني (COSTIND) نظراً لخطورة الدور الذي لعبته هذه اللجنة في تطوير الصناعات الدفاعية الإيرانية وبالخصوص في مجال الصواريخ الباليستية وصواريخ الكروز المضادة للسفن، لمعرفة المزيد راجع كتاب: "China and Iran: Ancient Partners in a Post-Imperial World"، (الصين وإيران: الشركاء القدامى في عالم ما بعد الإمبراطورية)، صفحة 183].
وبعد اجتماع دام أربعين دقيقة بين توركان والرئيس الصيني - آنذاك - "يانغ شانغ كون". قال الرئيس الصيني لتوركان، بأنه "ينبغي على الجانبين العمل من أجل علاقة أوثق في مختلف المجالات". ونقل توركان إلى يانغ رسالة من الرئيس رفسنجاني وأخبر يانغ بأن قادة إيران يعلقون أهمية كبرى على العلاقات الصينية الإيرانية.
في مارس من العام التالي (1991)، رد دينغ هينغاو - الوزير المسؤول عن اللجنة الحكومية للعلوم والتكنولوجيا والصناعة للدفاع الوطني (COSTIND) - على زيارة توركان. وأثناء زيارة توركان لبكين، أكدت تقارير في وسائل الاعلام العربية، بأن "إيران في نقاش مع الصين لإنتاج الصواريخ"، حيث نشرت صحيفة "الاتحاد" الإماراتية تقرير في 18 سبتمبر 1989 عن أن إيران والصين تناقشان الإنتاج المشترك للصواريخ الباليستية من نوع M-9 ونوع M-11.
في أواخر الثمانينيات، باعت الصين لإيران أنظمة الصواريخ المضادة للطائرات من طراز HQ2 أرض - جو (والتي كانت نسخاً من أنظمة SA-75 السوفيتية)؛ ويبلغ المدى الفعلي لنظام HQ2 من 12 إلى 32 كم (7-20 ميل). وتم تعديل النظام HQ2 وأعيد تسميته إلى نظام M7 بهدف التصدير كصاروخ أرض - أرض. وفي عام 1992 بدأت إيران في إنتاج نسخة معدلة من النظام HQ2 / M7 وبكميات يحمل إسم الصاروخ الباليستي قصير المدى توندار 69 (Tondar 69)، ويبلغ مداه الفعلي 150 كم. [ لمعرفة المزيد عن الصاروخ الباليستي قصير المدى "توندار 69". [أنظر: missilethreat.csis.org]. والصاروخ لا يزال في الخدمة منذ عام 1992.
في عام 1990 وقعت الصين اتفاقية مدتها عشر سنوات مع إيران بشأن تبادل التكنولوجيا العسكرية، وكان التعاون الصاروخي محوراً رئيسياً في الاتفاقية. [أنظر: Deadly Arsenals: Nuclear, Biological, and Chemical Threats].
وخلال التسعينات، وافقت الصين على مساعدة إيران في إنشاء خطوط إنتاج في مصنع "أصفهان" لصواريخ M-11 بمدى 280 كم وهو صاروخ رياح الشرق-11 أو دونغ فنغ-11 قصير المدى، ذا وقود صلب وأحادي المرحلة، وبمدى 280 كم، وكذلك صواريخ M-9 وتعرف أيضاً بـ DF-15 أو CSS-6 ولكنها معروفة أكثر باسم التصدير M-9، وهو صاروخ متنقل متطور يعمل بالوقود الصلب على مرحلة واحدة، وبمدى 600 كم. وهذا الصاروخ يشبه في شكله ومظهره نظام Pershing I-A الأميركي. جميع صواريخ M-series تستخدم الوقود الصلب، ووقت الإعداد التشغيلي قصير. ومن المتوقع أن يتم تجهيز الصاروخ M-9 (يعرف أيضاً بـ DF-15) بمجموعة متنوعة من أنواع الرؤوس الحربية، وبحسب الخبراء العسكريين يقولون بأن هذا الصاروخ يمثل الدعامة الأساسية لقوة الصواريخ الصينية دون الاستراتيجية. وقد باعت الصين لباكستان هذين الصاروخين M-11 و M-9 في أواخر الثمانينيات واستلمتهم باكستان في عام 1993، ومن ثم قامت باستنساخهما بإسم حتف-3 وشاهين-1، وبعض المصادر تشير بأن باكستان زودت الصاروخ M-11 برؤوس حربية نووية، [ لمزيد من التفاصيل حول تطوير باكستان للصاروخين، أنظر: https://fas.org].
وقد أفادت التقارير أن إيران وسوريا، في أواخر التسعينيات وبداية الألفية، قد ساهمتا في تطوير نظام صاروخ نوع M-9، فضلاً عن أنهما قاموا بإيداع مبلغ للشراء عندما يكون النظام متاحاً، لكن الصين تراجعت عن أي التزام ببيع أنظمة صواريخ M-9 كاملة إلى الشرق الأوسط، لكنها مضت قدماً في مساعدة إيران في تطوير قدراتها الوطنية لإنتاج صواريخ مماثلة إلى حد كبير للنظام الصاروخي نوع M-9. ومع ذلك، يبدو أن الصين لم تنقل نظام الصاروخ من نوع M-11 كاملة إلى إيران نظراً للضغوط الأميركية. [مصدر سابق، أنظر كتاب: "China and Iran: Ancient Partners in a Post-Imperial World"، (الصين وإيران: الشركاء القدامى في عالم ما بعد الإمبراطورية) صفحة 187].
في يوليو 1991، زار رئيس الوزراء الصيني "لي بنغ" طهران، وخلال زيارته ذهب إلى مدينة أصفهان، وقيل إنه زار عدة مجمعات صناعية عسكرية في اصفهان، حيث كان الخبراء الصينيون يعملون في إنتاج أنواع مختلفة من الصواريخ المستنسخة عن الصواريخ الصينية. [أنظر: "China and Iran, Mismatched Partners"، (الصين وإيران ، شركاء غير متطابقين)].
خلال العامين 1987 و 1988، استوردت إيران من الصين ما يصل إلى 100 صاروخ كروز مضاد للسفن نوع C-801 (تُعرف أيضاً باسم Ying Ji-81 أو Eagle Strike-81) وثمانية قاذفات؛ ويصنف صاروخ C-801 بأنه من الجيل الثاني من صواريخ كروز الصينية، ويُزعم أنه مشتق من نظام صواريخ Exocet الفرنسية، الذي استخدمته الأرجنتين ضد القوات البحرية البريطانية بفعّالية خلال حرب فوكلاند عام 1982. [أنظر: Iran's Long Range Missile Capabilities]. الصاروخ C-801 مضاد للسفن ويعمل بالوقود الصلب ويتراوح مداه 40 كم ويمكن إطلاقه من الغواصات عبر أنابيب الطوربيد وكذلك يمكن إطلاقه من الطائرات.
وبحلول عام 1994، زودت الصين إيران نحو 200 صاروخ كروز مضاد للسفن من نوع C-801 والجيل الجديد نوع C-802، [أنظر: U.S. CONFIRMS CHINA MISSILE SALE TO IRAN - The Washington Post]. وأيضاً ساعدت الصين إيران على القدرة على إنتاج صورايخ محلية الصنع مستنسخة من الصاروخ الصيني C-801 يحمل إسم "توندار". [أنظر: Iran's Long Range Missile Capabilities].
وفي ذلك الوقت كان الصاروخ C-802 الكروز المضاد للسفن من بين خط المجموعة الأكثر تقدماً في الصين، ويبلغ مداه 120 كم. وبحسب ما ورد، وافقت الصين على بيع طهران 150 صاروخ من طراز C-802 ولكن تم تسليم 75 فقط قبل تجميد الصفقة تحت ضغط الولايات المتحدة. [أنظر: China Iran: A Limited Partnership].
وعلى ما يبدو، أن بعد تجميد صفقة بيع الصين لإيران صاروخ C-802 بضغط من واشنطن، قامت إيران بالاتفاق مع الصين لمساعدتها في استنساخ الصاروخ C-802 وإنتاجه محلياً داخل إيران. إذ تشير التقارير بأن الصين في عام 1996 كانت تساعد إيران على الانتاج المحلي لصاروخ كروز جديد مضاد للسفن يحمل إسم "كاروس Karus"، ويُعتقد أنه يستند إلى C-801 /أو C-802. وفي يونيو 1997، أجرت إيران اختبار لصاروخين محلية الصنع مستنسخة من الصاروخ الصيني C-801 الصيني، وفي الاختبار أطلقت الصاروخين من المقاتلة طراز F-4. [أنظر: Iran's Long Range Missile Capabilities].
في الواقع، عندما حاولت إيران مرة أخرى في عام 1996 الحصول على الصاروخ الصيني C-802 المضاد للسفن قامت إدارة بيل كلينتون بممارسة ضغوط هائلة لإجبار الصين على الالتزام بعدم تقديم أو بيع أي صواريخ أخرى من طراز C-802 لطهران. أثارت تقارير بيع الصين صواريخ C-802 لطهران ردود فعل سياسية قوية في واشنطن، ونظرت إدارة كلينتون في فرض عقوبات على الصين لبيعها طهران هذه الصواريخ لإنتهاكها قانون حظر انتشار الأسلحة المفروض على إيران والعراق لعام 1992، وهذا القانون كان يستهدف الدول التي تنقل أسلحة مزعزعة للاستقرار كماً ونوعاً إلى إيران أو العراق.
كما قامت الصين في منتصف التسعينيات، قبل الضغوطات الأميركية وتجميد صفقة صواريخ كروز المضادة للسفن التي أشرنا إليها، بتسليم إيران ولأول مرة زوارق هجومية سريعة من فئة هودونغ Houdong الصينية، وهذه الزوارق تعمل حالياً لدى القوات البحرية للحرس الثوري الإيراني. [أنظر: Iran's Regional Powerhouse]. وتم تصميم الزورق الهجومي السريع فئة Houdong لإطلاق صواريخ كروز المضادة للسفن من طراز C801 و C802، وأيضاً هو معروف في إيران باسم الزورق الهجومي السريع "توندار Thondar". [أنظر: Iran's Asymmetric Naval Warfare].
وأيضاً قدمت الصين لإيران المساعدة والدعم والجهد الكبير في تطوير صاروخ سام المحمول على الكتف، ميثاق-1 وميثاق-2. وكذلك في مجال تصنيع الرادارات. وقامت شركة الصين الوطنية لإستيراد وتصدير الإلكترونيات بشحن مكونات أنظمة الرادار JY-14 إلى إيران، وفي عام 1998، بدأت إيران في بناء العديد من رادارات JY-14 استنساخاً من النسخ الصينية، وتحمل أسماء إيرانية.
في حين أن هذه القائمة من المساعدات الصينية لإيران مثيرة للإعجاب، يجب أن نضع في اعتبارنا أن روسيا بقدراتها المتقدمة في مجال الإلكترونيات والصواريخ، وليس الصين، كانت الشريك العسكري المفضل لإيران خلال فترة ما بعد 1988. ومع ذلك، فإن مساهمات بكين مجتمعة ساعدت إيران على تحقيق تعزيز كبير في قدراتها البحرية المضادة. أدى هذا التحديث العسكري إلى تحسين دفاعات إيران ضد الخصمين الإقليميين لإيران "العراق والسعودية" وكذلك ضد دولة الإمارات العربية المتحدة حيث بينهما الخلاف حول ملكية الجزر الثلاث (أبوموسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى). [أنظر كتاب: "China and Iran: Ancient Partners in a Post-Imperial World"، (الصين وإيران: الشركاء القدامى في عالم ما بعد الإمبراطورية)].
في عام 1998، تغيرت المتطلبات العسكرية الإيرانية، وبالتالي انعكس على التعاون الدفاعي الإيراني الصيني. مع نزع سلاح العراق جزئياً تحت إشراف الأمم المتحدة، انخفضت ميزانيات الدفاع الإيرانية بشكل حاد. اختار قادة إيران التخلي عن زيادات كبيرة في الأسلحة التقليدية، مع التركيز - بدلاً من ذلك - على تطوير التقنيات الرئيسية المتقدمة والمتطورة، وخاصة قدرات الصواريخ. وعندها سعت طهران إلى توطين تقنيات ومكونات لتطوير قدرة إنتاجية مكتفية ذاتياً من هذه التقنيات، وساعدتها الصين على تحقيق أهدافها. [مصدر سابق، أنظر كتاب: "China and Iran: Ancient Partners in a Post-Imperial World"، (الصين وإيران: الشركاء القدامى في عالم ما بعد الإمبراطورية) ، صفحة 170].
وتحت الضغط الأميركي، توقف التعاون الثنائي (الصيني - الإيراني) في عام 1999. ومع ذلك، لم يتم فرض عقوبات على بعض الشركات الصينية. إلا أن في أوائل عام 2012، فرضت واشنطن عقوبات على ثلاث شركات صينية بسبب توريدها خواص ومواد يمكن استخدامها في إنتاج أسلحة الدمار الشامل. [أنظر: تقرير صادر عن مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية - CSIS بعنوان: "U.S. pressure to disrupt Iranian Strategic Competition: The Impact of China and Russia"]. في الجولة الأخيرة من المفاوضات حول عقوبات مجلس الأمن الدولي رقم (1929)، وافقت الصين وروسيا على وقف كامل لتزويد هذه الأسلحة لإيران - بما في ذلك قطع الغيار والتدريب التقني.
وبالرعم من توقف التعاون الثنائي في عام 1999 ظاهرياً، استمرت العلاقات الدفاعية والتعاون العسكري في الخفاء بطرق وأشكال مختلفة ومتعددة خلال العقد التالي. وهذا ما سوف نوضحه في المرحلة الثانية من دور الصين الرئيسي في تطوير وتحديث القدرات الدفاعية الإيرانية.
2 - المرحلة الثانية من 2000 إلى 2012:
ظهور استراتيجية A2/AD الإيرانية
استراتيجية بحرية الحرس الثوري تعتمد على عدد كبير من الزوارق الصغيرة
مع نهاية التسعينيات من القرن الماضي، ودخول الألفية الجديدة (2000م)، بدأت الولايات المتحدة الأميركية تدرك أن ثمة استراتيجية عسكرية جديدة تتبناها طهران، وقد لمست ذلك عبر رصد ومتابعة المناورات البحرية الإيرانية التي كانت تعقد في الفترة ما بين 1997 إلى 2002، تلك المناورات العسكرية الإيرانية التي تحمل إسم "حریم ولایت" (ومعناها بالعربية المنطقة المحرّمة أو الولاية المحرّمة، الدولة المحرّمة). سنوياً تجري هذه المناورة وتحمل نفس الإسم، والمناورة تتفرع منها مناورة بحرية بإسم "حریم دریایی" أي "الإقصاء البحري" أو "منع الولوج البحري". لاحظت أميركا بأن التكتيكات المستخدمة في هذه المناورات البحرية الإيرانية، مثل التكتيكات غير المتماثلة، ونوعية الأسلحة المستخدمة، هي ذات التكتيكات المطبقة في "إستراتيجية المنطقة المحرّمة/منع الولوج A2/AD"، وعندها أيقنت بأن ما يقال عن "تهديدات قدرات المنطقة المحرّمة/منع الولوج A2/AD الإيرانية" هي حقيقية.
لقد ركز التحديث العسكري الإيراني - لحقبة ما بعد عام 1988 - على استراتيجية "الحرب الساحلية". عملية فرس النبي في ابريل 1988 أعطت درساً قاسياً لإيران، ولذلك التحديث العسكري الإيراني ما بعد عام 1988 ركز على البحرية واستراتيجية الحرب الساحلية. طوال تلك الفترة، كانت طهران تشعر بقلق عميق من إمكانية التحرك العسكري الأميركي ضدها، لم يكن خوف طهران من غزو أميركي واسع النطاق ومن ثم احتلال إيران بهدف الإطاحة بالنظام الإيراني، ولكن من الممكن أن الولايات المتحدة تعطل وتوقف إنتاج النفط الإيراني وشحناته عبر الخليج العربي. فقد لاحظ المحللون الإيرانيون أن عقيدة البحرية الأميركية لحقبة ما بعد الحرب الباردة تؤكد على "الحرب الساحلية" التي ستواجه فيها القوات الأميركية قوات العدو في المياه الساحلية المحصورة، مع احتمالية استخدام قوات العدو الألغام والغواصات التي تعمل بالديزل وصواريخ كروز والقوارب الخفيفة السريعة. [أنظر: الفصل (11) Threat Perception and Military Planning in Iran: Credible Scenarios of Conflict and Opportunities for Confidence Building من كتاب: Military Capacity and the Risk of War: China, India, Pakistan, and Iran (القدرة العسكرية وخطر الحرب: الصين والهند وباكستان وإيران)].
لذلك، الكثير من التحديث العسكري الإيراني لما بعد الحرب الإيرانية - العراقية، تم تصميمه وفقاً لاستراتيجية "المنطقة المحرّمة/منع الولوج A2/AD" و"الإقصاء البحري" و "منع الولوج البحري"، وكيفية مواجهة الحرب الساحلية ضد إيران. وعندها أدركت الولايات المتحدة ذلك وقامت بتصميم مناورة من نوعية جديدة أطلقت عليها "مناورة تحدي الألفية لعام 2002" وهي لعبة حرب. على مدار عامين قامت قيادة القوات المشتركة بتصميم المناورة التي تضم نحو 20,000 مشارك، والعديد من مواقع التدريب الحية والمحاكاة، ومن المفترض مواجهة دولة شرق أوسطية مثل إيران ضد الجيش الأميركي الذي سيكون مدجج بتكنولوجيا متقدمة، والفرقة 82 المحمولة جواً والفرقة البحرية الأولى.
ونفذت المناورة في 24 يوليو حتى 15 أغسطس 2002 (استغرقت ثلاثة أسابيع)، وقاد قائد سلاح البحرية الأميركي الفريق بول فان ريبر فريقاً أحمر على اعتبار أنه يمثل الفريق الخصم من الخليج العربي (لم يُسمّي إسم الخصم ولكن العديد من المراقبين والخبراء العسكريين أجمعوا على أن الفريق الخصم هو إيران)، وتم تجهيز وتهيئة هذا الفريق الأحمر (الخصم) بشكل مماثل لقدرات إيران. طبق الفريق الأحمر بقيادة بول فان ريبر تكتيكات غير متماثلة ضد القوات البحرية الأميركية، مستخدماً العديد من الزوارق الهجومية السريعة الصغيرة تهاجم سرب من السفن الأميركية، وفي غضون عشر دقائق تقريباً كان مصير 19 سفينة حربية و 20,000 جندي أميركي في قاع بحر الخليج العربي. تجدر الإشارة بأن، "تحدي الألفية لعام 2002" للقوات الأميركية هي عبارة عن أكبر لعبة حرب في التاريخ قامت بها القوات المسلحة للولايات المتحدة في منتصف عام 2002 والتي استمرت من 24 يوليو وحتى 15 أغسطس. كما قدرت تكاليف العملية بـ 250 مليون دولار وهي الأغلى ثمناً في تاريخ المناورات العسكرية الأميركية. والمناورة كانت عبارة عن تمارين المحاكاة بالكمبيوتر. كان من المفترض أن تكون اختباراً لمستقبل "التحول" العسكري والانتقال نحو التكنولوجيات الجديدة التي تمكن الصراع مع شبكة مركزية وتوفير أسلحة وتكتيكات أكثر قوة. الحرب في المناورة هي بين فريق من الولايات المتحدة ويشار لهم باللون "الأزرق"، وعدو غير معروف من الخليج العربي (إيران) ويشار له باللون "الأحمر". [أنظر: Iran Encounter Grimly Echoes ’02 War Game ، وأيضاً أنظر: That time a Marine general led a fictional Iran against the US military – and won ، وايضاً أنظر: Millennium Challenge: When the US Navy Lost a Simulated War With Iran، وأخيراً أنظر: Learning Curve: Iranian Asymmetrical Warfare And Millennium Challenge 2002].
أبرزت المناورة مواطن الضعف العسكري للولايات المتحدة بشكل كبير تجاه التكتيكات غير المتماثلة المنسقة، والمنطقة المحرّمة، ومنع الولوج في الخليج العربي، مع مناورة الزوارق السريعة بفعّالية، حيث تغلبت على القدرات الدفاعية للسفن الحربية الأميركية المتقدمة.
على الرغم من أن إيران ظلت تحافظ على جيش يعتبر عددياً أكبر جيش في الشرق الأوسط - مع وجود قوة عسكرية نظامية وغير نظامية تزيد عن 540،000 فرد وقدرة احتياطي تبلغ حوالي مليوني فرد - فمن غير المرجح أن تتمكن إيران من شن رد فعل تقليدي فعّال تجاه هجوم أميركي أو قوة إقليمية لدول مجلس التعاون الخليجي، أو قوات متحالفة بشكل مباشر. [أنظر: The Costs Of War With Iran: An Intelligence Preparation Of The Battlefield].
الحرب الإيرانية العراقية التي دامت ما يقرب من عقد من الزمن (1980-1988) استنفذت بشدة الأصول العسكرية الأميركية والبريطانية التي استحوذ عليها الشاه قبل الثورة الإسلامية عام 1979. ولذا، يعتقد معظم المحللين أن التفوق البحري والجوي الأميركي سيضمن هزيمة سريعة لإيران إذا انخرطت طهران في حرب تقليدية والمشاركة العسكرية المباشرة.
ومع ذلك، في حين أن إيران لن تكون قادرة على المنافسة في اشتباك عسكري تقليدي مع الولايات المتحدة، فمن المحتمل أن تشكل القدرات العسكرية غير المتماثلة لإيران تحديات خطيرة للقوات العسكرية الأميركية، في حالة اندلاع حرب أميركية إيرانية في الشرق الأوسط. قدرات إيران الجوية والبحرية غير التقليدية للمنطقة المحرّمة/منع الولوج A2/AD - مدعومة بأصول السيطرة والسيطرة اللامركزية المنتشرة في عمق البر الرئيسي الإيراني - يمكن أن تعوق العمليات الأميركية في الخليج العربي، حيث يشكل مضيق هرمز الضيق تحديات خاصة للقوات الأميركية أو لقوات التحالف. [أنظر: China’s Role in Iran’s Anti-Access/Area Denial Weapons Capability Development، وكذلك أنظر: سيناريو الحرب المحتملة على إيران: من الخارج إلى الداخل عمليات عسكرية من نطاق واسع ممتد].
وبالتالي، سعت طهران إلى استثمار مواردها في الأسلحة التي تتوافق مع إستراتيجية المنطقة المحرّمة/منع الولوج والمعركة غير النظامية والتكتكيات غير المتماثلة، وقد وجدت في الصين ضالتها. لذا، خلال العقد الأول من الألفية، ظلت الصين مصدراً رئيسياً لتزويد الأسلحة التقليدية لإيران، حيث قامت بتصدير الصواريخ المضادة للسفن من عائلة TL مثل TLIO / FL8. [مصدر سابق، أنظر: تقرير خدمة أبحاث الكونغرس الأميركية].
وقد بدأت الصين بتطوير برنامج TL في منتصف التسعينيات وتم تحديده في الأصل بإسم FL-8 ويعرف بـ (TL-10) وكذلك FL-9 ويعرف بـ (TL-6) وذلك في إطار شركة الصين الوطنية لاستيراد وتصدير تكنولوجيا الطيران (CATIC). وقد تم الكشف رسمياً عن البرنامج والصواريخ في معرض تشوهاى الجوي في عام 2004 من قبل مجموعة الصين للعلوم والتقنيات الجوفضائية (CASC)، وهذه الصواريخ وغيرها من الصواريخ المُطلقة من الغواصات فعّالة جداً في تحدي انتشار القوات البحرية الأميركية في الخليج العربي.
منذ عام 2002، واصلت إيران على تحديث وتطوير أسلحة وأنظمة معركة "المنطقة المحرّمة/منع الولوج A2/AD"، أدرجت في برنامجها العسكري أسلحة جديدة مثل صواريخ جديدة مضادة للسفن، وقدرات مضادة للطائرات حتى مع تزايد المخاوف بشأن البرنامج النووي الإيراني في واشنطن، ظلت إيران تواصل على تغذية استراتيجيتها A2/AD بالمزيد من هذه الأسلحة. استناداً إلى المصادر الغربية، في عام 2010، ظهرت تقارير تفيد بأن إيران ربما انخرطت في صفقة مع الصين لاستلام النظام الصاروخي المضاد للطائرات طراز HQ9 الصيني، وهو مستمد من نظام الدفاع الصاروخي الجوي الروسي S-300، والمماثل بطرق عديدة من نظام صواريخ باتريوت الأميركي، ويتراوح مداه الفعلي حوالي 30 كم. [أنظر: "Air Defense: Iran And The Chinese Gambit"، (الدفاع الجوي: إيران و المناورة الصينية)].
كما حصلت إيران على زوارق مجهزة بمنصات قاذفات الصواريخ من الصين. بين عامي 2000 و 2002 باعت بكين لطهران عدد غير معلوم من زورق هجومي صاروخي فئة C-14 (المعروف باسم "القط الصيني")، وهذا الزورق قادر على إطلاق صواريخ كروز المضادة للسفن طراز C701. [أنظر: Iran well prepared for the worst].
في عام 2006، نقلت بكين قوارب الدورية MK-13 - المسلحة بصواريخ مضادة للسفن والطوربيدات - إلى طهران لاستخدامها من قبل القوات البحرية للحرس الثوري الإيراني. [أنظر: Iran's Naval Forces From Guerilla Warfare To A Modern Naval Strategy].
كما أن قدرة الألغام البحرية الإيرانية يرجع الفضل للصين. حيث تمتلك إيران ما يقرب من 3000 إلى 6000 لغم بحري، بما في ذلك الألغام السفلية من نوع EM11 و EM52 مفجر مقذوف الدفع ومن تصميم صيني، وقد صمم ليتم إطلاقه من قاع البحر لضرب أهداف على السطح استجابةً لشارة مغناطيس أو صوت السفينة. [أنظر: U.S., Iran Poised For Mine Warfare In The Persian Gulf ، وكذلك أنظر: Iranian Mines in the Strait of Hormuz not ‘Showstoppers’].
وأيضاً لدى إيران مخزون من الألغام السلكية الصينية من نوع EM31. [أنظر: Iran to use mines, missiles to shut Hormuz].
ومن المرجح أن تكون الصين قد زودت إيران بنوعين من الألغام الصاعدة المرتفعة: EM-52 و EM-55. هذا النوع من الألغام متطور للغاية ومستمد من ألغام بحرية صممتها الاتحاد السوفياتي، وطورتها الصين حوالي عام 1980. يتم ايداع اللغم في قاع البحر على عمق يصل إلى 200 متر، ويحتوي اللغم على جهاز كمبيوتر يعالج البيانات الصوتية والمغناطيسية والضغطية تحت تأثير مختلف الحالات البيئية والتشغيلية المحددة في الكمبيوتر قبل وضع اللغم. ما إن يتم إطلاقه، يقوم الصاروخ بدفع الشحنة المتفجرة إلى الهدف في واحدة من عدة أوضاع تحددها وحدة المعالجة المركزية.
بالإضافة إلى حصول إيران على صواريخ مضادة للسفن مباشرة من الصين، فإنها استخدمت العديد من تصميمات الصواريخ الصينية كأساس لأنظمة الصواريخ المضادة للسفن المستنسخة والمنتجة محلياً، والتي يتم تصنيع بعضها في إيران بمساعدة صينية: ويُعتقد أن صواريخ نور المضادة للسفن بعيدة المدى هي البديل والنسخة من الصواريخ الصينية طراز C801 و C802. أما صاروخ كوسار (أو كوثر) المضاد للسفن الذي تم تصنيعه لأول مرة في عام 2004، يستند إلى أنظمة الصواريخ الصينية C701 و TL-10. في حين يبدو صاروخ رعد المضاد للسفن بعيد المدى، والذي تم الكشف عنه في عام 2004، بأنه أحد أنواع صاروخ سيلك وورم الصيني HY-2، ويبلغ مداه الفعلي حوالي 360 كم. [أنظر: "Iran starts production of new short-range Raad missile"، (إيران تبدأ إنتاج صاروخ رعد قصير المدى)].
كما بدأت إيران في إنتاج صاروخ نصر المضاد للسفن مستنسخ من الصاروخ الصيني C704، وقامت بانتاجه بكميات في عام 2010. والصاروخ يعمل بتوجيه بالرادار والإشارات التلفزيونية، ويبلغ مداه الفعلي 170 كم، ويتم إنتاجه بالتعاون مع مجموعة شركة الصين للعلوم والتقنيات الجوفضائية (CASC). [للمزيد من المعلومات حول المصنع الصيني في إيران الذي يصنع صاروخ "نصر" أنظر: "China opens missile plant in Iran"، (الصين تفتح مصنع صواريخ في ايران)].
وصاروخ قادر المضاد للسفن، الذي تم الكشف عنه في عام 2011، يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالصاروخين الصينيين C802 و C803. [ أنظر: "Iran Introduces the Qader, an Enhanced, Locally Produced Version of the C-802 Anti-Ship Missile"، (إيران تكشف عن صاروخ قادر، وهو نسخة محسنة ومنتجة محلياً من صاروخ C-802 المضاد للسفن)]. وأما صاروخ ظفر بدأ إنتاجه في أوائل عام 2012، وهو صاروخ مضاد للسفن خفيف الوزن موجه بالرادار ويُعتقد أنه مستمد من الصاروخين الصينيين C704 و C705.
على الرغم من أن إيران تطور محلياً وتنتج مجموعة متنوعة من الصواريخ، فإن الكثير من قدرة الصواريخ الحالية لإيران جذورها ترجع للتكنولوجيا الصينية ومساعدة الصين لها. إن الجانب العسكري للعلاقات الصينية - الإيرانية هو الذي يزعج العديد من المراقبين في الغرب. حيث لعبت الصين، وبدرجة أقل كوريا الشمالية، دوراً حاسماً في تطوير قدرات إيران العسكرية لمجمع "المنطقة المحرّمة/منع الولوج A2/AD"، فقد زودت الصين إيران بمجموعة متنوعة من أنظمة الأسلحة المفيدة بالتحديد لإستراتيجية المنطقة المحرّمة/منع الولوج A2/AD. وهذا مؤشر بأن إيران تستثمر مواردها في تطوير قدرات "المنطقة المحرّمة/منع الولوج A2/AD" وتستعد بشكل متزايد لشن معركة غير متكافئة ضد عدو أكثر قدرة تقليدياً مثل الولايات المتحدة، والاستفادة من خفة الحركة والسرعة وتكتيكات القيادة والسيطرة اللامركزية، بالإضافة إلى هجمات مضادة متقدمة للسفن وأسلحة مضادة للطائرات، وذلك للدفاع عن أصولها في البر الرئيسي.
يشير دعم الصين المستمر للبرنامج العسكري الإيراني "المنطقة المحرّمة/منع الولوج A2/AD" إلى أن بكين تنظر إلى إيران كقوة عسكرية "بالوكالة" لها في الشرق الأوسط، وقد تأمل في استخدام إيران لممارسة الضغوط على القوات الأميركية وكذلك تقييد عملية امدادات النفط للغرب في حال نشوب نزاع مسلح صيني - أميركي في المحيط الهادئ.
3 - المرحلة الثالثة من 2012 إلى 2018 - 2019:
اتجاهات جديدة في العلاقات الدفاعية الصينية - الإيرانية
يونيو 2017: إيران والصين تجريان مناورات بحرية مشتركة في مضيق هرمز وبحر عُمان
تأكيداً لتكهنات العديد من المصادر والتقارير بأن الصين تواصل في تزويد إيران بالأسلحة، في مارس 2013 تم العثور على سفينة إيرانية قبالة سواحل اليمن وعلى متنها أنظمة الدفاع الجوي المحمولة. وفقاً لمراجعة علامات المصانع على الأسلحة وصناديق التعبئة الخاصة بها، كان هناك 10 صواريخ صينية مضادة للحرارة. صُنفت الصواريخ باسم QW-1M وحملت عليها مجموعة من الإستنسل توحي بأنها قد تم تجميعها في مصنع تابع لشركة مملوكة للدولة الصينية، وهي "مجموعة الصين الوطنية لاستيراد وتصدير الأنظمة الدقيقة"، والتي فرضت عليها الولايت المتحدة العقوبات في وقت سابق لنقلها تكنولوجيا الصواريخ إلى باكستان وإيران. وكانت الصواريخ الصينية جزءًا من شحنة أكبر اعترضتها القوات الأميركية واليمنية في يناير 2013، والتي قال مسؤولون أميركيون ويمنيون إنها كانت مرسلة للمليشيات الحوثية في شمال غرب اليمن. [أنظر: "New York Times: Seized Chinese Weapons Raise Concerns on Iran"، (نيويورك تايمز: الأسلحة الصينية المضبوطة تثير المخاوف بشأن إيران)].
وهذا يعني بأن التعاون العسكري الصيني الإيراني، لاسيما حصول إيران على الأسلحة الصينية، وصل إلى مستوى عال من الخطورة، فإيران لا تحصل على السلاح الصيني لترسانتها العسكرية فقط، وإنما أيضاً لتزويد المليشيات في الدول العربية بالأسلحة الصينية. ولذا، فإن الصين تصبح مشاركة بطريقة غير مباشرة في تزويد المليشيات مثل الحوثيين بالسلاح، وعليه ينبغي على التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن التحرك في هذه المسألة وممارسة الضغط على الصين لوقف دعمها غير المباشر للمليشيات الحوثية.
في عصر روحاني، عدة أحداث وقعت تشير إلى أن إيران والصين توسعان علاقاتهما الدفاعية وسط تزايد المصالح بين البلدين، بما في ذلك التعاون الموسع في البحار والموانئ، وتبادل الأفراد العسكريين للتدريب، والتوصل إلى اتفاق دفاعي جديد لتمكين بحريتهما من استخدام منافذ بعضهما البعض بشكل متكرر. وقد تم الاتفاق على مزيد من التفاصيل خلال زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى طهران في يناير 2016. ويمكن القول أن العنوان العريض للمرحلة الثالثة هو "اتجاهات جديدة في العلاقات الدفاعية الصينية - الإيرانية".
كما أشرنا سابقاً، بأن في العقد الماضي تقلبت العلاقات الدفاعية بين الصين وإيران، وكانت في صعود وهبوط وبين المد والجزر، وإلى حدٍ ما حلت الصين محل روسيا كمزود رئيسي لإيران بالأسلحة. [أنظر: China and the Iranian Nuclear Crisis: Between Ambiguities and Interests ، صفحة 235]. بيد أن العلاقات الدفاعية بين الصين وإيران أصبحت أكثر قوة من بعد عام 2013 مع وصول روحاني للرئاسة وبعد توقيع "الصفقة النووية" ورفع العقوبات عن إيران، فالأعوام من 2013 إلى 2017 تعتبر العصر الذهبي للتعاون العسكري الصيني - الإيراني. ومع ذلك، هناك مجالين عسكريين في فترة من الفترة كانت تسير في اتجاه عكسي وكان التعاون يتراجع. الاتصالات العسكرية الثنائية في مجالين تستدعي الوقوف عندها:
بعد عام 2013، تم تبادل الزيارات العسكرية رفيعة المستوى بين الصين وإيران. لذا، يتعلق المجال الأول بالتبادلات العسكرية عالية المستوى. للتنويه، خلال الأعوام من 1996 إلى 2013 لم يتم النشر أو الإعلان للعامة عن جميع التبادلات بين جمهورية الصين الشعبية وضباط الجيش الإيراني سوى عدد قليل منها. [مصدر سابق، أنظر: "China and Iran: Ancient Partners in a Post-Imperial World"، (الصين وإيران: الشركاء القدامى في عالم ما بعد الإمبراطورية)، صفحة 172]. ووفقاً للبيانات الواردة في أوراق الدفاع النصف السنوية لجمهورية الصين الشعبية، تضمنت أحدث تبادل كان في عام 2003 عندما زار قائد قوة التعبئة بالحرس الثوري الإيراني لبكين في أكتوبر 2003. [أنظر: "China: 2004 White Paper on National Defense Published, Appendix III"، (الصين: 2004 تقرير حكومي رسمي حول الدفاع الوطني، الملحق الثالث)].
بينما في عام 2014 وحده شهد اثنين من هذه الزيارات. الأول عندما زار وزير الدفاع الإيراني حسين دهقان الصين في مايو 2014، واجتمع مع نائب رئيس اللجنة العسكرية المركزية الجنرال فان تشانغ لونغ، وعضو مجلس الدولة يانغ جيتشي، ووزير الدفاع الجنرال تشانغ وان تشيوان. وخلال لقائه مع تشانغ صرح دهقان بأن الغرض من زيارته تعزيز التعاون في المجالين: الصناعة الدفاعية والقوات المسلحة بين البلدين. وبالمثل، أبدى تشانغ رأيه بأن العلاقات الودية بين الجيشين ستتطور أكثر بفضل الجهود المشتركة من كلا الجانبين. [أنظر: Dehghan visited Beijing].
والثاني، عندما زار قائد البحرية الإيرانية الأدميرال حبيب الله سياري الصين في أكتوبر 2014. ووفقاً للجريدة الرسمية لجيش التحرير الشعبي الصيني، كانت هذه أول زيارة يقوم بها قائد البحرية الإيرانية إلى جمهورية الصين الشعبية. خلال زيارته، التقى سياري بقائد بحرية جيش التحرير الشعبي الصيني الأدميرال وو شنغ لي، والجنرال تشانغ، وقام بزيارات إلى أسطول بحر الشمال وأسطول البحر الشرقي وأكاديمية الغواصات. وقال وو لسياري إن الصين تأمل في تعزيز الزيارات رفيعة المستوى واتصالات الموانئ، وكذلك التعاون التكنولوجي والتعاون في تدريب الأفراد. وخلال زيارته أوضح سياري بأن إيران تهدف إلى تحقيق تعاون أكبر مع الصين في مجالات مكافحة القرصنة والمساعدة الإنسانية / عمليات الإغاثة من الكوارث، وكذلك في مجال حماية خطوط الملاحة البحرية. [أنظر: PLA Daily، صحيفة جيش التحرير الشعبي الصيني].
لعل السبب يرجع إلى أن إيران خلال الأعوام من 1996 إلى 2013 كانت إلى حدٍ ما مقيّدة بالرقابة الدولية وتحت طائلة العقوبات، ولذلك كانت الحركة الصينية والإيرانية مقيّدة، وبالتحديد الصين كانت تتوخى الحذر بعدم الانطلاق العلني في العلاقة مع إيران. في حين في عصر روحاني ومع التقارب بين إيران والكتلة الغربية والدخول في المفاوضات النووية تحررت الصين وأصبحت أكثر قدرة على الحركة بالمكشوف، وبالتالي انطلقت الزيارات والتبادلات العسكرية الصينية الإيرانية.
تعتقد إيران أن المجال الاستراتيجي والاقتصادي الأول والأهم لها هو الطريق التجاري البحري للخليج العربي وبحر عُمان وبحر العرب، ومن جهة أخرى بحر الأحمر ومضيق باب المندب وخليج عدن والممرات البحرية. منذ عام 2008، تنشر مجموعات المهام للبحرية الإيرانية في مياه الخليج العربي وبحر عُمان وفي الطرق البحرية قبالة الصومال، كما شاركت على نطاق واسع في عمليات الأمم المتحدة لمكافحة القرصنة في خليج عدن. ثم امتدت طهران آفاقها البحري مع تركيز مستحدث على المياه الآسيوية، وكثفت من نطاق انتشارها حيث كانت على اتصال مع موانئ بعيدة مثل الصين ومضيق ملقا والهند وسيرلانكا. [أنظر: "Iran’s Navy: Asian Ambitions?"، (البحرية الإيرانية: الطموحات الآسيوية؟)].
من ناحية أخرى، تعد الصين قوة بحرية صاعدة وتأمل ذات يوم أن تدخل بقوة لاخراج الوجود الأميركي البحري في آسيا، وتسعى إيران إلى استخدام قواتها البحرية الأكثر تواضعاًً، ولكنها تنتهج التكتيكات غير المتماثلة، لفرض هيمنتها في إقليم الخليج العربي. لذلك، فإن الميزة الثانية لتجديد التعاون العسكري بين الصين وإيران كانت في مجال الدبلوماسية البحرية، وعلى وجه الخصوص الزيارات المتبادلة بين الموانئ البحرية للبلدين. في الواقع، هاتين الزيارتين التي كانت في عامي 2013 و 2014 أسفرت لأول مرة عن زيارة سفن بحرية الدولتين لتبادل الزيارات بينهما.
أولاً، في مارس 2013، قامت المدمرة الإيرانية سابالان وحاملة المروحيات خارك بزيارة إلى ميناء تشانغ جيا قانغ بمقاطعة جيانغسو. وقد ذكرت الصحافة الإيرانية أن الغرض من الزيارة هو توصيل "رسالة السلام والصداقة" الإيرانية إلى الصين ودول شرق آسيا الأخرى. وقد أرادت إيران توصيل رسالة بأن قواتها البحرية متواجدة في المياه الدولية بما في ذلك المياه الآسيوية. على سبيل المثال، في خطاب ألقاه قائد القوات البحرية الإيرانية الأدميرال حبيب الله سياري في عام 2013 عن أهمية المحيط الهندي الشمالي الشرقي وجنوب شرق آسيا بالنسبة لإيران، بسبب حركة السفن التجارية عبر مضيق هرمز في الخليج العربي وباب المندب في خليج عدن والبحر الأحمر ومضيق ملقا في جنوب شرق آسيا. وأعلن أيضاً أن سفينتين من القوات البحرية الإيرانية قد انتشرتا في ميناء تشانغ جياغانغ الصيني. كان وصول سفن القوات البحرية الإيرانية إلى الميناء مهماً على أكثر من جبهة. أولاً، إن تشانغ جياغانغ هو ميناء بحري رئيسي، وهو القاعدة الرئيسية لأسطول بحر الصين الجنوبي. ثانياً، إن الميناء يمثل العُقدة الرئيسية لربط تجارة النفط في الصين.
ثانياً، في سبتمبر 2014، قامت سفينتان من بحرية جيش التحرير الشعبي الصيني بزيارة ميناء بندر عباس لمدة خمسة أيام، وهو ميناء إيراني رئيسي يقع على طول مضيق هرمز. أجرت الصين وإيران، لأول مرة في التاريخ، مناورات بحرية مشتركة في المياه الإيرانية، مما وفر لبكين حضوراً استراتيجياً قيِماً في أحد أهم خطوط الملاحة البحرية. شاركت سفن جمهورية الصين الشعبية وهي المدمرة تشانغ تشون والفرقاطة تشانغ تشو، وكلاهما كانتا في رحلة عودتهما إلى الصين بعد إجراء عمليات مكافحة القرصنة في خليج عدن. اشتملت الزيارة على لقاءات بين ضباط بحرية جيش التحرير الشعبي الصيني وقادة المنطقة الأولى للدفاع الساحلي للبحرية الإيرانية وأسطولها الجنوبي، فضلاً عن التواصل بين البحارة الإيرانيون والصينيون. خلال الزيارة، أشار أميرال قيادة السفينتين لبحرية جيش التحرير الشعبي الصيني إلى أن التعلم المتبادل سيؤدي إلى علاقات تعاون أقوى بين البحريتين. وعقب الزيارة، عقدت السفن البحرية من كلا الجانبين تدريبات مشتركة تركز على التشكيل والاتصالات. [أنظر: "China: White Paper on National Defense Published, Appendix III"، (الصين: تقرير حكومي رسمي حول الدفاع الوطني، الملحق رقم 3)].
بالنسبة للصين، يوفر التحالف البحري الإيراني محطة توقف مناسبة في الطريق الذي تسعى إليه بكين لتمديد يدها الطولي في أفريقيا، وفرصة ترابط علاقات العمليات بين الصين وإيران إلى حدٍ كبير. إن تعميق الشراكة البحرية الصينية الإيرانية يمكن أن يكون أيضاً فوزاً إضافياً لطهران. حيث تفتخر إيران غالباً بخطط تحديث أسطولها، لكنها تظل محدودة بعدد من الغواصات التي تعمل بالديزل والكهرباء (تستخدم محركين، أحدهما يعمل بالكهرباء والآخر يعمل بالديزل)، وحفنة من سفن الفرقاطة، وفقاً لما ذكره تقرير صادر عن المعهد البحري للولايات المتحدة. قد يكون هذا مجرد بداية لتحالف بحري ناشئ يمتد من المحيط الهادئ إلى الخليج العربي. [أنظر: Iran and China deepen a 'blue water' friendship - The Washington Post].
الخبراء الإيرانيون منذ عام 2013 كانوا يتوقعون بأن الصين قد تنشئ في نهاية المطاف علاقة دفاعية رسمية مع إيران، بل إن البعض منهم ذهب إلى أبعد من ذلك، فقد توقع الخبير الإيراني كفاح أفراسيابي: "بأنه قد لا يمر وقت طويل قبل أن تسعى إيران إلى إقامة قاعدة عسكرية صينية على الأراضي الإيرانية لتعويض وتعزيز أمنها. وأضاف: هذا، بلا شك، توقع سابق لأوانه. ومع ذلك، فإن المنطق في القلب حساً وحجة". وربما عبر تأجير مرافق ومنشآت بحرية قد تساعد قوات جيش التحرير الشعبي الصيني في تأمين الممرات البحرية التي تستخدمها الصين للحصول على الطاقة من الشرق الأوسط ، فإن هذا يبدو من غير المرجح، على الأقل في المستقبل المنظور. [أنظر: "A Chinese Military Base in Iran"، (قاعدة عسكرية صينية في إيران؟)، نقلاً عن صحيفة Asia Times].
وتأكيداً لتوقعاتهم في 14 نوفمبر 2016، قام وزير الدفاع الصيني "تشانغ وان تشيوان" بزيارة لطهران بدعوة رسمية من وزیر الدفاع الإيراني "حسين دهقان"، وأثناء زيارته تم التوقيع على اتفاقية دفاع عسكري رسمية، ودعى الجانبان إلى تحديد موعد لاجراء مناورات عسكرية مشتركة. [أنظر: Iran Signs Defense-Military Agreement with China, Calls for Joint Military Drills].
ومن خلال مراقبة ومتابعة لوسائل الإعلام الإيرانية المتشددة نكتشف بأن، بينما يعارض بعض المحافظين وقادة الحرس الثوري التواصل الدبلوماسي والاقتصادي لحكومة روحاني مع الغرب، فإنهم يدعمون إلى حدٍ كبير تعميق العلاقات بين إيران والقوى الآسيوية مثل الصين وروسيا.
فيما يلي نبذة مختصرة عن ارتفاع وتيرة التبادلات الرسمية والأحداث الرئيسية للتعاون العسكري ودبلوماسية الدفاع الصينية - الإيرانية في عصر روحاني:
مارس 2013: زيارة سفيتنات من البحرية الإيرانية لميناء تشانغ جيا قانغ.
مايو 2014: تبادل رفيع المستوى، وزير الدفاع الإيراني يزور الصين.
سبتمبر 2014: زيارة أسطول البحرية الصينية لأول مرة إيران، حيث قامت سفينتا تشانغ تشون وتشانغ تشو من الدفعة الـ17 التابعة لأسطول الحراسة البحرية الصينية بزيارة ميناء بندر عباس.
أكتوبر 2014: تبادل رفيع المستوى، قائد القوات البحرية الإيرانية يزور الصين.
يناير 2016: زار الرئيس الصيني "شي جين بينغ" إيران وهو أول زعيم عالمي يزور إيران بعد توقيع "الصفقة النووية" ورفع العقوبات عن إيران. وخلال زيارة شي، رفعت بكين مستوى العلاقات الثنائية مع طهران إلى مستوى شراكة إستراتيجية شاملة. في الوقت نفسه، أوضح الرئيس الصيني أن بلاده لا تبحث عن وكلاء أو تحاول ملء أي "فراغ" في منطقة الشرق الأوسط، بل تطمح لبناء "شبكة من الشراكات التي تحقق المنفعة المتبادلة".
نوفمبر 2016: وزير الدفاع الصيني "تشانغ وان تشيوان" في زيارة لطهران بدعوة رسمية من وزیر الدفاع العمید "حسين دهقان".
نوفمبر 2016: وقعت إيران اتفاقية دفاع عسكري مع الصين وتدعو إلى تدريبات عسكرية مشتركة.
يونيو 2017: مناورات عسكرية إيرانية صينية مشتركة في مياه مضيق هرمز وبحر عُمان، أجرى البحريتان تدريبات بحرية مشتركة في الجزء الشرقي من مضيق هرمز وبحر عُمان مع قطع بحرية إيرانية، ومدمريتن صينيتين وحوالي 700 من أفراد البحرية الإيرانية.
سبتمبر 2018: قام العميد أمير حاتمي وزير الدفاع لزيارة بكين، واجتمع بنظيره الصيني وي فنغ خه، وأكدوا على تعزيز التواصل الاستراتيجي وتوسيع مجالات التعاون، وتحقيق نتائج مثمرة جديدة للتعاون بين الجيشين، وبالتالي المساهمة في تطوير شراكة استراتيجية شاملة بين الدولتين.
ابريل 2019: زيارة قائد البحرية الإيرانية الأدميرال حسين خانزادي للصين لحضور الذكرى السبعين لتأسيس قوات جيش التحرير الشعبي الصيني، والتقائه بنظيره الصيني في بكين، وصرح بأن إيران ستزيد العلاقات البحرية مع الصين في شمال المحيط الهندي.
ما ورد أعلاه، نبذة مختصرة عن التبادلات والتطورات تمثل الأنشطة من النوع العادي التي تحدث بين العديد من القوات المسلحة في دول كثيرة، لكن الهدف من استعراضنا لهذه الأنشطة لتوضيح ما يجري في عهد روحاني وفي عصر ما بعد التوقيع على الصفقة النووية. فالصين تعقد تبادلات رفيعة المستوى مع ضباط من العديد من الدول كل عام، وتقوم بشكل روتيني بزيارات إلى الخارج منذ منتصف الثمانينات. [أنظر: China’s Out of Area" "Naval Operations: Case Studies, Trajectories, Obstacles, and Potential Solutions، (العمليات البحرية خارج الصين: دراسة الحالة والمسارات والعقبات والحلول المحتملة)]. علاوة على ذلك، منذ منتصف الألفية، وسعت الصين من دبلوماسيتها البحرية في مناطق بعيدة عن حدودها. وكان هذا جزءًا من "المهام التاريخية الجديدة" التي أوضحها الرئيس آنذاك "هو جين تاو" في عام 2004، والتي تتطلب من جيش التحرير الشعبي أن يكون مستعداً لحماية المصالح الوطنية للصين الآخذة في التوسع في مناطق مثل الشرق الأوسط. [أنظر: The PLA's Domestic and Foreign Activities and Orientation, (شهادة أمام لجنة المراجعة الأمنية والاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين)].
وبالمثل، قامت إيران بإستنساخ التجربة الصينية وتطوير دبلوماسيتها البحرية في السنوات الأخيرة من أجل "عرض العلم" وإظهار قدرتها على القيام بعمليات خارج المنطقة. [أنظر: "Iran's Evolving Maritime Presence"، (تطور التواجد البحري الإيراني)].
ومع ذلك، فإن توقيت تطورات الدبلوماسية البحرية الصينية وأنشطتها مع إيران يثير بعض التساؤلات المثيرة للاهتمام. كجزء من مشاركتها في عمليات مكافحة القرصنة الدولية في خليج عدن، أجرت بحرية جيش التحرير الشعبي الصيني زيارات متعددة للموانئ في الشرق الأوسط منذ عام 2008. [أنظر: No Substitute for Experience: Chinese Anti Piracy Operations in the Gulf of Aden, U.S. Naval War College, China Maritime Studies, No. 1، (لا بديل عن الخبرة: العمليات الصينية لمكافحة القرصنة في خليج عدن، كلية الحرب البحرية الأميركية، الدراسات البحرية الصينية العدد 1)].
لماذا إذن، لم تقم سفنها بزيارة إيران حتى عام 2014؟، وقد حظي جيش التحرير الشعبي الصيني بفرص عديدة منذ عام 2003 للتواصل والاتصال علناً وعلى مستوى رفيع مع نظرائه الإيرانيين. الآن، السؤال الرئيسي؛ لماذا لم تفعل ذلك قبل عام 2014؟، ولماذا في عهد روحاني وعصر المفاوضات النووية ومن ثم التوقيع على الصفقة ورفع العقوبات عن إيران؟.
يمكننا القول بأن التفسير المحتمل للتوسع المتزايد في العلاقات الدفاعية الصينية - الإيرانية منذ عام 2013 بسبب التقدم في العلاقات الثنائية الشاملة الذي أعقبته؛ أولاً: مع انتخاب حسن روحاني رئيساً لإيران في أغسطس 2013، وثانياً: النهم الصيني المتزايد والمتنامي لاحتياجاتها للطاقة في عام 2014، وثالثاً: المفاوضات مع إيران والتوقيع على الصفقة النووية مع الدول الخمس +1، رابعاً: التقارب الإيراني مع الكتلة الغربية، ورفع العقوبات عن إيران. كل هذه العوامل مجتمعة قد دفعت بكين إلى رفع مستوى تركيزها على توثيق علاقات أعمق وأقرب مع طهران. وقد تم تحديد نمط العلاقات الثنائية في اجتماع بين الرئيس الصيني شي جين بينغ والرئيس الإيراني روحاني على هامش قمة منظمة شنغهاي للتعاون في "بيشكيك" قيرغيزستان في سبتمبر 2013، صرح شي جين بينغ بأن الثقة المتبادلة والتعاون بين البلدين تعمقت وتعززت. [أنظر: روحاني يجتمع مع نظيره الصيني في بيشكيك].
تجدر الإشارة بأن الرئيس الصيني شي جين بينغ كرر هذه التصريحات في الاجتماع الأخير لقمة منظمة شنغهاي للتعاون (SOC) والذي عقد قبل شهر في 14 يونيو 2019 في بيشيك قيرغيزستان، وروحاني كان مشاركاً في هذا الاجتماع، وقد جاء هذا الاجتماع بعد التفجيرات الأخيرة لناقلات النفط قبالة سواحل إمارة الفجيزة. وعلى هامش قمة قيرغيزستان صرح الرئيس الصيني شي جين بينغ بأن الصين تتعهد بتطوير العلاقات مع إيران بعد الهجوم على الناقلات، والتقى بالرئيس الإيراني حسن روحاني والرئيس الصيني وعده بتطوير العلاقة بغض النظر عن كيفية تغير الوضع، وأكد من جديد استعداد بكين لتطوير العلاقات مع إيران حتى في الوقت الذي وضعت فيه الولايات المتحدة اللوم بشكل مباشر على طهران في الهجوم على ناقليتي نفط قرب مضيق هرمز. [أنظر: China vows to develop ties with Iran after attack on tankers].
وفي مايو 2014 خلال الاجتماع الثاني بين الرئيسين الصيني والإيراني، صرح شي بأن البلدين سيتعاونان في جميع المجالات، مشيراً إلى مشاريع النفط والغاز والتبادلات رفيعة المستوى ومكافحة الإرهاب كأمثلة. على النقيض من ذلك، ركزت الاجتماعات السابقة بين الرئيس الصيني السابق "هو جين تاو" وسلف روحاني محمود أحمدي نجاد، على مخاوف جمهورية الصين الشعبية حول البرنامج النووي الإيراني. على سبيل المثال، خلال اجتماع عُقد في يونيو 2012، قيل بأن الرئيس الصيني السابق "هو جين تاو" قد حث أحمدي نجاد على "موازنة الوضع" وتبني نهج "المرونة والبراغماتية" تجاه المفاوضات النووية. [ أنظر: China urges Iran to show flexibility, pragmatism، اسوشيتد برس].
بالنظر من هذه الزاوية، يبدو أن تعزيز العلاقات الدفاعية الإيجابية يعكس باعطاء الأولوية للدبلوماسية الأوسع تحت حكم شي جين بينغ وحسن روحاني.
القضية الأساسية هي ما إذا كان التعاون الدفاعي بين بكين وطهران يتوسع بطريقة تعرّض المصالح الأميركية للخطر. أشار تقرير "التوجيه الاستراتيجي الدفاعي" الصادر عن وزارة الدفاع الأميركية لعام 2012 إلى كل من الصين وإيران باعتبارهما يمثلان تحدياً للقوات الأميركية عبر تبنيهما إستراتيجية "المنطقة المحرّمة/منع الولوج A2/AD". [أنظر: Sustaining U.S. Global Leadership: Priorities for 21st Century Defense تقرير وزارة الدفاع الأميركية لعام 2012].
هناك العديد من الأدلة والبراهين التي تؤكد على أن الصين وإيران يتعاونان في مجالات حساسة قد تؤدي إلى تفاقم تحدي "المنطقة المحرّمة/منع الولوج A2/AD". على سبيل المثال، يعتقد بعض الخبراء الغربيين أن "شركات صينية حاولت نقل تكنولوجيا الدفاع الجوي المحمولة إلى إيران في مارس 2013". [أنظر: China’s Role in Iran’s Anti-Access / Area Denial Weapons Capability Development].
باختصار، بدء التعاون الدفاعي الصيني الإيراني في تحقيق أهدافه على عدة مراحل: المرحلة الأولى بدأت في منتصف الثمانينيات حتى نهاية عقد التسعينيات، وهي مرحلة التأسيس والتمكين والصعود القوي للتعاون الدفاعي بين البلدين. المرحلة الثانية بدأت مع بداية الألفية لغاية عام 2012 وهي مرحلة ظهور وبروز إستراتيجية إيران "المنطقةالمحرّمة/منع الولوج" واتسمت هذه المرحلة بالصعود والهبوط وبين المد والجزر نظراً للقيود والعقوبات الدولية والأميركية التي كانت تكبل إيران إلى حدٍ ما وتعيق من حركة الصين. والمرحلة الثالثة بدأت من عام 2013 لغاية 2018 - 2019، وفي هذه المرحلة حقق التعاون الدفاعي بين البلدين طفرة قوية حيث ارتفعت نسبة الزيارات المتبادلة بين قيادات الجيشين والاتصالات البحرية في موانئ البلدين، والأهم من ذلك مع بدء مفاوضات الصفقة النووية تم إضفاء الشرعية الدولية على التعاون الدفاعي الصيني الإيراني. وبالنظر إلى أن الصين و إيران تتميزان بأنهما تشكلان تحديات مضادة للقوات الأمريكية، فإن أي مستوى من التواصل العسكري بين البلدين من المفترض أن يكون سبباً لاستمرار التدقيق في علاقتهما العسكرية، واكتساب نظرة ثاقبة في الديناميات الإستراتيجية والسياسية المؤدية إلى تعاون أوثق بين البلدين. وبالتالي، من الصعب تخيل تحالف دفاعي إيراني صيني رسمي وقانوني ومعلن عنه للعلن ومعترف به، بالنظر إلى الآثار السلبية المترتبة على مثل هذا الإجراء وعلى الأرجح على علاقات الصين مع الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي وبالتحديد المملكة العربية السعودية المُصّدر الأكبر والأهم للطاقة.
كما وضحنا في هذا القسم من التقرير، دور الصين الرئيسي في تطوير وتحديث القدرات العسكرية الإيرانية وتزويدها بالأسلحة ومشاركة خبراء وفنيين ومهندسين صينيين في قطاع الصناعة الدفاعية الإيرانية واضح وجلي. وأن المساعدة الصينية لإكتساب إيران "المعرفة" العسكرية Know-how، ومبادرات نقل الأسلحة الصينية ومشاركة التكنولوجيا الصينية، المصممة لزيادة عائدات تجارة الأسلحة، وتعزيز النفوذ الصيني في المناطق الاستراتيجية، سهلت من إبراز إيران في الشرق الأوسط، خاصة في عالم "المنطقة المحرّمة/منع الولوج A2/AD". إن التطورات الأخيرة في القدرات الإيرانية للصواريخ المضادة للسفن والأنظمة المضادة للطائرات والمنطقة المحرّمة، وخاصة في سياق محاولة طهران المتزايد والعلني في تطوير أنظمة الصواريخ المضادة للسفن والصواريخ الباليستية والمقذوفات الجوالة (الكروز)، جعلت واشنطن النظر إلى إيران بأنها تمثل بُعداً من أبعاد انتشار القوة الصينية في الخليج العربي.
الـــفـــــصـــــــــل الــــرابـــــــــع
دور الصين في تصنيع الصواريخ الباليستية والكروز الإيرانية والبرنامج النووي الإيراني
أولاً: دور الصين في تصنيع الصواريخ الباليستية ومقذوفات الكروز
عندما بدأت الحرب الإيرانية - العراقية عام 1980، لم يكن لدى إيران صواريخ أرض - أرض (surface-to-surface missile - SSM)، ومع وصول تلك الحرب إلى طريق مسدود بحلول عام 1983 وتطورت إلى حرب استنزاف مع محاولة الجانبين تآكل الآخر، أصبحت الصواريخ أكثر أهمية، وأصبح يشكل هاجس وقلق لإيران نظراً لأن العراق كانت أكثر تقدماً في مجال الصواريخ. ولذلك تبنت إيران حلاً ذا مسارين لسد النقص الذي تعانيه في هذا المجال:
أولاً، اشترت صواريخ أرض - أرض من ليبيا وسوريا وكوريا الشمالية، وربما من الاتحاد السوفيتي.
ثانياً، بدأت في تطوير قدرة إنتاج محلية لأنواع مختلفة من الصواريخ. ولتطوير قدرة إنتاجية محلية، أصبحت الصين وكوريا الشمالية شريكتين رئيسييتن لإيران. أنشأت طهران قسم أو جهاز للعمل في تعاونها الصاروخي مع كوريا الشمالية والصين. في سعيها للحصول على قدرة صاروخية شاملة، أرادت طهران إتقان تقنيات الوقود السائل والوقود الصلب. تمكنت كوريا الشمالية من تلبية احتياجات إيران في مجال الوقود السائل، في حين قدمت الصين لإيران احتياجاتها فيما يتعلق بصواريخ الوقود الصلب - وهي تقنية تميل إلى أن تكون أكثر دقة وسرعة في إطلاق النار وموثوقية وأكثر أماناً لطاقم الإطلاق. يبدو أن مساعدة الصين في تطوير وتصنيع الصواريخ تم الاتفاق عليها خلال زيارتي رفسنجاني في عام 1985، وعلي خامنئي في عام 1989، لبكين.
فيما يتعلق بالعلاقة بين بكين وبيونغ يانغ في دعمهما المشترك لجهود تطوير الصواريخ الإيرانية، لا يُعرف سوى القليل جداً. لكن على ما يبدو أن هناك ترابط وربط كبيرين بين هاتين العاصمتين مع طهران، بعبارة أخرى كانوا يتبادلون الأدوار بينهما، وطهران هي التي عملت على تقسيم العمل بينهما بحيث يظهر إسم كوريا الشمالية في التقارير الدولية أكثر من إسم الصين حتى تبقى بكين بعيدة عن الانتقادات الدولية والمراقبة. بحسب التقارير والمصادر تقول بأن إيران استخدمت طرق في تقسيم العمل لخداع المجتمع الدولي، جلبت إيران واحدة أو أخرى من هاتين الدولتين، أو دولة ثالثة بحسب ما تُملي عليها احتياجاتها.
ومع ذلك، سهلت بكين تعاون كوريا الشمالية في مجال الصواريخ مع ايران. بحسب تقارير الاستخبارات الأميركية تشير بأن الصين مرارا وتكرارا سمحت لطائرات الشحن الإيرانية المتجهة إلى كوريا الشمالية بعبور المجال الجوي الصيني للسفر إلى كوريا الشمالية لتحميل الصواريخ و / أو مكونات الصواريخ. [أنظر: China and Proliferation of Weapons of Mass Destruction and Missiles: Policy Issues].
في عام 1983، قيل إن إيران وافقت على المساهمة في تمويل جهود كوريا الشمالية في الهندسة العكسية لصاروخ سكود بي Scod-B. [أنظر: Commission to Assess the Ballistic Missile Threat to the United States, Appendix III: Unclassified Working Papers]. الذي بدأ تشغيله مع القوات السوفيتية في عام 1967 وهو صاروخ يعمل بالوقود السائل على مرحلة واحدة ويبلغ مداه 300 كيلومتر. في أواخر أكتوبر 1983، أجرى رئيس الوزراء الإيراني مير حسين موسوي ووزير الدفاع محمد سالم محادثات في بيونغ يانغ حول الدعم المالي الإيراني طويل المدى لبرنامج سكود بي الكورية الشمالية. تم التوصل إلى اتفاق مع التمويل الإيراني الذي يؤمن لطهران خيار شراء نماذج الإنتاج عند توفرها. [أنظر: History of North Korean missile development].
خلال الحرب مع العراق، اشترت إيران ما بين 200 إلى 300 صاروخ من صواريخ سكود بي الكورية الشمالية. وبحلول أواخر التسعينيات، كانت إيران تنتج محلياً بمساعدة من كوريا الشمالية والصين، إصداراً متقدماً من طراز Scud-B يبلغ مداه 500 كيلومتر. [أنظر: Iranian Arms Transfers: The Facts].
قدمت الصين دعماً هندسياً لتطوير مجموعة Scud-B المدعومة من إيران بدعم من كوريا الشمالية. تدريب الموظفين الكوريين الشماليين على تصميم وإنتاج المحركات وتصميم إطار الجو والمعادن، بالإضافة إلى توفير أدوات آلية عالية الجودة لتصنيع المكونات بدقة. [أنظر: A History of Ballistic Missile Development in the DPRK، وكذلك أنظر: CNS Special Report on North Korean Ballistic Missile Capabilities، وأنظر: Iran's Ballistic‐Missile and Space Program: An Assessment].
لم تكن علاقة التبادل التكنولوجي بين الصين وإيران في اتجاه واحد. تلقت الصين بعض التكنولوجيا العسكرية المتقدمة من خلال التعاون مع إيران. من المهم أن نتذكر أنه في أوائل الثمانينيات من القرن الماضي، كان جيش التحرير الشعبى الصينى بعيداً عن القوة التكنولوجية المتطورة التي أصبحت عليه فيما بعد. جيش التحرير الشعبى الصينى كان بحاجة ماسة إلى رفع مستوى التكنولوجيا. في وقت مبكر من الحرب الإيرانية العراقية، وعدت إيران بمنح الصين إمكانية الوصول إلى أسلحة سوفيتية حديثة الطراز تم الاستيلاء عليها من العراق. كما استولت إيران على صواريخ فرنسية الصنع من القوات العراقية، وربما تكون قد شاركت هذه التكنولوجيا مع المهندسين الصينيين. وبحسب ما ورد سمحت إيران للمهندسين الصينيين بدراسة طائرة F-4 Phantom، وهي قاذفة مقاتلة قوية زودتها الولايات المتحدة إلى إيران في سبعينيات القرن الماضي. حصلت الصين أيضاً من إيران على تكنولوجيا التزود بالوقود جواً. لسنوات عديدة سعى جيش التحرير الشعبى الصينى نحو الحصول على هذه التكنولوجيا لتمديد الوقت التشغيلي لطائرة جيش التحرير الشعبى الصينى على جزر سبراتلي. بعد سنوات من الفشل في هذا الجهد، في عام 1991 حصلت الصين على هذه التكنولوجيا من إيران. كانت أميركا زودتها إلى إيران إبان عهد الشاه، وهندستها العكسية من قبل أفراد إيرانيين وصنعت في إيران. [أنظر: مصدر سابق، "China and Iran: Ancient Partners in a Post-Imperial World"، (الصين وإيران: الشركاء القدامى في عالم ما بعد الإمبراطورية)، صفحة 178].
كما باعت الصين مجموعة من طائرات ميغ 29 التي نقلها العراق (صدام حسين) إلى إيران خلال حرب الخليج عام 1991 لتفادي تدميرهم في الحرب. ذُكر أن الصين خططت لاستخدام محركات MiG-29 إلى جانب محركات جديدة تم شراؤها من روسيا لإنتاج مقاتلة حديثة وهي Jian-7، نظراً لأن الجهود الصينية لتطوير محرك أصلي محلياً لم تحقق النجاح. تم تطوير القدرات الهندسية الإيرانية بشكل كبير في بعض المجالات المنفصلة، على سبيل المثال، في مجال الروبوتات، وهو مجال حاسم لتطوير أنظمة القتال غير المأهولة. كانت روسيا سخية في بعض مجالات نقل تكنولوجيا الصواريخ إلى إيران. هذا يعني أن التطوير المشترك مع إيران قد سمح للصين بالحصول على المزيد من التكنولوجيات، بمعنى إنها أيضاً حصلت على تكنولوجيا الأسلحة الروسية المتقدمة. [أنظر: مصدر سابق، "China and Iran: Ancient Partners in a Post-Imperial World"، (الصين وإيران: الشركاء القدامى في عالم ما بعد الإمبراطورية)، صفحة 178].
ركزت مساعدة الصين المباشرة للصواريخ الباليستية لإيران خلال حرب الثمانينيات في البداية على صواريخ المدفعية الثقيلة والمتوسطة المدى والقصيرة المدى والمطلوبة للاستخدام الفوري ضد القوات العراقية. ساعدت الصين إيران في استنساخ وإنتاج صاروخ مدفع صيني من نوع Type-83. يبدو أن هذا التصميم الهندسي العكسي بدأ على ما يبدو في عام 1985 كجزء من الاتفاقات التي تم التوصل إليها خلال زيارة رفسنجاني. بحلول عام 1986، وفرت هذه القوات لإيران صاروخاً من عيار 320 مليمتر يصل مداه إلى 45 كم وبرؤوس حربية زنة 70 كيلوغراماً وأطلق عليه إسم "عقاب". كما زودت الصين إيران بالآلات والتكنولوجيا والخبرة التقنية لتصنيع "عقاب" محلياً. بدأ تشغيل مصنع عقاب الإيراني في سمنان، على بعد 175 كيلومتراً شرق طهران، وصل خط الإنتاج في عام 1987 إلى ألف صاروخ سنوياً. بحلول ديسمبر 1986، بدأت القوات الإيرانية باستخدام عقاب في ساحة المعركة ضد القوات العراقية. ثم دخلت إلى الإنتاج في إيران نسخة أكثر دقة من عقاب بإسم فجر-3 (Fajr-3) وذلك في أواخر عام 1989. [أنظر: مصدر سابق، "China and Iran: Ancient Partners in a Post-Imperial World"، (الصين وإيران: الشركاء القدامى في عالم ما بعد الإمبراطورية)، صفحة 186].
ساعدت الصين إيران أيضاً في تطوير وتصنيع فئة أخرى من صواريخ المدفعية الثقيلة، صاروخ نازعات وهي سلسلة من الصواريخ الباليستية القصير المدى ذات الوقود الصلب. كانت هذه الصواريخ من 356-450 ملم، يتراوح مداها بين 80 و 120 كيلومتراً. دخلوا الإنتاج في أوائل عام 1988 في مصنع أنشأته كوريا الشمالية في أصفهان. في مارس من نفس العام، تم إطلاق صواريخ نازعات لأول مرة على المدن العراقية. شيدت الصين أيضا لإيران منشآت لتصنيع الوقود الصلب، بما في ذلك المكون الرئيسي بيركلورات الأمونيوم. [أنظر: مصدر سابق، "China and Iran: Ancient Partners in a Post-Imperial World"، (الصين وإيران: الشركاء القدامى في عالم ما بعد الإمبراطورية)].
في عام 1989، اشترت إيران من الصين مائتي من منظومة (CSS-8) وتعرف HQ-2J كانت هذه المنظومة في الأصل صواريخ مضادة للطائرات، ولكن تم تعديلها للهجوم الأرضي. كان المدى محدوداً إلى 150 كيلومترا والرأس الحربي صغير نسبياً؛ ومع ذلك، كان النظام رخيص وهذا الشراء سمح لإيران أن تقوم بتجديد مخزونها من صواريخ أرض - أرض بعد نضوبه خلال "حرب المدن" التي تميزت المرحلة الأخيرة من الحرب العراقية الإيرانية. يمكن أن يكون الصاروخ أيضاً سلاحاً إرهابياً ضد مدن العراق أو دول الخليج العربي. تم تجميع HQ-2J في إيران، حيث قدمت الصين المكونات بالإضافة إلى المعدات وآلات الإنتاج.
مع نهاية الحرب، دخل التعاون الصاروخي الصيني-الإيراني إلى مرحلة جديدة. خلال عام 1988 وردت تقارير بأن الصين وافقت على تزويد إيران بالتكنولوجيا اللازمة لإنتاج صواريخ أرض - أرض التي تشبه صواريخ الحسين (التي يبلغ مداها 600 كم) وصواريخ العباس (التي يصل مداها إلى 900 كم). الصاروخ الصيني (DF-15) المعروف بـ M-9 يبلغ مداه 600 كم برأس حربي 500 كغ). وذكرت التقارير أن اتفاق عام 1988 شمل التدريب الصيني للمهندسين والفنيين الإيرانيين وتوفير المستشارين الفنيين من جمهورية الصين الشعبية. كما وافقت الصين على توفير المعدات والمساعدة التقنية في تطوير البنية التحتية لتصميم واختبار وتصنيع مثل هذه الصواريخ. مع حلول عام 1989 كانت الصين تساعد إيران في إنشاء مصنع صواريخ في مدينة"شاهرود" شمال شرق إيران، لإنتاج صواريخ أرض - ارض بمدى 800 كم. وورد أن الصين ساعدت أيضاً في بناء منشأة لتجربة الصواريخ ومرفق الإطلاق بالقرب من محافظة سمنان. [أنظر: مصدر سابق، "China and Iran: Ancient Partners in a Post-Imperial World"، (الصين وإيران: الشركاء القدامى في عالم ما بعد الإمبراطورية)].
خلال المحادثات التي أجريب بين الجنرال "جيانغ هوا" نائب مدير اللجنة الحكومية للعلوم والتكنولوجيا والصناعة للدفاع الوطني الصيني (COSTIND) ووزير الدفاع الإيراني علي أكبر توركان في عام 1990، يبدو أن الصين وافقت على مساعدة إيران في إنشاء خطوط إنتاج لأنظمة الصواريخ من طراز M-9 وطراز M-11 في مصنع الصواريخ بمحافظة أصفهان.
والصاروخين يعملان بالوقود الصلب وصممت هذه الصواريخ بشكل واضح من قِبل جيش التحرير الشعبي للتصدير. تم تصميم M-11 كبديل للوقود الصلب من طراز Scud-B ويمكن إطلاقه من مركبات الإطلاق Scud-B القياسية، ولكنه كان متفوقاً على Scud الذي يعمل بالوقود السائل لأنه كان أسرع وأسهل وأكثر أماناً في إطلاق النار. [ملاحظة: أضفت اللون الأحمر لـ اللجنة الحكومية للعلوم والتكنولوجيا والصناعة للدفاع الوطني الصيني نظراً لأهمية الدور الذي قامت به هذه اللجنة في تطوير الترسانة الصاروخية لإيران].
ذُكر أن إيران وسوريا قد ساهمتا مالياً في تطوير الصين للصواريخ M-9، وقد قامتا بدفع وديعة لشراء M-9 عندما تكون متاحة. وعلى ما يبدو نفت الصين أي التزام ببيع M-9 بالكامل لدول الشرق الأوسط، لكنها مضت قدماً في مساعدة إيران (ولكن ليس سوريا على ما يبدو) في تطوير قدراتها الأصلية على إنتاج صواريخ مماثلة بشكل وثيق للصاروخ M-9. يبدو أن الصين لم تنقل صواريخ M-11 كاملة إلى إيران كما فعلت مع باكستان في عام 1992. [أنظر: مصدر سابق، "China and Iran: Ancient Partners in a Post-Imperial World"، (الصين وإيران: الشركاء القدامى في عالم ما بعد الإمبراطورية)،].
قبل أكثر من ثلاثة عقود، في ديسمبر 1988، وافقت الصين على بيع الأقمار الصناعية وتكنولوجيا الاتصالات لإيران، وتم الانتهاء من الاتفاق على هذا النحو خلال زيارة رئيس الوزراء الصيني "لي بنغ" في يوليو 1991. [أنظر: تقرير أعد لوكيل وزارة الدفاع للسياسات، Chinese Arms Production and Sale to the Third world ]. في عام 1998، انضمت إيران إلى "كونسورتيوم" تقوده الصين بما في ذلك منغوليا وكوريا الجنوبية وباكستان للقيام بتصنيع مشترك للأقمار الصناعية متعددة الأغراض.
شخصية صينية رفيعة المستوى قام بزيارة أصفهان، تشير التقارير أن خلال زيارة رئيس الوزراء الصيني "لي بنغ" إلى طهران في يوليو 1991، قام بالسفر أيضاً إلى أصفهان، والتقارير ذكرت بأنه زار عدة مجمعات للصناعات الدفاعية في أصفهان يعمل فيها الخبراء الصينيون إلى جانب الإيرانيين والكوريين الشماليين، لإنتاج أنواع مختلفة من الصواريخ. [أنظر: Secret Iranian Missile Memos]
تقرير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية للعام 1994 - 1995، ذكر أن الصين قد أرسلت إلى إيران عشرات، وربما المئات، من أنظمة توجيه الصواريخ وأدوات محوسبة لإنتاج الصواريخ. وبحسب ما ورد سمحت هذه المعدات والتقنية لإيران بزيادة دقة صواريخ سكود (الكورية الشمالية) وتيسير تطوير قدرة محلية لإنتاج الصواريخ. [أنطر: C.I.A. Report Says Chinese Sent Iran Arms Components].
في 10 سبتمبر 1992 نشرت صحيفة ديلي تليغراف اللندية، تصريح للمتحدث باسم السفارة الإيرانية في بكين بأن الصين "مستعدة لإرسال" 500 صاروخ من طراز M-11 إلى إيران. لكن على ما يبدو هذا الطلب لم ينفذ بسبب الضغوطات الأميركية، بعد أن كشفت المخابرات الإسرائيلية عن اتفاق إيراني مع الصين لتمويل تطوير صاروخ جديد يستند إلى M-9، ولكن مع أنظمة توجيه أكثر تقدماً. كانت إيران تقوم بتجميع الصاروخ محلياً.
في أوائل تسعينيات القرن الماضي، بدأت إيران في تطوير سلسلة جديدة من الصواريخ الباليستية تسمى "زلزال". وزلزال-1 يعمل بالوقود الصلب يشبه الصواريخ الصينية ويبلغ مداه 100-150 كم، وأما زلزال-2 يتراوح مداه ما بين 350 و 400 كيلومتر. تكنولوجيا هذا الصاروخ الجديد جاء من: روسيا، الصين، كوريا الشمالية، وألمانيا، مع الخبراء الصينيين الذين يقدمون المساعدة في مجال تكنولوجيا الوقود الصلب والتوجيه. [أنظر: “Special Report: The Zelzal Missile Program,” Iran Brief, September 9, 1996]. كما سلمت الصين سراً إلى إيران في أوائل التسعينيات حوالي عشرين إلى تسعين صاروخاً من صواريخ أرض - أرض طراز M-7، يبلغ مداه 160 كم ويعمل بالوقود السائل والوقود الصلب (الإثنين معاً) مع قدرة مضادة للسفن. [أنظر: Sneaking in the Scuds].
بدأت جولة جديدة من التعاون الصاروخي في أغسطس 1996 عندما زار وزير الدفاع الإيراني محمد فيروزاندي بكين، ومعه عدد من كبار القادة الآخرين في القوات البرية للحرس الثوري، لإجراء محادثات مع وزير الدفاع الصيني تشي هاو تيان. وفقاً للتقارير الصحفية الإيرانية الصادرة من طهران أشارت بأن "أبرم الجانبان بروتوكولاً لشراء أسلحة وتكنولوجيا عسكرية بقيمة 4.5 مليار دولار على مدار ثلاث سنوات". ومن بين هذه الحزمة كان 1.5 مليار دولار للصواريخ الباليستية وتكنولوجيا إنتاج الصواريخ، ومعدات إنتاج الإلكترونيات، والتدريب العسكري. كانت صواريخ كروز C-802 المضادة للسفن، والنظام الصاروخي HQ-2 SA، وقاذفات صواريخ متعددة، وجيروسكوبات، ومقاييس تسارع، ومعدات لبناء واختبار أنظمة توجيه الصواريخ جزءًا من هذه الحزمة. [أنظر: “Iran’s Chinese Shopping List,” Iran Brief, October 1, 1996"].
وقد نشر موقع جينس ديفينس ويكلي Jane’s Defence Weekly في 11 سبتمبر 1996 تقرير بعنوان: "إيران والصين في شراكة بقيمة 4.5 مليار دولار"، وأشار التقرير بأن الصين وافقت بموجب البروتوكول الذي وقعه "فيروزاندي" و "تشي" لمساعدة إيران في إنشاء مصانع لإنتاج الصواريخ، طائرات الهليكوبتر والمدفعية، وكذلك لتزويد إيران بالطائرات والصواريخ وقاذفات الصواريخ والمركبات المدرعة والشاحنات. ذكرت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية أنه خلال النصف الثاني من عام 1996 كانت الصين تقدم "مجموعة هائلة من المساعدات لبرامج الصواريخ الباليستية لإيران وباكستان". [أنظر: Rogue Or Rational State? A Nuclear Armed Iran And US Counter Proliferation Strategy].
وبالتعاون والشراكة مع الصين تم تطوير صاروخ زلزال-2 إلى صاروخ NP-110 والذي أصبح فيما بعد صاروخ فاتح-110، (في الأصل صاروخ فاتح-110 كان إسمه NP-110). كما شاركت الصين في انتاج صواريخ إيرانية كثيرة مثل صاروخ
فاتح-110 وصاروخ شهاب-3، وسوف نستعرض التعاون الصيني في إنتاج هذه الصواريخ في الجزء القادم "قائمة لبعض الصواريخ الإيرانية" من هذا القسم ضمن سياق التقرير.
لا حدود للصين تجاه تعزيز القدرات البحرية الإيرانية وقدراتها في "المنطقة المحرّمة/منع الولوج A2/AD"، فقد ساهمت في تطوير الصواريخ الإيرانية سطح - سطح. فبالإضافة إلى تزويدها بأنظمة الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز المضادة للسفن مباشرة من الصين، استخدمت إيران العديد من تصاميم الصواريخ الصينية كأساس لاستنساخ أنظمة الصواريخ المضادة للسفن لانتاجها محلياً، والتي يتم تصنيع بعضها في إيران بمساعدة صينية. تعتمد الصواريخ الإيرانية الباليستية وصواريخ الكروز المضادة للسفن في الأساس على الصواريخ والمكونات والتكنولوجيا المشتراة أساساً من الصين بالدرجة الأولى وبدرجة أقل من كوريا الشمالية. [أنظر: Commission to Assess the Ballistic Missile Threat to the United States: Appendix III: Unclassified Working Papers، (تقرير لجنة تقييم تهديد الصواريخ البالستية للولايات المتحدة: الملحق الثالث: أوراق العمل غير مصنفة)].
وإليكم قائمة لبعض الصواريخ الإيرانية المستنسخة من صواريخ صينية وبمساعدة مباشرة من الخبراء الصينين وباستخدام مكونات وتقنيات صينية:
صاروخ فاتح 110: بالتعاون والشراكة مع الصين تم تطوير صاروخ زلزال-2 إلى صاروخ NP-110 والذي أصبح فيما بعد صاروخ فاتح-110، (في الأصل صاروخ فاتح-110 كان إسمه NP-110). وهو صاروخ يعمل بالوقود الصلب، في البداية كان يبلغ مداه حوالي 170كم وبدأ برنامج تطوير هذا الصاروخ تقريباً في عام 1997، ثم في عام 2002 تم تطوير مدى الصاروخ إلى 200كم، وفي عام 2004 تم تطوير المدى إلى 250كم.
في 31 مايو من عام 2001 أعلنت اذاعة طهران عن أن إيران اختبرت بنجاح أول صاروخ أرض - أرض يعمل بالوقود الصلب. بالرغم من أن المصادر الإيرانية تقول بأن تطوير صاروخ فاتح-110 تم من قبل "شركة صناعة الطيران الحكومية الإيرانية"، إلا أن الواقع مغاير تماماً، فقد كان للصين الدور الرئيسي في تصنيع وتطوير هذا الصاروخ.
تفيد تقارير الاستخبارات المركزية الأميركية بأن الصين لعبت دوراً رئيسياً في تطوير صاروخ فاتح-110 والذي كان يعرف بـ NP-110، وأن فنيو الصواريخ الإيرانيون ذهبوا إلى الصين لمراقبة اختبار أرضي لمحرك صاروخي يبلغ قطره 450 مم لاستخدامه في صاروخ آخر جديد قصير المدى يعمل بالوقود الصلب وهذا الصاروخ الجديد هو صاروخ NP-110، والذي أصبح فيما بعد إسمه صاروخ فاتح 110 (Fateh-110) وتم تطويره عدة مرات ولسنوات امتدت من نهاية التسعينيات إلى 2010، وعلى عدة مراحل وبمديات مختلفة من 170كم، إلى 200كم ثم 250 إلى أن وصل إلى 300كم . وتفيد التقارير أن التطوير المشترك تضمن أيضاً تزويد الصين لإيران بمعدات الأشعة السينية لفحص المسبوكات الصاروخية ووقود الوقود الصلب. كان اكتساب تكنولوجيا الأشعة السينية بمثابة تقدم كبير في قدرة إيران على الإنتاج المستحدم في صواريخ الوقود الصلب. [الخبر ورد في في صحيفة واشنطن تايمز Washington Times بتاريخ 17 يونيو 1997، بعنوان: “China Joins Forces with Iran on Short-Range Missile"، وكذلك في صحيفة تايمز أوف إنديا Times of India بتاريخ 18 يونيو 1997، بعنوان: “China, Iran Align to Develop Short-Range Missiles: Report”، صفحة رقم 14، أنظر: تقرير لجنة تقييم تهديد الصواريخ البالستية للولايات المتحدة].
بعد بضع سنوات، أفادت التقارير أن الصين أقامت في إيران مصنعاً لتصنيع محرك لصاروخ NP-110 (صاروخ فاتح 110). بحلول نهاية التسعينيات، كانت الصين تدرب عشرة من العلماء الإيرانيين على تقنيات التوجيه بالقصور الذاتي وتقوم بتزويد إيران بالفولاذ المتخصص في تصنيع الصواريخ. [أنظر: "China and Iran: Ancient Partners in a Post-Imperial World"، (الصين وإيران: الشركاء القدامى في عالم ما بعد الإمبراطورية) صفحة 188].
صاروخ شهاب-3: كما دعمت الصين في عام 1998 الجهود الإيرانية لإنتاج صاروخ أحادي الطور جديد من نوع واحد، يبلغ مداه 800-1,240 كيلومتراً، وهو شهاب-3. ثم في السنوات اللاحقة قاموا بتطوير الصاروخ وزادوا من مدى الصاروخ.
الدعم الصيني منذ عام 1998 في جهود انتاج صاروخ شهاب كان واضح وجلي، بينما كان الصاروخ شهاب يعتمد على تكنولوجيا الوقود السائلة الكورية الشمالية مع دمج للتكنولوجيا الروسية والكورية الشمالية بشكل أساسي، قدمت الصين لصاروخ شهاب على ما يبدو تكنولوجيا التوجيه والتحكم، بالإضافة إلى الفولاذ المتخصص في تصنيع الصواريخ. [التقرير السنوي لموقع جينس ديفينس Jane’s Strategic Weapons Systems، نقلاً عن: National Intelligence Council، وكذلك: Report for Congress].
في عام 1997، قامت مجموعة شركة سور الصين العظيم للصناعة Great Wall Industrial Corporation وهي شركة متخصصة في إطلاق الأقمار الصناعية - بتوفير البنية التحتية لاختبار القياس عن بُعد بالكامل، واختبار إطلاق الصواريخ لدعم برنامج تطوير صواريخ شهاب. في أواخر التسعينيات، أفادت التقارير بأن أكثر من مائة من أخصائي الصواريخ الصينية والكورية الشمالية كانوا يعملون في إيران لتطوير صواريخ شهاب. في يوليو 1998، أجرت إيران اختباراً أوليّاً لصاروخ شهاب-3. الاختبارات النهائية لشهاب-3 تم إجراؤها في يوليو 2003، وتم تسليم السلاح رسمياً إلى القوات المسلحة الإيرانية. [أنظر: تقرير كوكس، الفصل الرابع، نشر بصحيفة واشنطن بوست: "The Cox Report: Chapter 4"، PRC Missile and Space Forces،]
في مايو 2002، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على خمس شركات صينية لتزويدها بتكنولوجيا لصواريخ شهاب-3. وهذا يعني أن بإنتاج إيران صاروخ شهاب-3 بمدى يصل إلى 930 كم سوف تصبح قواعد الولايات المتحدة في تركيا داخل مدى صاروخ شهاب-3؛ ذكر تقرير لوكالة الاستخبارات المركزية (CIA) في الاصدار النصف الثاني من عام 2003 أن الكيانات الصينية استمرت في مساعدة إيران "على المضي نحو هدفها المتمثل في أن تنتج الصواريخ الباليستية إنتاجاً ذاتياً"، فضلاً عن تزويد الصين لإيران بالعناصر ذات الصلة بالصواريخ وهي مواد ذات الاستخدام المزدوج، وكذلك تزويد إيران بالمواد الخام والمساعدة. [أنظر: تقرير لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية للفترة من 1 يولية إلى 31 ديسمبر 2003، Unclassified Report to Congress on Acquisition of Technology Relating to Weapons of Mass Destruction and Advanced Conventional ].
في نوفمبر 2003، أعلنت طهران أنها تطور نظام التعزيز للصواريخ لاستخدامه في صاروخ شهاب-3، وهذا من شأنه أن تمكن إيران من إطلاق قمر صناعي أرضي. في يناير 2004، أعلن وزير الدفاع الإيراني علي شمخاني أن إيران ستصبح أول دولة إسلامية تطلق قمراً صناعياً إلى الفضاء بحلول منتصف عام 2005 باستخدام "نظام الإطلاق المحلي الصنع". [أنظر: Iran enhances existing weaponry by optimising Shahab-3 ballistic missile].
وهذا فيديو من قناة تلفزيونية من الصين عرضت تقرير "انفوغرافك" عن صاروخ شهاب-3 وشهاب-4، وفي التقرير يركز على خريطة إيران وخريطة الصين وبينهما "خط أسهم" في إشارة إلى التعاون والشراكة بين الصين وإيران في إنتاج هذا الصاروخ،:
Login • Instagram
Welcome back to Instagram. Sign in to check out what your friends, family & interests have been capturing & sharing around the world.
www.instagram.com
صاروخ نور: يُعتقد أن صاروخ نور المضاد للسفن بعيد المدى مستنسخ من الصاروخين C801 و C802. وهناك مزاعم بأن صاروخ نور بدأ كاشتقاق من صاروخ توندار Tondar في أواخر التسعينيات، عندما بدأت إيران في إنتاج الصواريخ محلياً عبر هندسية عكسية من صاروخ C801. ويبدو أن في نهاية المطاف صاروخ توندار تطور إلى صاروخ نور. يصل مدى صاروخ نور -1 إلى 40 كم (25 ميلًا)، أما صاروخ نور -2 (المستنسخ من C802) فيمكن أن يصل مداه إلى 170 كم (105 ميلاً) أو أكثر. يتميز كل من نور 1 و نور 2 بأنظمة الرادار والأشعة تحت الحمراء.
صاروخ كوثر: يستند صاروخ كوسار (أو كوثر)، على أنظمة الصواريخ الصينية C701 و TL-10، وهو صاروخ مضاد للسفن وصنع لأول مرة في عام 2004. وفقاً للتقارير الإيرانية الرسمية، يمكن إطلاق كوسار من البر أو البحر أو الجو، ويمكن توجيهه عبر الرادار أو الإشارة التلفزيونية. ومداه الفعلي يتراوح ما بين 15-20 كم (9-12 ميل).
صاروخ رعد: يبدو أن صاروخ رعد المضاد للسفن بعيد المدى الذي أعلن عنه أول مرة في عام 2004، يعد أحد أنواع الصاروخ الصيني سيلك وورم HY-2، مع مدى فعلي يبلغ حوالي 360 كم (224 ميل). ويتميز بأنظمة توجيه الرادار والأشعة تحت الحمراء.
صاروخ نصر: هو صاروخ مضاد للسفن ومستنسخ من نظام الصاروخ الصيني C704، وبدأ الإنتاج الضخم لصاروخ نصر في عام 2010. ويتميّز بنظام موجه بالرادار والإشارات التلفزيونية، ويبلغ مداه الفعلي 170 كم (106 ميلاً)، ويتم إنتاجه بالتعاون مع مجموعة الصين للعلوم والتقنيات الجوفضائية China Aerospace Science and Technology Corporation وتعرف بـ (CASC). [أنظر: China, Iran Share Missile Know-How].
صاروخ نصر-1: اشتقاق من صاروخ نصر، وهو مستنسخ من الصاروخ الصيني C704K، تدعي إيران بأنه قادر على حمل رأس حربي بزنة 150 کيلوغرام وقادر أيضاً علی تدمير السفن الحربية التي يصل وزنها إلى 3 آلاف طن. وباستطاعة هذا الصاروخ الانطلاق من الساحل، ويمكن تركيبه على مختلف أنواع العوامات والمروحيات والغواصات. صاروخ كروز (نصر-1 ) الشبحي المضاد للسفن الذي يعمل بالوقود الصلب. ويمكن اطلاق صاروخ "نصر1" من على السفن والغواصات والطائرات ويبلغ مداه 35 كيلومتراً.
وفتحت الصين مصنعاً لهذه الصواريخ. [أنظر: China opens missile plant in Iran، (الصين تفتح مصنع للصواريخ في إيران)، وكذلك أنظر: Commission to Assess the Ballistic Missile Threat to the United States: Appendix III: Unclassified Working Papers، (تقرير لجنة تقييم تهديد الصواريخ البالستية للولايات المتحدة: الملحق الثالث: أوراق العمل غير مصنفة)].
صاروخ قادر: يرتبط صاروخ قادر المضاد للسفن، الذي تم الكشف عنه في عام 2011، ارتباطاً وثيقاً بأنظمة الصواريخ الصينية C802 و C803. يتم نشره من على صفائف بالبر للدفاع الساحلي، ويبلغ مداه الفعلي حوالي 200 كم (124 ميلاً)، ويزعم بأن الصاروخ يستحدم نظام توجيه الرادار المقاوم للتشويش. تم كشف النقاب عنه في عام 2011.
صاروخ ظفر: بدأ إنتاج نظام صاروخ ظفر في أوائل عام 2012، وهو صاروخ مضاد للسفن خفيف الوزن موجه بالرادار ويُعتقد أنه يعتمد على أنظمة الصواريخ الصينية C704 و C705. يمكن إطلاقه من الزوارق الهجومية الصغيرة، ومداه الفعلي يتراوح بين 40-75 كم (25-47 ميل),
صاروخ خليج فارس: يقول الخبراء أن هذا الصاروخ معادل للصاروخ الصيني DF-21D وتم إنتاجه وتطويره بمساعدة مباشرة من الصين، وهو صاروخ باليستي مضاد للسفن، وتدّعي إيران بأن سرعته تتجاوز سرعة الصوت ويمكن إطلاقه من على السفن ومن الأرض، وتزعم إيران أن هذا الصاروخ الذي يعمل بالقود الصلب ويصل مداه إلى 300 كيلومتر ويبلغ وزن الرأس الحربي الذي يحمله 650 كجم.
صاروخ نصير: (توليف ذكي بين الصواريخ البحرية الصينية والروسية)، يعتبر هذا الصاروخ من الأجيال المتطورة لصواريخ كروز (بحر- بحر)، وهو يتميز بزمن قصير للإطلاق وبدقة عالية في إصابة الأهداف وقدرة تدمير كبيرة وقدرة على التشويش على الرادارات المتطورة بفضل تجهيزه بنظام رادار متقدم. ويتمتع هذا الصاروخ بإمكانية الإطلاق من الشاطىء والبحر ومن خلال الزوارق السريعة ضد أهداف بحرية منها البوارج الحربية والمنصات, ويتميز كذلك بالجاهزية للرد السريع في ارتفاعات منخفضة جداً.
وصاروخ نصير هو جيل جديد من صاروخ كروز (نصر-1) الشبحي المضاد للسفن الذي يعمل بالوقود الصلب، ويزيد طول جسم الصاروخ "نصير" بحدود 20 بالمئة مقارنة مع صاروخ نصر. وإذا نظرنا إلى النماذج الصينية في هذا المجال والتي تتمتع بتنوع منقطع النظير ستكتمل الفكرة عن صاروخ "نصير" الإيراني. ويمكن الإشارة إلى بعض الصواريخ الصينية كصاروخ ( YJ-18A ) المضاد للسفن، وصاروخ (CJ-20) الذي يطلق عليه أيضاً اسم "التوماهوك الصيني" لأنه يشبه صاروخ "توماهوك" الأمريكي.
والشكل النهائي لمؤخرة صاروخ "نصير" يشبه إلى حد بعيد مؤخرة صاروخ C750 الصيني. كما أن القسم الأمامي لكلا الصاروخين مقتبس من تصميم متناظر الشكل. ويمكن القول أيضاً بأن صاروخ نصير الإيراني يشبه في فكرته الأساسية للصواريخ الروسية المماثلة من حيث الشكل والأجنحة كصاروخ KH35 المضاد للسفن الحربية. ومن الصعب تخمين مدى صاروخ نصير إلاّ أن المعطيات تشير إلى أنه يتراوح ما بين 2 - 32 ضعف قياساً إلى صاروخ "نصر 1".
صاروخ يا علي: هو صاروخ كروز هجوم برّي (LACM) يستند على التكنولوجيا الصينية، ويحمل رأس حربي 200 كجم. يبلغ مدى الصاروخ حوالي 700 كم. تم الكشف عن الصاروخ لأول مرة في 11 مايو 2014 عندما زار علي خامنئي قوة الفضاء الجوية التابعة لجيش الحرس الإيراني. وفقاً لموقع جينس ديفنس، يحتوي الصاروخ على مدخل محرك نفاث، وربما يستخدم نسخة من طوربو تيروجيت 4 التي تنتجها إيران لصواريخها بعيدة المدى المضادة للسفن، ولدى الحوثيين هذا الصاروخ.
صاروخ ميثاق-1 و 2: هو صاروخ أرض جو محمول بالأشعة تحت الحمراء. قدمت الصين إلى إيران المساعدة في تطوير صاروخ سام المحمول على الكتف، صاروخ ميثاق-1، هو صاروخ متطور من الجيل الثاني للدفاع على ارتفاعات منخفضة. وميثاق-2 هو خليفة ميثاق-1 مثل سابقتها تستند على التكنولوجيا الصينية. أطلق وزير الدفاع الإيراني الإنتاج الضخم المحلي من طراز ميثاق-2 في 5 فبراير 2006.
فيما يتعلق بخصوص هذه الصواريخ، أشارت التقارير أن الصين وإيران تشتركان في "المعرفة" الصاروخية Know-how، حيث تعمل منظمة صناعات الطيران والفضاء الإيرانية (AIO) على تطوير وإنتاج أنظمة الصواريخ المضادة للسفن بالتعاون مع مجموعة الصين للعلوم والتقنيات الجوفضائية China Aerospace Science and Technology Corporation وتعرف بـ (CASC)، وهذه التقارير ذكرت بأنه حسبما أكدت مصادر في كلتا المجموعتين. [أنظر: China, Iran Share Missile Know-How].
ساعدت الصين إيران أيضاً في تحديث نظام الدفاع الجوي الإيراني، وأنتجت إيران أنظمة دفاع جوي مثل صياد-1، كما كان للصين جهود ومساعدات كبير ة جداً في مجال تصنيع الرادارات الإيرانية، وفقاً لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية بدأت أولى هذه المساعدات عندما قامت شركة الصين الوطنية لإستيراد وتصدير الإلكترونيات بشحن مكونات أنظمة الرادار JY-14 إلى إيران، ونظام الرادار JY-14 متطور يمكنه تتبع ما يصل إلى 100 طائرة وصاروخ في وقت واحد ويغذي البيانات إلى أنظمة الكمبيوتر، التي تقوم بفرزها ونقلها إلى بطاريات صواريخ اعتراضية. يتمتع نظام JY-14 بالقدرة على تتبع الأهداف على ارتفاعات تصل إلى 75000 قدم وفي مدى معين تصل إلى 186 ميلاً حتى عند تعرضها للتعطيل الإلكتروني أو التشويش.
وفي عام 1998، بدأت إيران في بناء العديد من رادارات JY-14 استنساخاً من النسخة الصينية. وحالياً لدى إيران مجموعة مختلفة من الرادارات، ومعظم هذه الرادارات التي تعلن عنها وتحمل أسماء إيرانية مختلفة، هي في الواقع بمساعدة صينية إلى حدٍ كبير، ومستنسخة من رادرات صينية. [أنظر كتاب: "China and Iran: Ancient Partners in a Post-Imperial World"، (الصين وإيران: الشركاء القدامى في عالم ما بعد الإمبراطورية) صفحة 185].
وقدمت الصين أيضا مساعدات لإيران في مجال صناعة عدد آخر من الصواريخ مثل صاروخ نازعات 6 ونازعات 10، وصاروخ زلزال 1و2 و3، وغيرهم. كما ساعدت الصين في تطوير القدرات الإيرانية في صناعة السدود والأنفاق ومنشآت وصوامع تحت الأرض للصواريخ silo، وأيضا في مجال تطوير التكنولوجيا النووية، والذي بدأ في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي، وتجدر الإشارة أن بعض مساعدات الصين العسكرية لإيران كانت تمر في بدايتها عبر كوريا الشمالية.
وتتعمد الصين زيادة تسليحاتها لإيران مناكفة بالولايات المتحدة التي تعتبر المزود الرئيسي لإسرائيل ودول الخليج العربي بالسلاح، فكان لا بد من الدول المنزعجة من نفوذ الولايات المتحدة في المنطقة، مثل الصين وروسيا، أن تقوم بتسليح دول مثل إيران وسوريا. وما يعيق السخاء الصيني في تسليح إيران وجعلها دولة أقوى عسكرياً هو الجسر الذي مدته إسرائيل وقوى تابعة للوبي الصهيوني مع الصين للتعاون في مجال تصدير الأسلحة وتكنولوجيا التصنيع، ومن المؤكد أن القوى الصهيونية تريد احتكار سوق السلاح الصيني، ثم محاولة السيطرة على الإدارة السياسية الصينية على غرار الولايات المتحدة الأميركية، وذلك تحسباً لضعف أميركي قادم وصعود صيني محتمل.
التسلسل الزمني لخطورة التعاون الصيني في برنامج الصواريخ الإيرانية
التسلسل الزمني للتقارير التي كانت ترفع عن صواريخ إيران ومدى خطورة التعاون الصيني الإيراني في دعم ومساعدة تطوير التسليح الحربي الإيراني لا سيما الترسانة الصاروخية لإيران:
4 يونيه 2000: تفيد التقارير بأن الصين تساعد إيران في مشروع تطوير صاروخ أرض - أرض متقدم. قد يساعد ما تقوم به الصين من نقل أنظمة التوجيه ومحركات الصواريخ والوقود الصلب إلى إيران في بناء مصانع لتصنيع الصواريخ. بالإضافة إلى ذلك، تعتبر المساعدة الصينية في تزويد هذه المواد الضرورية لتطوير إيران للصواريخ بعيدة المدى.
18 يوليو 2000: في إشارة إلى تقارير عن مساعدة الصين لبرنامج الصواريخ الإيرانية، تجاهل تشو بانغزاو، المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية المزاعم، قائلاً: "هذا التقرير لا أساس له من الصحة"، و "نأمل أن يحافظ الشرق الأوسط والخليج على السلام والاستقرار".
26 يناير 2001: ذكرت صحيفة واشنطن تايمز أن الصين تواصل بيع التقنيات المتعلقة بالصواريخ إلى إيران. وفقاً لمصدر فضل عدم الكشف عن نفسه، زودت الصين إيران بنوعية من المعادن والمواد الكيميائية المتخصصة والمستخدمة في إنتاج الصواريخ. تم تحديد شركة شمال الصين للصناعات China North Industries Co. وكان المشتري الإيراني مجموعة شهيد باقري الصناعية.
19يوليو 2002: فرضت وزارة الخارجية الأميركية عقوبات اقتصادية على ثماني شركات صينية تشمل "ثلاث حالات من مبيعات الأسلحة التقليدية المتقدمة ومكونات الأسلحة الكيميائية والبيولوجية إلى إيران". وتمت المبيعات بين سبتمبر 2000 وأكتوبر 2001 وانتهكت إيران - قانون منع انتشار الأسلحة للعراق وإيران لعام 1992.
23 مايو 2003: فرضت الحكومة الأميركية عقوبات على مجموعة شركة شمال الصين للصناعات China North Industries Group (والتي تعرف اختصارأً بـ Norinco) بسبب تزويد إيران بتكنولوجيا الصواريخ. العقوبات تمنع جميع صادرات مجموعة Norinco أو الشركات التابعة لها إلى الولايات المتحدة، وتحظر أي عقود بين الشركة والوكالات الحكومية الأميركية. في عام 2002، كان مجموع صادرات منتجات شركة Norinco بقيمة 100 مليون دولار إلى الولايات المتحدة.
16 يونيو 2004: في شهادة بالكونغرس أمام لجنة المراجعة الأمنية والاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين، قالت كارولين بارثولوميو، "تواصل الكيانات الصينية مساعدة إيران في استخدام المواد ذات الصلة بالصواريخ والمواد ذات الإنتاج المزدوج والمعدات والتكنولوجيا المتعلقة بالأسلحة الكيميائية ذات الاستخدام المزدوج. يذكر التقرير السنوي للمفوضية أن "الصين سعت إلى التعاون في مجال الطاقة مع الدول التي تهم الولايات المتحدة، بما في ذلك إيران. بعض المحللين عبروا عن شكوكهم بأن الصين ربما تكون زودت إيران بأسلحة الدمار الشامل أو قدمت المساعدة في نقل تقنيات صناعة أسلحة الدمار الشامل وذلك كمكون أو عنصر لبعض صفقات الطاقة بين الصين وإيران". الشركات الصينية تلاحقها التهم بأنها باعت لإيران صواريخ باليستية طرز CSS8 و DF-15، إلى جانب صواريخ كروز التي بالفعل حصلت عليها إيران وتم تحديد أنواعها على أنها HY-1 و HY-2 Silkworm و C201 و C-601 و C-801 و C-802.
23 نوفمبر 2004: في تقييم لوكالة الاستخبارات المركزية (CIA) مدته ستة أشهر عن اتجاهات أسلحة الدمار الشامل في الفترة من يوليو إلى ديسمبر 2003، أقر بأن تحسينات محدودة في جهود الصين لمنع الانتشار النووي، ولكنه يثير القلق بشأن استمرار المساعدات الصينية المقدمة لإيران. "على الرغم من أن بكين تواصل اتخاذ بعض الخطوات لتثقيف الشركات والأفراد بشأن لوائح التصدير الجديدة المتعلقة بالصواريخ - التي قدمت ندوة لمراقبة الصادرات في سبتمبر 2003 للمسؤولين والشركات من الصين ودول أخرى - استمرت الكيانات الصينية في العمل مع باكستان وإيران بشأن المشاريع ذات الصلة بالصواريخ البالستية خلال النصف الثاني من عام 2003، وقد ساعدت الكيانات الصينية المتخصصة في الصواريخ الباليستية وذات الصلة بمساعدة إيران على المضي نحو هدفها المتمثل في أن تصبح مكتفية ذاتيا في إنتاج الصواريخ الباليستية.
28 مارس 2007: نائب مساعد وزيرة الخارجية لشؤون شرق آسيا توماس كريستنسن، متحدثاً أمام اللجنة الفرعية للشؤون الخارجية بمجلس النواب حول آسيا، ينتقد الاستثمارات الصينية في قطاع الطاقة الإيراني. وقال: "لقد أوضحنا لبكين أن هذه الأنواع من الاستثمارات، إلى جانب استمرار مبيعات الأسلحة إلى إيران، ترسل إشارة خاطئة إلى النظام الإيراني وتثير مخاوف جدية بموجب القانون الأميركي".
فبراير 2008: شنت وزارة الخارجية الأميركية "هجوماً دبلوماسياً كبيراً للضغط على بكين لوقف تجارة الأسلحة المحتملة مع إيران. تتقاسم الولايات المتحدة المعلومات الاستخبارية مع ثمانية "من الحلفاء الرئيسيين" من أجل "إقناع الصين بتطبيق قوانين مراقبة الصادرات بشكل أكثر فعالية و "التنفيذ الصارم" لقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بشأن بيع الأسلحة والمواد المهربة.
فبراير وأبريل 2009: فرضت الولايات المتحدة عقوبات على العديد من الشركات الصينية بسبب انتشار الصواريخ في إيران.
فبراير 2011: أبلغ الكونغرس الأميركي "تقرير القسم رقم 721" الصادر عام 2011 بأن "الكيانات" الصينية "واصلت تزويد إيران بالمواد المتعلقة بالصواريخ"، على الرغم من العقوبات الأميركية
ما ورد أعلاه مجرد عينة صغيرة عن تسلسل زمني يسلط الضوء على اللحظات الرئيسية في علاقة الأسلحة الصينية بإيران، من تقرير صادر عن منظمة مبادرة التهديد النووي (NTI)، بصيغة PDF وعدد صفحاته 492 صفحة. [للمزيد أنظر: Iran Missile Chronology]
الأدوات السياسية لمكافحة برنامج الصواريخ الإيرانية
لعل أهم الأدوات السياسية لتقييد قدرات الصواريخ الإيرانية تم الإشارة إليها في تقرير حديث لمعهد بروكنجز صدر مؤخراً في مارس 2019 بعنون: "Constraining Iran's Missile Capabilities"، حيث يشير التقرير إلى أن، لتعزيز أهداف الولايات المتحدة ضد برنامج الصواريخ الإيراني والتغلب على العقبات التي تواجه المجتمع الدولي نظراً لتزايد وتسارع برنامج الصواريخ الإيرانية، يتطلب تطبيقاً متزامناً وتنفيذاً صارماً وخلاقاً لمجموعة واسعة من أدوات السياسة، ومنها على سبيل المثال:
1 - الضوابط التجارية الوطنية والمتعددة الأطراف (مثل الضوابط الخاصة بنظام التحكم في تكنولوجيا القذائف MTCR)، واعتراض كل حالة أو قضية على حده (أي وقف عمليات النقل الفردية المحددة على وجه التحديد للمعدات والتكنولوجيا والأموال من وإلى برنامج صواريخ إيران)، سوف يلعب دوراً مهماً في إعاقة التحسن الكمي والنوعي لتهديد الصواريخ الإيرانية. يجب على الولايات المتحدة مواصلة الضغط على البلدان المصدرة الرئيسية (مثل الصين على وجه الخصوص) ودول العبور والشحن (مثل الإمارات وسنغافورة وماليزيا) لتعزيز ضوابطهم التجارية المتعلقة بالقذائف والصواريخ، وعليهم أن يتعاونوا ويتقاسموا المعلومات الاستخبارية مع الدول التي في وضع يمكنها من ذلك لحظر المعاملات الحساسة. لكن أدوات السياسة هذه ذات فائدة هامشية في مواجهة الحجم الكبير لقوة إيران والتطور المتزايد لقدرتها الأصلية المحلية على إنتاج الصواريخ.
2 - هذا يعني أنه ستكون هناك حاجة متزايدة إلى الاعتماد على القدرات العسكرية - مجموعة التعزيز المتبادل من الاستنزاف الهجومي، الدفاعات الصاروخية والدفاعات غير الحركية - والسياسة التصحيحية للردع والدفاع ضد أهداف برنامج الصواريخ الإيراني وقمعه تماماً.
3 - ستبقى العقوبات والضغط الدبلوماسي أدوات سياسية مهمة لثني الدول الأخرى عن مساعدة برنامج الصواريخ الإيراني أو المشاركة بطريقة غير مباشرة في المساعدة، ولزيادة إمكانية إقناع إيران في مرحلة ما للحد من جوانب برنامجها الصاروخي.
- نظراً لضعف احتمال فرض مجلس الأمن الدولي مزيداً من العقوبات على إيران، فإن العقوبات التي من المرجح أن تؤثر على قدرات إيران الصاروخية ستكون العقوبات الأميركية على كيانات الطرف الثالث التي تتعامل مع برنامج الصواريخ الإيراني بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. ولكي يكون ذلك فعالاً، يجب أن تكون واشنطن مستعدة لرفع أولوية تقييد برنامج الصواريخ الإيراني وربما تحمل تكاليف في العلاقات الثنائية مع الدول التي لها سلطة على مثل هذه الكيانات مثل الصين وهونغ كونغ، ماليزيا، روسيا، سنغافورة وتركيا والإمارات العربية المتحدة.
- ينبغي على الولايات المتحدة والدول ذات التفكير المماثل أن تشارك في جهود دبلوماسية عامة وخاصة نشطة لتأكيد التهديدات التي تشكلها القوة الصاروخية الإيرانية، على سبيل المثال تحذير دول مثل روسيا والصين من تداعياتهما على قوة الصواريخ الإيرانية المتنامية (بما في ذلك العقوبات المحتملة) ضد كياناتهم وتعزيز الدفاعات الصاروخية الأميركية والدول الشريكة)، لحث الدول ذات النفوذ على طهران للضغط من أجل ضبط وتقييد الصواريخ الإيرانية، وتحسين قابلية التأثر بالجهود الأميركية لمكافحة انتشار الصواريخ الإيرانية ومراقبة التجارة المرتبطة بإيران. [أنظر: "Constraining Iran's Missile Capabilities"].
ثـانيـــاً: دور الصين في البرنامج النووي الإيراني
كان دعم البرامج النووية الإيرانية عنصراً أساسياً في جهود بكين لإقامة شراكة مع إيران في الثمانينيات والتسعينيات. من 1985 إلى 1999 كانت الصين الشريك النووي الرئيسي لإيران. في حين أن الصين لم تكن الشريك النووي الوحيد لإيران خلال تلك الفترة، إلا أنها كانت الأكثر أهمية إلى حد بعيد. خلال تلك الفترة، ساعدت الصين إيران فعلياً في التحايل على المعارضة الدولية بقيادة الولايات المتحدة للجهود النووية الإيرانية. اعتبر القادة الإيرانيون أن برامجهم النووية مهمة للغاية، ودعم الصين في هذا المجال جعل بكين ذات قيمة بالنسبة لطهران. في نهاية المطاف، في عام 1999، تخلت الصين عن تعاونها النووي مع إيران تحت ضغوطات شديدة من الولايات المتحدة. وكان العنوان الرئيسي للضغط من أجل حماية علاقة الصين التجارية الحيوية مع الولايات المتحدة. ومع ذلك، لم يتوقف تعاون الصين مع إيران في المجال النووي، إستمر بطرق مختلفة.
فضلاً عن أن بحلول ذلك الوقت، كانت السنوات الطويلة المتتالية (1985 - 1999) من الدعم الصيني في المجالات التقنية والبحوث النووية، والمشاركة في افتتاح منشآت ومرافق نووية داخل إيران مثل "منشأة أصفهان للأبحاث النووي"، وتزويدها بأجهزة ومعدات وآلات تستخدم في مجال البحوث النووي لتخصيب اليورانيوم وفي المفاعلات التي تعمل بالماء الثقيل، وتدريب الإيرانيين، قفزت بإيران قفزات هائلة في المجال النووي، واختصرت عليها الكثير من سنوات البحث والتطوير.
لقد نفى الطرفان (الصين وإيران) أي علاقة نووية بينهما لمدة ست سنوات، وفقط في عام 1991 تم الاعتراف بها علناً. وحتى ذلك الحين ظلت العديد من جوانب العلاقة سرية ولم يتم الكشف عنها إلا بعد أكثر من عقد، عندما قدمت إيران والصين وثائق مهمة حول العلاقة النووية بينهما إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية في عامي 2003 و 2004. [أنظر: Implementation of the NPT Safeguards Agreement in the Islamic Republic of Iran، نوفمبر 2003، وكذلك أنظر: Implementation of the NPT Safeguards Agreement in the Islamic Republic of Iran، نوفمبر 2004].
ومن المؤسف أن تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية عن الفترة 2003 - 2004 تشير فقط إلى "موردين أجانب" و "دول أجنبية" دون ذكر إسم الدولة التي زودت إيران، ووفقاً للعديد من الخبراء والمحللين، أن في الغالب "موردين أجانب" و "دول أجنبية" التي تشير إليها تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية في الفترة 2003 - 2004 هي الصين.
التعاون الصيني الإيراني في الفترة من عام 1989 إلى 2004 يكشف لنا بأنه يتوافق مع المناقشات والجدال التي تدور حالياً في الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن البرنامج النووي الإيراني، في تلك الفترة من 1989 إلى 2004 لم يكن أحد يعرف عن التعاون السري بين الصين وإيران بشأن البرنامج النووي الإيراني. لقد لعبت الصين دوراً كبيراً في مساعدة إيران في برنامجها النووي ودعمها في المحافل والمنظمات الدولية. إن تورط الصين في جهود إيران لتحديث وتطوير قدراتها العسكرية وجيشها، بما في ذلك تزويد إيران بالأسلحة وخدمات الهندسة العكسية لاستنساخ الأسلحة، فضلاً عن السلع الرأسمالية، في مقابل النفط الإيراني، مما يشير إلى وجود روابط بين التبادل الصيني الإيراني. بعبارة أخرى: النفط الإيراني مقابل السلاح الصيني والدعم في الساحات السياسية الدولية. [انظر : "China and Iran: Ancient Partners in a Post-Imperial World"، (الصين وإيران: الشركاء القدامى في عالم ما بعد الإمبراطورية)].
إلى جانب الدعم العسكري التقليدي، قدمت الصين أيضاً مساعدة مهمة للبرنامج النووي الإيراني، حيث توفر الخبرة الفنية وتدريب المهندسين النوويين الإيرانيين والمتخصصين في استكشاف اليورانيوم والتعدين وذلك منذ زمن بعيد قبل فترة طويلة من توقيع الصفقة النووية. منذ منتصف الثمانينيات من القرن الماضي، كما أشرنا سابقاً أن في عام 1985 وقعت حكومتا الصين وإيران اتفاقاً سرياً للتعاون النووي خلال زيارة رئيس مجلس النواب الإيراني - آنذاك - أكبر هاشمي رفسنجاني إلى الصين. ومنذ ذلك الوقت، زودت الصين إيران بالتقنيات والآلات النووية الهامة وساعدت الفنيين في إيران على إتقان استخدام الليزر لتخصيب اليورانيوم. وقد لعب المهندسون والفنيون الصينيون دوراً رئيسياً في المساعدة في إنشاء "منشأة أصفهان للأبحاث النووية"، وهذه المنشأة لعبت دوراً رئيسياً في تطوير البرنامج النووي الإيراني.
منشأة أصفهان للأبحاث النووية ( ENRC )
افتتحت إيران عام 1984 منشأة أصفهان للأبحاث النووية Esfahan the Nuclear Research Center - ENRC، بغرض البحوث في تكنولوجيا المفاعلات ودورة الوقود النووي بما في ذلك تخصيب اليورانيوم وإعادة المعالجة الكيميائية لليورانيوم المنضب لاستخراج البلوتونيوم. (البلوتونيوم مادة سائلة تستخدم مثل اليورانيوم في القنابل الذرية). قبل الثورة الإيرانية عام 1979، كانت فرنسا بموجب عقد ستقوم ببناء مفاعل أبحاث لمنشأة أصفهان، لكن باريس تخلت عن هذا العقد بعد الثورة.
وفي عام 1985 قررت إيران البدء في برنامج لتخصيب اليورانيوم سراً، والكارثة لم تكتشف الوكالة الدولية للطاقة الذرية، إلا بعد أكثر من عقدين من الزمن، في عام 2003.
ويرجع جذور العمل السري في البرنامج النووي الإيراني إلى يونيو 1985، عندما زار أكبر هاشمي رفسنجاني بكين، وأبرمت الحكومتان (الصين وإيران) سراً بروتوكولاً للتعاون مع إيران بشأن الاستخدامات السلمية للطاقة النووية. في ذلك الوقت، لم يعلن عن اتفاقية عام 1985 ولم يعترف بها رسمياً، ولكن بموجب الاتفاقية، ساعدت الصين إيران على تطوير منشأة أصفهان للأبحاث النووية.
وفيما يتعلق بخصوص اتفاقية التعاون النووي التي وقعت أثناء زيارة رفسنجاني إلى بكين، صرح السفير الصيني لدى طهران في سبتمبر 1995 مبرراً التعاون النووي مع إيران بالقول: إن التعاون النووي بين البلدين هو بموجب اتفاق "تم توقيعه قبل عشر سنوات"، وهنا عرف العالم أجمع بأن الاتفاقية وقعت في عام 1985 عند زيارة رفسنجاني لبكين. [أنظر: "China and Iran: Ancient Partners in a Post-Imperial World"، (الصين وإيران: الشركاء القدامى في عالم ما بعد الإمبراطورية)، صفحة 143].
وفي عام 1991، وقعت إيران اتفاقية أخرى مع الصين للتعاون في تخصيب اليورانيوم؛ وتشغيل وحدة تخصيب لليورانيوم، وهذه الأنشطة كانت تتم في منشأة أصفهان للأبحاث النووية، حيث يتم في المنشأة تنقية اليورانيوم من الشوائب من أجل تحويله كيميائياً إلى غاز هكسا فلورايد اليورانيوم، ومن ثم يتم تبريده وتنظيفه إلى أن يصبح صلباً.
معظم الأنشطة النووية الإيرانية التي دعمتها الصين بموجب اتفاق عام 1985 كان موقعها في منشأة أصفهان. لم يتم الإعلان للوكالة الدولية للطاقة الذرية عن منشأة أصفهان للأبحاث النووية حتى عام 1992. وبمجرد إعلانه للوكالة الدولية للطاقة الذرية، تم تفتيشها واعتبرت بأنها غير ضارة، لكن عملية تفتيش أكثر شمولية في عام 2003 وجدت أنها تضم عدداً من الغرف السرية التي تم بناؤها على نطاق واسع والتي استخدمت في أنشطة نووية سرية ولم يعلن عنها سابقاً للوكالة الدولية للطاقة الذرية. هل علم المتخصصون الصينيون العاملون في منشأة أصفهان للأبحاث النووية عن هذه المرافق والبرامج السرية في منشأة أصفهان للأبحاث النووية؟. هذا ما سوف نعرفه من خلال سرد شامل للتعاون النووي بين الصين وإيران في تلك الفترة والأنشطة النووية التي كانت تحدث في منشأة أصفهان.
التعاون النووي الإيراني مع الصين منذ عام 1985
بموجب اتفاق عام 1985، زودت الصين إيران بأربعة مفاعلات صغيرة للتدريس وللأبحاث لمنشأة أصفهان، وهذه المفاعلات تقوم بتجميع مجموعة شبه الحرجة، يستخدم وقود اليورانيوم الطبيعي، ويديره بالماء الخفيف. مجموعة شبه الحرجة تستخدم وقود اليورانيوم الطبيعي، ويديره الجرافيت؛ مفاعل صفري القدرة يستخدم وقود اليورانيوم الطبيعي ويديره الماء الثقيل (أي مفاعل الماء الثقيل الصفري القدرة)؛ ومفاعل مصدر نيوتروني صغير بقدرة 27 كيلو وات يستخدم أقل من كيلوغرام واحد من اليورانيوم العالي التخصيب. [أنظر: "China and Iran: Ancient Partners in a Post-Imperial World"، (الصين وإيران: الشركاء القدامى في عالم ما بعد الإمبراطورية)، صفحة 143].
بدأ بناء المفاعل الأول في يناير 1988، وأصبح المفاعل في الحالة الحرجة في يناير 1992. وبدأ بناء المفاعلات الثلاثة الأخرى في يناير 1990 ودخلت هذه المفاعلات في الحالة الحرجة في يناير 1992 ومارس 1994 ويونيو 1995 على التوالي. وقد زودت الصين المواد الانشطارية في قلب المفاعلات الأربعة. [أنظر: Implementation of the NPT Safeguards Agreement in the Islamic Republic of Iran، نوفمبر 2003].
وأعلن لاحقاً عن هذه المفاعلات البحثية الأربعة والوقود النووي المتصل بها وخضعت لضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية وتفتيشها بانتظام من قبل الوكالة الدولية. في ذلك الوقت، كان رأي الحكومة الأميركية بأن هذه المفاعلات الأربعة التي زودتها الصين لإيران لا تشكل "خطر انتشار مباشر"، لأنها لم تنتج كميات كبيرة من البلوتونيوم. إلا أن العديد من الخبراء والمحلليين، يؤكدون على نقطة هامة وهي: إن الموظفين الإيرانيين تمكنوا من تعلم مبادئ التصميم وتقنية "المعرفة" Know-how التي يمكن استخدامها لبناء مفاعلات أكبر محلية لإنتاج البلوتونيوم.
وبموجب اتفاق يونيو 1985، ذهب مهندسون من منظمة الطاقة الذرية الإيرانية ومعظمهم من منشأة أصفهان للأبحاث النووية إلى الصين للتدريب في تصميم المفاعل النووي. بحلول عام 1987، كان خمسة عشر مهندساً من المهندسين الإيرانيين يتدربون في الصين. بدأ التعاون النووي بين الصين وإيران في الظهور، وفي فبراير 1986 نفت وزارة الخارجية الصينية عن وجود أي علاقة وتعاون نووي بين الصين وإيران.
في عام 1991، تم الإبلاغ عن مهندسين صينيين يعملون في "دارخوين" بالقرب من الأحواز، وفي "معلم كلايه" بالقرب من قزوين، حيث كانوا يقومون بتركيب معدات لتخصيب اليورانيوم. ومن ثم، قد يكون المهندسون الصينيون ساعدوا إيران في تطوير تصميمات الطرد المركزي التي أعطاها الباكستاني عبدالقدير خان لإيران في عام 1987. ومهما كانت مشاركة الصين في برنامج إيران لتخصيب أجهزة الطرد المركزي السري، فقد بدأ إنتاج مكونات أجهزة الطرد المركزي هذه، والاختبارات الميكانيكية للأجهزة المجمعة بعد عقد من الزمن في عام 1997، واستمر حتى عام 2002، وفقاً لتقرير إيران اللاحق المقدم إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية في عام 2004. [أنظر: Implementation of the NPT Safeguards Agreement in the Islamic Republic of Iran، نوفمبر 2004].
في عام 1987 وافقت الصين على تزويد منشأة أصفهان للأبحاث النووية ENRC بجهاز يعرف باسم "كالترون" (جامعة كاليفورنيا ابتكرت هذا الجهاز في أوائل الأربعينيات). وقد تم تسليم الجهاز لمنشأة أصفهان بعد عامين. يستخدم الكالترون المغناطيسية لفصل الحزم الأيونية لنظائر اليورانيوم مع نوى ذرية متباينة قليلاً، وبالتالي اسمها الصحيح فصل النظائر الكهرومغناطيسية. في الحرب العالمية الثانية كان لدى الولايات المتحدة "مشروع القنبلة الذرية" واستخدمت في هذا المشروع الكالترونات لإنتاج مواد القنابل الانشطارية.
وقد كان لدى الموظفين الإيرانيين صعوبة في صنع وظيفة الكالترون الصيني وفقاً للتصميم، كما ساعد الخبراء الصينيون في حل تلك الصعوبات. تم فحص الكالترون الإيراني - الذي حصلت عليه من الصين - من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية في فبراير 1992 ووجد أنه مختلف عن تلك التي استخدمتها العراق في محاولة لإنتاج الأسلحة، حيث العراقيين قاموا بتعديل فصل النظائر الكهرومغناطيسية بتيار كهربائي أعلى بكثير لتوفير قدرة عالية على التخصيب. إيران لم تفعل ذلك، كان حجم فصل النظائر الكهرومغناطيسية الإيراني المقدم من الصين بحجم "سطح المكتب" والتكوين القياسي الذي يستخدم الزنك الطبيعي لإنتاج نظائر مستقرة للأغراض الطبية. وكما قال متحدث صيني فإن الكالترون الإيراني الذي توفره الصين كان مناسباً "للتشخيصات الطبية النووية وأبحاث الفيزياء النووية وتعليم إنتاج النظائر، وتدريب الأفراد". [أنظر: تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، القسم المعنون بـ "Detailed Technical Chronology"، (التسلسل الزمني الفني المفصل)].
إلا أن المتشككون أشاروا إلى أن العراق قد بدأت أيضاً بالكالترونات الصغيرة ومن ثم طورت محلياً أكبر منها لأغراض تخصيب اليورانيوم. وأشار هؤلاء المتشككون إلى أنه يمكن أن يكون لإيران منشآت خفية حيث يمكن استخدام آلات فصل النظائر الكهرومغناطيسية قادرة على التخصيب. ويمكن استخدام الكالترون الصغير الذي توفره الصين كنموذج للهندسة العكسية للأجهزة الكبيرة التي يمكن أن تفصل كميات من المواد الانشطارية المناسبة للقنابل. [أنظر: "China and Iran: Ancient Partners in a Post-Imperial World"، (الصين وإيران: الشركاء القدامى في عالم ما بعد الإمبراطورية)].
في عام 1989 بدأ الجيولوجيون الصينيون في مساعدة منظمة الطاقة الذرية الإيرانية على استكشاف اليورانيوم. تم تشكيل فرق صينية - إيرانية مشتركة للتنقيب عن اليورانيوم في شرق إيران. وفي سبتمبر أعلن رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية رضا أمر إلاهي أن التنقيب كان ناجحاً وأن عمليات استخراج اليورانيوم ستبدأ في أحد عشر موقعاً، وإحدى الرواسب في محافظة يزد تحتوي على ما يقارب خمسة وثلاثين طناً من اليورانيوم.
كما قال أمر إلاهي أن إيران تعتزم بناء مطحنة لتحويل خام اليورانيوم إلى الكعكة الصفراء. تم تحويل الخام من منجم ساغند بمحافظة يزد من اليورانيوم إلى الكعكعة الصفراء، ثم أصبحت فيما بعد المواد الأولية لمنشأة تحويل اليورانيوم التي أنتجت في منشأة مفاعل نطنز في عام 2001. وقد ساعد الخبراء الصينيون أيضاً في فتح عدد من مناجم اليورانيوم، ولا يتم الإبلاغ عن تعدين اليورانيوم إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية ولا يخضع لضمانات الوكالة الدولية للطاقة. كما ساعدت الصين إيران في قطاع التعدين لعدد من المعادن خلال فترة ما بعد الحرب. كان قطاع التعدين في إيران مستهدفاً بشكل عام للتنمية والتطوير بعد الحرب العراقية الإيرانية، لأن كان يُنظر إليه على أنه قادر على إنتاج صادرات تخلق العملات الأجنبية.
خلال عام 1991، أرسلت الصين سراً إلى إيران 1600 كيلوغرام من منتجات اليورانيوم. لم يتم الإبلاغ عن هذه الصفقة لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية حتى عام 2003، عندما اكتشفت من قبل محققي الوكالة الدولية للطاقة الذرية واضطرت الصين أن تبلغ عنها بنفسها. هذا اليورانيوم الصيني بالتحديد قدم مدخلات لعدد كبير من التجارب الإيرانية لإعادة المعالجة والتخصيب الإيرانية، والوكالة الدولية للطاقة للذرية لم تعرف عنه إلا بعد مضي أكثر من عقد من الزمان. وشملت الشحنة 1005 كيلوغرام من سداسي فلوريد اليورانيوم، و 402 كيلوغرام من رباعي فلوريد اليورانيوم، و 401.5 كيلوغرام من ثاني أكسيد اليورانيوم. إن سداسي فلوريد اليورانيوم (UF-6 أو فلوريد اليورانيوم السداسي) هو شكل غازي من اليورانيوم المستخدم كعلف لعمليات التخصيب. رباعي فلوريد اليورانيوم "الملح الأخضر" (أو فلوريد اليورانيوم الرباعي) هو خام التغذية لإنتاج إما اليورانيوم المعدني أو سداسي فلوريد اليورانيوم، الذي يتم تخصيبه بعد ذلك عن طريق أجهزة الطرد المركزي.
وقد مكنت هذه الكمية الكبيرة من مواد اليورانيوم التي قدمتها الصين في عام 1991 العلماء الإيرانيين من التعرف على عدد من الخطوات التي تعتبر جزء لا يتجزأ من دورة الوقود النووي. تم تحويل معظم رباعي فلوريد اليورانيوم الذي قدمته الصين في عام 1991 إلى معدن يورانيوم عبر 113 تجربة أجريت في أوائل التسعينيات. كانت هذه التجارب سرية ولم يتم الإعلان عنها للوكالة الدولية للطاقة الذرية حتى عام 2003. ومن التجارب التي أجرتها إيران مع هذا اليورانيوم الصيني: تم تحويل جزء صغير من رباعي فلوريد اليورانيوم إلى سداسي فلوريد اليورانيوم في مؤشر التجارب. وتم استخدام ثاني أكسيد اليورانيوم لاختبار "عملية عمود النبض" وإنتاج كريات وقود اليورانيوم. وتم تشعيع بعض من ثاني أكسيد اليورانيوم واستخدمه في تجارب إنتاج النظائر. كل هذه التجارب النووية التحويلية المختلفة أجريت في منشأة اصفهان للأبحاث النووية، ولم يتم الاعلان عن هذه المنشأة للوكالة الدولية للطاقة الذرية إلا في عام 2003. [أنظر: تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، القسم المعنون بـ "Detailed Technical Chronology"، (التسلسل الزمني الفني المفصل)].
إن إمداد الصين بالمواد الخام لهذه التجارب السرية، بالإضافة إلى تعاونها النووي المكثف مع إيران في هذا المنعطف، يشير بقوة إلى أن الصين كانت على علم بتجارب إيران النووية السرية.
في يوليو 1991، حقق التعاون النووي الصيني الإيراني خطوة كبيرة للأمام عندما زار رئيس الوزراء الصيني "لي بنغ" إيران، وناقش التعاون النووي بين البلدين مع الرئيس رفسنجاني. واتفقوا من حيث المبدأ على أن الصين سوف تستكمل إنشاء محطة كبيرة للطاقة النووية في بوشهر على ساحل الخليج العربي، وهذه المنشأة بدأت فرنسا وألمانيا العمل فيها في منتصف السبعينيات، ولكن تم التخلي عنها بعد ثورة 1979. اتفق لي بنغ ورافسنجاني أيضاً على أن اللجان الفنية في التجارة، والتكنولوجيا، والتعاون العسكري، والعلمي ستقوم بصياغة اتفاقيات محددة. [أنظر: "PRC to Supply Nuclear Technology" نقلاً عن صحيفة صوت الكويت، لندن، 11 يوليو 1991، صفحة 19].
وفي أكتوبر من نفس العام (1991)، زار الرئيس الصيني يانغ شانغ كون طهران، وخلال هذه الزيارة زار العديد من المنشآت النووية الإيرانية التي تدعمها الصين. كما أكد يانغ مجدداً تعهد الصين بالمساعدة في استكمال مفاعل بوشهر.
بعد زيارات رئيس الوزراء الصيني "لي بنغ" والرئيس الصيني "يانغ شانغ كون" للمنشآت النووية الإيرانية التي تدعمها الصين، بدأت وسائل الإعلام الغربية في نشر تقارير حول استعداد الصين لتحل مكان ألمانيا وفرنسا في بناء مفاعلات كبيرة لإيران. اتهمت بعض هذه التقارير الإعلامية بأن الصين تساعد في برنامج نووي إيراني سري وهي على علم بأنه سري. وفي مواجهة الشكوك الغربية المتزايدة، دافعت بكين علناً عن تعاونها النووي مع إيران. في بداية شهر نوفمبر، أجاب متحدث باسم وزارة الخارجية الصينية على سؤال حول تقارير التعاون النووي بين الصين وإيران بقوله: إن هذا التعاون كان بالكامل لأغراض غير عسكرية وأن تقارير التعاون في مجال تطوير الأسلحة النووية "لا أساس لها على الإطلاق". وأضاف: التعاون النووي الصيني مع إيران، ومع جميع البلدان الأخرى، أجريت وفقاً لثلاثة مبادئ. أولاً ، كان للأغراض السلمية فقط؛ ثانيا، كان مفتوحا للتفتيش الدولي. وثالثاً، تعهدت الدولة المتلقية بعدم نقل المواد أو التقنيات التي قدمتها الصين إلى دولة ثالثة دون إذن من الصين.
وبعد بضعة أيام، أصدرت وزارة الخارجية الصينية بياناً يحدد الخطوط العريضة، وتعترف رسمياً لأول مرة بتزويد الصين لإيران في عام 1989 بكالترون وإمدادات مواد اليورانيوم عام 1991 لمفاعل يعمل بقدرة 27 كيلووات. وفقاً لبيان وزارة الخارجية الصينية "تم توجيه كلتا عمليتي النقل بموجب لوائح الصين الوطنية المرصودة، وطلبت الصين من الوكالة الدولية للطاقة الذرية تطبيق الضمانات قبل شحن هذه المنشآت". جاء الاعتراف الصيني فقط قبل أيام من زيارة وزير الخارجية الأميركي جيمس بيكر إلى بكين لمناقشة هذه القضية وغيرها من القضايا، وهي كانت الزيارة الأولى لمسؤول أميركي رفيع المستوي للصين منذ أحداث ساحة تانانمين في 4 يونيو 1989.
في سبتمبر 1992، قام الرئيس رفسنجاني بزيارة للصين استغرقت أربعة أيام برفقة وزير الدفاع علي أكبر توركان وغيره من كبار المسؤولين العسكريين. خلال الزيارة، ترأس رفسنجاني ونظيره الصيني "يانغ شانغ كون" التوقيع على اتفاق من 12 نقطة من قبل وزير العلوم والتكنولوجيا سونغ جيان ورئيس رضا أمر إلاهي. نص الاتفاق على التعاون في تصميم وبناء وتشغيل محطات الطاقة النووية؛ أبحاث المفاعلات، الاستكشاف والتعدين لخام اليورانيوم؛ ضمانات الإشعاع وحماية البيئة. بموجب الاتفاقية، كانت الصين ستساعد في بناء أربع محطات طاقة نووية على الأقل 300 ميغاوات على غرار محطة نووية تم تشييدها مؤخراً في قينشان بمقاطعة تشجيانغ الصينية.
كانت هذه المفاعلات تنتج كميات كبيرة من وقود اليورانيوم المنضب الغني بالبلوتونيوم. لم يتم تحديد تواريخ تسليم محطات توليد الطاقة من طراز قينشان Qinshan إلى إيران في الاتفاقية. صرح كل من المسؤولين الصينيين والإيرانيين بأن جميع المفاعلات المنقولة بموجب الاتفاقية ستكون مشمولة بالكامل بضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية. [أنظر: "China and Iran: Ancient Partners in a Post-Imperial World"، (الصين وإيران: الشركاء القدامى في عالم ما بعد الإمبراطورية)، صفحة 147 - 148].
تعتقد مصادر المخابرات الأميركية أن رفسنجاني هو الذي اختار الصين كشريك نووي أساسي لإيران. وفي مؤتمر صحفي عقب توقيع اتفاقية سبتمبر 1992، أشار رفسنجاني إلى أن "تعاوننا مع الصين يتزايد باستمرار" وستساعد ثمار الزيارة الحالية "على تعزيز تعاوننا وجعله أكثر شمولية في العديد من المجالات الجديدة". السفير الإيراني لدى الصين أكد على الأهمية السياسية للاتفاقية، بدلاً من مجرد الأهمية التجارية للاتفاقية. وتابع السفير بالقول: "إن التعاون بين الصين وإيران في المجال النووي كان أحد أنواع التعاون الجيد بين البلدين ويؤكد على الثقة المخلصة والعميقة القائمة بين الدولتين. كان التعاون النووي "طويل الأجل بطبيعته وليس قصير الأجل مثل التعاون في مجالات الاستيراد والتصدير. وهذا يدعو كل من الجانبين إلى أن يكون على دراية جيدة ببعضهما البعض وأن يثق كل منهما في الآخر إلى حد كبير".
بعد حوالي أسبوعين من اتفاقية سونغ - أمر إلاهي، أعلن نائب مدير مكتب التعاون الدولي بوزارة الطاقة الصينية ليو شيويه هونغ: نظراً "لأسباب تقنية" فإن الصين "لا تستطيع تزويد" إيران بإنتاج البلوتونيوم الذي تبلغ طاقته 20 ميغاوات للمفاعل الذي تم الاتفاق عليه في عام 1990. العلاقة الزمنية بين موافقة الصين على دعم أربع محطات طاقة بقوة 300 ميغاوات وإلغاء تسليم مفاعل واحد بقدرة 27 ميغاوات يثير العديد من الأسئلة.
كما ساعدت الصين إيران في استخدام تقنية الليزر الذري، وهي تقنية نووية أخرى متطورة وتعد وسيلة سهلة للغاية لإخفاء تخصيب اليورانيوم. كان فصل النظائر بالليزر للبخار الذري (يرمز لها اختصاراً AVLIS من Atomic vapor laser isotope separation) رائداً في الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي في سبعينيات القرن الماضي. وهو ينطوي على تبخير معدن اليورانيوم، وقصف ذلك البخار عن طريق ضوء الليزر المكثف لتردد دقيق لفصل ذرات U235 و U238. إنه شكل فعّال للغاية لفصل / تخصيب النظائر مع واحد فقط لكل مائة ألف ذرة يتم جمعها بخلاف الـ U235 الانشطارية المطلوبة. تم استخدام أنواع مختلفة من الليزر، لكن ليزر بخار النحاس يوفر الطول الموجي الأنسب. وقد تخلت الولايات المتحدة عن البحث في فصل النظائر بالليزر الذري للبخار في عام 1994 لأن المخزونات الكبيرة الموجودة من U235 جعلت الأمر غير ضروري. [أنظر: "China and Iran: Ancient Partners in a Post-Imperial World"، (الصين وإيران: الشركاء القدامى في عالم ما بعد الإمبراطورية)].
في الأشهر الستة التي أعقبت اتفاق سونغ - أمر إلاهي، زار رئيس المؤسسة الوطنية النووية الصينية "جيانغ شين شيونغ" إيران مرتين (في نوفمبر 1992 ومرة أخرى في فبراير 1993) لتحديد التفاصيل لتزويد محطات الطاقة التي تبلغ قدرتها 300 ميغاوات. في نهاية زيارة جيانغ الثانية، وقع اتفاقاً مع أمر إلاهي ينص على أن المؤسسة الوطنية النووية الصينية ستقوم ببناء محطتين للطاقة النووية بقوة 300 ميغاوات. أكد المتحدثون باسم كل من الصين وإيران أن المحطتين ستعملان بموجب ضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية وسيتم استخدامها بالكامل في الإنتاج السلمي للكهرباء. أعلن الرئيس رفسنجاني: "على العالم كله أن يعتقد أن إيران والصين تتعاونان في مجال التكنولوجيا النووية للأغراض السلمية لاستخدام الطاقة النووية - وليس للأغراض العسكرية". أثناء المفاوضات حول محطات الطاقة التي تبلغ قدرتها 300 ميغاوات أشارت الصين إلى أنها ليست لديها مصلحة في استرداد الوقود المستهلك من المفاعلات، وسوف تترك الخيار لإيران للتخطيط للتخلص من النفايات. وفقاً لمسؤول في الصناعة النووية الصينية، ومطلع على المفاوضات بين الجانبين. قال: "هذا من شأنه أن يترك وقود اليورانيوم المحروق متاحاً لإعادة المعالجة لاستخراج البلوتونيوم".
في فبراير 1993، في نفس الشهر الذي تم فيه توقيع اتفاقية سونغ - أمر إلاهي، وافق معهد فيزياء البلازما الصيني (CAS) على تزويد إيران بجهاز توكاماك HT-6B Tokamak للأبحاث النووية بالليزر. توكاماك Tokamak هو جهاز احتواء كهرومغناطيسي تستخدم لتوليد وتسخين وتركيز البلازما من نظائر الهيدروجين الديوتيريوم والتريتيوم في محاولة لتحقيق الاندماج النووي المتحكم فيه. تم تطويره من قبل العلماء السوفييت في حوالي عام 1960. وهو مشابه في التشغيل للضوء الفلوري المألوف، مع مرور التيار الكهربائي عبر أنبوب مملوء بالغاز لتحويل الغاز إلى إيونات (أي تأيين الغاز) مما يؤدي إلى تفريغ الطاقة. في حالة Tokamak، يكون الأنبوب دائرياً ومحاطاً بملف كهرمغناطيسي يحصر مجاله المغناطيسي جزيئات الغاز في مركز الأنبوب، مما يؤدي إلى تكثيف تأثير التيار الكهربائي، وهو أيضاً أقوى بكثير مما هو عليه في لمبة الفلورسنت المألوفة. لا يرتبط توكاماك بتصميم الأسلحة أو إنتاجها. ومع ذلك، فهو جهاز متطور للغاية مقارب من حدود العلوم النووية، ويشهد على الطبيعة الطموحة لكل من البرامج النووية للصين وإيران. كان جهاز Tokamak الذي زودتها الصين لإيران في عام 1994 أول نقل دولي لتقنية أبحاث الانصهار النووي في الصين، وعلى هذا فهي شهادة على تقدم الصين المطرد في المجال النووي. تم تصميمه وبنائه في منتصف الثمانينات من قبل معهد فيزياء البلازما الصيني (CAS)، وكان يدار بواسطة هذا المعهد لمدة عشر سنوات قبل نقله إلى إيران. تم تركيب جهاز الليزر في إيران في مركز أبحاث فيزياء البلازما بجامعة آزاد في طهران.
ذهبت فرق من العلماء الصينيين إلى إيران في مناسبتين للمساعدة في تركيب الجهاز وصقله. في فبراير 1995 تم اختبار الجهاز بنجاح. افتخر معهد فيزياء البلازما الصيني بأنه "مركز أبحاث العالم الثالث للانصهار النووي" بسبب دوره في مساعدة بلدان العالم الثالث على تطوير أبحاث الاندماج النووي. في مارس 1996وقعت الصين وإيران والهند وروسيا في موسكو بروتوكولاً لإنشاء مؤسسة أبحاث الانصهار الآسيوية للتعاون في دراسة الانصهار. يعتقد الكثير من العلماء أن الاندماج النووي الخاضع للسيطرة هو أفضل أمل لتزويد الإنسانية بالوقود الأحفوري لاحتياجات طاقة العصر.
تعهدت الصين أيضاً بمساعدة إيران في إنتاج أنابيب الزركونيوم خلال منتصف التسعينيات. الزركونيوم هو معدن مقاوم للتآكل يستخدم في صناعة الأنابيب التي تحوي كريات وقود اليورانيوم في قلب المفاعل النووي شديد الحرارة والتآكل. لا يتم التحكم في إنتاج أنابيب الزركونيوم أو أنابيب الزركونيوم، وغير مراقب من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ولم يتم الإبلاغ عنها لدى الوكالة. ومع ذلك، إتقان تعدين الزركونيوم تعد خطوة أخرى متقدمة في تطوير قدرة نووية تعتمد على نفسها. الصين أيضاً تعاونت مع إيران في مجال المياه الثقيلة. الماء الثقيل غني في نظائر الهيدروجين الديوتيريوم وعند قصفه بالإشعاع من المفاعل ينتج البلوتونيوم. اعتبر المسؤولون في الولايات المتحدة الأميركية أن مفاعل الماء الثقيل هو مصنع لإنتاج البلوتونيوم وكدليل إضافي على اعتزام إيران امتلاك أسلحة نووية.
في عام 1992، بدأت المؤسسة الصينية الوطنية للطاقة النووية في مفاوضات مع إيران لبناء مفاعل يعمل بالماء الثقيل بقوة 25-30 ميغاوات. وفي ذلك العام، وفقاً لمدير مكتب التعاون الدولي التابع للمؤسسة الصينية الوطنية للطاقة النووية "ليو شيويه هونغ"، كان المفاعل قيد النظر لبيعه لإيران. وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية اعترضت مكالمات هاتفية بين طهران وبكين تناقش بيع الصين المحتمل لمفاعل يعمل بالماء الثقيل. بعد أن واجهت الولايات المتحدة بكين بهذا الأمر، حققت الحكومة الصينية في الصفقة المقترحة وأوقفتها. كان الاتفاق المحدد على عدم بيع مفاعل يعمل بالماء الثقيل أحد العناصر في اتفاق بين الصين والولايات المتحدة في عام 1997 بشأن التعاون الصيني الإيراني. لكن فيما بعد قامت إيران ببناء مفاعل يعمل بالماء الثقيل محلياً في آراك جنوب غرب طهران، وقد حققت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية في الأمر وهناك شكوك بأن إيران استعانت بروسيا لبناء المفاعل، ومع ذلك يبدو أن إيران استفادت من المفاوضات التي كانت تجريها مع الصينيين لسنوات طويلة بشأن بناء مفاعل يعمل بالماء الثقيل واكتسبت الكثير من الخبرة والمعرفة حول مفاعل الماء الثقيل. [أنظر: تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، القسم المعنون بـ "Detailed Technical Chronology"، (التسلسل الزمني الفني المفصل)].
في حين رفضت الصين تزويد إيران بمفاعل يعمل بالماء الثقيل، أشارت التقارير بأنها قامت بتزويدها بكميات كبيرة من الماء الثقيل في أوائل التسعينيات.
وبحسب ما وردت في التقارير أن الصين شحنت إلى إيران بواسطة طائرات شحن تعمل من قواعد جوية مشددة ومحظورة "كميات كبيرة عسكرياً" من الماء الثقيل على دفعات تقل عن عشرين طناً في كل دفعة. وكما هو معروف بأن عشرين طن هو الحد الأدنى الذي يتطلب الإبلاغ عنه لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية في مثل هذه المعاملات.
بالإضافة إلى السماح للموظفين الإيرانيين بالقيام بإجراء تجارب قياسية مع عمليات الماء الثقيل، فإن هذه الدولة (الصين) التي تزود إيران بالماء الثقيل هي قرينة مفاعلات إيران لإنتاج البلوتونيوم. في عام 1994، زودت الصين إيران أيضاً بكمية غير معروفة من فوسفات ثلاثي البوتيل، وهي مادة كيميائية تستخدم في استخراج البلوتونيوم من اليورانيوم المنضب. في الوقت نفسه، ربما تكون الصين قد زودت إيران بالبيانات الفنية المتعلقة بفصل البلوتونيوم. فيما بعد، باعت الصين إيران فلوريد الهيدروجين اللامائي الذي يمكن استخدامه في إنتاج سداسي فلوريد اليورانيوم.
وفقاً للمعلومات التي توافرت لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية في أكتوبر 2003، أن بين عامي 1981 و 1993 أنتجت إيران في المختبرات "كميات المقياس" (كيلوغرام) تقريباً لجميع المواد المهمة لإنتاج اليورانيوم المخصب: كربونات أمونيوم يورانيل، وثاني أكسيد اليورانيوم، ورابع فلوريد اليورانيوم (UF-4)، وسداسي فلوريد اليورانيوم (UF6). كل هذه الأنشطة كانت سرية ولم يتم الإبلاغ عنها للوكالة الدولية للطاقة الذرية. في عام 1993، قررت إيران إنهاء جهود البحث والتطوير المحلية على UF4 و UF6، لأن "المورد الأجنبي" أشار إلى استعداده لتصميم وبناء منشأة لتحويل اليورانيوم، وهذا المورد الأجنبي هو الصين. [أنظر: تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، القسم المعنون بـ "Detailed Technical Chronology"، (التسلسل الزمني الفني المفصل)].
في عام 1994، وافقت الصين على تزويد إيران بمرافق كبيرة لإنتاج سداسي فلوريد اليورانيوم - أي تصميم وبناء منشأة لتحويل اليورانيوم، أو "مرفق سداسي". كما أشرت سابقاً، أن سداسي فلوريد اليورانيوم هو شكل غازي من اليورانيوم يحتوي على نظائر U238 و U235 ويشكل مدخلات لتخصيب الطرد المركزي. في يونيو 1994، كانت هناك تقارير تفيد بأنه تم اختطاف مهندسين نوويين صينيين كانوا يساعدون منظمة الطاقة الذرية الإيرانية على بناء محطة صغيرة لتحويل اليورانيوم التجريبي في رودان، شيراز. وقد أكدت السلطات الإيرانية هذه التقارير جزئياً على الأقل.
وكجزء من المفاوضات حول صفقة تصميم وبناء منشأت لتحويل اليورانيوم، زودت الصين إيران بمخططات وتقارير اختبار ومعلومات عن تصميم المعدات لمرفقين. تم تصميم المنشأة الأولى لتحويل تركيز خام اليورانيوم إلى ثاني أكسيد اليورانيوم الطبيعي ثم إلى سداسي فلوريد اليورانيوم. بلغت القدرة التصميمية للمصنع السداسي هذا، مائتي طن من سداسي فلوريد اليورانيوم في السنة. تم تصميم المنشأة الثاني لإنتاج معدن اليورانيوم. والقلب المتفجر للقنابل الذرية هو معدن اليورانيوم. في مارس 1996، توجه فريق من المتخصصين النوويين الإيرانيين إلى الصين لدراسة الوثائق التقنية. في الشهر التالي، ذهب فريق صيني إلى طهران لبدء أعمال التصميم التفصيلية. في عام 1996، أخطرت إيران رسمياً إدارة ضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية بأنها تخطط لشراء مصنع لتحويل سداسي فلوريد اليورانيوم من الصين. بحلول منتصف عام 1997، عدد كبير من الفنيين النوويين الصينيين كانوا يشاركون في أعمال بناء تمهيدية في إيران بشأن إنشاء المرفقين. [أنظر: تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، القسم المعنون بـ "Detailed Technical Chronology"، (التسلسل الزمني الفني المفصل)].
احتجت الولايات المتحدة "على أعلى المستويات" لبيع الصين مرفق سداسي لإيران. بعد عدة سنوات من المساومة مع واشنطن، وافقت بكين أخيراً على تعليق صفقات المرفق أو المصنع السداسي، وتم تجسيد هذا الالتزام في اتفاق في أكتوبر 1997 بين الصين والولايات المتحدة.
وفقًا لتقرير إيران لعام 2003 المقدم إلى الوكالة الدولية للطاق الذرية، وقبل تسليم المعدات لتصميم وبناء منشأة لتحويل اليورانيوم بواسطة "المورد الأجنبي" ألغى ذلك المورد العقد في عام 1997. بعد أن تراجعت الصين، شرعت إيران بعد ذلك في استخدام بيانات تصميم "المورد الأجنبي" لإنتاج جميع المعدات اللازمة محلياً. بدأ إنشاء المصنع في عام 1999، وكان من المتوقع أن يبدأ تشغيل أول خط إنتاج في نوفمبر 2003. وقالت بعض "المصادر الجيدة" أن الصين "باعت" المخططات الخاصة بمصنع UF6 إلى إيران عندما انسحبت من المشروع. إذا لم يحدث مثل هذا البيع، فإن المعلومات الفنية والمعرفة التي اكتسبها الموظفون الإيرانيون على مدار العامين السابقين من المفاوضات قد تزودوا بأساساً قوياً لبناء إيراني مستقل لمصنع سداسي فلوريد اليورانيوم UF6. سوف يوفر مصنع إيران السداسي، الذي صممته الصين، المادة الخام لمرفق تخصيب أجهزة الطرد المركزي في مفاعل نطنز. في عام 1983، منعت الولايات المتحدة الأميركية من مساعدة إيران في إنتاج سداسي فلوريد اليورانيوم UF6. بعد عقد من الزمن، ساعدت الصين إيران على امتلاكها هذه القدرة.
الخلاصة، إن التعاون الصيني الإيراني في الفترة من عام 1985 إلى 2004 التي تتضمن علاقة وتعاون نووي بين الصين وإيران، تدعم الجدال والنقاش الدائر حالياً في الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن البرنامج النووي الإيراني. في تلك الفترة من 1985 إلى 2004ـ لم يكن أحد يعرف عن العلاقة السرية بين الصين وإيران بشأن البرنامج النووي الإيراني، وأن الصين كان لها دور كبير في مساعدة إيران في برنامجها النووي فضلاً عن دعمها في المحافل والمنظمات الدولية. إن تورط الصين في جهود إيران لتحديث وتطوير قدراتها العسكرية وبرنامجها النووي وقواتها، بما في ذلك تزويدها بالأسلحة وخدمات الهندسة العكسية لاستنساخ الأسلحة وتقنية "المعرفة" Know-how، فضلاً عن السلع الرأسمالية في مقابل النفط الإيراني، مما يشير إلى وجود روابط بين التبادل والتعاون الصيني الإيراني. بعبارة أخرى: النفط الإيراني مقابل السلاح الصيني والدعم في الساحات السياسية الدولية. [انظر: "China and Iran: Ancient Partners in a Post-Imperial World"، (الصين وإيران: الشركاء القدامى في عالم ما بعد الإمبراطورية)].
في المجمل، يمكننا القول أن الفكر السياسي والعسكري الصيني، لا سيما استراتيجي جيش التحرير الشعبي الصيني، يتطلع إلى أن إيران النووية ستكون في مصلحة الصين، حيث لا تكفي باكستان النووية لمقارعة الهند والولايات المتحدة، وإذا أصبحت إيران دولة نووية فهذا يعني زيادة حلفاء الصين النوويين.
الـــفـــــصـــــــــل الــــخــامـــــــس
حجم المبيعات العسكرية وحجم الخبراء والعمالة الصينية في إيران
1 - حجم التعاون والتبادل التجاري في المجال العسكري
على الرغم من أن تقرير خدمة أبحاث الكونغرس يشير إلى أن ما بين الأعوام 1993 - 1996 اشترت طهران أسلحة من جمهورية الصين الشعبية تقدر قيمتها بـ 400 مليون دولار . وفي الفترة من 1997 إلى 2000 كانت تقدر مبيعات الصين للأسلحة إلى إيران بـ 600 مليون دولار، لتحتل الصين المرتبة الثالثة كمورد عسكري لإيران". [أنظر: تقرير خدمة أبحاث الكونغرس].
إلا أن هناك اختلاف في الأراء داخل الحكومة الأميركية حول حجم النفقات العسكرية الإيرانية بوجه عام، مما يؤثر على المبالغ التي أنفقتها إيران على مشتريات الأسلحة من الصين. وبالتالي، فإن تلك الأرقام التي ظهرت في تقرير خدمة أبحاث الكونغرس غير دقيقة. على سبيل المثال، في عام 1993 شعر خبراء وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية أن إيران أنفقت في عام 1993 ما يصل إلى 8 مليارات دولار على القوات العسكرية، بينما لجنة قانون الحد من الأسلحة ونزع السلاح قدرت مبلغ 4.9 مليار دولار فقط. وقد أصدرت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية تقديرات منقحة في عام 1995 تفيد بعدم قدرتها على إجراء تحويلات دقيقة للإنفاق العسكري الإيراني من خلال تحويل سعر صرف الريال الإيراني إلى الدولار، لكنها أشارت إلى أن إيران صرحت بأنها في عام 1992 أنفقت على الدفاع مبلغ 1785 مليار ريال إيراني وكذلك مبلغ 808 مليون دولار بالعملة الصعبة، وفي عام 1993 أنفقت 2،507 مليار ريال إيراني وكذلك 850 مليون دولار بالعملة الصعبة. [أنظر: Iranian Arms Transfers: The Facts].
وهذا يعني أن لا أحد يمكنه أن يعرف كم صرفت إيران على الانفاق العسكري، وكم صرفت على مشتريات الأسلحة الصينية، سوى النظام الإيراني. نظراً لاستخدام إيران العملة المحلية (الريال الإيراني) وفي معظم الأحيان من الصعب معرفة سعر الصرف الحقيقي للريال الإيراني، فضلاً عن أن إيران في معاملاتها التجارية تدمج بين العملة المحلية والعملة الصعبة، بمعنى تدفع جزء من المبلغ بالعملة المحلية وجزء آخر بالعملة الصعبة نظراً للقيود الدولية الكبيرة التي بإستمرار مفروضة على إيران مثل العقوبات الاقتصادية، فضلاً عن أن في كثير من الأحيان تستخدم نظام المقايضة ترسل شحنات نفط وتستلم مقابلها أسلحة، بعبارة أخرى النفط الإيراني مقابل السلاح الصيني.
ومع ذلك، سنحاول قدر الإمكان طرح ما يتوافر لدينا من معلومات عن حجم التبادلات العسكرية بين الصين وإيران. الجدول رقم (2) وكذلك الشكل رقم (3) يوضحان حجم التبادلات العسكرية الصينية الإيرانية رفيعة المستوى التي تم الإعلان عنها خلال الأعوام 1989 - 2003. وكانت هذه التبادلات أكثر كثافة في أوائل التسعينيات، عندما كان التعاون الصيني الإيراني ضد الهيمنة أشد، ثم انخفضت في النصف الثاني من التسعينيات. ربما كانت هناك تبادلات عسكرية واسعة قبل عام 1989 ولكن كان سري، غير معلن. بالنظر إلى عمليات النقل المكثفة للأسلحة والتعاون في مجالات الصواريخ والنووي التي كانت موجودة خلال فترة ما قبل عام 1989، فمن شبه المؤكد أن المفاوضات بين المسؤولين الصينيين والعسكريين الإيرانيين كانت قائمة. حتى نهاية الحرب الإيرانية العراقية، ظلت التبادلات العسكرية سرية، ربما لأنها تتناقض مع سياسة الحياد التي كانت الصين تنتهجها. [أنظر: "China and Iran: Ancient Partners in a Post-Imperial World"، (الصين وإيران: الشركاء القدامى في عالم ما بعد الإمبراطورية)، صفحة 171].
الجدول رقم (2)
التبادلات العسكرية الصينية الإيرانية
تابع للجدول رقم (2)
الشكل رقم (3)
جزء كبير من المساعدات العسكرية الصينية لإيران خلال الحرب العراقية - الإيرانية كان من الأسلحة الصغيرة والذخيرة، بما يلائم أسلوب الحرب. ومع ذلك، قدمت الصين أيضاً كمية كبيرة من الأسلحة الثقيلة. كما هو مبين في الجدول رقم (3)، كانت المدفعية الثقيلة والدبابات من بين أهم العناصر.
الجدول رقم (3)
مبيعات الأسلحة التقليدية الصينية إلى إيران في الفترة من 1982إلى 2004
خلال المرحلة الأولى من التعاون الدفاعي الصيني الإيراني (1985 - 1999) وهي مرحلة التأسيس والتمكين، شكلت الأسلحة الصادرات الرئيسية للصين إلى إيران حتى أواخر التسعينيات. وهذا الاستنتاج يأتي من خلال مقارنة تقديرات مبيعات الأسلحة الصينية لإيران التي تم حسابها من قبل معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام SIPRI
مع بيانات التجارة الثنائية التي نشرتها "إحصائيات الأمم المتحدة لإحصاءات التجارة"، كما موضح في الجدول رقم (4). المنهجيات المستخدمة من قبل معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام والأمم المتحدة للوصول إلى الأرقام السنوية لكل منهما مختلفة، لكن المقارنة تنتج تقديراً تقريبياً. من النسبة المتواضعة جداً 1% في عام 1981 ارتفعت الأسلحة إلى أكثر من خمسة أضعاف قيمة مبيعات البضائع الصينية العادية في العام التالي، ثم إلى واحد وعشرين مرة، واثني عشر مرة، وتسعة أضعاف هذه القيمة على التوالي خلال السنوات الثلاث الأخيرة من الحرب العراقية الإيرانية. بعد ذلك انخفضت مبيعات الأسلحة، لكنها ظلت في المتوسط 50% من إجمالي الواردات الإيرانية المدنية خلال السنوات العشر التالية للحرب. كما هو موضح أدناه، كان النفط أكبر عنصر في واردات الصين من إيران. في الواقع، كانت الصين تتبادل الأسلحة مقابل النفط. يساعد هذا في توضيح سبب أهمية مبيعات الأسلحة لإيران، ولماذا قاومت الصين بشدة الجهود المبذولة لتقييد تجارة الأسلحة مع إيران.
الجدول رقم (4)
مبيعات الأسلحة الصينية إلى إيران كنسبة مئوية من الصادرات الصينية الاعتيادية إلى إيران
بصرف النظر عن التجارة والسلع الاستهلاكية، فإن العلاقة العسكرية مع الصين لها أهمية كبيرة بالنسبة لطهران. بالنسبة لإيران، تظل الصين خياراً جاداً لشراء الأسلحة منها حتى في فترة ما بعد الصفقة النووية. لن تنسى إيران أبداً دور الصين في بيع أسلحة بقيمة 5 مليارات دولار خلال الحرب مع العراق، وتعتبر الأسلحة الصينية بديلاً عن الأسلحة الغربية لضمان أمن إيران في الأوقات العصيبة.
تشير الإحصاءات إلى أنه بعد باكستان، تعد إيران ثاني أكبر مشترٍ للأسلحة الصينية في الأعوام 2005 - 2009. [أنظر: Beijing's Tightrope Walk on Iran]. ويُعتقد أن معظم هذه المشتريات كانت الصواريخ التي تقدر قيمتها ما يتراوح بين 4 و 10 مليارات دولار. [أنظر: China and Iran: Economic, Political, and Military Relations].
كان من المفترض رفع العقوبات الصاروخية التي على إيران بعد التوقيع على الصفقة، لكن حتى لو استمرت الصفقة النووية ورفعت العقوبات الصاروخية عن إيران فمن المتوقع أن مجال العلاقات الصاروخية بين الصين وإيران على وجه الخصوص سوف تستمر سراً كما كان من قبل. الجدول رقم (5) يحدد كيف ستؤثر الصفقة النووية على مبيعات الأنظمة التي قدمتها الصين لإيران في العقد السابق خلال فرض العقوبات، [أنظر: The Future Of Iran-China Relations: An Alliance Or Pure Cooperation?].
الجدول رقم (5)
تأثير مبيعات الأسلحة الصينية وخطة العمل الشاملة المشتركة JCPOA
بشكل عام، يتطلب تجديد مبيعات معظم هذه الأنظمة موافقة مجلس الأمن، على الرغم من أنه من المحتمل أن يتم السماح بتوفير صواريخ قصيرة المدى مثل FL-8 دون تنازل.
ومن الجدير بالذكر، إن الرفع الجزئي للعقوبات عن إيران في أعقاب الاتفاق النووي مع الولايات المتحدة يبدو أنه يساعد التعاون الإيراني الصيني؛ بعض دول الاتحاد الأوروبي لا تزال حذرة بعض الشيء من التوسع بقوة في العلاقات الاقتصادية مع إيران، لكن الصين ليست كذلك. حددت إيران والصين الهدف الطموح المتمثل في زيادة التجارة الثنائية بعشرة أضعاف إلى 600 مليار دولار بحلول عام 2026. [أنظر: China, Iran" "Agree to Expand Trade to $600 Billion in a Decade، (الصين وإيران تتفقان على توسيع التجارة إلى 600 مليار دولار في عقد)].
وقد ضخت الصين مليارات من الدولارات في مشاريع داخل إيران عبر ذراعها القوي مجموعة CITIC Group Corporation Ltd "مجموعة شركة الثقة الصينية الدولية للاستثمار"، وهي مجموعة الاستثمار المملوكة للدولة الصينية. وفي تصريح للحكومة الإيرانية ومسؤولو الصناعة إن الصين تمول مليارات الدولارات من المشروعات التي تقودها الصين في إيران، وتحقق تقدماً عميقاً في الاقتصاد، وقالوا إن إيران التي تحررت من العقوبات النووية المشلولة (تلك العقوبات التي كانت مفروضة على إيران قبل توقيع الصفقة النووية) تجني الآن أموالاً صينية غير مسبوقة لكل شيء من الطرق السريعة والسكك الحديدية إلى الموانئ ومحطات الطاقة ومشاريع لصناعات دفاعية مشتركة بين الصين وإيران.
2 - حجم الخبراء والفنيين والمهندسين والعمال الصينيين في إيران
وفقاً للبيانات الصينية الرسمية تشير إلى أن قبل عام 2015 أي قبل "الصفقة النووية"، كان عدد الصينيين في إيران سنوياً أقل من 50,000. لكن مع رفع العقوبات المفروضة على إيران في عام 2016 بلغ عدد الصينيين في إيران حوالي 70،000 في عام 2017، وحوالي 70٪ منهم خبراء ومستشارين وفنيين ومهندسين ... الخ يعملون في مشاريع بقطاع الصناعات الإيرانية مثل الصناعة الدفاعية وصناعة النفط والبنى التحتية، وكذلك من بينهم رجال أعمال ممن أنشأوا شركات خاصة في إيران. وبالنظر إلى عددهم في عام 2017 وقياساً على نسبة 70% فإن حوالي 49,000 صيني ما بين خبير وفني ومهندس يعملون في قطاع الصناعات الإيرانية. [أنظر: Chinese enterprises trying to survive in Iran despite policy shifts, US bluffs].
وأثناء الاحتجاجات الإيرانية في العام الماضي، كانوا الإيرانيون ينشرون على وسائل التواصل الإجتماعي صور للصينيين في إيران، وكانوا مستائين من العدد الكبير للتواجد الصيني في إيران، وهذه صورة نشرت بواسطة النشطاء أثناء الاحتجاجات الإيرانية في العام الماضي.
بالأسفل خبراء صينيون يعملون في منشآت إيرانية، وبالأعلى صيني يطل من نافذة منزله على الاحتجاجات والتظاهرات الإيرانية التي اندلعت العام الماضي.
عمال صينيون يعملون في بناء وتشييد الأنفاق في إيران
الـــفـــــصـــــــــل الــــســـادس
مستقبل العلاقات الدفاعية الصينية - الإيرانية
1 - اعتبارات استراتيجية وجيوسياسية
تثير قضية تحويل وتطوير العلاقات بين إيران والصين إلى مستوى تحالف استراتيجي اهتماماً وجدلاً كبيرين بين الأوساط السياسية الإيرانية الرسمية وغير الرسمية. البعض يعتبر الصين قوة عالمية قادمة ويؤكدون على أهمية وجود علاقات وثيقة مع بكين، بينما يطالب البعض الآخر بعلاقات أوثق مع الاتحاد الأوروبي في المستقبل. ومع ذلك، كلتا المجموعتين تتفقان على أن الصين لعبت دوراً رئيسياً في تسهيل تخطي إيران أزمة العقوبات الدولية التي فرضت عليها خلال سنوات من العقود السابقة.
على الرغم من وجود أرضية للتعاون المشترك بين البلدين، إلا أن هناك العديد من المعوقات التي تقف حائلاً أمام تعزيز مستوى العلاقات إلى "تحالف استراتيجي"، وبالتالي فمن غير المحتمل أن يحدث مثل هذا التغيير.
ذكرنا سابقاً، أن في عام 1985 وقعت حكومتا الصين وإيران اتفاقاً سرياً للتعاون النووي خلال زيارة رئيس مجلس النواب الإيراني آنذاك أكبر هاشمي رفسنجاني إلى الصين. في هذا الصدد، ذكر هاشمي رفسنجاني في مذاكراته عن زيارته للصين نقطة في غاية الأهمية، وهي "مسألة الولاء الاستراتيجي مع الصين"، [يُقصد بـ "الولاء": العهد والميثاق، أي التحالف].
يروي في مذكراته: "مدعوماً بأمر من الخميني، عرضتُ على الصينيين ولاءً استراتيجياً مع الصين، وقد رحبوا به". [أنظر: "امید و دلواپسی" (کارنامه و خاطرات هاشمی رفسنجانی سال ۱۳۶۴)، كتاب مذكرات رفسنجاني، 1986)]. وهذا مؤشر واضح على أن النظام الإيراني الحالي منذ بداية انفتاحه على الصين وتأسيس روابط التعاون والعلاقات كان على أجنداته "تحالف استراتيجي" مع الصين.
امتدت العلاقات بين الدولتين التي تم تأسيسها بشكل أساسي على العلاقات العسكرية خلال الحرب الإيرانية العراقية، تدريجياً شملت الاقتصاد والهندسة المدنية والصناعة والزراعة وما إلى ذلك. عندما أصبح هاشمي رفسنجاني رئيساً لإيران حافظ على هذه العلاقات وبمستوى عال، وكان مستمتعاً بتعاون الصين في إعادة إعمار إيران ما بعد الحرب وتحسين الاقتصاد المدمر.
وعند مجيء خليفته، الرئيس خاتمي أيضاً اتبع نفس الاستراتيجية، وبعد بضع زيارات متبادلة بين العاصمتين من قبل المسؤولين في البلدين، مالت إيران أكثر نحو الصين لتوفير احتياجاتها، حتى وصل مستوى التجارة بين البلدين إلى 10 مليار دولار أمريكي في عهد خاتمي. [أنظر: Iran and China]. في هذه الفترة استفاقت أميركا وبدأت في كبح جماح الروابط العسكرية والاقتصادية بين إيران والصين، وفرضت العقوبات تدريجياً على إيران، لكنها جاءت متأخرة بعد أن طارت الطيور بأرزاقها.
خلال فترة محمود أحمدي نجاد، تبنت إيران سياسة يشار إليها بـ "التطلع نحو الشرق" بغرض جذب الدعم السياسي لإيران من قبل الصين والكتلة الشرقية السابقة. ووقعت عقود بين البلدين، من بين هذه العقود معاهدة موقعة من قبل الدولتين في عام 2008 تنص على أن إيران تسمح للحكومة الصينية باستخدام إيراداتها من بيع النفط كائتمان لشراء البضائع الصينية. بمعنى آخر، الاتفاق ألزم إيران بضمان بيع البضائع الصينية بالائتمان.
عند وصول روحاني رئيساً لإيران، حافظ على نفس الوتيرة من العلاقات مع الصين، بل كان أكثر دهاءً، استخدم "القوة الناعمة" في التقارب مع الكتلتين الغربية والشرقية في آن واحد، وركز على الدبلوماسية الدفاعية. في سبتمبر 2013، أثناء الانخراط في المفاوضات النووية أكد روحاني على:
"العلاقات مع الصين لها أهمية قصوى لأننا نتعاون مع الصين في مجالات مختلفة. الصين مستعدة للاستثمار في مناطق مختلفة من بلدنا. لقد وافقنا على اقتراح في حكومتنا يتعلق بالطريقة التي يمكننا بها الوصول إلى الحسابات المتعلقة بمبيعات النفط التي تم فتحها في بلدان أخرى بما فيها الصين. [أنظر: Iran’s new president, Hasan Rouhani, looks to begin outreach in UN debut]
وهكذا، بعد المفاوضات النووية، وإبرام الصفقة النووية مع الدول الخمس +1، تم إضفاء الشرعية الدولية على العلاقات الصينية - الإيرانية. ولتحقيق هذه الغاية، وجدت بكين أن تطوير علاقات أوثق مع إيران الجديدة، التي تتعاون الآن مع الغرب في المجال النووي، أقل تكلفة من الناحية السياسية. وهذا من شأنه أن يشجع بكين على الاستمرار في علاقات دفاعية أعمق مع طهران ولن تؤدي إلى رد فعل غربي قوي. ومع مرور الوقت سوف تتغير العلاقات بين إيران والصين بحيث خلال أشهر قليلة بعد إبرام الصفقة النووية تتخذ العلاقات السياسية والاقتصادية بين البلدين مساراً جديداً مختلفاً عن الماضي. وأن هذا الاتفاق سيأتي مع اعتبارات استراتيجية وجيوسياسية والتي سوف تغطي منطقة واسعة من الخليج العربي على طول الطريق شرقاً إلى المحيط الهندي ومضيق ملقا بالإضافة إلى طول طريق الحرير بالكامل وآسيا الوسطى. [أنظر: Final Nuclear Deal and Iran-China Relations].
في هذا الصدد، علاقات صينية أوثق مع إيران، التي توفر مصادر الطاقة للصين ويمكن أن تصل الطاقة إليها عن طريق البحر والبر على حد سواء، وتحصل إيران على الأسلحة من الصين، مما يثبت بأن طهران وبكين تربطهما علاقات تسبق حاجة الأخيرة لواردات النفط. في الفترة التي فرضت العقوبات الدولية على طهران، انخفض التعاون الصيني الإيراني بعض الشيء، ولذلك الصين وإيران كانتا تعولان على أن يتوازن في أعقاب الاتفاق النووي. وهو ما حصل، ففي الفترة من 2013 إلى 2018 توازن التعاون، لكن من المرجح أن ينخفض مرة أخرى في أعقاب الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي وفرض العقوبات الاقتصادية الأميركية على إيران.
بالنظر إلى الفرص المحتملة لتطوير العلاقات الدفاعية بين الصين وإيران، يرى الساسة الإيرانيون المواصلة في استكشاف الديناميات الاستراتيجية والسياسية التي قد تؤدي إلى التطورات المحتملة للعلاقات الدفاعية الصينية الإيرانية. فيما يلي بعض النقاط التي يثيرها الخبراء الإيرانيين بخصوص دبلوماسية دفاعية فعّالة مع الصين:
1 - يعتقد الخبراء الإيرانيون، بأن عند إجراء مقارنة لواردات الأسلحة التقليدية الرئيسية لدول الخليج العربي وتركيا وحتى أذربيجان يتبين أن إيران استوردت أقل بكثير من هذه البلدان في العقد الماضي. لذلك، وفقاً لهؤلاء الخبراء الإيرنيين، أن على إيران أن تتصرف لملء الفراغ كما يمكن لمواكبة هذه الدول. ويضيفون: وفقاً لتحليل كامل عن ميزان القوى في إقليم الخليج العربي، يتضح أن القوى الخليجية (السعودية ودول الخليج العربي) يتمتعون بميزة كبيرة في القدرة على الحرب الجوية الشاملة، والطائرات المقاتلة، وصواريخ أرض - جو ومنظومات الدفاع الجوي الصاروخي المتقدمة مثل الباتريوت والثاد. وبالتالي، فإن العمق الإيراني المستهدف معرض للخطر، في حين أن دول الخليج العربي تمتلك منظومات الدفاع الجوي الصاروخي المتقدم تغطي العديد من الأهداف الرئيسية، كما أن الولايات المتحدة تنشر سفن بأنظمة دفاع صاروخي متقدم ذات قدرة واسعة النطاق. [أنظر: Chinese - Iranian Military Relations].
بالنظر إلى هذه الحقائق، إذا ما افترضنا بأن الدول التي تقيم علاقات ودية مع إيران مثل الصين انقلبت سياسات مبيعاتها نحو عدم بيع أي نوع من تقنيات الأسلحة المتطورة إلى إيران، فإن دول الخليج العربي والولايات المتحدة وإسرائيل ستكون لديهم ميزة ساحقة في العديد من المجالات مثل القدرة على الضربات الجوية والصاروخية وأنظمة الدفاع الجوي. لذا، فإن إيران من جانبها ترى في الصين كحليف من ضمن القوى الكبرى، ودولة قادرة على التوازن مع القوة الأميركية وحلفائها وكذلك الدفاع عن إيران. ومع ذلك، لا يوجد يقين في هذا الصدد. [أنظر: Chinese - Iranian Military Relations].
2 - على الجانب الصيني، يعد الشرق الأوسط منطقة ذات أهمية جيواستراتيجية للتوازن السياسي العالمي بأكمله. ستلعب الصين دوراً متزايداً على الساحة العالمية، ولذا هي بحاجة إلى تعزيز وجودها في المناطق الأساسية للمصير العام للتوازن السياسي العالمي. على رقعة الشطرنج هذه، يمكن أن تلعب الصين دوراً مهماً من حيث التأثير الاقتصادي والاستراتيجي والأيديولوجي. لذلك، تحاول بكين تعزيز علاقاتها العسكرية مع طهران التي تمثل فرصة لها للدخول في التوازن السياسي الإقليمي، وإيران هي النموذج الأمثل لهذه الاستراتيجية الصينية. [أنظر: Key Issues in China-Iran Relations].
أيضاً كلا البلدين يضعون واشنطن على أهدافهم الجيواستراتيجية الرئيسية. لذلك، وفقاً للخبراء الإيرانيين، فإن إيران هي الدولة الوحيدة على ساحل الخليج العربي غير المتحالفة مع واشنطن، وهو عامل مهم جداً بالنسبة لاستراتيجي جيش التحرير الشعبي الصيني الذين يعتبرون الولايات المتحدة عدواً للصين.
الخبراء الإيرانيين يعتقدون أن من المهم بشكل خاص النظر في كيفية إدراك المسؤولين والمفكرين الإستراتيجيين من كلا البلدين للمخاطر التي يمثلها الوجود الأميركي في مناطقهم (منطقة الخليج العربي وشرق آسيا)، ويعتقدون أن التعاون العسكري الثنائي وسيلة فعّالة للتخفيف من تلك المخاطر. الدلائل على أن أيًا من هذه الآراء تتحول في ضوء إعادة التوازن الأميركي إلى آسيا أو العمليات العسكرية الأميركية في الشرق الأوسط يمكن أن يكون لها انعكاسات بارزة بشكل خاص على التقدم في علاقتها العسكرية. لذلك، في تجسيدهما الحالي فإن الصين وإيران تجسدان سياساتهما الخارجية بأنها "الهيمنة المضادة".
العلاقات العسكرية بين الصين وإيران قد تتبعها انجازات أوسع في العلاقات الثنائية الشاملة. إذا كان هذا هو الحال، فسيكون من المفيد فهم الاتجاه العام الذي يبدو أن هذه العلاقات تسير فيه، وكذلك وجهات النظر في بكين وطهران فيما يتعلق بالفرص والقيود المفروضة على التعاون مع الآخر. دلائل التفاؤل لدى أي من الجانبين بأنه قد يكون هناك مجال لرفع مستوى العلاقات بشكل ملحوظ، خاصة مع قيادة جديدة من كلا الجانبين (روحاني في إيران وشي جين بينغ في الصين)، يمكن أن تشير إلى المزيد من الفرص لتعزيز العلاقات العسكرية بين البلدين. تعتقد إيران أن الولايات المتحدة ستفقد مكانتها كقوة رائدة بلا منازع في العالم خلال العقد ونصف العقد المقبلين، كما تعتقد أن الصين ستكون منافس قوي لتحل محل أميركا، وبالتالي، فإن الصين هو الشريك المثالي لإيران التي تحتاج إلى التكنولوجيا المدنية والعسكرية.
ومن ناحية أخرى، من المهم أن نفهم كيف أن التفاعلات العسكرية بين الصين وإيران تسهل على تحقيق الأهداف الاستراتيجية للبلدين في الشرق الأوسط. يمكن للنهج الصيني الأوسع تجاه الشرق الأوسط أن يحدد طبيعة أو مدى اتصالاتها العسكرية مع إيران، في حين أن أهداف إيران في محيط جوارها قد تؤثر على طبيعة تفاعلاتها مع جيش التحرير الشعبي الصيني. بالنسبة للغرب الذي تقوده الولايات المتحدة، كانت الصين دائماً تستغل الفرص في البلدان التي يكون فيها وجود القوى العظمى ضعيفاً. وكجزء من هذه الإستراتيجية، تعد طهران شريكاً مثالياً لبكين، سواء بالنسبة لمواردها الطبيعية أو لنفوذها الجيوسياسي.
مصالح الصين في إيران تمتد إلى أبعد من تأمين إمدادات النفط وضمان تخفيف العقوبات. بكين بعد العلاقات الدفاعية الجديدة مع إيران تسعى بنشاط نحو ما يسمى بمبادرة "حزام واحد - طريق واحد"، بما في ذلك خطة القرن الحادي والعشرين "طريق الحرير البحري" و "الحزام الاقتصادي لطريق الحرير"، والتي تهدف إلى أن تصبح القوة الدافعة للنمو الاقتصادي المستمر للصين في العقد المقبل وحتى أبعد من ذلك في المستقبل. [أنظر: ملف "مبادرة حزام واحد - طريق واحد" من الموقع الرسمي الصيني].
ترتبط هذه الخطة جزئياً ببرنامج التنمية الغربية الكبرى في عهد الرئيس الصيني السابق جيانغ زيمين الذي سعى للحفاظ على النمو الاقتصادي للصين من خلال الانفتاح والاستثمار في الجزء الغربي من البلاد. كما يتصور الرئيس الحالي شي جين بينغ، "حزام واحد - طريق واحد" سيخلق ممراً اقتصادياً واعداً يمتد عبر القارة الأوروآسيوية. [أنظر: China and the Iranian Nuclear Negotiations]. لكن نجاحه النهائي سوف يتوقف على استقرار الشرق الأوسط بشكل عام، وعلى إيران بشكل خاص. بمعنى آخر، لا تربط العلاقة التاريخية بين إيران والصين ثلاث مناطق فقط؛ شرق آسيا وغرب آسيا وآسيا الوسطى، ولكن لديها أيضاً القدرة على التأثير إيجاباً على السياسة الإقليمية والعالمية السائدة.
لذلك، فإن أي اتفاق عسكري ودبلوماسية دفاعية بين الجانبين سوف تأتي مع اعتبارات استراتيجية وجيوسياسية ملحوظة، والتي سوف تغطي منطقة واسعة من الخليج العربي وصولاً إلى الشرق من المحيط الهندي ومضيق ملقا بالإضافة إلى طريق الحرير وآسيا الوسطى بكامل طوله. وبشكل عام، على الرغم من النوايا المتبادلة لتحسين مستوى العلاقات الدفاعية، يرى الساسة الإيرانيون بأنه يتعيّن على الصين وإيران التغلب على التحديات الخطيرة للتنفيذ العملي لخططهما. من ناحية، المخاوف الصينية بشأن محور الولايات المتحدة إلى الشرق، يجعل بكين مهتمة للغاية بتطوير علاقاتها الدفاعية مع طهران. من ناحية أخرى، المعضلة النووية الإيرانية والعقوبات التي تفرض عليها تشكل أيضاً عقبة أمام تطوير العلاقات الصينية - الإيرانية. هذا، بدوره، يجبر السلطات الإيرانية على أن تكون أكثر نشاطاً في اتصالاتها مع البلدان المستعدة للدفاع عن التعاون مع طهران حتى في ظل العقوبات الحالية. لذلك، تنظر الصين إلى إيران كعنصر أساسي في طريقها الحريري لحزامها الاقتصادي، والذي يهدف إلى توسيع نفوذ بكين عبر آسيا الوسطى إلى الخليج العربي وأوروبا. [في هذا الصدد، انظر مناظرة ممتازة في مقال لمعهد واشنطن: Iran Seen from Beijing].
ومع ذلك، فإن السؤال المطروح هو: هل يمكن تعزيز العلاقات بين إيران والصين إلى مستوى أعلى؟. ما تم استعراضه في هذا التقرير يؤكد أنه على الرغم من وجود أرضية للتعاون المشترك بين البلدين، إلا أن هناك العديد من القيود والمعوقات لتعزيز وتطوير مستوى العلاقات، وبالتالي من غير المحتمل أن يحدث مثل هذا التغيير.
2 - عدم اليقين في "تحالف إستراتيجي"
في عهد الرئيس الإيراني روحاني، شهدت زيادة مطردة في الدبلوماسية الدفاعية بين إيران والصين، والتي تضمنت زيارات إلى بكين رفيعة المستوى ولمسؤوليين كبار من السياسيين والدبلوماسيين والمستشارين العسكريين الإيرانيين وقادة وأفراد الجيش الإيراني، أنعكست على الصين لتحسين علاقاتها مع إيران وإمكانيات فتح مستوى جديد للتعاون الدفاعي والعسكري.
تتمتع الصين بعلاقات وثيقة متزايدة مع الحكومات المناهضة للولايات المتحدة في العالم، مثل إيران في الشرق الأوسط. ومع ذلك، فإن مسار بكين لتوسيع نفوذها في الشرق الأوسط غير واضح. بالإضافة إلى ذلك، تريد الصين تحالفاً استراتيجياً مع إيران، لكن على طريقتها الخاصة وهي كوسيلة لفرزها من التعدي الجيوسياسي للولايات المتحدة. وبالمثل، تعتمد إيران على المساعدة من الصين لكسر الهيمنة الأميركية وتحقيق ميزان قوى جديد، وتريد أيضاً المزيد من التعاون العسكري والأمني مع الصين لفرض هيمنتها في إقليم الخليج العربي والشرق الأوسط. ومع ذلك، نحن بحاجة إلى تحليل طبيعة هذه العلاقات من أجل أن نقرر ما إذا كان يمكن وصف العلاقات الصينية الإيرانية الوثيقة بأنها "تحالف استراتيجي" أم "شراكة إستراتيجية" و "التقاء مصالح".
في هذا الصدد، تحدد الحكومتان الصينية والإيرانية علاقاتهما بأنها "وثيقة للغاية" و "استراتيجية" في العديد من المجالات. على الرغم من أن الصين تعد حليفاً صعباً ومتقلباً بالنسبة لإيران، فإن الدولتين أحياناً تصفان بعضهما البعض بأنهما "حليفين استراتيجيين"، وأحياناً أخرى بأنهما "شريكين استراتيجيين". في الواقع إن وصف "التحالف الإستراتيجي" هي صفة يتم توظيفها في كثير من الأحيان، ولا سيما من قبل إيران أكثر من الصين. فمن الملاحظ أن إيران طوال السنوات الماضية كانت تدفع بهذه العلاقة نحو "تحالف استراتيجي"، ولعل أبرز مثال أمامنا ما قاله علي أكبر ولايتي رئيس مركز الأبحاث الإستراتيجية التابع لمجمع تشخيص مصلحة النظام، خلال إجتماع مع عدد من المسؤوليين الصينيين من وزارة الخارجية الصينية بمن فيهم نائب وزير الخارجية السابق والأمين العام الحالي لمنظمة شنغهاي للتعاون، تشانغ ديوانغ، في يناير 2015، حيث قال لهم: "إننا حريصون على تطوير العلاقات مع الصين وأن العلاقات الإيرانية الصينية إستراتيجية". [أنظر: Velayati: Iran-China relations strategic].
أيضاً الصين في بعض الأحيان تطلق على هذه العلاقة وصف "الشراكة الإستراتيجية"، ولكن لم نسمع من الصين وصف "التحالف الإستراتيجي". قبل نحو شهر، في 14 يونيو، صرح الرئيس الصيني شي جين بينغ على هامش قمة منظمة شنغهاي للتعاون في العاصمة القرغيزية بيشيك: "بأن بكين مستعدة لتضافر الجهود مع طهران في تعزيز تنمية مطردة للشراكة الإستراتيجية الشاملة الثنائية". وجاءت تصريحات شي بينغ خلال اجتماعه مع نظيره الإيراني حسن روحاني في العاصمة القرغيزية بيشيك، وأكد أن الصين تنظر دائما إلى علاقاتها مع إيران من منظور استراتيجي وطويل الأجل، وأنه على الرغم من التغيرات في الأوضاع الإقليمية والدولية، إلا أن الجانب الصيني يرغب في التعاون مع الجانب الإيراني في تعزيز التنمية المستمرة والمطردة للشراكة الإستراتيجية الشاملة بين البلدين". [أنظر: شي: بكين مستعدة لتضافر الجهود مع طهران لتعزيز الشراكة الإستراتيجية الشاملة].
لكن الواقع أكثر تعقيداً. بعبارة أخرى، عندما نلقي نظرة فاحصة، فإن مقاربات البلدين لمفهوم "التحالف الاستراتيجي" متباينة للغاية. الآن، يتبادر إلى الذهن سؤال حول حدود التقارب بين الصين وإيران. تنظر طهران إلى علاقاتها مع بكين من خلال منظور سياسي دولي ثم تقلصها إلى مستوى العلاقات الثنائية. في حين، بكين تشير إلى العلاقات الثنائية، لكنها ما زالت لا تعتبر إيران شريكاً جاداً في المسرح العالمي. سوف يستمر نهج بكين البراغماتي الحالي طالما أن علاقاتها مع طهران لا تتعارض مع مصالحها الأخرى وعملية تكاملها الدولي. في الواقع، الاحتمالات الدولية لدعم بكين لطهران محدودة. إن مقاربة ونهج الصين تجاه القضية النووية الإيرانية هي مثال جيد في هذا الصدد، فعندما اشتد الخناق عليها من قبل الولايات المتحدة في العقد الأول من الألفية رضخت بكين لواشنطن ولقرارات مجلس الأمن الدولي للأمم المتحدة وصوتت لصالح قرار فرض العقوبات على إيران.
في الواقع، التحالف الاستراتيجي هو نوع من الروابط الأمنية الواسعة التي قد تشمل، من بين أمور أخرى، التعاون لتحقيق أهداف مشتركة حول مسائل المساعدة العسكرية، والصناعات الدفاعية، والمناورات العسكرية المشتركة، وتبادل المعلومات الاستخباراتية، ونشر الوحدات العسكرية في البلدان الشريكة، والتدريب العسكري. ولإنشاء تحالف استراتيجي بين أي دولتين، يجب أن يكون هناك إجماع وتعاون فيما يتعلق بوجهات نظرهم العالمية وأنظمتهم السياسية ومصالحهم طويلة الأجل وقيمهم العالمية.
ولعل من أفضل من كتب عن ماذا يعني التحالف الإستراتيجي بين بلدين، وبالخصوص عندما تكون إيران طرف في هذا التحالف، الكاتبين: Aras Bülent و Fatih Özbay في مقال تحليلي بعنوان: The Limits of the Russian-Iranian Strategic Alliance: its History and" "Geopolitics, and the Nuclear Issue, (حدود التحالف الاستراتيجي الروسي - الإيراني: تاريخه والجيوسياسي والقضية النووية) ونشر في المجلة الكورية لتحليل الدفاع، Korean Journal of Defense Analysis، حيث يقدم الكاتبين تحليل للعلاقات الروسية - الإيرانية من نطاق واسع لدراسة معنى العلاقات في السياقات الثنائية والإقليمية والدولية، وفي ضوء المناقشة في هذا المقال يستحلص الكاتبين إلى أن: "يمكنهم وصف العلاقات الروسية - الإيرانية بأنها "شراكة مشبوهة" بدلاً من "تحالف استراتيجي". إذ تحاول الدولتان الحفاظ على علاقاتهما الثنائية، على الرغم من العديد من الصعوبات بالإضافة إلى تحفيز الحساب الاستراتيجي والشك المتبادل. وكلتا الدولتين ترى بأن الظروف الإقليمية والدولية أجبرتهما على إقامة علاقات أوثق، بينما يراقب كل منهما الآخر بشك. وهذا يذكرنا بمزاج اثنين من التجار ذوي الخبرة الذيّن يعتبران التجارة بينهما مقبولة فقط لأنهما يشتركان في نفس المهنة". [أنظر: The Limits of the Russian-Iranian Strategic Alliance: its History and Geopolitics, and the Nuclear Issue].
وبالنسبة للحالة الصينية، في الواقع، الكثيرين من النخب الإيرانية يشيرون إلى المقاربة الصينية بأنها "براغماتية"، نظراً لأنها تضع في اعتبارها علاقاتها مع واشنطن. تعد الولايات المتحدة شريكاً اقتصادياً أكثر أهمية للصين من إيران. والعلاقة ليست في اتجاه واحد، فالولايات المتحدة أيضاً تعتمد على الصين. من الناحية الإستراتيجية، تقدر الصين علاقاتها مع الولايات المتحدة أكثر من اللازم للمخاطرة بانتهاك حقيقي، لكنها على استعداد لاستخدام الأزمة الأميركية مع إيران كفرصة لتحسين موقعها الاستراتيجي العالمي. على سبيل المثال، في عام 2005، مُنحت إيران صفة مراقب في منظمة شنغهاي للتعاون، وهي منظمة تهيمن عليها روسيا والصين.
بعد ذلك، في عام 2008 قدمت "طهران" طلباً للحصول على العضوية الكاملة، لكن تم رفض طلبها بعد عامين من تقديمها وذلك بموجب قواعد جديدة لمنظمة شنغهاي للتعاون والتي تحظر عضوية بلدان تخضع لعقوبات الأمم المتحدة. وبعد التوقيع على الصفقة النووية ورفع العقوبات جزئياً قدمت إيران مرة أخرى على طلب الانضمام لمنظمة شنغهاي للتعاون، وإلى الآن لم تحصل على الرد، يتم المراوغة في اعطائها العضوية الكاملة، وبالطبع البلدين المسيطرين على منظمة شنغهاي هما: روسيا والصين. وقد اعتبر الكثيرون رفض منح إيران العضوية الكاملة في منظمة شنغهاي للتعاون محاولة لعدم استعداء الولايات المتحدة، التي تعارض العضوية الإيرانية في المنظمة. وبمتابعة للصحف الإيرانية باللغة الفارسية نجد العشرات من المقالات التحليلة التي تؤكد على مدى أهمية حصول إيران على العضوية الكاملة، نظراً لأن العضوية الكاملة لإيران في منظمة شنغهاي للتعاون تمثل طريقة منخفضة التكلفة لتعزيز وضعها الدولي وبالتالي ستعزز من دورها الإقليمي.
بما أن العلاقات الثنائية بين الصين وإيران ستظل تعاني من عدم اليقين الاستراتيجي، فإن دبلوماسية الدفاع تقدم طريقة فعّالة لإيران من حيث التكلفة لإدارة علاقاتها مع الصين. ربما لهذا السبب تواصل إيران في الاستثمار في دبلوماسية الدفاع، نظراً لأن إشراك الصين في خطة عسكرية قوية مشتركة، وتوسيع عدد وحجم هذه المبادرات الدبلوماسية. هذه المناقشات كافية لتذكيرنا بأن إنشاء تحالف فعّال واستراتيجي يتطلب عملاً شاقاً.
3 - معوقات التحالف الإستراتيجي الصيني - الإيراني
هناك العديد من المناظرات والمناقشات السياسية بين النخب الإيرانية حول "التحالف الإستراتيجي" الصيني - الإيراني، وهناك شعور بالإحباط لدى النخب الإيرانية تجاه المقاربة الصينية "البراغماتية" في إدارة معضلة إيران في الخليج العربي، والنخب الإيرانية تصف هذه المقاربة الصينية للعلاقات الصينية - الإيرانية بأنها مقاربة الخداع والاستغفال والاستغلال، بهدف تعزيز العلاقات الصينية الأميركية. ويقول بعض المحللين والدبلوماسيين الإيرانيين إن بكين ستفضّل دائماً العلاقات مع واشنطن على العلاقات مع طهران.
يعمل صنّاع السياسة من أجل مصالحهم الوطنية. ولذا فإن الصينيون ينظرون لهذا الأمر من عدة زوايا، ويدركون أن حجم العقبات لتحقيق "التحالف الإستراتيجي" مع إيران كبير. وأهم هذه المعوقات هي:
1 - الهيكل الاقتصادي
من الناحية الاقتصادية لا يمكن أن يتحقق "تحالف استراتيجي اقتصادي بين الصين وإيران"، لأن أولاً، لا يوجد تشابه بين الهياكل الاقتصادية ودرجة تطور البلدين. ثانياً، حجم التجارة الإيرانية مع الصين بالكاد يتجاوز 0.5٪ من التجارة الخارجية للصين، بينما يبلغ حجم التجارة مع الولايات المتحدة 20٪ من تجارة الصين الخارجية. حتى حجم التجارة بين الصين وإسرائيل في ارتفاع مستمر، وهناك نمو سنوي متوسط 40٪ من التجارة بين البلدين، وعام 2008 بلغ مستوى قياسي قدره 5.1 مليار دولار. فكرة أن الصين تتخلى عن تجارتها مع إسرائيل والولايات المتحدة بسبب تحالف استراتيجي محتمل مع إيران غير منطقية. ثم يمكن الاستنتاح بأنه بأفضل طريقة ممكنة يمكن لإيران أن تكون مجرد مزود للطاقة الصينية وسوقاً مستهلكاً لسلعها. ثالثاً، في أفضل الأحوال، إيران عدة مرات فرضت عليها العقوبات، وحالياً تحت العقوبات الأميركية. لذلك، سوف يكون لدى الطرفين قيود حتى في علاقاتهما التجارية.
2 - الهوية والأيديولوجيا
ليس هناك أفق لهذه العلاقات يتجاوز العوامل غير المادية مثل الهويات التاريخية والأيديولوجية وتُساعد الهويات الشخصية في تكوين علاقات ودية أو غير ودية. العلاقات الفكرية والإيديولوجية عوامل مهمة في تشكيل التحالفات والمعاهدات، مثل حلف بغداد في عام 1955، أو اعتبارات الهوية في تأسيس مجلس التعاون الخليجي. إذا نظرنا إلى العلاقات الإيرانية الصينية من هذا المنظور، يمكن للمرء أن يرى بسهولة الاختلافات الجذرية بين معتقدات إيران الشيعية، والتوجهات والطموحات الوطنية الفائقة للصين، وتطلعاتها ومكانتها في النظام الدولي. على عكس إيران التي من أولى أولوياتها تصدير أيديولوجيتها للخارج، فإن الصين تفكر ببساطة في المصالح المادية ولا تتابع الاهتمامات الثقافية ونشر القيّم الشيوعية خارج حدودها. إنهم يحاولون تطوير اقتصادهم عن طريق مزج القومية والماركسية وأسلوب الإنتاج الصيني. لذلك فهم لا يحاولون تعطيل الهيكل الدولي على المدى القصير أو الدخول في حرب كلامية مع الولايات المتحدة بشأن قضايا مثل انتشار القيّم الأميركية في العالم أو عدالة التفضيل على النظام في الإدارة العالمية، يفضلون الحفاظ على دورهم كأصحاب مصلحة مسؤولين في المجتمع الدولي، لكن إيران لا تزال تواصل تصدير ثورتها إلى دول في المنطقة مثل البحرين واليمن ولبنان.
3 - المملكة العربية السعودية
مشكلة أخرى لتطوير العلاقات الإيرانية الصينية هي العلاقات بين بكين والرياض. أبدت الصين اهتماماً خاصاً بالمملكة العربية السعودية بسبب أهمية النفط. وقعت بكين اتفاقية التعاون الاستراتيجي في مجال النفط مع المملكة العربية السعودية في عام 1999، والتي وضعت الأساس للمملكة العربية السعودية لتصبح وتظل أكبر مورد للنفط في الصين. ولهذا السبب، استثمرت الصين وحاولت التأثير على السعوديين ليكونوا أكثر ملاءمة للصناعة الصينية. ومن الأمثلة على ذلك شركة الصين للبتروكيماويات (SINOPEC).
لقاء مع أرامكو السعودية لمناقشة حصة في مصفاة بقيمة 1.2 مليار دولار في مدينة تشينغداو الصينية. تضافرت جهود الجانبان في مشروع بقيمة 3.5 مليار دولار في مقاطعة فوجيان تضمن طاقة تصريفية أكبر. على الرغم من هذه التجارة المتنامية السريعة بين البلدين، إذا استثنينا أهمية صادرات النفط السعودية، فإن إجمالي حجم التجارة بين المملكة العربية السعودية والصين تشكل أقل من 1.5٪ من إجمالي التجارة الخارجية للصين. من ناحية أخرى، وجدنا أن التجارة السعودية مع الصين تمثل حوالي 14٪ من إجمالي التجارة الخارجية للمملكة العربية السعودية. وفي أقل من عقد من الزمن، برزت الدولة الآسيوية [الصين] كواحدة من الشركاء التجاريين الرئيسيين للمملكة العربية السعودية. وكان لديها القدرة على أن تكون الشريك الاستراتيجي الجديد للمملكة، وتاريخ طويل من العلاقات الثقافية مع العالمين العربي والإسلامي، بما في ذلك المملكة العربية السعودية.
يشير هذا الدخول السعودي القوي في السوق الصيني إلى أن الصين لن تقف إلى جانب طهران في خلافاتها السياسية المستمرة مع الرياض. ومؤخراً انضمت أبوظبي إلى نفس مسار الرياض، وبدأت في تعزيز علاقات وشراكة استراتيجية مع الصين، ولعل جهود الرياض وابوظبي سوف تتوج بتأثيرات كبيرة على سياسة الصين.
الخلاصة، علاوة لما طرحناه في هذا القسم، لا توجد معاهدة واتفاق بين الصين وإيران للتعاون الدفاعي والعسكري المشترك في حالة وقوع هجوم على أياً منهما. بعبارة أخرى، إذا بدأت الولايات المتحدة وحلفاؤها في شن حملة عسكرية على إيران، فستكون المساعدة الصينية لإيران مجرد دعوة إلى الوساطة من قبل المنظمات الدولية، مثل الأمم المتحدة.
وفي ضوء المناقشة في هذا التقرير، قد نصف العلاقات الصينية الإيرانية بأنها "شراكة إستراتيجية والتقاء مصالح" وليس "تحالف استراتيجي". وبالتالي، فإن الدافع الرئيسي وراء هذه العلاقات ودبلوماسية الدفاع الصينية - الإيرانية هو كسر أحادية القطبية الأميركية ومناهضة سياسات الولايات المتحدة والهيمنة العسكرية الأميركية في منطقتين: "شرق آسيا والمحيط الهادئ"، و "إقليم الخليج العربي والشرق الأوسط". بالإضافة إلى ذلك، طالما استمرت الولايات المتحدة القطب الأوحد، فإن الصين ستحافظ على علاقاتها مع إيران. نظراً لموقع الصين في مجلس الأمن، يمكنها إطالة العملية التي تقودها الولايات المتحدة لفرض عقوبات عسكرية على إيران.
في مثل هذا الظرف الدولي، فإن العلاقات بين الصين وإيران، على الرغم من أنها ليست في شكل تحالف استراتيجي، ستستمر في الصعود والهبوط وبين المد والجزر، تحكمها الحسابات الاستراتيجية والشكوك المتبادلة. على الرغم من أن الصين وإيران تتمتعان بعلاقات ودية، والتي من المرجح أن تستمر في التمتع بها في العقود المقبلة، فمن غير المرجح أن يظهر تحالف استراتيجي في أي وقت على المدى المتوسط إلى المدى الطويل.
يبين لنا التاريخ أن القوى العظمى لا يمكنها دائماً دعم الدول الشريكة لها ويمكن بسببها أن تنجر إلى حروب لم تكن تنوي الدخول فيها. ومن خلال نظرة توقعية، من الممكن أن نرى يحدث تعاون تكتيكي بين إيران والصين، على سبيل المثال فيما يتعلق بالشأن الدفاعي، في حين أن تعاون استراتيجي جوهري طويل الأجل قد يظل بعيد المنال.
الــــخــــــــاتـــــــــــــــــمـــة
الإســــــــتــنــتــــاج
كيف نجحت بكين قبل أكثر من ثلاثة عقود، بعد أن ساندت بقوة الشاه عشية ثورة 1979، في تأسيس "شراكة مناهضة لهيمنة القوة العظمى أميركا" مع نظام الملالي في إيران. لقد أدت احتياجات الصين المتزايدة للطاقة واحتياجات إيران للأسلحة إلى التقارب من بعض؛ طورت علاقات الصين للوصول إلى سوق مهم لصادرات النفط الإيرانية حيث أن العقوبات أدت إلى عزل إيران عن بقية سوق الطاقة العالمي. وفي المقابل زودت الصين إيران بالأسلحة ولعبت دوراً رئيسياً في تحديث وتطوير برنامج التسليح الإيراني. فضلاً عن الدعم والمساعدة التي قدمتها بكين لطهران في الساحات الدولية. وبعبارة أخرى، النفط الإيراني مقابل السلاح الصيني والدعم والمساندة في الساحات الدولية. باختصار، مزيج من البراغماتية الإيرانية والانتهازية الصينية أدى إلى تشكيل واستمرار العلاقات الدفاعية.
لعبت الصين دوراً رئيسياً، في مساعدة إيران على بدء قطاعها الصناعي العسكري. حيث يعتمد عدد كبير من منصات الصواريخ الإيرانية اعتماداً كبيراً على التقنيات الصينية، بما في ذلك صواريخ عقاب التي يمكن حملها وإطلاقها من طائرة F-14 Tomcat و F-4 Phantom II التابعة للقوات الجوية الإيرانية، وصاروخ نازعات الباليستي قصير المدى ذات الوقود الصلب، وصاروخ نصر المضاد للسفن، وهو مشتق مباشرة من صاروخ C-704 الصيني وتقريباً مماثل ومتطابق له. اليوم معظم أنواع الصواريخ الإيرانية المضادة للسفن العاملة في الخدمة من أشكال مختلفة ومحلية الصنيع هي مستنسخة من التصميمات الصينية التي بنيت كنسخة متطابقة تقريباً للنسخة الصينية. وهناك صواريخ باليستية أخرى مثل فاتح-110 وشهاب-3 التي كان للصين الدور الرئيس في المساهمة والمساعدة في تطويرهما. وذُكر أن الصين لعبت دوراً مهماً في مساعدة إيران على إنشاء منشآت لإنتاج وتصنيع صاروخ نصر المضاد للسفن في عام 2010، وهو صاروخ صمم لإطلاقه من على مقاتلتها F-4، وتعتبر إيران إن دمج صاروخها المضاد للسفن "نصر" مع المقاتلة F-4 توفر لها تطبيق "الإقصاء البحري" عبر استراتيجية "المنطقة المحرّمة/منع الولوج A2/AD".
إلى جانب الدعم العسكري التقليدي، قدمت الصين أيضاً مساعدة مهمة للبرنامج النووي الإيراني، حيث أنشأت المرافق والمنشآت النووية، ووفرت الخبرة الفنية وتدريب المهندسين النوويين الإيرانيين، والمتخصصين في استكشاف اليورانيوم والتعدين، وذلك منذ زمن بعيد قبل فترة طويلة من توقيع الصفقة النووية JCPOA. منذ منتصف الثمانينيات من القرن الماضي، زودت الصين إيران بالتقنيات والأجهزة والمعدات النووية الهامة، وساعدت الفنيين الإيرانيين على إتقان استخدام الليزر لتخصيب اليورانيوم. كما لعب المهندسون والفنيون الصينيون دوراً رئيسياً في المساعدة في إنشاء "منشأة أصفهان للأبحاث النووية"، وهو مرفق له دور محوري في تطوير البرنامج النووي الإيراني. ومع تزويد الصين لإيران مساعدة كبيرة للتغلب على آثار العقوبات الغربية، بما في ذلك استخدام اتفاقيات المقايضة لتجنب العقوبات الاقتصادية الأميركية للتعامل مع البنوك الإيرانية، فقد قوضت بشكل خطير حملة الضغط الغربية ضد إيران.
على الرغم من أن إيران تطور محلياً وتنتج مجموعة متنوعة من الصواريخ، فإن الكثير من قدرة الصواريخ الحالية لإيران جذورها ترجع للتكنولوجيا الصينية ومساعدة الصين لها. إن الجانب العسكري للعلاقات الصينية - الإيرانية هو الذي يزعج العديد من المراقبين في الغرب. حيث لعبت الصين، دوراً حاسماً في تطوير قدرات إيران العسكرية لمجمع "المنطقة المحرّمة/منع الولوج A2/AD"، وزودتها بمجموعة متنوعة من الأنظمة العسكرية المفيدة. وهذا مؤشر بأن إيران تستثمر مواردها في تطوير قدرات "المنطقة المحرّمة/منع الولوج A2/AD" وتستعد بشكل متزايد لشن معركة غير متكافئة ضد عدو أكثر قدرة تقليدياً مثل الولايات المتحدة، والاستفادة من خفة الحركة والسرعة وتكتيكات القيادة والسيطرة اللامركزية، بالإضافة إلى هجمات مضادة متقدمة للسفن وأسلحة مضادة للطائرات، وذلك للدفاع عن أصولها في البر الرئيسي.
ومع ذلك، طهران لا تزال حتى يومنا هذا تعتمد على بكين إلى حدٍ كبير للتصنيع العسكري، والحفاظ على جوهر القدرات المتقدمة والمتطورة للترسانة العسكرية الإيرانية. من الواضح وضوح لا لبس فيه، أن الصين لعبت دوراً حاسماً وبشكل كبير في تزويد إيران بالمكونات التي تدخل في صناعة الصواريخ، وكذلك توطين تقنيات وقطع غيار تدخل في الصناعة العسكرية الإيرانية، وقدمت لإيران تقنية "المعرفة" Know-how العسكرية، وساعدت بشكل كبير في التحديث العسكري الإيراني.
ربما أصبحت بكين أكثر شريك لا يقدر بثمن لطهران، وقادرة على توفير الأسلحة والتجارة وشراء كميات كبيرة من النفط الإيراني مع مساعدة إيران في التغلب على الضغوط الغربية. ولذلك، إيران تنظر إلى الصين كحليف محتمل ضد الولايات المتحدة، وتعدها أهم "شريك استراتيجي" لها، ليس فقط تقوم بتعزيز الاقتصاد الإيراني والقدرة الدفاعية، بل المصالح الإيرانية في الساحة الدولية أيضاً. وفي المقابل، الصين تنظر لدعمها المستمر للبرنامج العسكري الإيراني بأن إيران قوة عسكرية "بالوكالة" في الشرق الأوسط، وقد تأمل في استخدامها لممارسة الضغوط على القوات الأميركية، وكذلك تقييد عملية امدادات النفط للغرب في حال اندلاع نزاع صيني - أميركي في المحيط الهادئ.
ومن ناحية أخرى، تعتمد سياسة بكين تجاه طهران على حالة علاقاتها مع واشنطن. كلما توترت العلاقات بين الصين والولايات المتحدة، كانت العلاقات بين الصين وإيران أفضل، والعكس صحيح. بتعبير أدق، يبدو أن إيران وسيلة تستخدمها الصين في مواجهة الولايات المتحدة من أجل تعزيز مصالحها الخاصة عالمياً.
تمثل الشراكة بين إيران والصين تحدياً إستثنائياً ليس فقط للمصالح والأهداف الأميركية وإنما لأمن واستقرار دول الخليج العربي بل والشرق الأوسط بأكمله، بما يشمل عن ثني إيران عن تطوير قدرتها على تصنيع الأسلحة النووية وتحجيم ترسانتها الصاروخية. لقد أصبح من الواضح بشكل متزايد أن إيران تعتزم تطوير قدرة محلية على صنع أسلحة نووية. على الرغم من الرفض القوي لكثير من المجتمع الدولي، وخاصة الولايات المتحدة وحلفائها، زاد البرنامج النووي الإيراني من حدة التوتر في الشرق الأوسط، مما زاد من شبح التدخل العسكري بقيادة الولايات المتحدة لوقف أو تعطيل جهود طهران النووية.
إن الدور الصيني الكبير والهام في تطوير القدرات العسكرية الإيرانية واضح وجلي. فالتعاون الصيني ومبادرات نقل الأسلحة إلى إيران ومشاركتها لإيران في التكنولوجيا الصينية سهلت من صعود إيران كقوة في الشرق الأوسط. هذا التعاون العسكري بين بكين وطهران صُمم بغرض زيادة عائدات تجارة الأسلحة الصينية وتعزيز النفوذ الصيني في المناطق الإستراتيجية. إن التطورات الأخيرة في القدرات الإيرانية مثل الصواريخ المضادة للسفن والصواريخ المضادة للطائرات والمنطقة المحرّمة أجبرت واشنطن على إعادة التفكير في نهجها تجاه طهران، خاصة في سياق محاولة طهران المتزايدة لتطوير ترسانة صواريخها وبرنامجها النووي العسكري. ولذلك، تنظر واشنطن إلى إيران على أنها بُعد واحد محتمل من أبعاد الصين وهو التوسع الصيني في مناطق إستراتيجية بهدف نشر القوة في الخليج العربي.
ويبدو أن المقاربة الاستراتيجية الأميركية لتحجيم دور الصين المتصاعد، وبروزها كقوة مرشحة لأخذ مكانة أميركا، تستند إلى كسر العلاقات والتعاون الدفاعي الصيني الإيراني، وذلك من خلال نهجين: النهج الأول، وهو الذي اعتمده الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، ويتكون من مسارين:
1 - المسار الأول: كسر الدور الصيني المتصاعد في مناطق نفوذ أميركا كمنطقة الخليج العربي والتي تعتبر منطقة حيوية وفي غاية الأهمية. ويتم ذلك عبر سحب إيران من حضن الصين، وإزالة توترات طهران مع الغرب وخاصة الولايات المتحدة، وتعزيز علاقات إيران مع الكتلة الغربية الأوربية (بريطانيا، فرنسا، المانيا). وربطها بالقيّم الغربية بعيداً عن النهج الصيني الذي يستند إلى اختراق الدول المناهضة للولايات المتحدة القوة العظمى والقطب الأوحد. وهذا من شأنه أن يؤدي إلى تخلي إيران عن نهجها الثوري الأيديولوجي، وتصبح عنصر فاعل ومؤثر على الصعيد الإقليمي، ومن المحتمل تسيطر وتهيمن على إقليم الخليج العربي ودول عربية أخرى طالما هي بعيدة عن حضن الصين. ولذا، انخرطت إدارة أوباما ومعها الكتلة الغربية في المفاوضات النووية ومن ثم التوقيع على الصفقة النووية مع إيران.
2 - المسار الثاني: بعد تنفيذ الصفقة النووية والتوقيع عليها، تتحول إدارة الرئيس الأميركي (باراك أوباما) نحو الشرق (شرق آسيا) في محاولة لاحتواء النفوذ المتزايد للصين. ولعل نتذكر جميعاً عندما كانت أميركا تتفاوض مع إيران حول الصفقة النووية كان أوباما يكرر بأن لدى أميركا خطة للانسحاب من منطقة الخليج أو لتقليل حجم القوات الأميركية من المنطقة والتوجه نحو شرق آسيا والمحيط الهادئ. ومن ناحية أخرى، إذا قطع أوباما علاقات جديدة بين الولايات المتحدة وإيران بهدف زيادة الاستقرار في الشرق الأوسط ومنطقة الخليج العربي، فسيكون لديه المزيد من الوقت لدفع المزيد من الاهتمام بشرق آسيا، وخاصة الصين.
بيد أن كل الشواهد والدلائل أثبتت أن هذه المقاربة لنهج "أوباما" فشلت. قبل دخول الاتفاق النووي حيز التنفيذ والذي كان محدداً له في 15 يناير 2016، احتجز "الحرس الثوري الإيراني" في 12 يناير 2016 سفينتين حربيتين وعشرة أفراد من البحرية الأميركية في مياه الخليج العربي، وهذا كان مؤشر على أن السلوك العدائي الإيراني لم يتغير. كما أن استمرت إيران على نهجها الارهابي عبر أذرعها ووكلائها في المنطقة، وواصلت في تطوير ترسانتها الصاروخية وإجراء كل يومين اختبار لصاروخ جديد. والأهم من كل هذا، إن من بين أهم أسباب عقد صفقة نووية مع إيران، خنق العلاقات الصينية الإيرانية لتحجيم الدور الصيني المتصاعد، إلا أن على عكس ما كانت تتوقعه أميركا، الصفقة النووية أضفت الشرعية الدولية على العلاقات الصينية الإيرانية، وأصبحت العلاقات أوثق، ووجدت بكين أن تطوير علاقات أوثق مع إيران الجديدة، التي تتعاون الآن مع الغرب في المجال النووي، أقل تكلفة من الناحية السياسية. وهذا من شأنه أن يشجعها على الاستمرار في علاقات دفاعية أعمق مع طهران، ولن تؤدي إلى رد فعل غربي قوي، كما وأن الصين وإيران تحرروا من القيود والعقوبات التي كانت تفرض على إيران.
النهج الثاني: هو النهج الذي تتبناه إدارة الرئيس الحالي دونالد ترامب. وهو أيضاً يتكون من مسارين كما نهج أوباما ولكنه معاكس، حيث يتقدم المسار الثاني لأوباما على المسار الأول، كما يلي:
1 - المسار الأول: عوضاً من عقد صفقة ناقصة وبنودها فضفاضة مع إيران - مثل صفقة أوباما - لتحييدها عن الصين بهدف تحجيم الدور المتصاعد للأخيرة في المنطقة، ينبغي الذهاب أولاً ومباشرة إلى داخل منطقة الصين في شرق آسيا والمحيط الهادئ، والتفاوض مع الدولة التي ضمن حلقة نفوذ الصين وبالقرب منها وعلى حدودها وهي كوريا الشمالية. ولذلك ترامب بدأ بكوريا الشمالية وعقد اتفاق معها، بهدف تعزيز نفوذ أميركا داخل حلقة نفوذ الصين وبالقرب من جوارها الجغرافي في شرق آسيا والمحيط الهادئ. ولعل البدء في الحرب التجارية مع الصين أيضاً لها علاقة وارتباط مع هذا المسار.
2 - المسار الثاني: إدارة الشرق الأوسط عبر التركيز على إيران "القوة الإقليمية بالوكالة" للصين في منطقة الخليج العربي. نظراً لأن إدارة الشرق الأوسط سوف تسهل من عملية إدارة قوة كبرى صاعدة مثل الصين. وتعتقد أميركا بأن تجربة خدمة الحرب غير النظامية في الشرق الأوسط التي تمارسها إيران ساعدت في إعداد خدمة الحرب بالوكالة للصين. علاوة على ذلك، برنامج التسليح الإيراني الذي ساهمت الصين في تطويره، لاسيما الترسانة الصاروخية، بسببها انسحب ترامب من الصفقة النووية الإيرانية، لعدم وجود قيود صاروخية في صفقة "أوباما"، باعتبارها واحدة من عيوبها الرئيسية، وسبب رئيسي لقرار الانسحاب من الاتفاق. من خلال الانسحاب وإعادة فرض العقوبات على إيران، هي أولى خطوات هذا المسار نحو إدارة الشرق الأوسط، لممارسة ضغط كبير على طهران وإجبارها على قبول "صفقة جديدة" شاملة تلبي المتطلبات والشروط الـ 12، بما في ذلك وقف جميع عمليات تخصيب اليورانيوم، ونهاية الدعم الإيراني للجماعات الإرهابية في الشرق الأوسط، وانسحاب جميع القوات التي تحت القيادة الإيرانية في سوريا. فيما يتعلق بقضية الصواريخ، فإن الشرط هو "يجب على إيران الحد من انتشار الصواريخ الباليستية ووقف إطلاق المزيد أو تطوير الصواريخ ذات القدرة النووية".
ويبدو أن الإدارة الأميركية الحالية، لا تتطلع للتفاوض مع إيران لحلول فضفاضة وإبرام صفقة منفصلة، بما في ذلك صفقة صاروخية منفصلة، نظراً لمخاوفها بشكل كبير بشأن السلوك الإيراني. بدلاً من ذلك، يبدو أنها تعتمد على "حملة الضغط القصوى" بطريقتها الخاصة لإحداث تغيير أساسي في توجه وسلوك إيران وسياساتها التي ستنعكس على استسلام شامل لمطالب الولايات المتحدة، أو كما يعتقد كثير من المراقبين الهدف الأكثر واقعي هو انهيار النظام الإيراني.
على الصين أن تلتزم بعناية بين موازنة دعمها لإيران ومصلحتها في تجنب الصراع المباشر مع الولايات المتحدة.
لدى الصين وإيران مصالح متضاربة حول العديد من القضايا، بالرغم من أن البعض في الصين يجد في دعم إيران فرصة لإخضاع الولايات المتحدة إستراتيجياً، إلا أن الصين لا تميل بشكل عام لإحتضان إيران بشكل كامل خوفاً من الإضرار بعلاقاتها ليس فقط بالولايات المتحدة وبسمعتها على الساحة الدولية، وإنما أيضاً الإضرار بعلاقاتها المتميزة مع دول مجلس التعاون الخليجي وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية المزود الرئيسي والأكبر لموارد الطاقة للصين.
وبالنظر إلى تضارب المصالح بين الصين وإيران، يتعيّن على دول الخليج العربي وبالتحديد المملكة العربية السعودية إستخدام أدواتهم الدبلوماسية للاستمرار في إحباط قدرات إيران التسليحية، ولا سيما الترسانة الصاروخية التي تستمد قوتها من التعاون الدفاعي الصيني، وإيقاف برنامجها النووي في شقه العسكري، والضغط على الصين للحد من علاقاتها مع إيران.
إعداد: عبير البحرين
المنتدى العربي للدفاع والتسليح